اُخْتُلِفَ فِي الْمَقَام الْمَحْمُود عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال :
[ الْأَوَّل ]
وَهُوَ أَصَحّهَا - الشَّفَاعَة لِلنَّاسِ يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَهُ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : إِنَّ النَّاس يَصِيرُونَ يَوْم الْقِيَامَة جُثًا كُلّ أُمَّة تَتْبَع نَبِيّهَا تَقُول : يَا فُلَان اِشْفَعْ , حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ يَوْم يَبْعَثهُ اللَّه الْمَقَام الْمَحْمُود . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَاجَ النَّاس بَعْضهمْ إِلَى بَعْض فَيَأْتُونَ آدَم فَيَقُولُونَ لَهُ اِشْفَعْ لِذُرِّيَّتِك فَيَقُول لَسْت لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ خَلِيل اللَّه فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُول لَسْت لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيم اللَّه فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُول لَسْت لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ رُوح اللَّه وَكَلِمَته فَيُؤْتَى عِيسَى فَيَقُول لَسْت لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوتَى فَأَقُول أَنَا لَهَا . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " سُئِلَ عَنْهَا قَالَ : ( هِيَ الشَّفَاعَة ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح .
إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ أَمْر الشَّفَاعَة الَّذِي يَتَدَافَعهُ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام , حَتَّى يَنْتَهِي الْأَمْر إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَع هَذِهِ الشَّفَاعَة لِأَهْلِ الْمَوْقِف لِيُعَجِّل حِسَابهمْ وَيُرَاحُوا مِنْ هَوْل مَوْقِفهمْ , وَهِيَ الْخَاصَّة بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلَا فَخْر ) . قَالَ النَّقَّاش : لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث شَفَاعَات : الْعَامَّة , وَشَفَاعَة فِي السَّبْق إِلَى الْجَنَّة , وَشَفَاعَة فِي أَهْل الْكَبَائِر . اِبْن عَطِيَّة : وَالْمَشْهُور أَنَّهُمَا شَفَاعَتَانِ فَقَطْ : الْعَامَّة , وَشَفَاعَة فِي إِخْرَاج الْمُذْنِبِينَ مِنْ النَّار . وَهَذِهِ الشَّفَاعَة الثَّانِيَة لَا يَتَدَافَعهَا الْأَنْبِيَاء بَلْ يَشْفَعُونَ وَيَشْفَع الْعُلَمَاء . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل عِيَاض : شَفَاعَات نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة خَمْس شَفَاعَات : الْعَامَّة . وَالثَّانِيَة فِي إِدْخَال قَوْم الْجَنَّة دُون حِسَاب . الثَّالِثَة فِي قَوْم مِنْ مُوَحِّدِي أُمَّته اِسْتَوْجَبُوا النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَيَشْفَع فِيهَا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ شَاءَ اللَّه أَنْ يَشْفَع وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة . وَهَذِهِ الشَّفَاعَة هِيَ الَّتِي أَنْكَرَتْهَا الْمُبْتَدِعَة : الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة , فَمَنَعَتْهَا عَلَى أُصُولهمْ الْفَاسِدَة , وَهِيَ الِاسْتِحْقَاق الْعَقْلِيّ الْمَبْنِيّ عَلَى التَّحْسِين وَالتَّقْبِيح . الرَّابِعَة فِيمَنْ دَخَلَ النَّار مِنْ الْمُذْنِبِينَ فَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَإِخْوَانهمْ الْمُؤْمِنِينَ . الْخَامِسَة فِي زِيَادَة الدَّرَجَات فِي الْجَنَّة لِأَهْلِهَا وَتَرْفِيعهَا , وَهَذِهِ لَا تُنْكِرهَا الْمُعْتَزِلَة وَلَا تُنْكِر شَفَاعَة الْحَشْر الْأَوَّل .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَعُرِفَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض سُؤَال السَّلَف الصَّالِح لِشَفَاعَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَتهمْ فِيهَا , وَعَلَى هَذَا لَا يُلْتَفَت لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ يُكْرَه أَنْ تَسْأَل اللَّه أَنْ يَرْزُقك شَفَاعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهَا لَا تَكُون إِلَّا لِلْمُذْنِبِينَ , فَإِنَّهَا قَدْ تَكُون كَمَا قَدَّمْنَا لِتَخْفِيفِ الْحِسَاب وَزِيَادَة الدَّرَجَات . ثُمَّ كُلّ عَاقِل مُعْتَرِف بِالتَّقْصِيرِ مُحْتَاج إِلَى الْعَفْو غَيْر مُعْتَدّ بِعَمَلِهِ مُشْفِق أَنْ يَكُون مِنْ الْهَالِكِينَ , وَيَلْزَم هَذَا الْقَائِل أَلَّا يَدْعُو بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَة ; لِأَنَّهَا لِأَصْحَابِ الذُّنُوب أَيْضًا , وَهَذَا كُلّه خِلَاف مَا عُرِفَ مِنْ دُعَاء السَّلَف وَالْخَلَف . رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ حِين يَسْمَع النِّدَاء اللَّهُمَّ رَبّ هَذِهِ الدَّعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة وَالْفَضِيلَة وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته , حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة ) .
