صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 123456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 61
 
  1. #11
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    الباب الرابع: إشكالية المتحف اليهودي


    المتحف اليهودي أم متاحف الجماعات اليهودية؟:إشكالية وتاريخ
    The Jewish Museum or Museums of the Jewish Communities: Problematic and History
    مصطلح «المتحف اليهودي»، مثل كثير من المصطلحات الأخرى التي تُستخدَم لدراسة الجماعات اليهودية، وهو يُخبِّئ مجموعة من المفاهيم العقائدية المتميِّزة ذات طابع صهيوني. فمفهوم المتحف اليهودي يفترض وجود فن يهودي وفلكلور يهودي وأسلوب حياة يهودي، ويفترض كذلك أن هذا الفلكلور وأسلوب الحياة لا يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان أو يتغيَّر بالمعدل نفسه والطريقة نفسها بين أعضاء الجماعات اليهودية بمعزل عن المجتمعات التي يوجدون فيها، لأن كل هذه الظواهر إنما هي تعبير عن هوية يهودية مستقلة ثابتة، وشخصية يهودية لها سماتها المحددة وخصوصيتها الواضحة، فهي مفاهيم تفترض وجود وحدة قومية يهودية وتستند إليها. وفكرة القومية اليهودية فكرة لا نرفضها لأنها تتناقض مع مصالحنا، وإنما لأنها تتناقض مع واقع أعضاء الجماعات اليهودية ذاتها، إذ أن هوياتهم لا تتحدَّد بالعودة إلى مطلقات يهودية ثابتة أو هوية يهودية مركزية، وإنما تتحدَّد من خلال الحضارات الكثيرة والمتنوعة التي يعيشون بين ظهرانيها. فيهود أثيوبيا، اكتسبوا هويتهم من خلال التشكيل الحضاري الأفريقي، تماماً مثلما اكتسب يهود الولايات المتحدة من محيطهم الحضاري.

    ومتاحف أعضاء الجماعات اليهودية ليست ذات أهمية خاصة في ذاتها، غير أنها ذات أهمية منهجية خاصة، إذ تُبىِّن بشكل مثير زيف مقولة الهوية اليهودية والتراث اليهودي وضعف مقدرتها التفسيرية.

    ولنتخيل أحد العلماء يود أن يشيِّد متحفاً إثنو جرافياً يهودياً، فماذا سيواجه؟ سيجد أمامه مواد عديدة: أزياء وتماثيل وشمعدانات مينوراه بعضها من بخارى والبعض الآخر من اليمن، ومن الصين القديمة والحديثة، وروسيا في القرن التاسع عشر، وبولندا في القرن السادس عشر، ومن مصر في العصر الهيليني والروماني، ثم في بداية الفتح الاسلامي، ثم بعد ذلك في عصورها المختلفة (الطولوني والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني)، ثم في العصر الحديث. كما سيجد أمامه مواد من عشرات البلاد والعصور الأخرى. فإن أصر على أن يهودية هذه الأشياء الإثنوجرافية هي العنصر الأساسي فيها، فلن يمكنه التعامل معها ولا تصنيفها، ولذا سيجد نفسه مضطراً لتصنيفها على أساس عشرات المجتمعات التي وُجد داخلها اليهود، وكان لكل منها عاداتها وتقاليدها التي استوعبها اليهود بحيث أصبحوا جزءاً منها وأصبحت جزءاً منهم. ولنتخيل عالماً يحاول أن يؤسس متحفاً للفنون اليهودية، فإنه سيجد لوحات وتماثيل من عشرات الأزمنة والأمكنة لا تتبع نمطاً فنياً يهودياً، وإنما أنماطاً فنية مختلفة. ولا شك في أن الأعمال لها علاقة بأعضاء الجماعات اليهودية كأن يكون العمل الفني يتناول موضوعاً يهودياً أو صاغته يد فنان يهودي، ومع هذا لا يمكن فهم هذا العمل إلا بالعودة للحضارة التي أبدع فيها.

    بل إن معمار المتحف نفسه سيكون مشكلة، إذ لا يُوجَد «معمار يهودي». ويتبدَّى هذا في معمار المعابد اليهودية التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. ولذا، نجد أن متحفاً يهودياً في الولايات المتحدة يأخذ شكلاً حداثياً تفكيكياً وآخر يُشيَّد على الطراز القوطي وثالث يأخذ شكلاً يُقال له سفاردي وهو في واقع الأمر إسباني أو برتغالي. وفي إسرائيل شُيِّد أحد المتاحف على هيئة قرية عربية على تل، وأخذ كل جناح شكل منزل عربي، وقد أورد مدير المتحف هذه العبارة في الكتيب الذي يوزع في المتحف فشطبتها الرقابة الإسرائيلية، وكتبت بدلاً من ذلك أن المتحف شُيِّد على طراز قرية من قرى البحر الأبيض المتوسط، وذلك لاستبعاد كلمة «عربية». ولكن ما يهمنا في هذا السياق أنه لم يتحدث عن «قرية يهودية» أو «معمار يهودي».

    وقد أُسِّس أول متحف لأعضاء الجماعات اليهودية في ألمانيا في برونزويك في منتصف القرن الثامن عشر، وكان متحفاً دينياً، أي أن اليهودية فيه عُرِّفت على أساس ديني وحسب. فكان المتحف يضم بعض الأدوات التي تُستخدَم في الشعائر، وقد عرضت بسبب وظيفتها الدينية لا لأنها تعبِّر عن هوية قومية أو إثنية. ثم بدأت بعض المتاحف القومية تضم أقساماً يهودية (مثل الصالة العبرية في متحف اللوفر)، ويظل الهدف هنا دينياً أو تاريخياً بالمعنى الديني، بمعنى أنه تعبير عن اهتمام العالم المسيحي بالعهد القديم، أحد كُتب المسيحية المقدَّسة. وفي عام 1878، تم تنظيم معرض للأدوات الشعائرية اليهودية والفنون المرتبطة بالشعائر في باريس (في المعرض العالمي في تروكا ديرو).

    وكان التوجه، في كل المعارض السابقة دينياً. ولكن، مع تزايُد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، ومع ظهور الحركات القومية والعرْقية، أصبحت كلمة «شعب» مقصورة على جماعة ذات تراث مشترك وتنتمي لعرْق واحد. ولذا، بعد أن كان الشعب اليهودي يُعرَّف تعريفاً دينياً، أُعيد تعريفه تعريفاً عرْقياً علمانياً حتى يصبح « شعب مثل كل الشعوب » كما يقول الشعار الصهيوني. ولكن إشكالية المتحف اليهودي (العامة) تكمن في أن كل جمـاعة يهودية أخـذت تؤسِّـس متحـفاً خاصاً بها، وبالتالي أصبح هذا المتحف تعبيراً عن هويتها المحدَّدة (كالألمان اليهود أو البولنديين اليهود، وهكذا) لا تعبيراً عن هوية قومية يهودية عامة ومجردة. فتم تأسيس متحف في وارسو لأعضاء الجماعة اليهودية في بولندا، ومتحف في برلين لأعضاء الجماعة اليهودية هناك، وعدة متاحف أخرى أُسِّست جميعاً في العقد الأخير من القرن التاسع عشر والثلاثة عقود الأولى من القرن العشرين، وقد سقطت معظم هذه المتاحف في يد النازي. والنازيون لا يعارضون البتة فكرة الهوية اليهودية القومية العالمية، وفكرة الشعب اليهودي ذي التراث المستقل والشخصية والهوية المستقلة والتراث الحضاري المسـتقل، ولذا أسَّـس النازيون متحـفاً يهودياً في براغ (تشيكو سلوفاكيا)، وهذا ينهض دليلاً حياً على مدى تلاقي الرؤيتين الصهيونية والنازية.

    ولكن أهم المتاحف اليهودية هو المتحف اليهودي في نيويورك الموجود في الفيفث آفنيو Fifth Avenue (الطريق الخامس) والذي كان في أصله بيت فيلكس وفريدا ووربورج. ومن المفارقات أن المتحف مبني على الطراز القوطي، وهو طراز معماري وفني انتشر في أوربا في الفترة من القرن الثاني عشر وحتى القرن الخامس عشر حين حل محل الفن الرومانسكي، ويتميَّز الفن القوطي بأنه انسيابي تصوُّفي روحاني. أما المعمار القوطي فكان يتميَّز بالأبراج المرتفعة والأسقف المرتفعة المعقودة (المقنطرة) وتوجد بين النوافذ الملونة المرتفعة ما يُسمَّى بالإنجليزية «تريسري tracery» أي «الزخرفة التشجيرية»، وهي زخرفة قوامها خطوط مشجرة، خصوصاً في أعلى النافذة. كما يتَّسم المعمار القوطي بالأكتاف الطائرة. وهو، على كل حال، طراز مسيحي مرتبط تماماً بالحضارة المسيحية ويعبِّر عن روحها. وحينما تقترب من المتحف لا تجد ما يُميِّزه من الخارج، فالزخارف كلها قوطية. وحتى بعد أن تدخله يظل الطراز القوطي محيطاً بك. ومعروضات هذا المتحف أعمال فنية مختلفة تتبع في أسلوبها وبنيتها ولغتها أسلوب وبنية ولغة الحضارات التي يعيش فيها أعضاء الجماعات اليهودية، وقد تعرَّضنا لبعض مقتنيات المتحف اليهودي في مدخل «الفن اليهودي».

    ولكل ما تقـدَّم، نجد أن مصطلح » المتحف اليهودي» لا يتسـم بالدقة، ونجد أن مقدرته التفسيرية والتصنيفية منخفضة للغاية، بل تكاد تكون منعدمة، ولذا نقترح بدلاً من ذلك مصطلح «متاحف أعضاء الجماعات اليهودية.»

    متاحف أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية
    Museums of the Jewish Community in the U. S. A
    الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة أهم الجماعات اليهودية فى العالم وأكثرها ثراءً وثقافةً واندماجاً في المجتمع الذي تعيش فيه. ولكنهم، رغم اندماجهم الفعلي، محتفظون بالخطاب الصهيوني العالي النبرة بشـكل ملحـوظ. وعلـو النبرة يُخبِّئ تزايُد معدلات الدمج والعلمنة. والعقد الاجتماعي الأمريكي مبني على السماح للمواطنين بأن يمارسوا هويتهم الدينية أو الإثنية خارج رقعة الحياة العامة، وبشكل لا يتناقض مع ولائهم للدولة الأمريكية، أي مع العقد الاجتماعي الأمريكي الأكبر. ولذا لا يمانع المجتمع الأمريكي في أن يشيِّد المواطنون متاحف تحتفي بوطنهم الأصلي وبأصولهم الإثنية، وبإسهام أعضاء هذه الأقليات في مجتمعهم الجديد، أي أن الوطن الأصلي يصبح الماضي الجميل ويصـبح موضـع الحنين الذي لا فاعلية لـه، أما أمريكا فهي الوطن الحالي، مسرح العمل والإنتاج ومصدر القيم. ومتاحف أعضاء الجماعات اليهودية تُعبِّر عن هذا الازدواج، حنين رومانسي دون مضمون أو انتماء حقيقي.

    وفيما يلي عرض لأهم متاحف أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة.

    1 ـ المتحف اليهودي في نيويورك:

    من أكبر وأهم متاحف الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، ومن أقدمها حيث تأسَّس عام 1904، ويضم واحدة من أكبر مجموعات المقتنيات الخاصة بالجماعات اليهودية المختلفة، وأكثرها تنوُّعاً في العالم، وتغطي فترة زمنية تمتد من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر.

    وتشمل المقتنيات التي يبلغ عددها 16.000 قطعة، قطعاً تخص الشعائر والطقوس الدينية اليهودية، ومنسوجات وأعمالاً خشبية ومعدنية، ومخطوطات، وعملات وميداليات وصوراً زيتية، ومطبوعات وأعمال نحت وصوراً فوتوغرافية. وتضم هذه القطع أعمالاً لفنانين قـدامى ومعاصـرين تتناول أعمـالهم موضوعات تخص الجماعات اليهودية، كما تضم أعمالاً لفنانين إسرائيليين.

    ورغم أن هذا المتحف، مثله مثل غيره من المتاحف اليهودية الأمريكية، يحاول طرح تصوُّر لهوية يهودية عالمية، إلا أنه في الواقع يبرز عدم التجانس بين الجماعات اليهودية المختلفة وغياب ما يمكن أن يُسمَّى «الفن اليهودي»، حيث نجد أن مقتنياته من قطع إثنوجرافية وفنية تتنوَّع، من حيث البنية الجمالية وطريقة التناول والصناعة والطراز، بتنوُّع التشكيل الحضاري الذي يُوجَد فيه أعضاء الجماعات اليهودية وباختلاف المرحلة التاريخية التي ترجع إليها كل قطعة.
    ومخزون المتحف من المعروضات ضخم والمساحة ضيقة، ولذا يتم تغيير المعروضات دائماً. وإن كان هناك بعض اللوحات والأعمال الفنية المهمة (والتي أشرنا لبعضها في مدخل «فنون الجماعات اليهودية») تُعرَض بشكل دائم.

    كما يضم المتحف قسماً لأرشفة البرامج الإذاعية والمرئية والتي تتناول مواضيع تخص الجماعات اليهودية أو أعمالاً يشارك فيها الأمريكيون اليهود. ويقوم المتحف بنشاطات كثيرة، كما هو الحال مع متاحف الولايات المتحدة التي تحوَّلت إلى مؤسسات تعليمية مجانية. وهناك عروض سينمائية ومحاضرات وجولات في المتحف (أسبوعياً)، بل وينظِّم المتحف رحلات خارج الولايات المتحدة لأعضائه. ويُوجَد فيه محل لبيع الكتب والتحف ذات المضمون اليهودي الأمريكي وغير الأمريكي.

    2 ـ متحف سكيربال لكلية الاتحاد العبري بلوس أنجلوس:

    يُقارب هذا المتحف، المتحف اليهودي في نيويورك من حيث أهمية مقتنياته. افتُتح عام 1972. وتضم مقتنياته قطعاً أثرية من الشرق الأدنى القديم، وقطعاً فنية تخص الشعائر والطقوس الدينية، من أهمها: أغلفـة مُطرَّزة للتـوراة من بافاريا، وعقــود زواج (كتوبوت) إيطالية مزخرفة، ومجموعة من المشغولات الفضية الأوربية من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

    3 ـ متحف بناي بريت كلوتزنيك في واشنطن:

    تأسَّس عام 1957، وتضم مقتنياته قطعاً فنية تخص الشعائر والطقوس الدينية، وقطـعاً من الرسم والصور الزيتية والنحت والمطبوعات. ومن أهم المقتنيات، غلاف حريري ايطالي للتوراة من القرن السادس عشر، وأزياء السيدات البولنديات اليهوديات تعود للقرن الثامن عشر.

    4 ـ متحف يهودا ماجنيس التذكاري في بركلي (كاليفورنيا(:

    افتُتح عام 1962، وهو من أكبر متاحف الجماعات اليهودية. وتتميَّز مقتنياته بتنوُّع مصادرها، فيضم قطعاً قيمة تخص الشعائر الدينية ومنسوجات وأزياء وميداليات وأحجبة تخص الجماعات اليهودية في أوربا وفي المغرب وتونس ومصر والهند، والتي تعكس اللغة الفنية والتقاليد الحضارية السائدة في هذه المجتمعات. كما يضم مجموعة من المقتنيات الخاصة بالإبادة. كما يضم المتحف مكتبة وثائقية تعرض إسهامات الأمريكيين اليهود في تطوُّر الفن الأمريكي، ومكتبة من الكتب النادرة والمخطوطات تضم كتباً ودوريات بالإنجليزية والعبرية واليديشة واللادينو. ومن بين المخطوطات: خطابات تحمل توقيعات من شخصيات يهودية شهيرة مثل ألبرت أينشتاين وهنريش هايني.

    5 ـ متحف إسبيرتوس للمقتنيات اليهودية في شيكاغو:

    تأسَّس عام 1967، ويتشكل الجزء الأكبر من مقتنياته من قطع تخص الشعائر والطقوس الدينية، خصوصاً المنسوجات والأزياء، وقطع ذات صلة بالإبادة النازية. ومن بين مقتنياته، مخطوطات يمنية من القرن التاسع عشر وقطع فنية دينية من شمال أفريقيا.

    ونظراً لأن الجزء الأكبر من المقتنيات تنتمي إلى فترة ما بعد القرن الثامن عشر، فإن كثيراً منها يعكس القيم الجمالية وتأثيرات الحركات الفنية السائدة في بدايات القرن العشرين. فهناك مثلاً كثير من القطع المتصلة بالشعائر الدينية تعكس الطراز الفني الألماني المعروف باسم آرت نوفو. ويقدِّم المتحف، مثله مثل غيره من المتاحف الأمريكية، خدمات تثقيفية وتعليمية.

    6 ـ متحف جامعة يشيفاه في مدينة نيويورك:

    تأسَّس عام 1973، وتضم مقتنياته قطعاً ذات صلة بالشعائر الدينية، ومنسـوجات وأزياء تنتمي إلى القرنين الثامن عشـر والتاسع عشر، وصوراً زيتية وقطعاً من النحت، ومخطوطات، وكتباً نادرة وصوراً فوتوغرافية. كما يضم قطعاً تخص الأمريكيين اليهود. ومن بين المقتنيات، قطعة من منسوجات الجوبلان من القرن الثامن عشر لفنان فرنسي، ومتعلقات تخص بعل شيم طوف مؤسِّس الحسيدية في شرق أوربا، وقطع فنية لفنانين من اليهود في فترة بداية الحركة الصهيونية. ويقدِّم المتحف أيضاً برامج تثقيفية وتعليمية.

    7 ـ المتحف القومي للتاريخ اليهودي الأمريكي في فيلادلفيا:

    تأسَّس عام 1976، وهو مخصَّص لتوثيق تاريخ الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، ولعرض إسهام أعضائها ودورهم في الحياة والحضارة الأمريكية، ولكنه لا يطرح تصوُّر هوية يهودية عالمية.












  2. #12
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    متاحـف الإبــادة في الولايـات المتـحدة
    Holocaust Museums in the U. S. A
    موضوع الإبادة من الموضوعات الأساسية التي تختص بها متاحف أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة. وقد بدأت تظهرمتاحف مكرَّسة لهذا الموضوع أهمها:

    أولاً: متحف إحياء ذكرى الإبادة النازية ليهود أوربا:

    اسمه الرسمي بالإنجليزية هو: هولوكوست ميموريال ميوزيام Holocaust Memorial Museum، وقد افتتحه الرئيس كلنتون في الأسبوع الأخير من أبريل 1993. وبُني المتحف في ميدان (أو أرض) المعارض الشهير في واشنطن (يُشار إليه بالإنجليزية على أنه «ذي مول The Mall»). ويمكن رؤية تمثال واشنطن الشهير من البقعة التي أُقيم فيها المتحف. وقد تكلَّف نحو 90 مليون دولار، وصمَّمه المهندس الأمريكي اليهودي جيمس فريد Freed الذي يبلغ من العمر 56 عاماً والذي هرب مع أسرته من ألمانيا عام 1939 . وينطلق المتحف من فكر فلسفي واضح يترجم نفسه إلى معمار، إذ يذهب فريد إلى أن ثمة شيئاً لا يمكن تصديقه، شيئاً مستحيلاً في هذا المشروع، أي مشروع إنشاء المتحف، وهو بهذا يؤكد الرؤية الصهيونية للإبادة، إذ تم تحويلها من مجرد جريمة شنعاء ارتكبها أحد المجتمعات الغربية (ألمانيا النازية)، ضد مجموعات بشرية مختلفة في أوربا من بينها اليهود، إلى شيء ميتافيزيقي لا يمكن فهمه، يقف خارج التاريخ والزمان وهو موجَّه ضد اليهود وحدهم. ولذا، قرر فريد أن يبني متحفاً لا يتسم بالتناسق أو التحضر على حد قوله، ثم أضاف: « لا أعتقد أن هذا المبنى سيكون حسن السير والسلوك، فأنا لا أُطيق التجميل، فهذا هو ما فعله النازيون في معسكرات الاعتقال، فالواجهات كانت على الطراز التيرولي Tyrolean وكانت النوافذ تزينها «أصص الورد». ولذا، لابد أن يبعث هذا المبنى الإحساس بالسر والخوف وعدم التصديق ». والمشكلة التي واجهها المهندس المصمم فريد ـ على حد قول أحد النقاد ـ هي: هل يمكن أن يعبِّر المعمار المتحضر عن شيء غير متحضر؟

    ولحل كل هذه المشاكل، قرر المهندس ألا يكون المتحف جميلاً أكثر من اللازم، وإلا تصوَّر المشاهد أن الإبادة هي مجرد حدث كبير آخر في مسار التاريخ. ولو أخذ المتحف شكلاً عكسياً وتحاشى المصمم معمار الضخامة النيو كلاسيكي السائد في واشنطن وتبنَّى طرازاً صناعياً (حتى يوحي بجو آلية المصنع الذي كان سائداً في معسكرات الاعتقال) فإنها قد تؤدي إلى تتفيه الحدث. وإن تبنَّى المتحف أسلوباً حرفياً في تقـديم الإبادة، فإنه قد يبـعث الاشـمئزاز في نفـس الزوار فينصرفون عنه، ولذا، فإن هذا المبنى يجب ألا يكون جميلاً أكثر من اللازم، ولا قبيحاً أكثر من اللازم، وهو ما يعني أن أي مبنى تقليدي لن يَصلُح له.

