حَدَّثَنَا ابو بكر بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عيسى بن يونس عن عوف عن الْحسن عن عتي عن أبي عن النّبي - r- مِثثله حدّثنا إِسمَاعيل عن يونس عن الحسن عن عتي ان رجلا تعزى بعزاء الجاهلية فذكر الحديث قال أبي : كنا نؤمر إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا
تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث حسن .
الرد على الشبهة
أولاً: إن محمد صلى الله عليه وسلم- أعظم الخلقِ خَلقا وخُلقا ،وكان يأمر أصحابَه بمعالي الأخلاق ،وكان يقرب إليه أحسنهم أخلاقا؛ يدلل على ذلك ما يلي:
1- أن اللهI زكاه في خُلقِه قائلاً " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (القلم4).
2- أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قرآنًا يمشي على الأرضِ ؛ ثبت ذلك في مسندِ أحمدَ برقم 24139 عن سعد بن هشام قال سألت عائشة فقلت أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : كان خلقه القرآن .
3- أنه لم يكن فاحشا ولا متفحشا... ثبت ذلك في مسندِ أحمدَ برقم 24247 عن عائشة أنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح .
4- أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو أصحابَه لحسنِ الخلقِ ، ويقرب منه أحسنهم خُلقا ... ثبت ذلك في الآتي:
أ- مسند أحمدَ برقم6526 عن عبد الله بن عمرو بن العاص: لم يكن رسول الله r فاحشا ولا متفحشا وكان يقول من خياركم أحاسنكم أخلاقا .
ب- سنن أبي داودَ برقم 3562 أن النبيَّ- r- نصح لرجلٍ قائلاً له : " لا تسبن أحدا". قال: فما سببت بعده حرًا ولا عبدا ولا بعِيرا ولا شاة. قَالَ:" ولا تحقرن شيئا من المعروف وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إِليه وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وإن الله لايجب المخيلة َ و إن امرؤ شتمك بما يعلم منك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليهِ" .
ج- صحيح الجامع رقم : 1176 قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" أقربكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أحسنكم خلقا ".
قال الألباني: ( حسن )
د- الحاكم في المستدرك برقم 29 عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال :" ليس المؤمنُ بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء" .
قال الإمام الألباني : ( صحيح ): 5381 في صحيح الجامع.
ثانيًا: إن التعزي بعزاء الجاهلية هو التفاخر بالقبيلة، والنسب ،و الحسب،و التعصب لهم ،والقتال من أجلها مع إخوانهم ...ولا شك أن ذلك من أعظم الآثام ؛لأنها تؤدي إلى تفكيك وحدة المجتمع الإسلامي..... قال سبحانه : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) (آل عمران) و ثبت في صحيح الإمام مسلم برقم 1550 قَالَ - r- :" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب
وعليه فإن صاحب هذا الجرم يتلقى جزاءَ جرمِه ،والجزاء من جنس العمل وهو:" من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا".
ثالثًا: إن الأمر بإيذاء من تعزى بعزاء أهل الجاهلية بهذه الكلمات.... كالأمر بقتل القاتل ، ورجم أو جلد الزاني ،و كقطع يد السارق ....فالعقاب دائمًا يكون عن جرمٍ وليس ابتداءً...يقول: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) " (البقرة).
إذن من يعترض على عقوبة إيذاء من تعزى بعزاء الجاهلية بتلك الكلمات ،فالواجب عليه أن يعترض أيضًا على الحدود ،والتعزيرات التي وردت في كتابِه المقدس كالأمر بقتل القاتل ،وقطع يد المرأة التي تمسك بالعضو الذكري للرجل تعارك مع زوجها....
أو عقوبة السجن والتغريم ...التي تنص عليها القوانين الوضعية...
رابعًا: إن إيذاء من تعزى بعزاء أهل الجاهلية ليس بهذه الكلمات فقط ،وليست – تلك الكلمات -واجبةً ؛بل إن وجدت عقوبة أخرى كالحبس ،أو التغريم ...- وهذه أشد- فلا مانع حتى لا يكون ذلك سببًا في تفكك وحدة المجتمع الإسلامي ،ومصدرًا من مصادر الفتن ، الكبر لأصاحبها...دليل ذلك ما جاء في صحيح الإمام البخاري برقم 3257 عن جابر رضي الله عنه يقول
: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فقال ( ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟ ثم قال ما شأنهم ) . فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( دعوها فإنها خبيثة ) . وقال عبد الله بن أبي سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث ؟ لعبد الله فقال النبي r( لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه )
".
إذن يتبين لنا من الحديث أن النبي لم يؤذ بالقول من تعزى بعزاء أهل الجاهلية و لم يأمر بذلك ،وهذا دليل على عدم وجوب إيذاء من تعزى بعزاء الجاهلية ؛لأنه لم يؤذ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تعزى بعزاء أهل الجاهلية... .بسبب الفتن ،ولكنه استخدم لين القول ،والكلام الطيب لجمح لجام الفتنة...
فالأمر بإيذاء من تعزى بعزاء أهل الجاهلية هو للزجر، و ليس لحقيقة السب نفسه ،وذلك بعد لين القول ،والكلام الطيب...
