الحمدلله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى لاسيما عبده المصطفى وعلى آله وصحبه المستكملين الشرفا أما بعد ..
فقد خص الله هذه الأمة بعلم الإسناد , وميزها به من بين جميع الأمم , فتراهم يغبطوننا عليه , لأن كتبهم ومروياتهم يصل الانقطاع فيها لمئات السنين , أما عندنا فلو علم أن في السند انقطاع ولو طرفة عين رد ولم يقبل ,
ولعلم الحديث منزلة عظيمة بين العلوم الشرعية , وفي مقدمة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح المتوفى 643هـ كلام يشهد لذلك قال:
((إن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة،وأنفع الفنون النافعة،يحبه ذكور الرجال وفحولتهم،ويُعنى به محققو العلماء وكَمَلَتُهُم ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسَفِلَتُهم. وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها، ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء،وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء.
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيماً،عظيمةً جموع طلبته،رفيعةً مقادير حفاظه وحملته، وكانت علومه بحياتهم حية، وأفنان فنونه ببقائهم غضة،ومغانيه بأهله آهلة، فلم يزالوا في انقراض ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد، ضعيفةُ العُدَد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلاً، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلاً، مطَّرِحين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فُخِّم أمره)) .
فعلى عظمة هذا العلم وعلو قدره , ترى الطلبة قد انصرفوا عنه , وعلى الرغم من توافر الحفاظ في زمن ابن الصلاح بالنسبة لزماننا إلا أنك تراه يشتكي من قلة طلاب علم الحديث , وكسلهم وعدم اجتهادهم ,
وفي القرن الذي يليه شكا الإمام الذهبي رحمه الله المتوفى سنة 748هـ من كسل طلبة الحديث، وعدم بذلهم الجهد اللازم للتأهل في هذا العلم، كما شكا من تجرئ غير المتأهلين له على ولوج ميادينه وأبوابه، فقال في كتابه القيم تذكرة الحفاظ ينصح طلبة الحديث:
((.... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نَقَلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر، والتيقظ، والفهم مع التقوى، والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان، وإلا تفعل:
فدعْ عنك الكتابة لست منها = ولو سوَّدت وجهك بالمدادِ
قال الله عز وجل:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً،وصدقاً،وديناً،وورعاً،وإلا فلا تتعنَّ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مُخلِّطٌ مُخبِّطٌ مُهْمِلٌ لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البَهْرج،ويَنْكُبُ الزَغَل،ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فقد نصحتك.فعلم الحديث صَلِفٌ، فأين علم الحديث؟وأين أهله؟كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب".وقال في موضع آخر يتأسف على ما آل إليه أمر هذا العلم:
((فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا،وتبدل الناس بطلبة يهزأ بها أعداء الحديث والسنة، ويسخرون منهم)).
فبالله عليكم , الذهبي يقول هذا الكلام وقد عاش في زمنه الجهابذة أمثال ابن تيمية وابن القيم والحافظ المزي وغيرهم , فماذا نقول نحن ؟!!
فهبوا يا رجال الدعوة ويا طلبة العلم لننشر هذا العلم النفيس مرة أخرى ونعيد له مكانته بين العلوم ,
وأوصيكم ونفسي بإخلاص النية لله و المثابرة وبذل الوقت والجهد , فلن يعطيك العلم بعضه حتى تعطيه كلك.
وسيستمر باب التسجيل في الدورة حتى أول أيام العيد , ثم نطرح عليكم المنهج المتبع في دروسنا إن شاء الله .
حياكم الله جميعا .
المفضلات