البابالسابع: العبرانيون
العبرانيــون: تاريخ
Hebrews (History)
مصطلح «عبراني» أو «عبري» يدل على معان كثيرة وأحياناً متناقضة، فهوذو دلالات عرْقية وطبقية وحضارية. والعبرانيون كتلة بشرية سديمية ضخمة يعود أصلهاإلى الجزيرة العربية، استقرت في منطقة الهلال الخصيب وفلسطين في أوقات متفرقة.والكلمة في معناها العام تضم كل القبائل السامية التي تناسلت من صفوفها الشعوبالمختلفة التي انتشرت في كنعان وسوريا وبلاد الرافدين، ومن بينها تلك القبيلة التيجاء منها إبراهيم ونسله. وقد سُمِّيت هذه القبيلة الأخيرة باسم «العبرانيين»، وذلكمن قبيل إطلاق العامّ على الخاص. وقد شاع هذا الاستخدام حتى بين المؤرخين، وهوالاستخدام الذي سنتبناه في هذه الموسوعة نظراً لشيوعه. وثمة رأي يذهب إلى أنالعبرانيين كانوا إما قبائل ليست لها هوية محدَّدة واكتسبت هويتها من خلال اتحادهاوعبادتها ليهوه، أو كانوا قوماً من الأقوام الكنعانية انسلخوا عن العقيدة السائدةوعبدوا يهوه.
وقد دخـل العبرانيون أرض كنعـان نتيـجة ثلاث هجرات غيرمحدَّدة. بدأت موجة الهجرة الأولى من بلاد الرافدين في القرن الثامن عشر قبلالميلاد وكانت معاصرة لانتشار الهكسوس والحوريين في الساحل الشرقي للبحر المتوسط.وكانت الثانية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتُوافق هجرة الآراميين الثانية.وهاتان الفترتان توافقان فترة الآباء (2100 ـ 1200 ق.م) التي تمتد من هجرة إبراهيممن بلاد الرافدين وتستمر حتى هجرة يوسف إلى مصر أثناء حكم الهكسوس ورحيل العبرانيينعنها. أما الهجرة الثالثة، فهي التي أتت من مصر بقيادة موسى ويشوع بن نون في الثلثالأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد أو في عهد مرنبتاح بن رمسيس الثاني (1224 ـ 1215 ق.م) كما يقول بعض المؤرخين.
ومنذ هجرة أو خروج العبرانيين من مصر،بدأ اسمهم يتواتر في التاريخ المدوَّن والمقدَّس. فنعرف، حسب الرواية التوراتية، عنمسيرتهم في سيناء، وعن تَلقِّي موسى الوصايا العشر وعن تَعلُّمه عبادة يهوه على يدكاهن مَدْيَن. وبعد موت موسى، تولى يوشع بن نون قيادتهم. ثم حدثت عملية التسللالعبراني إلى أرض كنعان (نحو 1250 ق.م) التي كانت تغصّ بالقبائل السامية الكنعانيةوقبائل أخرى غير سامية. فكان العموريون، وهم ساميون، يسكنون المرتفعات. أما الأقوامالأخرى، مثل الحوريين والحيثيين، فكانوا يعيشون في أماكن متفرقة. كما كان الفلستيونيحتلون المدن الخمس التي تشغل الشريط الساحلي الجنوبي. وقد أخذت عملية التسللأشكالاً عسكرية وسلمية مختلفة في تلك المرحلة التي يُطلَق عليها عصر القضاة (1250ـ 1020 ق.م)، فدخل العبرانيون في صراع مع الفلستيين (الذين هزموهم واستعبدوهم بعضالوقت) ومع الأقوام الكنعانية السامية وغير السامية الأخرى. وقد استقر المقامبالعبرانيين في نهاية الأمر داخل بضعة جيوب غير متصلة، إذ اسـتمر وجـود الأقوامالأخـرى إلى ما بعـد التهـجير الآشوري والبابلي.
وقد تبع تلك الفترة عصراتحاد القبائل أو عصر الملوك فظهرت المملكة العبرانية المتحدة في عهد داود وسليمان،وقد كان اتحاداً مؤقتاً انحلَّ فور موت سليمان (928 ق.م) وانقسم العبرانيون إلىالمملكة الجنوبية (التي ضمَّت قبائل الجنوب البدوية) والمملكة الشمالية (التي ضمَّتقبائل الشمال الزراعية). وقد ظلت المملكتان في حالة حرب شبه دائمة إلى أن قضىالآشوريون على المملكة الأولى، والبابليون على الثانية، وبذلك ينتهي تاريخالعبرانيين.
