جزاكم الله خيرا علي هذا العمل الضخم
اسال الله تعالي ان يجعله في ميزان حسناتكم
اللهم آمين أشكرك أخي الحبيب على المرور والتعقيب والدعاء
وأذكر الجميع مرة أخري بأن الموضوع مفتوح للجميع ورابط السلسلة موجود في المشاركة رقم ثلاثة في الموضوع فمن أراد المشاركة في نشرها على محركات البحث فلا يتردد ...
***************************************
81 - " يا عباس إن الله فتح هذا الأمر بي ، و سيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا كما
ملئت جورا ، و هو الذى يصلي بعيسى " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 181 ) :
موضوع .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 4 / 117 ) ، و من طريقه ابن الجوزي في
" الواهيات " ( 1437 ) في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت قال : حدثنا سعيد بن
سليمان ، حدثنا خلف بن خليفة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عمار بن ياسر
مرفوعا .
قلت : و هذا سند رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير أحمد بن الحجاج هذا
و لم يذكر فيه الخطيب جرحا و لا تعديلا ، و قد اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال :
رواه بإسناد الصحاح مرفوعا ، فهو آفته ! و العجيب أن الخطيب ذكره في " تاريخه "
و لم يضعفه و كأنه سكت عنه لانتهاك حاله ، و وافقه الحافظ في " لسان الميزان "
و الحديث أورده السيوطي في " اللآليء المصنوعة " ( 1 / 431 - 434 ) و سكت عليه
! و من هنا يتبين لك الفرق بين الذهبي و السيوطي ، فإن الأول حافظ نقاد ،
و الآخر جماع نقال ، و هذا هو السر في كثرة خطئه و تناقضه في كتبه ، و الحديث
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 37 ) من حديث ابن عباس نحوه و قال :
موضوع ، المتهم به الغلابي محمد بن زكريا ، و أقره السيوطي في " اللآليء "
( 1 / 435 ) ، و رواه الخطيب في " التاريخ " ( 3 / 323 ـ 324 ) ، و عنه ابن
الجوزي في " العلل المتناهية " ( 2 / 375 / 1438 ) من طريق أخرى ، ثم قال ابن
الجوزي ( 2 / 378 ) : لا بأس بإسناده كذا قال و هو منه عجيب فإن فيه علتين :
إحداهما : عبد الصمد بن علي و هو الهاشمي ضعفه العقيلي ( 3 / 84 / 1053 ) و ساق
له حديث استنكره الذهبي و سيأتي برقم ( 2898 ) .
و الأخرى : محمد بن نوح بن سعيد المؤذن ، أورده الذهبي و قال : خبره كذب يعني
هذا و أبوه مجهول .
تنبيه : اختلط هذا الإسناد على بعض الطلبة فظن أنه من رواية الغلابي ، و ليس هو
فيه ، و أما صلاة المهدي بعيسى عليه السلام ، فصحيح ثابت في أحاديث كثيرة ،
و مثل هذا الحديث :
(1/158)
________________________________________
82 - " ألا أبشرك يا أبا الفضل ؟ إن الله عز وجل افتتح بي هذا الأمر ، و بذريتك يختمه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 183 ) :
موضوع .
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 135 ) من طريق لاهز بن جعفر التيمي ، حدثنا
عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، أخبرني علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة مرفوعا ، و قال : تفرد به لاهز بن جعفر و هو حديث عزيز .
قلت : و هو متهم ، قال فيه ابن عدي : بغدادي مجهول يحدث عن الثقات بالمناكير ،
ثم ساق له حديثا في فضل علي ثم قال ابن عدي : و هذا باطل ، قال الذهبي : إي
والله هذا من أكبر الموضوعات ، و علي ، فلعن الله من لا يحبه ، و الحديث أورده
في " كنز العمال " ( رقم 38693 ) برواية أبي نعيم في " الحلية " عن أبي هريرة
بغير هذا اللفظ ، و لم أعثر عليه الآن في " الحلية " ، فالله أعلم .
تنبيه : إذا علمت حال هذا الحديث و الذي قبله ، فلا يليق نصب الخلاف بينهما
و بين الحديث الصحيح المتقدم قريبا : " المهدي من ولد فاطمة " لصحته و شدة ضعف
مخالفه ، و عليه : لا مسوغ لمحاولة التوفيق بينهما كما فعل بعض المتقدمين
و الأستاذ المودودي رحمه الله في " البيانات " ( ص 115 ، 165 ) ، و الله تعالى
هو الموفق لا إله سواه .
(1/159)
________________________________________
83 - " نعم المذكر السبحة ، و إن أفضل ما يسجد عليه الأرض ، و ما أنبتته الأرض " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 184 ) :
موضوع .
أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 4 / 98 ـ مختصره ) قال : أنا عبدوس بن
عبد الله أنا أبو عبد الله الحسين بن فنجويه الثقفي ، حدثنا علي بن محمد بن
نصرويه ، حدثنا محمد بن هارون بن عيسى بن منصور الهاشمي حدثني محمد بن علي بن
حمزة العلوي حدثني عبد الصمد بن موسى حدثتني زينب بنت سليمان بن علي حدثتني
أم الحسن بنت جعفر بن الحسن عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعا ، ذكره السيوطي
في رسالته : " المنحة في السبحة " ( 2 / 141 ـ من الحاوي ) و نقله عنه الشوكاني
في " نيل الأوطار " ( 2 / 166 - 167 ) و سكتا عليه !