    وكان من الممكن (هكذا كان يفكر المصمم على حد قول أحد النقاد) أن يكون المبنى محايداً تماماً، مجرد حائط يضم المعروضات باعتبارها قيمة مطلقة لا يستطيع أي معماري مهما بلغ ذكاؤه أن يبرزها، فهي تقف بذاتها وكأنها السر الإلهي. ولكن هذا الحل يعني فشل المعمار الحديث في أن يواجه التحدي. وأخيراً كان من الممكن أن يتخلى المصمم تماماً عن الفكـرة ويعـلن أنها لا يمكن التعبير عنهـا. ولكن هذا الحل حل يتسـم بالجبن، فهو يعني أن الفنان ليست له رسالة اجتماعية.

    بقيت مشكلة أخيرة، وهي أن هذا المبنى رغم تفرُّده لابد أن يكون جزءاً من مباني المتاحف في واشنطن. وقد تقدَّم المهندس المصمم برسومات المعرض للجنة الفنون الجميلة التي تراقب المعمار في واشنطن، ولكنها رفضته؛ إذ وجدته يؤكد رسالته بشكل جازم أكثر من اللائق. بل إن بعض أعضاء اللجنة ألمحوا إلى أن مثل هذا المتحف لا ينتمي إلى عاصمة الولايات المتحدة لأن الإبادة النازية ليست جزءاً من تاريخ أمريكا، وذلك إلى جانب أنها تجربة مؤلمة. ولكن، تم التغلب على هذا الاعتراض الأخير بالإشارة إلى الحائط التجريدي الذي صممه مايا يانج لين لضحايا حرب فيتنام، فهو نصب تذكاري سيُذكِّر المشاهدين بلحظة تاريخية محزنة. وتمت في نهاية الأمر، الموافقة على تصميم المبنى بعد تعديله، وهو يمتد من شارع 14 إلى شارع 15 شرقي طريق الاستقلال ليكون بين مبنيين، أحدهما على الطراز الكلاسيكي والآخر على الطراز الفكتوري.

    وهنا أثيرت قضية واجهة المعرض، ودار الحوار لا في إطار جمالي محض، وإنما في إطار معرفي عميق. فواجهة المعارض الموجودة في المول Mall تتبع في معظم الأحيان الطراز النيوكلاسيكي، وهو طراز يحاكي بشكل واع المعمار اليوناني الروماني الوثني، أي أنه يشكِّل عودة إلى الحضارة الوثنية التي سبقت عصور الظلام المسيحية، وهي حضارة سادت فيها قيم العقل والتوازن دون غيب أو أساطير، ولذا فإن المعمار يتسم بالبساطة والجلال.وقد كان مؤسسو الجمهورية الأمريكية مغرمين بهذا الطراز،ولذا نجد أن جيفرسون أسس منزله في مونتشيلو على نفس الطراز،وكانت معظم مباني واشنطن حتى عهد قريب تتبع هذا النمط.

    قرر المهندس فريد أن واجهة متحف الإبادة لا يمكن أن تعبِّر عن عصر التنوير والعقل (بالإنجليزية: إنلايتينمنت Enlightenment)، بل لابدوأن تعبِّر عن الإظلام واللاعقل (بالإنجليزية: إنداركنمنت Endarkenment). ولذا، تقرر أن تكون واجهة المتحف ومدخله على الطراز التيرولي (مثل معسكرات الاعتقال والإبادة). وهو يتشابه تشابهاً لا يستهان به مع اتجاه الحداثة الفيينِّي (نسبة إلى فيينا) الذي ظهر مع نهاية القرن، وذلك من حيث دقة القوس والتفاصيل الكلاسيكية البارزة. وتم تصميم هذا المدخل بناءً على طلب لجنة الفنون الجميلة (ففي التصميم الأصلي كان هناك إفريز بارز يتصف بأنه مصطنع وينذر بالشؤم ويوحي بالخوف). ويؤدي المدخل إلى صالة الشهادة وهي مصنوعة من الطوب الخشن ولها سقف زجاجي مُعلَّق على عروق حديدية مكشوفة،تسمح بدخول الضوء (الأمر الطبيعي الوحيد الذي لم ينجح النازيون في القضاء عليه).وهي بذلك تذكِّر المشاهد بمعسكرات الاعتقال وأفران الغاز.ويخيِّم على هذا المعمار الصناعي فراغ معتم ثقيل يوحي بجو من القلق المتعمد، فخطوطه غير مستقيمة.ويوجد في المتحف سلم متسع عند قاعدته يضيق بالتدريج حتى يُشْعر الزوار بالزحام وكأنهم في أحد معسكرات الاعتقال.ويبدو السلم في نهايته منحرفاً داخل منظور زائف.

    ويحـاول المهنـدس أن يعبِّر عن إحسـاسـه بعدم الراحة بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال، يوجد في الحائط الحجري في آخر هذه الصالة شقوق. وبوابات الأجنحة معدنية ثقيلة. وتوجد مكاتب موظفي المتحف داخل أربعة أبراج، لتذكِّر الزائر بأبراج المراقبة في معسكر الإبادة، بل إن المصعد الذي يُستخدَم للوصول إلى هذه المكاتب يجعل الزائر يشعر بعدم الراحة، فهو ضيِّق والإضاءة فيه بيضاء متوهجة وأبوابه مصنوعة من المعدن الرمادي، تُغلَق وتُفتَح بصعوبة كأبواب أفران الغاز. وتضم صالات العرض صوراً وأعمالاً فنية عن الإبادة، وكل مقتنيات المتحف هي أشياء أصلية كانت تستخدم بالفعل في معسكرات السخرة والإبادة، وتوجد شاشات تليفزيون تُعرَض فيها أفلام تروي أحداث الهولوكوست وأخرى تروي تاريخ معاداة اليهود، ولهذا السبب وضعت الشاشات على ارتفاع متر ونصف حتى لا تسبِّب إزعاجاً للأطفال.

    ويُعْطَى كل زائر بطاقة كومبيوتر عليها صورة أحد الضحايا، بحيث يمكنه أن يتابع قصته من خلال شاشات عرض موجودة في أماكن مختلفة ويسمع مُشاهد العرض تسجيلات لأصوات الجنود الأمريكيين الذين حرروا معسكرات الاعتقال وهم يعبِّرون عن إحساسهم بالصدمة العميقة لما يشاهدونه. ويُوجَد في الدور الثالث شارع من الحجر وكوبري خشبي تؤدي بالزائر الى جناح عن جيتو وارسو الذي شهد أعمال المقاومة اليهودية ضد النازيين.

    ويُقال إن المتحف لم ينس ضحايا الإبادة الآخرين مثل الغجر وغيرهم. ولم ينس كذلك بعض الأغيار الذين ساعدوا اليهود على الفرار من النازيين، ولذا يضم هذا المتحف قارباً من ذلك النوع الذي كان يستعمله الدنماركيون في إنقاذ اليهود.

    وهناك خارج المتحف، صالة أخرى تُسمَّى «صالة الذكرى» بنيت على شكل سداسي وارتفاعها 75 قدماً، وسقفها على هيئة قبة. وكان ارتفاع الصالة في الأصل 80 قدماً، كما أن المتحف كله كان من المفروض أن يكون بارزاً في ميدان المتاحف بنحو 40 قدماً. ولكن اللجنة أصرت على أن يكون بمحاذاة المباني الأخرى، كما تم إنقاص حجم المتحف كله 10% (يبلغ حجم المتحف 36 ألف قدم مربع، وتستغرق مشاهدته ثلاث ساعات)، ولكن هذا المبنى السـداسي يظل بمفـرده بارزاً فـي أرض المتـاحف، لا نوافـذ له ولا زخــارف على حوائطـه سـوى اقتباسـات من العهد القديم تأخذ شكل نقوش بارزة. كما أن هناك على الحائط كوَّات تشبه المحراب الصغير يمكن أن تُوضَع فيها مئات الشموع المشتعلة لإحياء ذكرى ضحـايا الإبادة النازية. وتُضَاء هذه الصالة بالنور الطبيعي من ناحية السقف، حيث تكون الحوائط فارغة تماماً. وهيئة الصالة من الخارج لا تختـلف عن داخلهـا، فهي عاريــة من الزخـارف أيضاً إلا من بعض التفاصيل ذات الطابع الكلاسيكي الصارم. وتعطي الصـالة الإحسـاس بأنهـا شيء ضخم ومجرد يقف في أرض المتاحف.

    وتُذكِّر صالة الذكرى المرء بقدس الأقداس في هيكل سليمان وهيرود. بل يمكن القول بأن المتحف ككل يشبه هيكل سليمان. وإذا كان اليهود يعبدون في هيكل سليمان إلههم، فإنهم في متحف الإبادة النازية يعبدون أنفسهم (اليهود أو الشعب اليهودي الذي يتحوَّل هو نفسه إلى الشيم هامفوراش، الاسم المقدَّس والأعظم الذي لا يستطيع أحد أن يتفوَّه به إلا كبير الكهنة في قدس الأقداس يوم الغفران) باعتبار أن تجربة الإبادة التي حدثت لليهود تجربة تتحدى قدرة الإنسان على الإفصاح عما في داخله.

    وقد وُصف معمار المتحف بأنه تفكيكي ينتمي إلى عالم ما بعد الحداثة، ونحن نرى أن هذا وصف دقيق للنموذج الكامن وراء هذا المتحف ولكل تفاصيله التي يتجلى من خلالها النموذج. ففكر ما بعد الحداثة (التفكيكي) يصدر عن الإيمان بأن العلاقة بين الدال والمدلول (الكلمة ومعناها أو الاسم والمُسمَّى) علاقة عشوائية مترهلة، ولذا فاللغة ليست أداة جيدة لتوصيل المعنى أو التواصل بين الناس، وكأن الكلام حبر على ورق: حادثة إمبريقية مادية قد لا تحمل مدلولاً يتجاوز وجودها المادي، بل هو كسائل أسود تناثر بطريقة ما على صفحة بيضاء.

    ويواكب هذا إدراك الإنسان الغربي أن كل أشكال اليقين داخل منظومته الحضارية قد تهاوت بتهاوي المنظومات والمرجعيات المعرفية الأخلاقية والإنسانية، الإيمانية وغير الإيمانية، ولذا فالواقع الخارجي لا يمكن الوصول إليه ولا يمكن تصنيفه أو ترتيبه، فهو لا مركز له ولا يمكن الحكم عليه ولا يمكن محاكمته. ولذا لا يبقى إلا الشيء في ذاته، فيصبح هو نفسه دالاً ومدلولاً وهو مرجعية ذاته. والإبادة هي حدث مرئي يستطيع الإنسان أن يجرِّبه، ولكنه لا يمكنه الإفصاح عنه، فالإبادة صورة تكاد تكون دالاً بلا مدلول أو مدلولاً لا يمكن لأي دال أن يدل عليه. إن الإبادة هي الأبوريا aporia: الهوة التي تفغر فاها والتي لا قرار لها؛ الهوة التي تنفتح بعد تساقُط كل المرجعيات فلا يرى الإنسان سوى العدم، أو الإبادة النازية لليهود. وكيف تم توصيل ذلك؟ عن طريق إعادة خلق جو المعسكرات ومن خلال وضع الأشياء التي استُخدمت فيها أمام المتفرج حتى يجربها دون وساطة أو دوال، والأشياء هنا (مثل الإبادة) هي أيضاً دال دون مدلول أو مدلول دون دال، أو دال هو ذاته مدلول، فالشيء هو الاسم والمسمَّى.

    ورغم ذكر بعض الضحايا غير اليهود، إلا أن المتحف بطبيعة الحال يحاول أن يؤكد أن اليهود هم الضحية، وأن الأغيار تركوا اليهود لمصيرهم (ولعل ذكر الغجر وغيرهم من ضحايا النازي كان ذراً للرماد في العيون وتحسباً لما قد يثار من ضجة بسبب الرؤية الصهيونية التقليدية التي تجعل اليهود الضحية الوحيدة). ويُذَكِّر المتحف الشعب الأمريكي بعدم اكتراثه بالإبادة النازية، وبأن الحكومة الأمريكية رفضت السماح للباخرة سانت لويس عام 1939 بالرسو في الشواطئ الأمريكية رغم أنها كانت تحمل 1128 لاجئاً يهودياً فارين من هتلر، ورغم أنها وصلت حتى هـافانا. إلا أنهـا أُعيـدت إلى ألمانيا ليلاقي الفارون مصيرهم. ورفض الحلفاء أن يقوموا بغارات على معسكرات الاعتقال ورفضوا كذلك ضرب خطوط السكك الحديدية التي تؤدي إليها. ويشير المتحف كذلك إلى مؤتمر إيفيان الذي دعا إليه الرئيس روزفلت عام 1938، حيث رفض ممثلو بعض الدول الأوربية أن يسمحوا لليهود الهاربين من الرايخ الثالث بالهجرة إليها.

    وإذا كان المتحف يُجسِّد أطروحة فكرية أساسية في تجربة أعضاء الجماعات اليهودية (الإبادة باعتبارها دالاً متجاوزاً يعجز العقل عن الإحاطة به) وفي الحضارة الغربية الحديثة (فكرة ما بعد الحداثة والتفكيكية)، فإن من حقنا أن نثير من جانبنا بعض الإشكاليات، فالإبادة ظاهرة تاريخية، يمكن تفسير كثير من جوانبها وفهمها واستيعابها:

    1 ـ الإبادة النازية ليست فعلاً فريداً في الحضارة الغربية الحديثة التي قامت بإبادة سكان الأمريكتين وملايين السود من أفريقيا.

    2 ـ رغم أن المتحف قد ذكر الضحايا غير اليهود، إلا أن التركيز ظل أساساً على اليهود. والسؤال الذي طرحه الكثيرون هو سؤال ذو مغزى عميق: لماذا لم يُقَم متحف عن الإبادة الأمريكية للسكان الأصليين ولتاريخ أمريكا المظلم في استغلال العبيد السود إلى درجة تكاد تكون مترادفة مع الإبادة؟ ولماذا لم يذكر المتحف عشرات القساوسة الكاثوليك والرعاة البروتستانت الذين ضحوا بحياتهم من أجل اليهود؟

    3 ـ هناك الكثير من الحقائق التي قام المتحف بإخفائها، فالمتحف لم يذكر شيئاً عن تعاون كثير من قيادات الجماعات اليهودية (خصوصاً الصهاينة) مع النازيين، وتجاهل سؤالاً مهماً هو: هل كانت المقاومة اليهودية للإبادة النازية بالقوة المطلوبة؟ وهل كان بإمكان آلة الفتك الألمانية أن تستمر في الدوران لو رفض ملايين الضحايا أن يتعاونوا مع قاتليهم؟ بل ولنأخذ قضية مثل إنقاذ اليهود. فمن المعروف أن القيادات الصهيونية لم تكترث بذلك كثيراً، بل من المعروف أن القيادات الصهيونية كانت تعارض إنقاذ اليهود عن طريق فتح أبواب الهجرة أمامهم في بلاد أخرى غير فلسطين. وقد جلست مندوبة المُستوطَن الصهيوني في مؤتمر إيفيان، وكان اسمها جولدا مائير، دون أن تبدي أي اهتمام بعمليات الإنقاذ التي عُقد المؤتمر من أجلها. وبعد الحرب، حينما سُئلت عن سبب عدم اكتراثها هذا، عللته بأنها لم تكن تعرف حجم الكارثة.

    4 ـ احتج الألمان على الصورة المُبتسَرة التي قُدِّمت عن ألمانيا. فتاريخ ألمانيا يمتد عدة مئات من السنين قبل الإبادة، وما يزيد على أربعين سنة بعدها، فلماذا التركيز على هذه الحقبة دون غيرها؟. ولذا، اقترحت الحكومة الألمانية أن يُلحَق جناح عن ازدهار الديموقراطية الألمانية بعد الحرب. وغني عن القول أن الطلب قد رُفض.







  3. #13
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    ثانياً: متحف الإبادة فى لوس أنجلوس:

    يبدو أن بعض قطاعات الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بدأت تدرك خطورة احتكار دور الضحية، ولذا نجد أن متحف الإبادة الذي شُيِّد في لوس أنجلوس (الذي افتُتح في فبراير 1979) يُدعَى «بيت شواح (أي بيت الإبادة) ومتحف التسامح». ولهذا الاسم المزدوج أعمق دلالة، فهو يضع الدائرة اليهودية داخل دوائر أخرى مشابهة. تتسم واجهة المتحف بأنها حديثة محايدة، فهي مصنوعة من الجرانيت والزجاج، ويمكن القول بأن معمار المتحف ككل يتسم بالحداثة (ولا يتحيَّز إلى ما بعد الحداثة). فهو بواجهته وأدواره الأربعة لا يختلف عن كثير من المباني المحيطة به.

    وكما أسلفنا ينقسم المتحف إلى قسمين، ولنبدأ بالقسم المُخصَّص للتسامح، وهو يغطي تاريخ التعصب في الولايات المتحدة منذ إبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر) حتى حادثة ضرب رودني كينج وتبرئة ضباط الشرطة الذين قاموا بضربه. وتتضح حداثة المتحف في استخدامه التكنولوجيا المتقدمة بشكل مكثف. فحينما تدخل المبنى يقابلك إنسان مكوَّن من 10 أجهزة فيديو، يخبرك أنك إنسان فوق المتوسط، لا تشعر بأي تعصُّب ضد الآخرين، ولكنه يستمر في الحديث ليُبيِّن بعض أشكال التعصب الكامنة في النفس البشرية. وحينما تتركه، ستجد أمامك بابين: واحد للمتعصبين وواحد لغير المتعصبين.وبطبيعة الحال،سيتجه الجميع وبشكل تلقائي للباب الثاني،ولكنهم سيكتشفون أنه مغلق (فهل هذا يعني أن كل البشر متعصبون؟).ثم يدلـف المتفـرجـون إلى صــالة يسمعون فيهــا همســات المتعصــبين،ويشــاهدون فيها أفلاماً عن إبادة الأرمن والكمبوديين وسكان أمريكا الأصليين في أمريكا اللاتينية.

    أما القسم الثاني الخاص بالإبادة، فتوجد به صالة الشهادة التي يمكنك فيها أن تسمع التواريخ الشفهية التي يرويها الضحايا، وشهادات من لا يزال على قيد الحياة. وهناك إحياء لذكرى الأغيار الأتقياء «رايتيوس جنتايلز righteous gentiles» ممن ساعدوا أعضاء الجماعات اليهودية في محاولة الفرار من النازيين، كما توجد غرفة يمكنك أن تجد فيها تقارير متجددة عن جرائم الكره والتعصب. وفي الوقت الحالي، على سبيل المثال، يمكن أن يتابع الزوار أولاً بأول جرائم التطهير العنصري في البوسنة. وكما هو الحال في متحف إحياء ذكرى الإبادة في واشنطن، فإن كل زائر في المتحف يُعطَى بطاقة تحمل صورة أحد الضحايا يمكنه أن يتابع قصة حياته من خلال شاشات العرض المختلفة في المتحف.

    وتوجد في الولايات المتحدة بضعة مراكز تذكارية ومتاحف أخرى صغيرة مُخصَّصة للإبادة النازية (مركز دالاس التذكاري لدراسات الإبادة ـ مركز الإبادة النازية التذكاري في ميشحان). ويبدو أن من المقرر إقامة متحف في نيويورك باسم «ذكرى الإبادة النازية ـ متحف التراث اليهودي».

    ويذهب بعض المعلقين إلى أن هذه المتاحف لن تؤدي إلى إحياء ذكرى الإبادة، وإنما سيتم من خلالها أمركة الهولوكوست، وأن الإبادة النازية ليهود أوربا ستصبح مثل ميكي ماوس وكوكاكولا وماكدونالد وألعاب الأتاري الإلكترونية المسلية. وبعد عدة سنين ستصبح الإبادة ماركة تجارية مسجلة (De Shoah Business على حد قول المجلة الألمانية دير شبيجل) لا علاقة لها بأوشفيتس، وإنما بمتحف في لوس أنجلوس أو واشنطن.

