وثيقة (5): التوقف عن الاستسلام للتهديدات- بيان رسمي5
إن الحفاظ على حرية التعبير هي أرخص وأكثر طريقة في حاجة للدعم لحكم الدولة والحفاظ على استقرارها. هذه هي النصيحة التي حث عليها أكبر جاندجي للقائد الروحي الإيراني آية الله الخميني . وقد تم حبس الصحفي الإيراني والفيلسوف السياسي جاندجي لما يفوق عن ست سنوات . كم المدة التي قد تكون فيها القضية الواضحة خاضعة لحكم القانون بينما تعمل الحكومة طبقا لقوانين منشورة مسبقا ؟ . لكن كان التاريخ الممكن لإطلاق سراح جاندجي محدد بشكل استبدادي مثل قرار مقاضاته والحكم عليه . إن القصة المأساوية لحرية التعبير كحق من حقوق الإنسان له مكانة خاصة في الصورة العالمية لانتهاك حقوق الإنسان . والسبب واضح : وهو أن قمع حرية التعبير هي بداية انتهاكات الحقوق الأخرى للإنسان .
وفي معظم الثقافات والبلدان الإسلامية تعتبر حرية التعبير غير معروفة . ولا يوجد شيء جديد؛ حيث يود كلا من الشوفينية والقومية العرقية والتعصب الديني مواقف عدائية ضد المنشقين .
حديثا ، ومثلما هو في دول أخرى ، واجهت هولندا هذه الظواهر . وقد لا تكون هذه الظواهر اصطدمت بأي أحد حتى الآن لكنها حقيقية . وقبل أن أتعامل معها بشكل كلي أكثر أود أولا أن أناقش مظهرها وطبيعتها في العالم الإسلامي : قتل المفكر قصراوي .
فعندما يرغب المفكرون في الدولة الإسلامية أن يشتركوا في جدالات حاسمة ، يواجهوا مشاكل خطيرة . والمثال المشهور هنا هو ما حدث لأحمد قصراوي (1891- 1946) . فهذا المحامي والمؤرخ والصحفي غير مشهور في العالم الغربي لكن له شهرة كبيرة في إيران بصفته مناصر لحقوق الإنسان والمبادئ الدستورية الليبرالية . وقد قام قصراوي أيضا بعمل أبحاث حول النظرية اللاهوتية السياسية للإسلام وقد قام في عمله بنقد المفهوم الشيعي للإمام . وقد اتهمه عدد من المتبعين لآية الله الخميني بالكفر وتم إحراق كتبه على الملأ .
فعلى الرغم من أن القوات المتحالفة في إيران (الأمريكيين المقيمين في طهران) قد شاهدو بدهشة انهيار النازية في أوروبا ، حدث موقف غريب في طهران . وقد أقام واحد من حركة طالباني يسمى نواب صفوي منظمة سرية لمقاتلة " أعداء الإسلام " بالقوة وهي تسمى بالفدائيين الإسلاميين . وقد ذهب صفوي إلى أية الله وسأله عن فتوى ضد قصراوي . وقد تم تلبية طلبه وقضت الفتوى بإعدام قصراوي . وفي 28 أبريل 1945، نفذ صفوي محاولة اغتيال قصراوي في وضح النهار . وقد ظل قصراوي حيا بعد محاولة الاغتيال ، وتم القبض على المجرم لكنه حاول بعد ذلك الهروب إلى نجف (العراق) حيث ترأس جماعة إرهابية لفترة من الزمن .
وفي مارس من عام 1946 ، كانت قارة أوروبا حرة مرة ثانية . ولكن في طهران أثير الصراع حول حرية التعبير مرة ثانية . وبناء على اتهامات موجهة إليه من قبل عدد من أعضاء حركة طالبان ، تم استدعاء قصراوي للمثول أمام النيابة العامة في طهران بتهمة عدم احترام المقدسات الدينية . في البداية كان نظام القضاء الإيراني معارض لمحاكمته . أولا ، تمنوا لو كانوا قادرين على إحالة القضية إلى قوات التحالف مستنجدين بمعاهدة التحالف أن تمنح كل الإيرانيين حق حرية التعبير . ومع ذلك ، اعتبر الحلفاء القضية مسألة داخلية . وقد حدث أن الأمريكان طلبوا من الشرطة الإيرانية حماية منزل القصراوي . وقد كان يوم 11 مارس 1946 هو اليوم الذي كان يجب فيه محاكمة القصراوي أمام المحكمة العليا في طهران . ومن خلال الصحافة ، علم ثماني أعضاء من الفدائيين الإسلاميين بزمان ومكان نظر الدعوى . وقد قام مرتكبي الجريمة باقتحام المحكمة وقاموا بقتل القصراوي وسكرتيره . وقد استخدم مرتكبي الجريمة كل من الأسلحة النارية لقتل الكاتب والتمثيل بجسده .