قلت : و هذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض ، جل رواته مجهولون ، بل بعضهم متهم ،
أم الحسن بنت جعفر بن الحسن ، لم أجد من ترجمها ، و زينب بنت سليمان بن علي
ترجمها الخطيب " في تاريخه " ( 14 / 334 ) و قال : كانت من فضائل النساء .
و عبد الصمد بن موسى ، هو الهاشمي ترجمه الخطيب ( 14 / 41 ) و لم يذكر فيه جرحا
و لا تعديلا ، و لكن نقل الذهبي في " الميزان " عن الخطيب أنه قال فيه : قد
ضعفوه فلعل ذلك في بعض كتبه الأخرى ، ثم استدركت فقلت : بل ذلك في حديث آخر
سيأتي برقم ( 2898 ) .
ثم قال الذهبي : يروي مناكير عن جده محمد بن إبراهيم الإمام .
قلت : فلعله هو آفة هذا الحديث ، و محمد بن علي بن حمزة العلوي ترجمه الخطيب
أيضا ( 3 / 63 ) و قال : قال ابن أبي حاتم : سمعت منه و هو صدوق ، مات سنة 286
و محمد بن هارون هو محمد بن هارون بن العباس بن أبي جعفر المنصور ، كذلك أورده
الخطيب ( 3 / 356 ) و قال : كان من أهل الستر و الفضل و الخطابة ، و ولي إمامة
مسجد المدينة ببغداد خمسين سنة ، و كانت وفاته سنة 308 .
و أبو عبد الله بن الحسين بن فنجويه الثقفي ثقة مترجم في " سير أعلام النبلاء "
( 17 / 383 ) و " شذرات الذهب " ( 3 / 200 ) .
و مثله عبدوس بن عبد الله له ترجمة في " سير أعلام النبلاء " ( 19 / 97 )
و " لسان الميزان " ( 4 / 95 ) .
و مما سبق يتبين لك أن الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة ، ثم إن الحديث من حيث
معناه باطل عندي لأمور :
الأول : أن السبحة بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده
صلى الله عليه وسلم ، فكيف يعقل أن يحض عليه الصلاة و السلام أصحابه على أمر لا
يعرفونه ؟ ! و الدليل على ما ذكرت ما روى ابن وضاح القرطبي في " البدع و النهي
عنها " ( ص 12 ) عن الصلت بن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح
به فقطعه و ألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصا ، فضربه برجله ، ثم قال : لقد سبقتم !
ركبتم بدعة ظلما ! و لقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما ! و سنده
إلى الصلت صحيح ، و هو ثقة من أتباع التابعين ، فالسند منقطع .
ثم روى عن أبان بن أبي عياش قال : سألت الحسن عن النظام ( خيط ينظم فيه لؤلؤ
و خرز و نحوهما ) من الخرز و النوى و نحو ذلك يسبح به ؟ فقال : لم يفعل ذلك أحد
من نساء النبي صلى الله عليه وسلم و لا المهاجرات ، و لكن سنده ضعيف جدا .
الثاني : أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله بن عمرو : رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه ، رواه أبو داود ( 1 / 235 )
و الترمذي ( 4 / 255 ) و حسنه ، و ابن حبان ( 2334 ـ موارد ) و الحاكم ( 1 /
547 ) و البيهقي ( 2 / 352 ) و إسناده صحيح كما قال الذهبي ، ثم خرجته في
" صحيح أبي داود " ( 1346 ) .
ثم هو مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم حيث قال لبعض النسوة : " عليكن بالتسبيح
و التهليل و التقديس ، و لا تغفلن فتنسين التوحيد " و في رواية : " الرحمة
و اعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات و مستنطقات " ، و هو حديث حسن أخرجه أبو داود
و غيره ، و صححه الحاكم و الذهبي ، و حسنه النووي و العسقلاني ، و له شاهد عن
عائشة موقوف انظر " صحيح أبي داود " ( 1345 ) .
و لذلك ضعف الحديث جماعة كما ذكره الشيخ محمد خليل القاوقجى في " شوارق الأنوار
الجليلة " ( ق 113 / 1 ) .
ثم تبين لي فيما بعد أن السند أشد ضعفا مما ذكرنا ، و أن آفته محمد بن هارون بن
عيسى بن منصور الهاشمي ، فإنه كان يضع الحديث كما يأتي ، و قولي أولا هو محمد
ابن هارون بن العباس .. إلخ وهم ، سببه أنني ذهلت عن الترجمة التي بعد ابن
العباس هذا في " تاريخ الخطيب " فقد قال : محمد بن هارون بن عيسى بن إبراهيم بن
عيسى بن أبي جعفر المنصور ، يكنى : أبا إسحاق ، و يعرف بـ " ابن برية " ...
