ملحق ( 1 ) – تفصيل ما انتهى إليه الأشاعرة
كان الأشاعره في بداية منشأهم أقرب الناس إلى أهل السنة والجماعة ولم يخالفوهم إلا في مسائل يسيره أغلبها في الاعتقاد وبخاصة فيما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات لكن بعد مرور الزمن تطور المذهب وتعّقد وتأثر بآراء كثيرة من اعتقادات الفرق الأخرى وأصبح المذهب الأشعري خليطاً من المذاهب قال شيخ الإسلام: "والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام، جبرية في باب القدر، وأما في الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم ". (6/55).
ومن حسنات الأشاعرة أنهم بينوا عوار المعتزلة وتناقضاتهم وذلك لبقاء الأشعري في المعتزلة 40 سنة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فإن الأشعري كان من المعتزلة وبقي على مذهبهم أربعين سنة يقرأ على أبي علي الجبائي، فلما انتقل عن مذهبهم كان خبيراً بأصولهم وبالرد عليهم وبيان تناقضهم وأما ما يقي عليه من السنة فليس هو من خصائص المعتزلة بل هو من القدر المشترك بينهم وبين الجهمية، وأما خصائص المعتزلة فلم يوالهم الأشعري في شيء منها، بل ناقضهم في جميع أصولهم ومال في مسائل العدل والأسماء والأحكام إلى مذهب جهم ونحوه". (13/99).

1- مصدر التلقي:
مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح أئمة المذهب بذلك كالجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والسنوسي، يقول السنوسي: "وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضا فقد وقعت فيهما ظواهر - يقصد أي في ظاهر الكتاب والسنة - من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع" ويقول أيضا: "أصول الكفر ستة.. قال في خامسها: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية".


أما السنة خاصة عند الأشاعرة فلا تثبت بها عقيدة، المتواتر يجب أن يأوّل والآحاد لا يجب الاشتغال به حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء. وقال بأن في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.
ثم إنك تقرأ في كتب العقائد من كتب الأشاعرة المائة صفحة بل وأكثر لا تجد فيها آية ولا حديث، لكنك تجد في كل فقرة "قال الحكماء" أو "قالت الفلاسفة" مثل كتاب الإرشاد للجويني، هذا إذا كان الأشعري لم تخالطه لوثة التصوف فإن كان فيه صوفية كالغزالي، فإن مصدر التلقي يكون تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافق الذوق وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعونها حسب هذا الذوق. وقد أطال النفس شيخ الإسلام في الرد على مصدرهم العقلي في كتابه الفذ - درء تعارض العقل والنقل - فهو كله تقريبا رد عليهم.

2- إثبات وجود الله:
وجود الله تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة لا داعي للتكلف في إثبات وجوده -عز وجل- والأدلة عليه من الكون والنفس والوعي والآثار والآفاق أجل من الحصر.
أما الأشاعرة فطريقتهم غريبة في إثبات وجود الله والذي يسمونه دليل "الحدوث والقدم".
يقولون: بأن الكون حادث وكل حادث فلا بد له من محدث قديم وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث، ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهةً ولا مكان... إلى آخر ما أطالوا في تقرير هذه القضايا والذي قد ترتب على أصولهم الفاسدة إنكار كثير من صفاته -عز وجل- كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ولو أنهم اختصروا هذا الدليل الطويل العريض وقالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لا بد له من خالق لكان أيسر وأخصر وأقرب للصواب. لكنه إعطاء العقل أحياناً أكبر من حجمه الطبيعي يورد هذه الموارد.

3- التوحيد:
التوحيد عند أهل السنة معروف بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والتوحيد عند أهل السنة هو أول واجب على المكلف.
أما الأشاعرة فالتوحيد عندهم هو: نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة وحسب تعبيرهم نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة. ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع، أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك والتحذير منه فلا ذكر له في كتبهم إطلاقاً.
وأول واجب على المكلف عند الأشاعرة ليس التوحيد بل النظر، فإذا بلغ الإنسان سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان.
وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون أن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعض الأشاعرة كفره. يقول الجويني في الإرشاد ص25: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدث العالم والنظر في اصطلاح الموحدين هو الفكر الذي يطلب به من قام به علماً أو غلبة ظن"

4- الإيمان:
الأشاعرة في باب الإيمان مرجئة جهمية، يقولون بأن الإيمان هو التصديق القلبي وهذا بإجماع الأشاعرة. واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عند تصديق القلب أم لا بد من النطق بهما، وقد ذهب بعضهم إلى أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما - قال بهذا من المعاصرين حسن أيوب والبوطي - فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله. وبناء على كلامهم الفاسد هذا أولوا كل نص ورد في زيادة الإيمان.

