معاناة مع سحر الزئبق
معاناة مع سحر الزئبق (1)وقد وقع لي أن عالجت امرأة ابتليت بسحر الزئبق ، وقد ظلت عشر سنوات تعالج نفسها منه بالمشروع ، وغير المشروع ، وطوفت البلاد ومن عليها ، حتى سقط في يديها (!) ثم إنها حطت عندي الرِّحال ، وألقت عصا التَّرْحَال ، وصرمت عن غيري الحبال ؛ وقد أعجز جنها الرجال ، وهَدَّ من صبرها الجبال ، وحطَّم الآمال.
وإبان هذه الفترة لم ينطق جنها أبداً ، ليخبر عن مكان السحر ، وسببه،وقد أعجز السحرة ، والمعالجين ، من كلا الطرفين ، فرفعوا عنه اليدين.
وقد أخذت ستة أشهر أرقيها بالقرآن ، والرقية الشرعية ؛ ليتكلم وينطق وسلكت معه كل سبيل ، ووعظته ، وزجرته ، ورغبته ، ورهبته ، وحادثته كثيراً ، وخادعته أكثر ولكن . . . هيهات ؛ لم ينفع معه شيء ، وكأنه مَيْتٌ ، وليس بحي (!) وقد أنزلت به من العذاب ألوانا حتى أتعبنا ، وأعيانا.
ثم إني بعد ذلك رأيت أن أتوقف عن علاجها ، وأن تفوض أمرها إلى اللَّه ؛ وَقَدْ سَاءَنِي أَنْ عَجَزْتُ عَنْهُ ، وَلَمْ أَحْظَ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ، وسبحان اللَّه ما أطيبها ، وأطيب أهلها ، وزوجها(!) ففي آخر ليلة قررت فيها ذلك قلت لها : يا أخت سعيد ؛ هذه آخر ليلة أرقيك فيها ، إذا نطق فهذا ما نريد ، وإن لم ينطق فلا أستطيع أكثر من ذلك ، وهذا بحضور زوجها ، وإخوتها ، وشرعت في القراءة من بعد صلاة العشاء وأخذت أقرأ حتى تبين لي الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر؛علم اللَّه (!) وقد أجهدني السهر ، وطول القراءة ؛ وقد كنت أقول لنفسي : ها هو سينتهي ، ها هو سينطق من شدة ما يحل به من عذاب ؛ ويا للَّه العجب(!) من صبر هذا الجني ، وقوة عزمه ، وَجَلَدِه (!) لم أر له في الصبر مثيلاً ، ولو أن ما نزل به من العذاب والوبال في الجَلْد الصبور من الرجال ؛ لتهاوى مُسْتَخْذِياً ، أو فرَّ في الحال ، أو لنطق ، ورَدَّ المقال (!)
حتى إذا أَذَّنَ مؤذن الفجر أمسكت عن القراءة ، وقمت وقد تركته بقايا شبح ؛ يكاد يلفظ أنفاسه ، إلا أنه لم يمت ، وظل حيّاً ؛ وقد أناخ عليه الهوان بِكَلْكَلِهِ ، وضرب عليه الصَّغَارُ بِجُلْجُلِهِ (!) تركتُهُ طِحْناً بعد شعير ، وحُثَالَةً لا يأكلها بعير(!)
وظننت أنه بعد هذه الليلة العصيبة ، سينطق ولكن هيهات ؛ أخطأ نَوؤُكَ يا أبا عبيد.
وانطلقت بعد صلاة الفجر إلى بيتي راجعاً ، وعند الظهيرة أو بُعَيْدَهَا بقليل فاجأني زوجها وقد جاءني بسيارته مسرعاً ؛ وقال : تعال بسرعة يا أبا عبيد نطق الجني وتكلم ، واللَّه العظيم (!) وقاسمني باللَّه من شدة الوَلَه ؛ إن الجني نطق ، وتكلم(!)
إنه لشيء عجيب أن ينطق هذا الجني العنيد.
