صورة العربي في أدب الأطفال الصهيوني
رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه كان يقول:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -:
((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ على الفِطْرة، فأبَواهُ يُهَوِّدانهِ ويُنَصِّرَانِه ويُمَجِّسانِه)).
وقد اختار الإمام النووي في "شرحه لصحيح مسلم" أن يكون معنى هذا الحديث:
أنَّ كلَّ مولود يولد متهيِّئًا للإسلام، فمَن كان أبواه أو أحدُهُما مسلمًا، استمرَّ على الإسلام
في أحكام الآخِرة والدُّنيا، وإن كان أبواه كافرينِ، جرى عليه حُكْمُهما في أحكام الدنيا،
وهو ما يعني أنَّ الطفل نبتة، يكون لأبويه في تشكيلها دورٌ كبير وخطير في آن.
وإذا تجاوزنا معنى الأبوَّة الضيقَ المحصور في الوالدين: الأم، والأب،
إلى معنًى أشملَ وأوسعَ - خاصةً بعد التقدُّم الهائل الذي لَحِقَ المجتمعاتِ - يصبح المجتمعُ
الذي ينشأ فيه الطفل، ويتربَّى على أدبه وتقاليده، ويكون له ولأدبه الدورُ البارز في تشكيل
وعي هذا الطفل، وتكوين صورة الآخر في ذهنه، بما يزرعه فيه من قِيَم لها قدرتُها
على توجيه نشاطه، وتحديدِ سلوكه، وتكامُلِ شخصيَّته.
إن ما تقدَّم يتيح لنا أن نتساءل عن الصورة التي يبثُّها أدباءُ الصِّهْيَوْنِيَّةِ
في عقول صغارهم عن الآخر، وما يقومون به من تشويه "للفطرة" التي وُلِدَ
عليها هؤلاء الصغارُ، ومن هنا تأتي ضرورة النظر في أدب الأطفال الصهيوني؛
للتعرُّف على صورة العربي، وما يتَّصف به من سمات،
يبثها أدباء الصهاينة في عقول أطفالهم.
عيوب في الخَلق:
إن أول ما نُواجَه به إذا أردنا أن نبحث عن ملامح صورة العربي في أدب الأطفال
الصهيوني، ومن خلال استقراء العديد من الأعمال الأدبية الموجهة للأطفال الصهاينة - هو تعمُّد
تقديم الإنسان العربي لهؤلاء الصغار مخلوقًا مشوَّهًا، في أبشع صورة يمكن أن تخطر على بالٍ؛
لكثرة ما تشتمل عليه من ملامحَ منفرةٍ، جعلوها ملازمةً لحضوره في أعمالهم الأدبية،
على اختلاف أنواعها؛ وذلك كي يبدو في عيون أولئك الصغار، ليس مثيرًا
للكراهية والاحتقار فحسب، بل للتقزز والاشمئزاز أيضًا.
فالعربي يَطلُع علينا في الكثير من نصوص أدب الأطفال الصهيوني
- كما يقول أدير كوهين - بـ"وجهِه الذي يقطر كراهيةً، والذي لا بد أن يكون فيه
شاربٌ كثّ، وندب من جرح، أو عَوَر في إحدى عينيه".
والغريب أن ملامح الوجه القبيح هذه تتكرر نفسها، في أغلب قصص الأطفال الإسرائيلية،
ومن أشهر تلك القصص قصة "الجواسيس الشباب في عملية سيناء"؛ لمؤلفها "حازي لابين"،
الملقب بـ(إيدو ستير)، الذي يصف الحارس المصري في لقائه الأول مع بطلها الطفل الإسرائيلي
(إيلي)، بقوله: "وتقدَّم نحوه – أي: الحارس المصري - خلال الظلام، ما أبشعَ هذا المصريَّ بشاربه
الأسود الكثيف، وعينيه القاسيتين اللتين كان ينظر بهما نحوه – أي: نحو الطفل إيلي - كما تنظر
القطة إلى الفأر المعلَّق بين مخالبها، ثم سأله: ما اسمُك؟ ورأى إيلي أسنانَ ذئبٍ مفترس
تتبدَّى من تحت شاربه الأسود".
