|
-
مشرف
رقم العضوية : 522
تاريخ التسجيل : 21 - 8 - 2008
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 2,507
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 12
البلد : مصر
الاهتمام : القراءة
الوظيفة : طالب طب
معدل تقييم المستوى
: 19
بارك الله فيك أخي الكريم على النقل
ولكم يحزنني أن تكون المقالة القادمة هي الأخيرة !
أما والله ما جعل الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، ولكنك يا قلبُ تفتأ تجعل لي
من كل معنى من معاني الحزن في هذا الوجود قلباً ينبض به ، حتى لو قد قيل
ما مثلك في القلوب ، لقلتَ: "قلب سوريّة" ..
سورية ... آه يا سورية !
_______________________________
( الحكم بغير ما أنزل الله من أعظم أسباب تغيير الدول، كما جرى مثل هذا مرة بعد مرة
في زماننا وغير زماننا ) - شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الفتاوى 35/387
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (٧-٧) سَوَابِقُ الطَّرَائق ولَوَاحقُ الحقَائِق
٩/ ٩/ ٢٠٠٩
مع انتهاء هذه المقالة السابعة (الأخيرة) أكون قد اختتمتُ كلامى مع المطران الأمبا بيشوى، ونفضتُ يدى منه بلا رغبة فى المعاودة ولا نية فى الاستئناف، خاصة أنه خدعنى خدعةً كبرى تنم عن ذكاء ودهاءٍ سياسى خطير.
فقد ظل يزعم أنه «يواجه» رواية عزازيل، رأياً برأى وحجةً بحجة، وأكَّد ذلك مراراً فى بيانه الأول (الذى جاء من غير تبيان) وفى كتابه الأعجوبة المسمى: الرد على البهتان (وهو الكتاب الذى رأينا فيما سبق أنه يسيلُ، بل ينـزُّ، بهتاناً) وفى أحاديثه التليفزيونية المسلية وحواراته الصحفية اللذيذة.
لكنه فور استجابتى لرغبته فى المناقشة، ومع أول مقالة من هذه المقالات السبعة، توارى فجأةً عن الأنظار! واستتر خلف قسيس يسمِّى نفسه ديسقورس، راح يرد عنه ردوداً لا تعرف الفرق بين الرد والترديد والتردُّد، ويكتب مقالات مهذبة غاية التهذيب، تليق برجل دين مرموق.. وقور.. بنفسه فخور.. يتقنُ إطلاق البخور.. ويكره - مثل سيده - نسطور.
والظاهر أن هذا التوارى والاستتار والاختفاء، هو خدعةٌ معتادة ومنهج مألوف. فمن قبل المطران الأمبا بقليل، صَخِبَ علىَّ القمصُ (عبدالمسيح بسيط) الذى صال وجال ودعا للنـزال، حتى أخذه الشطط إلى طريق الأهوال، فاتهمنى علانية بالإلحاد واللادينية!
فاضطرنى إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، فاختفى فجأةً عن صفحات الجرائد وقنوات الفضائيات، وهو الذى كان من قبلُ يملأ الأسماع بأعجب الأقاويل وأبدع التهاويل، حتى إنه قال فى اليوم الذى اتهمنى فيه بما سبق ذكره، أقوالاً أعجب، منها أن المسلمات محجبات لأنهن فقيرات! وأن د. محمد سليم العوَّا إرهابى! وأن د. محمد عمارة إرهابى! وأن الفاتح العظيم عمرو بن العاص كان «يلعب بالبيضة والحجر» على حدِّ قول القمص المتحمس: بسيط!
ومع ذلك، فلأننى أعرف أن هذا القمُّص فى الأصل عبدٌ للمسيح وبسيط وطيب، ولأننى كنتُ أحبُّ فيه خفَّة ظلِّه، ودعاباته التى لا يكف عن إطلاقها وراء الكاميرات، ولأننى أعتقد أنه لم يكن يقصد ما يقول، أو هو لم يضبط ما كان بعقله اللطيف يجول، أو هو فقط أراد أن يصول ويطرح نفسه على أنه المهول.. فلذلك كله، أرانى أكثر ميلاً لمسامحة القمص على تطاوله، وأقرب موقفاً لتعذيره. ولذا، فإذا اعتذر عن إساءاته اعتذاراً رسمياً، فسوف أُسقط فوراً الدعوى القضائية التى رفعتُها ضده، وأتنازل عنها فى أول جلسة.
وكذلك الأمر مع الأمبا بيشوى، الذى صرتُ مؤخراً أتفهم أسباب هيجانه وصخبه على عزازيل (الرواية) وأتقبَّل طبيعة الدور المنوط به فى الدفاع عما يسميه العقيدة القويمة والأمانة المستقيمة والتقاليد المستديمة (الصواب لغة: المستدامة!) ولذلك، فسوف أسامحه على ما كان منه، وأغضُّ النظر عن خدعته الأخيرة، بل وسأشرح له عنوان هذه المقالة، بإيجاز:
تعلم يا نيافة المطران أننا، أنت وأنا، لسنا بالطبع أول الناس الذين اختلفوا فى أمر نظروا إليه من زاويتين، وتعلم بالتأكيد أن ما اختلفنا فيه مؤخراً هو بطبيعته أمرٌ خلافى غير محسوم، وقد يختلف حوله من بعدنا آخرون، فهذه (طرائق) مختلفة للنظر، لها فى تاريخنا (سوابق) أدت إلى إقرار (حقائق) معينة، ويجب أن تكون (لواحق) ملزمة لمن أراد أن يناقش أمراً من الأمور، على نحو رشيد.. ولذلك، فسوف أختتم كلامى معك، فى هذه المقالة، بإشارات إلى سوابق الطرائق وما نتج عنها من لواحق الحقائق، وأجعل لك ذلك فى نقاط محددة، بيانها كالتالى:
أولاً: لا يجب يا نيافة المطران الأمبا أن نترك عقولنا نهباً للتوهمات، ولا يجب أن ننهمك فى الخلاف بلا منهج أو قواعد أو آداب فى الاختلاف، انظُرْ مثلاً ما فعله القسيس المسمى ديسقورس، الذى ناب عنك عند اختفائك، حين راح يطنطن ويمخرق ويموِّه (ويزعبب) دون ضابط ولا رابط.
قل له يا نيافة المطران إنه لم يكن موفقاً، ولا متوافقاً مع تعاليم المحبة التى جاء بها السيد المسيح، سواءٌ كان المسيح إنساناً نبياً كما أعتقد، أو كما تعتقد رباً كاملاً وإلهاً لم يفارق لاهوته ناسوته طرفة عين، لا يهم ما نعتقده فيه،
ولا ضرر من تنوع الاعتقادات، فمن طبيعة البشر التنوع، ولكن تعاليم المسيح معروفة، بصرف النظر عن طبيعته التى طالما اختلف الناس حولها، وكان الواجب على القسيس (القَسّ) النائب عنك، أن يراعيها!
ولسوف أعطى لك مثالاً على عدم كماله، من واقع كلامه الذى ظل يغنى به من دون أن يُطرب، ويهوِّل فيه ويهلِّل من دون أن يضرب، وهذا المثال ورد فى المقالة الأخيرة - أو قبل الأخيرة إن كتب بعدها - حين نعى علىَّ أننى سهوتُ عند قراءة المكتوب على صورة المسيح (الآخر) التى وضعتها أنت فى صدر الكتاب المنسوب إليك، سهوتُ يا نيافة المطران فقرأتُ (دميانا) (دميانوس) لأن الخط المكتوبة به العبارة دقيق، لم يكن واضحاً لى بالقدر الكافى، وهذا كل ما فى الأمر، فكيف عالج نائبك هذه المسألة الفرعية التافهة؟
بدأ مقالته بقوله: «سوف أفاجئ القراء بإعلان فضحية كبرى، مؤسسة على براعة (يوسف زيدان ) فى فن صياغة الكذب..» ثم تلا ذلك بقوله المؤدَّب المهذَّب: «سقط (يوسف زيدان) غير مأسوف عليه، وانتظروا مفاجآتى فى السطور المقبلة» وبعدما قدم هذه التقديمات الدالة على أخلاقه القويمة وأمانته المستقيمة، صرَّح بالمفاجأة المنتظرة والفضيحة الكبرى -حسب تعبيره- وذكر أننى قرأت دميانا، دميانوس!
ثم قال موجِّهاً لى كلامه المحترم الذى تحاشى فيه الفحش فى القول، وتجنَّبَ به الفجور فى الخصام، ما نصه: «وكان ينبغى قبل السقوط فى هذه الهوة العظيمة، أن تسترشد بدارس للغة الإنجليزية، أو يكفيك فى هذا الشأن أحد أطفال المدارس الإنجليزية.. فالترجمة الصحيحة للعبارة هى: دير القديسة دميانة» ثم يبلغ القسيس (القس، رقيق الحس) غاية أخلاقه السمحة، حين يقول عقب ما سبق: «ولذا فإننى أدعو (يوسف زيدان) لتخصيص جزء من قيمة الجائزة المادية التى حصل عليها (البوكر) لتعلُّم اللغة الإنجليزية، ربما يفيده هذا مستقبلاً..».
