|
-
رقم العضوية : 4701
تاريخ التسجيل : 31 - 7 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 744
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 11
البلد : مصر بعد 25 يناير
الاهتمام : الانترنت
معدل تقييم المستوى
: 14
الشبهة المائتان خمسة و سبعون (275):
- لقد أثبت القرآن أن نبيكم حاول الانتحار, فقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] والغريب أنه يحرم الانتحار, كما جاء فى حديثه عن الله: ((عبدى بادرنى بنفسه, حرمت عليه الجنة)) [صحيح الجامع:2082]
الرد:
- إن السائل قد فهم الآيتين فهماً خاطئاً, فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحاول الانتحار, ولكنه كان مغموماً أشد الغم, وحزيناً أشد الحزن على عدم إيمانهم, لحرصه عليهم, حتى كاد غمه وحزنه أن يقتله, فخفف الله عنه بهاتين الآيتين, وكأنه يقول له: هون عليك يا محمد, فإن حزنك عليهم سيقتلك, والأمر ليس بيدك {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] ولِمَ لا يحزن عليهم, وهو الذى أرسله ربه {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وقال عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]؟ فليس غريباً عليه أن يكون بمثل هذه الرحمة والشفقة, وخصوصاً أنه رأى النار على حقيقتها فى ليلة المعراج, فازداد وجْده عليهم, فقد رأى بعينيه مصيرهم لو ماتوا على ذلك, كما ثبت عنه أنه دعا أبا جهل للإسلام أكثر من مائة مرة, وأنه تخشَّع لعمه أبى طالب يقول له: ((يا عمِّ قل لا إله إلا الله, كلمة أشهد لك بها عند الله)) [متفق عليه] والحديث عن رحمته - صلى الله عليه وسلم - لا ينتهى, فليس غريباً على صاحب هذه الرحمة العظيمة أن يكون حزنه عليهم عظيماً, حتى كاد حزنه أن يقتله. وليس أَدَلّ على شدة حرصه على هداية قومه مما نعرفه من سيرته المطهرة, من احتمال الأذى والضرب والسب, كما حدث عندما ذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام, فأغروا به سفهاءهم وغلمانهم, فضربوه بالحجارة حتى أدْمَوا قدميه الشريفتين, قأرسل الله إليه جبريل - عليه السلام - كما جاء ذلك فى حديثه - صلى الله عليه وسلم - مع السيدة عائشة, رضى الله عنها: ((لقد لقيتُ من قومك, وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة, إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال, فلم يجبنى إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهى, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب, فرفعت رأسى, فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى, فنظرت فإذا فيها جبريل, فنادانى فقال: إن الله قد سمع كلام قومك لك وما ردُّوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, فنادانى ملك الجبال فسلَّم علىَّ, ثم قال يا محمد! فقال ذلك فما شئتَ, إن شئتَ أطبق عليهم الأخشبَيْن, قلت: بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) [صحيح الجامع:5141], والله أعلم.
الشبهة المائتان ستة و سبعون (276):
- إن القرآن ينص على أن محمداً لم يكن أباً لأحد من الرجال, فيقول: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] ولكن السيرة تقطع بأنه أنجب ثلاثة ذكور.
الرد:
- إن هذه الآية نزلت لتنفى أبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسيدنا زيد بن حارثة - رضي الله عنه - أو غيره, ثم إنها صحيحة من وجه آخر, وهو أن هؤلاء الذكور الذين أنجبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ أحد منهم الحُلُم, فقد ماتوا جميعاً وهم أطفال, أى أنه لم يصل أحد منهم إلى سن الرجولة, ولو أن الله سبحانه وتعالى قال (ما كان محمد أبا أحد من أطفالكم) أو (أولادكم) لكان حجة لكم, والله أعلم.
الشبهة المائتان سبعة و سبعون (277):
- يزعم القرآن أن كل ما ينطق به نبيكم إنما هو من الوحى, فيقول: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] فى حين أنه مر على قوم يلقِّحون النخل, فقال لهم: ((لو لم تفعلوا لصَلُحَ)) فخرج شيصاً, أى جافاً لا يصلح للطعام.