ولم يكن العبرانيون جماعة عرْقية متجانسة منذ البداية، ولذايقرنهم بعض المؤرخين بالخابيرو. ومن المعروف أنهم، عند هجرتهم من مصر، لم يكونواعنصراً عبرانياً خالصاً إذ تقول التوراة (خروج 12/38 ـ عدد 11/4) إنهم كانوا يضمونفي صفوفهم لفيفاً كثيراً من غير العبرانيين، وبعد تسللهم إلى كنعان، اختلطوابالعناصر الحورية والحيثية والكنعانية حتى استوعبتهم الحضارة الكنعانية هناك،فتركوا لهجتهم السامية القديمة واتخذوا الكنعانية لساناً لهم.
ولم يكنالعبرانيون القدامى من الشعوب المهمة أو المهيبة في المنطقة، فقد كانت المملكتانالعبرانيتان خاضعتين للإمبراطوريات المجاورة. وقد تأثرت رؤية العبرانيين للكون بماحولهم. ففي داخل التشكيل الحضاري السامي، نجد أن الإله هو الذي خلق العالم وهو الذييحفظ الكون، وقد أخذ العبرانيون عن العموريين فكرة أن الرسول من عند الإله، وعنالكنعانيين اللغة، وعن المصريين الحكمة.
ومن الناحية الحضارية، لم ينجزالعبرانيون شيئاً ذا بال إذ لم تكن لديهم أية اهتمامات أو مهارات فنية. وحينماشيَّدوا الهيكل، اضطروا إلى الاستعانة بفنانين من البلاد المجاورة. ولا يوجد أسلوبعبراني متميِّز في المعمار، فالهيكل نفسه بُني بالأسلوب الفرعوني الآشوري على يدفنانين فينيقيين. وربما كان هذا راجعاً إلى أن الطابع البدوي ظل غالباً عليهم. فرغمتوحُّد القبائل العبرية في مملكة داود وسليمان، بقي التراث القبلي قوياً متجذراً.كما أن تحقيق الاستقرار في كنعان تَطلَّب وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى أن المملكةالعبرانية المتحدة لم تُعمَّر كثيراً، ولم تُرسِّخ أية تقاليد حضارية عبرانيةمستقلة. ولعل هذا يفسر عدم ذكر العبرانيين في السجلات المصرية القديمة.
ومنأهم المشاكل التي واجهها العبرانيون في تاريخهم القصير، توجههم السياسي في عهدالإمبراطوريات الكبرى الآشورية والبابلية والمصرية والفارسية واليونانيةوالرومانية، إذ كان عليهم أن يتحالفوا مع جيرانهم الآراميين أو غيرهم، كما كانعليهم أن يقبلوا حماية إحدى القوى العظمى لضمان البقاء.
ونتيجةً لافتقارالعبرانيين إلى الهوية الحضارية المحددة، ولضعفهم السياسي ووجودهم ككيان شبه مستقلفي موقع إستراتيجي، كانت كل القوى العظمى تطمح إلى الاستيلاء عليه وإلى تأمين وجودعنصر موالٍ لها فيه، كما أنهم تعرضوا لصدمات كثيرة بدأت بالتهجير الآشوري (721 ق.م)فالبابلي (587 ق.م) ثم فُرضت عليهم الهيمنة الفارسية واليونانية والرومانية. وتأثرتهويتهم الحضارية بذلك، فتركوا العبرية وتحدثوا بالآرامية بعد التهجير البابلي. ثمبدأ انتشار الجماعات اليهودية بعيداً عن كنعان، فتكوَّن تَجمُّع في بابل ثم فيالإسكندرية، وهما التجمعان اللذان أصبح لهما استقلالهما وحريتهما ولغتهما وتفكيرهماالمستقل، بل تجاوزا في أهميتهما أحياناً التجمع الموجود في كنعان. ولذلك، فحينماحطَّم تيتوس الهيكل (70م)، لم تكن هذه الواقعة ذات دلالة كبيرة من الناحية السكانيةفهي لم تكن متعارضة مع الوضع السكاني الحضاري القائم بالفعل، وهو اختفاء الهويةالعبرانية وظهور جماعات يهودية متفرقة في أنحاء العالم تستقي كل منها هويتها منالحضارة التي تنتمي إليها.
