المرأة المسلمة وفن صناعة الرجال
يُرجِع كثيرٌ من العلماء السببَ في تماسُك المجتمع الإسلامي،
وانتصاره على الغزاة في مراحل الضعف التاريخي التي مر بها العالم الإسلامي
إلى المرأة المسلمة، وتمسُّكها بدينها وعقيدتها الإسلامية.
بل إن كثيرًا من كبار رجال الإسلام والحاملين دعوتَه إنما هم من غرس أمهاتهم.
ولقد أدرك ذلك أعداءُ الإسلام؛ ومن ثَم فقد حرَصوا على تغيير توجُّهات المرأة المسلمة،
وإفساد هُويتها الإسلامية.
يذكر العلماء أن الاستعمار الفرنسي لما دخل الجزائر،
وجد مقاومةً شديدة من الشعب الجزائري، ووقفوا في حيرة ماذا يفعلون؟
فهداهم تفكيرُهم إلى الاستعانة بأحد أساتذة الاجتماع في فرنسا، ويدعى روجيه مونييه،
وطلبوا منه أن يجد لهم حلاًّ وطريقةً يتمُّ من خلالها القضاءُ على المقاومة الجزائرية،
فغاب الرجل فترة متنقلاً بين شرائح المجتمع الجزائري، ثم قال لهم: المرأة الجزائرية،
فقالوا له: سألناك عن طريقة تجدها للقضاء على المقاومة، ولم نسألك عن النساء،
فقال لهم روجيه مونييه: المرأة الجزائرية هي السبب الرئيس في المقاومة التي تجدونها؛
فهي ترضع طفلها مع لبن ثديها حبَّ الإسلام، والتضحية من أجله، والجهاد في سبيل الله،
فإذا أردتم أن تقضوا على هؤلاء الناس، فعليكم إفساد هذه الأم،
اجعلوها تفكر في أشياء أخرى، اخلقوا التناقض بينها وبين الرجل.
وهذا ما فعله أعداء الإسلام، ولعل ما نراه من ابتعاد أكثر شباب المسلمين عن التطلُّع
إلى معالي الأمور، هو نتيجة انصراف الأم عن مهمتها الإسلامية في بيتها.
فأين المرأة المسلمة المعاصرة من أم سفيان الثوري التي تقول لابنها:
يا بني، اطلب العلم، وأنا أعولك بمغزلي؟! أو أين هذه الأم المعاصرة التي ربما توجِّه أبناءها
إلى اتخاذ طرق الشهرة الزائفة من غناء، وتمثيل، وغيره، من أم الإمام مالك التي يقول عنها
الإمام مالك: "نشأتُ وأنا غلام فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالتْ أمي: يا بني، إن المغني
إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدَعِ الغناء واطلب الفقه، فتركتُ المغنين
واتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى"؟!
يا لها من أم فاضلة صرفتِ ابنَها بأسلوب مهذب من التوجُّه إلى سفاسف الأمور،
وجعلته يتوجَّه إلى معاليها! ثم لا تدعه عند هذا الحد؛ بل تختار له المعلم، فتقول له:
"اذهب إلى ربيعة بن أبي عبدالرحمن فتعلم من أدبه قبل علمه"، فكم من الأمهات تجد
ولدَها يتَّجه إلى هذا المجالِ الفاسد، فتدَعه ولا تبالي بنصحه؛
بل ربما شجعتْه على سلوك هذا الطريق!
إن كثيرًا من الأمهات المسلمات كنَّ بأخلاقهن الفاضلة بمثابة الموجِّه الأول لأبنائهن؛
كي يكون لهم بعد ذلك أعظم الدور في تاريخ الإسلام.
وانظر إلى هذه الكلمات للشيخ بديع الزمان النورسي،
الذي يوصف بأنه مجدد الإسلام في بلاد الأناضول في العصر الحديث،
يقول بعد أن يذكر عن والدته أنها لم تكن ترضع أولادها إلا على وضوء،
يقول "أقسم بالله إن أرسخ درس أخذتُه وكأنه يتجدد عليَّ، إنما هو تلقينات
أمي - رحمها الله - ودروسها المعنوية، حتى استقرتْ في أعماق فطرتي،
وأصبحتْ كالبذور في جسدي في غضون عمري الذي يناهز الثمانين،
رغم أني قد أخذت دروسًا من ثمانين ألف شخص؛ بل أرى يقينًا
أن سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور".