الرد:
- إن هذه الآية الكريمة تنطبق على الأمور الشرعية, وليست على الأمور الدنيوية, فهل يُعقل أن كل كلمة ينطقها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكون وحياً, ويحرم عليه نطق غيرها؟ إن هذا لفهم قاصر, وهل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وارأساه)) حين شعر بالصداع كان وحياً؟ وهل ملاطفته لزوجاته - رضى الله عنهن - كما كان يقول للسيدة عائشة: ((يا عائِش)) كانت وحياً؟ وهل لو قال على سبيل المثال: أنا جائع, أو أنا عطشان, تكون وحياً؟ إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين مرّ على هؤلاء القوم, ووجدهم يلقحون النخل, فقال لهم مقالته تلك, كان ذلك مجرد رأى شخصى, وليس وحياً, بدليل أنه قال لهم بعدها: ((إذا كان شىء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به, وإذا كان شىء من أمر دينكم فإلىَّ)) [صحيح الجامع:767]
أمّا عندكم فالأمر أشد, لأنكم تزعمون أن المسيح هو الله أو ابن الله, فى حين أنه لا يعلم متى تُخرِجُ شجرة التين ثمرها: وفى الغد لما خرجوا من بيت عِنيا جاع. فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعلَّه يجد فيها شيئاً فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً. لأنه لم يكن وقت التين. (مرقس11: 12-13) ونلاحظ أنه لم يعلم بحالها إلا بعد أن اقترب منها, فهل هذا علم الإله عندكم؟, والله أعلم.
-
رقم العضوية : 4701
تاريخ التسجيل : 31 - 7 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 744
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 11
البلد : مصر بعد 25 يناير
الاهتمام : الانترنت
معدل تقييم المستوى
: 14
الشبهة المائتان ثمانية و سبعون (278):
- إن نبيكم كان يباشر زوجاته أثناء الحيض, مع أن هذا يتعارض مع قول كتابكم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة:222] وكان يقرأ القرآن فى حجر عائشة وهى حائض.
الرد:
- ورد فى الصحيحين من حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية - رضى الله عنها - قالت: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه, أمرها فاتَّزرت وهى حائض. ولها عن عائشة نحوه. وروى الإمام أحمد وأبو داوود والترمذى وابن ماجه, عن عبد الله بن سعد الأنصارى - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل لى من امرأتى وهى حائض؟ فقال: ((ما فوق الإزار)) وروى ابن جرير أن مسروقاً ذهب إلى عائشة - رضى الله عنها - فقال: السلام على النبى وعلى أهله, فقالت عائشة: مرحباً مرحباً, فأذنوا له فدخل, فقال: إنى أريد أن أسألك عن شىء وأنا أستحى, فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابنى, فقال: ما للرجل من امرأته وهى حائض؟ فقالت له: كل شىء إلا الجماع, وفى رواية: ما فوق الإزار.
لقد فهم أعداء الإسلام أن المباشرة هى الجماع, مع أن هذا فيه مغالطة كبيرة, إذ كيف يتم الجماع مع الاتزار؟ إن المباشرة المنهى عنها فى الآية الكريمة هى الجماع, أما ما دون ذلك فهو حلال بالإجماع. أما قراءته القرآن فى حجر السيدة عائشة - رضى الله عنها - فقد روى البخارى عن عائشة أنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنى فأغسل رأسه وأنا حائض, وكان يتكئ فى حجرى وأنا حائض فيقرأ القرأن) فأى عيب فى هذا؟ لقد كان الأوْلى أن يُعَد هذا من الفضائل, بدلاً من جعله من الرذائل.
