بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إن الناظر في تاريخ الرعيل الأول من صحابة رسول الله عليه وسلم رجالاً ونساءاً يرى نماذج تبهر العقول, وتثير الدهشة والفرحة في آن واحد في النفوس, فعندما تقرأ في سيرة أحد الصحابة الكرام تجد أن هذا الصحابي الذي تقرأ سيرته هو المقدم على غيره لما حوته سيرته العطرة من فوائد وعبر, ومواقف خالدة جديرة بأن يُحتذى بها وتكون قدوة لنا, وعندما تنتقل إلى سيرة صحابي آخر يعتريك نفس الشعور الذي اعتراك عند مطالعتك لسيرة الصحابي الذي قبله, وهكذا فأنت تنتقل بين حدائق غناء, ظلها وافر وثمارها يانعة, وماءها عذب فرات, وأكلها طيب تلتقط من كل بستان زهرة, وتستنشق من كل زهرة أجمل الأريج وأزكى عطر, وتأخذ منها أطيب رحيق, ولهذه الفضائل وغيرها قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "([1]).
وهذه الخيرية لا تختص بالرجال دون النساء, فالرجال والنساء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخيرية على حد سواء.
ومما أثار عجبي ودهشتي عندما كنت أطالع سيرة تلك السيدة الجليلة والمرأة العظيمة الصابرة على أقدار الله المؤلمة الراضية بما قدره الله لها وكتبه عليها, المهاجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنها السيدة الفاضلة والصحابية الجليلة أسماء بنت عميس فقد جمعت من الفضائل العظام والمناقب الجسام الشيء الكثير قلما اجتمع ذلك في صحابية مثلها.
فهي صاحبة الهجرتين, ومصلية القبلتين, وزوجة الخليفتين وزوجة الشهيدين وزوجة الأخوين إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والعبر الجليلة التي يجدها القارئ عندما يطالع تلك السيرة العطرة الزكية, وفي الأسطر القليلة القادمة نتناول شيئاً يسيراً مما سبق الإشارة إليه فمستعيناً بالله أقول:
1. كونها صاحبة الهجرتين لأنها هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة، وهذه هي الهجرة الأولى, ثم هاجرت معه إلى المدينة النبوية من الحبشة إلى المدينة في سفينة، ولذلك يسمون بأصحاب السفينة، وهذه هي الهجرة الثانية، فتكون بذلك صاحبة الهجرتين.
2. كونها مصلية القبلتين, لأنها صلت إلى بيت المقدس في بداية الإسلام، لأن القبلة في بداية الإسلام كانت إلى بيت المقدس, وهذه هي القبلة الأولى ثم تحولت القبلة بعد ذلك إلى البيت الحرام تلبية لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة المباركة وبالتحديد منتصفها بعد مضي 16 شهراً أو 17 شهراً، وهذه هي القبلة الثانية, فتكون بذلك مصلية القبلتين.
3. كونها زوج الشهيدين لأنها تزوجت أول ما تزوجت بالصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن هاجر جعفر رضي الله عنه وزوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها من الحبشة إلى المدينة, وقد سعد به النبي صلى الله عليه وسلم وفرح بقدومه جداً, وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة وبالتحديد يوم فتح خيبر من أعظم حصون اليهود حينذاك، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم معبراً عن فرحه وسروره بقدوم جعفر وباقي الصحابة الذين كانوا في الحبشة: "ما أدري بأيهما أفرح بقدوم جعفر أو بفتح خيبر, ثم تلقاه والتزمه وقبل ما بين عينيه"([2]).
4. بعد ذلك أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن القواد الثلاثة في غزوة مؤتة وقتل هناك شهيداً مدرجاً بدمائه الطاهرة بعد أن قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولقب بعد ذلك بجعفر الطيار, وهذا هو الشهيد الأول.
5. أما الشهيد الثاني فهو الإمام والصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه, فقد تزوجته أسماء بنت عميس آخر من تزوجت، وقد قتل شهيداً رضي الله عنه, فبذلك تكون زوج الشهيدين.
6. كونها زوج الخليفتين بعدما قلت جعفر رضي الله عنه في مؤتة كما سبق بيانه تزوجت أسماء بنت عميس بالصديق الأكبر وشيخ الصحابة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد انتهاء العدة، وولدت له ابنه محمداً بذي الحليفة في السنة العاشرة للهجرة عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للمسير إلى الحج، فأبو بكر رضي الله عنه هو الخليفة الأول.
7. وبعد موت أبو بكر رضي الله عنه تزوجت أسماء بنت عميس بالخليفة الرابع علي رضي الله عن الجميع, وتكون بذلك زوج الخليفتين.
8. كونها زوج الأخوين, فكما أسلفنا أنها تزوجت أول ما تزوجت بالصحابي الجليل والبطل النحرير جعفر الطيار رضي الله عنه, وآخر ما تزوجت تزوجت بالفارس المقدام والأسد الضرغام علي رضي الله عنه، ومعلوم أن كل من جعفر وعلي رضي الله عنهما أخوان فتكون بذلك زوج الأخوين. هذا والله أعلم بالصواب، وانظر في ذلك كتب السير والتراجم وهي كثيرة كالطبقات لابن سعد, والسيرة لابن هشام, والاستيعاب لابن عبد البر, وأُسْد الغابة لابن الأثير والإصابة لا بن حجر العسقلاني وغيرها كثير جداً.
· فوائد عظيمة:
ومن الفوائد العظيمة والدرر النفيسة أن هذه الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس رضي الله عنها لها خمس أخوات كلهن صحابيات ومنهن اثنتان من أمهات المؤمنين وهنَّ كالتالي:
1. أختها لأمها زينب بنت خزيمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم والتي تلقب بأم المساكين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ثم توفيت بعد مدة يسيرة جداً رضي الله عنها.
2. أختها لأمها أيضاً ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكان يقال له سرف بين مكة والمدينة وهو أقرب من جهة مكة، ومن الطريف أنها رضي الله عنها ماتت أيضاً بنفس المكان الذي تزوجها وبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3. ومن الطريف أيضاً هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأختين ولكن لم يجمع بينهما قطعاً لأن هذا لا يجوز ومحرم, فقد تزوج بزينب بنت خزيمة أولاً ثم تزوج بميمونة بنت الحارث بعد وفاة زينب وهما أختان لأم، وأمهما هي هند بنت عوف.
4. أختها لأمها لبابة بنت الحارث أم الفضل وهي التي تلقب بلبابة الكبرى وهي زوجة العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
5. أختها لأمها لبابة بنت الحارث أم خالد بن الوليد سيف الله وهي التي تلقب بلبابة الصغرى.
6. ويستفاد من ذلك أيضاً أن كل من عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد رضي الله عنهم أبناء خالة أشقاء.
7. أختها شقيقة سلمى بنت عميس وكانت زوجة الأسد الجسور حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال ابن عبد البر وغيره عن أم أسماء بنت عميس وهي هند بنت عوف رضي الله عن الجميع هي أعظم امرأة صهراً في قريش، فصهرها النبي صلى الله عليه وسلم وعماه العباس وحمزة, وأبو بكر وجعفر وعلي رضي الله عنهم.
8. وإذا أردت مزيداً من هذه الفوائد في حياة الصحابة والصحابيات على غرار ما سبق بيانه يمكن لك الرجوع إلى كتابي (جامع أخبار النساء من سير أعلام النبلاء).
9. فقد أودعت هذا الكتاب فوائد ودررا ولطائف على نحو ما سبق، عز وقلّ وندر أن تجدها في كتاب مستقل، والحمد لله أولاً وآخراً.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
lh Hu/l i`i hglvHm
المفضلات