و في حديثه مناكير كثيرة ، و قال الدارقطني : لا شيء ، و قال ابن عساكر في
" تاريخ دمشق " : يضع الحديث ، ثم ساق له حديثا ، ثم قال : هذا من موضوعاته ، و
كذلك اتهمه الخطيب ، فقال عقب الحديث المشار إليه ( 7 / 403 ) : و الهاشمي
يعرف بابن برية ، ذاهب الحديث ، يتهم بالوضع ، و إنما جزمت بأن هذا هو راوي
الحديث ، لأن السند فيه أنه محمد بن هارون بن عيسى ، و ليس فيه أنه محمد بن
هارون بن العباس ، فهما شخصان : اتفقا في اسمهما و اسم أبيهما ، و اختلفا في
اسم جدهما ، فالأول اسم جده عيسى ، و الآخر اسم جده العباس و هذا مستور ،
و الأول متهم كما عرفت ، فانحصرت شبهة وضع الحديث فيه ، و برئت ذمة عبد الصمد
ابن موسى منه على ضعفه و روايته المناكير ، و الفضل في تنبهي لهذه الحقيقة يعود
إلى مقال لي قديم في الكلام على هذا الحديث ، فالحمد لله على توفيقه ، هذا معنى
ما كنت أوردته في ردي على " التعقب الحثيث " للشيخ الحبشي ( ص 14 - 15 ) ، فإن
قيل : قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح بالحصى و أنه صلى الله عليه وسلم أقره ،
فلا فرق حينئذ بينه و بين التسبيح بالسبحة كما قال الشوكاني ؟ قلت : هذا قد
يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة ، و ليس كذلك ، فغاية ما روي في ذلك حديثان
أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها ، فلابد من ذكرهما ، و بيان علتهما :
الأول : عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة
و بين يديها نوى أو حصى تسبح به ، فقال : أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو
أفضل ؟ فقال : " سبحان الله عدد ما خلق في السماء .. " ، الحديث رواه أبو داود
( 1 / 235 ) و الترمذي ( 4 / 277 - 278 ) و ابن حبان ( 2330 ـ زوائده )
و الدورقي في " مسند سعد " ( 130 / 1 ) و المخلص في " الفوائد " ( 9 / 17 / 2 )
و الحاكم ( 1 / 547 ـ 548 ) من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه
عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها ، و قال الترمذي : حديث حسن ،
و قال الحاكم : صحيح الإسناد ، و وافقه الذهبي فأخطأ ، لأن خزيمة هذا مجهول ،
قال الذهبي نفسه في " الميزان " : خزيمة ، لا يعرف ، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال
و كذا قال الحافظ في " التقريب " : إنه لا يعرف ، و سعيد بن أبي هلال مع ثقته
حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط ، و كذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل "
لابن حزم ( 2 / 95 ) ، و لعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث ، فإن بعض
الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا و لذلك لم
يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال فلا يخلو هذا الإسناد من
علة الجهالة أو الانقطاع فأنى للحديث الصحة أو الحسن ؟ ! .
و جهل ذلك أو تجاهله بعض من ألف في سنية السبحة ! من أهل الأهواء من المعاصرين
مقلدا في ذلك شيخه عبد الله الغماري الذي تجاهل هذه الحقائق ، فأورد هذا الحديث
في " كنزه " ( 103 ) ليتوصل منه إلى تجويز السبحة لمريديه ! ثم إلى تجويز
تعليقها على العنق كما يفعل بعض مشايخ الطرق ، انظر الرد عليه في مقدمة المجلد
الثالث من هذه السلسلة ( ص 37 ) ترى العجب العجاب .
الآخر : عن صفية قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم و بين يدي أربعة
آلاف نواة أسبح بهن ، فقال : " يا بنت حيي ، ما هذا ؟ " ، قلت : أسبح بهن ،
قال : " قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا " ، قلت : علمني يا رسول الله ،
قال : " قولي : سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء .. " ، أخرجه الترمذي ( 4 /
274 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 73 / 255 / 1 ) ، و الحاكم ( 1 /
547 ) من طريق هاشم بن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها ، و ضعفه الترمذي بقوله :
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، و ليس
إسناده بمعروف ، و في الباب عن ابن عباس ، و أما الحاكم فقال : صحيح الإسناد ،
و وافقه الذهبي و هذا منه عجب ، فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في " الميزان "
و قال : قال ابن معين : ليس بشيء ، و قال ابن عدي : مقدار ما يرويه لا يتابع
عليه ، و لهذا قال الحافظ في " التقريب " : ضعيف ، و كنانة هذا مجهول الحال لم
يوثقه غير ابن حبان .
ثم استدركت فقلت : لكن قد روى عن كنانة جمع منهم زهير و حديج ابنا معاوية ، و
محمد بن طلحة بن مصرف ، و سعدان بن بشير الجهني ، و كل هؤلاء الأربعة ثقات ،
يضم إليهم يزيد بن مغلس الباهلي ، وثقه جماعة و ضعفه آخرون فسبيل من روى عنه
هؤلاء أن يحشر في زمرة من قيل فيه : صدوق ، كما حققته أخيرا في بحث مستفيض فريد
في " تمام المنة " ( ص 204 ـ 206 ) ، فلا تغتر ببعض الجهلة كالسقاف و غيره ، و
عليه فعلة الحديث هاشم فقط .
و مما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى
و لفظه قال : عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى
الصبح و هي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى و هي جالسة ، فقال : ما زلت على
الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد
قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله
و بحمده عدد خلقه ، و رضا نفسه ، و زنة عرشه و مداد كلماته " ، أخرجه مسلم
( 8 / 83 - 84 ) و الترمذي ( 4 / 274 ) و صححه و النسائي في " عمل اليوم
و الليلة " ( 161 ـ 165 ) و ابن ماجه ( 1 / 23 ) و أحمد ( 6 / 325 و 429 -
430 ) ، فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين :
الأول : أن صاحبة القصة هي جويرية ، لا صفية كما في الحديث الثاني ؟ .
