بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة زنبقة الإسلام وأسمحي لي بتلك الإضافة الصغيرة ...

إن ما ورد في هذه الروايات لا يجب أن يلتفت إليه او الأعماد عليه مهما كانت درجته
لأنه معارض للمتواتر ومعارض المتواتر ساقط .

القرآن الكريم يبين خرافة الغرانيق :

خلاصه هذه الروايات ان الشيطان الرجيم تمكن من دس بعض من المدح في آلهة المشركين علي لسان سيدنا رسول الله وزاد علي القرآن بما ليس فيه .
فلو فرضنا ان الشيطان ألقي بكلمة او كلمات في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم أليس الله قادراً علي تبيينها وإبطالها ؟ بلقي وقد قال
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [1]

وكيف وقد قال في سياق الآية
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [2] . [3]

بطلان القصة من جهة العقل والنظر :
فقد قام الدليل وأجمعت الأمة علي عصمته – عليه الصلاة والسلام – من مثل ما روي ، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة العرب وهو كفر ، أو أن يتسور عليه الشيطان ، ويشبه عليه القرآن حتي يجعل فيه ما ليس منه ، ويعتقد النبي ذلك حتي ينبهه جبريل ، وذلك ممتنع في حقه أن يقوله من قبل نفسه عمدأ وهو كفر ، أو سهوا وهو معصوم وقد ثبت بالبراهين والإجماع عصمته من جريان ذلك علي لسانه أو قلبه لا عمدا ولا سهوا او يكون للشيطان سبيل عليه في التبليغ ولو جوزنا ذلك لذهبت الثقة بالأنبياء ولوجد المقارقون سبيلأ للتشكيك في الأديان [4]

ووجه آخر لفساد هذه القصة : وهو أن الله تعالي ذم الأصنام في هذه السورة وأنكر علي عابيديها وجعلها أسماء لا مسمى لها وما التمسك بأذيالها إلا أوهام وظنون ، فول أن القصة صحيحة : لما كان هناك تناسب بين ما قبلها وما بعدها ولكان النظم مفككاً والكلام متخاذلاً وكيف يقع مدح بين ذمين ؟
بل كيف يجوز هذا ممن كمل عقله علي كل العقول ، واتسع في باب البيان ومعرفة الفصيح علمه ؟ وكيف يطمئن إلي مثل هذا التناقض السامعون ، وهم أهل اللسن والفصاحة ، ومنهم أعداؤه الذين يتلمسون له الزلات والعثرات ؟ ولو أن ما روي كانت واقعاً لشغب المعادون ، وارتد الضعفاء من المؤمنين ، ولقامت قيامة مكة ، كما حدث في الإسراء ، ولكن شيئأ من ذلك لم يكن .

ووجه ثالث : وهو : أن بعض هذه الروايات ذكرت : أن فيها نزلت " وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) [5]
وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه لأن الله ذكر : أنهم كادوا يفتنونه ولولا أن ثبته لكاد يركن إليهم ، ومفاده أن الله عصمه من أن يفتري وثبته ، حتي لم يكد إليهم فقد انتفى قرب الركون فضلاً عن الركون لمكان العصمة والثبت وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد علي الركون بل افترى بمدح آلهتهم وهذا ضد مفهوم الآيتين وهو تضعيف للحديث لو صح ، فكيف ولا صحة له ؟ ولقد طالبته قريش وثقيف إذ مر بآلهتهم أن يقل بوجهه إليها ، ووعدوه الإيمان به إن فعل ، فما فعل ولا كان ليفعل ، فكيف يدعي المتخرصون أنه مدح أصنامهم ؟
ومما يدل علي افتعال القصة ما ذكره الأستاذ الإمام الشيخ : محمد عبده في رده
هذه الفرية وهو أن وصف العرب لآلهتهم بالغرانيق لم يرد لا في نظمهم ولا في خطبهم ، ولم ينقل عن أحد ان ذلك الوصف كان جارياً علي ألسنتهم إلا ما جاء في " معجم ياقوت " من غير سند ولا معروف بطريق صحيح ، والذي تعرفه اللغة أن الغرنوق والغرانيق اسم لطائر مائي أسود أو أبيض ومن معانيه الشاب الأبيض الجميل ، ويطلق علي غير ذلك ( راجع القاموس ) ، ولا شيء من معانيه اللغوية يلائم معني الإلهية والأصنام ، حتي يطلق عليها فس فصيح الكلام الذي يعرض علي أمراء الفصاحة والبيان ولا يجوز أن يكون هذا من قبيل المجاز بتشبيه الأصنام والآلهة بالغرانيق ، لأن الذوق الأدبي العربي يأبي ذلك [6]