فيا نيافة الأمبا قل لمن ناب عنك إن أسلوبكم غير لائق بكم بالمرة، وإن المسألة لا تستحق كل ما تفضل به من الكلام (الطيب) (المهذب) (الفاضل) خاصةً أنه، وهو المسكين، لم يعرف أن المسألة التافهة هذه، لا علاقة لها أصلاً باللغة الإنجليزية، لأن اللواحق المميزة لأسماء المؤنث والمذكر، بإضافة الألف الأخيرة للاسم المؤنث، وإضافة الواو والسين للمذكر، هى مسألة تخص اللغة اليونانية لا الإنجليزية، ففى لغة اليونان القديمة، كانوا يفرقون بهذه (اللواحق) بين المؤنث والمذكر، فيقولون: دميانا، دميانوس - أوكتافيا، أوكتافيوس.. بُلخاريا، بُلخاريوس.. وهكذا!
فاهدأوا - رحمكم الله- وقولوا للناس قولاً سديداً، وتذكروا أنه من سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، قول الشاعر: وتعظم فى عين الصغير صغارها، وتصغر فى عين العظيم العظائم!.. هكذا تحدث المتنبى.
ثانياً: اعلمْ يا نيافة المطران الأمبا الحبر الأسد.. إلخ، أنك لم تردّ قطُّ على رواية عزازيل، ولم تعطِ نفسك الفرصة أصلاً لقراءتها، لأنهم (قالوا لك) أو (نقلوا إليك) أو (أوهموك) بأن الرواية فيها ما يخالف اليقين المتين والحق الأبدى الذى تعتقده أنت، وما هو باليقين ولا بالحق، إلا من زاوية واحدة فقط، هى زاويتك وحدك، أنت ومَنْ حولك.
ومن سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، التى سأهديها إليك فيما يلى، قولٌ مضى عليه ثمانية قرون من الزمان، وأرجو منك أن تقرأه معى بتمهلٍ حتى تُدرك مبناه وتمسّ معناه: «وربما أوجبَ استقصاؤنا النظرَ، عُدولاً عن المشهورِ والمتعارف. فمن قَرَعَ سَمْعَهُ خِلاَفُ ما عَهِدَهُ، فلا يُبادرنا بالإنكار. فذلك طَيْشٌ. فَرُبَّ شَنعٍ حَقٌّ، ومألوفٍ محمودٍ كاذبٌ. والحقُّ حَقٌّ فى نفسه، لا لقول الناس له. ولنذكُرْ دوماً قَوْلَهم: إذا تساوتِ الأذهانُ والهِمَمُ، فمتأخِّرُ كُلِّ صناعةٍ، خيرٌ بالضرورة من متقدِّمها..» هكذا تحدَّث ابن النفيس.
ثالثاً: يا نيافة المطران اعلمْ أن ما هلَّلتَ به وهوَّلتَ، من صخبٍ كثير حول مشاهد العشق فى عزازيل (التى لم تقرأها أصلًا) كان أمراً لا أرتضيه لك، وأترفَّع بك عنه، وما كان يجب أن يصدر منك! فقد جاء حديثك فى هذا الموضوع مشوشاً، مؤسفاً، دالاً على أنك معزول عمن حولك، وعمن سبقك. فقد أثير مثل هذا الأمر من قبل، حول كتاب (ألف ليلة وليلة) الذى احتوى على مشاهد أفظع كثيراً مما فى رواية (عزازيل) وتضمن ألفاظاً صريحةً هى أشد على الأسماع مما فى الرواية.
ولذلك ثار البعض ضد (ألف ليلة وليلة) حتى قال لهم عالمٌ قدير، وشيخٌ جليل، هو بالاتفاق واحدٌ من أهم الذين اشتغلوا بالتراث العربى فى القرن العشرين، وقد يكون أهمهم على الإطلاق. قال: «الحديث هذه الأيام عن كتاب ألف ليلة وليلة، مؤسفٌ ومحزنٌ.. ويكشف عن جوانب سيئةٍ، رهيبةٍ، مخيفةٍ، تضاف إلى غيرها من الجوانب التى تندرج تحت عنوان: فَسَادُ حياتنا الثقافية.. إنَّ ما يُثار من أن هذا الكتاب فيه من الألفاظ المكشوفة، ما يمكن أن يُفسد عقول شباب وشابات هذه الأمة، يقدم دليلاً جديداً لهذا السُّخْفِ الذى اخترناه..
فالقضية تتطلب معالجةً أخرى، وبحثاً هادئاً يبدأ بقراءة أجزاء هذا الكتاب، والوقوف طويلاً عند صفحاته، وتأمل عباراته وسطوره ومن حق بعضنا أن يقرأه أو لا يقرأه، لكن ليس من حقنا جميعاً أن نحكم بإلغائه أو بحرقه! إن اتهامكم لهذا الكتاب بأن به ألفاظاً مكشوفة.. هذه الألفاظ فى رأيى لا خوف منها، فهى ألفاظ العلم نفسه، وإذا كان لها تأثيرٌ ضارٌ، فكيف يستخدمها علماء اللغة وأصحابها. أقولُ إنها ليست ألفاظاً ضارةً، وإنها ألفاظ طبيعية وعادية، يستخدمها البشر فى كل مكان، وليس من مصلحة البشر أن يجهلوا مثل هذه الألفاظ، فهى ضرورةٌ من ضرورات الحياة». هكذا تحدَّث محمود شاكر.
رابعاً: إن ما يحيِّرك يا نيافة المطران الأمبا، من انحيازى لآريوس ونسطور. وهى الحيرة التى عبَّرتَ عنها فى عدة مواضع بحواراتك الصحفية ولقاءاتك التليفزيونية، ناهيك عن ورودها أكثر من مرة فى الكتاب المنسوب إليك، هى حيرةٌ فى غير موضوع، وفى غير موضعها. وسوف أشير إليها حالاً، مُوَضِّحاً لك بإيجاز الأمر الذى تعتقد أنه (سر) فتقول دوماً: ما سر إعجابه بآريوس ونسطور؟
وليس فى الأمر سر، بل رؤية موضوعية لمفكرين كنسيين كبار، تتهمهم أنت بالهرطقة، ويتهمك أتباعهم أيضاً بالهرطقة.. غير أننى أنظر إلى المسألة بعيداً عن تلك الاتهامات المتبادلة، فأجد أن الآريوسية قدمت حلولاً عبقرية للمشكلة اللاهوتية المتعلقة بالطبيعتين (الإلهية، الإنسانية) للسيد المسيح، من خلال مفهوم «التبنِّى» الذى قام عليه هذا المذهب الذى قدَّمه الراهب الجليل، مصرى الهوية، ليبـى الأصل، شامى الإقامة، إسبانى المنفى، إسطنبولى الاغتيال: آريوس (المتوفى مسموماً سنة ٣٣٦ ميلادية).
وأما الأسقف الجليل نسطور، فقد قدم تصوراً لاهوتياً من وحى أستاذه الأسقف تيودور المصِّيصى، ومتوافقاً مع طبيعة العقلية العربية العملية التى كانت تسود منطقة الهلال الخصيب، حسبما أوضحت ذلك تفصيلاً فى كتابى الآخير: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى.. بالمناسبة، أرجو منك يا نيافة الأمبا ألا تقرأ هذا الكتاب، وألا تكلف نفسك عناء الانشغال به، لأنه لا يناسب أفاضل الرهبان من أمثالك، فهو كما ذكرتُ بالنص فى مستهلِّه: «لم يُوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقِّى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة، وهو فى نهاية الأمر كتابٌ، قد لا يقدِّم ولا يؤخِّر».
والنسطورية التى تكرهها يا نيافة الأمبا، لا أكرهها، بل أرى فيها كنيسةً عظيمة لا تقلُّ عن غيرها من كبريات الكنائس، وهى التى أدخلت الديانة المسيحية إلى أنحاء قارة آسيا، واشتغل أتباعها بالعلوم والمعرفة والترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية، فكان ذلك مقدمة للنهضة العلمية للعرب المسلمين الذين حملوا مشعل العلم والحضارة خلال القرون الطوال التى ظل العالم فيها مظلماً.. كئيباً.. ممقوتاً! ومن سوابق طريقة نسطور فى فهم الديانة، ولواحق حقائقه التى لاحت فى سماء اللاهوت العربى، قوله: «لا يجوز تسمية العذراء مريم بأم الله، فهى امرأة قديسة ولدت بمعجزة، لكنها ليست أُماً للإله.
ولا يجوز لنا الاعتقاد بأن الله كان طفلاً يخرج من بطن أمه بالمخاض، ويبول فى فراشه فيحتاج للقماط، ويجوع فيصرخ طالباً ثدى أمه. الربُّ كاملٌ، كما هو مكتوب، فكيف له أن يتخذ ولداً، سبحانه، ومريم العذراء إنسانةٌ أنجبتْ من رحمها الطاهر بمعجزة إلهية، وصار ابنها من بعد ذلك مجلى للإله، ومخلِّصاً للإنسان. صار كمثل كوةٍ ظهرت لنا من خلال أنوار الله، أو هو مثل خاتمٍ ظهر عليه النقش الإلهى. وظهور الشمس من كوةٍ لا يجعل الكوة شمساً، كما أن ظهور النقش على خاتم لا يجعل الخاتم نقشاً».. هكذا روى الراهب هيبا فى عزازيل!
