الصيامُ عبادةٌ وصِحّة
أكّدت بعضُ الدراسات والبحوث الدقيقة التي أُجرِيت على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية أن الصيامَ
ظاهرة طبيعية ينبغي للجسم أن يمارسها حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، فالامتناعُ عن الطعام
والشراب لمدة معقولة (نحو أربع عشرة ساعة في اليوم) فيه راحة لكل أعضاء الجسم. فكما تحتاجُ أجسامُنا
للنوم لترتاح، كذلك تحتاجُ أعضاؤنا للصوم لتصح.
يقول الدكتور عبد الرحمن الجمعة: من المعروف أن الصيام من العبادات التي أمرت به جميعُ الشرائع
السماوية؛ وذلك لفوائده الكثيرة، إلا أن الصوم في الإسلام هو أكثرُها ملاءمةً لطبيعة الإنسان على مر العصور؛
وذلك لأنه يجمعُ بين الفائدة وعدمِ التأثير السلبي في صحة الإنسان، ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن
الوصال في الصوم، وهو الصومُ لأكثرَ من يوم بغير إفطار أو سحور؛ لما قد يسببه ذلك من تأثير سلبي في
صحة المسلم، قال -سبحانه وتعالى-:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وقد عَرَف أطباءُ المسلمين الصوم َكعبادة وعلاج؛ فكان ابنُ سينا يفضّل الصوم على الدواء ويقول:
"إنه الأرخص"، ويصفه للغني والفقير، وإبانَ الحملة الفرنسية في مصر، اتبعت المستشفياتُ الصيامَ علاجًا
لمرض الزهري، إذ عدوا الصيام قاتلا للجراثيم المسببة للمرض .
ومع إطلالة القرن العشرين، ومع تزايد وتطور أساليب البحث العلمي، حاز الصيامُ في رمضان جانبًا
كبيرًا من اهتمام الأطباء والباحثين، نظرًا لما يتضمنه من تغير وتحول في نمط استهلاك الغذاء خلال شهر،
إذ يستدعي ذلك التغيرُ حصولَ تحولات في مسارات الأيض والتمثيل الغذائي في الجسم، وحصول تغيرات
حيوية تؤثر في صحة الإنسان وجسمه بشكل واضح وملموس.
فالصومُ له فوائدُ وقائيةٌ وعلاجية كثيرة؛ فهو يساعد في هدم الأنسجة الضعيفة وقتَ الجوع، ثم إعادة
ترميمها من جديد عند تناول الطعام، وهذا هو السببُ الذي دعا بعضَ العلماء مثل باتشوتين للقول بأن
للصوم تأثيراً مفيداً للشباب.
ويؤكّد هذا الكلام الدكتور السويسري بارسيلوس إذ يقولُ:
إن فائدة الجوع في العلاج قد تفوقُ بمراتٍ استخدامَ الأدوية.
وقد ظهر في القرن العشرين عددٌ من الكتب الطبية في أمريكا وأوروبا تتحدث عن فوائد الصوم
الطبية مثل (الصوم إكسير الحياة) لهنرك تانر.
ومن هنا ظهرت حقيقةُ قول الله عز وجل:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184].
يقول (معز الإسلام فارس) الباحث في علوم التغذية:
"المتأمل في فلسفة الصيام في الإسلام يجدُ فيه تربيةَ النفس وتهذيبها والارتقاءَ بها عن الولوغ
والإغراق في إشباع الشهوات والغرائز، كما أن أدبيات الصيام وأخلاقه تلزم المسلم بالابتعاد عن مظاهر
الغضب والانفعال، عملا بقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث
ولا يصخب، فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم" متفق عليه. وهذا يؤدي بالمسلم إلى الشعور بالسكينة
وطمأنينة القلب وانشراح الصدر، فتخرجُ النفسُ من ضيقِ وشدائدِ الحياة اليومية ومشاكلها، ومن ضغوط
الحياة وتعقيداتها، إلى سعة الصدر وانشراح النفس والرضا، وهو ما يؤدي إلى شفاءِ وتحسن الكثير من
الاضطرابات والأمراض النفسية والعصبية مثل الاكتئاب والقلق والهوس".
ويؤكدُ الأطباءُ أن الصومَ راحةٌ لكل أعضاء الجسم؛ فله تأثير إيجابي عظيم على الجهاز الهضمي؛ إذ
تقل حركةُ الأمعاء، وتقل إفرازاتُ العصارة الهضمية والمعوية، وبذلك تطول مدة راحة الجهاز الهضمي،
ويتحسنُ الكثيرُ من الأمراض المرتبطة به، ومن أخطرها السمنة، والأمراض ذات العلاقة بالضغوط النفسية
والعصبية؛ مثل: تهيج القولون، والانتفاخات، والتهابات المعدة المزمنة. وقد أشارت الكثيرُ من الدراسات العلمية
الحديثة إلى أن الصوم في رمضان يؤدي إلى التخفيف من وزن الجسم، وهذا التخفيفُ يحمي الإنسانَ من الكثير
من الأمراض المرتبطة بالسمنة، ومن أخطرها: ارتفاعُ ضغط الدم، والسكري (النوع الثاني)، والنقرس،
وانسداد الشرايين، واحتشاء عضلة القلب.