إن المرأة فى الإسلام مُكرَّمَة, لا ينجسها حيضها, ولا نفاسها, لعموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن لا ينجُس)) [صحيح الجامع:1933] بعكس ما جاء فى الكتاب المقدس من اعتبار الحائض والمستحاضة نجسة, هى وكل ما تلمسه أو يلمسها, بدليل قوله: وإذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دماً فى لحمها فسبعة أيام تكون فى طمثها وكل من مسها يكون نجساً إلى المساء. وكل ما تضطجع عليه فى طمثها يكون نجساً وكل ما تجلس عليه يكون نجساً. وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. وكل من مس متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً الى المساء. وإن كان على الفراش أو المتاع الذى هى جالسة عليه عندما يمسه يكون نجساً الى المساء. وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجساً سبعة أيام. وكل فراش يضطجع عليه يكون نجساً. وإذا كانت امرأة يسيل دمها أياماً كثيرة فى غير وقت طمثها أو إذا سال بعد طمثها فتكون كل أيام سيلان نجاستها كما فى أيام طمثها. إنها نجسة. كل فراش تضطجع عليه كل أيام سيلها يكون لها كفراش طمثها. وكل الأمتعة التى تجلس عليها تكون نجسة كنجاسة طمثها. وكل من مسهن يكون نجساً فيغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً الى المساء (لاويين15: 19-27) وقد ذكرنا أن الحائض عندهم مذنبة, ولابد أن تكفر عن خطيئتها, فى الرد على الشبهة رقم (71)
ونَودّ هاهنا أن نذكِّر الذين يعيبون على نبينا - صلى الله عليه وسلم - مباشرته لزوجاته (رضى الله عنهن) أثناء الحيض, بما جاء فى كتابهم المقدس عن نبى الله داود - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وهو منه بَراء: وشاخ الملك داود. تقدم فى الأيام. وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ. فقال له عبيده ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنة ولتضطجع فى حضنك فيدفأ سيدنا الملك. ففتشوا على فتاة جميلة فى جميع تخوم إسرائيل فوجدوا أبيشج الشونمية فجاءوا بها إلى الملك. وكانت الفتاة جميلة جداً فكانت حاضنة الملك وكانت تخدمه ولكن الملك لم يعرفها (الملوك الأول1: 1-4) فهل التدفئة لا تتم إلا باحتضان الفتيات الجميلات الْمُحرَّمات؟, والله أعلم.
الشبهة المائتان تسعة و سبعون (279):
- لقد قاتل نبيكم فى الشهر الحرام, رغم نهى القرآن عن ذلك فى قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة:217]
الرد:
- إن المسلمين جميعاً, وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هم أحفظ الناس لحرمة الأشهر الحرم, وعدم القتال فيها, واعتبار القتال فيها حدثًا كبيراً, وكأنه كبيرة من الكبائر. ولكن ماذا يفعل المسلمون إذا ما وُوجِهُوا من المشركين بالقتال, والعدوان على الأنفس والأموال والأعراض؟ بل ماذا يفعلون إذا فوجئوا بمن يخرجهم من المسجد الحرام, وهم أهله, وأوْلى الناس به؟ إن قانون (الدفع الحضارى) الذى يقرّه القرآن الكريم لحماية الأرض من الفساد، ثم لحماية بيوت العبادة, سواء كانت للمسلمين, أو اليهود, أو النصارى، والذى عبر عنه القرآن بقوله: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:251] وقوله: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج:40] هذا القانون هو الذى يحمى الأرض والناس - بأمر الله - من إفساد المتجبرين, وظلم الظالمين, وليس قانون (من ضربك على خدك الأيمن فأدِرْ له خدك الأيسر) وذلك على أساس أن من يمكِّن الله لهم فى الأرض - بما يمنحهم من القوة والثروة والعلم - يجب أن يكونوا صالحين ومصلحين. بمعنى ألا يستخدموا قوتهم وثروتهم وعلمهم فى الطغيان والظلم والإفساد, وإيثار ملذاتهم وشهواتهم, ولكن فى إقامة شرع الله, ورفع الظلم عن المظلومين, وإشاعة الحق والعدل بين العالمين {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] ولأن إقرار حقوق عباد الله فى أرضه, وحماية المستضعفين من بطش المتجبرين, لا يقل حرمة عند الله من حرمة الأشهر الحرم, فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلِموا من المسلمين, ومن فُتِنوا فى دينهم, وأُخرجوا من ديارهم ظلماً وعدواناً, وهذا ما تقرره الآية الكريمة التى ذكرت فى السؤال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}, والله أعلم.