فالعربي - بحسب هذا النص - ذئبٌ، دميم الخلقة، ذو شارب أسودَ كثيف،
وعينين قاسيتين، تشبهان في نظرتهما نظرةَ القط إلى الفأر، مما يعني أنه على درجة
من دمامة الخَلق لا تُحتمل، ولا يمكن النظر إليه.
وتشبيه العربيِّ بالذئب يتكرر في قصص الأطفال الصهيونية بكثرة لافتة،
ومن أشهر القصص التي يتردَّد فيها هذا التشبيهُ: قصةُ "داني دين في مهمة مستحيلة"؛
لمؤلفها "أوين شريج"، وهي واحدة من سلسلة قصص الأطفال المعروفة باسم "عوز يعوز"،
التي تعد الأوسع انتشارًا في إسرائيل، ففي هذه القصة يَصف لنا (شريج) العربيَّ،
على لسان بطلها (داني دين)، بقوله: "هو ذئب ابن ذئب".
ثم يضيف إلى هذا الوصف سلسلةً من الأوصاف السلبية الأخرى،
التي لم تتردَّد الناقدةُ الإسرائيلية "تمار ماروز" في اعتبارها شتائمَ أكثرَ منها أوصافًا،
ومن تلك الأوصاف التي تذكر "ماروز" أن شريج أطلقها على العرب، في قصته
آنفة الذكر: "وقحون، حمير، باذنجان، جراد، شوك، خنازير".
على أن أدب الأطفال الصهيوني لا يكتفي بوصف العربي بدمامة الخَلق فحسب،
وإنما يُلبسه من الملابس والثياب ما يتماشى مع وصفه له، ويؤكِّد ما يرمي إليه هذا الأدبُ
في أيديولوجيته المريضة، فيعمد إلى إظهار العربي في ملابسَ قبيحةٍ قذرة، ملائمة منهم
بين قُبحِها وقبحِ وجهه وجسمه؛ وكل ذلك بهدف زيادة تنفير الطفل الصهيوني منه،
وزيادة احتقاره وكراهيته للعربي.
فالعربي في أدب الأطفال الصهيوني يرتدي من الملابس
"الشروال، والكوفية، والعقال، والعباءة"، التي يَعدُّها أدباء الصهيونية وإسرائيل
من أبرز الدلائل على عدم معاصرته، على نحو ما جاء ذلك في قصة تُدرس في مناهج
التعليم عند الصهاينة، بعنوان: "القرية العربية"، فمؤلِّفُها يقرر أن "شروط النظافة والمحافظة
على الصحة تكاد تنعدم بين العرب، والإجراءات الصحية التي لا يستطيع الإنسان العيشَ
ساعة واحدة بدونها غيرُ متوفرة في أي قرية عربية، حتى في القرى الكبرى الغنية،
ولعدم وجود المراحيض؛ يقضي العرب حاجاتِهم في أي مكان، فالأولاد يقضون
حاجاتهم في الساحة، أو في الحظيرة، أو في البيت، أما الكبار فيأخذ الواحد
منهم إبريقًا ويخرج إلى الحقل، وعادةُ الاستحمام تكاد تكون
غيرَ مألوفة عند العرب.
وهناك بعض الفلاحين الذين لم يمسَّ الماءُ أجسادَهم منذ زمن طويل،
وامرأة عربية أقسمت بالله أنها ولدتْ ستةَ أولاد دون أن يمس الماء جسدها،
وهناك مَثَلٌ عند العرب يقول: "الطفل الوسخ أصح وأشد"! العرب يرتدون الثياب،
ولا يغيِّرونها إلى أن تبلى، حيث يغدو مليئًا بالقمل والبراغيث، ويكلح لونه،
والعربي صانع القهوة يبصق في الفناجين؛ كي ينظفها!".