الآخر : أن ذكر الحصى في القصة منكر ، و يؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون بالحصى ، و قد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها
و لو كان ذلك مما أقره صلى الله عليه وسلم لما خفي على ابن مسعود إن شاء الله
و قد تلقى هذا الإنكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا و هو إبراهيم بن يزيد
النخعي الفقيه الكوفي ، فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح
التي يسبح بها ! رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 2 / 89 / 2 ) بسند جيد .
قد يقول قائل : إن العد بالأصابع كما ورد في السنة لا يمكن أن يضبط به العدد
إذا كان كثيرا ، فالجواب : إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى و هي ذكر الله في
عدد محصور كثير لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى و هي
السبحة ! فإن أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة ، فيما ثبت لدي إنما هو
مئة ، و هذا يمكن ضبطه بالأصابع بسهولة لمن كان ذلك عادته .
و أما حديث : من قال في يوم مئتي مرة : " إله إلا الله وحده لا شريك له ... "
الحديث ، فالمراد : مئة إذا أصبح ، و مئة إذا أمسى كما جاء مصرحا به في بعض
الروايات الثابتة ، و بيان ذلك في " الصحيحة " ( 2762 ) .
و أما ما رواه ابن أبي شيبة ( 2 / 391 ) عن وقاء عن سعيد بن جبير قال : رأى
عمر بن الخطاب رجلا يسبح بتسابيح معه ، فقال عمر : إنما يجزيه من ذلك أن يقول :
سبحان الله .... إلخ ، فهو منكر لوجوه ، منها الانقطاع بينه و بين سعيد ، و ضعف
وقاء ، و هو ابن إياس ، و هو لين الحديث .
و لو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة و هي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو
كادت ، مع اتفاقهم على أنها أفضل ، لكفى ! فإني قلما أرى شيخا يعقد التسبيح
بالأنامل ! ثم إن الناس قد تفننوا في الابتداع بهذه البدعه ، فترى بعض المنتمين
لإحدى الطرق يطوق عنقه بالسبحة ! و بعضهم يعد بها و هو يحدثك أو يستمع لحديثك !
و آخر ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أننى رأيت رجلا على دراجة عادية يسير
بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس و في إحدى يديه سبحة ! ! يتظاهرون للناس
بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين ! و كثيرا ما تكون هذه البدعة سببا
لإضاعة ما هو واجب ، فقد اتفق لي مرارا - و كذا لغيري - أنني سلمت على أحدهم
فرد علي السلام بالتلويح بها ! دون أن يتلفظ بالسلام ! و مفاسد هذه البدعة لا
تحصى ، فما أحسن ما قال الشاعر :
و كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف
ثم وقفت على حديث ثالث عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " كان يسبح بالحصا " ، و لكن
إسناده واه جدا ، فيه من روى عن مالك أحاديث موضوعة ، و سيأتي بيان ذلك برقم
( 1002 ) من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى .
(1/160)
________________________________________
84 - " كلكم أفضل منه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 184 ) :
ضعيف .
لم أجده في شيء من كتب السنة ، و إنما أخرجه ابن قتيبة في " عيون الأخبار " ( 1
/ 26 ) بسند ضعيف فقال : حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمر عن أبي إسحاق عن
خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مسلم بن يسار أن رفقة من الأشعريين كانوا في سفر ،
فلما قدموا قالوا : يا رسول الله ! ليس أحد بعد رسول الله أفضل من فلان ، يصوم
النهار ، فإذا نزلنا قام يصلي حتى يرتحل ! قال : " من كان يمهن له أو يعمل له ؟
" ، قالوا : نحن ، قال : " كلكم أفضل منه ؟ " ، و هذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم
ثقات ، لكنه مرسل ، فإن مسلم بن يسار هذا و هو البصري الأموي تابعي ، ثم أنهم
ذكروا في ترجمته أن أكثر روايته عن أبي الأشعث الصنعاني و أبي قلابة ،
و هذا الحديث من رواية أبي قلابة عنه ، و قد كانت وفاتهما بعد المائة ببضع سنين
و لكن أبا قلابة مدلس ، قال الذهبي في ترجمته من " الميزان " : إمام شهير من
علماء التابعين ، ثقة في نفسه ، إلا أنه مدلس عمن لحقهم و عمن لم يلحقهم ،
و كان له صحف يحدث منها و يدلس ، و لهذا أورده الحافظ برهان الدين العجمي
الحلبي في رسالته " التبيين لأسماء المدلسين " ( ص 21 ) ، و كذا الحافظ ابن حجر
في " طبقات المدلسين " ( ص 5 ) و قال : وصفه بذلك الذهبي و العلائي ، فلو أن
الحديث سلم من الإرسال لما سلم من عنعنة أبي قلابة ، فالحديث ضعيف على كل حال .
ثم رأيت الحديث في " مصنف عبد الرزاق " ( 20442 ) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة
قال : ... فذكره نحوه ، و لم يذكر فيه مسلم بن يسار ، و هذا مرسل أيضا .
و يغني عنه حديث أنس قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا
الصائم ، و منا المفطر ، قال : فنزلنا منزلا في يوم حار ، أكثرنا ظلا صاحب
الكساء ، و منا من يتقي الشمس بيده ، قال : فسقط الصوام ، فقام المفطرون ،
فضربوا الأبنية و سقوا الركاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذهب
المفطرون اليوم بالأجر " ، رواه البخاري ( 6 / 64 ) و مسلم ( 3 / 144 ) ،
و اللفظ له و النسائي في " الكبرى " ( ق 20 / 1 ) .
