لقد كنت فقط من المتابعين لهذا المنتدى الجميل, و أعجبتني طريقة الطرح و أخلاق الأعضاء في الرد. إلى أن دخلت لهذا القسم و كنت من المتتبعين للموضوع الذي طرحته فقررت المشاركة.
نحن نحس حرقتك لتبيان وجهة نظر الأشاعرة في العقيدة. و أنا معك في حرقتك عليه لأني ما وجدته في بعض المنتديات تدمي القلب و الله , و لكني أرى طريقتك في عرض الموضوع و مناقشته أساءت له أكثر من منفعته.
و حينما حذرك أحد الإخوة من الخوض في علم الكلام فهو يعي ما يقول لأن الخوض فيه يعني نحن غير العلماء و ما يترتب عنه في الخوض في المحكم و المتشابه من القرآن و ضرب الآيات بعضها بعضا و القرآن و الأحاديث بعضها بعضا لا ينمي في القلوب إلا النفور من القرآن و بغض بعضنا بعضا و رمي العلماء بما لا يليق. فلندع الموضوع أي علم الكلام لجهابذة العلم و طلابه الذين يعونه, فليس ما عكف عليه العلماء سنينا و قرونا بحسن نية لخدمة هذا الدين سنأتي نحن العامة لنحله بموضوع أو جملة.
و من نحن ؟ نحن سوى قراء نحاول النصر لما قرأناه, أما العلم فلا يؤخذ بالكتب و إنما عن طريق شيخ و تتم الدراسة لسنين . و العالم الرباني يجمع كل الآيات و كل الأحاديث في موضوع ما و يحاول استنباط المفهوم دون ضرب شيء بشيء. و الرسول عليه السلام حذرنا من ذلك بارك الله فيك.
أنا مثل الكثيرين لم أكن أعلم شيئا عن هكذا مواضيع, و لم أستسغ كيف يسول للمسلم الخوض في الغيب و في الذات الإلاهية, فمن أركان الإيمان الإيمان بالغيب, و صفة الله جلت قدرته من الغيب, و لسنا مأمورين بالخوض فيها.
يقول الله جل و علا في سورة البينة عن أهل الكتاب الذين سبقونا و ما أمروا به :
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة)
إلى أن قرأت عن نشأة علم الكلام في كتاب بن خلدون فعلم الكلام لم يستحدثه الأشاعرة و إنما كان نتيجة ترجمة كتب الفلسفة و بدأ القيل و القال و خروج الفلاسفة و الملاحدة و المعتزلة . و الحمد لله سخر الله لهم الأشعري رحمه الله و جعله الله على ثغرة من ثغور الإسلام و هو الرد عليهم , و خاطبهم بما يفهمونه و هو العقل و علم الكلام , لأنه كان من المعتزلة ثم تبرأ منهم على المنبر.
و هذا ما نراه الآن في المنتديات و في الدعوة عامة عند مخاطبة نصراني أو ملحد نخاطبه بالبراهين العقلية و ما عنده و نقدم العقل لأنه ما يؤمن به فنسرد له الإعجاز العلمي للقرآن و السنة ...
وهكذا كفانا الأشاعرة تطاولاتهم على الدين بالعقل و اتخذوا موقفا وسطا في العقيدة و لا يسعنا إلا أن ندعو لهم و إن أخطأوا لا أن نخرجهم من الجماعة .
قال الله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم
و الحمد لله ذهبت هذه الفتنة بلا رجعة و جازاهم الله كل خير, و مؤخرا تم النبش فيها من جديد ممن قرأ كتابا أو كتابين فها هو يفسق هذا و يبدع هذا و يخرج هذا من أهل السنة و ينقب في كلام العلماء لإسقاط هيبتهم بين الناس. فلم النبش في خلافات قديمة و صراعات وهمية لا تجدي نفعا و لا تعيها العقول غير المتفقهة وغير المتبحرة في العلم الشرعي أي العامة, خاطبوا الناس بعلم ينفع و على قدرما يفهمون. فمنا من كان في أمنة في دينه و لا يعرف عنها شيئا إلى أن عكرته هذه المواضيع.
أخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود قوله: (ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنه
ساق البخاري حديثا ترجم له بقوله: (باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه. ثم أخرج من طريقه إلى " الأسود " قال: " ابن الزبير ": (كانت عائشة تسر إليك كثيراً، فما حدثتك في الكعبة؟ قلت: قالت لي: قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم … ـ قال ابن الزبير: بكفر ـ لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون.قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ (ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة) فتح الباري 1\224 واعتبر كثير من العلماء هذا الحديث وغيره من أعمدة الموازنة بين المصالح وأنه لابد من تقييم قدرة فهم السمع للعلم والدليل خوفا من الوقوع بما هو أشد لقصور فهمه عنه.
اذكروا فضل العلماء أدبا لهم مع ذكر أخطائهم دون تجريح و أحسنوا الظن و اتخذوا الأعذار للناس فالعصمة للرسول وحده. و هذا الأدب لا يعرفه إلا العلماء الربانيون, قرأت مرة عن عالم غلا كثيرا في الصفات لا داعي لذكر اسمه, وجدت ابن تيمية و الذهبي و غيره مع فذاحة ما ذهب إليه يصوبون خطأه دون تجريح و اتخاذ العذر له لقلة معرفته بدرجة الأحاديث.
و كما قال أحد الإخوة لم لا نرجع نحن العامة النقاش كله للآية المحكمة:
ليس كمثله شيء و هو السميع البصير
و بهذا نسد بابا بل جبالا من النقاشات لا تزيدنا إلا فرقة. أو كما قال الشيخ كشك رحمه الله رحمة واسعة : يبقا ربنا بيقول و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء و انتا عاوز تحط به علما, و ذكر مآل الصحابي مع عمر رضي الله عنه الذي أراد الخوض في المتشابه من القرآن.
و الحمد لله ظل علم كشك نافعا لهذه الأمة و لم يخض في هذه المسائل كثيرا, تكلم عن الطلاب و الإمتحانات و الظلم و عن الأوضاع المادية و المعاشية للناس بكل صدق و حب و حرقة على هذا الدين فزرع الله محبته بين الناس و أكرمه بموتة يتمناها كل مسلم موحد.
اللهم إنا نسألك علما نافعا و رزقا واسعا و شفاءا من كل داء و سقم.
المفضلات