روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس :أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ))(1) تلك الغرانيقُ(2) العلى وشفاعتُهنَّ تُرتجى ... ففرح المشركون بذلك وقالوا : قد ذكر آلهتنا . فجاءه جبريل فقال : اقرأ عليّ ما جئتك به ، قال : فقرأ : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى )) تلكَ الغرانيقُ العلى وشفاعتُهنَّ تُرتجى ، فقال : ما أتيتكَ بهذا . هذا عن الشيطان – أو قال : هذا من الشيطان – لم آتِكَ بها ، فأنزل الله : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ))(3) إلى آخر الآية .
هذا حديثٌ مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد من طرق عديدة كلها ضعيفة أحسنُها حديث سعيد بن جبير .
أخرجه : الضياء المقدسي في " المختارة " 10/88 ( 83 ) و10/89 ( 84 ) من طريق يوسف بن حماد ، عن أمية بن خالد ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : (( لا أعلمه إلا عن ابن عباس )) .
وأخرجه : البزار كما في " كشف الأستار " ( 2263 ) عن يوسف بن حماد ، قال : حدثنا أمية بن خالد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب – أشك في الحديث -
قال البزار : (( لا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد ، وأمية بن خالد ثقة مشهور ، وإنما يعرف هذا من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس (4))) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " (19158) ط. الفكر و 16/607 ط. عالم الكتب من طريق محمد بن جعفر .
وأخرجه : ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " : 1282 من طريق أبي داود .
كلاهما : ( محمد ، وأبو داود ) عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، به مرسلاً .
فتكون رواية أمية شاذة ، وقد يكون الوهم منه أو من يوسف بن حماد ، إلا أنَّ تفرد أمية يجعلنا نحمل الوهم عليه .
وروي هذا الحديث من وجه آخر ، رواه عثمان بن الأسود ، عن سعيد بن جبير واختلف عليه .
فقد أخرجه : الضياء المقدسي في " المختارة " 10/234-235 ( 247 ) من طريق أبي عاصم النبيل ، عن عثمان بن الأسود ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس متصلاً .
وخالفه يحيى – أحسبه القطان – فرواه عن عثمان بن الأسود ، عن سعيد بن جبير ، مرسلاً .
أخرجه : الواحدي في " أسباب النـزول " (309) بتحقيقي من طريق يحيى ، به .
وهذا اضطراب واضح يوجب تضعيف الحديث .
هذه القصة على ما فيها من نكارة في المتن ، فإنها قد جاءت مخالفة لما في صحيح البخاري وغيره فقد رواها عكرمة ، عن ابن عباس دون ذكر القصة بلفظ : سجد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجدَ معهُ المسلمونَ والمشركونَ والجنُّ والإنسُ . وهي الرواية الصحيحة .
أخرجها : البخاري 2/51 ( 1071 ) و6/177 ( 4862 ) ، والترمذي ( 575 ) ، وابن حبان (2763) ، والطبراني في " الكبير " ( 11866 ) ، والدارقطني 1/408 ط. العلمية و( 1524 ) ط. الرسالة ، والحاكم 2/468 ، وابن مردويه كما في " الدر المنثور " 4/661 ، والبغوي ( 763 ) .
وقال الترمذي : (( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح )) .
انظر : "تحفة الأشراف" 4/541 ( 5996 ) ، و"جامع المسانيد" 31/319 ( 2002) ، و"إتحاف المهرة" 7/487 ( 8283 ) .
وقد وردت هذه القصة من طرق أخرى كلها واهية :
فأخرجه : ابن مردويه كما في " الدر المنثور " 4/661 من طريق عباد بن صهيب ، عن أبي بكر الهذلي وأيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم بمكة ، فأتى على هذه الآية : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى )) فألقى الشيطان على لسانه : إنَّهن الغرانيق العلى . فأنزل الله (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ... )) .
عباد هذا قال عنه البخاري في " التاريخ الكبير " 5/322(1643) : (( تركوه )) ، وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال" 2/367 ( 4122 ) : (( أحد المتروكين ، وقال ابن المديني : ذهب حديثه )) .
فأما أبو بكر الهذلي فهو ضعيف ، قال ابن حجر في " التقريب " ( 8002 ) : (( أخباريٌّ متروك الحديث )) .
