عزيزي سمير ،
تبين لك إلى الآن و عن قناعة ، أن الإسلام كان يُدافع عن نفسه ، و لم ينتشر بالسيف ، و إنما انتشر بالدعوة بالحُسنى و السيف حمى الدعاة إلى الله من أن يُقتلوا و أن تُنتهك أعراضهم و تُسلب أموالهم ...
و هذا كان السبب الرئيسي لكل غزوات النبي صلى الله عليه و سلم ... و لذا فسأستعرض أهم الغزوات دون إطالة ... فالسبب بات معروفاً .. و إن كان لديك أنت بعد ذلك استفسارات ، اطرحها علي ...
غزوة أحد :
كانت مكة تحترق غيظاً على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وقتل الصناديد والأشراف من كبرائها و قادتها ، وكانت تجيش فيها نزعات الانتقام وأخذ الثأر .. فاتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها وتروي غلة حقدها، وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.
وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان، والتي كانت سبباً لمعركة بدر، وقالوا للذين كانت فيها أموالهم: يا معشر قريش، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه ؛ لعلنا أن ندرك منه ثأراً، فأجابوا لذلك، فباعوها، وكانت ألف بعير، والمال خمسين ألف دينار، وفي ذلك أنزل الله تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: 36]
ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين من الأحابيش وكنانة وأهل تهامة .. فبدأوا بتحريض القبائل على المُشاركة في هذه الحرب ، حتى اجتمع من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش ، و انطلق الجيش الى المدينة غازياً ....
فوصلت رسالة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم من عمه العباس يُخبره بما تُعِد قريش له و للمُسلِمين ...
فاستعد النبي لحرب الدفاع عن المدينة ، فخرج للتصدي للغزاة قبل دُخولِهم المدينة المنورة ...
فكما ترى يا سمير ، فهو حق المسلمين المشروع للدفاع عن دينهم و مالهم و أعراضهم ...
لكن هذه المعركة لم تنتهِ لصالح المُسلمين ... فتركت أثراً سيئاً على سمعة المؤمنين، فقد ذهبت ريحهم، وزالت هيبتهم عن النفوس، وزادت المتاعب الداخلية والخارجية عليهم ، وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب، وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر، وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين، بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم.
فبدأت القبائل تتأهب لغزو المدينة و تدبير المكائد لقتل الصحابة ، و نجحت في قتل عدد منهم بعد مؤامرات خسيسة ، فقابلهم الرسول صلى الله عليه و سلم بالمِثل ، و أعطى أوامره بغزوهم في عقر دارهم و مباغتتهم قبل أن يصلوا إلى المدينة ...
غزوة بني النضير
رأينا يا سمير كيف أن اليهود كانوا يتحرقون على الإسلام والمسلمين إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب ، بل اقتصروا على دس المؤامرات ـ وهذا أخطرـ فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعاً من الحيل ؛ لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال ، حيث أن بينهم و بين المسلمين عهود ومواثيق، وأنهم بعد وقعة بني قينقاع وقتل كعب بن الأشرف خافوا على أنفسهم فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت.
ولكنهم بعد وقعة أحُد تجرأوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين .
وصبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى دبروا مؤامرة تهدف لقتله صلى الله عليه وسلم.
حيث حاول أحدهم إلقاء صخرة على رأس النبي صلى الله عليه و سلم و هو جالس ... فنزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة، و أتى بجيش و حاصر ديار بني النضير حتى استسلموا و خرجوا من المدينة بنفوسهم و ذرايرهم ، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح.
و تلا ذلك نشاط عسكري لرد الأذى و استرجاع هيبة المُسلِمين ... فهدأت الجزيرة العربية بعد الحروب والبعوث التي استغرقت أكثر من سنة كاملة، إلا أن اليهود شرعوا في التآمر من جديد على المسلمين ، و بذلك يكونون قد نقضوا العهد و الميثاق بينهم و بين المُسلمين ، وأخذوا يعدون العدة، لتصويب ضربة تكون قاتلة لا حياة بعدها. ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة.
