ويصل النظام التربوي إلى قمته أو هوته في ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث تصبح الكفاءة الأساسية هي الكفاءة في تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة. وعلى مستوى الجامعة يقوم الأستاذ بإملاء محاضراته فيدوِّنها الطلبة بكفاءة عالية، ثم تتطور الأمور فيطبع الأساتذة محاضراتهم فيما يُسمَّى «المذكرات الجامعية» فيقوم الطلبة بحفظها ويقوم الأساتذة بجَمْع "فائض القيمة". وتدور العملية التربوية بأسرها حول الامتحانات: أي كفاءة تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة وكفاءة كتابتها في بساطة ووضوح ودقة في ورقة الامتحانات في أسرع وقت! وتدريجياً تصبح القضية التربوية الأساسية هي الأرباح التي يتقاضاها المدرسون عن دروسهم الخصوصية والأساتذة عن مذكراتهم الجامعية. ويطالب بعض "المصلحين" بضرب هذه العملية الاستغلالية عن طريق تنظيم مجموعات في المدارس وعن طريق دعم الكتاب الجامعي، ويسقط الجميع في الموضوعية المتلقية حيث يصبح المعلم شيئاً مسيطراً ويصبح الطالب شيئاً مذعناً، ويتحرك الجميع داخل إطار جامد لا يؤدي إلى أية تحولات فكرية أو إثراء فكري أو معرفة جديدة، فما يُعرَف هو عادةً مجموعة من الحقائق المتناثرة (البسيطة الواضحة الدقيقة) التي ينساها الطالب بعد الامتحان ويصبح عقله مرة أخرى صفحة بيضاء من غير سوء، ويضمر الإبداع وتضيع الحقيقة. ولحسن الحظ فإن كثيراً من الباحثين الأذكياء يفلتون من قبضة هذه النماذج، ولكن هناك العديد أيضاً ممن يسقطون صرعى لها، فيسقطون الإبداع والخيال والمقدرة على التفكيك والتركيب ويراكمون المعلومات بشكل موضوعي متلق، محايد بارد. وترتبط هذه القضية ارتباطاً وثيقاً بمشكلة الموضوعية والذاتية في العلوم الإنسانية.
المفضلات