والغريب حقًّا أن الصهاينة يرتِّبون على ذلك المظهرِ
- غير اللائق في رأيهم - ذريعةً لنفيِ أي حق للعرب في فلسطين،
كما فعل الأديب الصهيوني الأمريكي "شاؤول بيلو"، الحائز على جائزة نوبل
عام 1977م، حين قال مسوغًا نفي "جولدا مائير" لوجود شعب فلسطيني:
"العرب لا حق لهم في فلسطين؛ لأن ملابسهم غير أنيقة، وأصواتهم مرتفعة"!
وليس علينا أن نُفاجَأ بظهور العربي في معظم نصوص أدب الأطفال الصهيوني،
بتلك الملامح المنفِّرة التي تبديه، ذَكرًا كان أم أنثى، في صورة مخلوق قبيح الوجه، والجسم،
والملابس معًا؛ لأن قبح الخلقة والملابس يُمهِّد لديهم لما سيُلصقونه بالعربي من صفات سلبية
أخرى، يُشوِّهون بها الجانبَ العقلي لشخصيته، بالإضافة إلى جانبيها النفسي والسلوكي،
انطلاقًا من نزعتهم العنصرية، التي تملأ رؤوسهم بتصورات مرَضيَّة،
تُوهِمُهم بوجود جنس بشري أحطَّ من جنس، وآخر أرقى.
مدمر للحضارة:
العرب "متخلفون ورعاع، العرب إرهابيون قَتَلة، يخطَفون الأطفال،
يغتصبون النساء، يتربَّصون بنا من كل جانب، يريدون إبادتَنا، لقد جاؤوا غُزاةً
لأرضنا - أرض آبائنا وأجدادنا - يريدون الاستيلاء على منازلنا الجميلة،
وحدائقنا الخضراء، يريدون سلب حقوقنا التاريخية".
هذا ما تقوله "جيئولا كوهين" زعيمةُ حركة "هتحِيَّا" اليمينية العنصرية المتطرفة، سابقًا،
في إحدى قصصها الموجَّهة لأطفال الصهاينة، وهي بذلك تسعى إلى زراعة الكراهية والحقد
على الإنسان العربي في قلوب أطفال إسرائيل، وتُحرِّضهم على قتله دون رحمة؛
للحيلولة دون تمكينه من تدمير ما تسميه
(منجزات آبائهم الحضارية فوق أرض فلسطين).
أما الكاتب العنصري (أفنير كرميلي)،
فلا يتوقف عند اتِّهام العربي بالعداء للحضارة، والرغبة في تدميرها فحسب؛
بل يتَّهمه - أكثر من ذلك - بالعداء للتَّحَضُّر، ومحاربة كل مَن يحاول إخراجه
من بؤر التخلُّف التي يغوص فيها إلى شحمة أُذنيه، مؤكِّدًا – بالمقابل –
(الطابع الحضاري) للصهيونية، و(رسالتها المدنية) إلى ما يسميه (أرض إسرائيل)،
نلاحظ ذلك واضحًا من خلال زعمه في إحدى قصصه أن أفراد الكيبوتس "كانت
غايتهم جلبَ البركة والتطور، ليس لليهود فحسب، وإنما أيضًا للفلاحين العرب
الحمقى، المستغَلَّين استغلالاً بشعًا من قِبَل أسيادهم الأفندية".
ولا يكتفي مؤلفو أدب الأطفال الصهيوني ببثِّ مزاعمهم
عن تدمير العربي للحضارة، وعدائه للتحضر في سلاسل قصصهم،
وإنما تمتدُّ أيديهم بهذه الفكرةِ إلى قصصٍ تدرس في مناهجهم التعليمية.
