صورة العرب في نظر الصهاينة و(الاسرائيليين )
مقدمة:
لقد كان هدف الحركة الصهيونية منذ البداية العمل على اقامة كيان يهودي مستقل له خصوصيته وقد سعى زعماؤها الاوائل لتحقيق هذا الهدف بتأسيس دولة اسرائيل على ارض فلسطين وعملوا ومازالوا يعملون على الوقوف في طريق تمثلها الثقافة العربية بشتى الوسائل والسبل وذلك على اعتبار ان البيئة العربية هي البيئة التي تأسست فيها هذه الدولة واذا أرادت الاستمرار فلابد لها من أن تفعل ذلك. ومقابل ذلك فقعد عمل هؤلاء على الترويج لفكرة المحافظة على الصبغة اليهودية لهذه الدولة باعتبارها جزءا من العالم الغربي المتقدم، وليس جزءا من الشرق المتخلف كما يحلو لهم تصنيفه. وقد تجلى هذا الرفض على نحو صارخ وواضح في تحذير كل من بن غوريون، وغولدا مائير، وموشيه دايان، وأبا ايبان، الذين نبهوا بل شددوا في مناسبات عدة على ضرورة محافظة اسرائيل على صبغتها اليهودية ومقاومة الفكرة التي تقول بانصهار الكيان الاسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط وقد تجلى ذلك في ما ذهب اليه أبا ايبان بقوله: «سوف تبقى اسرائيل على الدوام مستقلة في لغتها وفكرها، وعقلها، وستظل ارتباطاتها اليهودية أقوى من أي شيء آخر» وكذلك وهو ما أكده موشيه دايان بعد حرب حزيران سنة 1967 في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 11/6/1967، حين قال «اننا نريد دولة يهودية خالصة كالفرنسيين الذين يملكون دولة فرنسية».
وقد سعت الحركة الصهيونية منذ ان انشئت للتعرف الى المنطقة العربية من النواحي كافة الامر الذي جعلها تعرف عن العرب اكثر مما يعرفه العرب عن انفسهم فتوافرت لدى مكاتب الوكالة اليهودية مثلا وثائق ومراجع عن الدول العربية كلها بلا استثناء ومما يؤسف له ان ما هو متوفر لدينا عن اسرائيل والحركة الصهيونية قليل جدا على الرغم من الجهود التي تبذلها قوى الرصد الفلسطينية وهي غير كافية لتوفير بعض المعلومات التي تتصل بذلك وما انتصار اسرائيل في حرب حزيران يونيو 1967 وفي غيرها من الحروب الا نتيجة لمعرفتها عن العرب وقوتهم وقدرتهم اكثر مما يعرف العرب عن انفسهم. فهي تطبق القول المشهور «اعرف عدوك» وتجند لهذه المعرفة دور العلم ومراكز البحوث التي تقوم بجمع المعلومات وتحليلها والاستفادة منها. ومن المراكز المختصة بدراسة الموضوعات العربية والفلسطينية وهي كثيرة نذكر: مركز شيلوح التابع لجامعة تل أبيب، ومركز ترومان، وفان لير في مدينة القدس، وغيرها الكثير.
انطلاقا من تركيز الصهيونية على انشاء دولة يهودية مستقلة ومنفصلة عن بيئة المشرق العربي، فقد اتبعت استراتيجيا واضحة المعالم ترمي الى تشويه الصورة العربية، مستخدمة النمطية او القولبة (stereotyping) لتبرير الكراهية للعرب ولاسقاط الصراعات الشخصية على هذه القوالب. وقد قامت بتدعيم هذه القوالب بصورة دائمة ومستمرة مسخّرة لذلك وسائل الاعلام والاتصال الجماهير مثل الروايات والقصص القصيرة والصحف اليومية والاشرطة السينمائية والمسرحيات والراديو والتلفزيون وقد اسهم هذا كله في تشكيل اتجاهات اليهود نحو العرب لا بل في اتجاهات غير اليهود في انحاء العالم كافة نحو العرب والتي كانت في غالبيتها العظمى اتجاهات سلبية فعكست نفسها في الكتابات الصهيونية سواء أكان ذلك على المستوى الرسمي ام غير الرسمي كما سيتضح لنا في ما بعد.