(1/161)
________________________________________
85 - " يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال : فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله
المهدي - و في رواية - إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها و لو
حبوا .. إلخ " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 195 ) :
منكر .
أخرجه ابن ماجه ( 518 - 519 ) و الحاكم ( 4 / 463 - 464 ) من طريقين عن خالد
الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعا بالرواية الأولى ،
و أخرجه أحمد ( 5 / 277 ) عن علي بن زيد ، و الحاكم أيضا ( 4 / 502 ) من طريق
عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به ، لكن علي بن زيد و هو ابن
جدعان لم يذكر أبا أسماء في إسناده ، و هو من أوهامه ، و من طريقه أخرجه ابن
الجوزي في كتاب " الأحاديث الواهية " ( 1445 ) مختصرا و ابن حجر في " القول
المسدد في الذب عن المسند " ( ص 45 ) و قال : و علي بن زيد فيه ضعف ، و به أعله
المناوي في " فيض القدير " فقال : نقل في " الميزان " عن أحمد و غيره تضعيفه ،
ثم قال الذهبي : أراه حديثا منكرا ، و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " قال
ابن حجر : و لم يصب إذ ليس فيهم متهم بالكذب ، انتهى .
قلت : و في هذا الكلام أخطاء يجب التنبيه عليها :
1 - إعلاله الحديث بابن جدعان يوهم أنه تفرد به ، و ليس كذلك ، فقد تابعه خالد
الحذاء عند الحاكم و ابن ماجه كما تقدم و هو ثقة من رجال الصحيحين .
2 - أنه يوهم أن ابن الجوزي أورده من طريق ابن جدعان ، و ليس كذلك ، فإنما
أورده في " الموضوعات " ( 2 / 39 ) من طريق عمرو بن قيس عن الحسن عن أبي عبيدة
عن عبد الله يعني ابن مسعود مرفوعا نحو الرواية الثانية عن ثوبان ، ثم قال ابن
الجوزي : لا أصل له ، عمرو لا شيء ، و لم يسمع من الحسن ، و لا سمع الحسن من
أبي عبيدة ، قلت : و لا أبو عبيدة سمع من أبيه ابن مسعود ، و تعقبه السيوطي في
" اللآليء " ( 1 / 437 ) بحديث ابن ثوبان هذا ، و قد قال في " الزوائد " ( ق
249 / 2 ) : إسناده صحيح و رجاله ثقات ، و قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ،
و وافقه الذهبي ! مع أنه يقول في " الميزان " : أراه منكرا كما تقدم ، و هذا هو
الصواب ، و قد ذهل من صححه عن علته ، و هي عنعنة أبي قلابة ، فإنه من المدلسين
كما تقدم نقله عن الذهبي و غيره في الحديث السابق و لعله لذلك ضعف الحديث ابن
علية من طريق خالد كما حكاه عنه أحمد في " العلل " ( 1 / 356 ) و أقره ، لكن
الحديث صحيح المعنى ، دون قوله : فإن فيها خليفة الله المهدي فقد أخرجه ابن
ماجه ( 2 / 517 ـ 518 ) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعا نحو رواية ثوبان
الثانية ، و إسناده حسن بما قبله ، فإن فيه يزيد بن أبي زياد و هو مختلف فيه
فيصلح للاستشهاد به ، و ليس فيه أيضا ذكر خليفة الله و لا خراسان ، و هذه
الزيادة خليفة الله ليس لها طريق ثابت ، و لا ما يصلح أن يكون شاهدا لها ، فهي
منكرة كما يفيده كلام الذهبي السابق ، و من نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن
يقال : فلان خليفة الله ، لما فيه من إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص
و العجز ، و قد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فقال في
" الفتاوى " ( 2 / 461 ) : و قد ظن بعض القائلين الغالطين كابن عربي ، أن
الخليفة هو الخليفة عن الله ، مثل نائب الله ، و الله تعالى لا يجوز له خليفة ،
و لهذا قالوا لأبي بكر : يا خليفة الله ! فقال : لست بخليفة الله ، و لكن خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حسبي ذلك بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره ، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم أنت الصاحب في السفر ، و الخليفة في الأهل
، اللهم اصحبنا في سفرنا ، و اخلفنا في أهلنا " ، و ذلك لأن الله حي شهيد مهيمن
قيوم رقيب حفيظ غني عن العالمين ، ليس له شريك و لا ظهير ، و لا يشفع أحد عنده
إلا بإذنه ، و الخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة ، و يكون لحاجة
المستخلف ، و سمي خليفة ، لأنه خلف عن الغزو و هو قائم خلفه ، و كل هذه المعاني
منتفية في حق الله تعالى ، و هو منزه عنها ، فإنه حي قيوم شهيد لا يموت و لا
يغيب ... و لا يجوز أن يكون أحد خلفا منه و لا يقوم مقامه ، إنه لا سمي له
و لا كفء ، فمن جعل له خليفة فهو مشرك به .
(1/162)
________________________________________
86 - " الطاعون وخز إخوانكم من الجن " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 198 ) :
لا أصل له بهذا اللفظ .
و إن أورده ابن الأثير في مادة وخز من " النهاية " تبعا لغريبي الهروي ، و إنما
هو مركب من حديثين صحيحين كما يأتي بيانه و قال الحافظ في " الفتح "
( 10 / 147 ) : لم أره بهذا اللفظ بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق
الحديث المسندة ، لا في الكتب المشهورة ، و لا الأجزاء المنثورة ، و قد عزاه
بعضهم لـ " مسند أحمد " و " الطبراني " و " كتاب الطواعين " لابن أبي الدنيا ،
و لا وجود لذلك في واحد منها .
