المتاحف في الدولـة الصهيونيـة
Museums in the Zionist State
تضم إسرائيل متاحف كثيرة لأقصى حد، فهي تضم 1500 متحف معظمهامتاحف آثار. ولكن يوجد أيضاً متاحف للتاريخ والعلوم والتكنولوجيا والتاريخ الطبيعي. لكن بعض هذه المتاحف لا يعدو أن يكون غرفة صغيرة في كيبوتس عُثر فيه على بعضالتماثيل أثناء زراعة الأرض. وقد كوَّن موشيه ديان مجموعة كبيرة من الآثار قامبسرقتها (وقد كان مشهوراً بذلك). وبعد موته، قامت أرملته ببيعها للدولة بثلاثةملايين شيكل، وهو ما أثار حفيظة بعض الصحف التي وصفت هذا الفعل بأنه « موت ثانلديان »، إذ كان يتعيَّن على أرملته أن تكفِّر عن سيئاته بإهداء مجموعة الآثارللدولة. وقبل تناول موضوعنا قد يكون من المفيد أن نحاول تفسير ظاهرة كثرة عددالمتاحف في إسرائيل أكثر من أي بلد بالنسبة لعدد السكان. فكثرة المتاحف تعود إلىعدة عناصر من بينها أن التجمُّع الصهيوني تجمُّع فسيفسائي يضم جماعات بشرية غيرمتجانسة أتت كل واحدة منها تحمل حضارتها وتراثها (البولندي أو الروسي أو العربي أوالإثيوبي)، وقد عبَّر هذا عن نفسه في عديد من المتاحف الإثنوجرافية. كما أن كثيراًمن هذه المتاحف يموِّلها أعضاء الجماعات اليهودية، إذ أنها بمثابة حلقة وصل بينهموبين المُستوطَن الصهيوني، وهي حلقة عاطفية ليس لها أي مضمون سياسي أو ديني، ولذا،فهي لا تسبِّب حرجاً ولا إحساساً بازدواج الولاء. كما أن تمويل المتحف عمل ثقافيإنساني عام تماماً مثل زراعة الشجرة، على عكس تمويل المستوطنات في الضفة الغربية،فهذا عمل سياسي مائة في المائة. ولذا، يُحجم يهود العالم عن تمويل المستوطناتولكنهم لا يجدون غضاضة في تمويل المتاحف. بل إن بعضاً ممن يدفعون التبرعات للمنظمةالصهيونية العالمية ينبهون على ضرورة عدم استخدامها في أوجه سياسية، كما أن المنظمةذاتها ترفض تمويل المستوطنات في الضفة والقطاع، على الأقل في سياستها العلنية.
والمفارقة أن زيادة عدد المتاحف بهذا الشكل الضخم أدَّى إلى الإسهام في أحدالجوانب السلبية في الاقتصاد الإسرائيلي، وهو تضخُّم قطاع الخدمات على حساب القطاعالإنتاجي، الأمر الذي يزيد الاقتصاد الإسرائيلي طفيلية وهامشية.
وتوجد فيإسرائيل أنواع وأصناف من المتاحف. فهناك متاحف الفنون القديمة وهناك متاحف الفنونالحديثة، الإسرائيلية وغير الإسرائيلية، اليهودية وغير اليهودية، وهناك أيضاً متاحفالعلوم التي توجد في أي مجتمع. كما توجد متاحف عن مدينة القدس في مراحل تطورهاكافة، ومتحف عن مدينة تل أبيب، ويوجد متحف يُسمَّى «هآرتس» (متحف الأرض) يضم عرضاًللزجاج والسيراميك، وهو أيضاً متحف إثنوجرافي يهتم بتاريخ مدينة تل أبيـب وتاريخحروف الهـجاء، وهـناك قبة سـماوية ملحقة به. وهذه المتاحف جميعاً تميزها الخصوصيةالإسرائيلية التي تعبِّر عن استيطانية التجمع الصهيوني. وتظهر هذه الخصوصية، أول ماتظهر في وجود عدد من المتاحف تعبِّر عن تاريخ فلسطين الحقيقي (قبل وصولالمستوطنين). فيوجد متحف روكفلر المتخصص في آثار فلسطين، ومتحف الفلكلور الفلسطيني،ومتاحف الفنون الإسلامية والمسيحية. كما أن الطبيعة العسكرية لنشأة التجمع الصهيونيتظهر في هذا العدد الهائل من المتاحف التي تغطي الجوانب العسكرية الاستيطانية. فهناك متحف للهاجاناه، وآخر للكيبوتسات، وثالث عن الجماعات السرية (العسكرية) الصهيونية قبل 1948. وهناك متحف المستوطنات الأولى، ومتحف تاريخ الاستيطان، ومتحفالفصائل اليهودية في الحرب العالمية الأولى، كما أن هناك متاحف لهرتزل وجابوتنسكيووايزمان. وقد تم تأسيس متحف للقوات الجوية.