ففي إحدى هذه القصص - وعنوانها "افرات" - نجد واضِعَها يحذو لاتِّهام العرب
بتخريب الحضارة اليهودية المزعومة في فلسطين، وبعدائهم للمهاجرين اليهود الذين
جاؤوا لتحضيرهم، فإذا بهم بدلاً من أن يشكروا أصحابَ هذه (البادرة الإنسانية)،
يردُّون عليهم بالسيوف، فنقرأ فيها:
"لقد أتى العربُ أعمالاً وحشية ضد اليهود، بحيث بدا العربيُّ كائنًا
لا يَعرف معنى الرحمة أو الشفقة، فالقتلُ والإجرام غريزةٌ وهواية عنده،
حتى صار لون الدم من أشهى ما يشتهيه، لقد باغَتَ العربُ اليهودَ واعتدَوا عليهم
كالحيوانات المفترسة، وراحوا يَسلبُون ممتلكاتهم، حتى المدارس والمعابد الدينية
لم تَسلَم من بطشهم، نساء وفتيات اليهود تعرَّضْنَ للاغتصاب
من قِبَل العرب؛ لأجل إشباع نزواتهم"!
وشبيه بذلك ما جاء في قصة أخرى بعنوان:
"مقاصد الأثر من الحدود الشمالية"، على لسان إحدى الشخصيات
اليهودية فيها: "أي نوع من الرجال هؤلاء العرب؟! لا يقتلون إلا العزَّلَ
من الأطفال، والنساء، والشيوخ! لماذا لا يقتلوننا نحن الجنود؟!".
مضطربٌ نفسيًّا وسلوكيًّا:
إن اتِّهام العربي بتدمير الحضارة، يرتبط به مجموعةٌ من الاضطرابات النفسية
والسلوكية، فلا يرى القارئُ لأدب الأطفال الصهيوني العربيَّ إلا رجلاً له من السلوك
ما يَشينه ويَنقُص من قَدره، ويأتي في مقدمة مكوِّنات هذا الخليطِ من العيوب النفسية والسلوكية:
صفةُ الجبن في ساحات القتال على نحو خاص؛ إذ نجد مؤلفي أدب الأطفال الصهيوني
يجنحون إلى هذرٍ من المبالغات الخيالية، التي لا يمكن لطفل صغير أن يُصدِّقها،
إلا أن يكون هذا الطفلُ صهيونيًّا، أفقدَتْه الصهيونية قُدرتَه على التمييز.
من ذلك مثلاً: تلك الصورة المضحكة، والمملة؛
لكثرة تَكرارها على صفحات ذلك الأدب، والتي يظهر العربُ فيها على الدوام
أعدادًا لا حصرَ لها، تواجِه قلةً من اليهود، ومع ذلك، فدائمًا ينتصر اليهود،
والعرب هم الذين ينهزمون! هذا ما يخبرنا به مثلاً "أوين شريج"،
الذي ألَّف سلسلة من قصص الأطفال، تزيد على عشرين قصة،
وكان قبل أن يصير مؤلفًا، عضوًا في منظمة (ليحي)
الإرهابية المعروفة.
ففي إحدى قصص تلك السلسلة،
التي يلعب دورَ البطولة فيها كلِّها الطفلُ الإسرائيلي الخارق "داني دين"،
تستطيع جماعة من الأحداث اليهود أن تتغلَّب - بسهولة فائقة - على عصابات عربية؛
بل على جيوش عربية نظامية، ثم يمضي مؤلِّفُ هذه السلسة في هذره اللاعقلاني هذا،
راويًا لقُرَّائه كيف تسلل "داني دين" إلى مصر؛ "ليضع علبةً، ربط عليها بطاقة مشدودة
إلى صندوق بخيط مطاطي، وكتب فوقها: "علبة الموت"، فإذا همس في أنبوبتها
شعارٌ معيَّن، لا تعرفه إلا القيادةُ العامة للجيش الإسرائيلي،
انفجرتْ ودمَّرتْ كلَّ أرض العدو بسكانها".