وأما أيوب – فلعله السختياني – وحتى إنْ كان هو فإنَّه لا يصح عنه ؛ لأنَّه من رواية عباد بن صهيب عنه ، كما قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 8/558 عقيب ( 4740 ) . ولعل إضافته إلى السند إنما هو من فعل عباد فهو متفرّد به .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 19159 ) ط. الفكر و 16/607 ط. عالم الكتب عن محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس . وهذا مسلسل بالضعفاء .
محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية ، قال عنه ابن حبان في " المجروحين " 2/279 : (( منكر الحديث ، يروي أشياء لا يتابع عليها ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وهو الذي يقال له : محمد بن الحسن بن عطية ، إنَّما هو ابن أخيه )) ، وقال الخطيب في "تاريخ بغداد" 5/322 وفي ط. الغرب 3/269 : (( كان ليناً في الحديث )) .
وعمه حسين بن الحسن بن عطية ، قال عنه ابن حبان في " المجروحين " 1/246 : (( منكر الحديث ، يروي عن الأعمش وغيره أشياء لا يتابع عليها ، كأنَّه كان يقلبها وربما رفع المراسيل ، وأسند الموقوفات ، ولا يجوز الاحتجاج بخبره )) ، وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال" 1/532 ( 1991 ) : (( ضعّفه يحيى بن معين وغيره )) .
وأبوه الحسن بن عطية ، قال عنه البخاري في " التاريخ الكبير " 2/286 ( 2540 ) : (( ليس بذاك )) ، وقال ابن حبان في " المجروحين " 1/234 (( منكر الحديث ، فلا أدري البلية في أحاديثه منه أو من أبيه أو منهما معاً ؛ لأنَّ أباه ليس بشيء في الحديث ، وأكثر روايته عن أبيه ، فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه )) .
وعطية العوفي ، قال عنه أحمد بن حنبل في " الجامع في العلل " 1/201 ( 1224 ) : (( هو ضعيف الحديث )) ، وقال ابن حبان في " المجروحين " 2/166 : (( يروي عنه – أي : الكلبي - فإذا قيل له: من حدَّثك بهذا ؟ فيقول : حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنَّه يريد أبا سعيد الخدري ، وإنَّما أراد به الكلبيَّ ، فلا يحل كتبة حديثه إلا على جهة التعجب )) .
وأخرجه : الطبري وابن مردويه كما في " الدر المنثور " 4/661 من طريق عطية العوفي ، عن ابن عباس .
وهذا إسناد معلق ولا يعرف إسناده ، وعطية ضعيف كما تقدم .
وأخرجه : ابن مردويه كما في " الدر المنثور " 4/661 من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .
فهو ضعيف ؛ لأنَّ فيه الكلبيَّ ، قال يحيى بن معين فيما نقله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 7/361 ( 13021 ) : (( الكلبي ليس بشيء )) ، وقال سفيان الثوري كما في المصدر نفسه : (( قال لنا الكلبي : ما حدثت عني ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فهو كذب فلا تروه )) .
وقال ابن حبان في " المجروحين " 2/253-254 : (( الكلبيُّ هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه ، أظهر من أنْ يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، يروي عن أبي صالح ، عن ابن عباس في التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئاً ، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف )) .
وأخرجه : ابن مردويه كما في " الدر المنثور " 4/661 من طريق سليمان التيمي ، عمن حدَّثه ، عن ابن عباس .
وهو ضعيف ؛ فيه من لم يُسمَّ .
ورويت القصة من طرق أخرى كلها مرسلة .
أخرجه : الطبري في " تفسيره " (19155) ط. الفكر و 16/603 ط. عالم الكتب من طريق أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله ، فتمنى يومئذ أنْ لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه ، فأنزل الله تعالى عليه : (( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى )) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى صلى الله عليه وسلم ألقى عليه الشيطان كلمتين : تلكَ الغرانيقُ العلى ، وإنَّ شفاعتهنَّ لترتجى فتكلم بها ... القصة ، فهذه الرواية زيادة على إرسالها فيها أبو معشر – وهو نجيح بن عبد الرحمان – قال عنه البخاري في " التاريخ الكبير " 8/11 (2397) : (( منكر الحديث )) ، وقال أبو داود والنَّسائي فيما نقله عنهما الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 7/437 : (( ضعيف )) ، وقال ابن حجر في " التقريب " (7100) : (( ضعيف )) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 19156 ) ط. الفكر و 16/604 ط. عالم الكتب من طريق محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي وحده ، قال : لما رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ... وذكر القصة .