متحف ياد فاشيم:
منأهم المتاحف في إسرائيل، متحف ياد فاشيم الذي تحوَّل إلى ما يُشبه المزار المقدَّسليهود العالم. وعبارة «ياد فاشيم» هي عبارة عبرية معناها «النصب والاسم» ( « إنيأعطيهم في بيتي وفي أسواري نصباً واسماً، أفضل من البنين والبنات. أعطيهم اسماًأبدياً لا ينقطع » [أشعيا 56/5]). ويقع مُركَّب مباني هذا المتحف على حافة جبل تطلعلى قرية عين كريم. ويضم ياد فاشيم صالة الذكريات، وأرشيف الإبادة الذي يضم حوالي 50 مليون وثيقة. كما يضم المتحف ما يُسمَّى «شارع الأتقياء بين الأغيار» الذي غُرستفيه 500 شجرة تكريماً لأشخاص غير يهود ضحوا بأنفسهم أو عرَّضوا أنفسهم للخطر لحمايةاليهود. أما صـالة الأسمـاء، فتضم ما يُسـمَّى «صفـحات الشـهادة» التي تضـم حوالـيثلاثة ملايين اسم من أسماء أعضاء الجمـاعات اليهـودية التي قضـى عليها النازيون.
أما المناطق المكشوفة، فتضم تماثيل ونصباً عن الإبادة. وعلى سبيل المثال،يوجد نصب يُسمَّى «أوشفيتس» للمثّالة إلسا بولاك، وهو عبارة عن عمود يوحي بأنهمدخنة أفران الغاز كُتبت عليه أرقام ضحايا أوشفيتس (الضحايا اليهود فقط بطبيعةالحال). أما تمثال «عمود البطولة» للفنان الإسرائيلي بوكي شفارتز، فيحتفي بمايُسمَّى «المقاومة اليهودية». ومن أشهر التماثيل، تمثال نادور جيلد المسمَّى «نصـبضحايا معسـكرات الإبادة»، وهو عبارة عن أجسـام بشـرية نحيفة، تُشبه أسلاكالمعســكرات الشائكـة، ترفع يدها وعيونها نحو السمـاء. ويوجد ميدان صغـير علىهيئــة شمـعدان المينوراه في نهايته تمثـال برتي فينك «نصب الجنود ومحاربي الجيتووالمقاومين» والذي يرمز إلى الستة مليون يهودي الذين أُبيدوا، وتأخذ المينوراه شكلنجمة داود. وهناك سيف صلب ضخم مغمد في النجمة.
ويلي ذلك ما يُسمَّى «واديالجماعات التي دُمِّرت» نُقشت فيه أسماء خمسة آلاف جماعة يهودية في 22 بلداً علىبناية صخرية منحوتة في الجبل. وحوائط صالة الذكرى بُنيت من كتل ضخمة من البازلتالمصقول وعلى أرضها الرمادية الفسـيفسـائية كُتبت أسـماء أهم 22 معسكراً للإبادة.
وهنـاك ما يُسمَّى «النـور الأزلي»، كما هـو الحال في المعبد اليهــودي،تحـت قنطـرة أو عقـد يحـوي رماد الضحــايا الذي جُمع من المعسـكرات. ويدخـل ضـوءالنهـار بين الحائـط والـسقف.
متحف إسرائيل:
من أهم المتاحف علىالإطلاق، وهو موجود في القدس، ويضم مجموعة من الأعمال الفنية وغير الفنية، العالميةوتلك التي صُنِّفت باعتبارها يهودية. وهذا المتحف ظاهرة إسرائيلية حقة، فالمبنىتكلف حوالي 5,730,000 دولار وصمَّمه مهندسون إسرائيليون مولودون في أوربا. وقامتالولايات المتحدة بدفع أول نصف مليون دولار أُنفقت في تأسيسه، كما قام يهودالولايات المتحدة بدفع مبالغ طائلة مساهمة فيه، وقامت الحكومة الإسرائيلية بتدبيرالأرض (التي ُسلبت بطبيعة الحال من الفلسطينيين). ومن ثم، فهو في تركيبه يُشبهتركيب المستوطَن الصهيوني. ويتكون المتحف من أربعة أقسام:
1 ـ متحف بزاليلالقومي للفنون. ويضم أعمالاً فنية بعضها عالمي وبعضها صُنِّف باعتباره يهودياً.