[ الْقَوْل الثَّانِي ] أَنَّ الْمَقَام الْمَحْمُود إِعْطَاؤُهُ لِوَاء الْحَمْد يَوْم الْقِيَامَة .
قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل لَا تَنَافُر بَيْنه وَبَيْن الْأَوَّل ; فَإِنَّهُ يَكُون بِيَدِهِ لِوَاء الْحَمْد وَيَشْفَع رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخْر وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمْد وَلَا فَخْر وَمَا مِنْ نَبِيّ آدَم فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْت لِوَائِي " الْحَدِيث .
[ الْقَوْل الثَّالِث ] مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة , مِنْهَا مُجَاهِد , أَنَّهَا قَالَتْ : الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ أَنْ يُجْلِس اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيّه ; وَرَوَتْ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا . وَعَضَّدَ الطَّبَرِيّ جَوَاز ذَلِكَ بِشَطَطٍ مِنْ الْقَوْل , وَهُوَ لَا يَخْرُج إِلَّا عَلَى تَلَطُّف فِي الْمَعْنَى , وَفِيهِ بُعْد . وَلَا يُنْكَر مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُرْوَى , وَالْعِلْم يَتَأَوَّلهُ . وَذَكَرَ النَّقَّاش عَنْ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيث فَهُوَ عِنْدنَا مُتَّهَم , مَا زَالَ أَهْل الْعِلْم يَتَحَدَّثُونَ بِهَذَا , مَنْ أَنْكَرَ جَوَازه عَلَى تَأْوِيله . قَالَ أَبُو عُمَر وَمُجَاهِد : وَإِنْ كَانَ أَحَد الْأَئِمَّة يَتَأَوَّل الْقُرْآن فَإِنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ مَهْجُورَيْنِ عِنْد أَهْل الْعِلْم : أَحَدهمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة . إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة " [ الْقِيَامَة : 22 ] تَنْتَظِر الثَّوَاب ; لَيْسَ مِنْ النَّظَر .
قُلْت : ذَكَرَهُ هَذَا فِي الْبَاب اِبْنُ شِهَاب فِي حَدِيث التَّنْزِيل . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : يُجْلِسهُ عَلَى الْعَرْش . وَهَذَا تَأْوِيل غَيْر مُسْتَحِيل ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء كُلّهَا وَالْعَرْش قَائِمًا بِذَاتِهِ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء مِنْ غَيْر حَاجَة إِلَيْهَا , بَلْ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَته , وَلِيُعْرَف وُجُوده وَتَوْحِيده وَكَمَال قُدْرَته وَعِلْمه بِكُلِّ أَفْعَاله الْمُحْكَمَة , وَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اِسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْر أَنْ صَارَ لَهُ مُمَاسًّا , أَوْ كَانَ الْعَرْش لَهُ مَكَانًا . قِيلَ : هُوَ الْآن عَلَى الصِّفَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ قَبْل أَنْ يَخْلُق الْمَكَان وَالزَّمَان ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل سَوَاء فِي الْجَوَاز أَقَعَدَ مُحَمَّد عَلَى الْعَرْش أَوْ عَلَى الْأَرْض ; لِأَنَّ اِسْتِوَاء اللَّه تَعَالَى عَلَى الْعَرْش لَيْسَ بِمَعْنَى الِانْتِقَال وَالزَّوَال وَتَحْوِيل الْأَحْوَال مِنْ الْقِيَام وَالْقُعُود وَالْحَال الَّتِي تَشْغَل الْعَرْش , بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه بِلَا كَيْف . وَلَيْسَ إِقْعَاده مُحَمَّدًا عَلَى الْعَرْش مُوجِبًا لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة أَوْ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة , بَلْ هُوَ رَفْع لِمَحَلِّهِ وَتَشْرِيف لَهُ عَلَى خَلْقه . وَأَمَّا قَوْله فِي الْإِخْبَار : ( مَعَهُ ) فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله : " إِنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك " , و " رَبّ اِبْنِ لِي عِنْدك بَيْتًا فِي الْجَنَّة " [ التَّحْرِيم : 11 ] . " وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [ الْعَنْكَبُوت : 69 ] وَنَحْو ذَلِكَ . كُلّ ذَلِكَ عَائِد إِلَى الرُّتْبَة وَالْمَنْزِلَة وَالْحُظْوَة وَالدَّرَجَة الرَّفِيعَة , لَا إِلَى الْمَكَان .
