علي حسن فراج
لا تكاد تنتقل في أي بلَد من مجتمعاتنا العربيَّة، إلا ويسترعي انتباهك - إذا سرتَ فيشوارعها - هيئة بعض شبابنا، وقد غايَر في لباسه ومظهره قانونَ مجتمعِه، محاكيًا المُوضَة
الغربيَّة في صورة تُثير الاشمئزاز، قبل أن تثيرَ الانتباه، الذي هو مقصودُ هذا الشابِّ المتغرِّب،أو هذه الفتاة المتبَرِّجة المحاكية - دائمًا - للباسٍ قصيرٍ ضيِّقٍ، قد انتشَرَ في بُيُوت الأزياء
الغربيَّة منذ سنين، لكنَّه يَفِد إلينا دائمًا (بعد الهنا بسنة).في حق أولئك الشباب، أو تحريم التشَبُّه والتبَرُّج في حقِّ أولئك الفتيات مع أهميته، لكن أتَكَلَّمُ
ولسْتُ أتَكَلَّم هنا عما يُمكن أن يقولَه علماءُ الشرْع في تحريم تَشَبُّه المسلم بغَيْر المسلم
هنا عن قضية مهمَّة من جانب آخر، وهي: لماذا لا يَسأَلُ هؤلاءِ الشباب والفتيات أنفسهموأنفسهن: لماذا يفعلون ويفعلْنَ هذا الأمر؟
سَوِيُّ الشخصية - أن أُقَلِّدَ غيري من الناس، كائنًا مَن كان؟
أجل، لماذا لا يُوَجِّه الشابُّ أو الفتاة لنفسه هذا السؤال: ما الذي يحملني - وأنا إنسان
التي يستعملها شاب آخر، أو تستعملها فتاة في بلد آخر؟!
أيُّ فضلٍ للشابِّ الغربي أو الفتاة الغربية يحملني على أن أُصَفِّف شعر رأسي بالطريقة
رسْم ملابس الرجال، تمُجُّه كلُّ الأذواق السليمة في الشرْق والغرب، لا لشيء ولا لمعنى
ما الذي يحملني - وأنا رجل - على أن ألبس بنطالاً ضيِّقًا (مُشَجَّرًا)، خارجًا على
سِوى أنَّ تافهًا من الغرب ظَهَر به في فيلم، أو أغنية، أو مسلسل؟في قصِّ شِعْري ونوع بنطالي وقميصي، بل وحذائي، لكلِّ مُوضة تَحدُث في العالَم؟
لماذا يستولي الاهتمام بمظهري على شخصيتي، ولَم أحرصْ على أن أكون متابعًا
ومِن ثَمَّ السَّعي لتكميل هذا النقْص بمتابعة الموضات - وكلها غربيَّة صرفة - التي
هل الباعث على هذا مُجَرَّدُ التفاهة والفراغ الفكري، أو الشُّعُور بالنقْص،
تلفت الأنظار إليّ، وتجعلني محل اهتمام من الآخرين، ولو بِمُجَرَّد النظر منهم بعدفشلي في أن أكون مُهِمًّا عندهم بأفعالي وإنجازاتي؟
هَمُّه متابَعة الجديد في المُوضَات الغربية أولاً بأول؛ بحيث لا تفوتُه منها واحدةٌ،
لا أعرف شابًّا مُتَفَوِّقًا في دراسته، لديه أحلامٌ في بناء مستقبله أو مستقبل أمتِه،
ولا يمشي في طريق من طُرُق مدينته إلاَّ وهو مُلفِتٌ النَّظَر إليه بمظهرهوملبسه المخالِف لِمَظْهر مَن حوله.
في طلاَّب الجامعات والمراهِقين، وإن كان بعضُ شبابنا تَطُول مراهقتُه فوق العادة.
ويلاحَظ أنَّ هذا الأمر - الذي في رأيي هو نَوْعٌ من المرَض النفسي - أكثر وُجودِه
والاعتزاز بذواتهم، بعد الثقة بربِّهم، والاعتزاز بدينهم، وأن يكونَ مصدرُ فخْرهم هو
وإذا كان كذلك، فإنَّ الحاجةَ مُلحَّةٌ جدًّا لإعادة تربية أبنائِنا وفتياتنا على الثِّقة بأنفسهم،
ما يُقَدِّمونه لأمَّتِهم وأنفسهم من إنْجازات، لا أن يعيشوا هكذا بلا قضيَّة ولا معنى،سِوى ما يلبسونه أو يأكلونه.
إنه لا بأس على الشباب والفتيات من التأنُّق في الملْبس والهيئة، بما لَم يُحَرِّمْهعليهم الشرْعُ، ولكن الذي ينبغي إنكاره جَعْل ذلك التأنُّق غايتهم في الحياة، ومصْدَر
سعادتهم أو تعاستِهم، وإذا كان الشبابُ الغربي عنده منَ الفراغ الديني ما يُبَرِّر لهجعْل هذه الأشياء مِحْور الاهتمام لديه، فالشبابُ المسلمُ الذي آمَن بالله ورسوله
واليوم الآخر، ليس عنده أبدًا ما يُبَرِّر له هذا الفِعْل، فهو دائمًا وأبدًا يَحْمل رسالةً،ويسعى إلى غايةٍ، مَهْما كان موقعُه في المجتمَع.
بل كل مُسلمٍ - مَهْما صغر شأنُه أو ضَعُف تأثيره في المجتمع حوله - يَسْعى أيضًا إلى
إنَّ الإسلام لا يحصر قيمةَ الحياة وأهميتها في فئة القادَةِ والعظماء فحسْب،
غايةٍ نبيلةٍ، لا غاية أعظم منها، وهي إرضاءُ ربِّه، ودُخُول جنته، وكفى بها نُبْلاً وشغلاًلصاحبها عن أن يهتمَّ بسفاسفِ الأُمُور ومُحَقِّراتها، ومتى أدْرك أيُّ مسلم ذلك، ولامَس
شِغاف قلبه، واسْتَقَرَّ في خلايا عقله - وجدته دائمًا يحرصُ على وقته وزمانه، كما يحرصُعليه العظماءُ والمُبْدِعُون، الذين يُغَيِّرُون حياة الأمم والشعوب، فكلُّ مسلم حقيقيٍّ
هو إنسان عظيم ومُبْدِع بلا شك.
منقول
]hx hgjthim uk] fuq hgafhf
المفضلات