أما رد فعل (المصريين الجبناء) على هذا الهجوم المدهش،
فيصوره لنا "شريج"، في هذه القصة (التربوية)، بقوله: "هيا نهرب! صاح ناصر،
وبدأ يفرُّ، لكن سرعان ما وقع على الأرض، نهض ناصر على الفور، وواصل الفرار،
وفرَّ جميع الحاضرين مثله، يا الله! كان يجب أن تشهدوا مثل هذا الفرار".
وبعد أن يَفرغ (شريج) من مبالغاته اللاواقعية والسخيفة هذه،
ينتقل بقرائه إلى العالم الداخلي لبَطلِه "داني دين"، لنسمعه وهو يخاطب نفسه،
مفتخرًا بما أنجز: "لقد قمتُ بواجبي على أحسن وجه، ومن الآن لن يجرؤ
المصريون على شن حروب ضدنا".
وفي قصة "خريف أخضر"، وهي قصة تحكي قصة أسير عربي
متقدِّم في السن، وقع في أيدي الجنود اليهود، وتُبرِز القصةُ شخصيةَ الأسير العربي
كشخصية هزيلة جبانة، يُفضي بأسرار بلده من الخوف والجبن، من دون أن يطلبها
منه أحدٌ، ويُصرُّ في تذلُّل على تقبيل أيدي الجنود اليهود،
في حين يمتنع اليهودي من الموافقة على ذلك التقبيل!
وفيها جاء هذا المقطعُ على لسان الجندي اليهودي:
"لقد نفَّذ كلَّ ما أمرتُه به، أحضَرَ الماء، كما قام بمهمات مختلفة كنتُ أكلِّفه بها،
وكان يعود في كل مرة كالكلب العائد إلى كوخه!"، الأكثر من ذلك أن الجنود
اليهود يستخدمون هذا الأسير العربي - في نهاية القصة - مع كلاب الألغام،
وينفجر به لغم، فيقوم الجنود اليهود بإحراق جثته.
فأي جبن وذلٍّ بعد ذلك؟!
لقد حاول مؤلفو أدب الأطفال الصهيوني إيهامَ قُرائهم
بأن الجبن والذلَّ من بين الطباع الأصلية، التي تميَّزت بها شخصية الإنسان العربي،
في مختلف مراحل تاريخه، وقد لا نحتاج إلى براهينَ كثيرةٍ، لنؤكِّدَ أن الهدف من تصوير
العربي على هذا النحو، هو إفراغ المقاومة العربية من كل بطولات أهلها، وتضحياتهم
في سبيل الدفاع عن أرضهم، وإبرازهم غايةً في الجبن؛ مما يجعلهم في النهاية
المسؤولين - أولاً وآخرًا - عن ضياع تلك الأرض منهم، وليس المؤامراتِ
والمذابحَ الصهيونية المشهورة ضد العُزَّل من أبناء قُراهم ومدنهم،
وليس الاستعمارَ العالمي وقوى الرجعية العربية التي شجَّعتْ
- بتخاذلها - إسرائيلَ على ابتلاع معظم أرض فلسطين،
ذلك الجزء الكبير من الأرض العربية.
لا شك أن أدب الأطفال الصهيوني وأدباءه يسعَوْن
من خلال إلصاق هذين الصفتين بالعربي إلى تبرئة العصابات الصهيونية،
ومن ثم إسرائيل، وقادتها، وحماتها، من مسؤولية تشريد شعب فلسطين،
ليلقي التبعةَ كلَّها - وبشكل مضحك - على كاهل مَن يوصفون افتراءً
بـ"العربي الجبان، الذي فرَّ تاركًا أرضَه لليهود"، وبذلك لا يكون
العربي قد وُصمَ بالجبن فقط؛ بل نُفي عنه
أيُّ إحساس وطني أيضًا.