سوف نحاول في هذا المقال النظر الى اتجاهات اليهود نحو العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، وذلك من خلال استعراض بعض هذه الكتابات وتحليلها خصوصا ما تعلق منها باستطلاعات الرأي العام وقصص الاطفال وبعض الدراسات الاجتماعية التي كان هدفها التأثير في الرأي العام الاسرائيلي لتشكيل اتجاهاته ولتحقيق هذا الهدف نتتبع تكوين هذه الاتجاهات وتطورها خلال حقبات زمنية مختلفة واكبت تطور الصراع العربي الاسرائيلي من اجل الوقوف على مدى تأثير العامل الزمني في ثبات صورة الانسان العربي او تغيّرها في نظر اليهود والتي افترض فيها انها اتسمت بالثبات على الرغم من مرور الزمن.
أولا: صورة العرب قبل عام 1948
لقد تميزت الكتابات الصهيونية قبل تأسيس الكيان الاسرائيلي في فلسطين بوجود اتجاهات ثلاثة ساهمت مجتمعة في رسم صورة الانسان العربي سواء بالنسبة الى اليهود انفسهم او غيرهم في دول العالم المختلفة:
أول هذه الاتجاهات ان فلسطين ارض خالية من السكان ولذا فان الصهاينة على استعداد لاستيطان هذه الارض وتعميرها. وساد الاعتقاد بين زعماء الصهيونية الاوائل شأنهم في ذلك شأن نظرائهم من المستعمرين في الغرب ان الحضارة الغربية هي الكفيلة وحدها باحداث التنمية. ففي رأي هيرزل (Herzel) احد زعمائها ان قيام دولة صهيونية في فلسطين يشكل عنصرا اساسيا ومهما من عناصر مواجهة الروح الوحشية بأشكالها المختلفة السائدة في اسيا ومقاومتها(1).
وثاني هذه الاتجاهات يتلخص في اعتراف الصهاينة بأن هناك شعبا يعيش في فلسطين، ولكنه شعب يتصف بالهمجية والوحشية ويقطن الصحراء وقد قال بن غوريون في هذا الصدد بأن «صحاري اسرائيل كانت قديما آهلة بالسكان وأنها لم تكن خالية» ويصر على ابراز الوحشية كسمة للانسان العربي الذي يعيش في فلسطين حين يقول: «… ان ثقتي ببني جنسي تجعلني اقول بأن الاثر الحقير والمخزي للتراث العربي لن يستمر الى الابد» ويستطرد قائلا بأن «العرب حولوا بلدا مزدهرا ومأهولا بالسكان الى صحراء»(2)
ان الهدف من هذه الاقوال التي اوردناها هنا يكمن في محاولة بن غوريون تثبيت حق اليهود في فلسطين تاريخيا من ناحية والاساءة الى الفلسطينيين الذين لا يرقون الى مرتبة البشر من ناحية اخرى وهذا يعكس، بطبيعة الحال، النظرة العنصرية والمتعالية التي نظرت وتنظر من خلالها الصهيونية، كما سنرى في ما بعد، الى العرب.
اما الاتجاه الثالث والاخير في هذه الكتابات فقد تأسس على عدد من الفرضيات اهمها:
1ان العرب سوف يصبحون اقلية في فلسطين، وهذا امر لا يحتمل النقاش او الجدل لان فلسطين ارض يهودية بالمفهوم الصهيوني.
2ان قانون حق العودة الى فلسطين يعطي كل يهودي الحق في العودة الى فلسطين والاستقرار فيها.
3ان ارض فلسطين لا يمكن ان تكون الا يهودية فهي لا تعني لأي شعب أيا كان ما تعنيه للشعب اليهودي.