الشبهة المائتان و ثمانون (280):
- يزعم القرآن أن الأنصار كانوا مثلاً أعلى يُحتَذَى, فيقول: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] إذن فلماذا انقلبوا على نبيهم فى تقسيم غنائم حُنَيْن؟
الرد:
- إن الأنصار - رضوان الله عليهم -لم ينقلبوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين, وللإجابة على هذا السؤال, لابد أن نعرف مُلابسات الغزوة. إن سياسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى تقسيم الغنائم لم تُفهَم فى أول الأمر, فقد مكث بالْجُعْرانة بضع عشرة ليلة لا يقسمها, لعل أهل هوازن يأتون إليه تائبين, فيحرزوا ما فقدوا, ولكن لم يأته أحد منهم, فبدأ بقسمة المال, ليرضى المتطلِّعين من رؤساء القبائل وأشراف مكة, فكان المؤلفة قلوبهم أول من أعطى, وحظوا بالأنصبة الكبيرة, فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل, فقال: (وابنى يزيد) فأعطاه مثلها, فقال: (وابنى معاوية) فأعطاه مثلها, وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل, ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها, وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل, ثم مائة (كذا فى الشفاء للقاضى عِياض) وأعطى الحارث بن الحارث بن كِلدة مائة من الإبل, وكذا أعطى رجالاً من رؤساء قريش وغيرها مائة من الإبل, وأعطى آخرين خمسين وأربعين, حتى شاع فى الناس أن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفقر, فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال, حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت رداءه, فقال: ((يا أيها الناس! ردوا علىَّ ردائى, فوالله لو أن لى بعدد شجر تِهامة نَعَماً لقسمته عليكم, ثم لا تلقَوْنى بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً, يا أيها الناس! ليس لى من هذا الفَىْء شىء, ولا هذه الوبرة, إلا الْخُمْس, والخمس مردود فيكم, فأدُّوا الخياط والمخيط, فإن الغلول يكون على أهله عاراً, وناراً, وشناراً يوم القيامة)) [صحيح الجامع:7883] وبعد إعطاء المؤلفة قلوبهم, أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بإحضار الغنائم ثم فرقها عليهم, وكانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة, فإن البشر يحتاجون إلى فنون من الإغراء حتى تستأنس بالإيمان قلوبهم, وهناك أقوام كثيرون يقادون إلى الحق من بطونهم لا من عقولهم, ولم يكن الأنصار - رضوان الله عليهم - يعلمون نيته - صلى الله عليه وسلم - فعتبوا عليه, لأنهم حُرِمُوا جميعاً من هذه المغانم, وهم الذين نودوا وقت الشدة بعدما تفرق عنه الناس, فطاروا يقاتلون معه - صلى الله عليه وسلم - حتى تبدل الفرار فى الغزوة انتصاراً بإذن الله, وهاهم يرون أيدى الفارّين مَلأى, وأيديهم خاوية.
وإليكم ما جاء فى مسند الإمام أحمد رحمه الله: عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال: لما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من تلك العطايا فى قريش وقبائل العرب, ولم يكن فى الأنصار منها شىء, وجد هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم (أى غضبوا) حتى كثرت فيهم القالَة, حتى قال قائلهم: لقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه, فدخل عليه سعد بن عبادة, فقال: يا رسول الله.. إن هذا الحى قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت, قسَمْتَ فى قومك, وأعطيت عطايا فى قبائل العرب, ولم يكن فى هذا الحى من الأنصار شىء, قال: ((فأين أنت من ذلك يا سعد؟)) قال يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومى وما أنا, قال: ((فاجمع لى قومك فى هذه الحظيرة)) قال: فخرج سعد, فجمع الناس فى تلك الحظيرة, قال فجاء رجال من المهاجرين, فتركهم فدخلوا, وجاء آخرون, فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحى من الأنصار, قال: فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو له, ثم قال: ((يا معشر الأنصار مَقالةٌ بلغتنى عنكم وَجْدَةٌ وجدتموها فى أنفسكم, ألم آتِكُم ضُلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم؟)) قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ وأفضلُ, قال: ((ألا تجيبونى؟)) قالوا: وبما نجيبك يا رسول الله, ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟ قال: ((أمَا والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقْتُم وصُدِّقْتُم: أتيتَنا مكذوباً فصدَّقناك, ومخذولاً فنصرناك, وطريداً فآويناك, وعائلاً فأغنيناك, أوجدتم فى أنفسكم يا معشر الأنصار فى لُعاعَة من الدنيا, تألَّفتُ بها قوماً ليُسْلِموا, ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفَلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رحالكم؟ فوالذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنتُ امرأً من الأنصار, ولو سلك الناس شِعباً, وسَلَكَت الأنصار شِعباً, لسلكتُ شِعب الأنصار, اللهم ارحم الأنصار, وأبناء الأنصار, وأبناء أبناء الأنصار)) قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم, وقالوا: رضينا بالله قِسْماً وحظاً, ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرقنا.