ومن المعلوم أن هذا الجنوحَ المسرف نحو المبالغة اللاعقلانية،
حتى وإن كان يرضي غرورَ طفل يهودي، إلا أنه - في الوقت ذاته –
يستخفُّ بعقله، إن صدَّقه؛ نظرًا لبُعده الشديد عن الواقع، فحتى أبطال
الأساطير والخرافات لا يصلون إلى ما وصل إليه اليهود في أدب
أطفالهم، من اجتراح الخوارق والمعجزات.
وإن كان هناك من هدفٍ لهذه المبالغات كلها،
فهو بثُّ الثقة وروح الشجاعة في نفسية الطفل اليهودي، عن طريق إيهامه
بأن خصمَه العربي هو الجبن عينُه، يتحرَّك على قدمين لا تُتقنان
سوى الفرارِ من ساحات المعارك.
وهنا أيضًا يمكن القول:
إن وصم العربي بعارِ الذلِّ لا يهدف إلى تحقيره في عين الطفل الصهيوني
فحسب؛ بل إلى بثِّ شيءٍ من ثقة في نفسه، وطرد الخوف من قلبه أمام عدوه
العربي؛ كيما يتمكنَ من مواجهته بشيء من شجاعة،
إذا لاقاه على أرض الواقع.
وبالطبع، لا تقتصر المبالغات المفتعلة لإبراز العربي في صورة المضطرب
سلوكيًّا ونفسيًّا، على تصوير (جبن العربي وذلِّه) فقط؛ بل ثمة عيوبٌ نفسيَّة أخرى
ألصقها أدباءُ الأطفال الصهاينة بالعرب، من ذلك ما زعموه من عجز العربي عن مواجهة
الواقع، وعدمِ القدرة على الاعتراف بالحقيقة أو مواجهتها، وهما عيبانِ يؤديانِ إلى خصلة
سلوكية بالغةِ السوء، هي الكذب، الذي يزعم أولئك الأدباءُ أنه من (طباع العربي) الثابتة،
التي لا شفاءَ له منها؛ تمامًا مثل (فرديته المفرطة)، التي يزعمون أنها ثمرةُ (أنانيته
وحبِّه للظهور)، وتضخيمُ فردية العربي، وإبرازُها كعيب نفسي مزمن، وسيلةٌ
إلى طمأنة الطفل الصهيوني بأن التمزُّق العربي لن يزول؛ وبالتالي فاحتمالُ
قيام وحدة عربية، هو احتمال مستحيل، الأمر الذي يعني
(استمرارية بقاء إسرائيل) فوق الأرض العربية
التي احتلتها، إلى ما لا نهاية من السنين.
ولعل من البدهي: أن يتَّصل بجملة العيوب النفسية السابقة،
عيوبٌ أخرى تَنتج عنها، وتكون ملازمةً لها، في مقدمتها: الجشع، واللؤم، والحسد،
والأَثَرة، والحقد على الآخرين وكراهيتهم، وغيرها من العيوب، التي لم يتردَّدْ معظمُ
أدباء الطفل الصهيوني في إلصاقها بشخصية العربي، على صفحات نتاجاتهم؛
ليجعلوا منها الأساسَ الذي بنَوا عليه سلسلةَ ما ألصقوه به من خصالٍ سلوكية
ذميمة، من أبرزها الكسلُ الناجم عن الاتِّكالية، التي يزعمون أن الإسلام
ساهَمَ في إصابة العربي بها؛ لأنه يدفع أتباعَه - كما يقولون – إلى
الإيمان بالقضاء والقدرِ إيمانًا أعمى.
ومع أن اليهود أكثر بني البشر اتِّصافًا بالجشع إلى المال،
على مر التاريخ، وإلى اليوم، إذا بنا نجد العربَ - في الأدب الصهيوني - قد فاقُوا
اليهودَ في الجشع إلى امتلاك المال، بالإضافة إلى امتلاك النساء أيضًا، وعلى أرضية
إلصاق هذين العيبين في العرب جميعًا، سَهُل على الأديب الصهيوني الذي يكتب
للأطفال اتِّهامُهم بعدم التردُّد في الإقدام على السرقةِ، والقتلِ، والارتزاقِ،
والتسوُّلِ؛ لأنها - في رأيه - أقصرُ الطرقِ لجمع المال، وامتلاك النساء.