وقد يكون التشابه مع هولندا واضح بشكل تدريجي لأن هذا التقليد الخطير تم نقله إلى أوروبا بشكل سيء . ففي 2 نوفمبر 2004 ، تم اغتيال المخرج والكاتب الصحفي فان جوخ . وقد أقر المتهم محمد بويري أنه قام بذلك عن قناعة دينية . وقد تكلم محمد ببيوري على مسامع المواطنين الهولنديين ما يلي"كلمات ساحرة لكنها محيرة" .
"شيء آخر عن انتقادكم . قد يقصد بالمغربيين أنه مسلمين . أنا لا ألومكم ، لأن نفس القانون الذي يطالبني بضرب عنق كل من بتشويه الذات الإلهية ورسول الله
هو نفس القانون الذي يأمرني بألا أمكث في هذه الدولة ، أو على الأقل في دولة ينادى بها ، على حد قول النائب العام ، بحرية التعبير. (.....) وأنا أعتقد أن ضباط الشرطة الذين ألقوا القبض علي في 2 نوفمبر لهم الحق في أن يعرفوا : أنا لا أطلق عليك النار حتى تبقى حيا ، لكني أطلق عليك النار لأقتلك فأقتل " .
وفي عام 1989 سقط حائط برلين . وقد كان رمز للماركسية الشمولية في سطوتها لقرن كامل تقريبا . وفي الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له ، تم استعباد عدد لا حصر له من الكتاب وتم حظر حرياتهم . لكن في نفس العام ، رفع شكل جدي من أشكال الشمولية والاستعباد رأسه : ولقد نادت الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني ضد سلمان رشدي- وبنفس تقليد اغتيال القصراوي - بقتل كاتب بريطاني . قد ينظر إلى الهجوم على كتاب سلمان رشدي " آيات شيطانية " على أنه ميلاد للحركة الطالبية في أوروبا : حيث تلا ذلك إحراق للكتب وتهديدا وهجمات إرهابية على الناشرين والمترجمين . وقد رفضت الدول الأوروبية وأهل الفكر بها الاستسلام لهذه التهديدات الإرهابية . وقد تشجع برلمان الكتاب الدوليين على مقاومة الأشكال الإرهابية التي تتخطى حدود الدول . لكن يبدوا أن أوروبا قد فقدت المرونة . ولسوء الحظ ، أنه كان هناك تغيير في صميم حرية التعبير بعد اغتيال فان جوخ . وهذا يتعلق بفيلم " الخضوع " ، الذي أخرجه فان جوخ الدارس للعلوم الإلهية والعضو الألماني آيان حرصي حول اضطهاد المرأة في الثقافة الإسلامية .
ولم يتم عرض فيلم "الخضوع" حتى 2 نوفمبر 2004.
