إنطلاقة رمضانية
سنة الله في خلقه؛ حياة ثم ممات، وحكمته في كونه؛ قدوم وفوات، واقتضت الجبلة الآدمية على بني البشر النقص
والهفوات، ولهذا شرع المولى الكريم مواسمٌ تمسح الذنوب والآفات، وتغسل الزلات، وتزيل العثرات، مواسمٌ
لجني الحسنات، ومحو السيئات، ومن تلْكم المواسم؛ شهر رمضان المبارك، الذي ننتظر قدومه، وسبق الحديث
عن فضله في المقالة السابقة.
أخيتي:
رمضـان يوافينـا حبـّا يفتح فينـا قلبًا قلبـًا
يسكب فيها التقوى سكبًا فحياة الروح بتقـواها
* * *
كم ننشر فيه الإحسانا! كم نتلـو فيه القرآنـا!
كمْ ندعـو فيه الرحمانا ليبـارك للنفس هـداها
واستعرضنا أيضًا أخيتي أحوال الناس في رمضان وأصنافهم فيه، لذا عندما نتحدث عن رمضان؛ نجد واحدةً منا
تفكر في الأطباق الرمضانية الشهية، والأخرى يمكن أن تفكر في الزيّ الذي ستعدّه للعيد، وثالثة تفكر في قراءة
القرآن والصيام والطاعة، لكن من منّا يا ترى فكرت أن تجعل رمضان انطلاقة تغير لباقي العام؟ بل لعمرها كله؟
من منا فكرت أن تستعد لرمضان بحيث يصبح لها معينًا ومساعدًا على نفسها، فتخرج منه إنسان جديد ضرب
فيها الخير جذوره، حتى كاد لا ينفك عنها؟ هل تريدين هذا أخيتي؟ إذًا هيا بنا ننطلق.
قاعدة الانطلاق
إذا نظرنا أخيتي الحبيبة إلى الصواريخ التي تنطلق في الفضاء لوجدنا لها قاعدة تمدها بقوة دفع عالية جدًا، أكبر
من قوة الجاذبية الأرضية، حتى تنطلق إلى الفضاء، لتسبح دون عناء، وما أحوجنا لمثل هذه القوة الدافعة في
رمضان، لننطلق فيه إلى أفق التغير المنشود، والذي يمتد عبر سنين العمر جميعها حتى نلقى الله تعالى وهو عنا
راض.
رمضان يغيرنا
أول وقود معنا في قاعدة الانطلاق معنا أخيتي هو:
التوبة:
التوبة هي أول واجب للاستعداد لرمضان، وهي وظيفة العمر، "اللهم تب علينا توبة نصوحًا"، قال
سبحانه: ((وتوبوا إلى اللّه جميعًا أيّها الْمؤْمنون لعلّكمْ تفْلحون))
[النور:31].
وليست التوبة كما نفعل دائمًا: تبْت، تقول: "استغفر الله" بلسانك، وقلبك غافلٌ لاه.
نريد هذه المرة أيتها الغالية توبة صادقة، فمثلًا: هل فكرت في التوبة من تضييع الأوقات؟ كم تضيعين من الأوقات
في ليلك؟ كم تضيعين من الأوقات في الشرود الذهني في وقت الفراغ؟ كم تضيعين من الأوقات في النوم دون
نية؟ كم تضيعين من الأوقات في "التليفونات" و"الرنات" وإرسال الرسائل واستقبال الرسائل دون فائدة مذكورة،
تُرى ماذا بقي من الوقت لله؟!
ومن باب أولى نتوب إلى الله من آفات اللسان، فهي من أكثر المهلكات، ومن أكثر الأسباب في إخفاق عملية
الانطلاق. ومن كل شيء لا يرضي الله؛ كعلاقة مع فتى، أو صحبة سوء، أو عقوق والدين، وغيرها من العوامل
التي تعوق الإنطلاق والتغيير واستغلال رمضان، كما تعوق المسير إلى الجنان عمومًا
عليكِ أخيتي أن تتجهزي للانطلاقة الرمضانية بالآتي:
1- تعلم ما لا بد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه، والعبادات
فيه؛ كالاعتكاف والعمرة وزكاة الفطر وغيرها.
2- عقد العزم الصادق، وشخذ الهمة لاستغلال رمضان بالأعمال
الصالحة، : ((فإذا عزم الْأمْر فلوْ صدقوا اللّه لكان خيْرًا
لهمْ)) [محمد:21]، وقال جل وعلا: ((ولوْ أرادوا الْخروج
لأعدّوا له عدّةً)) [التوبة:46]،
وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها.
3- التدريب على الصيام، وذلك في شهر شعبان الذي هو بين أيدينا الآن، فقدكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه.
4- تجديد النية في جميع الأعمال التي تقومين بها، وخلصي نيتك فيها جميعًا لله.
5- استشعري نعمة الله عليكِ في هذا الموسم.
6- خصصي لنفسك تلاوتين؛ الأولى تلاوة تدبر بقراءة جزء واحد
في كل يوم لتدبر القرآن والوقوف عند آياته وعجائبه، حتى تتهذب النفس وتصفو، ويرق القلب ويخشع، ويستقبل
نور القرآن وبهاءه، والثانية تلاوة أجر، وهي التي تحرصين فيها على التلاوة لتحصيل الأجر مع حضور الذهن
ما أمكن ، وتذكري أخيتي أن رمضان هو شهر القرآن.
7- سلامة الصدر لجميع المسلمين، فانظري من بينكِ وبينها مخاصمة وبادري بالصلح معها، وتذكري الأجر العظيم.
8- الصدقة؛ وتعويد النفس على الصدقة والبذل والعطاء.
9- الحرص على تحفيز النفس ومضاعفة نصيبها في العمل
الصالح بقراءة حياة السلف وحالهم في رمضان.
10- تعويد النفس على القيام، وذلك بالزيادة في الوتر والتهجد،
وتذكري أيتها الغالية أنه شرف المؤمن.
11- الدعاء الدعاء، أن يبلغنا الله تعالى رمضان بعافية، ويرزقنا فيه الطاعة.
12- وضع برنامج عملي لتنفيذه في رمضان، وهذا ما سوف
نتكلم عنه تفصيلًا في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على
المرسلين
.Yk'gNri vlqJJJNkdi >>>
المفضلات