وبعد، فيا نيافة المطران، مازالت لك فى نفسى مودة قديمة، ولك من وراء ذلك الوظائف الكنسية الكثيرة والمهام الدينية التى لا تنتهى. وعندى أيضاً عملٌ كثير وانشغالات! فدعنا نكف عن هذا الجدل، عملاً بقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
ولعموم القراء أقول، إننى سوف أبدأ من الأربعاء القادم، ولسبعة أسابيع تالية، فى سلسلة مقالات أرجو أن تكون أكثر نفعاً للناس، آملاً أن نُعيد من خلالها النظر والاعتبار فيما ورثناه نحن المصريين، من اعتقادات وأفكار.. سواءٌ كنا مسلمين أو مسيحيين.. فإلى لقاء.
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=225289
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
مقاربة لرواية د. يوسف زيدان: "عزازيل"
كمال غبريال
الاحد 24 آب (أغسطس) 2008
من قبيل لزوم ما لا يلزم أن نحتاج إلى التذكير بأن مقاربة الأعمال الأدبية لها قواعدها، ولها أيضاً أهلها، لكن لأننا نعيش في حالة من اختلاط الأوراق والأفكار، فإننا مضطرون لإهدار الوقت لمناقشة البديهيات، وربما الجدال حولها، فالنص الأدبي يحتاج منا إلى العديد من المقاربات النقدية، لكن كما أن لقراءة النصوص الأدبية قواعدها، التي تختلف بالتأكيد عن قواعد قراءة مقال سياسي أو اجتماعي أو محاضرة علمية، فإن للنقد الأدبي أيضاً قواعده وأنواعه، فقد يأتي النقد من ناقد محترف ومتخصص في نوعية النص، وقد يأتي من قارئ يحدثنا عن انطباعاته وما خرج به من رحلته مع النص، وقد يتناول النقد النص الأدبي من ناحية بنيانه ولغته ومدى توفيق آليات سرده، كما قد ينحصر النقد في الجانب الفكري أو التاريخي المبثوث بين ثنايا السرد، يتناوله بالنقد والتحليل والمراجعة. . المفترض أن يتم كل هذا بمنأى عن الصرخات والتشنجات والتهديدات، وإلا كنا نحكم على أنفسنا بالتخلف، ولسنا نحكم على كاتب النص بأي مما قد ننسبه له.
عزازيل دعوة للتساؤل
ما أحوج مجتمعاتنا إلى العديد من الأعمال الأدبية على نمط رواية عزازيل، فهي تحمل دعوة للتساؤل، حول كثير مما تسلمناه كبديهات أو مقدسات، رغم أنها جميعاً أفكار بشرية، حتى وإن كانت تتحدث عن مقدسات، وإذا من الصحيح أنه "إن بطلنا نحلم نموت"، فمن الأولى أن نقول "إن بطلنا نتساءل نموت"، فالموت الثقافي والأدبي هو حالة الخمود والعقم التي تصيب الفرد أو المجتمع، فيستنيم في ظلال اليقين، ويكف عنه القلق والشك والتساؤل، فبدون هذه الثلاثية، التي تبدو بغيضة للكثيرين، تموت المجتمعات وتتحجر، وتصبح كماً مهملاً، أو عبئاً على الإنسانية، وهذه هي بالتحديد الحالة التي ترزح فيها مجتمعاتنا الآن.
نحتاج إلى العديد من مثل هذه الأعمال الإبداعية، لنعيد الحياة إلى شراييننا العقلية والثقافية المتيبسة، سواء فيما يتعلق بمقدساتنا الدينية، التي توسعت لتشمل كل مناحي حياتنا، أو مقدساتنا السياسية والاجتماعية، بل وحتى المجال الاقتصادي، لم ينج من غزو التابوهات المقدسة.
لا أعتقد أن ما يزعج المنزعجين من الرواية هو ما قد تكون تضمنته من مقولات يرونها غير صحيحة، فما يزعجهم بالحقيقة هو تحريضها لنا على التساؤل، وعلى التشكك فيما قدموه لنا على أنه الحقيقة المطلقة، ما يزعجهم أن يراجع أحد ما يقولون وما يكتبون، وأن ينزلهم بهذا عن عروشهم أو تكاياهم المقدسة، ليقفوا على الأرض كما نقف نحن، ويخلعوا عنهم ثياب الآلهة، ليرتدوا ثياباً بشرية.
نحن وعزازيل:
تقول لنا الرواية أن الشيطان (عزازيل) ليس كياناً ميتافيزيقاً خارجاً عنا، يدبر لنا المكائد ليل نهار، لكنه في داخلنا، هو هواجس نفوسنا، هو طبيعتنا البشرية، التي من الواجب ألا نخجل منها، بل نواجهها بشجاعة، ونفسح لها المجال لتعبر عن نفسها بصدق، لا أن نغلقها على ما تحوي من شكوك وشهوات، كمن يغلق جرحاً على ما فيه من صديد.
كنت أتمنى أن تقول لنا الرواية بوضوح أن الشك والضعف الإنساني ليس تشوهاً في طبيعتنا البشرية، بما يستدعي أن نجد من ننسبه إليه، وليكن عزازيل، فالشك والضعف هما وجه لعملة، وجهها الآخر هو الإيمان والقوة، وما لم يقم جدل داخلي صحي بين الشك والإيمان، وبين الضعف والقوة، لن يكون هناك إنسان، وإنما ببغاء يردد، أو قرد يحاكي، إلا إن كنا جادين وقادرين على مغادرة بشريتنا، لنتحول إلى ملائكة.
الراهب هيبا والجدل:
تحدثنا الرواية عن قصة الإنسان، ممثلاً في الراهب المصري هيبا، في بحثه الوجودي عن الله وعن المعرفة. . ذلك البحث الذي قاده من بلدته في صعيد مصر، حيث تلقى من مقولات الإيمان ما شعر أنه بحاجة لتدعيمه باليقين، ومن علوم الطب ما استشعر بدائيته، وأراد تحصيل المزيد الذي يمكنه من امتلاك ناصيته. . وشأن الكثيرين من المنشغلين بالعلوم والميتافيزيقا، أراد هيبا أن يستحيل إلى عقل وروح محض، أن يفارق جسده الذي اعتبره معوقاً له في مسيرته نحو الحقيقة المطلقة، هكذا نذر نفسه للرهبنة، كأنما ليقتل هذا الجسد أو يخرسه إلى الأبد. . لكن كل خطواته ومراحل حياته، كانت تثبت له أن الحقيقة المطلقة التي يبحث عنها سراب، وأن سدنتها ما هم إلا تجار يتسترون خلفها لتعظيم ذواتهم وسلطانهم، كما أثبتت له الأيام والتجارب أن جسده لا يمكن أن يموت، وبأن الإنسان لابد وأن يبقى إنساناً، وأن الشهوات ومنها الشهوة الجنسية جزء جوهري من تكوينه، وليس ملحقاً خارجياً، يمكن انتزاعه أو تجميده بمجرد قرار أو وصايا بشرية أو إلهية.
الكنيسة والصراع اللاهوتي:
تناولت الرواية قضايا الصراع اللاهوتي الذي استغرق العالم المسيحي في القرنين الرابع والخامس، بحرفية أدبية عالية، بحيث لم تأت مقحمة على السياق، بل كجزء عضوي منه، وإذا رأى البعض أن الرواية تقول لنا أن هذا الصراع الذي بدا عقائدياً لاهوتياً، إنما هو في الحقيقة صراع سياسي على السلطة والثروة، فإن الرواية هكذا لا تكون قد أتت بجديد، فهذا ما سبق وأن قال به العديد من الباحثين والدارسين، بل أن القارئ العادي يستطيع بقليل من الفطنة أن يخلص إلى ذات النتيجة.
واسمحوا لي أن أضيف أن سدنة المقدس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مازالوا حتى اليوم يلجأون لذات النهج في صراعاتهم، فلقد شهدنا جميعاً الاتهامات بالهرطقة التي وجهتها الكنيسة للأب متى المسكين وتلاميذه، إلى أن وصلت إلى إحراق كتبه، وإصدار قرار بحرمان د. جورج بباوي أستاذ اللاهوت، ليس بالتأكيد لآرائه اللاهوتية التي يعتنقها من سنوات طويلة، بل وربما هي ذات ما تم تلقينه لنا جميعاً داخل جدران الكنيسة، ولكن ما يشهد به الواقع أن محاكمته لم تتم إلا بعد ما عد تجاوز منه في خطابه لرأس الكنيسة، وكأننا عدنا إلى العصر الوسيط ومحاكم التفتيش، ولاشك أن التاريخ الرسمي للكنيسة يدون الآن ما يحدث على أنه دفاع عن الإيمان القويم، في حين أن وراء الأمر كله الغيرة من النفوذ المتعاظم للأب متى المسكين، ومن حجم الحب والاحترام الذي يكنه له الأقباط، والذي انتقل أيضاً إلى كل أبناء مصر، بما فيهم القيادة السياسية، لتأتي ملاحقة الفكر ومعتنقيه بعد رحيل الرجل من عالمنا الغارق في الزيف والنفاق.
توظيف الدين
تكشف لنا الرواية، وعلى الأخص في قصة هدم معبد السيرابيوم، ومصرع هيباثيا الفيلسوفة والعالمة باهرة الجمال، كيف يستخدم الدين ونوازع التقوى لدى الجماهير، لارتكاب أفظع الجرائم، ليبدو الأمس أقرب مما نظن إلى اليوم، وإن اختلفت المقولات والرايات، فعلى ذات النهج تم اغتيال فرج فودة، وتحولت محاكمة قاتليه إلى محاكمة للشهيد الأكثر من بين رجال عصره استنارة وإخلاصاً لوطنه وللإنسانية.