فذهبوا إلى مكة يُحرضون قريشاً على قتال المسلمين ، ثم توجهوا إلى غطفان ، ثم طافوا بين قبائل العرب يدعونهم لقِتال المسلمين ، فاستجابوا .... فكانت غزوة الأحزاب ...
غزوة الأحزاب :
و هكذا اجتمعت الأحزاب و انطلقت لغزو المدينة المُنورة .... فسُميت بذلك غزوة الأحزاب ، أو غزوة الخندق لأن المسلمين حفروا فيها خندقاً يحول بينهم و بين هجوم المُشركين ....
فلما فوجئ الكفار بهذا الخندق ، اضطروا للحصار ....
و بينما المُسلمون يُواجهون هذه الشدائد على الجبهة ، كان اليهود المُواطنون في المدينة ، يدسون المؤامرات الخبيثة ، حتى وصل رسولَ الله صلى الله عليه و سلم أنهم اتفقوا مع قريش لمُحاصرة المسلمين في المدينة ، فظهر نِفاق المُنافقين حينها ...
فقابلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمِثل و بعث لهم من يفرق صفوفهم ، فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.
فانسحبت قُريش و انسحب الأحزاب معها ، و بقي اليهود في المدينة .... فلم تكن معركة الأحزاب معركة خسائر، بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير ... و لكن حرب الأعصاب هي أخطر و أشد وقعاً من حرب السيوف و الرماح ..
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله الأحزاب: (الآن نغزوهم، ولا يغزونا، نحن نسير إليهم).
فما رأيك في ما فعل اليهود يا سمير ؟؟ و ما هي في نظرك عقوبة الخيانة العُظمى و الغدر و نقض المعاهدات ؟؟
ألا يستحقون القتل ؟؟!!
غزوة بني قريظة :
بعد هذا الانسحاب ، نزل جبريل بأمر من ربنا عز و جل فقال: أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب ..
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بني قريظة ، فحاصرهم و عرض عليهم الإسلام فرفضوا ، فحق عليهم حكم الله بالقتل ، و الذي وافق عليه اليهود أنفسهم ، و هو العقوبة العادلة لكل خائن يدس المكائد و المؤامرات ليُزعزع استقرار المدينة ....
و هكذا انتهت معركة بني قُريظة ... و استقرت الأوضاع في المدينة المُنورة ....
وأنزل الله تعإلى في غزوة الأحزاب وبني قريظة آيات من سورة الأحزاب، ذكر فيها أهم جزئيات الوقعة، وبين حال المؤمنين والمنافقين، ثم تخذيل الأحزاب، ونتائج الغدر من أهل الكتاب.
و استمر النشاط العسكري لتأديب القبائل التي شاركت في غزوة الأحزاب ...
و في سنة 6 هـ جاء صلح الحديبية الذي كان بمثابة نقطة تحول كبيرة في الدعوة الى الإسلام ، حيث تعاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مع قُريش على وضع السلاح 10 سنين ، و كان لهذا الصلح تأثير كبير على النفوس ، بعد أن هدأت الجزيرة العربية من الحروب ، ففُسح المجال للقبائل للتعرف على الإسلام عن قُرب ، فدخل الناس فيه أفواجاً ...
و في هذه المرحلة كتب رسول الله إلى الملوك يدعوهم للإسلام .... إذ الدعوة الإسلامية هي المقدَمة طبعاً، بل ذلك هو الهدف الذي عانى من أجله المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام، والحروب والفتن، والقلاقل والاضطرابات.
غزوة مؤتة :
وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى . فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه.
وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال: (إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة) ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة.
وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا فذاك ، وإن عاندوا و قاتلوهم ، استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم كذلك ، وقال لهم: (اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء).
و بالرغم من عدم تحقيق الثأر و الهدف من هذه المعركة إلا أن لها تأثيراً بالغاً في نفوس العرب ، حيث أثارت الدهشة في نفوسهم ، و أعطت المُسلمين هيبة كبيرة ، إذ أن الروم حينها كانت قوة عُظمى لا يجرؤ العرب على مواجهتها .....