فإن لم ينتهي قلنا له: أَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيك،وليس ذلك إلا في حال الضرورة،والضرورة تقدر بقدرها..
خامسًا: قد يقال :ما معنى فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا
قلتُ :معنى َأَعِضُّوهُ ليس المراد أنه يعض بأسنانه ذكر أبيه.....فلغة العرب تقول: عض الرجل يعضه عضيضًا: أي: لزمه و لصق به ، و ليس المقصود عض بالأسنان ... يدعم ذلك الحديث يتحدث زمن الفتن ففيه يقول- r-:" فاعتزل تلك الفرق كلها و لو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت و أنت كذلك "(الحاكم في المستدرك (ج1/ص197 )
أي: تلزم شجرة تعيش عندها وتعتزل الفتن حتى تموت، وليس المقصود أن الإنسان سيعض الشجرة بأسنانه بطبيعة الحال ...
ومعنى ( الزم هن أبيك): هو أن الإنسان لا يكون في هن أبيه -ذكر أبيه- إلا قطرة حقيرة من المنى
وعليه فإذا كنت أيها المفتخر بنسبك ،وبقبيلتك... بأنك من قبيلة كذا و كذا , فها نحن نذكرك بأصلك الحقيقي , فأنت لست سوى قطرة من مني من هن أبيك – ذكر أبيك-
و من المعروف أن الإنسان يستحي من عورته و يداريها , فإذا تكلمت عن أصلك أيها المتكبر , فسنذكرك بأصلك الذي خرجت منه والذي تحرص على ستره...
سادسًا :إن الكتابَ المقدس يذكر لنا كلمات كثيرة غير لائقة.... وذلك في عدة مواضع منها :
1- ينسب الكتابُ المقدس إلى إشعياء النبيِّ أنه سب قومَه... وذلك في سفر إشعياء إصحاح 57 عدد 3«اما انتم فتقدموا الى هنا يا بني الساحرة نسل الفاسق والزانية!!
2- ينسب الكتاب المقدس إلى شاول أنه سب ابنَه سبًا قبيحا بالفاظ غير لائقة ...وذلك في سفرِ صموئيل الأول إصحاح 20 عدد 30 فحمي غضب شاول على يوناثان وقال له يا ابن المتعوّجة المتمردة أما علمت انك قد اخترت ابن يسّى لخزيك وخزي عورة امك ؟!!
3- يذكر الكتاب المقدس وصف مفاتن المرأة بما فيه الثديان... سفرِ نشيد الإنشاد إصحاح 4 عدد 5 ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن. وفي إصحاح 7 ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم . دوائر فخذيك مثل الحلى صنعة يدى صناع (2) سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج . بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن (3) ثدياك كخشفتين توأمى ظبية (4) عنقك كبرج من عاج ... (6) ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات (7) قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد (8) قلت إنى أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها . وتكون ثدياك كعناقيد الكـرم ورائحة أنفك كالتفاح (9) وحـنكك كأجـود الخـمر.لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين.
4- يذكر الكتاب المقدس هذا النص الغريب العجيب..... سفر الأمثال إصحاح 30 للعلوقة بنتان هات هات.ثلاثة لا تشبع.اربعة لا تقول كفا».
وبحسب الترجمة اليسوعية:" للعلقة بنتان تقولان:"هات هات" ،ثلاث لا تشبع ،وأربع لا تقول:"كفى" !
5- سفرِ حزقيال في الإصحاح الثالث و العشرون بأكملِه عبارة غير لائقة... ولكني أكتفي هنا بالإعداد التالية:
فاتاها بنو بابل في مضجع الحب ونجسوها بزناهم فتنجست بهم وجفتهم نفسها. وكشفت زناها وكشفت عورتها فجفتها نفسي كما جفت نفسي اختها. واكثرت زناها بذكرها ايام صباها التي فيها زنت بارض مصر.وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيّهم كمنيّ الخيل. وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لاجل ثدي صباك لاجل ذلك يا أهوليبة هكذا قال السيد الرب.هانذا اهيج عليك عشّاقك الذين جفتهم نفسك وآتي بهم عليك من كل جهةبني بابل وكل الكلدانيين فقود وشوع وقوع ومعهم كل بني اشور شبان شهوة ولاة وشحن كلهم رؤساء مركبات وشهراء.كلهم راكبون الخيل.
.
والأعجب قول الأب متى المسكين عنه :اللغة القبيحة الفاحشة في أحط معناها وصورها [ثم يقول] فيها كل وساخة الزنا وفحشاء الإنسان....! جاء ذلك في كتابة (النبوة والأنبياء في العهد القديم (صــ 227:226)قائلاً:
و سوف يصدم القارئ المتحفظ باستخدام اللغة القبيحة الفاحشة في أحط معناها و صورها في مخاطبة أهل إسرائيل أربعة وعشرون إصحاحًا يفتتح بهم حزقيال نبوته عليهم فيها كل وساخة الزنا ، وفحشاء الإنسان...أهـ
وأتساءل : لماذا توجد هذه الألفاظ في كتابٍ من عند اللهِ في (الكتاب مقدس).... ؟!
وما هو رد المعترضين على تلك النصوص ؟
كتبه/ أكرم حسن مرسي
المفضلات