القصة لم يخرجها أحد مما ألتزموا الصحيح :

والقصة لم يخرجها أحد ممن ألتزموا الصحاح ، ولا أحد من أصحاب الكتب المعتمدة .
والأمام البخاري قد روي الصحيح في القصة وأصلها بدون ذكر مدحه لتلك الأصنام

حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصى أو تراب فرفعه إلي وجهه وقال : يكفيني هذا . فلقد رأيته بعد قُتل كافرأ " [7]
فلا ذكر لمدح النبي عليه السلام لتلك الأصنام

اضطراب متون هذه الروايات :

ومما يقلل الثقة بهذه الروايات اضطراب متونها اضطراباً فاحشاً .
فرواية تقول أنه كان في الصلاة . ورواية تقول : قالها في نادي من قومه ، وثالثة تقول : إن الشيطان قالها علي لسانه وإن النبي لما عرضها علي جبريل قال : ما هكذا أقرأتك .
وكل هذا الأضطراب مما يوهن الروايات ويقلل الثقة بها

عدم ثبوت القصة من جهة النقل :

طعن الكثير من المحققين والمحدثين في صحة هذه الروايات .
قال البيهقي وهو من كبار رجال السنه : هذه القصه غير ثابته من جهة النقل .
وقال القاضي عياض في الشفاء : إن هذه حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه تقة بسند سليم متصل ، وانما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون والمولعون بكل غريب المتلفقون من الصحف كل صحيح وسقيم ومن حكيت عنه هذه المقالة من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلي صحابي واكثر الطريف عنهم فيها ضعيفة واهية والمروفع منها حديث شعبة عن ابي البشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس فيما أحسب ( الشك في وصل الحديث ) : ان النبي كان بمكة وذكر القصة .
قال ابو بكر البزار هذا الحديث لا نعرفة يروي عن النبي بإسناد متصل إلا هذا ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالج وغيره يرسله عن سعيبد بن جبير وانما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس فقد بين ابو بكر انه لا يعرف عن طريق يجوز ذكره سوي هذا وفيه من الضعف ما نبه عليه مه وقوع الشك فيه الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه واما حديث الكلبي : فما لا يجوز الرواية منه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه .
وكذا انكر القصة القاضي ابو بكر بن العربي وطعن فيها من جهة النقل وسئل محمد بن اسحاث بن خزيمة عن هذه القصة فقال : هذا من وضع الزنادقة وصنف قي ذلك كتابا .
وذهب الي وضعها الامام ابو منصور الماتريدي في كتاب " حصص الأتقياء " حيث قال : الصواب ان قوله : تلك الغرانيق العلي من جمله ايحاء الشياطين الي اوليائه من الزنادقة حتي يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين ليرتابوا في صحه الدين والرسالى بريئة من مثل هذه الرواية .


____________________________

1-سورة الشورى 24
2-سورة الحج 52
3-هذا الحبيب ص 95
4-الشفاء للقاضي عياض ج 2 ص 119
5-سورة الإسراء 74:73
6-الإسرائليات و الموضوعات في كتب التفسير ص 319 : 321
7-رواه البخاري في صحيحه . 17 ك : سجود القرآن 4 ب : سجدة سورة النجم ح 1070 . ج 1 ص 249 .
ونحوه من طريق مسدد عن عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما ... ح 1071 .
8 – الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسير ص 315 ، 316