فضلاً عن إرسالها فيها محمد بن إسحاق – وهو ابن يسار – قال عنه أحمد بن حنبل فيما نقله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 7/262 ( 1087 ) : (( كثير التدليس جدا ً)) ، وقال ابن حبان في " الثقات " 7/383 : (( وإنَّما أتى ما أتى ؛ لأنَّه كان يدلس على الضعفاء ، فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك )) .
وأخرجه :الطبري في " تفسيره " ( 19161 ) ط. الفكر و 16/608-609 ط. عالم الكتب من طريق ابن شهاب قال : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ عليهم : (( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى )) فلما بلغ : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )) قال : إنَّ شفاعتهن ترتجى وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... .
وأبو بكر بن عبد الرحمان تابعيٌّ ثقة(5) وحديثه مرسل .
وأخرجه : ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " : 1282 من طريق موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب - ولم يذكر أبا بكر بن عبد الرحمان – قال : أُنزلتْ سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ... .
وأخرجه : البيهقي في " الدلائل " كما في " الدر المنثور " 4/662 عن موسى بن عقبة ، ولم يذكر ابن شهاب باللفظ السابق نفسه . فيكون هنا معضلاً ويكون موسى مضطرباً فيه .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " (19157) ط. الفكر و 16/606 ط. عالم الكتب من طريق داود بن أبي هند ، عن أبي العالية ، قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّما جلساؤكَ عبد بني فلان ومولى بني فلان ... القصة .
وأخرجه : عبد الرزاق في " تفسيره " (1945) ، والطبري في " تفسيره " (19167) ط. الفكر و 16/612 ط. عالم الكتب من طريق معمر ، عن قتادة : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أنْ لا يعيبَ الله آلهةَ المشركين ، فألقى الشيطان في أمنيته ، فقال : إنَّ الآلهة التي تدعى ، وإنَّ شفاعتها لترتجى ، و إنَّها الغرانيق العلى فنسخ الله ذلك ، وأحكم آياته ... . وهذا على إرساله ، فإنَّ رواية معمر عن قتادة متكلم فيها .
وأخرجه : ابن سعد في " الطبقات " 1/160 عن محمد بن عمر ، عن يونس بن محمد بن فضالة الظفري ، عن أبيه .
وعن كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، قالا : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفّاً عنه ، فجلس خالياً فتمنى فقال : (( ليته لا ينـزل عليَّ شيء ينفرهم عني )) وقاربَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ودنا منهم ودنوا منه ، فجلس ... القصة .
هذه الرواية على إرسالها فيها محمد بن عمر - وهو ابن واقد الأسلمي - ، قال عنه يحيى بن معين فيما نقله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8/27 ( 92 ) : (( لا يكتب حديث الواقدي ، الواقدي ليس بشيء )) ، وقال البخاري والنسائي فيما نقل عنهما ابن عدي في " الكامل " 7/481 : (( متروك الحديث )) .
وعلّقه الطبري في " تفسيره " (19160 ) ط. الفكر و 16/608 ط. عالم الكتب من طريق عبيد ، عن الضحاك يقول في قوله : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )) الآية : إنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنزل الله عليه في آلهة العرب ، فجعل يتلو اللات والعزى ، ويكثر ترديدها ، وسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم ففرحوا بذلك ... .
علاوة على إرسالها فهي معلّقة ، فالانقطاع أصاب الإسناد في أوله وفي آخره .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " (8316) من طريق ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : وتسمية الذين خرجوا إلى أرض الحبشة المرة الأولى ... وذكر القصة مطولة . وذكر فيها : فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين .
قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/72 : (( رواه الطبراني مرسلاً ، وفيه ابن لهيعة ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة )) (6) .
وأخرجه : ابن أبي حاتم كما في " الدر المنثور " 4/663 عن السدّي ، قال : خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليصلي فبينما هو يقرأ ، إذ قال : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى )) ألقى الشيطان على لسانه فقال : تلكَ الغرانيقُ العلى ... .
وهذا على إرساله فإنَّ السديَّ تكلموا فيه . انظر : " ميزان الاعتدال " 1/236 (907) .
وأخرجه : عبد بن حميد كما في " الدر المنثور " 4/664 عن عكرمة ، قال : قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) فألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك إذنْ في الغرانيق ... .