    ويعتقد الكثيرون، بناء على المنطق والملاحظة المباشرة، أن إنشاء متاحف الإبادة في الولايات المتحدة هو مؤشر آخر على الهيمنة الصهيونية واليهودية. ولكن من المفارقات أننا لو تعمقنا بعض الشيء لاكتشفنا شيئاً مدهشاً ومغايراً تماماً لما نتصور، فمما لا شك فيه أن هذا المتحف تعبير عن قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة. ولكن هل هذا يعني بالضرورة تعاظُم قوة إسرائيل؟ إن الربط الذي يقوم به العقل العربي بين النفوذ اليهودي والنفوذ الإسرائيلي هي عملية منطقية لا علاقة لها بالواقع المتعيِّن. فقد اعترضت الصحف الإسرائيلية على إقامة هذا المتحف وبقوة. وفي إسرائيل يوجد ضريح ياد فاشيم (النصب والاسم) الذي أُقيم لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة. وقد أصبح هذا النصب المزار الأساسي الذي يتعيَّن على كبار الزوار زيارته حينما يذهبون إلى إسرائيل. ويرى المستوطنون الصهاينة أن إسرائيل هي المركز القومي والحضاري والمعنوي ليهود العالم الذين يُشكِّلون بالنسبة لها مجرد الهامش أو الأطراف، ومن ثم لابد أن يظل المزار الأساسي للشعب اليهودي في الوطن القومي. ولذا، فإن إقامة متحف لإحياء ذكرى الإبادة النازية على هذا المستوى في عاصمة الولايات المتحـدة، وآخر في لـوس أنجلوس، يُشكِّل تحـدياً لوجهة النظر الصهيونية، ويُشكِّل محاولة من جانب يهود الولايات المتحدة لخلق مسافة بينهم وبين المستوطَن الصهيوني ليزيدوا قوة استقلالهم. ومن ثم، فإن متاحف الإبادة قد تكون تعبيراً عن مدى قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، ولكنها لا تُشكِّل تعاظماً للنفوذ الصهيوني وإنما تحدياً له.

    متاحـف أعضــاء الجماعــات اليهوديــة فـي أوربــا
    Museums of the Jewish Communities in Europe
    إذا حاولنا المقارنة بين المتاحف اليهودية الأمريكية والمتاحف اليهودية الأوربية، فسنجد أن مثل هذه المتاحف تعبِّر عن اتجاه داخل المجتمع الأمريكي وبين أبناء وأحفاد المهاجرين الذين جرى صهرهم وأمركتهم تماماً مع احتفاظهم بقشرة إثنية تعبِّر عن جذورهم وتراثهم الثقافي والإثني. أما في أوربا، فإن المتاحف اليهودية تهتم بالدرجة الأولى بعرض تراث الجماعات اليهودية التي عاشت في المجتمعات الأوربية، وهو تراث وتاريخ لا ينفصل عن تراث وتاريخ هذه المجتمعات، أو عن تطوراتها الاجتماعية والاقتصادية عبر الزمان.

    إنجلترا:

    تضم إنجلترا المتحف اليهودي في لندن، كما تم مؤخراً افتتاح متحفين جديدين:

    ـ متحف لندن للحياة اليهودية الذي تأسَّس عام 1983، وهو مُخصَّص لعرض جوانب من الحياة الاجتماعية للجماعة اليهودية في لندن في بداية القرن العشرين.

    ـ متحف مانشستر اليهودي، الذي افتُتح عام 1984، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ الجماعة اليهودية المحلية.

    فرنسا:

    تضم فرنسا متحف الفن اليهودي في باريس، وأغلب مقتنياته تخص الشعائر الدينية، كما يضم قطعاً من الفن الحديث. كذلك تضم بعض المتاحف الفرنسية، في باريس وفي الأقاليم، أقساماً مُخصَّصة لتاريخ وتراث الجماعة اليهودية في فرنسا.

    هولندا:

    تضم هولندا المتحف التاريخي اليهودي الذي أُعيد افتتاحه في مقره الجديد عام 1987، ويعتبر أكبر متحف من نوعه في أوربا الغربية. والمقر الجديد للمتحف يتكون من أربعة معابد إشكنازية يرجع تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقد تم ترميمها ووصلها ببعضها البعض. وتعبِّر معروضات المتحف الفنية والتاريخية عن التراث الثقافي للجماعة اليهودية في هولندا. وتعكس المعروضات المتصلة بالديانة اليهودية الاختلاف بين المذاهب اليهودية المختلفة. كما تعكس القطع المتصلة بالشعائر الدينية الاختلافات بين السفارد والإشكناز. ويُقدِّم المتحف أيضاً معروضات تتناول موضوعات الاضطهاد وتفاعُل الجماعة مع مجتمع الأغلبية والعلاقة مع إسرائيل.

    ألمانيا:

    تضم مدينة كولونيا متحفاً يهودياً، كما تم تحويل كثير من المعابد اليهودية في المقاطعات الألمانية المختلفة إلى متاحف تعرض تاريخ الجماعة اليهودية وتراثها المحلي. كما تم تحويل أحد المباني اليهودية القديمة في بلدة ورمز إلى متحف يعرض تاريخ يهود ورمز منذ القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر.

    وفي عام 1988، تم افتتاح متحف يهودي جديد في فرانكفورت مقره بيت عائلة روتشيلد. ويعتبر هذا المتحف أكبر متحف من نوعه في ألمانيا. ويعرض تاريخ وثقافة الجماعة اليهودية في ألمانيا بصفة عامة وفرانكفورت بصفة خاصة ومساهمتهم في المجتمع الألماني. كما يضم متحف برلين قسماً يهودياً.

    وقد تم استخدام المقر السابق للجستابو لعرض مقتنيات تتصل بفترة الإبادة النازية.

    النمسا:

    تضم النمسا المتحف اليهودي النمساوي الذي تأسَّس عام 1982 في ايزنشتادت في منزل يهودي البلاط سامسون فرتايمر (1658 ـ 1724). وهو مُخصَّص لعرض دور ومساهمة الجماعة اليهودية في المجتمع النمساوي منذ القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر. ومن المقرر افتتاح متحف يهودي في فيينا.

    إيطاليا:

    تضم إيطاليا عدة متاحف يهودية، من أهمها:

    ـ المتحف اليهودي في البندقية الذي افتُتح عام 1952. وتضم مقتنياته قطعاً من الفضة والمنسوجات المتصلة بالشعائر الدينية والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، وكذلك عقود زواج من عدة مدن إيطالية.

    ـ المتحف اليهودي في فلورنسا وتأسَّس عام 1982.

    ـ كما يوجد متحف يهودي في روما افتُتح عام 1977.

    اليونان:

    تضم اليونان المتحف اليهودي اليوناني في أثينا الذي تأسَّس عام 1977. وتضم مقتنياته قطعاً تخص الشعائر الدينية والأزياء التقليدية للجماعة اليهودية في اليونان والتي يعود تاريخ وجودها في اليونان إلى 2400 سنة مضت.

    بولندا:

    تم إعادة ترميم المعبد اليهودي في كراكوف، وتحويله إلى متحف عام 1980، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ وثقافة يهود كراكاوف. كما يضم المعهد اليهودي التاريخي متحفاً إلى جانب مكتبة وأرشيف.

    المجر:

    تضم المجر متحفاً يهودياً في بودابست تأسَّس عام 1895، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ وتراث الجماعة اليهودية في المجر منذ القرن الثالـث وحتى الوقت الحـاضر. ويضم المتحف قسـماً يتناول الفترة النازية، وقسماً آخر يتناول الحياة المعاصرة لأعضاء الجماعة اليهودية في المجر. وقد تمت إعادة ترميم بعض المعابد القديمة في أنحاء المجر، وقُدِّمت بعض المعروضات من خلال هذه المعابد.

    تشيكوسلوفاكيا:

    تضم تشيكوسلوفاكيا المتحف اليهودي التابع للدولة الذي أسَّسه النازيون وجمعوا فيه 200 ألف قطعة فنية من تشيكوسلوفاكيا، بل ومن كل أنحاء أوربا، وتُعَدُّ أهم مجموعة تُحَف تخص الجماعات اليهودية في العالم من ناحية الكم والكيف. ولا يزال هذا المتحف من أهم المتاحف اليهودية في العالم، ولا تزال نشراته ذات مستوى علمي رفيع. وللمتحف فروع في بعض المدن التشيكية





  4. #14
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    المتاحف في الدولـة الصهيونيـة
    Museums in the Zionist State
    تضم إسرائيل متاحف كثيرة لأقصى حد، فهي تضم 1500 متحف معظمهامتاحف آثار. ولكن يوجد أيضاً متاحف للتاريخ والعلوم والتكنولوجيا والتاريخ الطبيعي. لكن بعض هذه المتاحف لا يعدو أن يكون غرفة صغيرة في كيبوتس عُثر فيه على بعضالتماثيل أثناء زراعة الأرض. وقد كوَّن موشيه ديان مجموعة كبيرة من الآثار قامبسرقتها (وقد كان مشهوراً بذلك). وبعد موته، قامت أرملته ببيعها للدولة بثلاثةملايين شيكل، وهو ما أثار حفيظة بعض الصحف التي وصفت هذا الفعل بأنه « موت ثانلديان »، إذ كان يتعيَّن على أرملته أن تكفِّر عن سيئاته بإهداء مجموعة الآثارللدولة. وقبل تناول موضوعنا قد يكون من المفيد أن نحاول تفسير ظاهرة كثرة عددالمتاحف في إسرائيل أكثر من أي بلد بالنسبة لعدد السكان. فكثرة المتاحف تعود إلىعدة عناصر من بينها أن التجمُّع الصهيوني تجمُّع فسيفسائي يضم جماعات بشرية غيرمتجانسة أتت كل واحدة منها تحمل حضارتها وتراثها (البولندي أو الروسي أو العربي أوالإثيوبي)، وقد عبَّر هذا عن نفسه في عديد من المتاحف الإثنوجرافية. كما أن كثيراًمن هذه المتاحف يموِّلها أعضاء الجماعات اليهودية، إذ أنها بمثابة حلقة وصل بينهموبين المُستوطَن الصهيوني، وهي حلقة عاطفية ليس لها أي مضمون سياسي أو ديني، ولذا،فهي لا تسبِّب حرجاً ولا إحساساً بازدواج الولاء. كما أن تمويل المتحف عمل ثقافيإنساني عام تماماً مثل زراعة الشجرة، على عكس تمويل المستوطنات في الضفة الغربية،فهذا عمل سياسي مائة في المائة. ولذا، يُحجم يهود العالم عن تمويل المستوطناتولكنهم لا يجدون غضاضة في تمويل المتاحف. بل إن بعضاً ممن يدفعون التبرعات للمنظمةالصهيونية العالمية ينبهون على ضرورة عدم استخدامها في أوجه سياسية، كما أن المنظمةذاتها ترفض تمويل المستوطنات في الضفة والقطاع، على الأقل في سياستها العلنية.

    والمفارقة أن زيادة عدد المتاحف بهذا الشكل الضخم أدَّى إلى الإسهام في أحدالجوانب السلبية في الاقتصاد الإسرائيلي، وهو تضخُّم قطاع الخدمات على حساب القطاعالإنتاجي، الأمر الذي يزيد الاقتصاد الإسرائيلي طفيلية وهامشية.

    وتوجد فيإسرائيل أنواع وأصناف من المتاحف. فهناك متاحف الفنون القديمة وهناك متاحف الفنونالحديثة، الإسرائيلية وغير الإسرائيلية، اليهودية وغير اليهودية، وهناك أيضاً متاحفالعلوم التي توجد في أي مجتمع. كما توجد متاحف عن مدينة القدس في مراحل تطورهاكافة، ومتحف عن مدينة تل أبيب، ويوجد متحف يُسمَّى «هآرتس» (متحف الأرض) يضم عرضاًللزجاج والسيراميك، وهو أيضاً متحف إثنوجرافي يهتم بتاريخ مدينة تل أبيـب وتاريخحروف الهـجاء، وهـناك قبة سـماوية ملحقة به. وهذه المتاحف جميعاً تميزها الخصوصيةالإسرائيلية التي تعبِّر عن استيطانية التجمع الصهيوني. وتظهر هذه الخصوصية، أول ماتظهر في وجود عدد من المتاحف تعبِّر عن تاريخ فلسطين الحقيقي (قبل وصولالمستوطنين). فيوجد متحف روكفلر المتخصص في آثار فلسطين، ومتحف الفلكلور الفلسطيني،ومتاحف الفنون الإسلامية والمسيحية. كما أن الطبيعة العسكرية لنشأة التجمع الصهيونيتظهر في هذا العدد الهائل من المتاحف التي تغطي الجوانب العسكرية الاستيطانية. فهناك متحف للهاجاناه، وآخر للكيبوتسات، وثالث عن الجماعات السرية (العسكرية) الصهيونية قبل 1948. وهناك متحف المستوطنات الأولى، ومتحف تاريخ الاستيطان، ومتحفالفصائل اليهودية في الحرب العالمية الأولى، كما أن هناك متاحف لهرتزل وجابوتنسكيووايزمان. وقد تم تأسيس متحف للقوات الجوية.

    متحف ياد فاشيم:

    منأهم المتاحف في إسرائيل، متحف ياد فاشيم الذي تحوَّل إلى ما يُشبه المزار المقدَّسليهود العالم. وعبارة «ياد فاشيم» هي عبارة عبرية معناها «النصب والاسم» ( « إنيأعطيهم في بيتي وفي أسواري نصباً واسماً، أفضل من البنين والبنات. أعطيهم اسماًأبدياً لا ينقطع » [أشعيا 56/5]). ويقع مُركَّب مباني هذا المتحف على حافة جبل تطلعلى قرية عين كريم. ويضم ياد فاشيم صالة الذكريات، وأرشيف الإبادة الذي يضم حوالي 50 مليون وثيقة. كما يضم المتحف ما يُسمَّى «شارع الأتقياء بين الأغيار» الذي غُرستفيه 500 شجرة تكريماً لأشخاص غير يهود ضحوا بأنفسهم أو عرَّضوا أنفسهم للخطر لحمايةاليهود. أما صـالة الأسمـاء، فتضم ما يُسـمَّى «صفـحات الشـهادة» التي تضـم حوالـيثلاثة ملايين اسم من أسماء أعضاء الجمـاعات اليهـودية التي قضـى عليها النازيون.

    أما المناطق المكشوفة، فتضم تماثيل ونصباً عن الإبادة. وعلى سبيل المثال،يوجد نصب يُسمَّى «أوشفيتس» للمثّالة إلسا بولاك، وهو عبارة عن عمود يوحي بأنهمدخنة أفران الغاز كُتبت عليه أرقام ضحايا أوشفيتس (الضحايا اليهود فقط بطبيعةالحال). أما تمثال «عمود البطولة» للفنان الإسرائيلي بوكي شفارتز، فيحتفي بمايُسمَّى «المقاومة اليهودية». ومن أشهر التماثيل، تمثال نادور جيلد المسمَّى «نصـبضحايا معسـكرات الإبادة»، وهو عبارة عن أجسـام بشـرية نحيفة، تُشبه أسلاكالمعســكرات الشائكـة، ترفع يدها وعيونها نحو السمـاء. ويوجد ميدان صغـير علىهيئــة شمـعدان المينوراه في نهايته تمثـال برتي فينك «نصب الجنود ومحاربي الجيتووالمقاومين» والذي يرمز إلى الستة مليون يهودي الذين أُبيدوا، وتأخذ المينوراه شكلنجمة داود. وهناك سيف صلب ضخم مغمد في النجمة.

    ويلي ذلك ما يُسمَّى «واديالجماعات التي دُمِّرت» نُقشت فيه أسماء خمسة آلاف جماعة يهودية في 22 بلداً علىبناية صخرية منحوتة في الجبل. وحوائط صالة الذكرى بُنيت من كتل ضخمة من البازلتالمصقول وعلى أرضها الرمادية الفسـيفسـائية كُتبت أسـماء أهم 22 معسكراً للإبادة.

    وهنـاك ما يُسمَّى «النـور الأزلي»، كما هـو الحال في المعبد اليهــودي،تحـت قنطـرة أو عقـد يحـوي رماد الضحــايا الذي جُمع من المعسـكرات. ويدخـل ضـوءالنهـار بين الحائـط والـسقف.

    متحف إسرائيل:

    من أهم المتاحف علىالإطلاق، وهو موجود في القدس، ويضم مجموعة من الأعمال الفنية وغير الفنية، العالميةوتلك التي صُنِّفت باعتبارها يهودية. وهذا المتحف ظاهرة إسرائيلية حقة، فالمبنىتكلف حوالي 5,730,000 دولار وصمَّمه مهندسون إسرائيليون مولودون في أوربا. وقامتالولايات المتحدة بدفع أول نصف مليون دولار أُنفقت في تأسيسه، كما قام يهودالولايات المتحدة بدفع مبالغ طائلة مساهمة فيه، وقامت الحكومة الإسرائيلية بتدبيرالأرض (التي ُسلبت بطبيعة الحال من الفلسطينيين). ومن ثم، فهو في تركيبه يُشبهتركيب المستوطَن الصهيوني. ويتكون المتحف من أربعة أقسام:

    1
    ـ متحف بزاليلالقومي للفنون. ويضم أعمالاً فنية بعضها عالمي وبعضها صُنِّف باعتباره يهودياً.

    2
    ـ متحف صموئيل برونفمان الإنجيلي والأثري. ويضم آثار فلسطين عبر العصور.

    3
    ـ حديقة بيلي روز للفنون التي صممها الفنان الياباني ايسامو نوجوشي. وتضمبعض أعمال النحت من القرنين التاسع عشر والعشرين.

    4
    ـ مقام (أو مزار) الكتاب، صممه الفنانان فريدريك كسلر وأرمان بارتوسي، وتُحفَظ فيه مخطوطات البحرالميت.

    ومن الواضح أن هذا المتحف يجابه مشكلة هوية حقيقية، فالمتحفالأول يضم أعمالاً فنية ليست بالضرورة يهودية، كما أن تلك الأعمال التي صُنِّفتباعتبارها يهودية هي أعمال صاغها فنانون يهود واتبعوا فيها تقاليد فنية من مختلفالحضارات. وإن كان هناك جزء يخص الفن الإسرائيلي، فإنه لابد أن يكون فناًإسرائيلياً وليس فناً يهودياً عاماً. وعلى كلٍّ، فإن مثل هذا الفن لم يظهر إلى حيزالوجود بعد. أما المتحف الثاني، الذي يضم آثار فلسطين عبر العصور، فإنه سيتعامل معتاريخ غير يهودي، فالوجود اليهودي في فلسطين لا يتجاوز بضع مئات من السنين بينمايمتد تاريخ فلسطين آلاف السنين. فقبل وصول العبرانيين كان هناك الكنعـانيون، كما أنالفلسـتيين وصلوا مع العبرانيين، وقبل القرن الأول الميلادي كانت العناصر غيراليهودية في فلسطين تتزايد، وكان اليهود يهاجرون منها إلى كثير من مدن البحر الأبيضالمتوسط.

    وازداد انتشار اليهود بعد تحطيم تيتوس للهيكل، وبعد دخول فلسطين في التشكيل الحضاري البيزنطي ثم الإسلامي بدءاً من عهد عمر بن الخطاب وحتى العهد العثماني. فأي عرض لتاريخ فلسطين سيؤكد هوية فلسطين التاريخية المُركَّبة، وإذا كان لنا أن نؤكد مرحلة تاريخية على حساب أخرى، فأعتقد أن المرحلة الإسلامية هي أهمها على الإطلاق وليست المرحلة العبرانية. فالإسلام لا يزال هو الماضي الحي، أي الماضي المستمر في الحاضر، ومعظم سكان فلسطين من المسلمين، والمعجم الحضاري السائد هو المعجم الإسلامي. ولكننا لسنا في مجال الاختيار أو الدفاع عن القضية العربية، وإنما نود فقط أن نُبيِّن أحد جوانب الورطة التي يمكن أن تجابه من يحاول تشييد متحف يهودي.

    أما حديقة النحت، فإنها تثير قضية دينية، لأن اليهودية حرَّمت التماثيل. كما أن مشكلة الأسلوب الفني لابد أن تثار هنا وبحدة، إذ لا يوجد بالتأكيد نحت يهودي. ولعل الجناح اليهودي حقاً هو «مزار الكتاب» الذي يضم مخطوطات البحر الميت وخطابات بركوخبا، ومع هذا، يمكن أن تثار هنا قضيتان:

    1 ـ مخطوطات البحر الميت كُتبت في مرحلة لم يكن الفكر الديني اليهودي قد اكتمل فيها بعد. ولذا، فإن هناك أفكاراً عديدة رفضتها اليهودية الحاخامية فيما بعد. بل يُقال إن فرق الزهاد (الأسينيين)، الذين كتبوا مخطوطات البحر الميت، هم الذين انضموا لصفوف المسيحيين. وهناك نظرية تذهب إلى أن المسيح نفسه كان عضواً في إحدى هذه الفرق.