إذن رأينا حتى الآن كيف استمرت الدعوة سرا ثم كيف هاجر المسلمون هربا من أذى قريش ، ثم كيف بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم المجتمع و المدينة ، و كيف دافع المسلمون عن أنفسهم و أموالهم و أعراضهم ....
غير أن قُريشاً لم تلتزم بالمُعاهدة المُبرمة في صُلح الحُديبية ، فنكثته و قتلت المسلمين في الحرم .. و أعطت بذلك الحق للمسلمين في فتح مكة ....
فتح مكة :
الآن يا سمير و بعد كل ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمين معه من ألوان العذاب و الاستهزاء و السخرية و التكذيب و الاتهام بالجنون و الدجل و الحروب و الحصار و كل ما أوردناه من قبل ....
ماذا تتوقع أنه فاعل حين دخل مكة منتصراً ظافراً بعدوه في يوم أصبح المسلمون فيه أقوى قوى العرب ؟!
هل قتلهم ؟ هل أبادهم عن بكرة أبيهم ؟
كلا!
أنظر الى موقفه عليه الصلاة و السلام حين قال :
" يا معشر قريش..
ما تظنون أني فاعل بكم"..؟؟
هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال مجيبا:
" نظن خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم".
وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:
" اذهبوا...
فأنتم الطلقاء"..!!
ما رأيك يا سمير ؟
أية أخلاق هذه ؟! هل هذا رسول حرب و سفك دِماء ؟؟!!
الرد لك يا سمير !
هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أعداء الله ..!! حتى يلين قلبهم إلى ذكر الله ..
غير أن هذا الفتح الأعظم كان له رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا هوزان و ثقيف . فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد هوزان . وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم .
و بينما النبي صلى الله عليه و سلم في مكة ، وصله أن قبيلة هوازن و ثقيف تتأهب لغزوه .. فخرج إليهم في جيش كبير من اثني عشر ألفاً ، حتى التقوا في وادي حُنين ، فنصب المُشركون كميناً للقضاء على المُسلمين ، لكن الله تعالى نصر رسوله و من معه مِن المؤمنين ...
و انتهت المعركة لصالح المُسلمين ... و استمر الجيش الإسلامي في مُطاردة فلول هوازن و ثقيف الفارين حتى وصل الطائف لاستئصال كل القِوى التي تُهدد استقرار المدينة ...
فأصل القتال في الإسلام يا سمير هو الدفاع عن النفس أي أن نقاتل من يُقاتلنا و لا نعتدي على حرمة أحد .. و هذا و لله الحمد صار قناعة شخصية لديك
فإذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين مهما صغرت، وجب على أهل تلك البقعة دفعه وإزالته، فإن لم يستطيعوا وجب على من بقربهم وهكذا، حتى يعمَّ الواجب جميع المسلمين، ولا نعني بالبلد، أو البقعة النطاق الجغرافي الرسمي لكل بلد، فبلد الإسلام من شرقه إلى غربه بلد واحد، وأمة الإسلام أمة واحدة، فلو قدر أن بلداً في دولة إسلامية تعرض لغزو وكان محاذياً لبلد في دولة أخرى، لكان الوجوب أسرع إلى البلدة المحاذية منه إلى المدن الأخرى البعيدة. .
إذن نلخص أهداف الجهاد في الإسلام فيما يلي :
1 - رد العدوان والدفاع عن النفس.
2- تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها.
3- المطالبة بالحقوق السليبة.
4- نصرة الحق والعدل.
ويتضح لنا أيضا من خلال الحقائق التاريخية أن من شروط وضوابط الحرب:
(1) النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف.
(2) لا قتال إلا مع المقاتلين ولا عدوان على المدنيين.
(3) إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فلا عدوان إلا على الظالمين.
(4) المحافظة على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى تليق بالإنسان.
(5) المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار ، وإفساد الزروع والثمار ، والمياه ، وتلويث الآبار ، وهدم البيوت.
(6) المحافظة على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان وعدم التعرض لهم.
فما رأيك في كُل ما قيل حتى الآن ؟؟
هل مازالت هُنالِك شكوك في صدرك بأن الإسلام انتشر بالسيف و بالإرهاب و سفك الدماء ؟؟
الكلمة لك يا سمير
المفضلات