في الواقع ، يقع الفيلم تحت حظر غير رسمي من العرض على الشاشة . ولكن تم إصدار هذا القرار بالحظر ليس من جهة بعينها ولكن من قبل جماعات إجرامية تهدد بأعمال إرهابية . وفي عام 2005 لم يجرؤ المنتجون في هولندا على عرض فيلم لمدة عشر دقائق لأنه لم يتمكنوا من ضمان حماية الشركة المنتجة . ونحن نعتبر أن هذا عاديا في هولندا كما في أي مكان آخر . في الواقع ، لماذا نحن نصارع من أجل حرية التعبير للفنانين والصحفيين في الدول الاستبدادية مثل إيران حيث يبدوا أن الموقف في هولندا بدا شبيها له بشكل مريب ؟
ولحسن الحظ أن الآيات الشيطانية يعاد نشرها هنا لكن هل لا يزال هذا ملائما بالفعل ؟ هل أصبح الكتاب مثل سيجارة مشتعلة في برميل بودرة ؟ إن الكلام الحر في خطر من أن يكون محظور بشكل متزايد وذلك بعد ظهور " الخوف من الإسلام " و" التمييز العنصري " . وقد استسلم بعض المفكرون بالفعل . فعلى سبيل المثال ، تم إلغاء عرض أوبرا عائشة في روتردام في عام 2001 لأنه تم فيها تصوير زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على المسرح . وقد اضطر إلى إلغاء الإنتاج لأن عدد من الممثلات شعرن بالخوف والتهديد . وقد تم حديثا إجبار الكاتبة حسناء المارودي ، التي لها عمود صحفي في جريدة هاندلزبلاد التابعة لـ NRC ، على ترك عمودها بسبب تهديدات بالعنف من المجتمع المغربي . ماذا حدث للجراءة المدنية ؟ لماذا لا نسمع شيء عن الناشرين والفنانين والإعلام ورفقاء وزملاء الناس الذين استسلموا عقب نتائج الاستسلام التطوعي ؟
فنحن يجب أن نتوقع الشجاعة ليس من هؤلاء المهددين فقط لكن ممن حولهم ومن الناشرين لهم ومن المنتجين ومن زملائهم.....إلخ.
فلقد ووجهت أنا بعدم تسامح ديني سياسي من قبل . وأنا أعرف كيف تبدأ وكيف تتطور . لا تقل أو تدع مجالا للقول بأننا تحت سيطرة " الخوف من الإسلام " أو " العنصرية " . صدقني فهم مختلفون . فمارتن لوثر لم يكن كارها الكاثوليكية لكنه كان منتقدا للكنيسة وأحوالها . كما أن فولتير لم يكن كارها للدين لكنه كان ببساطة منتقدا للمراسيم الغير متسامحة للدين . هل كان يجب منع أو صد الإصلاح على أساس أن لوثر "لا يجب أن يشوه سمعة كل الكاثوليكيين"؟
وما زال المفكرين أنفسهم ينادوا بشكل متزايد بمراقبة المطبوعات لشكل متزايد وإعداد تقارير صحيحة سياسيا عن النزعات الغير مستامحة. هل تلك الدولة فقدت شهيتها للحرية؟ هل أصبحت الدولة التي نشر فيها بيري بايلي وجون لوك كتبهم أصبحت أرض الآراء المحجوبة؟
فلم يحاول أحد أن يشوه سمعة كل الملتزمين بعقيدة معينة أو يجمعهم سويا. ولنكرر ثانية إن هذا ادعاء ماكر. لكن ما يجب الحفاظ عليه هو فرصة انتقاد الدين بحرية حتى إذا كان هذا سيضايق الراديكاليين المتطرفين. وفي هولندا وفي كل الأماكن لدينا عادة التأييد. فقد نجد أنه من غير المقبول في محراب بيع الكتب أن ترفض بيع كتاب آيات شيطانية. وهذا الأمر لم يعد أمرا محليا. فنحن يجب أن نتغلب على مخاوفنا من خلال شكل للتضامن الدولي. والآن تحتاج هولندا لمثل هذا التضامن. لذلك فأنا أعتقد أنه يجب إضفاء الصبغة الدولية على هذا الأمر.
ويجب تأسيس لجنة دولية لتتولى أمر عرض فيلم "الخضوع" وجعل ذلك متاحا لأي شخص (يريد أن يعرض هذا الفيلم). وبهذه الطريقة، يجب تطويق الحظر المفروض على العروض. فلا يمكن أن يتم توظيف الثقافة الديمقراطية بدون تشجيع مدني. لذلك هيا بنا نكون شجعانا ونقهر الحظر المفروض عل فيلم "الخضوع".


1 اصدرت في الأصل عن نصر خضر في عام 2002 ومقتبسة من الموقع الالكتروني لنصر خضر




4 تم نشره لأول مرة في Morgenavisen Jyllands Posten بتاريخ 28 فبراير 2006.

5 الأستاذ أفشين إيليان هو أستاذ التماسك الاجتماعي، دراسات المواطنة وتعدد الثقافات، جامعة ليدن، كلة الحقوق. قام أفشين بقراءة هذا البيان في مهرجان الأدب الدولي في وينترناحتن في هاجو في 20 يناير 2006 وتم نشره فيما بعد في مدونته الشخصية.