وبناء على هذه الافتراضات جميعا بدأ الصهاينة برسم سياساتهم الاستيطانية وتنفيذها في ارض فلسطين مجندين لتحقيق ذلك كل ما توافر لديهم من وسائل سياسية واعلامية وتربوية. ومن الكتابات التي برز فيها هذا الاتجاه العنصري على نحو صارخ ما ورد في كتاب وليم زف (Ziff) بعنوان اغتصاب فلسطين الذي قام بنشره فسنة 1937 والذي صور فيه العرب بأنهم متوحشون وبدو رحّل ومسلمون متطرفون. كما وصف الاسلام المعاصر بأنه يغصّ بالخرافات ومظاهر الجهل وأنه بعيد عن المثل الاخلاقية. بينما صور اليهود في المقابل بأنهم متفوقون ومتميزون واذكياء، وأنهم يعتبرون افضل قوة مستعمرة على وجه البسيطة. ويذهب الى أبعد من ذلك حين يقول بأن «العرب يقعون في أدنى سلم التطور البشري لأنه ليس لديهم احساس بالتمييز العرقي بسبب عقيدتهم الاسلامية التي لا يوجد فيها مثل هذا الاحساس فهي تسوي بين بني البشر بمختلف اعراقهم وانتماءاتهم طالما انهم يدينون بالاسلام»(3).
لقد اتسمت الكتابات الصهيونية في فترة ما قبل اقامة الكيان الاسرائيلي سنة 1948 على ارض فلسطين بالتعصب ضد العرب ويعود ذلك الى ان معظم الذي كتب في هذه الفترة لم يكن نتيجة صلة وثيقة بالعرب او نتيجة معرفة من كتبه بأسلوب حياتهم وثقافاتهم، بقدر ما كان قائما على معلومات سابقة خاطئة عن العرب مستقاة من الكتب والمجلات التي قرأها هؤلاء الكتّاب قبل مجيئهم الى فلسطين والتي اعتمدت في معظمها على النمطية والقولبة (stereotyping). ومن خلال استعراضنا كتاب ريزا دومب، صورة العربي في الادب اليهودي، الذي يعرض صورة العربي في أعمال نثرية عبرية مختارة كما تراها مجموعة من الكتّاب اليهود في هذه الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها نجد ان الغالبية العظمى من هؤلاء الكتاب وصفت العربي بالتخلف والوحشية والهمجية. وقد انطلق معظم هذه الكتابات من الافتراض الذي روّجت له الصهيونية في هذه الفترة والذي يقول بالتفوق العرقي والنمطية السلبية نحو الجماعات العرقية الاخرى وقد تأثر هؤلاء سواء الكتاب منهم او رجال السياسة بالفكر الذي كان يسود اوروبا في القرن التاسع عشر وقد بني على اساس من التفوق العرقي. وليس غريبا ان يتسم تفكير الصهاينة الذين قدموا الى فلسطين بهذه السمة حيث ان معظمهم قد جاء الى فلسطين قادما من البلدان الاوروبية، وهم يشكلون الاغلبية من سكان الكيان الاسرائيلي، وحتى من الذين يوصف فكرهم بالاعتدال، نجد سميلانسكي الذي وصف حياة البدو في فلسطين بأنها حياة متوحشة وأبى الا ان يربطها بحياة اجداده الاسرائيليين القدامى مرددا النغمة المعهودة وهي حق اليهود في ارض الميعاد حيث يقول : «لقد جذبه سحر حياتهم الوحشية وسرعان ما قفزت الى ذهنه صورة اجداده الاسرائيليين القدامى»(4).
وهو ما يؤكده ميوهاوس بأن «العرب مهمّون لنا نحو اليهود لان روحهم وطريقة حياتهم مشابهة لحياة اجدانا في عصور التوراة . الفالحون احفاد الكنعانيين هم أقدم سكان «ارتز اسرائيل» وهم الذين حافظوا تماما على العادات والخصائص القديمة التي نسيناها بسبب طول اقامتنا في المنفى»(5).
وفي موضع آخر يقول واكسمان عن سميلانسكي واصفا قصصه: «… ان قصص (اطفال الجزيرة ######### هي انتاج فلسطيني رائع طبع بطابع الروح الشرقية، لقد صور وحشية الحياة العربية من كل جوانبها، حياة الفلاحين والبدو بشكلها البدائي الذي لم يتلوث بالحضارة الغربية»(6).