    2ـ أما بركوخبا، فهو الذي قاد ثورة عبرانية (يهودية) ضد الرومان فشلت وأدَّت في نهاية الأمر إلى تدمير البقية الباقية من الوجود اليهودي في فلسطين. كما أن الحاخامات عارضوا ثورة بركوخبا . وهناك الآن اتجاه في إسرائيل لإعادة تفسير ثورة بركوخبا باعتبارها كانت ثورة هوجاء تدل على الصلف وعلى عدم فهم الملابسات الدولية. ويذهب يهوشوفاط هاركابي إلى أن الإسرائيليين مصابون بمرض يُسمِّيه هو «أعراض بركوخبا»، أي تبنِّي مواقف تؤدي بصاحبها إلى التهلكة.







  5. #15
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    متحف الدياسبورا (بيتهاتسوفوت):

    تذهب العقيدة الصهيونية إلى أن ثمة هوية قومية يهودية واحدةعالمية تضم كلاًًّ من يهود العالم ويهود إسرائيل (فلسطين). ولذا، لابد من إقامةمتحف يُجسِّد هذه الفكرة. ومن ثم قرر المؤتمر اليهودي العالمي عام 1959 إنشاء متحفعن يهود العالم يُقَام في إسرائيل، باعتبارها مركز يهود العالم، وذلك للتعبير عنفكرة الهوية العالمية هذه. وهنا تبدت المشكلة في أقصى درجات حدتها، إذ اكتشفوا أنالأعمـال الفنية الرفيعـة التي يُقال لها يهـودية موزَّعة على متاحـف العالم. ولذا،قرروا أن يكون متحفاً لا يضم أعمالاً فنية تقليدية،وإنما تكون معروضاته مُصنَّعةوتعتمد على التكنولوجيا المتقدمة،أي أنه سيكون متحفاً يتكون من تماثيل توضيحيةوشرائح ملونة وبانورامات ومستنسخات، وهو حل ولا شك ذكي.وقد قُسِّم المتحف حسبالموضوع: الأسرة ـ الجماعة ـ العقيدة ـ الثقافة... وهكذا،لأنه لو قُسِّم حسبالمناطق الجغرافية أو المراحل التاريخية لاختفت الهوية اليهودية الافتراضية. ولذا،فإن تقسيمها حسب الموضوع ينزع أعضاء الجماعات من سياقهم حتى يصبحوا يهوداًوحسب وبشكل عام: أعضاء في أسر يهودية أو جماعات يهودية يؤمنون بعقيدة يهودية واحدةويعيشون من خلال ثقافة يهودية واحدة.

    ورغم ذكاء الفكرة والمحاولة إلاأنهــا باءت - في تصـورنا - بالفشل، إذ أن عدم التجانس أطل برأسه. ويضم كتاب قصةالدياسبورا صوراً لمعظم معروضات المتحف مع التعليقات. وحينما يدخل الزائر المعرض،فإنه يجد عرضاً يُسمَّى «وجوه من خلال الفن»، وهو عبارة عن صور وجوه يهودية منحضارات مختلفة، كل واحد منهم تعبير عن نمط عرْقي مختلف عن الآخر (هذا على الرغم مناستبعاد اليهود الصينيين والإثيوبيين والهنود)، فصورة الحاخام من أمستردام بعيونهالخضراء تُبيِّن مدى اختلافه عن صورة السيدة المغربية اليهودية.

    ويظهر عدمالتجانس في الجزء الخاص بصور المعابد اليهودية. فمعبد التنيوشول في براغ، أقدم معبديهودي في أوربا، هو مَثَل طيب للمعمار القوطي في القرن الثالث عشر والرابع عشر (والفن القوطي فن مسيحي حتى النخاع)، ثم يليه معبد مدينة كايفنج الصينية الذي لايختلف عن المعابد الكونفوشيوسية، وبجوارهما معبد ديورا إيوربوس الهيليني، ومعبد فاسالإسلامي الطراز، ومعبد كوشين الهندي المبني على الطراز الهندي، وهكذا. وعلى أيةحـال، ورغـم التصنيف حسـب الموضوع، وهـو تصنيـف بنيوي يُلغي الزمان ويبعد المكان،فإن المكان والزمان يؤكدان نفسيهما.

    والكتاب الذي نُشرت فيه صور المعرضيُسمَّى - كما أسلفنا - قصة الدياسبورا، والدياسبورا تفترض أن ثمة قسراً وارغاماً،ولكن مما له دلالة أن الاسم الرسمي للمتحف هو «بيت هاتسوفوت»، وكلمة «تسوفوت» كلمةعبرية تعني «الهجرة الإرادية والطواعية» أي «الدياسبورا الاختيارية»، بمعنى أنهؤلاء المشتتين لا ينوون العودة لأرض الميعاد، وأن حالة انتشارهم حالة نهائية، إذاختاروها بمحض إرادتهم، وكل هذا يضمر رفضاً للرؤية الصهيونية التي ترى أنالدياسبورا حالة قسرية ومؤقتة، وأن اليهـودي إن تُرك وشـأنه فإنه لابد أن يعود إلىوطنه القومي. والاختلاف هنا يُبيِّن مدى عمق الصراع بين يهود العالم والصهيونية

    . فالصهيونية ترى أن حياتهم خارج فلسطين ليست ذات قيمة وأنها مؤقتة، بينما هم يصرونعلى أن لحياتهم قيمة كبرى وأنها تستحق الحفاظ عليها، وقد تكون إسرائيل مركز حياتهم،الحقيقي أو المزعوم، لكن المركز لا يُلغي الأطراف. وعلى هذا، فهي دياسبورا مؤقتة منوجهة نظر الصهاينة، وهي تسوفوت دائم من وجهة نظر يهود العالم.










  6. #16
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    البابالسابع: الأدب اليهودي والصهيوني



    الأدب اليهودى
    Jewish Literature
    «الأدب اليهودي» عبارة تُستخدَم لتصنيف بعض الأعمال الأدبية، إما من منظور مضمونها أو من منظور الانتماء الإثني أو الديني (الحقيقي أو الوهمي) لكاتبها إذ تُصنَّف الأعمال الأدبية التي تتناول موضوعاً يهودياً أو مُستمَّداً من حياة أعضاء الجماعات اليهودية (بغض النظر عن لغة العمل أو التقاليد الفكرية أو الحضارية التي يدور في إطارها) باعتبارها «أدباً يهودياً». ويمكن تصنيف الأعمال الأدبية من منظور انتماء كاتبها، فإن كان يهودياً صُنِّف ما كتبه على أنه «أدب يهودي». وهذا التعريف الأخير يستبعد الأدباء غير اليهود الذين تناولوا موضوعات يهودية في أدبهم. والمقدرة التفسيرية والتصنيفية لهذا المصطلح محدودة للغاية لعدة أسباب:

    1 ـ إن أخذنا بالتصنيف الذي يستند إلى مضمون العمل الأدبي، فنحن بذلك نكون قد تجاهلنا لغة الأدب والتقاليد الحضارية والأدبية والشكلية التي يَصدُر عنها وصرنا نختزله تماماً في بُعْد واحد. فالأعمال الأدبية التي كتبها أدباء مثل برنارد مالامود وسول بيلو وفيليب روث هي أدب يهودي (بالمعنى الإثني لا بالمعنى الديني، فهم لا يؤمنون باليهودية) إذ يتناولون فيها موضوعات وشخصيات يهودية في أدبهم. ولا شك في أن تصنيفنا لأدبهم على هذا النحو سيحد من توقعاتنا، وسييسر علينا فهم أعمالهم الأدبية اليهودية وتفسيرها. ولكن هذا التصنيف رغم فائدته قاصر عن أن يحيط بأدبهم بكل تركيبيته، فهو أدب مكتوب بالإنجليزية وينتمي إلى التقاليد الأدبية الأمريكية. والموضوعات والشخصيات التي يتناولونها ليست يهودية بشكل عام ومجرد، وإنما هي أمريكية يهودية تحددت هويتها داخل التشكيل الحضاري الأمريكي، بل إن البُعْد الأمريكي في نهاية الأمر أكثر أهمية من البُعد الإثني اليهودي.

    2 ـ يربط مصطلح «الأدب اليهودي» بين أعمال أدبية كُتبت داخل تقاليد أدبية مختلفة باعتبار أنها جميعاً «أدب يهودي»، وكأن ثمة موضوعات متواترة وأنماطاً متكررة تبرر تصنيف هذه الأعمال الأدبية داخل إطار واحد. فقصيدة كتبها شاعر روسي يهودي عن اليهود باللغة الروسية، ورواية كتبها مؤلف فرنسي يهودي عن اليهود باللغـة الفرنسية، وقصة قصيرة كتبها كاتب أمريكي يهودي عن اليهـود باللغـة الإنجليزية، ومقال أدبي كتبه أديب من ليتوانيا باليديشية، ودراسة نقدية كتبها أديب إسرائيلي بالعبرية، تُصنَّف كلها باعتبارها «أدب يهودي». أي أنه مصطلح يفترض وجود أطر ثقافية وفكرية يهودية عالميـة. ومثل هذا الافتراض لا يسانده الكثير في واقع أعضاء الجماعات اليهودية، وهو يؤكد الوحدة والتجانس والعمومية على حساب التنوع وعدم التجانس والخصوصية، وفيه تأكيد للمضمون اليهودي للعمل الأدبي على حساب أبعاده الفكرية والشكلية الأخرى، أي أنه مصطلح يُفقد الأدب ما يُميِّزه كأدب.

    ويمكن أن يُقال إن هناك موضوعات مثل الإحساس بالغربة أو انتظار الماشيَّح تربط بين هذه الآداب. ولكن سيُلاحَظ أن هذه الموضوعات من العمومية بحيث نجد أن ما يربط بينها هنا ليست يهودية المؤلف، وإنما أحاسيسه الإنسانية، أي أن المرجعية النهائية هي إنسانيتنا المشتركة، أو البُعْد الإنساني في تجربة عضو الأقلية في مجتمع الأغلبية، بكل ما يحيق بهذه التجربة من مخاطر.

    3 ـ إن أخذنا بالتصنيف الذي يستند إلى خلفية الكاتب اليهودية، نكون قد أخذنا بأساس تصنيفي ليس له مقدرة تفسيرية عالية. فكثير من الأعمال الأدبية التي يكتبها مؤلفون يهود (مثل الناقد الأمريكي ليونيل تريلنج) ليس لها مضمون يهودي.

    ونحن نرى ضرورة عدم استخدام هذا المصطلح بسبب قصوره عن الإحاطة بشكل ومضمون الأعمال الأدبية التي كتبها مؤلفون يهود عن موضوعات يهودية، فالبُعْد اليهودي ليس هو المحدِّد الأساسي للعمل الأدبي، كما أنه لا يوجد بُعْد يهودي عالمي واحد.

    وبطبيعة الحال، يثير مصطلح «أدب يهودي» مشكلة بشأن أديب مثل هايني الذي تمرَّد على يهوديته ليدخل الحضارة الغربية، فتنصَّر. ولكنه بعد تنصره بدأ يحن ليهوديته! أو أديب مثل نيثان وينشتاين الذي رفض انتماءه اليهودي تماماً وغيَّر اسمه إلى «ناثانيل وست» وكَتَب أدباً عدمياً يهاجم فيه المسيحية واليهودية ومختلف العقائد الدينية.

    ونحن في هذه الموسوعة نرفض التعميمات التصنيفية الكاسحة مثل «أديب يهودي» ونُصنِّف كل أديب حسب الأبعاد الحقيقية لأعماله الأدبية، ولهذا نستخدم مصطلحات مثل « الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية»، و«الأدب الصهيوني»، و«الآداب المكتوبة بالعبرية»، و«الأدب اليديشي». ولتصنيف أي كاتب من أعضاء الجماعات اليهودية لابد من استخدام مصطلح مُركَّب. فمثل هذا الأديب لا يعيش خارج التاريخ، حتى ولو توهَّم هو نفسه ذلك، بل يعيش داخل حضارة معينة ويكتب أدباً بلغة معيَّنة. لكل هذا، يُستحسَن وصف تشرنحوفسكي، على سبيل المثال، بأنه شاعر روسي يهودي يكتب بالعبرية. ورغم أنه يَصدُر عن التقاليد الأدبية الروسية والغربية، فهو صهيوني النزعة في معظم قصائده، ولذا فهو يكتب أدباً يمكن أن يُسمَّى «أدباً صهيونياً». أما سول بيلو فهو كاتب أمريكي يهودي يكتب أدباً ذا طابع أمريكي باللغة الإنجليزيـة، ويتعرض أحياناً للموضوعات اليهـودية وأحيـاناً أخرى يهملها، وأعماله الأدبية لا تنم عن نزعة صهيونية، وإن كانت إحدى أعماله الصحفية تعبِّر عن هذه النزعة. وبهذا نكون قد وصفنا الانتماء الحقيقي للأديب قومياً وحضارياً وأدبياً (وهذا هو الإطار العام)، ثم ذكرنا الأداة اللغوية والتقاليد الأدبية التي يدور في إطارها (أي انتقلنا إلى الخاص وحددنا الأداة التي يستخدمها)، ثم ذكرنا موقفه السياسي بعد انتمائه الحضاري واللغوي.

    الأدب الصهـــيوني
    Zionist Literature
    «الأدب الصهيوني» عبارة يمكن استخدامها للإشارة لبعض الأعمال الأدبية ذات المضمون الصهيوني الواضح، بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي للمؤلف. فرواية دانيال دروندا، التي ألَّفتها الكاتبة المسيحية جورج إليوت بالإنجليزية، تنتمي إلى هذا الأدب الصهيوني، بينما نجد أن بعض الروايات التي كتبها يهود عن الحياة اليهودية لا تنتمي إلى الصهيونية من قريب أو بعيـد، بل إن بعضـها يتبنى رؤية معادية للصهيـونية بـل ولليهودية. وما يُسمَّى «الأدب الصهيوني» هو عادةً أدب من الدرجة الثالثة (أو كما نقول «أدب صحفي»، أي أنه كُتب ليُنشَر في الصحافة كما أنه ذو توجُّه دعائي واضح. ومن أهم أعمال الأدب الصهيوني رواية الخروج للكاتب الأمريكي اليهودي ليون أوريس وأعمال الكاتب الأمريكي اليهودي مائير لفين). والأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية أو اليديشية أو التي كتبها أدباء يهود في مختلف أرجاء العالم نجد أن منها ما هو صهيوني - وهو القليل - ومنها ما هو معاد للصهيونية، وغالبيتها غير مكترثة بها.

    ولا يصف مصطلح «الأدب الصهيوني» شكل الأدب ولا محتواه ولا حتى لغته، وإنما يصف اتجاهه العقائدي العام، تماماً مثل عبارة «الأدب الرأسمالي» أو «الأدب الاشتراكي». ولذلك، فهو مصطلح عام ومجرد مقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة للغاية ولا يُعَدُّ تصنيفاً أدبياً، شأنه في هذا شأن مصطلح «الأدب اليهودي».

    الأدبـــاء مـن أعضــاء الجماعــات اليهوديـة
    Men of Letters from Jewish Communities
    «الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية» مصطلح نستخدمه بدلاً من مصطلحات مثل «الأدب اليهودي» أو حتى «الأدباء اليهود» (انظر: «الأدب اليهودي» ـ «الأدب الصهيوني»). وقد أشرنا في المداخل الخاصة بهؤلاء الأدباء إشكالية البُعْد اليهودي في أدبهم، فبعضهم تنصَّر والبعض الآخر وُلد مسيحياً وبعضهم هاجم اليهودية بعنف والبعض الآخر لم يكترث بها، وهناك من تناول يهوديته باعتبارها موضوعاً إنسانياً (وحسب)، أما خصوصيته اليهودية فهي مسألة عرضية تشكل جزءاً من الكل الإنساني. وكل أديب من هؤلاء ينتمي إلى التشكيل الحضاري الذي يعيش في كنفه بشكل شبه كامل، ومن ثم أمكنه أن يبدع من خلاله.

    هاينريش هـايني (1797-1856(
    Heinrich Heine
    واحد من أشهر شعراء ألمانيا الرومانسيين، وُلد لأب يهودي ثري يعمل بالتجارة. تلقَّى هايني تعليماً بروتستانتياً ثم التحق بمدرسة ابتدائية يهودية ثم بمدرسة ثانوية كاثوليكية. كما أن المدينة التي وُلد فيها (دوسلدورف) تغيَّر انتماؤها بحيث أن هايني غير جنسيته ست مرات دون أن يغيِّر مكان إقامته. وربما ساهم هذا في إضعاف هويته وتقـوية عـدم انتمائه إلى وطـنه ألمانيا وحماسـه لفرنسا وللثقافة الفرنسية. كان هايني ينوي الالتحاق بخدمة نابليون ولكن هزيمة الجنرال الفرنسي قضت على هذه الآمال، فاشتغل بعض الوقت في أمور المال والتجارة ولكن لم يحالفه النجاح. ثم درس القانون وتأثر بفلسفة هيجل. وقد تنصَّر، وهو أمر كان شائعاً بين يهود ألمانيا، وعلى وجه الخصوص بين دارسي القانون، إذ أن الوظائف في السلك القانوني كانت مقصورة على المسيحيين. ولكن لم تكن الاعتبارات العملية وحدها هي السبب في تنصُّره، فكما أشرنا لم يكن هناك انتماء محدَّد لهايني.

    ويمكن القول بأن هايني أدرك تماماً أن الحلولية (الكمونية) هي المدخل الحقيقي لفهم الفلسفة الغربية. فالحلولية بالنسبة له هي تقديس (تأليه) الطبيعة وهي أيضاً تأليه الإنسان وهو تَناقُض أساسي: إذ كيف يمكن لإله أن يُقدِّس الأشياء المتألهة، وأيهما يسبق الآخر: الإنسان المتأله، أم الطبيعة المتألهة؟

    ويرى هايني أن إسبينوزا هو نبي الحلولية، وأن الفلسفة الألمانية المثالية هي الوريث الحقيقي لهذه الحلولية، ولذا فهي فلسفة «هدَّامة» ولكن ديباجاتها أكاديمية ضبابية تُخبِّئ معناها الإلحادي العميق، بل وأحياناً تظهرها بمظهر إيماني. وقد قام كانط - حسب تصوُّر هايني ـ باستكمال ما بدأه إسبينوزا فأسقط فكرة الألوهية في ألمانيا (تماماً كما أسقط الثوار النظام القديم في فرنسا). بل إن كانط في تصوُّر هايني أكثر إرهابية من روبسبير، فالثورة الفرنسية لم تقتل سوى ملك، أما كانط (وتلاميذه) فقتلوا إلهاً. ودفاع شلنج عن فلسفة الطبيعة هو ذاته حلولية إسبينوزا. أما في حالة جوته فإن القشرة الرياضية الصلبة التي تحيط بفلسفة إسبينوزا قد سقطت، وظهرت روح إسبينوزا الحقيقية ترفرف في شعره في فاوست وآلام فرتر.

    وهيجل هو أيضاً وريث إسبينوزا. وإذا كان إسبينوزا قد ساوى بين الطبيعة والتاريخ أو بين الطبيعة والإنسان وجعل للطبيعة تاريخاً دون أن يجعل منه روحاً، فإن هيجل أعلى من شأن التاريخ وجعل منه روحاً. ويقف هايني مع إسبينوزا في إلغاء أية ثنائية وفي الإصرار على المساواة الكاملة بين الطبيعة والتاريخ وبين المادة والروح. هذه الحلولية تعبِّر عن نفسها في شعر هايني العميق، فهو شاعر نيتشوي (قبل ظهور نيتشه) يحتفي بالحياة، حياة تخبئ نفسَها بنفسها. وكما يقول في إحدى قصـائده « الحيـاة الحمراء تنبـض في عروقـي، وتحت قدمي تذعن الدنيا، وفي توهُّج الحب أعانق الأشجار والتماثيل، وتعيش هي في عناقي ». وهذا عالم عضوي يشير إلى ذاته؛ مات فيه الإله، ولذا فالإنسان هو سيد نفسه، خالق قيمه وعالمه.

    وفي قصيدة « ألمانيا: قصة شتاء » يصل هايني إلى ألمانيا ليسمع فتاة صغيرة (رمز ألمانيا):

    كانت تغني عن الحب وأحزان المحبين

    عن التضحية، حتى نلتقي

    في يوم آخر في عالم أفضل

    لا يعرف الألم أو الأحزان.

