رابعا :شبهة الدكتور عبد الهادي ألفضلي
"إنكار ما ورد عن النبي من النهي عن الكتابة"
لقد اعتمد الدكتور عبد الهادي ألفضلي في إثارة هذه الشبهة على مبدأ الانتقائية بين الروايات فيأخذ ويتبنى ما يتناسب وقناعاته ، ويلقي ويتصدى لما يخالف تلك القناعات ، من اجل تضليل الناس ودفعهم الى ما يريد، فيقول :" وهذه الرواية[يعني حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بخصوص الكتابة] كما تعرب أن رسول الله أجاز الكتابة عنه وجوزها ورد التهمة التي وجهتها إليه قريش تشير الى أن هناك من الصحابة من نهى عن كتابة حديث رسول الله على عهده ، وقد اشتهر هذا النهي والمنع عن الخليفة عمر بن الخطاب " .
" ولو كان النهي عن الكتابة – كما ذكر – صادرا عن النبي لما أقدم الذين أقدموا على الكتابة ، ومنهم علي والحسن ، ولما أمر النبي عبد الله بن عمرو بن العاص بالكتابة ، ولما أمر أن يكتب لأبي شاه " .
ثم يؤكد هذا بقوله :" كل هذا يدل على أن عمر [رضي الله عنه] كان قد اجتهد رأيه في المسألة ،ولم يستند فيها على نص " . ويقول في موضع آخر :" أن هذا كان اجتهادا من عمر [رضي الله عنه] تأثر فيه بواقع اليهود وموقفهم من التوراة ،لا انه كما قيل اعتمد النهي المروي عن النبي [ ]لأنه لم يشر إليه...إلا انه كما ترى اجتهاد في مقابلة النص الأمر بالكتابة " .
وواضح أن الشيخ الدكتور ألفضلي يخبط خبط عشواء لأنه وقع أسير هواه ، وصريع مذهبه ،فلكي يصل بالقارئ الى اتهام عمر رضي الله عنه وإظهاره بمظهر المتمرد على أوامر النبي لابد من إنكار كل ما ورد عن النبي من أحاديث النهي عن الكتابة ، لأنه إذا لم يتم إنكارها أو إغفالها فسوف يكون موقف عمر رضي الله عنه متسقا مع سنته وهذا ما لا يريده الدكتور ألفضلي ، هذا أولا
وثانيا : أن ما ورد عن عمر رضي الله عنه من النهي عن التدوين لم ينفرد دون عيره من كبار الصحابة وعلمائهم ، فقد ورد كذلك عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهم وغيرهم ممن ذكرناهم إثناء حديثنا على موقف الصحابة من التدوين .
ومن الشبه التي أثارها الدكتور ألفضلي ؛ محاولة تزوير الحقيقة في الأسباب التي دعت عمر رضي الله عنه الى عدم تدوين الحديث أو النهي عن تدوينه فقال:" ويبدو لي أن هذا كان منه لئلا ينتشر فضل أهل البيت من خلال نشر الحديث ،ولئلا يبين فضل علي في الخلافة" . ويبدو أن ألفضلي لم يكن وحده الذي يدندن حول هذا الوتر الحساس وهو محاولة تمزيق الأمة من خلال طرح التصورات التي تظهر صحابة النبي بمظهر الأعداء ،فهاهو هاشم معروف الحسيني يتحدث عن الأسباب التي منعت عمر رضي الله عنه من التدوين فيقول:"أن تأخر المسلمين عن تدوين الحديث والآثار الإسلامية لا يعود بالدرجة الأولى الى ندرة وسائل التدوين وتفشي الأمية كما يدعي بعض المؤلفين من العرب والمستشرقين ،وذلك لان وسائل التدوين لم تكن بتلك الندرة حتى قبل ظهور الإسلام ..
فلا بد من تلمس الأسباب التي صرفت المسلمين عن تدوين أحاديث الرسول خلال القرن الأول من الهجرة ...ولو تقصينا الاسباب التي يمكن افتراضها لتلك الرغبة الملحة في بقاء السنة في طي الكتمان لم نجد سببا يخوله هذا التصرف، ولا نستبعد انه كان يتخوف من اشتهار أحاديث الرسول في فضل علي وبنيه " .
ولست ادري ما الذي كان يخشاه عمر رضي الله عنه والمسلمون من بعده لمدة مئة عام من انتشار أحاديث فضل علي وبنيه ؟ ولماذا يحاول هؤلاء أن يظهروا عمر وعلي رضي الله عنهما بمظهر المتخاصمين ، وقد كان عمر يقول " بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن )
وهو الذي كان يفضل الحسن والحسين في الاعطيلت على اولاده وكان يقول " ابوهما اقرب إلى رسول الله من ابيكم " كما هو ثابت في سيرته ، وعلي رضي الله عنه بعد ذلك هو من جعل ابنته حليلة لعمر، فهل يعقل أن يعيش هؤلاء الصحابة العظام هذه الروح الازدواجية التي يحاول الفضلي ان يصورهم بها ؟
ثم ما الذي تغير بعد المائة من الهجرة حتى يسمح أهل السنة الذين كانوا حريصين على أن تبقى السنة في طي الكتمان حتى تتجه وتتبنى الدولة تدوين السنة بما فيها الأحاديث الواردة في فضل علي وأهل بيته ؟؟ لكن يبدو واضحا أن الإنسان حين تستولي عليه الكراهية وضيق الصدر والإحكام المسبقة فانه لا يستطيع أن يتخلص من هيمنتها ، فتنقلب لديه كل التصورات فيبصر الفضيلة رذيلة والخير شرا . نسأل الله السلامة في القصد والصلاح في السلوك .
المفضلات