2 ـ متحف صموئيل برونفمان الإنجيلي والأثري. ويضم آثار فلسطين عبر العصور.
3 ـ حديقة بيلي روز للفنون التي صممها الفنان الياباني ايسامو نوجوشي. وتضمبعض أعمال النحت من القرنين التاسع عشر والعشرين.
4 ـ مقام (أو مزار) الكتاب، صممه الفنانان فريدريك كسلر وأرمان بارتوسي، وتُحفَظ فيه مخطوطات البحرالميت.
ومن الواضح أن هذا المتحف يجابه مشكلة هوية حقيقية، فالمتحفالأول يضم أعمالاً فنية ليست بالضرورة يهودية، كما أن تلك الأعمال التي صُنِّفتباعتبارها يهودية هي أعمال صاغها فنانون يهود واتبعوا فيها تقاليد فنية من مختلفالحضارات. وإن كان هناك جزء يخص الفن الإسرائيلي، فإنه لابد أن يكون فناًإسرائيلياً وليس فناً يهودياً عاماً. وعلى كلٍّ، فإن مثل هذا الفن لم يظهر إلى حيزالوجود بعد. أما المتحف الثاني، الذي يضم آثار فلسطين عبر العصور، فإنه سيتعامل معتاريخ غير يهودي، فالوجود اليهودي في فلسطين لا يتجاوز بضع مئات من السنين بينمايمتد تاريخ فلسطين آلاف السنين. فقبل وصول العبرانيين كان هناك الكنعـانيون، كما أنالفلسـتيين وصلوا مع العبرانيين، وقبل القرن الأول الميلادي كانت العناصر غيراليهودية في فلسطين تتزايد، وكان اليهود يهاجرون منها إلى كثير من مدن البحر الأبيضالمتوسط.
وازداد انتشار اليهود بعد تحطيم تيتوس للهيكل، وبعد دخول فلسطين في التشكيل الحضاري البيزنطي ثم الإسلامي بدءاً من عهد عمر بن الخطاب وحتى العهد العثماني. فأي عرض لتاريخ فلسطين سيؤكد هوية فلسطين التاريخية المُركَّبة، وإذا كان لنا أن نؤكد مرحلة تاريخية على حساب أخرى، فأعتقد أن المرحلة الإسلامية هي أهمها على الإطلاق وليست المرحلة العبرانية. فالإسلام لا يزال هو الماضي الحي، أي الماضي المستمر في الحاضر، ومعظم سكان فلسطين من المسلمين، والمعجم الحضاري السائد هو المعجم الإسلامي. ولكننا لسنا في مجال الاختيار أو الدفاع عن القضية العربية، وإنما نود فقط أن نُبيِّن أحد جوانب الورطة التي يمكن أن تجابه من يحاول تشييد متحف يهودي.
أما حديقة النحت، فإنها تثير قضية دينية، لأن اليهودية حرَّمت التماثيل. كما أن مشكلة الأسلوب الفني لابد أن تثار هنا وبحدة، إذ لا يوجد بالتأكيد نحت يهودي. ولعل الجناح اليهودي حقاً هو «مزار الكتاب» الذي يضم مخطوطات البحر الميت وخطابات بركوخبا، ومع هذا، يمكن أن تثار هنا قضيتان:
1 ـ مخطوطات البحر الميت كُتبت في مرحلة لم يكن الفكر الديني اليهودي قد اكتمل فيها بعد. ولذا، فإن هناك أفكاراً عديدة رفضتها اليهودية الحاخامية فيما بعد. بل يُقال إن فرق الزهاد (الأسينيين)، الذين كتبوا مخطوطات البحر الميت، هم الذين انضموا لصفوف المسيحيين. وهناك نظرية تذهب إلى أن المسيح نفسه كان عضواً في إحدى هذه الفرق.
2ـ أما بركوخبا، فهو الذي قاد ثورة عبرانية (يهودية) ضد الرومان فشلت وأدَّت في نهاية الأمر إلى تدمير البقية الباقية من الوجود اليهودي في فلسطين. كما أن الحاخامات عارضوا ثورة بركوخبا . وهناك الآن اتجاه في إسرائيل لإعادة تفسير ثورة بركوخبا باعتبارها كانت ثورة هوجاء تدل على الصلف وعلى عدم فهم الملابسات الدولية. ويذهب يهوشوفاط هاركابي إلى أن الإسرائيليين مصابون بمرض يُسمِّيه هو «أعراض بركوخبا»، أي تبنِّي مواقف تؤدي بصاحبها إلى التهلكة.
المفضلات