يتضح مما سبق أن الأنصار - رضوان الله عليهم - لم يتطاولوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسيئوا معه الأدب, ولكن غاية ما ظنوه وقالوه, إنه لقى قومه بعد فراق دام لعدة سنوات, فأكرمهم بالعطايا, ولم يزيدوا على ذلك, فهم والمهاجرون خِيرَة خلق الله بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم -, فرضى الله عنهم وأرضاهم.
وقد جاء فى الكتاب المقدس عن تلاميذ المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - ما هو أشد بكثير من اعتراض الصحابة - رضوان الله عليهم - على قِسْمَة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -, فقد انتهره بطرس (وهو أكبر تلاميذه) واستكثروا عليه الطِّيب الغالى, وأسلَمَه أحدهم (على حد قولهم) لليهود ليقتلوه, وكان أحدهم سارقاً, وحدثت مشاجرة بين برنابا وبولس:
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره (متى16: 22)
وفيما كان يسوع فى بيت عِنيا فى بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه امرأة معها قارورة طِيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ. فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين لماذا هذا الإتلاف. لأنه كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير ويُعطى للفقراء. فعلم يسوع وقال لهم لماذا تزعجون المرأة فإنها قد عملت بى عملاً حسناً. لأن الفقراء معكم فى كل حين. وأما أنا فلستُ معكم فى كل حين. (متى26: 6-11)
وكان يهوذا مُسَلِّمُهُ يعرف الموضع. لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه. فأخذ يهوذا الْجُنْد وخدّاماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. (يوحنا18: 2-3) رغم أن (يهوذا) كان من الاثنى عشر رسولاً الذين اختارهم المسيح ليكونوا وكلاء عنه فى تبليغ دعوته. وقد كان لِصّاً كما يتضح من النَّص التالى:
ثم قبل الفِصْح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا... فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمَى يسوع ومسحت قدميه بشعرها. فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الإسخريوطى الْمُزْمِعُ أن يُسَلَّمَهُ لماذا لم يُبَع هذا الطِّيب بثلاثمئة دينار ويُعْطَ للفقراء. قال هذا ليس لأنه كان يبالى بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلْقَى فيه. (يوحنا12: 1-6)
ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا لنرجع ونفتقد إخوتنا فى كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب كيف هم. فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضاً يوحنا الذى يُدعَى مرقس. وأما بولس فكان يستحسن أن الذى فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما. فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر. (أعمال الرسل15: 36-39), والله أعلم.
-
رقم العضوية : 4701
تاريخ التسجيل : 31 - 7 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 744
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 11
البلد : مصر بعد 25 يناير
الاهتمام : الانترنت
معدل تقييم المستوى
: 14
الشبهة المائتان واحد و ثمانون (281):
- كيف تقولون إن رسولكم أصيب بالسحر, رغم أن القرآن قال له: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]؟
الرد:
- إن الله سبحانه وتعالى يبتلى أنبياءه ورسله - عليهم الصلاة والسلام - بما يشاء من البلاء، فيزداد بذلك أجرهم، وترتفع درجاتهم, ومن ذلك ابتلاؤهم بتكذيب أقوامهم لهم, وإيذاؤهم لهم ولأتباعهم، كما ابتلى بعضهم بالمرض (كسيدنا أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام) ومن الابتلاء الذى وقع على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أصابه من ذلك السحر، روى البخارى فى صحيحه عن السيدة عائشة - رضى الله عنها - أن رجلاً من (بنى زريق) يقال له (لبيد بن الأعصم) سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان رسول الله يُخيَّل إليه أنه يفعل الشىء وما فعله.