    غنت في وادي الدموع الدنيوي هذا

    عن الحب الذي لا يُمسك به إنسان

    عن العالم الآخر العظيم حيث تعيش الأرواح في غبطة

    وقد تحوَّلت إلى نشوة أزلية.

    ويدرك هايني أن هذا إن هو إلا الأفيون الديني الذي يُعطَى للجماهير (هذا العملاق الأحمق)، فيغني للفتاة أغنية أخرى:

    أغنية جديدة، أغنية أفضل

    يجب أن نلدها الآن يا رفاقي،

    ولنبدأ على التو في بناء

    مملكة السماء على الأرض،

    فالتربة تعطينا خبزاً يكفي

    لإطعام بني الإنسان كلهم،

    وتعطيهم الزهرة والآس، والجمال والفرح،

    كما تعطيهم البازلاء الخضراء.

    ثم يضيف قائلاً:

    بوسعنا أن نترك السماء بلا تردُّد للملائكة والطيور.

    والنزعة الحلولية المشيحانية واضحة في هذه الأبيات. فالأرض هي مصدر كل القيم المادية والمعنوية، وثمة نزوع نحو الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ. وتتضح نفس الحلولية في أفكار هايني السياسية. فقد كان ثورياً وارتبط اسمه بعض الوقت بالسان سيمونية (التي أسماها «المسيحية الجديدة»). ورحَّب بثورة 1830 في فرنسا (واستقر في باريس). ومن هنا عداوته للمسيحيين، بل لكل الأديان بما في ذلك اليهودية، فقد كان يكرهها بعمق. وقد كتب مرة يقول إنه يوجد أمراض ثلاثة شريرة: الفقر والألم واليهودية. بل كان يعتبر اليهودية قوة معادية للإنسانية، فهي « مصيبة وليست ديناً»، على حـد قوله. ورغـم احتقـاره لليهودية الحاخامية، أي الأرثوذكسية، فإنه كان يحتقر أيضاً اليهودية الإصلاحية التي ستقضي على اليهود.

    وفي عام 1847 أصيب هايني بمرض في عموده الفقري بسبب أحد الأمراض السرية، وهو ما أقعده في الفراش. وهكذا أصبح شاعر المادة يعيش في « مقبرة المادة » على حد قوله. ولا ندري هل هذا هو الذي أدَّى به إلى إعادة النظر في حلوليته الإلحادية؟ إذ بدأ يُعبِّر عن مخاوفه من أن الشعب قد يتحوَّل إلى غوغاء يعبد المادة. وواكبت ذلك مراجعة لموقفه من كانط، إذ اكتشف أن كانط تَرك مسألة الإله دون اتخاذ قرار، أي أنه لم يَعُد كانط الملحد الذي بشَّر به هايني من قبل. وعبَّر هايني عن احتقاره لفلسفة هيجل التي أشار إليها بأنها " جدلية برلين العنكبوتية " التي لا يمكنها أن تقتل قطاً أو إلهاً. أما البروتستانتية التي كان يراها في الماضي بداية الإلحاد فقد أصبحت حينئذ بداية الإيمان، وأعلن تراجُعه عن عملية التسوية الحلولية بين الإنسان والطبيعة، وبدأ يحن إلى اليهودية كجزء من حنينه الديني العام. كما كان يوقع خطاباته برسم نجمة داود السداسية. وقد ازداد صيت هايني ذيوعاً بعد موته، ولحَّن شوبرت وشوبان وبرامز قصائده.

    والحديث عن البُعْد اليهودي في شعر هايني سيكون حديثاً عن أمور هامشية ليس لها مقدرة تفسيرية. إذ أن القضية الكبرى في حياته هي نفسها القضية الكبرى التي شغلت المفكرين في عصره وهي قضية الحلولية. ولذا فمحاولة فهم رؤية هايني وأشعاره في إطار يهودي لن تفيد كثيراً، فمثل هذا الإطار قد يُفسِّر لنا تطرفه الحلولي المشيحاني وعلمانيته الشرسـة في المرحلـة الأولى، ولكنه لن يُفسِّر لنا جوهر الإشكالية، ولذا سيكون الإطار الألماني الغربي هو الأجدى والأكثر تفسيرية.

    إمــــا لازاروس (1849-1887(
    Emma Lazarus
    شاعرة أمريكية يهودية، وُلدت في نيويورك لأبوين ثريين من يهود السفارد المندمجين. ولم تكن لازاروس ذات موهبة أدبية كبيرة. وهي تتناول في أعمالها موضوعات يهودية. قامت لازاروس بترجمة بعض قصائد ابن جبرول ويهودا هاليفي إلى الإنجليزية (عن الألمانية لأنها لم تكن تعرف العبرية(.

    وفي عام 1883، كتبت لازاروس قصيدة «التمثال الضخم الجديد» من أجل جمع التبرعات لإقامة قاعدة لتمثال الحرية، وألهبت بقصيدتها هذه حماس الكثيرين. وحُفرت القصيدة على لوحة برونزية ووُضعت على مدخل التمثال عام 1903. والقصيدة من طراز السونت وتتحدث عن المثل الأعلى الأمريكي، ويتذكرها معظم الأمريكيين باعتبارها قصيدة وطنية أمريكية تُعبِّر عن رؤيتهم لأنفسهم. وبعد موتها، رفضت اختها أن تضم أعمالها الكاملة «أي شيء يهودي » (على حد قولها(.







  7. #17
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    مارسيل بروست (1871-1922(
    Marcel Proust
    روائي فرنسي، وُلد في باريس لأب كاثوليكي وأم يهودية، نشأ نشأة كاثوليكية ليبرالية وإن اختلط من خلال أمه بأعضاء الطبقة الوسطى من اليهود وغير اليهود. تخرَّج في إحدى مدارس الليسيه الفرنسية المرموقة كما درس في السوربون، وعاش حياة اجتماعية واسعة مختلطاً بالطبقة الراقية التي شكلت مادة خصبة لكتاباته الروائية. صدرت أول أعماله عام 1896 تحت عنوان الملذات والأيام. أما أهم أعماله على الإطلاق فهي رواية البحث عن الزمن المفقود التي صدرت في 15 جزءاً و7 مجلدات في الفترة ما بين عامي 1913 و1927، وهي تُعتبَر واحدة من أهم الأعمال الروائية المعاصرة. وهذه الرواية، وإن لم تكن سيرة ذاتية، إلا أنها تستمد كثيراً من شخصياتها وأحداثها من تجارب بروست وذكرياته الشخصية ويتخللها عدد من الأفكار المحورية التي تتكرر في أشكال مختلفة عبر جميع الأجزاء، مثل الإغراء الدائم للأرستقراطية الفرنسية، والشذوذ الجنسي (بروست نفسه كان شاذاً جنسياً)، وفكرة الحب التي اعتبرها بروست نوعاً من المرض أو الوهم، ثم موضوع الزمن الذي اعتبره بروست السيد النهائي للإنسان والكون. فالحياة في مجراها ليست إلا زمناً مفقوداً وأوهاماً زائلة، والذاكرة والفن هما السبيل الوحيد لاستعادة هذا الزمن المفقود وتحويل الأوهام إلى أشكال ملموسة من الجمال الأبدي.

    ويتميَّز أسلوب بروست الأدبي بانتمائه إلى التراث الأدبي الفرنسي الكلاسيكي، فقد تأثر بفلوبير وسان سيمون كما تأثر بالأدب الإنجليزي، وخصوصاً أدب ديكنز وجورج إليوت وراسكين، ويُقال أيضاً إنه تأثر بوردزورث ومفهوم الذاكرة عنده.

    ورغم أن بروست كان كاثوليكي النشأة فرنسي الثقافة لا يرتبط عقائدياً أو وجدانياً باليهودية، فإن كثيراً من الأدبيات والمراجع اليهودية تُصنِّفه باعتباره يهودياً، بل حاول البعض التلميح بوجود مسحة من اليهودية التلمودية في أسلوبه الروائي الغريب الذي هو في الواقع أسلوب ينتمي إلى التراث الأدبي الفرنسي. بل ويشيرون إلى تأثره البالغ بقضية دريفوس والتي تناولها في بعض رواياته، وأنه كان أول من أقنع أناتول فرانس بالتدخل في هذه القضية. ومن ناحية أخرى، فإن تناول بروست للشخصية اليهودية في روايته البحث عن الزمن المفقود دفعت البعض لوصفه بمعاداة اليهود. فروايته تضم ثلاث شخصيات يهودية رئيسية، إحداها شخصية عدوانية متفردة تُجسِّد أسوأ الصفات الاجتماعية، أما الشخصية الثانية، فقد تناولها بروست بشكل أفضل وهي ليهودي مندمج يعيش في الأوساط الراقية ويكتشف هويته عقب حادثة دريفوس وينفصل عن حياة البرجوازية. وقد اعتبر البعض أن هذه الشخصية تجسيد لبروست نفسه. وتتميَّز شخصياته اليهودية بالتَكبُّر الشديد ولكنه تكبُّر يخفي وراءه شعوراً عميقاً بعدم الأمان، فاليهود في نظر بروست أقلية مضطهدة يتملكها جنون الإحساس بالاضطهاد والارتياب الشديد في الآخرين، وهم « جنس ملعون » أشبه بالشواذ جنسياً، على حد قوله. وهذا الربط بين اليهود واللبيدو أو الطاقة الجنسية أو الانحراف أو قوى الظلام هو موقف متجذِّر في الحضارة الغربية يعود إلى الرؤية المسيحية للكون، حيث يلعب اليهودي دور قاتل الرب وحيث لا يمكن خلاص العالم بدون تنصيره.

    فرانــز كافكـا (1883-1924(
    Franz Kafka
    روائي ألماني يهودي، وُلد ونشأ في تشيكوسلوفاكيا لأسرة يهودية مندمجة. درس القانون وعمل في أحد مكاتب المحاماة، ثم في شركة تأمين تابعة للحكومة، ولذلك فإنه لم يكن يكتب إلا في أوقات فراغه. كان أبوه شخصية متسلطة تركت أثراً عميقاً فيه. وكان كافكا يعاني طيلة حياته من الصداع النصفي والأرق. وتم تشخيص مرضه في عام 1917 على أنه السل، فقضى بقية حياته في مصحة. وكان كافكا قد عهد بمخطوطاته لصديقه وكاتب سيرته ماكس برود، ولكنه أوصى وهو على فراش الموت بأن تُحرَق أعماله بعد وفاته، ولكن برود لم يُنفِّذ رغبته.

    وكثيراً ما تُطرَح قضية يهودية كافكا: فهناك من يرى أنه كان يهودياً بل وصهيونياً حتى النخاع، وهناك من يذهب إلى أنه كان غير مكترث بيهوديته بل معادياً للصهيونية، ويورد كل فريق من الشواهد ما يدل على صدق رؤيته. كما أن هناك تناقُضاً عميقاً بين مذكراته من ناحية ورواياته من ناحية أخرى. ففي المذكرات اهتمام شديد بالموضوع اليهودي، على عكس رواياته التي يلتزم فيها الصمت حياله. وهناك، في المذكرات، إشارات إلى المدينة اليهودية القديمة والجيتو والمشروع الاستيطاني الصهيوني (بل قيل إن كافكا حضر أحد المؤتمرات الصهيونية). أما رواياته فلا تكاد تشير إلى الموضوع اليهودي، ففي رواية أمريكا (1927) توجد شخصيات من كل الجنسيات (ألمان ومجريون وأيرلنديون وفرنسيون وروس وسلاف وإيطاليون) ولا يوجد سوى يهودي واحد. ونعرف أنه يهودي من اسمه، إذ لا تحمل شخصيته أية سمات من تلك التي تُسمَّى «يهـودية». ومع هـذا، فإننا لا نعـدم من يُقدِّم قـراءة صهيونية لأعماله. ففي دراسة للكاتب العربي كاظم سعد الدين بعنوان «حل رموز كافكا الصهيونية»، يذهب الكاتب إلى أن رواية المحاكمة (1925) تسعى إلى كشف فساد دار الحاخامية، سليلة السنهدرين، أي المجمع الديني الأعلى. ورواية المسخ أو التحول (1927) إنما تشير إلى التاجر اليهودي المتجول. والقلعة (1926) هي حصن صهيون، وترمز وظيفة المسَّاح إلى الحياة الدنيا لليهود، كما تشير إلى ضرورة معرفة قوانينها وعاداتها وإيجاد نوع من العلاقة الجيدة بينها وبين القلعة التي ترمز إلى السلطة الدينية اليهودية العليا. ويرى كاظم سعد الدين أن كافكا أسقط رمز سور الصين على حدود الدولة المُرتقَبة، وأراد أن يقول إن سور الصين سيُشكِّل لأول مرة في تاريخ العالم أساساً راسخاً لبرج بابل جديد!! وأن بدو الشمال هم الشعب العربي، وأن أبواب الهند هي أبواب فلسطين، وسيف الملك هو سيف داود!

    ويشير الكاتب أيضاً إلى أن كافكا عارض اندماج اليهود في الشعوب الأخرى ذاهباً إلى أن المدينة اليهودية القديمة غير الصحية، أي الجيتو، حقيقة أكثر رسوخاً بالنسبة إلى اليهود من الشوارع العريضة للمدينة المبنية حديثاً!! ويشير أيضاً إلى أن كافكا ذكر أن أرض كنعان هي أرض الأمل الوحيد.

    وأوضحت الدكتورة بديعة أمين في كتابها هل ينبغي إحراق كافكا؟ أن هذين الاقتباسين الأخيرين قد نُزعا من سياقهما، إذ يتبع الاقتباس الأول الخاص بالجيتو عبارة « إننا لسنا سوى شبح زال، أما أرض كنعان فهي ليست بأرض على الإطلاق، وإنما حلم وحسب». ووصفت الدكتورة بديعة تفسيرات الأستاذ كاظم سعد الدين بأنه استنبطها من الكتب الدينية والتاريخية، ثم اعتبرها معادلات موضوعية مادية حسيَّة للرمز الكافكاوي استناداً إلى بعض العوامل الخارجة عن كتابات كافكا. ثم أضافت الدكتورة تحليلها لرؤية كافكا مبيِّنة استحالة أن يتبنى مثل هذا الكاتب رؤية صهيونية، فموضوعات أدبه هي الإحساس العميق بالغربة والعزلة الروحية حتى وسط الأهل والأصدقاء، والوعي بالذات وما يؤدي إليه هذا الوعي، وعلاقة الإنسان بالسلطة وبيروقراطيتها القاتلة، والانسحاب والانسلاخ الاجتماعيان، واختفاء الهدف والإحساس بالهزيمة. وقد عبَّر كافكا عن هذه الموضوعات بأسلوب غامض مغلق لا يسمح بتسرب قطرة ضوء. والواقع أن أدباً يتناول مثل هذه الموضوعات بمثل هذا الأسلوب لا يمكن أن يكون صهيونياً، لأن الأدب الصهيوني أداة أيديولوجية ووسيلة إلى هدف واضح بطريقة واضحة، ولذا فإن مثل هذا الأدب لابد أن يتسم بالوضوح والإيجابية. كما أن الأدب الصهيوني يهدف إلى الدفاع عما يُسمَّى حقوق الشعب اليهودي الذي يحمل خصائص عرْقية وإثنية خاصة ثابتة عبر الزمان والمكان، بل ويُركِّز على تقديس هذا الشعب. وغني عن القول أن رؤية كافكا للطبيعة البشرية مختلفة تماماً، فهي بالنسبة له طبيعة متقلِّبة كالغبار غير مستقرة ولا تحتمل أية قيود. كما أن اليهودي بالنسبة له شخصية هامشية تقف بين عوالم مختلفة ولا تنتمي إلى أي منها. أما كافكا ذاته، فهو يؤكد عدم انتمائه إلى أي عالم، وهو لا يخلع القداسة على أحد، يهودياً كان أو غير يهودي، فعالمه عالم حداثي تماماً، خال من أية مطلقات أو مرجعيات أو مقدَّسات.

    هذا فيما يتصل بموقف كافكا من الصهيونية. ولكن ماذا عن المضمون اليهودي في أدبه؟ إن مثل هذه المسألة يمكن أن تُحسَم إن قبلنا التحليل السياسـي والمباشـر للمضمـون ثم أضفنا إليه مستويات أكثر عمقاً، ولعلنا لو قبلنا صيغة تفسيرية مُركَّبة تقبل المستويات المتناقضة المختلفة، لفهمنا كافكا حق الفهم.

    ولنبدأ بكافكا الإنسان والكاتب. كان كافكا يهودياً مندمجاً، ولذا فإنه لم يكن في البداية مدركاً للكتابات الدينية اليهودية أو كتابات المؤلفين اليهود، ولكنه بالتدريج بدأ يهتم بها وبالموضوع اليهودي. وهو أمر طرحته عليه عدة عناصر من أهمها أنه رغم الرغبة الصادقة لقطاعات كبيرة من يهود وسط أوربا في الاندماج، بل والانصهار في الحضارة الغربية، ورغم محاولة كثير من المجتمعات قبولهم ودمجهم وصهرهم، إلا أن عملية مثل هذه لم يكن من الممكن أن تتم في جيل واحد أو جيلين، فقد كان الجيل الأول والثاني من اليهود المندمجين يشعر أنه فقــد الجيتو والأمن الذي كان اليهودي يشعر به داخله، بل ووجد نفسه في عالم معاد له. ولا شـك في أن حركات معاداة اليهـود التي تصاعد نفوذها وازدادت شعبـيتها عمَّقت هذا الإحساس لدى كثير من المثقفين اليهود. كما أن هجرة يهود اليديشية (أي يهود شرق أوربا)، الذين كان يتزايد عددهم داخل الإمبراطورية النمساوية المجرية، ساهم في خلخلة وضع اليهود المندمجين، وهو الوضـع الذي فُــرضَ على يهودي مندمج مثل هرتــزل أن يبحث عن حل للمسألة اليهودية، أي مــسألة يهود شرق أوربا، وأن يصوغ الحل الصهيوني. ويعني هذا أن الموضـوع اليهودي قد فُرضَ على كافكا فرضاً. فبدأ يقرأ في الكتابات الدينية اليهودية وفي كتابات المؤلفين اليهود العلمانيين. قرأ في كُتب القبَّالاه والحسيدية، ودرس العبرية، وقرأ كتابات صهيونية أو شبه صهيونية (بل يُقال إنه كتب دراسات يُفهم منها تأييده للمشروع الاستيطاني الصهيوني).

    وعلى أية حال، فإن المصادر الغربية لفكره كانت أكثر تنوعاً وعمقاً وشمولاً، فقد تأثر بكلٍّ من كيركجارد ودوستويفسكي وفلوبير وتومـاس مان وهيـس وجـوركي، وبالفكر الاشتراكي والفوضوي في عصره. ويبدو أنه كان معادياً للرأسمالية ولاقتصاديات السوق التي تحوِّل الإنسان إلى شيء.

    وهذه الازدواجية (اليهودي/غير اليهودي) تُعبِّر عن نفسها في مختلف المستويات. ولنأخذ موقفه من الدين؛ من الواضح أن كافكا كان رافضاً للدين كحل لمشكلة المعنى، ومن هنا كانت حداثة رواياته وإحساسه بالضياع الشامل. وهو في هذا، يُعبِّر عن موقف كثير من يهود عصره، حيث كانت اليهودية الحاخامية تعاني من أزمتها العميقة، إذ أخذت تحل محلها العقائد العلمانية المختلفة، مثل الصهيونية والداروينية والماركسية والنازية. ولكن موقف كافكا في هذا كان لا يختلف كثيراً عن موقف كثير من المثقفين الغربيين الذين ابتعدوا عن عقيدتهم وعن مجتمعهم بسبب تَصاعُد معدلات العلمنة وبسبب تآكل المجتمع التقليدي. لقد اندفعوا نحو المجتمع الجديد، ولكنهم لم يجدوا فيه المعنى، ولم تتحقق لهم الطمأنينة. بل إن أزمة اليهودية الحاخامية، لم تكن إلا جزءاً من أزمة العقيدة الدينية في الحضارة الغربية، كما أن كلتا الأزمتين نتاج حركيات واحدة: الانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث، ولكنه انتقال لا يأتي بالسعادة، وإنما يؤدي إلى عدم الاستقرار والغربة. ومعنى هذا أن الظاهرة نفسها يمكن أن تُفسَّر على أساس يهودي خاص، وعلى أساس غربي عام، ثم نكتشف أن كلاًّ من الأساسين اليهودي الخاص والغربي العام هما شيء واحد.