وهذا أيضًا الشيخ سيد قطب - رحمه الله - يقول في رثاء والدته،
وهو يصور أسلوبها في غرس التطلع إلى المعالي في نفسه منذ صغره،
فيقول: "لقد كنتِ تصورينني لنفسي كأنما أنا نسيج فريد منذ ما كنت في
المهد صبيًّا، وكنت تحدثينني عن آمالك التي شهد مولدها مولدي، فينسرب
في خاطري أنني عظيم، وأنني مطالب بتكاليف هذه العظمة".
وبالفعل آتى غرسُها ثمرته،
وأصبح ابنها أحدَ أبرز رجال الإسلام ومفكِّريه
في العصر الحديث، وأدَّى بكل صدق ما تمليه عليه تكاليفُ العظمة
والرجولة التي غرستْها في نفسه أمُّه - رحمها الله - حتى قال قبل موته:
"إن أصبع السبابة الذي يشهد بالوحدانية لله في الصلاة،
لا يكتب كلمة اعتذار لطاغية".
ومما لا شك فيه أن أمثال هذه الأمهات المعاصرات قد اقتدين بالخنساء،
هذه الأم الفاضلة الشجاعة التي يروي المؤرخون عنها أنها: شهدت حرب القادسية بين
المسلمين والفرس تحت راية سعد بن أبي وقاص، وكان معها بنوها الأربعة، فجلستْ إليهم
في ليلة من الليالي الحاسمة تعظُهم وتحثُّهم على القتال والثبات، وكان من قولها لهم:
أيْ بَنِيَّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو
رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنتُ أباكم، ولا فضحتُ خالكم،
ولا هجنت حسبكم، ولا غيَّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدَّ الله للمسلمين
من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية
خير من الدار الفانية، والله - تعالى – يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[آل عمران: 200]،
فإذا أصبحتم غدًا - إن شاء الله - سالمين،
فاغدوا إلى قتال في سبيل الله مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين،
فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، فتيمَّموا وطيسَها، وجالِدوا رئيسَها، تظفروا
بالغنم في دار الخلد، فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، حتى استشهدوا
واحدًا بعد واحد، وبلغ الأم نعي الأربعة في يوم واحد، فلم تلطم خدًّا، ولم
تشق جيبًا، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين، وصبر المؤمنين،
وقالت : "الحمد لله، الذي شرَّفني بقتْلهم، وأرجو من ربي أن
يجمعني بهم في مستقر رحمته".
فهذه هي المرأة المسلمة صانعة الأبطال،
وهذه هي التي يرجى من ورائها الخيرُ للإسلام والمسلمين،
وليس هؤلاء اللاتي يخرجن ليس لهن همٌّ إلا أن يكنَّ بضاعةً
ينظر إليها في سوق الرجال.
ابدئي في التغيير الآن ...
لماذا التغيير؟
- لأنَّ المرأةَ المبدعة هي صاحبةُ الشخصية المليئة، المتوهجة،
التي لا تقف عند حد؛ فهي كلَّ يوم في تطور، وكل يوم لها منتج جديد،
وإضافة جديدة، وطاقات متفجرة، لا تركن عند الحدود، ولا تعبر من الممرات
الضيقة، بل تتجاوزها إلى آفاق وانطلاقات أوسع وأرحب.
- لأن المرأةَ المبدعة لا تقفُ مكتوفة الأيدي عند المحتمل والممكن،
بل بالمثابرة والجهد تقفز فوق الاحتمال والإمكان، وتجاوز المستحيل الذي
كان بالأمس بعيدًا فإذا هو ملك يمينها، وليس معنى التغيير الإزالة، بل قد يعني
الإضافة الغنية المدهشة والمؤثرة التي تصنع فرقًا لحياة أكثر سعادة وبهجة.
- لأن المياه الراكدة حتمًا يصيبُها العطبُ، وتتكالبُ عليها الطفيلياتُ،
أما المياه الجارية فهي متجددةٌ تتخلص من شوائبها أولا بأول.