الجني ينطق ، ويخبر عن مكان السحر :
وانطلقنا معاً إلى بيته ، وما إن استقر بي المجلس بجانب المرأة حتى نطق عدو اللَّه ، وقال ـ بصوت يتميز غيظاً ، في نقمة ما بعدها نقم (!) ـ : (( سأقتلك يا أبا عبيد ، سأقتلك ، صدِّقْني سأقتلك ))(!)
كانت هذه الكلمات أول ما طرق سمعي من كلامه ، وكم استعذبتها (؟!) وكم انتظرتها (؟!) نعم ؛ إنها لدليل النصر ،كان يابساً فكسرته ، وقتاداً فخرطته (!) ظننت أنه فَلَّ صبري ، وما فَلَّ.
فقلت : دع عنك ذا فإنك لا تستطيع ، وقل لي : لماذا لم تتكلم من قبل (؟)
فقال : ((كان لساني مربوطاً ، ولو صبرت البارحة معي قليلاً لنطقت ؛ ولكنك تركت وذهبت )).
فقلت له : أنت تتكلم العربية بطلاقة ، أين تعلمتها (؟)
فقال بسخط : ((منك ؛ ستة أشهر مرت وأنت تحدثني ))(!)
وقد باغتني جوابه ؛ فقلت : ولماذا لم تخرج إلى الآن (؟)
فقال : ((مربوط معها بسحر )).
فقلت : وأين السحر (؟)
قال : ((في دمها )) (!)
فقلت متعجِّباً : في دمها ؛ وقد سقيتها الماء المرقي ، والزيت ، والعسل ولم يبطل إلى الآن (!)
فقال : ـ على ما أذكر ـ ((هذا السحر لا تبطله هذه الأشياء )) (!)
فقلت : لماذا (؟!)
فقال : ((لأن سحرها في الزئبق ، والزئبق انتقل إلى دمها ؛ فلا تبطله هذه الأشياء )).
فقلت : وما العمل الآن (؟) وكيف نبطل السحر (؟)
فقال : ((هناك حل واحد فقط لكي يبطل السحر ، وأخرج منها )).
ماء زمزم يبطل سحر الزئبق بعد عشر سنوات من المعاناة والمرض :
فقلت : وما هذا الحل (؟)
فقال : ((ماء زمزم ، هذا السحر يبطله ماء زمزم ، إذا اعتمرت ، وشربت من زمزم كثيرًا سيبطل السحر ، وأخرج أنا ؛ أعدك بهذا )).
فقلت له : أنت تكذب.
فقال : ((صدقني ؛ إذا اعتمرت وشربت من ماء زمزم كثيراً ؛ يبطل السحر ، وأخرج منها أعدك بهذا )).
فتوجهت بالحديث إلى الأخت ، فقلت لها ـ وكانت تسمع ما يدور بيننا ـ : قد سمعت ، سبيلك للخلاص هو العمرة ؛ وأن تشربي ماء زمزم كثيراً عسى أن يذهب عنك هذا البأس.
وانطلقت هي ، وزوجها معتمرين ، ولبثا في مكة ما شاء اللَّه لهما البقاء ، ثم رجعا.
تقول الأخت : ((عندما كنت أشرب ماء زمزم كنت أسمع صوتاً يناديني من داخلي : اشربي ، اشربي (!) فكنت أشرب كثيراً ، وأشرب ؛ والصوت يناديني ، وشربت ، وشربت ؛ والصوت يناديني : اشربي ، اشربي ))(!)
فقلت لها : ثم ماذا (؟)
فقالت : ((ثم سكت الصوت ، وهدأ ، ولم أعد أسمع شيئاً )).
فقلت : والآن ؛ كيف تحسين (؟)
فقالت : ((لم أعد أجد ما كنت أجد من قبل ، أنا بخير الآن ، لا أحس بوجود الجني ، ولا بشيء )).
ثم رُزِقَتِ الولد ، وَسَمَّتْهُ عبد الصمد ، بعد عشر سنوات من العناء والنكد (!).
ــــــــــ
(1) الجنة من الجنة.الشيخ ابوعبيد العمروني
luhkhm lu spv hg.zfr
المفضلات