الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه وبعد :
أهلاً بك زميل أنطونيوس
سألتك في مشاركتي السابقة (( ما هي المعايير الأخلاقية التي تطبّق لمعرفة صدق النبوّة ؟؟؟

من الذي يحدد هذا المعيار الأخلاقي ليعد ميزاناً نزن به صدق النبوّة من عدمه ؟؟؟
))
فأجبت قائلاً ((الذي يُحدّد هو الله, و تحديد الله يصلنا عن إقرار الوحي بنبوّة فلان او عدم نبوّته و ذلك هو المقياس الرئيس!
بصيغة أُخرى, الكتاب المقدّس هو الحاكم هُنا. و استناداً للكتاب المُقدّس, نبوّة رسولكم باطلة لاسباب عديدة معروف أكثرها ولا اعتقد ان هناك حاجة لتفصيلها و لكن باختصار شديد:
1-
مهمّة الانبياء التحضير لمجيء المسيح و التهييء لها و التنبّؤ عنها, و هذه انتهت بمجيء المسيح.
2-
العهد الجديد الذي أبطل شريعة الناموس و ابقى شريعة الوصايا يتعارض تماماً مع الرسالة المحمّدية -الناموسية- التي -لو صح انها موحاة- ستعني الرجوع للعهد القديم وهو ما لا سبيل لتصديقه عقلاً.
3-
الكتاب المقدّس لم يتنبّأ عن مجيء نبي كمحمّد من بلاد العرب يقلب كل الموازين , بل حذّر من الانبياء الكذبة و"النبي الكذاب", فالوحي معارض لفكرة نبوءة شخص يأتي بعض المسيح بمئات السنين اساساً! وهذا مُصرّح به!
4-
النبوّة انتهت باخر كتاب في الكتاب المُقدّس, و ليس بعدها نبوءة ! بمَ سيتنبّأ الانبياء الجدد المزعومين و ما هدف وجودهم؟
5-
المسيح بنى على اليهوديّة و طوّرها الى عهد جديد هو عهد النعمة, محمّد لم يبني و يطوّر ما سبق, بل اتى بما يخالفه و يعود به من عصر نعمة لعهد حرف!
و اسباب اخرى عديدة لا وقت عندي لسردها الان.
هنا ستقول لي انني سددت الطريق امام اي أمل بالوصول لحل, و ستجدّف على وحي الاله رامياً اياه بالتحريف! فندخل في متاهة لا خروج منها! و انسداد الطريق حقيقة واقعة و هو جزء من المشكلة!! و لهذا فانا ذكرت امر المعايير الاخلاقية
علّها تساعدنا و لو قليلاً لتوسيع افق بحثنا؟!
المعايير الاخلاقية المقصودة هي أمر الوحي في ذلك الزمان. الشريعة المامور (النبي) باتباعها في زمانه. ))
حتى نبقى في نقطة المعايير و نتكلم بكلام علمي منهجي أقول أن مشاركتك المقتبسة آنفاً لم تتضمن سوى افتراض معيار لم تُقم أي دليل على صدقه أو على صلاحيته ليكون ميزاناً نزن به صدق النبوة من عدمها فهذه الدعوى منك تحتاج إلى اثبات عدة مقدمات حتى تصلح كدعوى يحتكم إليها الجميع في هذه المسألة و عليه أنت مطالب باثبات ما يلي حتى نسّلم لك صحة هذه الدعوى :
أولاً : أن تثبت أن الكتاب المقدس كتاب من عند الله و أنه باقٍ كما هو لم يطرأ عليه أي تغيير او تبديل (أنا هنا لا أتكلم عن مسألة التحريف كما قد تظن بل أنا أتكلم على دعوى صلاحية الكتاب المقدس ليكون حكماً على صدق النبوة من عدمه )
ثانياً : أن تثبت أن مهمة الأنبياء كانت التحضير و التهيئة لقدوم المسيح .