قلت : و الحديث في مسند أحمد ( 4 / 395 ، 413 ، 417 ) و كذا الطبراني في
" المعجم الصغير " ( ص 71 ) و الحاكم أيضا ( 1 / 50 ) من طرق عن أبي موسى
الأشعري مرفوعا بلفظ : " الطاعون وخز أعدائكم من الجن " ، و قال الحاكم :
صحيح على شرط مسلم و وافقه الذهبي .
قلت : هو صحيح ، أما على شرط مسلم ، فلا ، فإن فيه عند الحاكم و كذا أحمد في
بعض طرقه أبا بلج و اسمه يحيى بن سليم و هو ثقة ، إلا أنه ليس من رجال مسلم ،
و له عند أحمد طريق أخرى بسند صحيح أيضا ، و صححه الحافظ ، فهذا هو المحفوظ في
الحديث : وخز أعدائكم ، و أما لفظ إخوانكم فإنما هو في حديث آخر ، و هو قوله
صلى الله عليه وسلم : " فلا تستنجوا بهما يعني العظم و البقر فإنهما طعام
إخوانكم من الجن " ، رواه مسلم و غيره انظر " نيل الأوطار " فكأنه اختلط على
بعضهم هذا بالأول .
قال السيوطي في " الحاوي " : و أما تسميتهم إخوانا في حديث العظم ، فباعتبار
الإيمان ، فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس ، و قد أطال الكلام
على طرق الحديث و بيان أنه لا أصل لهذه اللفظة " إخوانكم " في شيء من طرقه
الحافظ ابن حجر في كتابه القيم " بذل الماعون في فضل الطاعون " ( ق 26 / 1 - 28
/ 2 ) .
(1/163)
________________________________________
87 - " إذا صعد الخطيب المنبر ، فلا صلاة و لا كلام " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 199 ) :
باطل .
قد اشتهر بهذا اللفظ على الألسنة و علق على المنابر و لا أصل له ! و إنما رواه
الطبراني في " الكبير " عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ : " إذا دخل أحدكم المسجد
و الإمام على المنبر فلا صلاة و لا كلام ، حتى يفرغ الإمام " ، و فيه أيوب بن
نهيك ، قال ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 1 / 1 / 259 ) : سمعت أبي
يقول : هو ضعيف الحديث ، سمعت أبا زرعة يقول : لا أحدث عن أيوب ابن نهيك ، و لم
يقرأ علينا حديثه و قال : و هو منكر الحديث ، و قال الهيثمي في " المجمع "
( 2 / 184 ) : و هو متروك ضعفه جماعة ... و لهذا قال الحافظ في " الفتح " ( 2 /
327 ) : إنه حديث ضعيف ، و أخرجه البيهقي في سننه ( 3 / 193 ) من حديث أبي
هريرة مرفوعا بلفظ : " خروج الإمام يوم الجمعة للصلاة يقطع الكلام " ، و قال :
رفعه خطأ فاحش و إنما هو من كلام سعيد بن المسيب أو الزهري ، و أقره الزيلعي في
" نصب الراية " ( 2 / 201 ) ، و إنما حكمت على الحديث بالبطلان لأنه مع ضعف
سنده يخالف حديثين صحيحين : الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء أحدكم
يوم الجمعة و قد خرج الإمام فليصل ركعتين " . أخرجه البخاري و مسلم في
" صحيحيهما " من حديث جابر ، و في رواية أخرى عنه قال : جاء سليك الغطفاني
و رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال له : " يا سليك قم فاركع ركعتين
و تجوز فيهما " ، ثم قال : " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة و الإمام يخطب فليركع
ركعتين و ليتجوز فيهما " ، أخرجه مسلم ( 3 / 14 - 15 ) و غيره ، و هو مخرج في
" صحيح أبي داود " ( 1023 ) .
الآخر : قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا قلت لصاحبك : أنصت ، يوم الجمعة
و الإمام يخطب فقد لغوت " متفق عليه ، و هو مخرج في " الإرواء " ( 619 ) .
فالحديث الأول صريح بتأكد أداء الركعتين بعد خروج الإمام ، بينما حديث الباب
ينهي عنهما ! فمن الجهل البالغ أن ينهي بعض الخطباء عنهما من أراد أن يصليهما
و قد دخل و الإمام يخطب خلافا لأمره صلى الله عليه وسلم ، و إني لأخشى على مثله
أن يدخل في وعيد قوله تعالى : *( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى )* و قوله :
*( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )* و لهذا
قال النووي رحمه الله : هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ، و لا أظن عالما يبلغه
و يعتقده صحيحا فيخالفه .
و الحديث الآخر يدل بمفهوم قوله : و الإمام يخطب أن الكلام و الإمام لا يخطب لا
مانع منه ، و يؤيده جريان العمل عليه في عهد عمر رضي الله عنه ، كما قال ثعلبة
بن أبي مالك : إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه على
المنبر حتى يسكت المؤذن ، فإذا قام عمر على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي
خطبتيه كلتيهما ، أخرجه مالك في " موطئه " ( 1 / 126 ) و الطحاوي ( 1 / 217 )
و السياق له ، و ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 201 ) و إسناد الأولين صحيح .
فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام ، لا مجرد صعوده على المنبر ،
و أن خروجه عليه لا يمنع من تحية المسجد ، فظهر بطلان حديث الباب ، و الله
تعالى هو الهادي للصواب .