والعربي حين يتمكَّن من الغدر - في أدب الأطفال الصهيوني - يغدو
سَفَّاحًا لا رحمة في قلبه؛ بل هو يَقتل من أجل التلذُّذ بالقتل أحيانًا، كما يؤكِّد
معظمُ مؤلفي قصص الأطفال في إسرائيل، داعين أولئك الأطفالَ إلى المبادرة
لقتل العربي الغادر؛ نجد ذلك مثلاً في قصة بعنوان "غبار الطرف".
جاء فيها على لسان يهودي، ينصح يهوديًّا آخرَ:
"العرب مثل الكلاب؛ إذا رأَوا أنك مُرتَبك، ولا تقوم بردِّ فعل على تحرشاتهم،
يهجمون عليك، وأما إذا قمتَ بضربهم، فإنهم سيهربون كالكلاب".
بل إن العربي في قصص "حازي لوفبان" يخرج "مجرمًا من بطن أمِّه"،
بدليل أن بطل إحدى قصصه الذي ولد في يافا "قضم أذن أمه بِعَضَّة، وهو ما
يزال في الثانية من عمره، وفي السابعة هوى بكرسي على رأس معلِّمته، وهو يقول
لها بأن حاصل ضرب اثنين باثنين هو خمسة، وفي العاشرة دفع عمَّه تحت دواليب
سيارة مسرعة؛ لأنه لم يكن لديه ما يفعله في تلك اللحظة، ماذا أقول؟!
هذا الأهوج المشوش، تطور سريعًا، وأصبحت له في العاشرة من
عمره عصابةٌ خاصة به؛ لأنه أحبَّ أن يقرر
بنفسه: من يقتل؟ ومن يسلب؟".
والأمثلة على نزعة العربي إلى السلب، والنهب، والغدرِ كثيرةٌ
في أدب الأطفال الصهيوني، وقديمة الظهور في نصوصه، فـ"أفنير كرميلي"
يرجع سببَ تطوُّع كثير من الشبان العرب للقتال ضد اليهود، إبان عام 1948،
إلى رغبتهم في الحصول على إحدى النساء اليهوديات الجميلات الموجودات في
الكيبوتسات اليهودية، واغتصابها، وبهذا ينفي الأديبُ الصهيوني عن العرب أيَّ
شعور وطني، ويجعل هدفهم في كل المعارك التي خاضوها ضد اليهود
محصورًا في سلب أموالهم، أو اغتصاب نسائهم.
نعم، هذه هي (أهداف المقاتل العربي) من الحرب ضد اليهود،
كما يزعم مؤلفو نصوص أدب الأطفال الصهيوني:
(السلب، والنهب، والاغتصاب، وسفك الدماء غدرًا)، ولا شيء البتَّة
عن الدافع الوطني، وحماية الأرض، والعرض، والأهل، وهذا ما يحاول
أولئك المؤلِّفون أن يُقنعوا به قارئَهم الإسرائيلي قبل غيره؛ ليؤجِّجوا الحقدَ
في نفسه على العرب؛ كي لا تأخذَه بهم حين يلقاهم رحمةٌ أو شفقة.
وربما بسبب هذه الحقنِ المتواصلة من إثارة الحقد؛
لم تُثِر المذابحُ التي ارتكبها الصهاينة بحق العرب، في نفوس مُنفِّذيها
أيَّ أثرٍ لتأنيب الضمير؛ بل على العكس، كانت تثير البهجة والسرور!