وأخرجه : عبد بن حميد كما في " الدر المنثور " 4/661 من طريق السدي ، عن أبي صالح ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون : إنْ ذكر آلهتنا بخير ذكرنا إلهه بخير ، فـألقى الشيطان في أمنيته : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )) إنَّهن لفي الغرانيق العلى ، وإنَّ شفاعتهن ... .
قال ابن حجر في " فتح الباري " 8/558 عقب ( 4740 ) : ((فإنَّ ذلك لا يجوز حمله على ظاهره ؛ لأنَّه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أنْ يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه ، وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء من التوحيد لمكان عصمته )) .
قلت : هذا إنْ صحت القصة ، ولم تصح .
وقال الكرماني كما نقله المباركفوري في " تحفة الأحوذي " 3/167 : (( وما قيل من أنَّ ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلاً ولا نقلاً )) .
وقال القاضي عياض فيما نقله ابن حجر في " فتح الباري " 8/558 عقيب ( 4740 ) : (( هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده .. ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية ، قال : وقد بَيّنَ البزار أنَّه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر ، عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله ، وأما الكلبيُّ فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه )) .
وقال أيضاً فيما نقله المباركفوري في " تحفة الأحوذي " 3/167 : (( وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أنَّ سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل ؛ لأنَّ مدح إله غير الله تعالى كفر ، ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنْ يقوله الشيطان على لسانه ، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك )) .
وقال أيضاً فيما نقله القرطبي في " تفسيره " 12/82 : (( إنَّ لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين : أحدهما : في توهين أصله ، والثاني : على تسليمه .
أما المأخذ الأول : فيكفيك أنَّ هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه بسند صحيح سليم متصل ثقة ؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، والمتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم .
وأما المأخذ الثاني : فهو مبنيٌ على تسليم الحديث لو صح . وقد أعاذنا الله من صحته )) .
وقال ابن عطية في " تفسيره " 10/305 ط. الفكر و: 1318 ط. ابن حزم : (( وهذا الحديث الذي فيه هذه الغرانقة وقع في كتب التفسير ونحوها ، ولم يدخله البخاري ومسلم ولا ذكره - في علمي - مصنف مشهور )) .
وقال ابن خزيمة فيما نقله الشوكاني في " فتح القدير " 3/462 : (( إنَّ هذه القصة من وضع الزنادقة )) ، وقال ابن كثير في " تفسيره " : 1282 : (( ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم )) .
فالكل يؤكد عدم صحة هذه القصة ، إلا أنَّ الحافظ ابن حجر قال في " الفتح " عقيب 8/558 (4740) : (( ومعناهم كلهم في ذلك واحد ، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع . لكن كثرة الطرق يدل على أنَّ للقصة أصلاً . وقال : وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد ، فإنَّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنَّ لها أصلاً )) .
وقد تعقّبه العلاّمة الكبير أحمد محمد شاكر – رحمه الله – في تعليقه على جامع الترمذي 2/465 بقوله : (( وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له ، ولكل عالم زلة عفا الله عنه )) .
زيادة على ما ذكر فمن العلماء الذين حكموا على هذه القصة المكذوبة بالوضع : ابن العربي في " أحكام القرآن " 2/73-75 ، والفخر الرازي في " تفسيره " 6/193-197 ، والعيني في " عمدة القاري " 19/16 .