(1/164)
________________________________________
88 - " الزرع للزارع ، و إن كان غاصبا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 202 ) :
باطل لا أصل له .
قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 3 / 60 ) : لم يخرجه أحد ، قال في
" المنار " : و قد بحثت عنه فلم أجده ، و الشارح نقله و بيض لمخرجه ، و قال
الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 5 / 272 ) : و لم أقف عليه فلينظر فيه .
قلت : نظرت فيه فلم أعثر عليه ، بل وجدته مخالفا للأحاديث الثابتة في الباب :
الأول : " من أحيا أرضا ميتة فهي له ، و ليس لعرق ظالم حق " .
أخرجه أبو داود ( 2 / 50 ) بسند صحيح عن سعيد بن زيد رضي الله عنه ، و حسنه
الترمذي ( 2 / 229 ) و هو مخرج في " الإرواء " ( 1550 ) ، قال في النهاية :
و ليس لعرق ظالم حق ، هو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها
غرسا غصبا ليستوجب به الأرض ، و الرواية لعرق بالتنوين ، و هو على حذف المضاف ،
أي : لذي عرق ظالم ، فجعل العرق نفسه ظالما ، و الحق لصاحبه ، أو يكون الظالم
من صفة صاحب العرق ، و إن روي عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق و الحق
للعرق ، و هو أحد عروق الشجرة .
قلت : فظاهر الحديث يدل على أنه ليس له حق في الأرض ، و يحتمل أنه حق مطلقا لا
في الأرض و لا في الزرع ، و يؤيده الحديث التالي ، و هو .
الثاني : " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم ، فليس له من الزرع شيء ، و ترد عليه
نفقته " ، أخرجه أبو داود ( 2 / 23 ) و الترمذي ( 2 / 291 ) و ابن ماجه ( 2 /
90 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 3 / 280 ) و البيهقي ( 6 / 136 ) و أحمد ( 4 /
141 ) من حديث رافع بن خديج ، و قال الترمذي : حديث حسن غريب ، و العمل عليه
عند بعض أهل العلم ، و هو قول أحمد و إسحاق ، و سألت محمد بن إسماعيل عن هذا
الحديث ؟ فقال : هو حديث حسن ، قال الصنعاني : و له شواهد تقويه .
قلت : و قد خرجتها مع الحديث ، و بينت صحته في " إرواء الغليل " ( 1519 )
فليراجعه من شاء .
(1/165)
________________________________________
89 - " صاحب الشيء أحق بحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 204 ) :
موضوع .
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 235 / 1 - 2 ) و ابن بشران في " الأمالي "
( 2 / 53 - 54 ) و الحافظ محمد بن ناصر في " التنبيه " ( 16 / 1 - 2 ) من طريق
يوسف بن زياد البصري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن الأغر أبي مسلم عن
أبي هريرة قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السوق ، فقعد إلى
البزازين ، فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، قال : و كان لأهل السوق رجل يزن بينهم
الدراهم يقال له : فلان الوزان ، قال : فدعي ليزن ثمن السراويل ، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم : " اتزن و أرجح " ، فقال الوزان : إن هذا القول ما سمعته
من أحد من الناس ، فمن أنت ؟ قال أبو هريرة : فقلت : حسبك من الرهق و الجفاء في
دينك ألا تعرف نبيك ؟ فقال : أهذا نبي الله ؟ و ألقى الميزان و وثب إلى يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجذبها رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : "
مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها ، و إني لست بملك ، إنما أنا رجل منكم " ثم
جلس فاتزن الدراهم و أرجح كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرفنا
تناولت السراويل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحملها عنه فمنعني و قال :
الحديث ، قال .. قلت : يا رسول الله أو إنك لتلبس السراويل ؟ قال : " نعم
بالليل و النهار ، و في السفر و الحضر " ، قال يوسف : و شككت أنا في قوله :
و مع أهلي ، " فإني أمرت بالستر فلم أجد ثوبا أستر من السراويل " .
قلت : و هذا إسناد واه بمرة ، يوسف هذا قال البخاري في " التاريخ الكبير "
( 4 / 2 / 388 ) : منكر الحديث ، و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 /
47 ) من طريق ابن عدي عن يوسف هذا ، ثم قال : لا يصح ، قال الدارقطني في
" الأفراد " : الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل ، و لم يروه عن
الإفريقي غيره ، و قال المناوي في " الفيض " : قال الحافظ العراقي و ابن حجر :
ضعيف ، و قال السخاوي : ضعيف جدا ، بل بالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه ، و قال :
فيه يوسف بن زياد عن عبد الرحمن الإفريقي ، و لم يروه عنه غيره و رده المؤلف
يعني السيوطي أنه لم يتفرد به يوسف ، فقد خرجه البيهقي في " الشعب " و
" الأدب " من طريق حفص بن عبد الرحمن ، و يرد بأن عبد الرحمن يعني الإفريقي قال
ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، فهو كاف بالحكم بوضعه .