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر كسائر البشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الكهف:110] فيجوز أن يصيبه ما يصيبهم من الأوجاع والأمراض, وَتَعَدِّى الخَلْق عليه, وظلمهم إياه, كسائر البشر, إلى غير ذلك مما يتعلق بأمور الدنيا التى لم يُبعَث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها, فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُعصَم من هذه الأمور، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصيبه ما يصيب الرسل من أنواع البلاء, كما حدث فى غزوة أحد وغيرها، فغير بعيد أن يصاب بمرض, أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه, يخيَّل إليه بسببه فى أمور الدنيا ما لا حقيقة له، كأن يخيل إليه أنه وَطِئ زوجاته وهو لم يطأهن. إن السحر مرض من الأمراض, وعارِض من العلل, يجوز عليه كأنواع الأمراض, مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته, وحدث أنه جاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد الصحابه - رضوان الله عليهم - يعوده فى مرضه, قائلاً له: إنك توعك يا رسول الله, فقال: ((إنى أُوعَكُ كما يُوعَك رجلان منكم)) [صحيح الجامع:2455] إلا أن الإصابة بالمرض أو السحر, لا يتجاوز ذلك إلى تلقِّى الوحى عن الله سبحانه وتعالى, ولا إلى البلاغ عن ربه إلى الناس, لقيام الأدلة من الكتاب والسنَّة, وإجماع سلف الأمة, على عصمته - صلى الله عليه وسلم - فى تلقّى الوحى وإبلاغه, وسائر ما يتعلق بشئون الدين. ولقد ظن البعض أن ما أصاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السحر هو نقص وعيب, وليس الأمر كما يظنون, لأن ما وقع له هو من جنس ما كان يعتريه من الأعراض البشرية, كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك، فالأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - يعتريهم من ذلك ما يعترى البشر, كما قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم:11] ولا شك أن إصابة الشيطان للعبد الصالح فى بدنه لا ينفيه القرآن، وقد جاء فيه ما يدل على إمكان وقوعها، ومن ذلك ما دل عليه دعاء سيدنا أيوب, على نبينا وعليه الصلاة والسلام {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:41] ومعلوم أن سيدنا موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - كان من أُولى العزم من الرسل، وقد خُيِّلَ إليه عندما ألقى السحرة عصيهم أنها تسعى {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] فهذا التخيل الذى وقع لسيدنا موسى, يطابق التخيل الذى وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تأثير السحر - كما ذكرنا - لا يمكن أن يصل إلى حد الإخلال فى تلقى الوحى, والعمل به, وتبليغه للناس، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل من ذلك .
إن فى قصة سحر النبى - صلى الله عليه وسلم - الكثير من أدلة نبوته طبقاً للآتى:
أولاً: كيف عرف النبى - صلى الله عليه وسلم - أن الذى سحره هو (لبيد بن الأعصم) وأن السحر موجود فى مكان كذا وكذا لو لم يكن نبياً؟, فالنبى - صلى الله عليه وسلم - هو الذى أرسل أصحابه - رضوان الله عليهم - ليستخرجوا السحر من المكان الذى وُضِعَ فيه, ولكن السائل تعمد ألا يذكر قصة إخبار الملائكة للنبى - صلى الله عليه وسلم - بموضع ومكان السحر.
ثانياً: لقد فك الرسول - صلى الله عليه وسلم - السحر بقراءة المعوذتين, وهذا دليل على أن المعوذتين كلام الله عز وجل, وأن محمداً نبى مُوحىً إليه.
ثالثاً: هذه القصة دليل على كذب المستشرقين الذين قالوا: إن السنَّة النبوية قد وضعها أصحاب محمد ليثبتوا أنه نبى, وأنه كامل فى كل صفاته, فلو كان كلامهم صحيحاً, لكان هذا الحديث أول شىء يحذفونه من السنة, لأنه يُنْقِص من قدر النبى - صلى الله عليه وسلم - (على حد زعمهم) غير أنه فى الحقيقة يدل على نبوته - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا.
والآن نريد أن نسألكم: إذا كنتم تعتقدون أن ما أصاب النبى - صلى الله عليه وسلم - على أيدى اليهود من السحر قَدْح فى نبوته, وطعن فى رسالته, فهل يعنى ذلك أنكم أسقطتم نبوة أنبيائكم الذين اتهمهم كتابكم المقدس بالكفر, والزنى, وشرب الخمر, كما ذكرنا ذلك فى أكثر من موضع؟ وهل ما جاء فى كتابكم المقدس من أن الشيطان تَسَلَّط أربعين يوماً على المسيح قد أسقط نبوَّته؟ إنكم لم تسقطوا نبوَّته فحسب, بل زعمتم أنه الله, أو ابن الله, فهل الله سبحانه وتعالى فى حاجة إلى أن يُجَرَّب من إبليس أو غيره؟
ثم أُصعِدَ يسوع إلى البرية من الروح ليُجرَّب من إبليس. فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً... ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوْقَفَه على جناح الهيكل... ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراهُ جميع ممالك العالم ومجدها (متى4: 1-8)
وكان هناك فى البرية أربعين يوماً يُجرَّب من الشيطان. (مرقس1: 13)
ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين (لوقا4: 13), والله أعلم.