ذكرت الرواية في موضعين استناد مرتكبي عمليات القتل والاستئصال للآخر، إلى جملة وردت في خطاب السيد المسيح، يقول فيها إني ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وهنا إشارة إلى آفة أظنها وراء كل ما نعاني ويعاني معنا العالم منه الآن، اقتطاع الجمل من سياقها، ثم إساءة قراءتها أو فهمها.
فبالتأكيد يعرف من استخدموا هذه الجملة لتبرير جرائمهم أن مفهوم "سيف" فيها مفهوم مجازي كأغلب تعبيرات السيد المسيح في عظاته، فقد كان يسرف في استخدام التشبيهات والتعبيرات المجازية، مثل قوله: إذا أعثرتك يدك فاقطعها، وإذا أعثرتك عينك فاقلعها، فالسيف في الجملة المذكورة مقصود به الحد الحاسم بين الحق والباطل، هذا عن إساءة القراءة، أما عن الاقتطاع من السياق، فمن المعروف حتى لمحدودي الاطلاع على كلام السيد المسيح، أن خطابه جميعه سلمي إلى حدود تكاد تكون غير مسبوقة، بل وحدود يعدها البعض غير قابلة للتطبيق لفرط مثاليتها، وأن يُترك كل الخطاب المسالم، وتنتقى منه جملة واحدة يساء فهمها وتوظيفها، فهذا ليس من قبيل السير على هدى المقولات الدينية، لكنه غصب وقصر للمقولات الدينية لتصير مبررة لتوجهاتنا الإجرامية.
رغم وضوح سعة اطلاع مؤلف الرواية على الفكر المسيحي، إلا أنه قد تجاوز توضيح أو إبراز هذه النقطة، وهو بالطبع ليس مطالباً بأن يقول كل ما كنا نتمنى أن يقول، كما أننا لسنا مضطرين لقبول كل ما قال.
بنية الرواية"
يلزم أن نشيد بسلاسة وجمال بناء الجملة، وبالتمكن في تطويع اللغة، للتعبير عن الأفكار والأحداث.
فرضت فكرة الرواية كمذكرات أو سيرة ذاتية، أن يقتصر الفضاء السردي على تكنيك المونولوج، من بداية الرواية إلى آخرها، بما أفقد الرواية الثراء الذي يوفره السرد الشبكي والمتوازي، ما كان كفيلاً على سبيل المثال بإطلاعنا على دخائل ووجهات نظر الكثير من الشخصيات التي ورد ذكرها بالرواية، ومنها مثلاً بطرس قارئ الإنجيل، الذي قاد الجماهير لاغتيال أوكتافيا، فمنهج المونولوج يتيح لنا الدخول إلى أعماق الراوي، لكنه في ذات الوقت يجعل من باقي الشخصيات مسطحة أو هيكلية بقدر أو بآخر، كما يؤدي إلى تغلب الرؤية الأحادية على ما يقدمه لنا السرد.
ورغم أن الرواية بالأساس مخطوطة تنطق بلسان محدد، هو الشخصية المحورية والسارد معاً، إلا أننا نرى أنه كان من الممكن التغلب على هذه العقبة، بوجود راو خارجي، بخلاف من تتحدث المخطوطة بلسانه.
الجزءان اللذان يحكيان مشاهد عاطفية وجنسية موظفان عضوياً في الحكي، وهما جزء أصيل من العمود الفقري للرواية، وهو ضعفات وشهوات الإنسان، التي تعترضه في رحلة بحثه عن المطلق، وإن كان الجزء الأول المتعلق بالعلاقة الجنسية بين الراهب وأوكتافيا في الإسكندرية، ربما قد طال أو تمت استطالته أكثر مما ينبغي، بحيث بدا وكأنه مقصود لذاته، وقد ساهم أسلوب السرد الخطي المستمر في ازدياد وطأة تلك الاستطالة، فيما اتسم الجزء الثاني، والذي يعرض غرام هيبا بالمغنية مرتا، بالتقصير في توضيح طبيعة غرامها به ومبرراته، بعكس ما جاء في سرد غرام أوكتافيا، لتبدو قصة الغرام من جانب مرتا مسطحة بعض الشيء.
مع القمص عبد المسيح بسيط:
لا بأس كما نقدنا الرواية أن نمارس نقد النقد الذي تفضل به القمص عبد المسيح بسيط، فقد أعجبت برد الرجل في حديث تليفزيوني حول الرواية، قال فيه ما معناه أن الرواية عمل أدبي، ولا رد عليه إلا بالنقد المضاد، لكنني عندما قرأت ما كتبه جناب القمص نقداً للرواية على موقعه الإلكتروني، خطر لي أنه لم يقل ما قال مما بدا استنارة إلا مضطراً، فقد انهال في رده بالاتهامات على الكاتب والرواية، وقد بدأ بالغمز في نوايا الكاتب، نظراً لديانته المخالفة للعقيدة التي تتناولها الرواية، وهذا في حد ذلك خروج عن قضبان العقلانية والموضوعية، فنحن كقراء ونقاد لا شأن لنا بالكاتب، لأننا معنيين بالنص وليس بكاتبه، كما أن الأعمال الأدبية ليست بالنيات، بل بما يحتويه النص فعلاً بين دفتيه.
يقول جناب القمص أيضاً أن الرواية تشكك في وجود الله وفي طبيعة الشيطان، وهو معذور في قوله هذا، ربما لأنه لم يسبق له أن قرأ عملاً أدبياً، وربما لم يعرف في حياته غير العظات التي يلقيها على المؤمنين، ليرشدهم إلى الطريق القويم، بما يعني أن كل ما يجيء بالعظة من جمل ومعان لابد وأن تقود الإنسان إلى الهدف المحدد للعظة، ولا يعرف أن الأعمال الأدبية تختلف عن هذا تماماً، فهي تجتهد في استكشاف داخل الإنسان، لتصوره لنا في لحظات شكه وإيمانه، في فجوره وتقواه، تصوره إنساناً من لحم ودم، وليس كائناً خشبياً أو ذهبياً، وقد ألصق هذه الاتهامات بالرواية، رغم أنه يفتخر في نفس سطور نقده، بأن الكتاب المقدس يصور شخصيات حقيقية بكل ضعفاتها وقوتها، وليست شخصيات وهمية، وهذا صحيح بالطبع، فإذا كان الكتاب المقدس قد ذكر ضعفات الأنبياء، ولم يصورهم كملائكة، فلماذا يستنكر هذا في عمل أدبي؟!
يقول جناب القمص أيضاً أن الرواية تسيء للمسيحية، ولست أدري على أي أساس بنى اتهامه هذا، فالرواية حين أشارت إلى جرائم الغوغاء الذين هدموا السيرابيوم والذين قتلوا هيباثيا، لم تكن تتحدث عن المسيحية، وإنما عن الغوغاء من المسيحيين، وشتان الفرق بين الحديث عن الدين وبين الحديث عن المتدينين أو بالأحرى عن البعض منهم، ثم أن الرواية لم تخترع أحداثاً تاريخية لتنسبها للمسيحيين، وإنما كل ما ورد بها حصراً هو أحداث تاريخية موثقة، قد يختلف حول بعض تفصيلاتها الرواة، دون أن ينفي هذا عنها أصولها العلمية التاريخية.
بالطبع من حق القمص عبد المسيح بسيط أن يعتبر تاريخ الكنيسة ورجالها تاريخاً مقدساً لملائكة وليس لبشر، وسوف يجد في عصرنا هذا من يصدقه، لكن من حق آخرين ألا يقتنعوا بهذا الكلام، وأن يصروا على أن أجدادنا كانوا بشراً، وأن تاريخهم تاريخ بشري، وأننا نستفيد من تدارس أخطائهم حتى لا نكررها. . من حقنا أن نرفض الاستمرار في العيش في مستنقع من الأكاذيب، حتى لو كانت أكاذيب وردية، فمن يحجم أو يجبن عن مواجهة ماضيه بشجاعة، فلن يستطيع أبداً مواجهة حاضره.
انخرط جناب القمص في رده في استعراض لقضايا لاهوتية، مشهراً سيفاً خشبياً للدفاع عن العقيدة المسيحية، وكأن الرواية قد هددتها وهزت أركانها، وأنا أقول له هون على نفسك يا رجل، فالرواية لم تحمل على أحسن الفروض أو أسوأها (حسب وجهة نظرك) إلا دعوة للتساؤل، وحين يتساءل المرء عن عقيدته، خاصة في مسائل لاهوتية متخصصة، فإنه لن يستمد عقيدته من عمل أدبي، بل سيعمد إلى المراجع المتخصصة، ليدرس ما شاء الدرس. . هو انغلاق الفكر إذن، الذي يؤدي إلى حالة هلع، من مجرد التساؤل.