د. خالد إبراهيم البدر إخصائي طب الأسرة والمجتمع يؤكد ما سبق بقوله:
صومُ رمضان من النعم الربانية التي تصحح ما انكسر من التوازن في بناء الجسد والتكوين النفسي،
إذ يقلل الصومُ من الأخطار التي قد تسبب الأمراض، مثل ارتفاع مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية
والسمنة،والضغوط النفسية، وداء السكري وارتفاع ضغط الدم والكلى.
كما أن الصوم يساعد في علاج كثير من الأمراض القلبية الوعائية، والتخلص من الدهون الزائدة العائمة
داخل الجسم التي تكون عرضة للترسب، كالدهون الموجودة في الأوعية الدموية وتحت الجلد وفي الكبد،
فيخفف الصوم من انسداد الأوعية الدموية، ويقلل من ارتفاع ضغط الدم، لقلة كميات السوائل في الأوعية
الدموية، وتقلّ معها نوبات الشقيقة (وجع الرأس النصفي).
أما عن تأثير الصوم في الجهاز الهضمي فيذكر د. خالد البدر أن المعدةَ تستعيدُ أنفاسها وترمم ما هدم منها،
وكذلك الأمعاء تتخلص من الرواكد والأخماج، وتتحسّن حركة الجهاز الهضمي، ويهدأ القولون العصبي
المزاج، وتتم السيطرة على الإمساك والتهابات القناة الهضمية والكبد والبنكرياس.
أمّا الجلد فإنه خيرُ مستفيد من شهر رمضان؛ لأنّه يتخلص من السوائل الزائدة، وذلك يقلل من نمو
الجراثيم والمواد المهيجة، فتتحسّن حالات الحساسية وحب الشباب والصدفية وغيرها.
ويقول: إنّ متعة الروح في صوم رمضان تساعدُ الجسد على الانتظام في عمله، وذلك يؤدي إلى التوازن
العصبي، فينتظم النوم، وتقل التشنجات النفسية، ولهذا يمكنُ القول: إن رمضان فرصة سنوية للتخلص من
رواسب السنة الماضية، وبداية سنة صحية جديدة.
ويعدّد الدكتور إدريس بن يوسف فوائد الصيام بقوله:
1- الصوم راحة للجسد تمكن من إصلاح أعطابه ومراجعة ذاته.
2- يُحسّن الصومُ ويسهّل امتصاصَ الطعام والهضم عبر الأمعاء. وتُفرّغ الأمعاء وتتخلص من النفايات
والجراثيم الخاصة بالتخمير التي تكون عادة سببًا في تكوين عوامل سامة.
3- تسترجع أجهزةُ التفريغ (الجهاز الهضمي والبولي والكبد وكيس المرارة) نشاطَها وقوتها، كما تتحسن
وظيفتها الخاصة بتنقية الجسم وتنظيفه وإزالة الزوائد التي تعوق مختلفَ أعضائه وأجهزته الحيوية.
4- يعيد الصومُ ضبط العوامل والثوابت الحيوية والكيماوية في الدم، وكذا داخل جميع أعضاء الجسم.
5- يسهل الصوم تحلل المواد الرديئة والزائدة، وكذا تحلل الترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة
أو المختلة في وظائفها.
6- يعيد الصوم الحيوية والشباب إلى الخلايا والأنسجة المريضة أو المختلفة في أعضاء الجسم.
7- الصوم يضمنُ الحفاظ على الطاقة الجسدية، ويعمل على ترشيد توزيعها حسب متطلبات الأعضاء المختلفة.
وعن تأثير الصيام على صحة العين يقول الدكتور عبد الجواد الصاوي: في أثناء الصيام يزيدُ تركيز الدم،
أي تقل نسبة الماء به، ومن ثم يحدث انخفاضٌ في معدل إفرازات الغدد المختلفة بالجسم، ومنها السائل المائي
للعين المسؤول عن حفظ العين فسيولوجيًا، فينخفض ضغطُ العين الداخلي، وهو ما يقلل من حدة بعض
أمراض العيون الخطيرة مثل الجلوكوما (الماء الأزرق) وتندر حدوث مضاعفات أمراض الشبكية.
وفي دراسة أردنية امتدت بين عامي 1986-1991م تبين أن نسبةَ الانتحار خلال شهر رمضان
المبارك انخفضت انخفاضا كبيرا؛ وذلك بسبب تأثير الجو الإيماني والروحاني لشهر الصيام.
شبكة الألوكةhgwdhlE ufh]mR ,wAp~m
المفضلات