وقفة مع حديث فضل الأيام العشر:
يقول النبي_ عليه السلام _:" مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:" وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
سبر غور هذا الحديث محوج إلى فضل تأمُّل، ومزيد تدبر؛ ذلك أنَّه مشكل: فالنبي_ عليه السلام _يتحدث عن فضل الأيام العشر، فيأتي الاستفسار عن الجهاد، وكان حقه أن يستفسر عن أيام أخر، فيقال مثلا: يا رسول الله، ولا العشر الأواخر من رمضان؟!
ولكن لم يحصل ذلك، بل وقع الاستفسار عن الجهاد، علمًا أن الجهاد من العمل الصالح، فكيف يحصل هذا؟!!
وجوابه: إن الصحابة فهموا أن لفظ (الْعَمَلُ الصَّالِحُ) لفظ عام أريد به الخصوص، فهو كقول النبي:" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله"، متفق عليه. فلفظ (الناس) عام، وأريد به الخصوص، وهم مشركو جزيرة العرب، فهم من قال الله عنهم: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)، فلا يقبل منهم غير الإسلام، فالجزية شرعت لغيرهم، ممن نتعامل معهم وفق قول الله: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
لولا أن الصحابة فهموا أن العمل الصالح في قول النبي يراد به عملا بعينه وليس على إطلاقه، لما استفسروا عن الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ لأنه من العمل الصالح، فما هو العمل الصالح المراد؟!
بعد دراسة النصوص التي تعالج المسألة، فإنه ترجح لدي أنَّ العمل الصالح المقصود هو (التكبير والتهليل والتحميد)، وهذا لما يلي:
1. لقد وقع ذلك صراحة في رواية ابن عمر عن النبي_ عليه السلام _:" مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"، رواه أحمد والطبراني. فأمره بالإكثار من هذا الذكر يفسر العمل المقصود.
2. ثم أتى ذلك في رواية أخرى، وهي من حيث اللغة غير محتملة؛ لأنها أتت تفسير بيان، وهي:" ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر: التسبيح والتهليل والتكبير"، في الفوائد عن أبي هريرة. فهي من حيث المعنى: (ما من أيام أحب إلى الله التسبيح والتهليل والتكبير فيهن من أيام العشر).
3. جعل الله هذه الأيام أيام ذكر، فقال: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، فذكر أبرز ما يقوم به المسلم، فحق لنا أن نرجحه من هذا الوجه كذلك.
4. رأينا من الصحابة اهتماما بالغا في هذا الذكر، فقد بلغنا أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يطوفان بالسوق، وتلهج ألسنتهم بالتهليل والتكبير، فيتبعهما الصحب الكرام، والتابعون بإحسان بذلك، حتى تضج منى بذلك، وهذا فيه دلالة على أن هذا العمل من أجل الأعمال في هذه الأيام العشر.
هذا، والله أعلم.
أ. علي غيث
9/3/2016م,rtm lu p]de tqg hgHdhl hguav
المفضلات