ثالثاً : أن تثبت أن مهمة الأنبياء كما في الكتاب المقدس هي التحضير و التهيئة للمسيح الذي تؤمن به أنت كنصراني لا كما يؤمن به اليهود . ( هذه الدعوى ينازعكم فيها اليهود و المسلمون )
رابعاً : أن تثبت أن المسيح الذي كان أنبياء الله يقومون بالتهيئة له بحسب الكتاب المقدس قد جاء فعلاً . ( هذه الدعوى ينازعكم فيها اليهود )
رابعاً : أن تثبت أن العهد الجديد أبطل شريعة الناموس و أن الرجوع إلى شريعة الناموس أمر لا يمكن تصديقه عقلاً
خامساً : أن تثبت خلو الكتاب المقدس من أي إشارة على وجود نبي في بلاد العرب
سادساً : أن تثبت أن المسيح طوّر العهد إلى عهد النعمة و أن الرجوع عن هذا العهد أمر يناقض النبوة .
سابعاً : أن تثبت أن مهمة الأنبياء فقط محصورة بالتهيئة للمسيح و أي شئ بخلافه يناقض صدق النبوة .
ثامناً : أن تثبت أن كل نبي صادق قد تنبأ بقدوم المسيح و لم يتنبأ بأي شئ سواه و أن هذا الأمر كافٍ في اثبات نبوته فلا يوجد معجزات مؤيدة و لا أخبار مستقبلية صادقة صادرة منه بما أن النبوة محصورة بهذا الأمر .
الخلاصة أن افتراضك هذا المعيار لا يُعد مقبولاً لأنك تجعل إيمانك الشخصي هو المعيار فكيف بالله عليك تلزم الخصم به ؟؟؟
فأنا لم أطالبك بإثبات هذه الأمور حتى يصبح الجدال حولها فنحن في غنى عن هذا و إنما قصدي أن أبين لك المعيار الذي تزعمه لا يصلح كمعيار إلا إذا أثبت صلاحيته لهذه الغاية ، و أنا كمسلم بكل سهولة أستطيع أن أزعم أن المعيار هو القرآن الكريم و صحيح السنة وأن وظيفة الأنبياء بمن فيهم المسيح كانت هي الدعوة إلى عبادة الله وحده و التهيئة و التبشير بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و سلم بموجب الميثاق الذي أخذه الله منهم . و هكذا أيضاً بإمكان اليهودي أن يزعم إيمانه كمعيار، فيصبح الكلام على اثبات المعيار قبل الالتزام به و إلاما صح الاحتكام إليه بحال .
و تأسيساً على ما تقدم أقول للزميل أنطونيوس أن إيمانك الشخصي غير ملزم لغيرك و لا إيمان غيرك ملزم لك فوجب الاتفاق على معايير ملزمة لك و لغيرك نقيمها وزناً نزن من خلاله المسألة و ذلك يكون بالتساؤلات التالية :
الدعوى لا تثبت من نفسها ( مثل إيمانك الشخصي ) بل لا بد لها من دليل خارجي يثبتها .
أي بإختصار ألا تتفق معي أن التكذيب أو التصديق لأي مسألة يكون بناءً على الدليل المستوجب لصدقها أو كذبها ؟؟؟
إنسان يزعم أنه نبي و لم يعلم عنه أي كذبة قبل زعمه هذا لا مازحاً و لا جاداً فهل نستطيع أن نكذّبه دون أن نضع الدليل على كذبه ؟؟؟ فإن لم نجد هذا البرهان الخارجي كيف لنا أن نكذّب هذا الإنسان دون دليل ؟؟؟
إنسان يزعم أنه نبي و جاء بأمر معجز و زعم أن هذا الأمر دليل يثبت صدقه فهل نصدّقه أم نكذّبه في دعوى نبوّته ؟؟؟
إنسان يزعم أنه نبي و أخبر بأخبار مستقبلية و تحققت هذه الأخبار كما قال ، فهل نصدّقه أم نكذبه فيما أخبر ؟؟؟
بالنسبة للمعايير الأخلاقية تقول ((المعايير الاخلاقية المقصودة هي أمر الوحي في ذلك الزمان. الشريعة المامور (النبي) باتباعها في زمانه. )) فأنت تجعل المعيار هو الوحي الذي تؤمن به و هذا أمر لا أنكره عليك و لكن كلامك هذا يؤكد لي تخبطك و تناقضك و إزدواجية المعايير عندك ، فلم أنكرت مسبقاً على المسلمين هذا الأمر و ذلك بقولك في أحد المواضيع ((المشكلة عند الجماعة تكمن في انعدام معيار الاخلاق! المعيار هو ما يفعله رسولهم )) و تكلمت بعده بكلام أغلبه انطباعات نفسية كما أخبرتك حينها .