يتبين من النصين السابقين التركيز على ربط سكان فلسطين بأحفاد اليهود وتأكيد الصفة الوحشية للعربي والحياة العربية، وهما أمران مطلوبان لتحقيق اهداف الصهيونية في رسم الصورة المتوحشة والبدائية للعرب.
ويصف مزراحي المظهر الجسمي للعرب بأوصاف قاسية تثير الرعب وكأنه يصور حيوانا حيث يقول: «كان الملاح العربي القوي، قويا كثور وكان له مساعدان، وكان ثلاثتهم يحركون بأذرعهم القوية عوارض خشبية ويقودون القارب بين الصخور»(7).
وكنتيجة عامة من الممكن القول بأن الذين كتبوا عن العرب قبل عام 1948 نشأوا في اوروبا في غالبيتهم ووفدوا الى فلسطين مع موجات الهجرة اليهودية الاستيطانية فصاغوا شخصياتهم الروائية وأبطالها متأثرين بالبيئات التي قدموا منها. فهم لم يصوروا العربي كفرد سوي سواء أكان ذلك على صعيد تكوينه الجسمي ام النفسي والعقل وقد اشتركوا جميعا وبلا استثناء بما في ذلك الذين نشأوا في فلسطين في اعطاء قوالب جاهزة للانسان العربي وقد كان التنميط هدفهم الاول في استعراضهم رغبات العرب وخرافاتهم ومواقفهم من الحياة. فحتى سميلانسكي الذي نشأ في فلسطين وكان على استعداد لتقبل البيئة العربية والتكيف معها واستوعب الصراع العربيالاسرائيلي في جوانبه المختلفة وكان على وعي تام به حيث قام بتدوينه في قصصه الا انه على الرغم من ذلك كله، لم يستطع الانفلات من الايديولوجيا الصهيونية التي ترمي أن على العرب أن يشعروا بالامتنان لمجيء اليهود الى فلسطين لانهم كانوا سببا في ادخال التقدم والرقي الى منطقة الشرق الاوسط وان دل هذا على شيء فانما يدل على ان تعصبه لوجهة النظر الصهيونية.
لقد اتسم معظم انتاج كتّاب هذه الفترة بالنظرة المتعالية والاستخفاف بالعرب واعتبارهم افي أحسن الاحوال سذجا وبسطاء، لان الصورة التي رسموها للعربي بنيت على آراء مسبقة وخاطئة عن العرب وقلة هم الذين نظروا الى العرب بشكل موضوعي يتسم بالاحترام والتقدير.
فقد كانت لكل كاتب من كتاب هذه الفترة نظراته الخاصة به الى العرب وحياتهم وعاداتهم ومجتمعهم وقد ابرز معظمهم السيئات وتغاضى عن ذكر الحسنات.
ثانيا: صورة العرب قبل عام 1967
لقد اتسمت الافتراضات التي بنى عليها الصهاينة اتجاهاتهم نحو الانسان العربي بشيء من الثبات والاتساق مع حدوث تعديل طفيف على العبارات التي تفوح منها رائحة التعصب العنصري، وهو امر ليس بغريب على الفكر الصهيوني فالتغيير لا يمس الا المظهر ولا يصيب الجوهر. فالاستراتيجيا ثابتة لا تتغير وانما التكتيك هو الذي يحدث فيه التغيير. فقد سيطر على الكتابات الصهيونية في هذه الفترة اتجاه يقضي بانكار الوجود الفلسطيني كلية.
ان هذه الصفة التي تم اطلاقها على الشعب الفلسطيني في هذه الفترة لم تكن جديدة كل الجدة فقد سبقها وصف الزنوج في اميركا في العقد الخامس من هذا القرن ووصف الفرنسيين للجزائريين قبل الاستقلال ان هذا الاتجاه الذي تبناه اليهود نحو الفلسطينيين انما يمثل رفضا واضحا وانكارا قاطعا للوجود الفلسطيني وهو شكل من اشكال التمييز العنصري. لقد كان الهدف من تبني مثل هذا الاتجاه هدفا خبيثا فهو يعكس من غير أدنى شك تفكير الصهيونية وانسجامها مع اتجاهها المعلن، وهو ان الفلسطينيين جماعة متوحشة، وأن فلسطين لم تكن مأهولة بالسكان فهي أرض بلا شعب وان اليهود حولوها الى ارض خصبة عندما قدموا اليها واستوطنوها.