    ولكن موقف كافكا الديني يتجاوز مجرد الرفض، ذلك أن كافكا كان يمارس إيماناً دينياً عميقاً من نوع خاص. فكان يرى أن فعل الكينونة لا يعني الوجود المادي وحسب، وإنما يعني أيضاً الانتماء إلى الإله، فالإله كامن في أعماق الذات البشرية. وهذا الجزء في الإنسان هو الجزء غير القابل للدمار، وهو ذاته عالم المُطلَق والكمال، المتجرد من الخطيئة والنقص، وهو العالم الذي يُسمِّيه المؤمن «الإله». ولكن قُرْب الإنسان من الإله يعني أن يعيش حياة صحيحة، وهذا الموقف يَنتُج عنه رفض العالم المحسوس (عالم السببية والمادة). وإذا كان الموقف السابق الرافض للدين يعبِّر عن أزمة اليهودية الحاخامية الخاصة وأزمة المعنى في المجتمع الغربي ككل، فإن هذا النوع من الإيمان الديني يعبِّر هو الآخر عن رؤيتين متشابهتين: إحداهما يهودية (القبَّالاه)، والأخرى غربية عامة (الغنوصية). وكلتا الرؤيتين تطرح فكرة الإله الخفي (الديوس ابسكونديتويس في الغنوصية، والإين سوف في القبَّالاه) الذي تبعثرت شراراته، فاختلطت الشرارات بالمادة بحيث أصبح الإله موجوداً داخل البشر، مع أنه بعيد عنهم تماماً. ويحاول الإنسان جاهداً عبر حياته أن يتجه نحو الالتحام به والعودة إليه، ولكنها عودة أصبحت مستحيلة (ولذا يستحيل فهم «المحاكمة»، كما يستحيل دخول «القلعة»). والتراث القبَّالي والغنوصي تراث منتشر في الحضارة الغربية بين اليهود وغير اليهود. فهناك قبَّالاة يهودية، وهناك قبَّالاة مسيحية (من أصل يهودي)، وهناك غنوصية يهودية وأخرى مسيحية. ومن ثم، فإن من الممكن تفسير هذا الجانب أيضاً على أساس يهودي خاص وأساس غير يهودي أو غربي عام.

    وسنُلاحظ نفس الشيء في أهم جوانب روايات كافكا،أي شخصياتها الأساسية.فأبطال كافكا رجال بلا تاريخ، رجال يعيشون خارج الزمان والمكان في فراغ لا اسم له، وفي زمان لا يمرُّ به تاريخ، يوجدون في كل الأوطان ولا وطن لهم، شخصيات تبحث عن شيء ما لا تعرف هويته، ويسقطون ضحايا شر لا يفهمون كنهه.

    وتبدأ رواياته عادةً خارج نطاق التجربة اليومية. فافتتاحية المحاكمة تقدم لنا البطل جوزيف ك. وقد قُدِّم للمحاكمة بسبب جريمة لا يعرف ما هي، كما أنه لا يعرف شيئاً عن طبيعة هيئة المحكمة التي تقرر إعدامه، وتنتهي المحاكمة نهاية عبثية. وفي الروايات الأخرى لكافكا، لا توجد نهاية على الإطلاق، ففي القلعة مثلاً لا يصل البطل إلى أي هدف. ويمكن تفسير هذه العزلة من منظور يهودي خاص، فشخصيات كافكا ليسوا بعيدين عن تجربته كيهودي مندمج، فهم أيضاً تركوا حيِّز الشتتل والزمان الشعائري اليهودي ودخلوا في وجود بلا زمان ولا مكان، وهي حالة الدياسبورا بلا خلاص، أو المصير اليهودي الذي يُلحق باليهود الأذى دون ذنب اقترفوه، فكأن حالة النفي والعزلة هي مصير دائم بالنسبة إليهم.

    ولكن يمكن القول بأن مأساة أبطال كافكا هي أيضاً مأساة كل الشخصيات في الأدب الغربي الحديث التي تشعر بحالة النفي والغربة، فهي شخصيات فقدت الإيمان، إذ وجدت نفسها في مجتمع متناثر ذري لا يربط أجزاءه رابط، مجتمع تعاقدي، الإنسان فيه منفيٌّ دائماً، مجتمع ازدادت فيه معدلات الترشيد حتى أصبح كل شيء آلياً أو شيئاً شبه آليّ تم التحكم فيه، ولكنه ترشيد إجرائي لا هدف له. ومن ثم، ورغم تزايد تحكم الإنسان، إلا أنه يشعر بإحساس عميق بالاختناق وبأنه لا حول له ولا قوة.

    ويمكننا القول بأن الموضوعات الأساسية في أدب كافكا هي موضوعات أساسية متواترة في الأدب الغربي الحديث بصفة عامة، وبالتالي فإن أصولها غربية، ولا يمكن فهمها إلا على مستوى الحضارة الغربية ككل. ولكننا في حالة كاتب من أصل يهودي فَقَدَ يهوديته مثل كافكا، نجد أن وضعه هذا يخلق عنده قابلية غير عادية لاكتشاف هذه الموضوعات وتطويرها، فهي تكتسب حدة خاصة في أدبه، وبعبارة أخرى، فإن يهودية كافكا ليست مصدر الرؤية العبثية عنده (فهي رؤية تضرب بجذورها في حضارته الغربية) والأدب الغربي. ومع هذا فانتماؤه اليهودي يُعمِّق هذه العبثية ويزيد من حدَّتها.

    وقد ترك كافكا أثراً عميقاً للغاية في الأدب الغربي الحديث (مسرح العبث). ويُستخدَم مصطلح «كافكاوي» أو «كافكوي» لوصف الإحساس بالضياع والسقوط في شبكة متداخلة من الأحداث العبثية. ولعل عمق أثره على الحضارة الغربية يُبيِّن مدى تجذُّره في التشكيل الحضاري الغربي، كما يُبيِّن مدى هامشية خصوصيته اليهودية، اللهم إلا إذا كانت هذه اليهودية نفسها تعبيراً عن شيء جوهري في الحضارة الغربية.

    سـارة ميـلين (1889-1967(
    Sarah Millin
    مؤلفة وروائية يهودية من جنوب أفريقيا، وُلدت في ليتوانيا ولكنها استقرت وهي بعد طفلة مع أهلها في جنوب أفريقيا، وتزوجت من القاضي فيليب ميلين، وهو قاض في المحكمة العليا في جنوب أفريقيا. نشرت عدة أعمال روائية وغير روائية، ولكنها حققت قدراً من الشهرة مع نشر روايتها أطفال الله (1924) وهي رواية عن الملونين في جنوب أفريقيا.

    نشرت ميلين سيرة حياة سيسل رودس (1933) وقد حُوّل الكتاب إلى فيلم عام 1936. كما نشرت سيرة حياة الجنرال سمتس (من جزأين) عام 1936، وهو تاريخ لجنوب أفريقيا ولدور اليهـود فيها. ونشـرت سـيرتها الذاتية بعنوان طويل هو الليل (1941). وتعود شهرتها إلى هذه الأعمال أكثر من أعمالها الروائية. وكانت مواقفها السياسية والأخلاقية بشأن المستوطنين السود في جنوب أفريقيا لا تخرج عن سياسة التفرقة اللونية (الأبارتهايد). وكما هو متوقع من كاتبة مثل هذه، نجد أنها تدافع بشدة عن الدولة الصهيونية. وقد كرَّست سارة معظم كتابتها بعد الحرب العالمية الثانية للدفاع عن إسرائيل وجنوب أفريقيا. وحررت عام 1966 كتاباً بعنوان الأفريقيون البيض هم أيضاً بشر وساهمت فيه بدراسة، وهو كتاب يدافع عن روديسيا وجنوب أفريقيا. ولا يمكن القول بأن ميلين تؤيد إسرائيل بسبب يهوديتها (فهي لم تهاجر إلى الدولة الصهيونية)، بل ينبع تأييدها للدولة الصهيونية من انتمائها للجيب العنصري في جنوب أفريقيا وللتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي.







  8. #18
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    بوريـس باسترناك (1890-1960)
    Boris Pasternak
    شاعر وروائي روسي، وُلد في موسكو ابناً للرسام الروسي ليونيد باسترناك. تنصَّر باسترناك في طفولته، وتعكس أعماله الشعرية التي تُعتبَر من أهم الأعمال الشعرية الروسية في القرن العشرين الروح المسيحية الأرثوذكسية. درس الفلسفة في جامعة موسكو ثم في ماربورج في ألمانيا، وأصدر أول أعماله الشعرية عام 1914. ولم تتناول أعماله أية مواضيع يهودية بشكل خاص فيما عدا روايته الشهيرة دكتور زيفاجو التي كتبها عام 1958، وتتناول هذه الرواية المسألة اليهودية. وتتخلل أعمال باسترناك بعض أفكاره الأساسية التي تعكس رؤية المثقف الليبرالي للقضايا السياسية، ولفكرة الثورة وقضايا الفن. فتتكرر في أعماله مسألة عدم جدوى الأيديولوجيات، وغياب أي نوع من العلاقة بين السياسة والسعادة الإنسانية، كما تتكرر حيرة المثقف إبان الثورات بين تأييده للتغيير ورفضه للعنف المصاحب للثورات.

    وقد انعكس كره باسترناك للعنف، واتجاهه نحو الفرار من الواقع السياسي في سبيل السعادة الفردية، في روايته دكتور زيفاجو. وعكست هذه الرواية أيضاً انفصال باسترناك عن اليهودية تماماً، كما عكست اعتزازه وإيمانه بتفوق المسيحية، واعتقاده بأن الاندماج هو السبيل الوحيد أمام اليهود للتخلص من المآسي التي تلحق بهم. وقد نالت هذه الرواية جائزة نوبل عام 1958، وأثار حصوله على الجائزة زوبعة سياسية نظراً لما كانت تحتويه الرواية من نقد للنظام السوفيتي وأيديولوجيته ولما كان يتخللها من مسحة دينية مسيحية. واضطر باسترناك إلى رفض الجائزة تحت ضغط من السلطات السوفيتية. ومن الجدير بالذكر أن باسترناك ظل في نظر السلطات السوفيتية، منذ الثلاثينيات، فناناً منعزلاً محباً للجمال متميِّزاً بحرفية فائقة، كما اعتُبر من بقايا مثقفي فترة ما قبل الثورة المنفصلين عن واقعهم الجديد. وقد مُنعت روايته من التداول في الاتحاد السوفيتي. وبعد وفاته، رُدَّ إليه اعتباره بشكل جزئي. وفي عهد البريسترويكا، تم نشر دكتور زيفاجو في الاتحاد السوفيتي، وأُعيد نشر أعماله الأخرى.

    وتُصنِّف بعض الموسوعات اليهودية باسترناك باعتباره «يهودياً»، وهو تصنيف يفتقر إلى أية قيمة تفسيرية أو تصنيفية. فإذا كان باسترناك قد وُلد يهودياً، فإن علاقته باليهودية انتهت بعد بضع سنوات من مولده، ولا يمكن تفسير أدبه إلا بالعودة لاهتماماته الدينية المسيحية ولموقفه المبهم من الثورة البلشفية.

    فرانــز فرفــل (1890-1945(
    Franz Werfel
    روائي نمساوي يهودي وكاتب مسرحي وشاعر. وُلد في براغ لعائلة يهودية ثرية ودرس في جامعات براغ وليبزيج، واشتغل محرراً في دار نشر، وصادق ماكس برود وفرانز كافكا. استهل فرفل حياته الأدبية بكتابة الشعر وصدرت له مجموعة أشعار عام 1911 تحت عنوان صديق العالم والتي دعَّمت مركزه الأدبي ووضعته ضمن أهم الشعراء التعبيريين في عصره. وتميَّز هذا العمل بطابع ديني مشيحاني وتمحور حول فكرة الحب والصداقة والأخوة الكونية العميقة. خدم فرفل خلال الحرب العالمية الأولى في صفوف الجيش النمساوي، وصدرت له عقب الحرب مجموعة أشعار بعنوان يوم القيامة (1919)، جسَّدت انطباعاته عن الحرب وتناولت الموت والهلاك والبعث والخلاص، وأكد فيها فرفل أن المحبة والأخوة بين البشر هما المفتاحان الوحيدان لإحياء شباب العالم الذي أصبح ملطخاً بالدماء.

    وفي عام 1923، أصدر مجموعة أخرى من الأشعار تحت عنوان إهابة سحرية دعا فيها إلى أخوة ديونيسية جديدة (نسبة إلى ديونيسوس إله الخمر عند اليونان) تجمع بين جميع المخلوقات: الإنسان والحيوان والجماد، ومن ثم فهي وحدة حلولية عضوية ذات توجه نيتشوي واضح.

    واتجه فرفل بعد الحرب إلى الكتابة المسرحية وكتب عدداً من المسرحيات الناجحة مثل ثلاثية إنسان المرآة (1921) التي تناول فيها فكرة سقوط الإنسان وخلاصه، وهي الفكرة نفسها التي تناولها في مسرحيته الدينية بولس بين اليهود (1926). وفي مسرحية الصمت (1922)، تحدث عن خطر النازية واعتبرها تُمثِّل ثورة الإنسان البدائي ضد الإنسان المُتحضِّر. وبعد صعود هتلر إلى السلطة في ألمانيا،كتب المسرحية التاريخية الدينية الطريق الأبدي (1936) والتي عُرضت بنجاح كبير على مسارح نيويورك،تناول فيها قضية يهود العصور الوسطى الذين عاشوا حياة نفي مستمرة نتيجة تمسكهم بعقيدتهم،كما عبَّر فيها عن حيرته الروحية وعدم وضوح انتمائه الديني.

    ومع انحسار التعبيرية وانبعاث الواقعية، انتقل فرفل إلى عالم القصة والرواية وحقق من خلالها شهرته العالمية. وتميَّزت رواياته بطابع صوفي تبشيري وتبنَّت قضايا المطحونين والمهزومين والصراع بين قوى الخير وقوى الشر، ومن أهم مؤلفاته الروائية الأربعون يوماً لموسى داغ (1933) والتي أبرز فيها مقدار الظلم الذي يمكن أن تفرضه الأغلبية ضد الأقلية من خلال تناوله صراع الأرمن ضد الأتراك. وفي روايته القلب النقي (1931) يؤكد أهمية السمو الروحي والديني والأخلاقي الذي يعلو عن مستوى الواقع الفج والنشاط السياسي غير النزيه.

    وقد هرب فرفل من النمسا عام 1938 بعد استيلاء النازي عليها،واستقر في فرنسا،ثم هرب مرة ثانية بعد عام 1940.وأثناء وجوده في فرنسا،ألهمته زيارته لمزار ديني في لودز كتابة رواية أغنية برناديت التي صدرت في الولايات المتحدة عام 1941 وحققت نجاحاً كبيراً وحُوِّلت إلى فيلم سينمائي.وتجسد هذه الرواية الصراع بين قوى الظلام وقوى النور وتُمجِّد المسيحية الكاثوليكية التي ظل فرفل منجذباً إليها طوال حياته.وكان فرفل قد كتب مقالاً عام 1917 بعنوان « الرسالة المسيحية » يوحي بأنه كان على وشك اعتناق الكاثوليكية،إلا أنه لم يُقدم على ذلك أبداً.وقد أكَّد عام 1943 أن تكوينه الفكري والثقافي تم في ظل التأثير الروحي للمسيحية والكنيسة الكاثوليكية كما يتبين بشكل واضح من خلال أعماله الأدبية. ومما يُذكَر أن فرفل تزوج عام 1929 من أرملة الموسيقار اليهودي جوستاف ماهلر التي كانت رافضة لليهودية، واقترحت قبل زواجهما أن يتخلى فرفل عن يهوديته ويتنصَّر، ولكنهما اتفقا في النهاية على أن يتم تعميده بعد وفاته.

    وفي سنواته الأخيرة عكف فرفل على كتابة عمله الملحمي الضخم نجم الذين لم يولدوا بعد والذي صدر بعد وفاته عام 1946، واستعرض فيه القضايا والأسئلة الأزلية التي تظل دائماً دون إجابة نهائية والتي أرَّقته طوال حياته،وتُوفي فرفل في الولايات المتحدة ودُفن في فيينا.

    ويظهر اسـم فرفل في كثير من الموسـوعات اليهـودية كمؤلف يهودي، وهو أمر يثير الحيرة لأن رؤيته في جوهرها مسيحية.

    إيليـا إهرنبـورج (1891-1967(
    Ilya Ehrenburg
    كاتب روسي يهودي، وُلد في كييف لأسرة مندمجة في المجتمع الروسي، وكان أبوه يمتلك مصنعاً لتقطير الخمور. انضم إهرنبورج للحركة الاشتراكية واضطر إلى اللجوء إلى باريس. وقد تحوَّل إلى الكاثوليكية عام 1911. كتب إهرنبورج في هذه المرحلة أشعاراً ذات طابع صوفي مسيحي، وتتحدث كتاباته النثرية (منذ عام 1920) عن معاناة اليهـود باعتبار أن ذلك جـزء من المخطـط الإلهي للقضـاء على الشر، وهذه فكرة قبَّالية. ولكنه عاد ورفض الإيمان الديني وقرر التعاون مع « حركة التاريخ ». واضطر للهجرة من روسيا عام 1921، ولم يَعُد إليها إلا في صيف 1941. تتناول بعض مؤلفاته موضوعات يهودية من أهمها رواية حياة لازيك رويتشفانتس العاصفة (1928) بطلها ترزي بسيط سيئ الحظ يبعث على الرثاء ولا علاقة له بالسياسة، ولكنه دائماً محط شك كل النظم، فبعد أن تم تحرير المنطقة التي يعيش فيها على يد القوات البلشفية ينظر إليه ممثلو النظام الجديد باعتباره ممثلاً للحرفيين البورجوازيين ذوي النزعة الفردية. وحينما يفرّ إلى الغرب، يظن الجميع أنه عميل سري شيوعي. وحينما يفرّ إلى فلسطين، لا يكون حظه أحسن حالاً. والبطل يشبه من بعض الوجوه أبطال شالوم عليخم (الكاتب اليديشي(.

    وأثناء الحرب، لعب إهرنبورج دوراً نشيطاً في اللجنة السوفيتية اليهودية المعادية للفاشية، وحرر هو وفاسيلس جروسمان الكتاب الأسود الذي ضم أقوال شهود عيان لجرائم النازيين، ولم تنشر السلطات السوفيتية الكتاب. وحينما أُعلنت دولة إسرائيل واعترف بها الاتحاد السوفيتي، ذكَّر إهرنبورج يهود بلاده بأن الاتحاد السوفيتي هو وطنهم.

    وبعد سقوط ستالين، كتب إهرنبورج رواية ذوبان الثلوج (1954)، وهي تتناول شخصية مدير مصنع ديكتاتوري إبّان المرحلة الستالينية. ومن شخصيات الرواية طبيب يهودي يُتَّهم بالاشتراك في مؤامرة الأطباء. وظهرت بين عامي 1960 و1965 مذكرات إهرنبورج (الناس والحياة 1962، ومذكرات 1964)، وهي تصف كثيراً من معاصري إهرنبورج، مثـل: مارك شـاجال وأيزاك بابل وسـولومون ميخولز.







  9. #19
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    أوسـيب ماندلستام (1891-1938)
    Osip Mandelstam
    شاعر روسي يهودي، وُلد في روسيا لأسرة متدينة. ولكنه تلقى تعليماً علمانياً ثم سافر إلى فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا، وانضم للحركة الشعرية المسماة «الأكميزم Acmeism» (نسبة إلى «أكمي Acme» أي «القمة» أو «الذروة») والتي تُعَدُّ ثورة على المدرسة الرمزية، إذ طالب دعاة هذه المدرسـة بقدر أكبر من الوضـوح والمباشـرة والتركيز على الشكل. وقد كتب ماندلستام بعض الوثائق الأساسية لهذه الحركة.

    نشر ماندلستام مجموعة شعرية عام 1913 بعنوان حجر، ولكن المجموعة التي نشرها عام 1922 بعنوان تريستيا هي التي حققت له الذيوع. وموضوعات شعره ذات طابع تاريخي ومُستَقَاة من التاريخ اليوناني والروماني. ويتَّسم شعره بصُوَره الأصيلة وحرفيتها العالية واستخدامه المتميِّز للغة الروسية. وقد تزوج ماندلستام من امرأة روسية غير يهودية.

    قابل ماندلستام الثورة البلشفية بكثير من الترحاب، ولكن الفجوة بدأت تتسع بينه وبين الثورة وانتهى الأمر بأن قُبض عليه عام 1934، ونُفي إلى سييبريا حيث مات فيها عام 1938 (وربما عام 1937). وقد رفض ماندلستام اليهودية الحاخامية، ووُصف موقفه بأنه هروب من الفوضى اليهودية.