[ الرَّابِع ] إِخْرَاجه مِنْ النَّار بِشَفَاعَتِهِ مَنْ يَخْرُج ; قَالَهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه . ذَكَرَهُ مُسْلِم . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ( كِتَاب التَّذْكِرَة ) وَاَللَّه الْمُوَفِّق .
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَوْن الْقِيَام بِاللَّيْلِ سَبَبًا لِلْمَقَامِ الْمَحْمُود عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْبَارِئ تَعَالَى يَجْعَل مَا شَاءَ مِنْ فِعْله سَبَبًا لِفَضْلِهِ مِنْ غَيْر مَعْرِفَة بِوَجْهِ الْحِكْمَة فِيهِ , أَوْ بِمَعْرِفَةِ وَجْه الْحِكْمَة . الثَّانِي : أَنَّ قِيَام اللَّيْل فِيهِ الْخَلْوَة مَعَ الْبَارِئ وَالْمُنَاجَاة دُون النَّاس , فَأُعْطِيَ الْخَلْوَة بِهِ وَمُنَاجَاته فِي قِيَامه وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . وَيَتَفَاضَل فِيهِ الْخَلْق بِحَسَبِ دَرَجَاتهمْ , فَأَجَلّهمْ فِيهِ دَرَجَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ يُعْطَى مَا لَا يُعْطَى أَحَد وَيَشْفَع مَا لَا يَشْفَع أَحَد . و " عَسَى " مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبَة . و " مَقَامًا " نُصِبَ عَلَى الظَّرْف . أَيْ فِي مَقَام أَوْ إِلَى مَقَام . وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع فِيهِ لِأُمَّتِي ) . فَالْمَقَام الْمَوْضِع الَّذِي يَقُوم فِيهِ الْإِنْسَان لِلْأُمُورِ الْجَلِيلَة كَالْمَقَامَاتِ بَيْن يَدَيْ الْمُلُوك .
إنتهى ..
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...ora=17&nAya=79
ولي عودة مع تفسير القرطبي لأستدل به في الرد إن شاء الله ..
وأجدك تقول
نواصل مع التفاسير ..
معالم التنزيل- تفسير البغوي :
ورُوي عن أبي وائل عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عزّ وجلّ اتخذ إبراهيم خليلاً، وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله " ، ثم قرأ: { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } قال: يقعد على العرش.
وعن مجاهد في قوله تعالى: { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } ، قال: يجلسه على العرش.
وعن عبدالله بن سلام قال: يقعده على الكرسي.
كان يجب أن تضع روابط تؤكد كلامك " هذا إن كنت تبتغي الدقة " ولكن لأن التلديس غايتك فلا تستطيع وضعها طبعاً
إليك موطن التدليس هنا أيضاً
جاء في تفسير البغوي الذي أخت منه آخر سطرين فقط
" وله عز وجل : (
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) عسى من الله تعالى واجب لأنه لا يدع أن يعطي عباده أو يفعل بهم ما أطمعهم فيه .