إذا كان جناب القمص يستنكر ما جاء بالرواية (نقلاً عن الوثائق التاريخية) من تحريض الأنبا كيرلس عمود الدين للغوغاء على قتل هيباثيا، فليسمح لي أن أطلب منه إعادة قراءة ما كتب عن الرواية وكاتبها د. يوسف زيدان، ولنتخيل معاً لو أن المسيحيين بالكثرة العددية التي كانوا عليها في القرن الرابع والخامس، ألا يوجد احتمال أن يقرأ كلماته تلك بعض الجهلة من المسيحيين، ليعيدوا قصة هيباثيا مع دكتورنا المعاصر، أم أنه يمكن أن ينفي أن يكون بين المسيحيين جاهل أو موتور، باعتبار المسيحيين ملائكة، وكهنتهم الذين يحرضونهم ويعادون العلماء أيضاً ملائكة؟!
لكي لا أكون قاسياً على الرجل أكثر مما ينبغي، على أن أستدرك فأنوه أن الإنسان ابن بيئته، ونحن نعيش في مصر الآن حالة احتقان ديني، والأقباط يسمعون طوال ساعات اليوم الازدراء بهم وبدينهم، عبر مكبرات الصوت، وعبر الجرائد المسماة بالقومية، وعبر الفضائيات القومية والخاصة، ومن غير المنصف في هذه الأجواء أن نتوقع منهم التحلي بما نتمناه للمصريين جميعاً من استنارة وسعة صدر، ولا يعني هذا أن نخرس، ونترك مواطنينا ضحية لموجات الكذب والتزييف التي لا نهاية لها. . الحل هو ممارسة النقد والمراجعة لكل تراثنا، بإخلاص وموضوعية وشجاعة، فنهر النقد المستنير متى تدفق، إلى كل الأركان والزوايا، وفي جميع الاتجاهات، وليس في اتجاه واحد هو نقد المستضعفين، وتحاشي نقد من يخشى بأسهم وبطشهم، عندها سوف نتعلم سوياً ألا ننزعج من النقد، وسوف يلذ لنا مذاق الحقيقة مهما كانت مرارتها، وسوف نتأفف من شرب حليب الكذب والزيف حتى لو كان له طعم العسل.
من حق د. يوسف زيدان علينا أن نشكره على تقديم تلك الرواية، التي تقتحم المسكوت عنه بقوة وجرأة نفتقدها في زماننا هذا، وقد فعل هذا بأسلوب أدبي جميل، جعل من قراءة العمل متعة يستحق شكراً خاصاً عليها.
http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=4349&lang=ar
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
مقتل هيباتيا السكندرية و إنتشار المسيحية بحد السيف
هيباتيا
بقلم د.وسيم السيسى ١٥/ ٨/ ٢٠٠٩
هذه العذراء.. صاحبة الجمال الأسطورى كانت فى منتهى التواضع على الرغم من جمالها، وعلمها، وشهرتها! «إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز ٧٣٧١ - ٤٩٧١».
هذه العالمة العظيمة.. تفوقت على أهل زمانها من الفلاسفة، كانت فصل الخطاب فى الموضوعات الجدلية على الرغم من صغر سنها، كان الطلاب يأتون إليها من جميع أنحاء الأرض! «سقراط المؤرخ المصرى المسيحى».
إنها هيباتيا المصرية.. عالمة الفلسفة والرياضيات بجامعة الإسكندرية، ولدت سنة ٠٧٣ ميلادية.. وقتلت قتلاً عنيفاً ٥١٤ ميلادية عن ٥٤ سنة، كانت أصغر أستاذة فى جامعة الإسكندرية عند سن الثلاثين أى سنة ٠٠٤ ميلادية.
فى ليلة مظلمة ليوم مشؤوم من فصل الصيام الكبير من شهر مارس سنة ٥١٤ ميلادية، اعترضت جماعة من (رهبان) صحراء النطرون عربة العالمة هيباتيا ابنة عالم الرياضيات المصرى «يثرون»، وانزلوها من عربتها، ثم جروها جراً عنيفاً إلى كنيسة قيصرون بالإسكندرية، ثم قاموا بنزع ملابسها حتى أصبحت عارية تماماً، مشهد بالغ الغرابة، وهم النُساك الأطهار (برتراند راسل)،
ثم تقدم بطرس قارئ الصلوات PETER THE READER، وقام بذبحها وهى عارية مكتوفة الأيدى والأرجل، ثم مزقوها إلى أشلاء، وفى شارع سينارون، أوقدوا ناراً، وقذفوا بأعضاء جسدها وهى مازالت ترتعش بالحياة (برتراند راسل)، (تاريخ الفلسفة الغربية جـ٢ ص٣٠١)، ويستطرد برتراند راسل، وكان الرهبان يتحلقون حول الجسد المحترق فى مرح وحشى شنيع!
ويُعلق ويل ديورانت فى موسوعته قصة الحضارة مجلد ٢١ صفحة ٧٤٢ قائلاً:
أيمكن أن يكون بطرس القارئ للصلوات، وباقى الرهبان.. تلاميذ للمسيح؟! الذى عفا عن المرأة الزانية وقال: من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر؟! ثم التفت للمرأة وقال لها: اذهبى بسلام.. ولا تعودى لنفس الفعل!!
ويستطرد ديورانت قائلاً: كيف يكون هؤلاء تلاميذ للمسيح، وهو الذى علم قائلاً: لا تقاوموا الشر بالشر، بل بالخير، وإذا أخطأ إليك أحد سامحه.. لا سبعاً، بل سبعاً × سبعين مرة!
«انتهى كلام ديورانت».
ولكنى أختلف تماماً فيما كتب عن البابا كيرلس الكبير الملقب بعمود الدين.. فهو عمود الدين حقاً.. وهو الذى تصدى للأريوسية والنسطورية، وحفظ للمسيحية الأرثوذكسية إيمانها القويم السليم، ولكن...
لشد ما يُدهشنى قول إدوارد جيبون: تولى البابا كيرلس السكندرى ٢١٤م خلفاً لعمه توفيلس بعد أن تشرب فى منزل هذا العم دروس الحقد والعنف والهوس الدينى، فهو الذى هاجم حاكم الإسكندرية الرومانى أورستس SETSERO مع خمسمائة من الرهبان، وكادوا يفتكون به، لولا تدخل أبناء الإسكندرية لإنقاذه، فنجا من موت محقق، وإن كان مثخناً بجراحه، ليس هذا فقط بل هاجم معابد اليهود فى الإسكندرية وسواها بالأرض، بل سمح بنهب ممتلكاتهم، وتم طردهم من الإسكندرية مبرراً أفعاله بأنهم أعداء للمسيح، كما أنه هو الذى أوعز لهؤلاء الرهبان بقتل هيباتيا!!
وقد بحثت فى مراجع عدة مأساة العالمة المصرية ولعل أكثرها اعتدالاً هو ويل ديورانت مجلد ٢١ صفحة ٧٤٢، وفيه يفسر هذه النهاية العنيفة لهيباتيا.. إنها لم تكن فقط «كافرة» فاتنة.. عالمة، بل كانت صديقة لأورستس غير المسيحى الذى كان حاكماً للإسكندرية، وكان هذا سبباً آخر لمصرعها!
حبذا لو أن كنيستنا المصرية ردت على ديورانت، دائرة المعارف البريطانية، برتراند راسل، إدوارد جيبون، عبدالفتاح إمام (نساء فلاسفة جـ٤ ص ١٦٢)، حتى ترفع عن البابا كيرلس الكبير هذه الادعاءات التى قد تكون ظالمة وغير صحيحة، وسواء هذا أو ذاك فقد انتهت الفلسفة المصرية - اليونانية من مصر بمصرع هيباتيا، كما انتهت الفلسفة الإسلامية بالقضاء على ابن رشد.
http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=222600
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
قدرى أننى ولدت وعشت أيام المواجهة الأخيرة
بين نهاية عصر العقل وبداية عصر الدين
لقد ظلمت الوثنية ومورس عليها التحقير والإستهزاء من قبل أتباع الديانة الجديدة , يا لمدينتى الجميلة أراك وقد حل بك الخراب والفوضى , أرى يوميا وأنا ذاهبة إلى مقرمحاضراتى اليومية بقايا المركز الرئيسى للعبادة التى كانت يوماً تتمتع بالحيوية عبرأجيال وقرون من سيادة الحضارة , هناك حيث أمتد يوماً الحرم الهائل والرائع لمعبد السرابيوم
ينتصب اليوم عمود معزول واحد فقط
أجل....
لا يوجد سوى عامود واحد ولاشىء اخر
ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً ّ!
يسوع
يا أبناء الله يا أحباء يسوع الحى إن مدينتكم هذة هى مدينة الرب العظمى على أرضها عاش الاباء وسالت دماء الشهداء وقامت دعائم الديانة وقد طهرناها من اليهود المطرودين أعاننا الرب على طردهم وتطهير مدينتة منهم ولكن أذيال الوثنيين الأنجاس مازالت تثير غبار الفتن فى ديارنا , إنهم يعيثون حولنا فسادا وهرطقة , يريدون إعادة بيت الأوثان الكبيرالذى أنهدم على رؤوسهم قبل سنين , يودون تعمير مدرستهم المهجورة التى تبث الضلال فى العقول لكن الرب يا جند الرب لن يرضى بذلك أبدا ولسوف يحبط مساعيهم الدنيئة بأيديكم أنتم مادمتم بحق جنود الرب , لقد صدق ربنا يسوع المسيح حين نطق بلسان من نور فقال : الحق يطهركم ! فتطهروا يا ابناء الرب وطهروا ارضكم من دنس أهل الاوثان , أقطعوا ألسنة الناطقين بالشر , ألقوهم مع معاصيهم فى البحر وأعلموا ان ربنا المسيح يسوع كان يحدثنا نحن أبناؤة فى كل زمان لما قال : ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً ّ!