    ويُعتبَر ماندلستام مثلاً لليهودي الذي يكره نفسه (مثل تروتسكي). ويظهر هذا بشكل واضح في مجموعة مقالاته المسماة ضوضاء الزمان حيث يسخر من اليهود الذين يصفهم بأنهم يستخدمون اللغة الروسية بدقة مبالغ فيها وبتصنع شديد حتى أنهم يزهقون روحها. ويُعبِّر ماندلستام عن كرهه للرطانة التي يتحدث بها يهود شرق أوربا (اليديشية) ولأبجديتهم (العبرية) وللخطوط السوداء والصفراء على شال الصلاة (طاليت)، بل ولرائحتهم الكريهة. ويرى ماندلستام أن المسيحية تُشكِّل الإطار الحقيقي لشعره. وقد نشرت أرملته عام 1971 كتاباً عن حياتها مع ماندلستام يعده بعض النقاد من عيون الأدب الروسي.

    وقد ضم دليل بلاكويل للثقافة اليهودية مدخلاً عن ماندلستام باعتباره « مثقفاً يهودياً » في الوقت الذي استبعدت فيه هذه الموسوعة الكُتَّاب اليهود من أصل شرقي أو سفاردي، وهو أمر أقل ما يُوصَف به أنه مشكوك فيه، فأين تكمن يهودية مثل هذا الكاتب؟

    نيللي ساكس (1891-1970(
    Nelly Sachs
    شاعرة ألمانية يهودية حاصلة على جائزة نوبل، وُلدت لعائلة يهودية مندمجة في برلين وكان والدها رجل صناعة ثرياً. بدأت في كتابة أشعارها الأولى بالألمانية في سن السابعة عشرة وظهر أول أعمالها عام 1921. تميَّزت أشعارها بمضمونها المسيحي وطابعها الصوفي ولغتها الرومانسية. وظلت ساكس متباعدة عن أصلها اليهودي وغير مكترثة له إلى أن جاء النازي إلى الحكم في ألمانيا وهو ما اضطرها إلى الفرار إلى السويد عام 1940. وقد تناولت في أشعارها اللاحقة مواضيع خاصة باليهود وبفترة الإبادة النازية، فأصدرت عام 1946 ديوان في مساكن الموت الذي أهدته إلى «إخوتها وأخواتها الموتى »، ومن أشهر قصائد هذا الديوان قصيدة «المداخن». أما ديوانها الصادر عام 1949، فيضم أشعاراً تعبِّر عن إيمانها اللامتناهي بقدرة « شعب إسرائيل » على البقاء وأهمية رسالته في الحياة. وتنتمي أشعار ساكس إلى الموروث الأوربي الرومانسي لألمانيا، ويبدو أنها تأثرت بالصوفية: تأثرت بدايةً بصوفية جيكوب بومه، ثم تأثرت بالقبَّالاه، خصوصاً كتاب الزوهار أهم كتب التراث القبَّالي، كما تأثرت بكتابات مارتن بوبر الحسيدية. وتتمحور أغلب أعمالها حول موضوعات الملاحقة والمطاردة والخوف والوحدة والاستشهاد والمعاناة. وهي تستخدم خلفية كونية في كتاباتها.

    كذلك كتبت ساكس عدداً من المسرحيات، من أشهرها مسرحية أسرار حول معاناة إسرائيل التي صدرت عام 1943 وتتناول فيها موضوع الإبادة النازية.

    ورغم تبايُن آراء النقاد واختلاف تصنيفهم لأعمال ساكس وانتقاد الكثيرين لها باعتبار أن أسلوبها الأوربي الرومانسي الألماني لا يتفق مع محتوى أشعارها، وأنها تفتقر إلى عذوبة ودقة اللفظ الذي يتيح للقارئ مشاركتها إحساسها وإدراكها الديني. ورغم أن عدداً كبيراً من النقاد يجد أن أعمالها ليست متميِّزة لا من الناحية الأدبية ولا من الناحية الفكرية، إلا أنها مُنحت عام 1965 جائزة الناشرين الألمان للسلام، ثم جائزة نوبل في الأدب عام 1966 (مناصفة مع الأديب الإسرائيلي شموئيل عجنون). وقد قالت عند تسلُّمها الجائزة « إن عجنون يمثل دولة إسرائيل وأنا أمثل مأساة الشعب اليهودي ».

    ورغم تأكيد يهودية أدبها، فيجب ملاحظة أن مصادر ساكس الأدبية ألمانية، غير يهودية على الإطلاق، وكذلك مصادرها الفكرية والدينية. إذ تأثرت بأعمال المتصوف الألماني المسيحي جيكوب بومه، كما تأثرت بمارتن بوبر الذي تأثر بدوره بالفكر الديني المسيحي كليةً. أما تأثرها بالحسيدية، فلعله تأثر بالجوانب التي يمكن أن نسميها «مسيحية». وهذا الموروث يظهر في تراثها الأدبي بكل وضوح، وقد وُصفت أعمالها الشعرية الأولى بأنها مسيحية. وفي عام 1940، نجد أنها تستخدم في قصيدتها الشهيرة «المداخن» صورة مجازية مسيحية، إذ تصف الدخان المنبعث من معسكرات الإبادة النازية بأنه يضم جسد إسرائيل، أما المسرحية التي كتبتها فهي ما يُسمَّى «مسرحية أسرار»، وهي نوع أدبي ذو جذور مسيحية واضحة تتناول اغتيال صبي بولندي على يد جندي ألماني (وفي هذا صدى لقصة صلب المسيح)، كما يتردد في المسرحية صدى أساطير حسيدية عن القديسين (تساديك) الذين يساهمون في استمرار العالم بفضل طهارتهم ويساهمون في إصلاح الخلل الكوني (تيقون). وقد بيَّنا المضمون المسيحي لهذا المفهوم في موضع آخر (انظر: «تنصير اليهودية»).

    وقد وُصِّفت أعمالها بأنها مزج جيد بين المفردات الحسيدية والمفردات المسيحية، وعادةً لا يمكن مزج عنصرين إلا إذا كانت هناك رقعة مشتركة بينهما. وبالفعل، فإننا نجد أن المفردات الحسيدية التي اختارتهـا هي تلك المفردات التي تعبِّر عن الجانب المســيحي في الحسيدية، والتي استوعبها الحسيديون من تربتهم السلافية الأرثوذكسية. وهنا يمكن طرح السؤال التالي: هل أعطت أوربا الجائزة لساكس بسبب تعبيرها عن هويتها اليهودية أم أعطتها لها بسبب تخليها عنها؟

    جوليان تـوويم (1894-1953(
    Julian Tuwim
    شـاعر بولندي يهـودي، يُعتبَر من أهـم المجددين في الأدب البولندي، وُلد لأب وأم يهوديين، ولكن الأم كانت ذات اتجاه اندماجي قوي فبثت فيه روح الانتماء لبولندا وللقومية البولندية. ولا شك في أنها روح اكتسبت قوة من خلال تلقيه تعليمه في جامعات بولندا في فترة كانت الروح القومية فيها متأججة. وتعبِّر دواوين توويم الشعرية الأولى، في انتظار الإله (1918)، و سقراط الراقص (1920)، و الخريف السابع (1922)، عن إيمانه العميق بالقومية البولندية وتمسكه بها. أسس توويم، هو ومجموعة من الأدباء البولنديين، مجلة أدبية أطلق عليها سكامندر، كما أُطلق الاسم ذاته على حركة أدبية كان يرأسها توويم، وهي تُعَدُّ أهم حركة أدبية في بولندا حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقد أصبح توويم من أهم شعراء بولندا بلا منازع، ومُنح جوائز أدبية عديدة وذاع صيته في أوربا باعتباره «بوشكين البولندي». ورغم إيمانه العميق بقوميته، إلا أنه نحا في شعره منحىً اجتماعياً ثورياً، فهاجم الأثرياء والمستغلين والطبقة العسكرية والرأسمالية في بولندا في ديوانيه إنجيل الفجر (1933)، وحفلة الأوبرا (1936). ولكنه رغم تعاطفه الواضح مع العمال، بقي بمنأى عن الحركات العمالية الثورية، إذ ظل انتماؤه القومي هو الأساس.

    ولا يظهر الموضوع اليهودي في كتابات توويم إلا نادراً. وهو لم يحاول إخفاء أصوله اليهودية، إذ كان يرى أنها لا تتناقض مع انتمائه البولندي. وانطلاقاً من هذا، كان توويم يهاجم المعادين لليهودية الذين ينكرون عليه انتماءه القومي البولندي ويتهمونه بأنه يفسد اللغة البولندية، كما كان يهاجم الصهاينة وكل دعاة العزلة اليهودية. ولذا، اتهمته بعض الدراسات بأنه ينتمي لنمط اليهودي الذي يكره نفسه.

    ساهم توويم في حركة المقاومة ضد النازي، وكتب ملحمة أزهار بولندا (1940 - 1944) الذي أصبح أحد أجزائها ( «صلاة ») نشيد حركة المقاومة البولندية. كما كتب في هذه المرحلة كتاباً بعنوان نحن اليهود البولنديون يدافع فيه عن انتمائه البولندي واليهودي. وقام توويم بترجمة كثير من الأعمال الأدبية إلى البولندية خصوصاً من الروسية، كما ترجم أعمال رامبو. وكتب دراسات في مواضيع متنوعة مثل السحر ولهجات السكارى، ونشر ثلاثة من كتب تضم أغاني للأطفال. وقد عاد إلى بولندا بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم واستقر فيها حتى موته.

    ويظهر اسم توويم في كثير من الموسوعات اليهودية باعتباره أديباً يهودياً، الأمر الذي يثير السؤال التالي: من هو الأديب اليهودي؟ فهذا أديب نشأ يتحدث البولندية في بيئة بولندية وتلقى تعليمه في مؤسسات تعليمية بولندية، وينتمي إلى التراث الأدبي والشعبي البولندي، ويؤمن بالمشروع القومي البولندي (وقد كان البولنديون يتغنون بقصائده ويحولونها إلى أناشيد قومية لهم)، وهو يعود إلى بلده بعد تحريرها (وبعد إنشاء الدولة الصهيونية في فلسطين) ليقضي فيها بقية أيامه ثم يُدفَن فيها، ومن ثم لا يمكن فهم حياته أو أدبه إلا في إطار انتمائه إلى بولندا. أما يهوديته، فقد فهمها حق الفهم، أي باعتبارها بُعداً هامشياً في شـخصيته (وهو الأمر الذي فشـل الصهاينة والمعادون لليهود في فهمه).

    إسـحق بابـل (1894-1941)
    Isaac Babel
    كاتب قصة قصيرة ومسرحي سوفيتي يهودي، وُلد في مدينة أوديسا ونشأ فيها. وكانت أوديسا مركزاً كوزموبوليتانياً، إذ كانت تعيش فيها جماعات ذات خلفيات ثقافية وإثنية مختلفة (ولذا كانت المسارح تعرض المسرحية الواحدة بثلاث أو أربع لغات مختلفة)، كما كانت مركزاً لنشاط تجاري دولي واسع النطاق. وإلى جوار هذا كانت أوديسا مركزاً للدراسات العبرية واليديشية ومركزاً لحركة التنـوير اليهـودية والحـركة الصهيـونية والحركات الاشتراكية اليهودية.

    وُلد بابل لعائلة مندمجة تتحدث اليديشية التي تُعَدُّ لغته الأولى، وتلقى تعليماً خاصاً في منزله حتى سن السادسة عشرة، حيث تعلم مواد دينية ودنيوية عديدة منها العبرية والعهد القديم والتلمود، ثم التحق بمدرسة تجارية في أوديسا. وبعد عام 1915، ذهب بابل إلى بتروجراد (سان بطرسبرج فيما قبل ولينينجراد فيما بعد) متخفياً، حيث كان محظوراً على أعضاء الجماعة اليهودية التواجد فيها دون تصريح، لأنها كانت تقع خارج منطقة الاستيطان على عكس أوديسا.

    وقد نُشرت أول أعماله الأدبية في بتروجراد، قبل الثورة، في مجلة أدبية كان يرأس تحريرها ماكسيم جوركي. وبعد اندلاع الثورة البلشفية، انضم بابل لقواتها. فعمل في قوات الأمن، وفي قوميسارية التعليم، وفي مهمات التموين، أي في مصادرة المحاصيل في الريف، وفي الجيش البلشفي ضد القوات الروسية البيضاء المعادية للثورة. كما خدم في فرقة الفرسان الأولى التي كانت تضم المحاربين القوزاق وكانت تحارب على الجبهة البولندية. وهذه واحدة من مفارقات عديدة في حياة بابل، فالقوزاق هم أعداء الجماعة اليهودية التقليديون، ومن صفوفهم جاء شميلنكي الذي قاد ثورة شعبية أوكرانية ضد الإقطاع الاستيطاني البولندي وممثليه من يهود الأرندا. كما كانت الدولة القيصرية تجند القوزاق في قوات الأمن الداخلي لقمع المتظاهرين ولفرض الهيمنة الروسية على الشعوب والأقليات التي كانت تضمها الإمبراطورية القيصرية ومن بينهم الجماعات اليهودية. ورغم كل هذا، انضم بابل اليهودي إلى القوزاق أعداء اليهود، وهم فرسان محاربون شرسون من أصل قَبَلي يحملون سيوفهم وأسلحتهم، وهو مثقف من المدينة يرتدي نظارة ويحمل كتبه ولا يجيد ركوب الخيل. وتستمر المفارقات في حياة بابل، فقد نشأ نشأة دينية أرثوذكسية جامدة، ثم تبنَّى عقيدة علمانية لا تقل عنها جموداً. وقد دافع بابل عن النظام السوفيتي، وسقط ضحية هذا النظام في نهاية الأمر.

    كتب بابل في هذه الفترة الفرسان الحمر (1926) وهو كتاب يتناول تجربته مع المحاربين القوزاق من الفرقة الأولى الحمراء. واتهمه قائد الفرقة الأولى بأنه شوَّه الحقائق وأساء إلى صورة الفرقة. وفي عام 1931، كتب بابل رواية أو مجموعة من القصص عن عملية فرض الصيغة الجماعية على الإنتاج الزراعي، وظهر فصل منها ثم توقفت لأنها كانت متناقضة مع خط الحزب.

    سُمح له عام 1928 بزيارة زوجته وابنته اللتين كانتا قد هاجرتا إلى باريس. ثم بدأت فترة الإرهاب الستالينية بعد ذلك، فأصبح بابل، حسب قول أحد النقاد، « سيد الصمت ». وبموت ماكسيم جوركي (1936)، فَقَد بابل أحد أهم أصدقائه، إذ كان يزوده بالحماية. وبالفعل، قُبض عليه عام 1939 واختفى على الفور. ولا تُعرَف الأسباب التي أدَّت إلى القبض عليه، ولكن ثمة نظرية تذهب إلى أنها لم تكن سياسية، وأنه أُلقي القبض عليه بسبب علاقة غرامية بينه وبين زوجة رئيس البوليس السري.

    ويُعَدُّ بابل من أهم الكُتَّاب الروس، فرغم أن لغته الأولى كما أسلفنا هي اليديشية، ورغم أنه كتب أولى رواياته بالفرنسية، إلا أنه امتلك ناصية اللغة الروسية وأصبح من أحسن كتابها. ورغم اختياره الروسية لغة للتعبير، فقد ظل الموضوع اليهودي موضوعاً أساسياً ظاهراً وكامناً في أعماله. ولم يكن بابل منشغلاً بأن يحدِّد موقفاً مع اليهود أو ضدهم، فقد أدرك أن يهوديته (أو بقاياها) هي مُعطى أو ميراث يحدِّد سلوكه كمواطن في عصر الثورة وهو ما يخلق التناقضات والمفارقات العديدة في حياته.

    ولعل هذا هو سر عظمة أعماله وسر إنسانيتها، فاليهودية هنا ليست نسقاً مغلقاً مكتفياً بذاته يُقسِّم العالم إلى يهود وأغيار ثم يستبعد الأغيار باعتبارهم الأشرار، وإنما هي بُعْد أساسي في بنية إنسانية مأساوية كوميدية ذات دلالة إنسانية عامة. ومأساة اليهودي في رواياته ليست مأساة يهودية خاصة، وإنما هي مأساة إنسان يسقط صريع عمليتي الثورة والتحديث رغم إيمانه بهما وتحمسه لهما وانضمامه لصفوفهما. وهذا نمط إنساني عام يتجاوز يهودية اليهودي وكل الانتماءات الإثنية، ويُعبِّر عن الصراع القائم بين الجديد والقديم وبين المجتمع التقليدي والحديث، فالمرجعية النهائية هنا هي إنسانية البشر المشتركة، وكذلك أفراحهم وأتراحهم.

    ولم يكن بابل كاتباً غزير الإنتاج، فسمعته الأدبية تستند إلى مجموعتين أدبيتين: الفرسان الحمر (1926)، و روايات أوديسا (1927). وقد تأثر أسلوبه الروائي بفلوبير وموباسان، فهو يجيد رواية الحكايات، حيث تنكشف الشخصيات المتنوعة من خلال الحبكة نفسها. وعادةً ما يكون الراوي في القصة هو الشخصية الأساسية يحكي روايته بلغته سواء كانت لهجة فلاحية أو رطانة جنود أو لغة مواطن يهودي من أوديسا يتحدث الروسية بلكنة يديشية.

    والموضوع الأساسي في روايات بابل هو صدى لواحد من أهم الموضوعات في الأدب الغربي الحديث: تمجيد الإنسان الطبيعي أو النبيل المتوحش. ولكن الموضوع يأخذ شكلاً خاصاً في أدب بابل، بل يكتسب أبعاداً نيتشوية واضحة، وهو في هذا لا يختلف كثيراً عن كثير من الأدباء اليهود في عصره حيث اكتسحتهم النيتشوية، مثل آحاد هعام فيلسوف أوديسا وحاخامها اللاأدري. فاليهودي التقليدي في أدب بابل هو ممثل أخلاق الضعفاء، المثقل بعبء التاريخ وميراثه، يود أن يتحرر من كل هذا ويصبح مثل الوثنيين ممثلي أخلاق الأقوياء الذين يتسمون بالقوة الجسدية الخارقة وبغياب الحس الخلقي والمقدرة على الحياة في عالم الحس المباشر. ولعل أحسن مثل على ذلك، حسب رؤية بابل، المحاربون القوزاق. ومما يَحسُن ذكره أن لهذا الموضوع صدى في الأدب الصهيوني، فالصابرا أو العبراني الجديد هو هذا الوثني النيتشوي غير المُثقَل بعبء التاريخ، والوثني الجديد قادر على القيام بأفظع الأفعال وأبسطها؛ قتل الآخرين. وفي إحدى قصص بابل، لا يقوى بطلها على أن يُجهز على أحد الرفاق الجرحى، ويصلِّي للإله ليمنحه المقدرة على القتال. وفي قصة أخرى، يحاول البطل أن ينضم إلى جماعة القوزاق، ولذا كان عليه أن يقتل إوزَّة بطريقة شرسة وينجح في ذلك، ولكنه حينما يأوي إلى فراشه يبدأ ضميره (اليهودي) في تأنيبه على فعلته هذه.

    وإلى جانب ممثلي أخلاق الضعفاء، يوجد يهود آخرون يعيشون في عالم الحس خارج نطاق قيم الخير والشر، أبطال لا علاقة لهم باليهود المساكين الذين صوَّرهم الأدب اليديشي، ولا بالحالمين المثاليين في الأدب ذي التوجه الصهيوني. أما أبطال بابل فهم، على حد قول أحد النقاد، مثل الخمرة الحمراء الرديئة المليئة بالفقاقيع، فمنهم امرأة يهودية ضخمة تدير بؤرة للصوص وماخوراً للدعارة، ومنهم شحاذون ذوو ذقون مدببة يحرسون مقابر اليهود ويتحدثون عن عبث الوجود الإنساني، ومنهم رؤساء عصابات يُدخلون الرعب على قلوب تجار أوديسا وشرطييها، ومنهم ذابحون شرعيون وحسيديون بولنديون. هذا الجانـب من أدب بابل يُعبِّر عن وعيه بالجانب الحسـي لعـالم يهود اليديشية، ولكنه عالم آخذ في الاختفاء بسبب تصاعُد معدلات العلمنة والتحديث، خصوصاً بعد الثورة. ومن هنا يتحوَّل أدب بابل إلى مرثية اختفاء هذا العالم، ولكنها مرثية كوميدية. وهذه النغمة هي التي تنقذه إلى حدٍّ ما من العدمية التي تسم كثيراً من الأعمال الحداثية وتُحل محلها شكلاً بدائياً مباشراً من تأكيد الحياة. فعلى سبيل المثال، هناك بيت للعجزة اليهود يحاول أن يضمن لنفسه الاستمرار بأن يتحوَّل إلى تعاونية اشتراكية للدفن، ولكنه لا يمكنه البقاء إلا بالحفاظ على الجثمان الوحيد لديه وعدم دفنه. ومن ثم، فإن أول جنازة حقيقية ستقوم بها هذه المؤسسة الاشتراكية تعني، في واقع الأمر، نهايتها. وهناك قصة أخرى عن حياة طفل يُسميه أبواه الشيوعيان الملحدان «كارل»، ولكن جديه يختنانه سراً، ومن ثم يُسمَّى الطفل «كارل ـ يانكل» (كارل ـ يعقوب). وفي قصة ثالثة، ينضم ابن أحد الحاخامات للحزب الشيوعي (رمز الجديد) ولكنه يستمر في الحياة مع أبويه لأنه لا يريد أن يترك أمه (رمز القديم). وفي قصة رابعة، يموت ابن الحاخام الشيوعي في معركة ولكنهم (بعد موته) يجدون في أوراقه صورة للينين وأخرى لموسى بن ميمون وقرارات للحزب الشيوعي كُتبت في هوامشها أبيات شعرية بالعبرية ونص من نشيد الأنشاد مع بعض الطلقات الفارغة.