5- الصفات:
متقدمي الأشاعرة كالأشعري والباقلاني على مذهب أهل السنة في إثبات الصفات. أما متأخريهم كالرازي والغزالي ومن بعدهم فقد اقتصروا على إثبات سبع صفات وأولوا الباقي وسموها صفات الذات وهي: "العلم، القدرة، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، والحياة" وأما الصفات الأخرى كالاستواء والعلو والنـزول وغيرها فكلها أولوها ووافقوا المعتزلة فيها.
بل حتى هذه الصفات السبع التي أثبتوها لم يثبتوها على طريقة السلف من خلال نصوص الكتاب والسنة ولكن أثبتوها عن طريق العقل:
فقالوا: وجدنا أن الأحداث التي تحدث من وقت لآخر، أفعال حديثة تتجدد، وهذا يدل على القدرة فبذلك أثبتوا صفة القدرة فقالوا: نثبت صفة القدرة بالأفعال التي تتجدد من إحياء وإماتة ورفع وخفض وغير ذلك؛ لأن من يفعل مثل هذه الأفعال لا بد أن يكون قديراً، فأثبتوا صفة القدرة. قالوا ثم التخصيص: بمعنى جعل هذا عالماً وذاك جاهلاً وهذا غنياً وذاك فقيراً، هذه التخصيصات تدل على الإرادة؛ لأنه لا يخصص هذا التخصيص إلا من له إرادة، فأثبتوا صفة الإرادة. ثم الإتقان والإحكام: فهذا الإحكام البديع وهذا الإتقان في المخلوقات يدل على العلم، فأثبتوا صفة العلم. ثم قالوا: الذي يتصف بالقدرة والإرادة والعلم لا بد أن يكون حياً، فأثبتوا صفة الحياة. ثم قالوا: الحي لا بد أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً فأثبتوا صفة السمع والبصر والكلام. فأثبتوا هذه الصفات السبع عن طريق العقل.
وقد أطال النفس العلامة ابن القيم في الصواعق المرسلة، في الرد عليهم في إثبات بعض الصفات ونفي البعض الآخر في مناقشة علمية هادئة فيقول -رحمه الله-: "فما الذي سوغ تأويل بعضها دون بعض؟ وما الفرق بين ما أثبتها وما أولتها من جهة السمع أو العقل؟ ودلالة النصوص على أنه له سمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً وإرادةً وحياةً وكلاماً، كدلالتها على أن له محبةً ورحمةً ووجهاً ويدين، فدلالة النصوص على ذلك سواء فإن قلت:



<SPAN style="FONT-FAMILY: 'Simplified Arabic'; FONT-SIZE: 14pt" lang=AR-SA>إن إثبات الإرادة والمشيئة لا يستلزم تشبيهاً وتجسيماً، وإثبات حقائق ما أولته يستلزم التشبيه والتجسيم، فإن الرحمة رقة في القلب تعتري طبيعة الحيوان... قيل لك: وكذلك الإرادة هي ميل النفس إلى جلب ما ينفعها ودفع ما يضرها ومثلها جميع ما أثبتته من الصفات إنما هي أعراض قائمة بالأجسام في الشاهد فكيف لزم التشبيه والتجسيم من إثبات تلك الصفات ولم يلزم من إثبات هذه؟. فإن قلت: أنا أثبتها على وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشبهها، قيل لك: فهلاّ أثبت الجميع على وجه لا يماثل صفات المخلوقين؟ فإن قلت: هذا لا يعقل، قيل لك: فكيف عقلت سمعاً وبصراً ليست من جنس صفات المخلوقين؟ فإن قلت: أنا أفرق بين ما يتأول وما لا يتأول بأن ما دل العقل على ثبوته يمتنع تأويله كالعلم والحياة وما لا يدل عليه العقل يجب