أخي الحبيب إدريسي :
بل لا نختلف أبدا .. إنما كان ذلك خاطرة لنتباحث فأنا أحب هذا النوع من النقاش لأنه يُخرج لنا الفوائد ....((لا أظننا سنختلف على هذا))
وقد اتفقنا على شيء مبدأي وهو أن القرآن يأتي بنصوص القصص بالمعنى وليس لفظيا أن هذا محتمل وليس مطلقا لكن أيهما أولى لم أجد ذلك في اطلعت فيكون جواب أحد أهل العلم الذي سألته هو الأولى لي ولك ..
لكن وجدت كلاما جيد للإمام المحقق الآلوسي في تفسيره قرأته في عجالة ولي عودة لتدبره ولكن أضعه لكم ليخدم الموضوع ولعل يفيدكم أيضا :
قال الآلوسي :
" هذا واستشكل الجمع بين ما هنا وما في الشعراء فإن فيها { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [ الشعراء : 34 ، 35 ] وهو صريح في أن { إِنَّ هذا لساحر } إلى { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [ الأعراف : 109 ، 110 ] كلام فرعون وما هنا صريح في نسبة قول ذلك للملا والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضعين وهل هذا إلا منافاة؟ وأجيب بأنه لا منافاة لاحتمالين . الأول : أن هذا الكلام قاله فرعون والملأ من قومه فهو كوقع الحافر على الحافر فنقل في الشعراء كلامه وهنا كلامهم ، والثاني : أن هذا الكلام قاله فرعون ابتداء ثم قاله الملأ إما بطريق الحكاية لأولادهم وغيرهم وإما بطريق التبليغ لسائر الناس فما في الشعراء كلام فرعون ابتداء وما هنا كلام الملا نقلاً عنه .
واختار الزمخشري أن ما هنا هو قول الملأ نقلاً عن فرعون بطريق التبليغ لا غير لأن القوم لما سمعوه خاطبوا فرعون بقولهم : أرجه الخ ، ولو كان ذلك كلام الملأ ابتداء لكان المطابق أن يجيبوهم بارجئوا ، ولا سبيل إلى أنه كان نقلاً بطريق الحكاية لأنه حينئذ لم يكن مؤامرة ومشاورة مع القوم فلم يتجه جوابهم أصلاً ، فتعين أن يكون بطريق التبليغ فلذا خاطبوه بالجواب . بقي أن يقال هذا الجواب بالتأخير في الشعراء كلام الملأ لفرعون وههنا كلام سائر القوم . لكن لا منافاة لجواز تطابق الجوابين .
وقول شيخ الإسلام : إن كون ذلك جواب العامة يأباه أن الخطاب لفرعون وأن المشاورة ليست من وظائفهم ليس بشيء ، لأن الأمر العظيم الذي تصيب تبعته أهل البلد يشاور فيه الملك الحازم عوامهم وخواصهم ، وقد يجمعهم لذلك ويقول لهم : ماذا ترون فهذا أمر لا يصيبني وحدي ورب رأي حسن عند من لم يظن به على أن في ذلك جمعاً لقلوبهم عليه وعلى الاحتفال بشأنه ، وقد شاهدنا أن الحوادث العظام يلتفت فيها إلى العوام ، وأمر موسى عليه السلام كان من أعظم الحوادث عند فرعون بعد أن شاهد منه ما شاهد ثك أنهم اختلفوا في قوله تعالى : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [ الأعراف : 110 ] فقيل : إنه من تتمة كلام الملأ ، واستظهره غير واحد لأنه مسوق مع كلامهم من غير فاصل ، فالأنسب أن يكون من بقية كلامهم .
وقال الفراء . والجبائي : إن كلام الملا قد تم عند قوله سبحانه : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ } [ الأعراف : 110 ] ثم قال فرعون : فماذا تأمرون قالوا : أرجه ، وحينئذ يحتمل كما قال القطب أن يكون كلام الملأ مع فرعون وخطاب الجمع في يخرجكم إما لتفخيم شأنه أو لاعتباره مع خدمه وأعوانه . ويحتمل أن يكون مع قوم فرعون والمشاورة منه . ثم قال : وإنما التزموا هذا التعسف ليكون مطابقاً لما في الشعراء في أن قوله : { مَاذَا * تَأْمُرُونَ } من كلام فرعون وقوله : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } كلام الملأ . لكن ما ارتفعت المخالفة بالمرة لأن قوله : { إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم } [ الأعراف : 109 ، 110 ] كلام فرعون للملأ . وفي هذه السورة على ما وجهوه كلام الملأ لفرعون ، ولعلهم يحملونه على أنه قال لهم مرة وقالوه له أخرى انتهى .
ويمكن أن يقال : إن الملأ لما رأوا من موسى عليه السلام ما رأوا قال بعضهم لبعض : إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تشيرون وما تستحسنون في أمره؟ ولما رآهم فرعون أنهم مهتمون من ذلك قال لهم تنشيطاً لهم وتصويباً لما هم عليه قبل أن يجيب بعضهم بعضاً بما عنده مثل ماقالوه فيما بينهم فالتفتوا إليه وقالوا : أرجه وأخاه ، فحكى سبحانه هنا مشاورة بعضهم لبعض وعرض ما عندهم على فرعون أول وهلة قبل ذكره فيما بينهم ، وحكى في«الشعراء» كلامه لهم ومشاورته إياهم التي هي طبق مشاورة بعضهم بعضاً المحكية هنا وجوابهم له بعد تلك المشاورة ، وعلى هذا لا يدخل العوام في الشورى ، ويكون ههنا أبلغ في ذم الملأ فليتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه . " انتهى
المفضلات