لقد تبنى الجيل الاول من قادة اسرائيل من أمثال بن غوريون وغولدا مائير الرأي القائل بأن الفلسطينيين ليس لهم وجود في فلسطين ولم يكن الوضع على هذه الشاكلة في يوم من الايام. ان مثل هذا الرفض القاطع لوجود الشعب الفلسطيني ارتبط وتزامن مع رفضهم تحمل اية مسؤولية انسانية او اخلاقية تجاه شعب فلسطين الذي طرد من ارضه ووطنه عام 1948. وقد اتسمت النظرة الى الشعب الفلسطيني آنذاك بالنظرة اليهم كلاجئين تقع مسؤولية اعالتهم وحل مشكلاتهم على الوطن العربي الذي يعد المسؤول الاول عن تشريدهم وهو اسلوب ذكي في التنصل من المسؤولية امام الرأي العام العالمي الذي آمن الى حد كبير بعدم مسؤولية اليهود عن مشكلة الفلسطينيين. وجدير بالذكر ان المصطلح الذي استخدم في هذه الفترة هو «اللاجئون العرب»» واسقطت كلمة «فلسطينيون» نهائيا ليس فقط من الكتابات الصهيونية وانما كذلك من وسائل الاعلام الغربية وان دل هذا على شيء فانما يدل على مدى تأثير الدعاية الصهيونية في مناطق كثيرة من العالم خصوصا في اوروبا واميركا هذا وبلغ التجاهل للوجود الفلسطيني ذروته حين صرّحت غولدا مائير في احدى مقابلاتها الصحفية سنة 1969 بأنه «… لم يكن هناك شيء اسمه الفلسطينيون».
لقد عرض غانم مزعل في كتابه الشخصية العربية في الادب العبري الحديث صورا ونماذج من القصص بيّن فيها بأن الاغلبية العظمى مما كتب في هذه الفترة صوّرت العرب في ابشع بصورة ممكنة. وقد بيّنت بوضوح ان اليهود المتحضرين، أبناء الشعب المختار، يواجهون شعبا متجردا من كل قيمة وتسيطر عليه نزعات الشر والعدوان. فالعربي في هذه القصص كابوس مزعج، يهدد كيان اسرائيل وحضارتها، وقد ألصقت به أسوأ الصفات . فهو جبان، وخبيث، ومكار، وقذر، ومتعطش الى الدماء، الى غير ذلك، وهو تصوير حي للكيفية التي تنظر بها الصهيونية الى العرب. ومن المؤسف حقا ان هذا التوجه ينسحب على الصهيونية يمينها ويسارها على حد سواء. واذا كان هناك فرق بينهما فهو فرق ضئيل ، فالمفكرون والادباء والشرفاء هم قلة قليلة يوصفون في غالب الاحيان بالجنون او الخيانة، ويتعرضون للايذاء البدني احيانا، للملاحقة والتشهير في احايين اخرى.
ان الذي يتصفح القصص العبرية يجد ان كتّابها يطلقون على العرب صفات لا تليق بالانسان فهو في نظرهم سارق، وكاذب، ومنافق، وذو وجهين، مغتصب للنساء، ومعتد، يفتقد المبادئ، توجهه غريزته الجنسية. اضف الى ذلك انه لا يفي بوعده ومحب للمال ومرتش.(8).
ولدينا نماذج كثيرة للتدليل على ذلك نذكر منها ما كتبه ناتان شاحم في قصته غبار الطرق حيث يسوق حديثا عن العرب يدور بين يهوديين، حيث يقول أحدهما في تعريف العربي أثناء الحديث: «… العرب مثل الكلاب، فاذا رأوا انك مرتبك ولا تقوم برد فعل على تحرشاتهم يهجمون عليك، أما اذا قمت بضربهم فهم سيهربون كالكلاب …»، ويضيف الآخر في موضع من القصة: «ان افضل عربي هو العربي من دون نقود».