الشبهة المائتان اثنان و ثمانون (282):
- إن نبيكم كان فظاً غليظاً, كما جاء ذلك فى قول النساء لعمر بن الخطاب: (أنت أفَظّ وأغلظ من رسول الله) مع أن هذا يتعارض مع القرآن الذى قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]
الرد:
- إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ألْيَن الناس, وأرفق الناس, وأرحم الناس, ولكن ما حدث هو ما جاء فى (صحيح البخارى) عن محمد بن سعد بن أبى وقاص, عن أبيه (رضى الله عنهما) قال: استأذن عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء من قريش يكلِّمنه, ويستكثرنَه, عالية أصواتهن, فلما استأذن عمر, قُمْنَ يبتدرن الحجاب, فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك, فقال عمر: أضحَكَ اللهُ سِنَّكَ يا رسول الله! قال: ((عجبتُ من هؤلاء اللاتى كُنَّ عندى, فلما سَمِعْن صوتك ابتدرن الحجاب)) قال عمر: يا رسول الله.. كنتَ أحَقَّ أن يَهَبْنَ, ثم قال: أى عدّواتِ أنفسِهن, أتَهَبْننى ولا تَهَبْن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْنَ: نعم, أنت أَفَظّ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(يستكثرْنَه) أى يطلبْنَ منه أن يحث الرجال على زيادة النفقة عليهن, و(قُمْنَ يبتدِرْنَ الحجاب) أى اختبأْن وراء حجاب, خوفاً من سيدنا عمر - رضي الله عنه - لمعرفتهن بشدته فى الحق, لأنه من المتوَقَّع أن يزجرهن, لرفع أصواتهن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
إن الفظاظة والغِلْظة معناهما واحد, وهو القسوة أو الشدة, وكلاهما محمود أحياناً, ومذموم أحياناً أخرى, فإذا كانا فى نُصْرة الحق, ومجاهدة أعداء الله, فهما مطلوبان ومحمودان, : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73] و[التحريم:9] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123] أما إذا كانا فى الدعوة إلى الله, ومعاملة خَلْق الله, فهما مذمومان, : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} فلا تعارُض إذن بين الآية الكريمة, وما جاء من قول النسوة لسيدنا عمر - رضي الله عنه -, فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين اللين والشدة, ولكن لكُلٍّ منهما مقامه, فهو رحيم بالمؤمنين, غليظ على الكافرين, : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128] وقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] وربما قالت النسوة هذه المقولة لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يشتد أحياناً فى الزجر عن طلب الدنيا, وهُنَّ كُنَّ عنده يكلمنه, ويرفعن أصواتهن من أجلها, أما سيدنا عمر - رضي الله عنه - فكان يبالغ فى الزَّجْر عن المنكرات, وكان لا يقبل أى تهاون فى حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو برَفْع الصوت, كما حدث من هؤلاء النسوة. والأرجح أن فى قولهن مَجَازاً عقلياً كما يقول علماء البلاغة, كأن يعبِّر أحدهم, ويبالغ فى التشبيه قائلاً: (هذه أكثر نعومة وليونة من الحرير) فهل الحرير خَشِن؟ وكما تبالغ فى وصف أمانة أحد تعرفه, فتقول: (إنى أثقُ فيه أكثر من نفسى) فهل يعنى ذلك أنك خائن؟, والله أعلم.
الشبهة المائتان ثلاثة و ثمانون (283):
- يقول زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً{5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:5-6] ويقول القرآن عن سليمان: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل:16] مع أن هذا وذاك يتناقض مع قول نبيكم عن نفسه وجميع الأنبياء: ((لا نُورَث, ما تركنا صدقة)) [متفق عليه] أى أن أهليهم لا يرثونهم, وما تركوه يكون صدقة.
الرد:
- إن الميراث الذى جاء ذكره فى الآيتين الكريمتين, ليس ميراثاً دنيوياً, أى أن سيدنا زكريا لم يتمنَّ أن يهبه الله من يَرِث ترِكَته, ولكنه تمنى أن يرزقه الله من يرث نبوَّته, وكذلك فإن سيدنا سليمان لم يرث متاع الدنيا عن أبيه, بل ورث عنه النبوة. أما حديث الرسول - صلى الله عليه و سلم - فمعناه أن ما تركه الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - من متاع الدنيا, فلا يرثه أهليهم, بل يكون صدقة توزع على الفقراء من بعدهم, والله أعلم.
انتهى
و
|
|
المفضلات