قلت : و الحق مع ابن الجوزي لما سيأتي ، و ما ذكره المناوي عن السيوطي من
متابعة حفص بن عبد الرحمن ، لعله تحريف ، فالذي رأيته في " التعقبات على
الموضوعات " للسيوطي ( ص 32 - 33 ) جعفر بن عبد الرحمن بن زياد ، و لا آمن على
نسخة " التعقبات " و كذا " الفيض " التحريف ، و على كل حال لم أعرف ابن
عبد الرحمن هذا والله أعلم ، و كلام ابن الجوزي السابق نقله السيوطي في
" اللآليء " ( 2 / 263 ) و ارتضاه لأنه لم يتعقبه بشيء ، لكنه قال : أخرجه
الطبراني ، و قال في " الحاوي " ( 2 / 101 ) بعد أن عزاه للطبراني و أبي يعلى :
و يوسف و شيخه ضعيفان ، و قال الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 121 - 122 ) : رواه
أبو يعلى و الطبراني في " الأوسط " ، و فيه يوسف بن زياد البصري و هو ضعيف .قلت
: فذهل عن كونه شديد الضعف و عن علته الأخرى ، و هي ضعف الإفريقي ، و يوسف هذا
ترجمه الخطيب في " تاريخه " ( 14 / 295 - 296 ) و روى عن النسائي أنه قال : ليس
بثقة ، و عن البخاري و الساجي : منكر الحديث و كذا قال أبو حاتم كما في
" الجرح و التعديل " ( 4 / 222 ) ، فهو متهم ، ثم رأيت السخاوي قد أورد الحديث
في " الفتاوى الحديثية " ( ق 86 / 1 ) و قال : سنده ضعيف جدا ، و اقتصر شيخنا
في " فتح الباري " على ضعف رواته ، و لشدة ضعفه جزم بعض العلماء بأنه صلى الله
عليه وسلم لم يلبس السراويل .
(1/166)
________________________________________
90 - " عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم ، و عليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل ، و عليكم بلباس الصوف تعرفون به في الآخرة ، و إن لباس الصوف يورث القلب التفكر ، و التفكر يورث الحكمة ، و الحكمة تجري في الجوف مجرى الدم فمن كثر تفكره قل طعمه ، و كل لسانه ، و رق قلبه ، و من قل تفكره كثر طعمه ، و عظم بدنه ، و قسا قلبه ، و القلب القاسي بعيد من الجنة ، قريب من النار " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 206 ) :
موضوع .
رواه أبو بكر بن النقور في " الفوائد " ( 1 / 147 - 148 ) و ابن بشران في
" الأمالي " ( 2 / 9 / 1 ) و الديلمي في " مسند الفردوس " ( 2 / 281 ) و ابن
الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 48 ) من طريق الخطيب عن محمد بن يونس الكديمي ،
حدثنا عبد الله بن داود الواسطي التمار حدثنا إسماعيل بن عياش عن ثور بن يزيد
عن خالد بن معدان عن أبي أمامة مرفوعا به ، ثم قال ابن النقور : غريب ،
تفرد به عبد الله بن داود الواسطي التمار و فيه نظر ، و عنه الكديمى ، و قال
ابن الجوزي : لا يصح ، الكديمي يضع ، و شيخه لا يحتج به .
و أقره السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 264 ) إلا أنه بين أن في الحديث إدراجا
فقال : قلت : قال البيهقي في شعب الإيمان : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ( هو
الحاكم صاحب المستدرك ) أنبأنا أبو بكر الفقيه ، أنبأنا محمد بن يونس - قلت :
فساق إسناده مثلما تقدم مقتصرا من المتن على قوله : " عليكم بلباس الصوف تجدوا
حلاوة الإيمان " - قال البيهقي : و أنبأنا أبو عبد الرحمن - قلت : فساق إسناده
إلى الكديمي مثله ، و زاد في الحديث متنا منكرا ، فضربت عليه و هو قوله :
" عليكم بلباس الصوف تجدون قلة الأكل إلخ ... " الحديث ، و يشبه أن يكون من
كلام بعض الرواة فألحق بالحديث ، والله أعلم .
و في العبارة تشويش يوضحها ما في " فيض القدير " : قال البيهقي : و هذه زيادة
منكرة ، و يشبه كونها من كلام .. ، ثم وجدت العبارة قد نقلها السيوطي في
" المدرج إلى المدرج " ( 64 / 2 ) علي الصواب ، فقال ما نصه : أخرجه البيهقي في
" شعب الإيمان " ، و قال : إن المرفوع منه " عليكم بلباس الصوف تجدون حلاوة
الإيمان في قلوبكم " فقط ، و الباقي زيادة منكرة ، قال : و يشبه ... .
قلت : و هذا هو مستند السيوطي في اقتصاره في " الجامع الصغير " على الشطر الأول
من الحديث عازيا له للحاكم و البيهقي ، و ماذا يفيده هذا ما دام المزيد عليه ،
كالمزيد كلاهما من طريق محمد بن يونس الوضاع ؟ ! و قال ابن حبان : لعله وضع
أكثر من ألفي حديث !
ثم رأيته في " المستدرك " ( 1 / 28 ) من هذا الوجه مقتصرا على الجملة الأولى
منه أورده شاهدا ، و قال الذهبي : طريق ضعيف .
لكن أخرجه الديلمي أيضا من طريق عبد الرحمن بن محمد المروزي حدثنا أحمد بن
عبد الله حدثنا أخي محمد عن إسماعيل بن عياش به نحوه .
قلت : و المروزي هذا الظاهر أنه ابن حبيب الحبيبي المروزي ، قال في " اللسان "
قال الدارقطني : يحدث بنسخ و أحاديث مناكير ، و أحمد بن عبد الله أظنه
الجويباري الكذاب المشهور ، و أخوه محمد أرى أنه الذي في " اللسان " : محمد بن
عبد الله الجويباري عن مالك ، قال الخطيب : مجهول .
(1/167)
********************************
يتبع .......
المفضلات