البابا كيرلس
بسم الرب سوف نطهر ارض الرب
عند الكنيسة الصغيرة فى منتصف الشارع المؤدى من المسرح الكبير إلى الميناء الشرقى سارت عربتى ذات الحصانين تنهب الأرض , كان هذا هو يوم الأحد المشئوم , مرت عربتى بجوار أحد الكنائس التى يخطب بها كيرلس , أرى جموع غفيرة من البشر تخرج من الكنيسة فى حالة من الهياج الشديد أرتجت معها بيوت المؤمنين من علو الهتافات , أزداد إهتياج الجماهير الغفيرة حدا بلغ الجنون مرددين ورائة عباراتة النارية بدون تفكير , أنظر من عربتى الى الخارج فأرى بعض الناس يقفون على اسطح البيوت يلوحون بالصلبان ويقذفون العربة بالحجارة
العربة تجرى من دون قائد ؟!!!!
أعتقد أننى وحدى فى العربة الان
............................................
اهم ما تمتاز بة الجماعة وجود روح عامة تجعل جميع أفرادها يشعرون ويفكرون بكيفية تخالف تمام المخالفة الكيفية التى يشعر ويعمل بها كل واحد منهم على انفرادة والسبب فى ذلك أن الناس يتفاوتون فى عقولهم ولكنهم يتشابهون فى مشعارهم الفطرية فاذا انضم بعضهم الى بعض غلبت صفاهم المشتركة على صفاتهم الخاصة وانزوت شخصياتهم الفردية تحت الشخصية العامة واصبح الحكم فى الجماعة للمشاعر ولم يبق للعقل عليها سلطان فهى تندفع بمشاعرها ولا تستطيع ان تقف لتفكر فاذا اجتمع افرادها واحس كل واحد بالقوة التى اكتسبها من اجتماعة بغيرة ثم راى ان تلك المسئولية التى تحكم اعمالة وهو فرد قد زالت عنة تقريبا بحكم اندماجة فى الجماعة وسرت الية فوق كل ذلك عدوى المتحمسين من زملائة واصابتة تلك النوبة المغناطيسية التى تستولى عادة على عواطف الجماهير فاسال الله السلامة لعبادة من شر ما خلق فليست تلك الا عاصفة بشرية عاتية والويل كل الويل لما تجرر فوقة أذيالها
المستشار حسن جلال
..............................................
لتقرأ معى الوصف القادم من رواية عزازيل ليوسف زيدان
فهو اقرب الى الواقعة الحقيقية باسلوب رائع
جئناك يا عاهرة يا عدوة الرب
التقط بطرس السكين الطويلة الصدئة , راة سائق عربة هيباتيا , فقفز كالجرذان وجرى متواريا بين جدران البيوت , كان بامكان السائق ان يسرع بحصانية فى الشارع الكبير , وما كان لأحد ان يلحق بالعربة , لكنة هرب ولم يحاول احدهم ان يلحق بة , ظل الحصانان يسيران مرتبكين , حتى أوقفهما بطرس بذراعة الملوحة بالسكين .... أطلت هيباتيا برأسها الملكى من شباك العربة , كانت عيناها فزعة مما تراة حولها , انعقد حاجباها وكادت تقول شيئا لولا ان بطرس زعق فيها : جئناك يا عاهرة يا عدو الرب .
امتدت نحوها يدة الناهشة وأيد أخرى ناهشة ايضا حتى صارت كانها ترتقى نحو السحاب فوق اذرعهم المشرعة
وبدأ الرعب فى وضح النهار
الايادى الممدودة كالنصال منها ما فتح باب العربة ومنها ما شد ذيل الثوب الحريرى ومنها ما جذب هيباتيا من ذراعها فألقاها على الارض , انفلت شعرها الطويل الذى كان ملفوفاً كالتاج فوق راسها فانشب فية بطرس اصابعة ولوى الخصلات حول معصمة , فصرخت فصاح :بأسم الرب سوف نطهر ارض الرب , سحبها بطرس من شعرها الى وسط الشارع , وحوله اتباعة من جند الرب يهللون .
حاولت هيباتيا ان تقوم , فرفسها احدهم فى جنبها , فتكومت , ولم تقو على الصراخ , اعادها بطرس الى تمددها على الأرض بجذبة قوية من يدة الممسكة بشعرها الطويل . الجذبة القوية انتزعت خصلات من شعرها فرماها , نفضها من يدة , ودس السكين فى الزنار الملفوف حول وسطة , وامسك شعرها بكلتا قبضتية , وسحبها خلفة .. ومن خلفة اخذ جند الرب يهتفون هتافة , ويهللون لة , وهو يجر ذبيحتة .
كنت لحظتها واقفا على رصيف الشارع ,. مثل مسمار صدىء . لما وصلوا قبالتى نظر بطرس ناحيتى بوجة ضبع ضخم , وتهلل وهو يقول : ايها الراهب المبارك , اليوم نطهر ارض الرب .. وبينما هى تتأرجح من ورائة على الارض , تقلبت هيباتيا , استدار وجهها نحو موضعى . نظرت الى بعين مصعوقة , ووجة تكاد الدماء منة تنفجر , حدقت فى وجهى لحظتها فأدركت انها عرفتنى مع اننى كنت فى الزى الكنسى !
مدت ذراعيها ناحيتى وصاحت مستصرخة بى
يا أخى
تقدمت الى منتصف الشارع خطوتين , حتى كادت اصابعى تلمس اطراف اصابعها الممدودة نحوى .
كان بطرس القارىء يلهث منتشياً وهو يمضى ناحية البحر ساحباً غنيمتة . وكان البقية يتجمعون حول فريستهم , مثلما تجتمع الذئاب حول غزال رضيع .. لما اوشكت اصابع هيباتيا ان تعلق بيدى الممدودة اليها , امدت يد نهشت كم ثوبها , فتطوحت كفها بعيداً عنى , وتمزق الثوب فى اليد الناهشة , فرفعة الناهش ولوح بة , وهو يزعق بعبارة بطرس :
باسم الرب , سوف نطهرأرض الرب ..
العبارة التى صارت يومها أنشودة للمجد الرخيص
من بعيد , اقبلت امرأة حاسرة الرأس كانت تصرخ وهى تقبل نحونا مسرعة فزعة قائلة :
يا أختاة .. ياجنود الرومان ..
أغثنا يا سرابيس !
المرأة المسرعة نحونا كان ثوبها وشعرها يرفان ورائها وكنا قد اقتربنا من ناحية البحر .. أقبلت المرأة تجرى نحو الجمع حتى أرتمت فوق هيباتيا , ظانة انها بذلك سوف تحميها فكان ما كان متوقعا. أندثت فيها الاذرع فرفعتها عن هيباتيا وألقتها بقوة الى جانب الطريق , أصطدم رأسها بالرصيف , وأنسحج وجهها , فتلطخ بالدم والتراب . حاولت المرأة ان تقوم , فضربها أحدهم على رأسها بخشبة عتية , بأطرافها مسامير فترنحت المرأة وسقطت من فورها على ظهرها أمامى , والدم يتفجر من أنفها وفمها , ويلطخ ثوبها . عند سقوطها أمامى صرخت من هول المفاجأة فقد عرفتها .. هى لم تعرفنى , فقد كانت تنتفض وهى تلفظ اخر انفاسها وهكذا ماتت أوكتافيا يوم الهول , تحت أقدامى من دون ان ترانى .
رجعت خطوات حتى ألتصق ظهرى بجدار بيت قديم , لم أستطع انتزاع عينى عن جثة أوكتافيا التى اهاجت دماؤها الصخب , فاشتدت بجند الرب تلك الحمى التى تتملك الذئاب حين توقع صيداً . صارت عيونهم الجاحظة مثل عيون المسعورين , وهاجت بواطنهم طلبا لمزيد من الدم والإفتراس , تجمعوا فوق هيباتيا , حين وقف بطرس ليلتقط انفاسة أمتدت الى يدها يد مازعة , ثم امتدت اياد اخرى الى صدر ردائها الحريرى الذى تهرأ , واتسخ بالدماء والتراب , أمسكوا برداء الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدة المباغتة , لكنة سرعان ما عاد واستعاد توازنة , ومضى يجر ذبيحتة , ومن ورائة انحنى اتباعة محاولين اقتناص رداء هيباتيا ..
هيباتيا .. استاذة الزمان .. النقية .. القديسة ..
التى عانت الام الشهيد وفاقت بعذابها كل عذاب
على ناصية الطريق الممتد بحذاء البحر صاحت عجوز شمطاء
وهى تلوح بصليب , أسحلوا العاهرة
وكأن العجوز نطقت بأمر إلهى
توقف بطرس فجأة , وتوقف اتباعة , ثم تصايحوا بصرخات مجلجلة , تركت جثة أوكتافيا ورائى , ولحقت بهم مبهوتاً , املا ان تفلت هيباتيا من ايديهم , او يأتى جنود الحاكم فيخلصوها منهم أو تقع معجزة من السماء .. أو ..
