اولا عند البحث العقلي في القران نجد ان القران كلام عربي وبالتالي فان كاتبه لا يعدوا ان يكون احد ثلاثة :العرب ،او محمد صلى الله عليه وسلم ،او الله كما قال محمد صلى الله عليه وسلم.
من العرب:اما كون القران من العرب فباطل ولا يقبل به العقل ،ذلك ان القران تحدى العرب في عبارات قارعة محرجة ملؤها الاستفزاز ،ان ياتوا بمثل القران (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).فلما عجزوا عن ذلك ولجاوا الى اسلوب المفلسين ،فاتهموا الرسول بافتراء القران . سخر الله منهم وتحداهم لا ان ياتوا بمثل القران كاملا،بل ان يفتروا عشر سور كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه ذلك كما يزعمون.
(ام يقولون افتراء قل فاتوا بعشر سور من مثله مفتريات ،وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين )ولما عجزوا من جديد وهم اهل اللغة وارباب البيان وعشاق الشعر والنثر والادب تحداهم القران ان ياتوا بسورة واحدة من مثل القران . (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين) (ام يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله .وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين).
ومن هذا يتضح استحالة ان يكون العرب هم الذين جاؤوا بالقران ،فلو كان ذلك بامكانهم مع توفر دواعي الاستجابة فهم اهل البيان والفصاحة .والتحدي جاءهم في اعز ما يملكون واقوى ما يقدرون لما ترددوا مطلقا في ذلك ،ولو كان من بعضهم لاستطاع الاخر ان يات بما اتى به القسم الاول فكلهم عرب.مع ان الثابت بالتواتر هو عدم اتيان أي منهم بما يشبه القران مطلقا.
ولا يقال انه من المحتمل ،ان يكون العرب قد جاؤوا بما يشبه القران ولكن المسلمين لتعصبهم لدينهم ولانهم صاروا اصحاب القوة والمنعة بعد ان اعزهم الاسلام بالدولة الاسلامية ،ربما يكونون قد مزقزا او اتلفوا ما جاء به العرب مما يشبه القران لا يقال ذلك لما يلي:
ان هذا احتمال ،والبحث العقلي الصحيح لا ينصب على الاحتمالات او الافتراضات ،بل ينصب على وقائع محسوسة .
لقد حصل فعلا ان البعض حاول ذلك ،فقد وصلتنا تلك المحاولات مثل محاولة مسيلمة الكذاب ،حيث قال معارضا سورة العاديات(والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا ،والثاردات ثردا ،واللاقمات سمنا ) وقال معارضا سورة الفيل (الفيل وما ادراك ما الفيل ،له ذنب وبيل ،وخرطوم طويل )وقال معارضا سورة الكوثر (ان اعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر ان شانئك هو الكافر)
فاذا كانت مثل هذه المحاولات على سخافتها وتفاهتها قد وصلتنا فان وصول غيرها لو كان موجودا كان لا بد ان يصل من باب اولى . وهذه ليست المحاولات الوحيدة التي سمعنا عنها بل نقلت الينا روايات عن محاولات اخرى اجهضها اصحابها قبل الاعلان هنا ،بعد ان استحوا من اعلانها ،وهذا يدلل بوضوح على انه لم يكتب شيء يستحق الذكر ،ولو حصل لوصلنا ،ومن هذا يتضح ان العرب لم ياتوا بشيء يشبه القران ،وبالتالي فهو ليس من العرب .
كون القران من محمد :هذا القول باطل ايضا وذلك لما يلي :
ان القران كلام عربي جاء باسلوب جديد لم يسبق للعرب ان عرفوه او سمعوا بمثله ،أي ان احساسهم لم يقع على واقعه من قبل ،وعدم الاحساس يمنع حصول التفكير والابداع في الواقع الذي لم يحس ،وهو اسلوب القران ،ومن هنا عجز العرب كلهم عن الاتيان بمثل القران ،ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم واحدا من العرب أي لم يسبق لحسه ان وقع على مثل القران ، لذى ينطبق عليه ما انطبق على العرب ويستحيل عليه الاتيان بالقران .
