إذا تناولنا قصة الطوفان كحدث وقع بكل ملابساته ومشاهده المذكورة في الأسطورة فإننا سنتصادم مع العلم بالضرورة ليقوض بناء الأسطورة ولا يترك بها حجراً على حجر .
فبالرغم أن العلم توصل إلى رصد كوارث أكبر من الطوفان وفى فترات زمنية سحيقة تمتد إلى ملايين السنين إلا أنه لم يجد أى دلالة مادية لحدوث الطوفان المزعوم بالرغم أنه حسب السرد الديني فهو كان بالألف الرابعة قبل الميلاد .. والطريف أن فى هذا التوقيت كانت هناك حضارات ومدنيات فاعلة في مصر وبابل والصين والهند .
لك أن تسأل من أين جاءت كمية المياه الإضافية التى غمرت الأرض حتى تغطس قمم الجبال إذا كانت دورة المياه واحدة منذ بدء الوجود ..فمن أين جاءت ؟!..والأغرب أين ذهبت وتسربت .؟!
ولكن الأمور لا تكتفي بإستحالة وجود مياه إضافية أو متسربة خارج دورة المياه فى الطبيعة ... بل إستحالة تَكون أكثر من 2.5 سم من المياه على سطح الأرض إذا هطلت الأمطار لمدة أربعون يوم متواصلة حسب الأسطورة ومع إفتراض عدم تسرب هذه المياه بينما تزعم الأسطورة أن الماء غطى أعلى قمم الجبال وهى جبال إيفرست الشهيرة والتى يبلغ إرتفاع قمتها أكثر من 9 كيلومترات عن سطح البحر . !
ولك أن تسأل أيضا ً بإمكانية بقاء كوكب الأرض مستقرا ً ومتوازنا ً ومحافظا ً على قشرته الأرضية لو أصبح كرة مائية ترتفع المياه في كل أرجاءه بمنسوب مياه لا يقل عن تسع كيلومترات .!
ثم نأتي إلى المشاهد والسيناريو الذي سبق الطوفان , وإعداد نوح لسفينته التي ستحمله هو وأولاده وكل ذكر وأنثى من كل كائن حى لنرى حجم الإشكاليات الناتجة من وضع الأسطورة محل التنفيذ .
بداية نجد أن الأسطورة نست وتغافلت أن تجعل نوح يحمل معه بذور وشتلات للنباتات على ظهر سفينته حتى يعيد الوضع مرة أخرى للحياة النباتية على الأرض بعد حادث الغمر الذى إمتد لمدة 150 يوما ً .!
ولكن سنأتي للحدث الجلل وهو وضع نوح لذكر وأنثى من كل حيوان وطائر ..بالطبع حسب مُبدع الأسطورة كانت الأمور لا تعدو بالنسبة له سوى جمل ومعزة وخروف ولكن العلم يقول لنا أن نوح من المفروض أنه حمل على ظهر سفينته البائسة عددا هائلا ً من الكائنات الحية المتنوعة عبارة عن
13000 نوع من الطيور + 3500 من الزواحف +1400 من البرمائيات +16000 من العنكبوتيات +360000 من الحشرات + أكثر من 4000 من الحيوانت الثديية كان على السيد نوح أن يرفق كل هذه المظاهرة في سفينته حتى يحافظ على وجه الحياة كما هي بعد الطوفان .
بالطبع علينا تصور أن هذه الكائنات لم توضع في السفينة هكذا وبشكل عشوائي بل سيكون هناك أقفاص تحدها وتفصلها عن بعضها , علاوة على ممرات بينها تسمح بالرص والمتابعة والمرور, ولندرك بالتالي أن أبعاد السفينة بأبعادها المذكورة بالأسطورة لا تكفى 1% من إستيطان هذه الأعداد من الحيوانات والطيور والحشرات .
###############################
سنكتشف من التتبع المنطقي لأبعاد الأسطورة بأن نوح أصبح عالما ً بيولوجيا ً ومستكشفا ً عظيما ً وأنه قام برحلات بحرية رائعة قبل رحلة الطوفان تلك !!