ورغم هذا، نجد أن معظم الدراسات لا تُفرّق بينتاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرةً في ذلك بالرؤيةالإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدَّساً، وهي رؤية تخلط التاريخالدنيوي بالتاريخ المقدَّس.
الخـابيرو
Chabiru
«خابيرو»كلمة أكادية ذات دلالات متعددة، وأحياناً متناقضة، تُطلَق على قبائل رُحَّل منالبدو، وقد ورد أول ذكر لكلمة «الخابيرو» في النقوش المصرية في القرنين التاسع عشروالثامن عشر قبل الميلاد لتعني «العابر» و«المتجول» و«البدوي». كما استخدمت التسميةأيضاً للإشارة إلى القبائل التي كانت تهاجم قديماً بلاد الرافدين وحدود مصر وكانتتُغير على أرض كنعان من آونة إلى أخرى فتشيع فيها الفوضى والاضطراب مثلما حدث عندمااستولوا على شكيم، كما ورد في ألواح تل العمارنة والمدونات المصرية (1300 ـ 1150ق.م). ومن دلالات الكلمة أيضاً «الجندي المرتزق»، فهي إذن تُطلَق على أية جماعة منالرحل أو الغرباء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش مقابل أجر أو بدافع الحصولعلى الغنائم. ويُوصف الخابيرو في وثائق نوزي في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بأنهم « عبيد أصبحوا كذلك باختيارهم ». لكن الكلمة كانت تُستخدَم أحياناً للإشارة إلى أيةعناصر فوضوية في المجتمع، ففي فترات الفوضى في مصر الفرعونية كانت تتواتر الإشاراتإلى الخابيرو. ومعنى هذا أن الكلمة ذات مدلول عرْقي (الغرباء)، وأن لها في الوقتنفسه مدلولاً اجتماعياً طبقياً ووظيفياً.
وإذا كانت الكلمة غامضة فيمعناها، فالأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة إلى الخابيرو أنفسهم، إذ لا يُعرَف الكثيرعن أصلهم من الناحية العرْقية. وكل ما يمكن أن يُقال عنهم إنهم ساميون لا يتميَّزونتميزاً واضحاً، ولا يختلفون اختلافاً كبيراً عن غيرهم من الساميين وهم بعد في مرحلةالتجوال. وقد ظهروا ضمن القبائل الآرامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية، وإنكان بعض الباحثين يرون أنهم لم يكونوا ساميين وإنما جماعات مهاجرة عاشت حياتهامتجولة لتبيع خدماتها لأية أمة في المنطقة، وأنهم (في معظم مراحل تاريخهم غيرالمدوَّن) تزاوجوا واختلطوا بعديد من الأجناس.
ويقرن بعض الباحثين الخابيروبالعبرانيين اعتماداً على التشابه الصوتي الموجود بين الكلمتين. وهم يبرهنون علىصدق ما ذهبوا إليه بالإشارة إلى عدد من العادات والتقاليد التي ورد ذكرها في أسفارموسى الخمسة والتي لا علاقة لها بالحضارة أو العادات السامية.
عبيرو
Apiru
«عبيرو» كلمة ترد في المدونات المصريةالقديمة في الفترة من منتصف القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد،ومعناها «عبد». وتشير كلمة «عبيرو» إلى العمال الذين استُخدموا في أعمال السخرة.وفي نصب تذكاري أقامه أمنحوتب الثاني، يشير أمنحوتب إلى أنه أسر ثلاثة آلاف وستمائةمن الـ «عبيرو» أثناء غزوة قام بها في كنعان. وقد ورد في السجلات التي تركها رمسيسالثاني أنه استخدم عبيداً من العبيرو في مشاريع البناء التي قام بها. ويقرن بعضالمؤرخين هذه الكلمة بكلمة «خابيرو» التي ترد في المدونات الأكادية والتي تُقرَنبدورها بالعبرانيين لأن الأكادية تخلط بين العين والخاء وفي بعض فتراتها لم يكنفيها حرف العين. لكن هذا غير أكيد، كما أن المجال الدلالي لكلمتي «عبيرو» و«خابيرو»أوسع بكثير من كلمة «عبراني».
المفضلات