كنت غير بعيد عنهم وغير قريب , فرأيت نتيجة ما أوحت بة المرأة الشمطاء .. رأيت .. انهالت الايدى على ثوب هيباتيا فمزعتة .. الرداء الحريرى تنازعوة حتى انتزعوة عن جسمها , ومن بعدة انتزعوا ما تحتة من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام . كانوا يلتزون بنهش القطع الداخلية ويصرخون , وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس : أسحلوها
وكانت هيباتيا تصرخ يا اهل الاسكندرية !
وكان البعيدون عن الوصول الى جسمها , يصرخون , العاهرة , الساحرة ! .. وحدى أنا , كنت صامتاً
صارت هيباتيا عارية تماماً ومتكومة حول عريها تماماً
ويائسة من الخلاص تماماً
ومهانة تماماً
لا اعرف من اين اتوا بالحبل الخشن الذى لفوة حول معصمها وأرخوة لمترين أو ثلاثة , ثم راحوا يجرونها بة وهى معلقة من معصمها .. وهكذا عرفت يومها معنى كلمة السحل التى أوحت بة المرأة الى بطرس القارىء واتباعة .
شوارع الإسكندرية تفترشها بلاطات حجرية متجاورة , تحمى الطرقات أيام الشتاء من توحل الأرض بسبب المطر . البلاطات متجاورة لكنها غير متلاحمة , وحوافها حادة بفعل طبيعتها الصلبة , فإذا جر عليها أى شىء مزقنة وإن كان ذا قشر قشرتة , وإن كان إنساناً كشطتة .. وهكذا سحلوا هيباتيا المعلقة بحبلهم الخشن الممدة على الأرض , حتى تسحج جلدها وتقرح لحمها .
وسط الصخور المتناثرة عند حافة الميناء الشرقى , خلف كنيسة قيصرون التى كانت فى السابق معبداً , ثم صارت بيتاً للرب يقرأ فية بطرس الأنجيل كل يوم !
كانت هناك كومة من أصداف البحر . لم أر أول من ألتقط منها واحدة , وجاء بها نحو هيباتيا , فاللذين رأيتهم كانوا كثيرين . كلهم أمسكوا الصدف , وأنهالوا على فريستهم .. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها ..
علا صراخها حتى ترددت أصداؤة
فى سماء العاصمة التعيسة
عاصمة الله العظمى , عاصمة الملح والقسوة
الذئاب انتزعوا الحبل من يد بطرس وهم يتصايحون , وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة , بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرىء . عند بوابة المعبد المهجور الذى بطرف الحى الملكى البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب , وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار علا اللهب , وتطاير الشرر ..
وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء
حيث كان الله والملائكة والشيطان يشاهدون ما يجرى
ولا يفعلان شيئاً
المصادر :
قصة الحضارة / قيصر والمسيح : ول ديورانت
هيباشيا السكندرية : بقلم مارى إيلين ويث
الوثنية والمسيحية : ألكسندر كرافتشوك
رواية عزازيل : يوسف زيدان
الثورة الفرنسية : حسن جلال
شبكة الإنترنت
نقلا عن مدونة "هرطقة".
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
-
رقم العضوية : 1117
تاريخ التسجيل : 26 - 6 - 2009
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 41
المشاركات : 857
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 10
معدل تقييم المستوى
: 16
(هيباتيا) ... الفيلسوفة الإغريقية التي أثارت شجون الأدب والفن في العصر الحديث
الاحد27-9-2009
بيانكا ماضيّة
إن رواية "عزازيل" للكاتب د. يوسف زيدان، هذه الرواية التاريخية الفلسفية التي تعد حقاً من روائع الأدب العربي، الرواية الممتعة التي تذوب فيها الخيوط الواهية بين الحقيقة والخيال، تعد عملاً روائياً ضخماً،
تنطلق من التأريخ والتوثيق لتخلق فضاء من الحكايات والأوهام والأخيلة، في سعي صاحبها إلى سرد التاريخ ومحاكمته وقراءته عبر رؤية نقدية معاصرة، وقد استغرق زيدان في العمل عليها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى نال جائزة البوكر العربية للعام 2009 بعد أن أثارت من الجدل والحوار ما أثارته في مصر، وبعد أن دخلت مناطق شائكة في السياسة والدين والأخلاق، فالجدل الذي حازت عليه لم تحصل عليه أي رواية في العصر الحديث، وقد نفدت منها ست طبعات كاملة في إقبال غير مسبوق على فن الرواية في العالم العربي.
رواية "عزازيل" قسمها د. زيدان إلى ثلاثين رقّاً بحسب عدد اللفائف (الرقوق) التي اكتشفت في الخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الشمال الغربي من مدينة حلب (كما تقول مقدمة المترجم في الرواية).
بعد أن قرأت هذه الرواية، توقفت عند الرِّق التاسع وهو الذي عنونه زيدان بـ (شقيقة يسوع) لأتمعّن في قصة مقتل "هيباتيا" hypatia التي وردت في هذا الرِّق، وقد صوّر زيدان هذا المشهد على لسان الراهب هيبا بمنتهى التأثير، حيث القسوة والوحشية من الذين قتلوها وسحلوها على أرض شوارع الإسكندرية، ويقصد بطرس القارئ الذي خرج من كنيسة الإسكندرية بعد أن سمع عظة البابا كيرلس وهو يدعو إلى تطهير أرض الإسكندرية من أعداء الرب، مشيراً في ثنايا حديثه _ أي البابا كيرلس- إلى أن " أذيال الوثنيين الأنجاس، مازالت تثير غبار الفتن في ديارنا، إنهم يعيثون حولنا فساداً وهرطقة، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لايعرفون، ويلعبون في مواطن الجد ليشوهوا إيمانكم القويم" .
ذلك أن الرواية ترتكز على أحداث تاريخية حقيقية وموثقة عن فترة الصراعات المذهبية بين كنيسة الإسكندرية ككنيسة حافظت على الدوام على أسس العقيدة المسيحية وبين المنتمين إلى عقائد مسيحية أخرى كالنسطورية والآريوسية والذين تعدهم كنيسة الإسكندرية من المهرطقين المحرفين لأصول العقيدة المسيحية، فقد كان الخلاف بينها آنذاك قائماً على طبيعة السيد المسيح وطبيعة أمه السيدة العذراء.
وبغض النظر عن الخلافات التي سبقت وتوالت بعد فوز الرواية، من قبل الكنيسة القبطية في الإسكندرية، فإن مشهد مقتل هيباتيا الذي احتوى أيضاً مقتل "أوكتافيا" المرأة الوثنية التي أغوت الراهب "هيبا" وأحبّته، كان من أشد مشاهد الرواية تأثيراً في النفس، لما فيه من قسوة وبطش وتنكيل بجسد هذه الفيلسوفة، وقد استغرق هذا الوصف في الرواية ست صفحات منها.
يقول الراهب هيبا في "عزازيل" واصفاً هذا المشهد بالقول: "تجمعوا فوق هيباتيا، حين وقف بطرس ليلتقط أنفاسه. امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أياد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرّأ، واتسخ بالدماء والتراب.. أمسكوا بإطار الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع، وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدّة المباغتة، لكنه سرعان ماعاد واستعاد توازنه، ومضى يجر ذبيحته، ومن ورائه انحنى أتباعه محاولين اقتناص رداء هيباتيا .. هيباتيا .. أستاذة الزمان .. النقية .. المقدسة .. الربة التي عانت آلام الشهيد، وفاقت بعذابها كل عذاب" إلى أن يقول وهو يصور سماعه صرخة امرأة عجوز شمطاء بأن يسحلوها: "انهالت الأيدي على ثوب هيباتيا فمزّعته.. الرداء الحريري تنازعوه حتى انتزعوه عن جسمها، ومن بعده انتزعوا ماتحته من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام. كانوا يلتذّون بنهش القطع الداخلية ويصرخون، وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس:اسحلوها!" ثم يصف لنا سحلها فوق شوارع الإسكندرية وتقشير جلدها بالأصداف، ومن ثم حرقها قائلاً: " كانت هناك كومة من أصداف البحر. لم أر أول من التقط منها واحدة، وجاء بها نحو هيباتيا، فالذين رأيتهم كانوا كثيرين. كلهم أمسكوا الصدف، وانهالوا على فريستهم.. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها.. علا صراخها حتى ترددت أصداؤه في سماء العاصمة التعيسة، عاصمة الله العظمى، عاصمة الملح والقسوة". إلى أن يقول "وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة، بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرئ. عند بوابة المعبد المهجور الذي بطرف الحي الملكي البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب، وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار.. علا اللهب، وتطاير الشرر .. وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء".
إن هذا المشهد المؤثر الذي احتوته صفحات "عزازيل" وهذه الشخصية المرموقة لعالمة فيلسوفة انتهت نهاية مأساوية، كغيرها من العلماء والفلاسفة الذين كانت نظرياتهم وأفكارهم وتعاليمهم تخالف ماكان معتقداً في أزمانهم، جعلاني أبحث عما ورد عنها، فهي تلك الفيلسوفة الإسكندرانية الإغريقية التي كانت أول عالمة في التاريخ الإنساني، فـ "هيباتيا" نشأت وتثقفت في مصر، هي أستاذة الزمان (كما جاء في "عزازيل") وبعد مقتلها لم يظهر اسم عالم فرد في تاريخ العلم الإنساني طيلة خمسة قرون.
