وهذا هو الصحابي المكفوف :أمية بن الاشكر الكناني الليثي ،كان من سادات قومه ،وقد كف بصره ،وكان له ولد اسمه (كلاب ) خرج باختياره على ما يظهر في عهد عمر بن الخطاب الى الغزو وثار الشوق في صدر امية وهو كفيف ،فامر قائده بان ياخذ بيده الى المسجد حيث يوجد الخليفة ،فلما صار امامه انشده الابيات التالية :
أعاذل قد عذلت بغير قدر ...وما تدرين عاذل ما الاقي
فاما كنت عاذلة فردي ...كلابا اذ توجه للعراق
فتى الفتيان في عسر ويسر ...شديد الركن في يوم التلاقي
فلا وابيك ما باليت وجدي ...ولا شفغي عليك ولا اشتياقي
وايقادي عغليك اذ شتونا ...وضمك تحت نحري واعتناقي
فلو فلق الفؤاد شديد وجد ...لهم سواد قلبي بانفلاق
ساستعدي على الفاروق ربا ...له عمد الحجيج الى (بساق )
وادعو الله محتسبا عليه ...ببطن الاخشبين الى (دفاق )
ان الفاروق لم يردد كلابا ...على شيخين هامهما زواق
(بساق) جبل بعرفات ..(ودفاق)اسم موضع ..(والاخشبان ):جبلا مكة ...(والهام والهامة ):الطائر الذي كان العرب يزعمون انه يصيح مطالبا بثأر القتيل ...(والزواقي) :الطيور الصائحة
فلما سمع عمر رضي الله عنه هذا الشعر بكى ،حيث راى مكفوفا يعبر عن مشاعره بذلك الاسلوب المؤثر وامر باحضار كلاب من الغزو وسأله عمر :ما بلغ من برك بابيك
فاجاب :كنت أوثره واكفيه امره وكنت اذا اردت ان احلب له لبنا اجيئ الى اغزر ناقة في ابله فاريحها واتركها حتى تستقر ثم اغسل اخلافها حتى تبرد ثم احلب له فاسقيه .
وارسل عمر الى امية فحضر وجعله الخليفة في ناحية حتى لايراه ولده كلاب لحاجة في نفس الخليفة
ثم قال عمر لامية :كيف انت يا أبا كلاب ؟
فأجاب :كما ترى يا أمير المؤمنين ؟
فقال له عمر :هل لك من حاجة ؟
قال :نعم كنت اشتهي ان ارى كلابا فاشمه شمة واضمه ضمة قبل ان اموت !
فعاد عمر الى البكاء وقال :ستبلغ في هذا ما تحب ان شاء الله تعالى .
ثم امر عمر كلابا ان يحلب ناقة لابيه كما كان يفعل ،واخذ عمر الاناء وذهب به الى اميه قائلا :اشرب هذا يا امية
فلما تناول امية اناء اللبن وادناه من فمه هتف قائلا :والله يا امير المؤمنين اني لا شم رائحة يدي كلاب في الاناء
وعاد عمر الى البكاء ،وامر باحضار كلاب فاحضروه ،وقال لامية :هذا كلاب عندك قد جئناك به .
فوثب امية الى ولده وجعل يضمه ويقبله ويشمه وجعل عمر الحاضرون يبكون !
وهذا يذكرنا بما كان من امر يوسف وابنه يعقوب عليهما السلام ،حين كف بصر يعقوب عليه السلام حزنا على فراق ابنه ولما ارسل يوسف اليه بقميصه احس يعقوب عليه السلام برائحته قبل ان يخبروه به ،يقول القرآن الكريم على لسان يوسف عليه السلام : {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)}الى أخر الايات
يتبع بعون الله
المفضلات