لا أحد يسعه الجزم بأنّ يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأوّل هو تاريخ ميلاد يسوع المسيح، ذلك أنّ لا أحد يعرف تمامًا تاريخ ميلاده. ولا أحد يستطيع حساب السنوات التي مرّت منذ ميلاده، فهي تتراوح بين 2007 و2011 عامًا، وما القول بالألفين وأربع سنوات إلاّ من قبيل لزوم تحديد رقم تقريبيّ، لا من باب اليقين التاريخيّ. لسنا في مقام الجدل الآن، إذ يغلب الرمز على ذكرى العيد. فقبل المسيحيّة، كان يوم الخامس والعشرين من كانون الأوّل عيدًا وثنيًّا يُحتفل فيه بميلاد الإلهة الشمس، لأنّ النهار، في هذه الفترة من السنة، يبدأ في الازدياد على حساب الليل الذي يبدأ في الانتقاص. من هنا، كان يعيّد الوثنيّون، في هذا اليوم، لانتصار النور على الظلام.
عيد الشمس
حين رأى قادة المسيحيّة في القرن الرابع مسيحيّي عصرهم يعيّدون مع الوثنيّين عيد الشمس، ابتكروا، ابتغاءً لوجه الله، عيدًا لميلاد المسيح في اليوم ذاته، منفصلاً عن عيد الظهور الإلهيّ (الغطاس) من أجل إبعاد أتباعهم عن سلوكات الوثنيّين في أعيادهم، من مثل الشراهة الفائقة، ومعاقرة الخمرة حتّى الثمالة، والجنس المقدّس، والرقص المبتذل.
أعياد الوثنيّين
غادر مسيحيّو ذلك الزمان المشاركة في أعياد الوثنيّين وآلهتهم إلى التعييد لميلاد سيّدهم، بالأصوام والصلوات، وبالأناشيد والاحتفالات البسيطة والموائد الأخويّة. وكان مقياس صدقيّة العيد والاحتفال الحقيقيّ به حضور الفقراء والمعوزين والمستضعفين في الأرض ومشاركتهم فيه، كونهم وحدهم مَن يتوجّب لهم التكريم في هذا العيد. فالمسيح ساوى نفسه بهم، لذلك كلّ تكريم لهم هو تكريم شخصيّ له.
غياب صاحب العيد
أمّا اليوم فتكثر المظاهر المرافقة لعيد الميلاد، والتي تحوّل اتّجاهه إلى مكان لا علاقة للعيد به. فيبدو فاضحًا غياب صاحب العيد عمّا هو مفترض أن يكون عيده. ولا يدري المراقب ما إذا كان هذا العيد يخصّ شخصًا وُلد في مذود حقير للبهائم، وأحاط به حين ولادته ثور وحمار، وعاش متشرّدًا يلتحف السماء ويتوسّد حجارة الأرض... وأحبّ الفقراء من دون أن يبغض أحدًا، ذلك أنّ نبرة صاحب العيد في حديثه عن المحبّة كانت تقوى وتشتدّ حين يذكر الفقراء.
مهرّج ذي ذقن كثّة بيضاء
هذه المظاهر، من أشجار مزيّنة في الميادين والشوارع والمحلاّت على أنواعها، حتّى في النوادي الليليّة وأماكن اللهو الحرام والميسر، وأضواء ملوّنة مشكوكة على الأعمدة تحمل رموزًا بريئة للعيد ولا سيّما الشموع والأجراس، ومهرّج ذي ذقن كثّة بيضاء يلبس الأحمر ويقهقه بهبل ما بعده هبل، تحتقر الفقير بل تعتدي عليه وتستفزّه وتزيد من بلواه. وبدلاً من أن يكون العيد مناسبة يخرج الفقير فيها من مصائبه ليفرح ويبتهج مع عائلته وذويه، يزداد كربه وقهره، فيتمنّى ألاّ يأتي
العيد أبدًا.
عيد لإلهة الرقص الخليع
ليس ثمّة خطأ في الزينة بحدّ ذاتها، إن تواكبت مع سلوك يليق بصاحب العيد. غير أنّ الواقع المرّ، وبفضل المسيحيّين أنفسهم وطريقة تعييدهم، عادت الوثنيّة وانتقمت من المسيحيّة، رافعة الضيم عن ذاتها. فما بات العيد عيدًا لميلاد المسيح، بل غدا عيدًا لإله وثنيّ يختلف اسمه باختلاف الأفراد، فهو للبعض عيد لإله الخمر، وللبعض الآخر عيد لإله الاستهلاك الفاقع (الصورة الجديدة لإله المال)، وللبعض الآخر عيد لإلهة الغناء الهابط والرقص الخليع...
المسيح غائب عن عيده هذا لأنّ الفقير غائب أو مهمل، وطالما الفقير غائب المسيح غائب. ويبقى السؤال مفتوحًا:
تُرى، لمَن يعيّد المسيحيّون في عيد الميلاد؟
http://www.alarab.net/Article/420443hgHf [,v[ ls~,p: glkX dud~] hglsdpd~,k hgldgh]?
المفضلات