وأما ما يتردد على ألسنة الاسرائيليين في هذه الايام فهو اكثر عنصرية وحقدا اذ يقولون «العربي الجيد هو العربي الميت» واذا أردت عن تعرف العربي على حقيقته فيجب ان تفتح رأسه.(9) وتبرز نظرة التعالي على العرب في ما كتبه موشيه شمير في كتابه حياة شعب اسماعيل، وهو يصف المستوطنات اليهودية مثالا للتحضر والتقدم ويقارنها بالقرى العربية التي يصفها بالتخلف ويذهب الى القول بأن اليهود جاؤوا الى الصحراء فحولوا الى جنات خضراء وعلّموا العرب فنون الزراعة والصناعة، كما يتضح من الاقتباس التالي« … ان المواطن العربي والقرية العربية والزراعة العربية والصناعة والتربية والصحافة كلها ازدهرت وتطورت جنبا الى جنب مع الحياة اليهودية المتجددة في البلاد …»(10) ان هذه النظرة الشوفينية الى العرب وقراهم ليست جديدة ولا غريبة فمعظم الكتّاب اليهود بمختلف فئاتهم واتجاهاتهم ينظر الى العرب على هذه الصورة.
اما في مجال الدراسات الاجتماعية التي اجريت بهدف استطلاع رأي اليهود وعلاقتهم بالعرب في فلسطين المحتلة في هذه الفترة فقد بينت نتائج الدراسة التي اجريت سنة 1965 حول مدى استعداد اليهود للتزاوج مع العرب او مصادقتهم او مجاورتهم ان 16 بالمئة من المبحوثين كانوا غير مستعدين للزواج من العرب وكانت نسبة اليهود الشرقيين المعارضين لهذه العلاقة مع العرب أكثر من نسبة نظرائهم اليهود الاوروبيين. اما عن علاقة الصداقة فقد كانت المعارضة اقل حيث بلغت النسبة 33 بالمئة لجميع افراد العينة وكانت نسبة اليهود الشرقيين أعلى من اليهود الاوروبيين. هذا في حين بلغت نسبة الذين رفضوا اقامة علاقات جوار مع العرب 29 بالمئة وكانت نسبة اليهود الاوروبيين اقل منها عند اليهود الشرقيين (11) وتجدر الاشارة في هذا المجال الى انه على الرغم من أن اليهود الشرقيين والعرب ينتمون الى الحضارة نفسها تقريبا وأن معظمهم جاء من بلاد عربية سواء من العراق او اليمن فان الفئات اليهودية الشرقية تتسم بأنها أكثر رفضا للتعامل مع العرب وأن لهذا الرفض أسبابه الكثيرة ويكمن اهم هذه الاسباب في التشابه الحضاري مع العرب والذي يعتبر في نظر هذه الفئة عاملا سلبيا لان يبعدهم عن اليهود الاوروبيين ولا يعمل على تعزيز القاعدة المشتركة معهم.