ان القران كلام عربي ظل محمد صلى الله عليه وسلم يتلوه منجما لمدة تزيد على العشرين عاما فلو كان القران من تاليف محمد صلى الله عليه وسلم لوجب ان ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم المؤلف او الكاتب ،وعلى القران الكتاب ما ينطبق على كل مؤلف وكتاب لان محمد صلى الله عليه وسلم بشر ،وذلك يظهر في ما يلي :
ان أي كاتب يبدا رحلة التاليف ضعيفا في اسلوبه ولغته ومعانيه .فهل كانت بداية القران اول نزوله اضعف من نهايته ؟؟؟ان صاحب الحق في الاجابة هو الخبير ،ولن نستشهد هنا بخبير مسلم كي لا نتهم بالتحيز بل نستشهد خبيرا كافرا اشتهر بالبلاغة والاطلاع وكان اعلم قريش باللغة والشعر....الخ ذلك هو الوليد بن المغيرة الذي قال عن القران ولما يزال القران في بداية نزوله بعد ان سمع القران من محمد صلى الله عليه وسلم -...ووالله ان لقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة ,وان اعلاه لمثمر،وان اسفله لمغذق ،وانه ليعلو ولا يعلى عليه-.
ان أي كاتب مهما كان مبدعا ،يبدع في جانب من الجوانب اكثر من الجوانب الاخرى أي يرتقي الى القمة في بعض المجالات ،ويكون اقل من ذلك في مجالات اخرى ،فهل كان القران ضعيفا في أي جانب من الجوانب؟؟.
ان من البدهيات المعروفة للجميع ،ان اسلوب الانسان في كتابته يحمل علامات معينة تجعله مميزا لصاحبه، تماما كبصمة الانسان فمثلا لو اعطي انسان مطلع اطلاعا جيدا على كتابات مؤلف ما كتابا لم يسبق لاحد غير مؤلفه ان اطلع عليه ،وطلب من القاريء المذكور ان يعرف مؤلف الكتاب دون وجود اسم المؤلف او أي اشارة سوى الاسلوب تدلل على شخصية المؤلف , فان القارىء المطالع سيعرف حتما اسم المؤلف , لان اسلوب المؤلف جزء منه ،ولا يخفيه مهما حاول ان يغير في اسلوبه ،لان من المستحيل على الكاتب ان يكتب باسولبين متناقضين او مختلفين تماما ،فهل تنبطق هذه الخاصية على علاقة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واسلوبه بالقران واسلوبه؟؟
ان محمدا صلى الله عليه وسلم بشر وينطبق عليه في موضوع الاسلوب ،ما ينطبق على أي انسان ،أي يستحيل عليه ان يكتب باسولبين متناقضين ،والثابت بالدليل القطعي ان محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقول الاية ويقول الحديث في وقت واحد مع انهما متباينان من حيث الاسلوب ،فهو بالتالي قد فعل شيئا يعجز عن فعله البشر ،ويالتالي فهي معجزة وهو نبي .
او ان القران من مصدر غير محمد ،وهذا سبب اختلاف الاسلوبين ،فلو قارنا مثلا بين اسلوب الحديث المتواتر (من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار)،وبين اسلوب القران الكريم :(ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ،او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء ،ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ،ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم ،اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون) .ولو قارنا بين هذان النصين الذين قالهما صلى الله عليه وسلم لوجدنا اختلافا بينا ،يدل على انهما من مصدرين مختلفين .
وهذا كله يؤكد بما لا يقبل الشك ان القران كلام الله تعالى ويثبت ان محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله
ولتعلمي حضرتك ان الذين ينفون النبوة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يريدون ان يجعلوا منه الها لان ما اتي به لا ياتي به انسانا عاديا فلو لم يكن نبيا لكان الها وهو ما اوضحه صلوات ربي وسلامه عليه في غير موضع
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم. فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله
المفضلات