القسم الثاني :
أحاديثٌ وأخبارٌ في فضائلِ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ ومَحاسنهِم ، حَوَّلَتْها وقَلَبتْها أيدي الكَذِبِ والتَّزويرِ إلى مساوئَ ومَثَالِبَ
والعجيب في أصحاب هذه الشبهات هو غفلتهم عن معارضة هذه الأباطيل التي يأتون بها بروايات وأخبار صحيحة تنسف
ما يدعون وفيه يصولون ويجولون فمثال على هذه الشبهات والأخبار التي لها ينتصرون :

- قِتَالُ أبي بكرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه لأهلِ الرِّدَّةِ
بعدَ وفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كان طاعةً لرسولِ الله في أمرهِ بقتلِ مَنْ بَدَّلَ دينَهُ مِنَ المُرتدّينَ ، وذَوْدًا عن حَظيرةِ الإسلامِ والمسلمينَ ، فجاء (البعضُ) وجعلَ هذه الفضيلةَ والمنقبةَ مِنْ مساوئِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه والعياذُ بالله ، عن طريقِ بَثِّ الشُّبهاتِ حولَ هذا الفعلِ المباركِ مِنْ خَليفةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فزعموا - كذبًا - أنّه قاتلَ المسلمينَ ، أو قاتلَ الذين أَبَوْا أنْ يُبايعوه !

وقد غفل هؤلاء عن تأييد كبار الصحابة لهذا الفعل المبارك بل وإجماع الأمة على استحسانه وكذلك غفلوا عن تأييد ومباركة إمام أهل البيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في حروبه ضد أهل الردة ، فقد استشار أبو بكر رضي الله عنه عليا في شأن قتال من ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنع الزكاة فقال أبو بكر لعلي رضي الله عنهما : ( ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : أقول إنك إن تركت شيئا مما كان أخذه منهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأنت على خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أما لئن قلت قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا ).(1) ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه رضي الله عنه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على بقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبي بكر الصديق رضي الله عنه بنفسه إلى ذي القصة وعزمه على محاربة المرتدين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : «لما برز أبو بكر إلى ذي القصة واستوى على راحلته أخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد : (لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظاما أبدا»(2) فرجع الصديق رضي الله عنه أخذا بنصح الأمين المخلص علي رضي الله عنه .

وبعد هذا كله يأتينا من يكرر عبارات الظلم والجور فيقول: « انهم كانوا يسمون القبائل التي رفضت خلافة أبي بكر بأسم المرتدين ظلماً وعدواناً»
[كامل النجار وجريمة الارتداد لنبيـل الكرخي]

فمن هم الذين كانوا يطلقون هذه التسمية صفهم لنا لماذا لم تسميهم وعلى أي برهان ودليل يتمسكون ، أم ليس لديهم

إلا الكذب والظلم والجور في إطلاق الأحاكم ومحاكمة التاريخ بهذه الطريقة الضعيفة التي لا تمت للبحث العلمي بصلة .

- وكذا قِتَالُ أميرِ المؤمنينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه للخوارجِ
؛ تحقيقًا لنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فيهم ، وطاعةً لأمرهِ بقتالِهم ، فحوّلوا تلكَ المناقبَ العظيمةَ لعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ، وحِنْكَتَهُ في الحُكْمِ والإدارة إلى سَيِّئَاتٍ ، وقِصَّةُ عبدِ الله بنِ عَبَّاسٍ الذي بَعَثَهُ الإمامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهما للخوارجِ مِنْ أوضحِ الدلائلِ على ما ذكرنا (3) .

- وأيضا : تَنازُلُ الإمامِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ الخِلاَفَةِ لمعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه
؛ تحقيقًا لنبوءةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإصلاحِ ، وحَفظًا لدماءِ المُسلمينَ ، وجمعًا لشملِهم ؛ فقُلبتْ هذه المآثرُ والفضائلُ إلى سيئاتٍ ، حَتَّى قدحَ (بعضُهم) في سَيِّدِ شَبَابِ أهلِ الجنَّةِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه وأطلقوا عليه لَقَبَ : «مُذِلُّ المؤمنينَ» (4) ، تَعييرًا وتَهَكُّمًا عياذًا بالله مِنَ الخُذلانِ والحرمانِ ، وتَجاهلَ هذا الخاسرُ مَدْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لِفْعْلِ الحَسَنِ ، بقولهِ : ( إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ ، ولعَلَّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ به بين فئتينِ عظيمتينِ مِنَ المسلمينَ ) (5) وقد كان هذا .

- وكذلك جَمْعُ الخليفةِ الثالثِ عُثْمَانَ الشَّهيدِ الصَّابرِ رَضِيَ اللهُ عنه للقرآنِ الكريمِ
؛ هذه المنقبةُ العظيمةُ حُوِّلَتْ وقُلِبَتْ - أيضًا - إلى مَثلبةٍ وطَعنٍ فيه ، مع أنَّ الأُمَّةَ
إلى يومنا هذا يذكرون هذا الفعلَ المباركَ المُوَفَّقَ كفضيلةٍ كُبَرى ومِنَّةٍ عُظَمى على الإسلامِ والمُسلمينَ لا يعلمُ قدرَ عِظَمِها إلاَّ اللهُ تعالى والعالمونَ.

ولذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينهي من يعيب على عثمان رضي الله عنه ويقول : « يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا

فوالله ما فعل الذي فعل - أي في المصاحف – إلا عن ملأ منا جميعا ـ أي الصحابة ـ : والله لو وليت لفعلت مثل ما فعل»(6)
وغير ذلك كثيرٌ مما يطولُ ذكرُهُ مِنَ الطَّعنِ وقلبِ الحقائقِ في حَقِّ آلِ البَيْتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم.

وإنما ضربنَا بعضَ الأمثلةِ للتوضيحِ والبيانِ ، وليحذرَ القارئُ للتاريخِ مِنْ هذه الطرقِ والمناهجِ المتبعةِ مِنْ قبل البعضِ ، هداهمُ اللهُ للحقِّ.