( لا حاجه لى فى دنياكم )
هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بن عفان بعد ان وصل الى المدينه ...
وكان الحوار طويلا بين الخليفه عثمان وأبا ذر ولقد عرض عثمان على ابى ذر عرضا رفيقا رقيقا فقال له " ابق هنا بجنبى تغدو عليك اللقاح وتروح "
فاجابه ابا ذر: ( لا حاجه لى فى دنياكم )
أجل لا حاجه له فى دنيا الناس .. انه من اولئك الذين يبحثون عن ثراء الروح ويحيون الحياه ليطعوا لا ليأخذوا ولقد طلب من الخليفة عثمان رضى الله عنه أن يأذن له الخروح الى الربده فأذن له.
ومن ثم لم يكن ابو ذر ليخفى انزعاجه حين يرى حين بعض المولعين بايقاد الفتنه يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم .
جاء يوم وهو فى الربدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة فزجرهم بكلمات حاسمه :
" والله لو أتى عثمان و صلبنى على أطول خشبة أو جبل لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى و لو سيرنى ما بين الافق الى الافق لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى ولو ردنى الى منزلى لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى " ذلك الرجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا , ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة ... ومن ثم أدرك ما تنطوى عليه الفتنه المسلحة من خطر فتحاشاها .. كما أدرك ما ينطوى عليه الصمت من وبال خطر فتحاشاه أيضا ورفع صوته لا سيفه بكملة المعارضه الحق ولهجة الصدق .
ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وألا يلى أحد منهم امارة أو يجمع ثروة , وأن يظلوا كما كانوا روادا للهدى وعبادا لله , وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا .. ولطالما سمع النبى صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الاماره ويقول عنها :
" إنها أمانه ويوم القيامة خذى وندامه ... إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها .. "
ولقد بلغ الامر بأبى ذر الى تجنب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم لأنهم ولو الامارات وصار لهم بطبيعة الحال ثراء ووفرة . لقيه أبو موسى الاشعرى يوما , فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح قائلا : مرحبا أبا ذر .. مرحبا أخى "
" ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول : " لست بأخيك . انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا.. "
كذلك لقيه أبو هريره يوما واحتضنه مرحَبا ولكن أبا ذر نحاه عنه بيده وقال له :
" اليك عنى .. ألست الذى وليت الاماره , فتطاولت فى البنيان , واتخذت لك ماشية وزرعا .. ؟؟ "
ومضى أبو هربرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات ..
وقد يبدو أبو ذر يبالغ فى موقفه من الحكم والثروة ,, ولكن لأبى ذر منطقه الذى يشكل صدقه مع نفسه وايمانه . فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله وبسلوكه ورؤاه عند المستوى الذى خلفه لهم رسول الله وصاحباه .. أبو بكر وعمر
واذا كان يرى البعض فى ذلك المستوى المثاليه لا يدرك شأوها فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل.
ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه الصلاة والسلام ولصاحبيه أمينا عليها حارسا لها .. و كان أستاذ فى فن التفوق على مغريات الاماره والثروة ,,
عرضت عليه الاماره فى بالعراق فقال :
" لا والله .. لن تميلوا علىَ بدنياكم أبدا "
ورأه صاحبه يوما جلبابا قديما فساله :
أليس لك ثوب غير هذا .. ؟ لقد رأيت معك منذ أيام ثوبيين جديدين !!
فأجابه أبو ذر : " يابن أخى .. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما منى "
قال له : والله انك لمحتاج اليهما .
فأجاب أبو ذر : " اللهم أغفر .. انك لمعظم الدنيا ألست ترى على هذه البرده ؟؟ ولى أخرى لصلاة الجمعه ولى عنزة أحلبها وأتان أركبها فأى نعمة أفضل ما نحن فيه ..؟

وجلس يوما يحدث ويقول :
أوصانى خليلى بسبع :
" أمرنى بحب المساكين والدنو منهم .. وأمرنى أن أنظر الى من هو دونى ولا أنظر الى من هو فوقى .. وأمرنى ألا أسأل أحدا شيئا ... وأن أصل الرحم .. ,امرنى أن أقول الحق وان كان مرا .. وأمرنى أن لا أخاف فى الله لومة لائم ... وأمرنى ان أكثر من : لا حول ولا قوة الا بالله "
وقد عاش هذه الوصية حتى صار " ضميراً " بين قومه وأمته
وقول الامام على رضى الله عنه :
" لم يبق اليوم أحد لا يبالى فى الله لومة لائم غير أبى ذر .. "
عاش يجاهد فتنة المال والاماره عاش متبتلا لمسئولية النصح والارشاد , يمنعونه من الفتوى فيزداد صوته بها ارتفاعا ويقول لمانعيه " والذى نفسى بيده لو وضعتم السيف فوق عنقى , ثم ظننتم أنى منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان تحتزوا لأنفذتها .. "
والان يعالج أبو ذر سكرات الموت فى الربذة .. المكان الذى اختار الاقامة فيه اثر خلافة عثمان رضى الله عنه فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل تحية الوداع .
ان هذه السيدة السمراء الضمرة الجالسه الى جواره تبكى , هى زوجته ..

وانه ليسألها : فيم البكاء والموت حق ...؟
فتجيبه بأنها تبكى : " لأنك تموت وليس عندى ثوب يسعك كفناً "
" لا تبكى فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وانا عنده فى نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين ..

وكل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة وقرية ولم يبق منهم غيرى .. وهاأنذا بالفلاة أموت فراقبى الطريق .. فستطلع علينا عصابة من المؤمنين فانى والله ماكذبت ولا كذبت "
وفاضت روحه الى الله ...
ولقد صدق .. فهذه هى القافله التى تغذ السير فى الصحراء تؤلف جماعة من المؤمنين وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه .. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميت , والى جواره سيدة وغلام يبكيان . ويلوى زمام دابته والركب معه صوب المشهد ولا يكاد يلقى نظرة على الجثمان حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه فى الله والاسلام أبى ذر .
وتفيض عيناه بالدمع ويقف على جثمانه الطاهر يقول " صدق رسول الله .. تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك "ولكن لماذا قال ابن مسعود رضى الله عنه تلك العباره " تمشى وحدك ... وتموت وحدك .. وتبعث وحدك "
******************************
يتبع ان شاء الله