ثالثا: صورة العرب بعد عام 1967
على الرغم من اصرار زعماء الصهاينة على الاستمرار في عدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني فقد استطاعت الثورة الفلسطينية ان تبين للعالم ان الشعب الفلسطيني موجود وأن له حقوقا مشروعة في أرض فلسطين. وبذلك أصبح الشعار الذي ترفعه الصهيونية بانكار حق هذا الشعب في الوجود غير ملائم لطبيعة المرحلة القادمة بالنسبة الى اسرائيل فبدأت الصهيونية تبحث عن البديل الذي يخدم اهدافها في مقاومة الوجود الفلسطيني على المستويين الاقليمي والدولي. ولذا فقد وظفت لتحقيق غايتها واهدافها مجموعة من الاتجاهات السلبية، وعلى رأسها استخدام مصطلحي: «اللاجئون» و«اللاجئون العرب» اشارة الى الفلسطينيين، كذلك اطلقت على حركة المقاومة الفلسطينية اسم «المخربون» وقد ركزت الكتابات الصهيونية في هذه الفترة على الاشارة الى العرب وكأنهم وحدة سياسة واحدة يتبنون الاتجاه والايديولوجيات السياسية نفسها فهم ارادوا بذلك ان ينقلوا الصراع الى دائرة اكبر، وهي الدائرة العربية التي تريد القضاء على اسرائيل فعلى سبيل التمثيل لا الحصر يتحدث الكاتب الصهيوني آري الياف (A. Eliav) في كتابه اهداف جديدة لاسرائيل عن الصراع العربي الإسرائيلي ويشير في اماكن مختلفة الى العرب والدول العربية و«جيراننا الاعداء» كما تركزت كتابات من كتبوا في هذه الفترة على جوانب العنف عند العرب فرسمت لهم صورة سيئة ومتوحشة فصورتهم على أنهم مصاصو دماء وعطاشى الى الثأر دائما. اضف الى ذلك وصفهم بصفات تسمهم بالعجز في الجوانب النفسية والعقلية، ووصف زعمائهم بالوحشية والهمجية، وفي بعض الاحيان بالجنون. وأخطر ما في الامر هو محاولة بعض الكتّاب الصهاينة ربط العرب بالنازية وأن كل العرب كانوا وما يزالون متعاطفين مع النازية وقد بنوا على ذلك استنتاجاتهم بأن العرب هم ضد السامية وقد ظهر العديد من الكتب الصهيونية التي وصفت العرب بأنهم ضد السامية يتّسمون بالتعصب وعدم التسامح وبأن الكراهية توجه سلوكهم(12). ان مثل هذه الكتابات وغيرها الكثير تعكس حقيقة واحدة وهي شعور الصهاينة بأنهم سادة الموقف وأنهم وحدهم القادرون على الحكم على العرب من منطلق معرفتهم القوية بالعقلية العربية أكثر من أي شعب من الشعوب الاخرى وهو شعور متعال فيه تقليل من قيمة الآخر وهم العرب ويتسم بالاعتداء بالنفس والتباهي بالتفوق.
ومن جانب آخر يصف الصهاينة العرب بأن لديهم شعورا بالكراهية العرقية لا يوجّه الى اليهود فحسب وانما هو موجّه الى كل الاقليات العرقية التي تعيش بينهم كالأكراد والمسيحيين وغيرهم وأن هذه الاقليات لا تشعر بالامن. وان الهدف من طرح هذه الفكرة في كتابات الصهاينة هو تبرير اقامة الدولة اليهودية التي يجب ان تقتصر على اليهود فقط وحيث لا مكان فيها لعربي. ان مثل هذا الوصف للانسان العربي وهو وصف نمطي يهدف في مجمله الى رسم صورة سيئة للعرب تترسخ من خلالها فكرة كراهية العرب الشديدة للأجناس الاخرى غير العربية.
وتجدر الاشارة هنا الى ان هذه الصور النمطية للعرب كان معظمها موجها الى الرأي العام الغربي بهدف تشويه صورة الانسان العربي في الغرب واقناعه بأهمية الوجود الصهيوني في فلسطين، وان نظرة سريعة الى ما ينشر عن العرب داخل الكيان الصهيوني أو في الخارج تؤكد الصورة السلبية للعرب، ففي الوقت الذي تصف فيه احدى الدوريات الصهيونية في اميركا اليهود بالشجاعة والاقدام تصف العرب بالجبن والطبع العنيف القاسي والميل الفطري الى الاعتداء وشن الحروب. ونشير في هذا الصدد الى ما كتبه احد الصهاينة وهو ندّاف سفران الاستاذ في جامعة هارفرد الذي قضى طفو لته الاولى في مصر حيث يقول واصفا شعوره عند زيارته مصر بأنه وقع في أيدي قبيلة بدائية(13).
ان مثل هذه الصور تعمل على تعميق الهوة بين العرب واليهود وهو ما سعت الصهيونية جاهدة لتحقيقه كما سيتأكد لنا ذلك من خلال استعراض مزيد من الكتابات ونتائج الدراسات والابحاث التي توضح بجلاء اتجاهات الصهيونية نحو العرب والفلسطينيين.
المفضلات