    ولعل من أهم القصص التي تبيِّن هذا الصراع قصة جيدالي. وبطل القصة يهودي عجوز (صاحب محل تحف)، وقد اعترته الدهشة والحيرة بسبب عمليات السرقة والنهب في مدينته والتي يقوم بها الجانبان الشيوعي والمعادي للشيوعية. ولذا، فهو يسأل: كيف يستطيع المرء إذن أن يفرِّق بين الثورة والثورة المضادة؟ وهو ممن لا يقبلون الرأي الحديث القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة، ويعيش في ألم لأن الثورة تطالب الناس بأن ينبذوا كل القـيم القـديمة: الجيـد منهـا والرديء. « سنقول نعم للثورة، ولكن هل يمكن أن نقول لا لشعائر السبت؟ » ثم تنتهي القصة باقتراح يقدمه بطل القصة لزائره الشيوعي: إن ما تحتاجه الدنيا ليس مزيداً من السياسة، وإنما منظمة دولية للأخيار، يعيش كل الناس فيها في سلام ووئام.

    وقد رُدَّ اعتبار بابل في الاتحاد السوفيتي في فترة ما بعد ستالين ونُشرت أعماله في الستينيات. ويمكن هنا أن نثير قضية تصنيف بابل الذي ورد اسمه في دليل بلاكويل للثقافة اليهودية باعتباره أديباً يهودياً. ورغم أن بابل يكتب باللغة الروسية داخل إطار الثقافة الروسية وتقاليد الرواية الروسية، ولا يمكن فهم أعماله إلا بالعودة إلى هذه التقاليد. وهو يتناول موضوعات يهودية، ولكنها في واقع الأمر موضوعات روسية يهودية، أي أنها موضوعات تخص حياة يهود اليديشية في روسيا بعد الثورة، وهي موضوعات لا تُفهَم هي الأخرى إلا بالعودة إلى المجتمع السوفيتي الجديد ومشاكل الشعوب والأقليات فيه. ويتسم تناول بابل لموضوعاته بالرحابة الإنسانية، ومن ثم فإن أعماله ترقى إلى مستوى العالمية. كل هذا يجعل تصنيفه كروائي يهودي مستحيلاً، فمثل هذا التصنيف لا يُفسِّر إلا جوانب محدودة للغاية من أدبه.







  10. #20
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    بـن هكـت (1894-1964(
    Ben Hecht
    صحفي أمريكي يهودي وروائي وكاتب مسرحي، وكاتب سيناريو. وُلد في نيويورك، وانتقل عام 1910 إلى شيكاغو حيث بدأ حياته في مهنة الصحافة التي حقق فيها مكانة بارزة. أرسلته جريدة ديلي نيوز عام 1918 إلى برلين حيث ظل حتى عام 1920، وهناك تدعمت اهتماماته الأدبية. وفي عام 1921، أصدر روايته الأولى أريك دورن والتي عكست تجاربه في برلين. وفي شيكاغو، انضم بن هكت إلى مدرسة شيكاغو التي ضمت كُتّاباً مثل شروود أندرسن وماكسويل بودنهايم. وانتقل هكت بعد ذلك إلى نيويورك، حيث بدأ عمله في المجال المسرحي في برودواي، واشترك في كتابة بعض المسرحيات التي حققت شهرة واسعة. إلا أن هكت حقَّق شهرته الحقيقية من خلال عمله ككاتب سيناريو لعديد من الأفلام السينمائية الشهيرة والتي نال عنها جائزتي أوسكار.

    وكتب هكت عام 1931 روايته اليهودي المحب التي اعتبرتها الأوساط اليهودية مثالاً لكره اليهودي لنفسه، وذلك لما اتسمت به شخصياتها اليهودية من مكر وتآمر ورغبة في الاندماج. ولكنه، مع نهاية الثلاثينيات، ومع صعود النازية والفاشية في أوربا، بدأ في الاهتمام بالقضايا اليهودية، وأدان النازية، وأيَّد الوجود الصهيوني في فلسطين بشدة.وقد ظل بن هكت حائراً بين رفض النازية من ناحية ورفض السياسة البريطانية في فلسطين من ناحية أخرى، وكتب عام 1944 دليل المرتبكين تعبيراً عن هذه الحيرة.أما بعد الحرب،فقد هاجم بن هكت سياسة بريطانيا،وقدم الدعم المالي لمنظمة إرجون الصهيونية الإرهابية في فلسطين.ولكنه بعد قيام إسرائيل،أصيب بخيبة أمل تجاه إرجون وتجاه سياسات بن جوريون.

    وفي عام 1961، تضمَّن عمله الأدبي خيانة هجوماً لاذعاً وحاداً على الصهيونية، إذ تناول موضوع رودولف كاستنر (وهو الزعيم الصهيوني المجري الذي تعاون مع النازيين وأيخمان، فقام بخداع يهود المجر وأفهمهم أنهم ذاهبون لمعسكرات العمل، فضمن سكوتهم وعدم مقاومتهم نظير السماح لمجموعة من الشباب اليهودي القوي بالاستيطان في فلسطين). وألَّف بن هكت مسرحية مستقاة من كتابه هذا فشنَّت المؤسسة الصهيونية عليه حرباً شعواء.

    ناثـانيـل وســت (1903-1940(
    Nathaneal West
    روائي أمريكي يهودي اسمه الحقيقي نيثان وينشتاين. وُلد ونشأ في نيويورك لأبوين مهاجرين من يهود اليديشية كانا يرفضان التحدث باليديشية في المنزل، وشجَّعا ابنهما على الاندماج. ولم يحصل وست على شهادة الثانوية العامة، فالتحق بالجامعات بوثائق مزيفة. ولم يُسمَح له بالانضمام لإحدى الروابط الجامعية لأنه يهودي، فكتب قصة رمزية عن ذبابة وُلدت تحت إبط المسيح وتعيش على جسده وتموت لحظة موته. ولعل الذبابة رمز للشعب اليهودي الذي يعيش على هامش العالم المسيحي، منبوذاً منه، عالة عليه، يحيا بحياته ويموت بموته.

    وفي عام 1927، قبل أن يذهب إلى باريس، غيَّر نيثان اسمه وتبنى الاسم الذي عُرف به بقية حياته، وكتب رواية سيريالية تجريبية بعنوان حياة بالسوسنيل الواهمة (1931) هاجم فيها المسيحية واليهودية، وموضوع الرواية الأساسي هو بحث البطل بشكل عبثي عن شيء ثابت يمكنه الارتباط به. واتهمه بعض النقاد اليهود بأنه معاد لليهود واليهودية، وبأنه يهودي كاره لنفسه، الأمر الذي يثير قضية التصنيف: هل يمكن الاستمرار في تصنيف وست باعتباره «كاتباً أمريكياً يهودياً » أم أن من الأفضل تصنيفه باعتباره « كاتباً أمريكياً من أصل يهودي » أم مجرد « كاتب أمريكي علماني » (فقط) يهاجم مختلف العقائد الدينية؟

    وروايات وست عنيفة ساخرة ومُستخفة بالقيم الإنسانية، تحاول أن تُظهر أن الحب الإنساني إن هو إلا وهم لا علاقة له بالواقع الخارجي القاسي الصلب. كما أن روايته المليون البارد (1934) هجوم على الحلم الأمريكي. وتجمع روايته يوم الجراد (1939) التي تدور أحداثها في هوليود بين اللاأخلاقية والأحلام الرؤياوية (الأبوكاليبسية(.

    ويذهب بعض النقاد إلى أن عدمية وست تعبير عن رفضه مجتمعاً صنَّفه يهودياً في وقت لم تَعُد له فيه علاقة باليهودية، ولعل هجومه الشرس على كلٍّ من اليهودية والمسيحية هو تعبير عن هذا الوضع الشاذ والفريد.

    ليـونيـل ترلنـج (1905-1975(
    Lionel Trilling
    ناقد أدبي وروائي أمريكي يهودي، وُلد لأبوين مهاجرين وقضى معظم حياته أستاذاً للأدب الإنجليزي بجامعة كولومبيا (حيث تعرَّف إليه مؤلف هذه الموسوعة). من أهم مؤلفاته ماثيو أرنوُلد (1939)، و إي.ام.فورستر (1943). أما روايته وسط الرحلة (1947)، فتتناول جاذبية الماركسية بالنسبة للمثقفين. ومن أهم أعماله النقدية الوجدان الليبرالي (1950) الذي يحاول فيه أن يؤكد أهمية التركيب في الفكر (مقابل التسطيح والتبسيط) وعلاقة الأدب بالحضارة. وقد نشر أيضاً كتاباً عنوانه الذات المعارضة (1955) يضم مقالاً بعنوان «وردزورث والحاخامات»، وهو من المقالات النادرة التي يتناول فيها الكاتب موضوعاً يهودياً. ويعقد ترلنج في هذا المقال مقارنة بين وردزورث وحبه وتقبُّله الطبيعة ورفضه فكرة الغزو بموضوع مماثل في كتابات الحاخامات. كما أن له مقالاً عن الكاتب الروسي اليهودي إسحق بابل يُبيِّن فيه أن بابل كان يدرك تماماً جدلية الجسد والروح، والمجتمع والذات، وأن يهوديته ليست أساس هذا الإحساس رغم أنها قد عمَّقته.

    وترلنج غير متعاطف مع تجربة الدولة الصهيونية، فهي تقف على طرف النقيض من الوجدان الليبرالي بتركيبيته وتعدديته. وقد نَشَر ترلنج رأيه هذا في مجلة كومنتاري. ومن هنا، فإن من الصعب إلى حدٍّ كبير استخدام مصطلح «كاتب أمريكي يهودي» للإشارة إلى ترلنج. فالموضوع اليهودي لا يظهر إلا لماماً في كتاباته، وإن ظهرت موضوعات يهودية فهي تظهر باعتبارها موضوعات إنسانية تُوضَع في سياق إنساني عالمي. وقد قال ترلنج إن الاهتمام بما يُقال له «الهوية اليهودية» هو أمر لا علاقة له بمن يود أن يصبح مثقفاً أو فناناً أمريكياً.

    ومن مؤلفاته الأخرى ما وراء الحضارة (1965). ومن كتبه الأخيرة الإخلاص والأصالة (1974)، وهو هجوم على حركات الستينيات العدمية المعادية للإنسان والحضارة. وقد استفاد ترلنج من علم النفس وتاريخ الحضارة في دراسته.

    مـائيـر لفــين (1905-1981(
    Meyer Levin
    روائي أمريكي يهودي وصهيوني لا يُصنَّف ضمن كُتَّاب الدرجة الأولى. وُلد في شيكاغو لأبوين مهاجرين. ورغم أن رواياته الأولى تجاهلت تماماً الموضوع اليهودي، إلا أنه بدأ علاقة طويلة مع الصهيونية ابتداءً من الثلاثينيات حيث كتب رواية يهودا، وهي أول رواية عن الحياة في الكيبوتس. وبعد هذا التاريخ، أصبحت كل رواياته لا تتناول سوى موضوعات يهودية، ومن وجهة نظر يقال لها «قومية» أي صهيونية.

    وفي عام 1932، نشر لفين مجموعة من القصص الحسيدية بعنوان الجبل الذهبي (أُعيد نشرها عام 1975 تحت عنوان روايات كلاسيكية حسيدية). وقد نُشر عام 1937 أحد أهم أعماله العصبة القديمة، وهو كتاب ذو طابع صحفي تقريري وصفي عن الشبان اليهود في شيكاغو إبان فترة الكساد الكبير. وقد مدحته النيويورك تايمز، ولكن أحد النقاد اليهود وصف أعماله بأنها تعبير عن كره اليهودي لنفسه.

    عمل لفين مراسلاً لعدد من الصحف في فلسطين وإسبانيا، وساهم بعد الحرب في الهجرة اليهودية غير الشرعية. وفي عام 1947، نشر كتاباً بعنوان بيت أبي، وهو تأملات في مصير اليهود في ألمانيا النازية وفلسطين. كما كتب قصصاً وسيناريوهات لعدة أفلام ذات طابع صهيوني واضح.

    ونشر لفين عام 1952 مسرحية مُستَقَاة من حياة آن فرانك، كما كتب رواية بعنوان الإرغام عن جريمة شهيرة لا دافع لها اشترك فيها شابان يهوديان ثريان من شيكاغو مسقط رأسه.

    استوطن لفين في إسرائيل منذ عام 1958. وأصبح أدبه، بعد ذلك، صهيونياً غارقاً في العنصرية بشكل فاقع، يُضفي غلالة رومانسية على اليهود ويصوِّر العرب في أقبح الصور من خلال أنماط إدراكية استقاها من أدب معاداة اليهود، بحيث أصبح العربي في أدبه يقابل اليهودي في أدبيات معاداة اليهود. ونشر لفين سلسلة من الروايات عن الإبادة النازية لليهود، وآخر أعماله روايتان عن التجربة الصهيونية: المستوطنون (1972)، و الحصاد (1978(.

    وكما أسلفنا، لا تحظى كتابات لفين بإعجاب معظم النقاد حيث لا يعدُّونه من كبار الكُتَّاب الذين يستحقون أن يُقرأوا قراءة جادة. وقد فسَّر لفين هذا الواقع بأن كتبه تتناول الموضوع اليهودي «ولا يمكن لكتاب عن اليهود أن يُعتبَر ضمن التيار الأساسي للأدب الأمريكي »، أي أنه يرى أن يهوديته (لا رداءة أدبه) هي السبب في أنه لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه. وادعاؤه هذا لا أساس له من الصحة، إذ تُترجَم أعمال كثير من الكُتَّاب الإسرائيليين للإنجليزية ويقرِّظها النقاد الأمريكيون، كما يعبِّر كثير من النقاد الأمريكيين عن إعجابهم بأعمال الكاتب الأمريكي اليهودي برنارد مالامود، وهي أعمال أدبية والبُعْد اليهودي فيها واضح. وقد هاجم لفين كبار الكُتَّاب الأمريكيين اليهود، مثل فيليب روث وسول بيلو، واتهمهم بعدم الاكتراث باليهود، بل وبأنهم يعادونهم ويكرهون أنفسهم كيهود. ويمكن أن يُعَدُّ أدب لفين نموذجاً جيداً للأدب الصهيوني.

    رومـــان براندســتايتر (1906-)
    Roman Brandstaetter
    شاعر وكاتب مسرحي بولندي من أصل يهودي، وهو ابن المؤلف البولندي ديفيد براندستايتر الذي دأب على تأليف كتبه بالعبرية. بدأ حياته الأدبية بنشر عدة دواوين شعرية في مواضيع عامة، ثم أخذ ينحو منحى صهيونياً واضحاً تبدَّى في نشاطه الأدبي، حيث حرَّر بعض الحوليَّات الصهيونية وكتب قصائد عن العودة إلى صهيون وصدر له ديوانان يدلّ عنوانهما على اتجاههما الصهيوني: مملكة الهيكل الثالث (1934) وأورشليم في النور والغسق (1935). ثم اسـتوطَن في فلسـطين عام 1940 حيث أُقيمـت عروض لإحـدى مسرحياته.

    لكن براندستايتر ترك فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، واستقر في روما حيث تزوج من امرأة مسيحية كاثوليكية وتكثلك هو نفسه، ثم عاد إلى بولنـدا عام 1948 حيث انضـم إلى مجمـوعة من الكتـاب الكاثوليك، وأصبحت أعماله الأدبية تدور حول موضوعات مشتقة من التاريخ البولندي مثل عودة الابن الضال (1948) ورواية يسوع الناصره: زمن الصمت (1967).

    ويثير براندستايتر مشكلة من هو الأديب اليهودي بحدة غير عادية، وذلك ربما بسبب تحوُّله الجذري. فبعد أن كان يهودياً صهيونياً يتغنى بصهيون ويستوطن في فلسطين، أصبح كاثوليكياً ينزح عن فلسطين ولا يدين بالولاء إلا لبولندا!

    ألبــرتو مورافيــا (1907-1990(
    Alberto Moravia
    روائي إيطالي وكاتب مقال وصحفي، وُلد في روما لأب يهودي وأم سلافية كاثوليكية قامت بتعميده وهو طفل (أي أنه مسيحي تماماً من منظور الشريعة اليهودية). وظل متباعداً تماماً طوال حياته سواء عن اليهودية أو المسيحية.

    بدأ حياته الأدبية في سن مبكرة حيث كَتَب أولى رواياته له في سن الثامنة عشرة وصدرت عام 1929 بعنوان اللامبالون. وفي هذه الرواية هاجم الطبقة الوسطى الإيطالية بشدة وانتقد أنانيتها وقبولها السلبي للحكم الفاشي في البلاد. وقد ظل عداؤه للبرجوازية، وتحليله النفسي القاسي لأبطاله وشخصياته الروائية، من السمات الأساسية في أغلب أعماله. وتبيَّن ذلك بشكل واضح لأول مرة في رواية عجلة الحظ (1938).

    عمل مورافيا في الثلاثينيات مراسلاً صحفياً واستمر في عمله هذا خلال الحرب العالمية الثانية في ألمانيا ثم في الشرق الأقصى. وقد أثارت مقالاته المعادية للفاشية خلافات عديدة مع نظام موسوليني، كما حاول الجستابو الألماني إلقاء القبض عليه عام 1943 وهو ما اضطره إلى الاختباء في إحدى القرى الإيطالية لمدة تسعة أشهر. أما بعد الحرب، فقد أصبح مورافيا واحداً من أبرز الكتاب الأوربيين، وتدفَّق إنتاجه الأدبي. ومن أشهر رواياته امرأة من روما التي كتبها عام 1947 وتناول فيها حياة امرأة دفعتها خيانة الرجال إلى حياة البغاء. وقد كان الجنس والبغاء من المواضيع المحورية في روايات مورافيا. وأثار ذلك انتقادات بعض النقاد الذين أخذوا عليه أيضاً عدم إقدامه على إدانة لا أخلاقية أبطاله.

    وقد رأي البعض الآخر أن تأكيد مورافيا على الجنس والبغاء ما هو إلا رمز للفساد الأوسع الذي أراد مورافيا انتقاده ومهاجمته، خصوصاً عبادة الطبقة الوسطى للمادة والمال. وقد تناول مورافيا أيضاً حياة الفقراء والمطحونين وذلك في رواية حكايات من روما. ومن أهم رواياته أيضاً امرأتان، وهي دراسة عميقة لشخصيتين مختلفتين يكشف من خلالهما التباين بين العقل والشهوة الحسية.

    وقد كان مورافيا قريباً للشيوعية، وانتُخب عام 1983 عضواً في البرلمان الأوربي كيساري مستقل، حيث دافع عن قضايا البيئة وعن حقوق الشعب الفلسطيني. وقد أكمل مورافيا سيرته الذاتية قبل وفاته بقليل، وكتب فيها أن الأدب يجب أن يعتبر نفسه قادراً على أن يحل محل كل شيء حتى الدين.

    ويظهر اسم مورافيا في بعض الدراسات والموسوعات اليهودية كمؤلف يهودي. وقد ينم هذا عن خلل في الأساس التصنيفي، فمورافيا وُلد لأم كاثوليكية عمَّدته وهو طفل، أي أنه ليس يهودياً من منظور الشريعة اليهودية، وهو كاثوليكي من منظور العقيدة الكاثوليكية. وقد ابتعد عن كل الأديان، كما أن أدبه لا يعبِّر إلا عن رؤية يسارية تنبع من التقاليد الثورية العلمانية الغربية.







 

صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 123456 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء التاسع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 53
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:37 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثامن
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 54
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:12 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الخامس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-26, 05:58 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML