حادث الإسكندرية قتل نهى الله عنه
دكتور محمد هشام راغب
استيقظنا صباح أول أيام العام الجديد على أخبار مؤلمة بوقوع انفجار أمام كنيسة بالإسكندرية أدى إلى قتل وإصابة العشرات من الأبرياء. هذا العمل الإرهابي سيخضع لتحليلات سياسية وأمنية لها أهلها المختصون بها، والذي يعنينا هنا هو التعرف على موقف الشرع من هذا العمل في حالة إذا ما ثبت أن من قام به كانت وراءه دوافع دينية. وهذا لا يعنى استباق نتائج التحقيق ولكن هذا لبيان الحق وعدم تأخيره عن وقت الضرورة.
أولا : حكم الشرع
تمنع الشريعة الإسلامية الاعتداء على الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وغير المحاربين حتى لو كانت الحرب قائمة بين المسلمين وغيرهم. بل حتى العمال والأجراء الذين يكونون في ساحة القتال وأعمالهم ليس لها علاقة مباشرة بالقتال فلا يقتلون ولا نتعرض لهم ، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن رباح بن الربيع –رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين فبعث رجلاً فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل! فقال – صلى الله عليه وسلم-: ما كانت هذه لتقاتل! قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال : فبعث رجلاً فقال: ( قل لخالد : لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً).
والعسيف معناه الأجير ، فالعمال الأجراء حتى لو حضروا المعركة لا يجوز قتالهم إذا كانت أعمالهم لا تتصل بالقتال مباشرة. فكيف بغيرهم ممن لم يحضر قتالا بل من مواطني بلاد المسلمين المستأمنين ؟. إن الدماء البريئة التي سالت في الإسكندرية صباح اليوم دماء حرام وسفكها ولا شك من القتل الذي نهى الله عنه وتوعد فاعله بأشد العذاب.
و في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهى عن قتل النساء والصبيان .
ثانيا : من تقدير المفاسد والمصالح
إن قواعد الشرع العامة قائمة على دفع أعظم المفسدتين وجلب أكبر المصلحتين، وبالنظر إلى مثل هذه الأحداث نرى مفاسد شديدة جدا ستترتب عليها لا ينكرها إلا أعمى أو مكابر ، منها :
• دائما ما يترتب على هذه الأحداث انتفاش أعداء الإسلام من العلمانيين وغير المسلمين وتزداد جهودهم في ضرب الملتزمين بدينهم في البلاد الإسلامية وغيرها، وكثيرا ما يترتب على ذلك التضييق والتنكيل بالشباب المسلم الذي لا علاقة له من قريب ولا بعيد بهذه الأحداث ولا بالفكر الذي نبع منها.
• إن العالم الآن أشبه بالقرية الصغيرة ، وكل حدث – خاصة في منطقتنا – تتردد أصداؤه بسرعة في جنبات الأرض ، وهذه الأحداث تسكب مزيدا من الوقود على الحملة الخبيثة التي تستهدف الإسلام وتوفر لها مبررات أخلاقية لأهدافها الخبيثة. ونبدو – نحن المسلمين – من جهة نستنكر هذه الحملة الظالمة الجاهلة ومن جهة كأننا نغذيها وندعمها.
• إن جهود دعوة غير المسلمين إلى الإسلام تصاب في مقتل بسبب هذه الأحداث. ولقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مشركي الطائف ومكث عندهم أسبوعين يدعوهم إلى الله تعالى فآذوه وضربوه وسلطوا عليه سفهاءهم وخرج من الطائف حزينا مهموما وأرسل الله إليه ملك الجبال يستأذنه أن يدمر الطائف بمن فيها ويطبق عليهم الجبال المحيطة بهم ، فرفض وقال - صلى الله عليه وسلم : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا ) . ومع أنه لو وافق وتم الخسف لتلك البلاد لم يكن مسئولا ولم تكن لتوجه له ولا للمسلمين أدنى نهمة ولكنه – صلى الله عليه وسلم – علم أن هؤلاء وأمثالهم هم ميدان دعوته . قارن هذا الموقف بهذه الأحداث المؤسفة لتعرف كم بعدنا عن روح شرعنا وأصول ديننا.
هناك حالة من الاحتقان الطائفي قائمة بالفعل ولها أسباب متشابكة ولكن حادثا مثل هذا كفيل بدفع الأمور للأسوأ ما لم يتدارك عقلاء الأمة الأمر ليبحثوا في أسبابه ودوافعه ليقطعوها من جذورها.
اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واجعل بلادنا آمنة مطمئنة .. آمين.
د. محمد هشام راغب
المفضلات