وُلدت في عام 370 بعد الميلاد، وعاشت إبان العهد الروماني مع بداية انتشار الدين المسيحي في العالم، وهي ابنة الفيلسوف الفيثاغوري ثيون الذي نشأ بدوره فى مصر وتعلم بها، وكان آخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم" الذي كان إما ملاصقاً لمكتبة الإسكندرية أو بداخلها.
ازدادت شهرة "هيباتيا" في مجالات العلم والفلسفة، فقد كانت عالمة رياضيات ومنطق وفلك، عرفت بدفاعها عن "مبدأ العلم ضد الدين".
يقول عنها معاصرها المؤرخ المسيحي سقراط: "هي من الصفوة نشأة وثقافة وقد استثمرت مواهبها الخارقة في الاستزادة من العلم، فأحرزت في العلوم سبقاً فاقت به كل فلاسفة عصرها، وقد توج هذا السبق بشرف آخر، أنها كانت رئيسة جامعة الإسكندرية، وقد شغلت هذا المنصب عن جدارة، حتى اجتذبت شهرتها إليها عدداً لا يحصى من طلاب الحياة العقلية من مصر وخارج مصر، وبحكم منصبها كانت على صلة بكثير من الرجال، ولكن ذلك لم ينل في شيء من طهرها وعفتها، فظلت فوق الريبة والشك من أعدائها وأصدقائها على السواء، ولكنها كانت وثنية، فكان المتعصبون من المسيحيين يحنقون عليها ويرونها العقبة الكأداء فى سبيل انتشار المسيحية".
ويقول كارل ساجان صاحب كتاب الكون عن هيباتيا "إنها آخر بريق لشعاع علم بزخ من الإسكندرية".
بينما يقول عنها إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز : "هذه العذراء.. صاحبة الجمال الأسطوري كانت في منتهى التواضع على الرغم من جمالها، وعلمها، وشهرتها!".
فهي إذن صاحبة رصانة وجمال، وقد وصفها الراهب هيبا بطل رواية "عزازيل" وصفاً جميلاً بقوله : "هيباتيا .. أكاد إذ أكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت على منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوماً ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال.. في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل مايحف بالآلهة من بهاء".
وحول هذه الفيلسوفة العالمة قدم رائد الدراسات المقارنة الدكتور محمد غنيمي هلال رسالة بالفرنسية إلى جامعة السوربون سنة 1952 بعنوان (موضوع هيباتيا فى الأدبين الفرنسي والإنجليزي من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين) – حسبما أشار الدكتور أحمد درويش في موقع الشروق المصري - وفي هذه الرسالة إشارات إلى آراء قس مسيحي يدعى سيزنيوس، وكان تلميذاً لهيباتيا، ويعمل في ليبيا، واحتفظ التاريخ ببعض رسائله المليئة بالتقدير لهيباتيا، ومن الكتابات التاريخية القديمة التي كانت مصدراً لما أثاره كتاب عصر النهضة حول شخصية (هيباتيا) كتابات المؤرخ جاك باسناج (1623 - 1725) التي كانت مصدراً من مصادر كتابات فولتير عنها، إلا أن الكتابات الأوروبية الأدبية الخالصة عن هيباتيا بدأت في القرن الثامن عشر، إذ طبع الكاتب الإنجليزي جون تولاند (1620 - 1722) عام 1720 كتاباً عن تاريخ هيباتيا، ويقول فيه عنها: "حسب النساء اعتداداً بقيمتهن، أن تكون من بينهن امرأة مثلها في تلك الدرجة من الكمال.. ولديهن من بواعث الفخر والاعتداء بقيمتهن أكثر مما لدى الرجال من بواعث الخجل والعار أن يكون من بينهم متوحش لا يرق لمثل هذا الجمال وذلك الطهر، وذلك العلم الرحيب الآفاق".
وكذلك كتب موريس باور روايته (البطولة الفائقة) عن هيباتيا سنة 1852، ولم يهمل الإشارة إليها أي كاتب كتب عن الإسكندرية القديمة.
كما كتب القس البروتستانتي الإنجليزي "كنجسلي" رواية (هيباتيا) التي حاول فيها تبرئة البابا كيرلس من تهمة قتل هيباتيا لكنه في نفس الوقت يرسم صورة رائعة لهيباتيا، تعد من أجمل ما كتب عنها في أدبيات عصر النهضة – كما يقول الدكتور درويش – إذ يقول "كنجسلي" فيها:
" على كرسي صغير أمام منضدة فوقها مخطوطة، كانت تقرأ امرأة في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها، كأنها الإلهة الوصية على هذا المعبد الصغير، ملابسها في انسجام تام من بساطة الحجرة، ومع أثاثها الكلاسيكي في ثوب قديم يوناني الطراز، أبيض كالثلج يتدلى حتى قدميها، ويصل حتى أعلى عنقها، ملابسها خالية من كل حلية سوى عصابتين أرجوانيتين دون الجبهة، وحذاء ذهبي مزركش في قدميها، وشبكة ذهبية تمسك بشعرها من الأمام والخلف.. وذلك الشعر الذي يشبه آلهة أثينا نفسها في لونه وغزارته وتموجه، ويبدو في عينيها الرماديتين حزن عميق، وعلى شفتيها الحادتين المقوستين، فيض من الوعي المقهور.. تدرس وتقرأ وتدون ملحوظاتها حتى ليحسها الرائي، إحدى صور الآثار القديمة البارزة".
وقد قرأت مؤخراً خبراً عن صدور رواية جديدة عن دار حرية الفكر العربي بمصر، بطلتها (هيباتيا) بعد النجاح الكبير لرواية يوسف زيدان "عزازيل" .
وكذلك احتفت السينما العالمية بقصة هذه الفيلسوفة، ففي مهرجان كان 2009 تم عرض فيلم (أغورا) للمخرج الإسباني اليخاندرو امينابار، معيدًا الالتفات إلى مصر في القرن الخامس بعد الميلاد بهذا الفيلم الذي تناول التطرف الديني ودعا إلى التسامح. حيث ركّز الفيلم الذي تجري أحداثه في الإسكندرية في أواخر أيام الإمبراطورية الرومانية على الصراع الدامي الذي دارت رحاه بين الوثنيين واليهود من جهة؛ والمسيحيين الذين تمكنوا من تولي السلطة تدريجيًّا في منطقة البحر المتوسط. وينطلق الفيلم مع مشهد تدمير المسيحيين واليهود لمكتبة الإسكندرية الثانية. أما مكتبة الإسكندرية الأولى فقد دمرها يوليوس قيصر.
ويتطرق امينابار إلى تلك الحقبة المتوترة حيث انتفى توازن القوى بين الطوائف الدينية من خلال سرد سيرة الفيلسوفة هيباتيا.
والمعروف أن هيباتيا عالمة فلك أيضا، وضعتها أبحاثها حول النظام الشمسي في مواجهة مع الكنيسة، قبل ألف سنة على اكتشافات غاليليوس. وتؤدي الممثلة البريطانية "ريتشل فايس" دور هيباتيا المرأة الوحيدة وسط عالم ذكوري، التي تتعرض للاضطهاد لأن أبحاثها العلمية تشكك في الإيمان المسيحي، حيث في تلك الفترة كانت المدينة غارقة في مواجهات دموية بين الطوائف الدينية وتشهد عمليات رجم ومذابح. وانتهى الأمر بانتصار المسيحيين الذين وضعوا حدًّا لإرث العصور القديمة الذي تدافع عنه هيباتيا.
كانت "هيباتيا" أولى شهيدات الحكمة والفلسفة، كما أنها ساهمت في تأليف شرح كتاب SYNTAXIS لبطليموس إلى جانب أبيها ثيون الذي أقر ذلك في كتابه هذا، إلا أنه لمن المؤسف أن لم يبق من مؤلفاتها شيء.
كانت عالمة رياضيات وفلك في الأصل، ثم انتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وتعتبر أفلاطون أستاذها ومعلمها، وقد عينت أستاذة ومدرسة الفلسفة وهي لم تتعد الخامسة والعشرين من العمر، وبلغ من حبها للفلسفة أنها كانت تقف في الشوارع وتشرح لكل من يسألها النقاط الصعبة في كتب أفلاطون وأرسطو.
هذه الشخصية الفريدة في عصرها، شهيدة الحكمة والفلسفة، وهذا الحدث التاريخي في مصر، جعلا الكثيرين يفكرون في توظيفهما فنياً (روائياً وسينمائياً) على الرغم مما أثارته في القرن الخامس الميلادي أو في القرن الحادي والعشرين. ولكن ماهي دلالاته ولماذا تم توظيفه الآن؟ لاشك في أن للموضوع دلالة أعمق مما كتبه زيدان، فلم يكن يقصد زيدان بطرس القارئ بعينه أو البابا كيرلس بذاته في هذه الرواية، أو كل شخصية عنيفة في الرواية، وإنما هو قدم نماذج من طائفة ليشير إلى مفهوم التعصب والعنف الذي يتحول إلى إرهاب، ذلك أن المبدأ في خطاب العنف واحد في كل العصور والأزمنة، ونتائجه متشابهة في كل الديانات والعقائد، وما أصاب الكثيرين من قتل وحشي وتنكيل وتعذيب وقتل وذبح، إن في ذاك الزمان أو غيره، لا يختلف في جوهره، فآليات الخطاب واحدة، ومفرداته متشابهة متقاربة.
http://jamahir.alwehda.gov.sy/_View_...20090926200418
|
|
المفضلات