كتاب لابن تيمية رحمه الله
1- عيسى يُعلـّم إبليس أنه لا سجود إلا لله ، وأن الله هو الرب وحده سبحانه وتعالى :
في إنجيل متى الإصحاح الرابع ، العدد 1 إلى 11 :
ثم صعد الروح بيسوع إلى البرية ليُجرَّب من قبل إبليس ، وبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً ، فتقدم إليه المجرِّب وقال له إن كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تتحول إلى خبز ، فأجابه قائلاً : قد كُتِبَ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ، ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على حافة سطح الهيكل وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر ، فقال له يسوع وقد كتب أيضاً لا تجرب الرب إلهك ، ثم أخذه إبليس أيضاً إلى قمة جبل عال جداً وأراه جميع ممالك العالم وعظمتها وقال له أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي ، فقال له يسوع اذهب يا شيطان فقد كتب : للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ، فتركه إبليس ، وإذا بعض الملائكة جاءوا وأخذوا يخدمونه
أولا : أحب أن أوضح بعض المعاني كي تفهموا الجزء السابق
معنى المُجرِّب : هو الشيطان إبليس سيجرب عيسى ويسأله أن يحول الحجر لخبز وأن يسجد له .. إلخ
ومعنى كلمة ( قد كُتِب ) : أن أنه مكتوب في الكتب السابقة
وفي هذا النص من الأدلة على أن المسيح عبدٌ لله ما يلي :
1- أن روح القدس (وهو الملاك الذي ينزل بالوحي من الله للأنبياء) أصعد عيسى إلى البرية ليمرنه على عصيان إبليس والرد عليه ، ويعرفه بأساليبه في الغواية ليحذره منها ، ويستحيل لو كان عيسى هو الله أو ابن الله كما تدعي النصارى أن يأخذه الملاك ليعلمه كيف يتقي شر الشيطان ، فهل يحتاج خالق للسماوات والأرض إلى تعليم؟
2- صام عيسى أربعين يوماً وليلة وجاع .. فهل الرب يصوم ويجوع؟ أم أن الرب الإله لابد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه؟ في القرآن في بيان بطلان كون عيسى وأمه إلهين : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صِدّيقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون
فمن يحتاج إلى الطعام لا يكون إلهاً ورباً وخالقاً ، لأن الإله لابد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه ، ولا شك أن من يأكل ويشرب لابد أن يبول ويتغوط .. فهل يوصف الإله بذلك؟ أليس لمن يقول بألوهية المسيح وربوبيته عقل يميزون بين الرب الإله الخالق المنزه عن كل نقص وبين الإنسان المحتاج؟
3- ألفاظ ابن الله التي جاءت في الأناجيل والكتب المقدسة عند النصارى أطلقت على عيسى وعلى أتباعه وعلى كل مؤمن بالله غير كافر به .. وقد ادعاها اليهود كما قال الله في القرآن : وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه
وهذه الكلمة تحتمل معنيين : بنوة الهداية والإيمان والتشريف وهو ما يسمونه بالبنوة الروحية ، ويقال في مقابلها أبناء الشيطان وأبناء الأفاعي كما جاء في الإنجيل في وصف اليهود ، والكل يعلم أنهم ليسوا أبناء الأفاعي من النسب ، وإنما نُسبوا إلى الأفاعي لمكرهم وخطرهم وسمومهم
والمعنى الثاني بنوة النسب ، ولا شك عند كل ذي عقل وتمييز بين الخالق والمخلوق أن المعنى الثاني منتفِ عن الله سبحانه وتعالى ، فليس بين الله وأحد من خلقه بنوة نسب ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، ونحن نورد هنا الأدلة من الإنجيل نفسه أن لفظ ابن الله الوارد في الأناجيل وفي كتب رسل المسيح عليه السلام ما أريد بها إلا بنوة التشريف والمحبة ، وأنها لا تنتمي إلى بنوة النسب والولادة بأي حال ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً
فقول إبليس المتكرر (إن كنت ابن الله) هو من هذا الباب ، ومن ذلك قول عيسى لتلاميذه : وصلـّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات
وقوله : فعندما تصلي فادخل غرفتك وأغلق عليك بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء ، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك
4- قول إبليس لعيسى : إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر
في هذا النص إقرار عيسى لإبليس على النص السابق من كلام الله ، وأنه هو المقصود به ، وإذا كان هو المقصود بذلك فكيف يكون هو ابن الله ثم يقال عنه : يوصي ملائكته بك
فهل يحتاج الإله الرب أن يُوَصَّى عليه وأن تكون الملائكة حماية له ألا يصطدم قدمه بحجر ، وهل يكون من يحتاج أن تحميه الملائكة من السقوط إلا عبداً محتاجاً؟
5- قول عيسى عليه السلام رداً على إبليس : لا تجرب الرب إلهك
فهذا من أعظم الأدلة على أن عيسى يعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو ربه وإلهه وأنه لا يحسن به أن يجربه بمعنى أن يطلب منه شيئاً لينظر أيقدر عليه أم لا؟ فإذا كان عيسى عليه السلام هو الله كما يزعمون فمن يجرب؟ هل هناك أصرح من هذا الدليل في أن عيسى عليه السلام يتبرأ من القوة ويجعل الله وحده هو صاحب الحول والقوة وأنه هو وحده ربه وإلهه
6- دعوة إبليس للمسيح عليه السلام أن يسجد له وقوله له بعد أن أراه من فوق جبل عال جداً جميع ممالك العالم وعظمتها : أعطيك هذه كلها إذا جثوت وسجدت لي ، وقول عيسى عليه السلام رداً عليه : اذهب يا شيطان وقد كتب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد
فيه من الأدلة على فساد معتقد النصارى في ألوهية المسيح وربوبيته الشيء الكثير فمن ذلك :
أ- عرض إبليس عليه ممالك الدنيا ، ولو كان عيسى هو الله أو ابن الله لقال له أنا مالكها وخالقها وهي لي وتحت تصرفي؟ بل ما كان لإبليس أن يتجرأ أصلاً ليقول للإله أعطيك هذه إن سجدت لي
ب- عجباً أن يأمر إبليس خالق السماوات والأرض أن يسجد له! ألا يستحي النصارى أن من يعتقدون فيه الألوهية والربوبية أن يصحبه إبليس ويعرض عليه السجود له مقابل أن يملكه الدنيا
ج- لو كان عيسى هو الله أو ابن الله لما كان رده على عرض إبليس هذا أن يقول : لا قد نزل في كتب الأنبياء السابقين للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد
هل هناك أصرح من هذا في أن عيسى دعا إلى عبادة الله خالق السماوات والأرض وأن عيسى لا يعبد إلا الله ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى
يكفي هذا الدليل لكل من يريد بصيرة في الدين أن عيسى عليه السلام جاء ليقول كما قال الله عنه: وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار
د- يأس الشيطان من عيسى وذهابه عنه وعدم قدرته عليه حق لعصمة الله له تحقيقاً لقول امرأة عمران أم مريم عندما وضعت مريم: رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
وقد أعاذه الله سبحانه من الشيطان الرجيم
7- وقول الإنجيل : فتركه إبليس وإذا بعض الملائكة جاءوا إليه وأخذوا يخدمونه
هذا دليل جديد على عبودية المسيح ، فالذي يحتاج إلى الخدمة هو العبد الفقير المحتاج ، وهم جاءوه ولم يستدعهم وهذا مما يدل على أن الله أرسلهم إليه وهم كانوا يخدمونه ولم يأتوا ليعبدوه ، والرب سبحانه وتعالى تعبده الملائكة ولا تخدمه ، لأنه الحي القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره ، فالملائكة تحتاجه وهي فقيرة إليه ، وأما هو فغني عن الجميع سبحانه وتعالى
البقية في ردود قادمة إن شاء الله ..udsn dugl hfgds
المفضلات