والمقام المحمود هو : مقام الشفاعة لأمته لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون : أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني حدثنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري أخبرنا حياة عن كعب عن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا علي بن عباس حدثنا سعيد بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة " . [ ص: 118 ]
أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا عبد الرحيم بن منيب أخبرنا يعلى عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم - إن شاء الله - من مات لا يشرك بالله شيئا " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل قال : وقال حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهتموا بذلك فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون : أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب وأكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض .
فيأتون نوحا فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب ، سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال فيأتون إبراهيم فيقول : إني لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا .
قال : فيأتون موسى فيقول إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب بقتل النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته .
فيأتون عيسى فيقول : لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال : فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأخرجهم فأدخلهم الجنة . [ ص: 119 ]
قال قتادة : وسمعته أيضا يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة [ ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة " ] .
قال قتادة : وقد سمعته أيضا يقول : " فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن " - أي وجب عليه الخلود - قال : ثم تلا هذه الآية : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ قال : " وهذا المقام المحمود ] الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم " .
وبهذا الإسناد قال : حدثنا [ محمد بن إسماعيل حدثنا ] سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال الغزي قال : ذهبنا إلى أنس بن مالك فذكر حديث الشفاعة بمعناه وقال : " فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع [ وسل تعطه ] واشفع تشفع فأقول : يا رب أمتي أمتي فيقول : انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا وذكر مثله فيقال : " انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من الإيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا وذكر مثله ثم يقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فأنطلق فأفعل . فلما خرجنا من عند أنس مررنا بالحسن فسلمنا عليه فحدثناه بالحديث إلى هذا الموضع فقال : هيه فقلنا : لم يزدنا على هذا فقال : لقد حدثني وهو [ يومئذ جميع ] منذ عشرين سنة كما حدثكم ثم قال : ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا ربي أتأذن في من قال لا إله إلا الله؟ فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " . [ ص: 120 ]
وروي عن عبد الله بن عمر قال : " إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم [ فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " .
وأخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد ] بن مامويه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا محمد بن حمويه حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا منصور بن أبي الأسود حدثنا الليث عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أولهم خروجا [ إذا بعثوا ] وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا [ وأنا مبشرهم إذا أيسوا ] الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ولواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني الحكم بن موسى حدثنا معقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبد الله بن فروخ حدثني أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع "
والأخبار في الشفاعة كثيرة وأول من أنكرها عمرو بن عبيد وهو مبتدع باتفاق أهل السنة . [ ص: 121 ]
وروي عن يزيد بن صهيب الفقير قال : كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج وكنت رجلا شابا فخرجنا في عصابة نريد أن نحج فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجهنميين فقلت له : يا صاحب رسول الله ما هذا الذي يحدثون والله عز وجل يقول : " إنك من تدخل النار فقد أخزيته " ( آل عمران - 192 ) و " كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها " ( السجدة - 20 ) ؟ فقال لي : يا فتى تقرأ القرآن؟ قلت : نعم قال : هل سمعت بمقام محمد المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت : نعم قال : فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار [ ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه ] وأن قوما يخرجون من النار بعدما يكونون فيها قال : فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
وروي عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله " ثم قرأ : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ قال : يقعد على العرش ] .
[ وعن مجاهد في قوله تعالى : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال : يجلسه على العرش ] .
وعن عبد الله بن سلام قال : يقعده على الكرسي ."
إنتهى ..
المصدر
http://www.islamweb.net/newlibrary/d...k_no=51&ID=974
وايضاً :
تفسير زاد المسير في علم التفسير- ابن الجوزي :
قوله تعالى: { عسى أن يبعثكَ ربُّك } «عسى» من الله واجبه، ومعنى «يبعثك» يقيمك { مقاماً محموداً } وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف. وفيه قولان.
أحدهما: أنه الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، والحسن، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثاني: يجلسه على العرش يوم القيامة. روى أبو وائل عن عبد الله أنه قرأ هذه الآية، وقال: يُقعده على العرش، وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس، وليث عن مجاهد.
سقطعنك حذف الرأي الأول سهواً بالتأكيد " ابتسامة "
هنا ابن الجوزى ذكر الرأيين ويكفي أنه قال " وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف " ولكن أأجل هذا الأمر في مداخلة منفصلة فى الرد
المفضلات