وبهذا يكون الأدب الصهيوني قد قام بأبشع عملية خداعٍ نفسي وأكبرها،
ليس للإنسان غير اليهودي فحسب؛ بل حتى لليهودي نفسِه، وذلك حين حوَّله
بتلك الأضاليلِ والمزاعم التي نفثها فيه عن العرب، إلى قاتلٍ متوحِّش يظنُّ نفسه،
وهو يقتل ويسفك الدمَ العربي، (بطلاً حضاريًّا، ورسولَ تقدُّمٍ) تارة؛ إذ يقاتل أناسًا
يدمِّرون الحضارة ويكرهونها، ولا يفهمون سوى لغةِ واحدة، هي لغة القوة،
كما يزعم "كرميلي" في إحدى قصصه؛ وتارةً أخرى يرى نفسَه (سوبرمان)،
يتسلى بهياكلَ بشريةٍ هشَّةٍ وضيعة، شديدةِ الخوف والجبن؛ وتارةً ثالثةً
يندفع إلى القتل؛ انتقامًا لمَن قَتَلهم العربُ من بني جلدته.
والهدف النهائي لكل هذا هو تحويل ذلك القارئِ اليهودي المخدوع،
إلى حطبٍ دائمِ الاشتعال والتوقُّد، تحت مِرجَلِ الأهداف العدوانية التوسعية
لإسرائيل، الملتهبة طمعًا بالأرض العربية.
إن أديب الأطفال الصهيوني
لم يقنع بكل ما افتراه على الإنسان العربي، وألصقه به من مزاعمَ
تَصفُه بالقبح والقذارة، والتخلف العقلي، والغباء والجهل، والعداء للعلم والحضارة،
ولم يقنع بقدرة هذه الافتراءاتِ على زرع الاحتقار، والكراهية، والحقد على هذا
الإنسان، في نفسية الأطفال اليهود، فمضى في محاولته شوطًا أبعدَ، فتعمَّد
تشويهَه نفسيًّا وسلوكيًّا أيضًا، بما راح يلصق به من معايبَ، ونقائصَ،
وطباعٍ وخصالٍ ذميمة، أسعفتْه بها عنصريتُه.
وظلَّ يُرسِّخ هذه الصفاتِ في نفسية أولئك الأطفال،
حتى صاروا إذا أرادوا وصفَ عملٍ سيئ، قالوا عنه: إنه "عمل عربي"،
وإذا أراد أحدهم أن يصور جبانًا، قال: "إنه يتصرَّف مِثلَ عربي"،
كما يَذكُر أدير كوهين.
أما بالنسبة للحسنات،
فليس للعربي منها في ما يقرؤه أطفالُ اليهود من مؤلفات أدبائهم
- كما يضيف كوهين - "إلا إنقاذُ حياة عائلة يهودية، أو خيانة إخوته
عندما يشي إلى أفراد مستوطَنةٍ يهودية بأن العرب سيعتدون عليها"؛
بل إن العربي الصالح - في رأي "أفنير كرميلي" - هو العربي الميِّت،
أو العربي الذي انصهر في الشعب اليهودي، كما يؤكد في
قصته "الرياضيون الصغار يعودون".
وعلى هذا؛ يمكن القول :
إن الصورة النفسية للعربي في أدب الأطفال الصهيوني
هي ناتجُ مزج متعمَّد لمختلف المعايب النفسية، والطباع السيئة،
والخصال الذميمة المفتراة، لا تزيد عن كونها خليطًا هجينًا من الثقافات
العنصرية، يفتقر حتى إلى التماسك الذي تتميز به ثقافةٌ عنصرية واحدة،
وكل ذلك محاولةٌ يائسة، يحاولها أدباء الصهيونية؛ لإعادة بناء توازن
نفسي مفقود عند الطفل اليهودي؛ لترميم معنوياته المنهارة،
عن طريق حقنه بهذه الحقن الغريبة
من الوهم والخيال.
منقولw,vm hguvfd td H]f hgH'thg hgwid,kd
المفضلات