أقول : تقدم كلام أهل العلم في نقد هذه القصة وبيان بطلانها ، وتقدم أيضاً أنَّ الأسانيد الموصولة كلها ضعيفةٌ ، وأنَّ هذه الأسانيد من نسج أوهام بعض الرواة ، ومقابل ذلك ظهرت لنا ثلاث أسانيد مرسلة إلا أنَّها غاية في القوة إلى مرسليها ، وهي طريق سعيد بن جبير ، وأبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ، وأبي العالية . فهذه الأسانيد الثلاثة انطلقت منها بعض أقسام القبول باعتبار صحة الإسناد إلى سعيد بن جبير ، وأنَّ سعيداً من كبار التابعين ، فإذا أنضمت إليه الطرق المرسلة الأخرى صار للقصة أصل ، وأظن أنَّ هذا المدخل الذي دُخِلَ به على الحافظ فقال : (( .. كثرة الطرق يدل على أنَّ للقصة أصلاً )) . ولكن لو رويت هذه القصة بألف إسناد لما كان لذي لب تصحيحها ، فقد عُلِمَ أنَّ شروط الحديث الصحيح خمسة : ثلاثة في السند واثنان مشتركان بين السند والمتن ، فإذا استوت الأسانيد صحيحة ، درسنا متنها لنعلم ما يجوز منها وما لا يجوز ، وما هو مستحيل ، من المستحيل جزماً أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المؤيد بالتأييدات الإلهية – آلهة قريش ، وكيف يكون ذلك وقد عصمه ربه من مجرد الالتفات لتلك الأصنام قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، أفيجوز وقوعه في مثل هكذا وهم بعد البعثة ؟! وأهل العلم الذين ناقشوا هذه القصة أتموا جانباً ، وأنقصوا آخر . فأفرغوا ما في وسعهم لإبطال عبارة : (( تلك الغرانيق العلى .. )) ، ولكن لم يكن لهم نفس النقد لجانب آخر من هذه القصة فقد جاء في طرق كثيرة منها : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن لا ينزل عليه شيء في آلهة قريش ، فمن أين عرف مرسلوا هذه القصة بأمنية النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ خصوصاً مع انعدام نقل الصحابة رضي الله عنهم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم التصريح بما جاش في صدره ، فهذا دليل آخر على بطلان هذه القصة . فهذه الأمور مجتمعة مع تصريح الأئمة ببطلانها تجعلنا نحكم - مطمئنين - ببطلانها ، ولا بد في خاتمة هذه المناقشة أنْ نبين الصواب في تفسير هذه الآي . فقد أخرج الطبري في " تفسيره " 16/609-610 ط. عالم الكتب عن ابن عباس قوله : (( إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )) يقول : إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه . ثم بين الطبري - رحمه الله - أنَّ هذا الطريق هو الصواب إذ قال في 16/610-611 – عقب التفسير الأخير - : (( وهذا القول أشبه بتأويل الكلام بدلالة قوله : (( فَيَْنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيطانُ ثُمّ يُحكِمُ اللهُ آياتِهِ )) على ذلك ؛ لأن الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنَّه يحكمها ، لا شك أنَّها آيات تنـزيله ، فمعلوم بذلك أنَّ الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنَّه نسخ ذلك منه وأبطله ، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه .
فتأويل الكلام إذن : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ ، أو حدّث وتكلم ، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو في حديثه الذي حدّث وتكلم ، (( فَيَْنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيطانُ )) يقول تعالى : فَيُذْهِبُ اللهُ ما يُلْقِي الشيطانُ من ذلك على لسان نبيه ويبطله )) .
وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني رسالة قيمة سماها : " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق" فلتراجع .
................................... .
(1) النجم : 19-20 .
(2) الغرانيق : الذكور من الطير ، واحدها غرنوق وغرنيق سمي به لبياضه ، وقيل : هو الكركي ، وكانوا يزعمون أنَّ الأصنام تقربهم من الله عز وجل وتشفع لهم إليه ، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء ، قال : ويجوز أنْ تكون الغرانيق في الحديث جمع الغرانق وهو الحسن . " لسان العرب " مادة ( غرنق ) .
(3) الحج : 52 .
(4) جاء النص عند ابن كثير في " تفسيره " : 1282 هكذا : (( لا يروى متصلاً إلا بهذا الإسناد ، تفرّد بوصله أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور ، وإنما يروى هذا من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس )) . وهذا النص مهم للغاية فمن خلاله عرفنا أن أمية منفرد بوصله ، فاحتمال الوهم منه أكثر من غيره .
(5) " التقريب " ( 7976 ) .
(6) بل لا يحتمل من ابن لهيعة هذا ولا غيره ، وإنَّما قال الهيثمي هذا الكلام ؛ لأنَّه يحسن لابن لهيعة مطلقاً إلا ما جاء منكراً كما هنا ، والصحيح أنَّ رواية ابن لهيعة ضعيفة مطلقاً إلا إذا توبع بمن يعتبر به ، ولا فرق في ذلك بين رواية العبادلة و بين غيرهم ؛ وذلك لأنَّه جرح جرحاً مفسراً ، ثم إنَّ الجمهور على تجريحه ، وقد وجدت له أوهاماً كثيرة حتى من رواية العبادلة .
المفضلات