فتبدأ فصول التعجب عندما نعرف بأن هناك حيوانات وطيور وحشرات توجد متفردة في أماكن متطرفة من العالم ولا تتواجد في أي منطقة سواها مثل الكائنات الحيوانية التي تعيش في استراليا وسيبريا وجزر الكاريبي والقطب الشمالي والأمريكتين .
هذا يعنى أن نوح ذهب إلى هذه الأماكن النائية ليحوز على ذكر وأنثى من كل نوع وهذا يتطلب بالضرورة خبرة هائلة في علم الحيوان ولن تقتصر الأمور على المجهود الخرافي المبذول في تجواله بين أرجاء الكرة الأرضية باحثا ً عن حيواناته !!..بل سنجد أن السيد نوح كان مستكشفا ً عظيما ً لأماكن مجهولة من العالم فقد وصل بقدميه للأمريكتين وإستراليا وجزر الكاريبى بالضرورة وهذا يعنى أنه قام بجولات إستكشافية مكوكية إلى هذه المناطق مما يعنى أنه قام بإنشاء سفن لهذه المهمة قبل إعداده لسفينة الطوفان .
هناك إشكالية أخرى يبدو أن السيد نوح قام بها قبل تشييد مركبته الخشبية وهو إعداده لكم هائل من الأقفاص الحديدية والزجاجية والبلاستيكية لنقل الحيوانات والطيور والحشرات والحيات إلى مكان رسو سفينته .. وهنا سنجده قام بإختراع وتصنيع الزجاج والبلاستيك والحديد لصنع أقفاصه بينما كانت مركبته البائسة لا تعرف سوى الخشب .
ولكن يبدو أن هناك مشكلة كبرى واجهت السيد نوح وهى عملية نقل وتشوين هذه الأقفاص من أماكن تواجد الحيوانات والطيور إلى ميناء الإقلاع لسفينته الشهيرة ..فبالتأكيد لم يحملها على أكتافه من أقاصي الأرض إلى مكان سفينته ..لذا يبدو أنه شيد ومدد شبكة من السكك الحديدة لإنجاز هذه المهمة .!!!
ولكن يبدو أن مشاكل نوح لا تنتهي .. فهذه المملكة الغفيرة من الحيوانات والطيور والحشرات تحتاج للطعام لمدة 150 يوما وهى مدة سقوط الأمطار والإبحار ..إذن هو في حاجة إلى كمية هائلة من الغذاء والأعشاب وخلافه ليتم إضافتها إلى السفينة حتى يطعم بها هذا الجيش الجرار من الحيوانات والطيور .
نسينا أن نهمس في أذن السيد نوح بأن يأخذ في حساباته كميات إضافية من الطعام تكفى الحيوانات بعد إنحسار الطوفان لحين رجوع الأرض لسابق عهدها ..كما يجب أن ننبه بأن هناك حيوانات كثيرة آكلة للحوم وعليه أن يضيف لسفينته كم هائل من الفرائس تكفى لغذاء هذه الحيوانات مدة الطوفان وما يليها حتى يحدث التكاثر ولا تفترس هذه الحيوانات المفترسة الحيوانات الأخرى المرافقة والتي تم إنقاذها .. وكأنك هنا يا زيد ما غزيت .
لا نريد أن نثقل كاهل السيد نوح بضرورة وجود مبردات لحفظ هذه الفرائس التي ستمكث معه لأكثر من 150 يوما .!!
بالفعل القصة ####بما يكفي لأن الخوض في التسلسل المنطقي لها سوف يورطها في إشكاليات يستحيل معها تحقيق الحدث علاوة على إشكالياتها مع العلم ..لذا هي لا تخرج عن كونها أسطورة وخيال إنساني قديم نسج خيوط قصته دون أن يعبأ بمنطقيتها ومعقوليتها .
المفضلات