وهناك أمثلة عديدة على عمليات التدوير الأخرى، فعلى سبيل المثال، حينما كان بعض الشباب العادي يدخل السجن يتم تحويلهم إلى كوادر انتفاضية واعية وهو ما حوَّل السجون إلى أكاديميات لتخريج الثوار. ويقوم المنتفضون بتنظيم إضرابات داخل السجن تزيد التراحم. وحينما يخرج المسجون فإنه يعود بطلاً في الحي، نموذجاً انتفاضياً جديداً، ينظر له الأطفال والشباب والكهول. وهكذا يتحوَّل غيابه السابق في السجن إلى حضور ثري ينير العقول والقلوب (يُقال إن معظم العناصر القيادية من خريجي هذه الأكاديميات). والمساجين لا يختلفون هنا عن الشـهداء، إذ حـينما يسقط أحد المنتفضين شهيداً فهو يتحول إلى رصيد مضاف، ويؤخذ الجثمان لتقام الصلاة عليه، ويتحوَّل استشهاده بذلك إلى وسيلة من وسائل زيادة التماسك. فالشهيد هنا ليس طاقة مبددة وإنما طاقة جديدة تظل تسري في جسد الجماعة. كما أن الكفاح بالحجر يعني أن بوسع المنتفض أن يستخدم الحجر ويفر في الطرق الضيقة فيضمن لنفسه الاستمرار والبقاء في دورة الكفاح اليومي.
4 ـ نموذج التلاحم العضوي (شأنه شأن نموذج الحداثة المادية الغربية) مبني على النمو المستمر والمتصاعد وتعظيم مراكمة الطاقة واستهلاكها وتبديدها بل أحياناً تبديد المادة نفسها حتى يصل النموذج إلى الذروة، وهي نقطة الاشتعال (نهاية التاريخ). فهذا النموذج يذهب إلى أن تراكم الظروف الموضوعية وتصاعد التناقضات واحتدامها، سيولد حتماً وعياً ثورياً، وهذا سيؤدي بدوره إلى اندلاع الثورة. وعملية التراكم والنمو التي تتم، هي عملية عالمية تحدث في كل المجتمعات حسب النمط نفسه. فنمط التراكم والتناقض واحد، ومن هنا الاهتمام المفرط بالظروف الموضوعية العامة لا بالظروف الفريدة المحلية. والنماذج التراكمية ترى أن التصعيد الثوري لابد أن يأخذ شكل تصعيد رأسي لا أفقي، بمعنى حتمية أن يكون هناك تزايد دائم في احتدام التناقضات، وفي تصاعُد درجة الحرارة حتى تصل إلى درجة الاحتراق. ولذا أصبح الفكر الثوري مشغولاً بـ «تهيئة الظروف الموضوعية لنشوب الثورة» التي لم ينجح أحد في تهيئتها حتى الوقت الحاضر.
أما نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي فيحتاج إلى قَدْر من الطاقة ولكنه لا يتجه نحو تعظيم مراكمتها واستهلاكها، وإنما يركز على استخدامها مع الحفاظ عليها وعلى مصادرها (كما هو الحال في المجتمعات التقليدية). وهو نموذج يفضل التوازن على الصراع. ولذا فهو يجمع بين الطاقة الإنسانية (التقاط الحجر وإلقاؤه) والطاقة الطبيعية (الحجر نفسه).
المفضلات