- لأن الحياة تستحق أن نتقلب فيها؛ نعرف جوانبها المختلفة، نبحث وننقب،
نقتنص فرصتها التي نمتلك حتمًا مفاتحها لو أردنا لإحداث التغيير.
- لأن الأرواح تمل كما تمل الأبدانُ، والتغيير هو قطع هذا الملل،والانتصار عليه،
وإعطاء الحياة وجهًا آخرَ أشد جاذبية وأكثر بعدًا وعمقًا مما هي عليه.
- لأن أحباءك يستمدون منكِ الأمل والقدرة والقدوة، فابدئي أنت ليمتد تأثيرُك الإيجابي
إليهم، فيزادوا حماسةً وإقبالا على الحياة، فيتغلبوا على كبواتها ومنحنياتها.
وسائل التغيير:
المرأة المبدعة لا تترك وسيلةً تُوفّرُ السعادةَ لها ولأحبائها إلا وتجربها،
فهي مجربة لا تخشى عواقبَ قد يصورُها الكثيرون مضيعةً للوقت أو لا طائل منها،
في حين تذهب هي إلى حيث الإنجاز وما وراء الأسباب، سعيًا وراء النتائج المبهرة
والاندهاش الجميل والثناء الذي يزيدها عطاءً.
وسائل التغيير كثيرة ومتنوعة وفي متناول اليد، منها:
- الاستعداد للتغيير، وامتلاك الإرادة لذلك، والإصرار على الوصول.
- إخلاص النية لله وتجديدها خير معين للنجاح في حياتك.
- الاطلاع على مختلف صنوف العلم والمعرفة؛ لتعميق فكرك وزيادة علمك وغناء مواردك.
- حضور الندوات والدورات التي تؤهلك وتدربك على مهارات الحياة.
- الأمل والبشارة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عمله، تدفعك للحماسة،
ومن ثم الجهد والاستمرار.
من أين تأتي بالصبر، ومَن قدوتك؟
الصحابيات من أوائل المبدعات، فليس أغنى من سيرة الصحابيات وأمهات المؤمنين،
ولا أثمر ولا أينع من رحيق ذكراهم المعطرة لتستقي منهن الحكمة، وتستخلصي النتائج،
وتستوعبي الدروس، فقد كن مثالا للصبر والتدبر والحكمة، وكن يتوجن كل ذلك بالرضا
الذي يرتكز إلى صلابة الإيمان، وقوة العقيدة، وعمق اليقين،
والوثوق بالله بأن الصبر يعقبه الفوز.
فكوني كالسيدة خديجة في حكمتها ومساندتها وحنانها،
وكالسيدة سَوْدَة في مشورتها ورجاحة عقلها، وكالسيدة عائشة في حبها لزوجها وعلمها
وفقهها وغيرتها المحببة، وكالسيدة أسماء في إقدامها وشجاعتها،
فإن لم تكن الصحابيات الجليلات قدوتنا فمن يكون؟!
إضاءات :
- لا يضاهَى في الحياة امرأةٌ صالحة ورجلٌ وفيّ؛ فكوني تلك المرأةَ، لتجدي هذا الرجل.
- عليك أن تقفي على باب الأمل؛ فقد نجح كل من نفذ من خلاله عابرًا إلى تحقيق الحلم،
ولا تستمعي لأبواق المحبطين والمتعثرين.
- الكل يستمد منكِ البهجة، فكوني مصدرها حين يبحث عنها أحباؤك،
وليس أقربَ من زوجك وأبنائك لتهديهم أرقَّ مشاعرك ليستمدوا منكِ طاقاتِهم التي
تعينُهم على السير بنجاح في محطات الحياة الكثيرة.
- المرأة مثل العشب الناعم؛ ينحني أمام النسيم، ولكنه لا ينكسر للعاصفة.
- المرأة العظيمة تلهم الرجل، والمرأة الذكية تثير اهتمامه،
أما المرأة الجميلة فلا تحرك في الرجل أكثر من مجرد الشعور بالإعجاب،
ولكن المرأة الحنون وحدها هي التي تفوز به في النهاية .
منقولhglvHm hglsglm ,tk wkhum hgv[hg
المفضلات