المهم كلامك هذا يؤكد عدم استنادك على شئ في ابطال نبوة نبينا عليه أفضل الصلاة و السلام فما تعده معياراً أخلاقياً تبطل به نبوته بإمكاننا أن نعده معياراً نثبت به نبوته .
إذن الواجب بنا الاتفاق على معايير أخلاقية ثابتة عندك و عندي نحتكم إليها و إلا أصبح الكلام المرسل المطلق على عواهنه مستقيماً في الاحتجاج .
تقول رداً على سؤالي (( إذا أقرّ مدّعي النبوّة باطلاً و تاب منه هل تثبت نبوّته أم لا ؟؟؟ فظاهر كلامك السابق أنها تثبت بهذه الحالة .))
تقول رداً ((لا, فالتوبة و العقوبة هنا لا تستلزمان صدق النبوّة و انما انعدامها يستلزم بطلان النبوّة.))
إذا كانت التوبة و العقوبة لا تستلزمان صدق النبوّة لمدّعيها فلم تعدّها معياراً على صدق النبوّة ؟؟ أمر عجيب
كلامك الأخير هذا يبطل معيارك تماماً و يبّين هشاشته في التقييم فأنت قلت مسبقاً و بالحرف
((صدق النبوة يتقرّر بتطبيق معيار اخلاقي على الشخص المُدَّعاة نبوته! فإن أقرَّ باطلاً ولم يتب عنه ولم يعاقبه الله عليه فهو ليس بنبي! ))
و عليه أوضّح هشاشة هذا المعيار بالمثال التالي
إنسان كذّاب ادّعى النبوّة و بعد ذلك زنا و تاب و عاقبه الله عقوبة دنيوية
و إنسان صادق ادّعى النبوّة و بعد ذلك زنا و عاقبه الله عقوبة دنيوية
كيف لك أن تميز النبي الصادق من النبي الكاذب بناءً على المعيار الأخلاقي الذي ذكرته إن لم يلزم من التوبة و العقوبة صدق النبوة ؟؟؟؟؟
اخيراً أقول أن هذا المعيار الذي تفترضه لا يصح كمعيار إلا إن صدر من مدّعي النبوة أمر باطل و قبل هذا لا يمكنك الجزم بصدقه أو كذبه لأنه لم يصدر منه هذا الأمر ، بل حتى صدور هذا الأمر غير كافٍ في معرفة صدقه من كذبه بل لا بد لنا أن نعلم توبته منه و أن ننتظر أن يعاقبه الله عليه ، بل حتى هذا الأمر لا يدلنا على صدقه أو كذبه لأن التوبة و العقوبة لا تستلزم صدق النبوة ( كما أكدت هذا بنفسك ) و يشترك فيها مدّعي النبوّة الصادق و مدّعي النبوّة الكاذب فكيف سنميّز بينهما ؟؟؟
أضف إلى هذا أن قولك رداً على سؤالي (( لماذا اشترطت بند التوبة هذا ؟؟؟ و على أي شئ استندت في تقريره كمعيار ؟؟؟ و من سلكه قبلك ؟؟؟ ))
قولك (( لانه سلوك الانبياء يقينا ًكما عرفنا عن الوحي المستلم ))
أمر التوبة قد يشترك فيه معهم الأنبياء الكذبة فالكذّاب قد يزعم أنه تاب كما قد يزعم الصادق و لنا ظاهرهما و ليس من حقنا تكذيب توبته إن لم نقم الدليل على تكذيبه هنا فكيف لك أن تزعم التوبة معيار صدق ؟؟؟ ثم أليس هذا الكلام يناقض اقرارك السابق من أن التوبة لا تستلزم صدق النبوة ؟؟؟
شكراً زميلي أنطونيوس و بانتظار أن تضع لي معيار أخلاقي نتفق عليه و نحتكم إليه للنظر في دعوى صدق النبوّة من عدمها . فمعيارك السابق لا يصلح لهذه الغاية كما بينّا آنفاً .