قيمتنا بقيمنا
نبيل بن عبدالمجيد النشمي
ليس ما يميز أمة الإسلام أنها جاءت بمبادئ تملأ الأرض نورًا وسعادة وسلامًا فحسب، بل إنها قدَّمت نماذج
راقية في امتثال تلك المبادئ في كل جوانب الحياة، حتى إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا ولم يصل إليهم
جيش ولم يُهَدَّدوا به، وإنما بمجرَّد وصول عدد من المسلمين الملتزمين بقِيَمِهم والمحافظين على تديُّنهم إلى تلك
البقاع فتأثَّروا بأخلاقهم وتعاملاتهم، ولما علموا أنها مبادئ وقِيَم دينٍ وعبادة يقومون بها، لم يتردَّدوا في اعتناق
هذا الدين العجيب الذي يسحر بقِيَمِه ومبادئه كلَّ باحث عن السعادة، وكل سليم فطرة، من انحراف فكر وفساد
طوية.
فلذلك ارتفع شأن هذه الأمة لمَّا كان ولاؤها المطلق لمبادئها وقِيَمِها، والتي تتَّضح من خلالها معالم الشخصية
الإسلامية الحقيقية، وبالمقابل فإن تلك المعالم تذوب وتغيب عندما تذبل المبادئ وتصبح مجرَّد معانٍ بلاغية
واستراحات قصصية بين مجلَّدات الكتب وعلى رفوف المكتبات، وشواهد لتعزيز الخُطَب والمحاضرات.
ولأن إعادة القِيَم إلى واقع الحياة ومجريات الأيام ليست بالعملية السهلة ولا بالقرار الممكن مع وضعية محزنة؛
من ضعف التثقيف العام، وسيطرة الجهل بالإسلام، وغياب الدور الرسمي، وهزال العمل المؤسَّسي، والانهزامية
المترامية الأطراف في جسد الأمَّة، فإنَّ واجب الدعاة وحَمَلَة المبادئ والقِيَم يتضاعَف في منحيين رئيسين: امتثال
المبادئ والعيش بها وتحمُّل ما ينتج عن ذلك، وفي الدعوة إليها والدندنة حولها، ونقلها إلى مسامع وأفهام الناس
بما أمكن من وسائل وأوقات.
وعليه؛ فإن مسألة مجاهدة النفس نوع من الجهاد، بل الجهاد الأساس يبدأ من الجهد المتواصل ضدَّ الأهواء
والشهوات والعادات السيئة، فالمتميِّز الحقيقي في الرؤية الإسلامية ليس الذي يحقِّق كثيرًا من المنجزات وينتج
عددًا من الأشياء، إنما هو ذاك الذي يحقِّق أعلى مستوى من المطابقة بين مبادئه ومُثُله وبين سلوكياته وأنشطته.
فتتأكَّد الضرورة إلى الاهتمام بالأخلاق الحميدة فكرًا وسلوكًا، والعمل الدؤوب على تحقيق النفس السوية –
خاصَّة في زماننا - والذي تسعى فيه العولمة إلى طمس هويات ودفن شعوب وأمم تحت مظلتها وعباءتها،
لا تبالي بأيِّ قِيَم ولا تراعي أيَّ خصوصيات.
وأمَّتنا - هكذا قَدَرُها، وهو عزُّها - لن ترتقي ارتقاءً حقيقيًّا إلا إذا انطلقت من قاعدة القِيَم والمبادئ التي قامت
عليها يوم أن قامت، فلن يصعد بها إلى مرتبة الأقوياء تقليد الأقوياء ومحاكاتهم، ولو حتى محاكاتهم في تقنياتهم
وتكنولوجياتهم وهي في منأًى عن حقيقتها والمتمثِّلة بقِيَمِها ومبادئها.
وحين يضعف دور القِيَم في حياة الأمة - كما هو مُشَاهَد في أيامنا - وفي توجيه المسار وتحديد المواقف؛
فإنه لن يحول بينها وبين الانحطاط شيء، مهما كان ما تملكه من مال وعلم وتقنية.
إن بعض الأمم تستمدُّ قوَّتها من مالها وثَرَوَاتها، والبعض الآخر تستمدُّها من النُّظُم والقوانين التي تقوم عليها
والبعض من القوة التي تملكها وهكذا، لكن أمَّة الإسلام قوتها الكبرى وميزتها في مبادئها وقِيَمها، وكل ما يضاف
إليها من أرقام في العلم والتقدُّم والحضارة والبناء وغيرها يزيدها قوة إلى قوتها، لكن هذه الأرقام مهما بلغت
فلن تعطي الرقم الحقيقي للأمة، إذا خلا مكان القِيَم؛ فهو الرقم الحقيقي والرئيس.
فلذلك خسارة هذه الأمة لمبادئها - حتى أفرادها - هو خسارة للذات، وليس هناك خسارة أعظم من أن يخسر
المرء ذاته، فبكل أسف - وإن لم يشعر - تتحوَّل حياته إلى صورة من صور البهيمية أو النباتية، والتي ليس
فيها إلا تنفُّس ونمو وتكاثُر، فلا معنى ولا هدف.
ومن هنا نعرف كم حجم المعاناة التي يعيشها أصحاب المبادئ والقِيَم في مجتمعات وأوساط تستهين بتلك
المبادئ وتحكم بالعقوبة - ولو بطريقة غير مباشرة - على أصحابها، وهذا يعمِّق المأساة ويعوق التغيير.
المصدر: الألوكةrdljkh frdlkh
المفضلات