-
ص 434 -
ولا أرى نصوصا هي أوضح وأجلى مما سبق لإثبات جزئيتهما من القرآن في نظر سلفهم الصالح ، أما في مذهب أهل البيت عليهم السلام الذي يدين به الشيعة فإن كل تلك الروايات وغيرها التي تفيد المعنى المزبور مرفوضة وعرض الجدار مضربـها
.
* دمج بعض الصحابة لـهما في المصحف على أنـهما سورتان :
" قال ابن الضريس في فضائله أخبرنا موسى بن إسماعيل أنبانا حماد قال قرأنا في مصحف أبى بن كعب (اللهم إنا نستعينك وتستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) قال حماد: هذه الآن سورة. واحسبه قال : (اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق) "( 1 ).
" وفي مصحف ابن عباس قراءة أبـيّ وأبى موسى ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) . وفي مصحف حجر ( اللهم إنا نستعينك ) " ( 2 ) .
" أخرج البيهقي أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك …) قال ابن جريج : حكمة البسملة أنـهما سورتان في مصحف بعض الصحابة ".
" وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي بن كعب أنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه" ( 3 ) .
"وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين ، وفي مصحف أُبيّ ست عشر لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع " ( 4 ) .
( 1 )
ن.م .
( 2 ) ن.م .
( 3 )
الإتقان في علوم القرآن ج1ص65 ط الحلبي الثالثة .
( 4 ) ن.م .
-
ص 435 -
"
وأخرج ابن أبى شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك … ) وزعم عبيد أنه بلغه انـهما سورتان من القرآن من مصحف ابن مسعود " ( 1 ) .
*
شـبهة !
قد يقال إن تلك الروايات
التي تحكي كتابة السورتين في مصحف كل من أَبي بن كعب وابن مسعود ( 2 ) وابن عباس لا يستفاد منها إلحاقها كسورتين مثل بقية سور القرآن وإنما كتبتا كذكر ودعاء في آخر المصحف حتى يسهُل إيجادهما وقراءتـهما ، فليس كل ما يضاف في آخر المصحف يعتبر من القرآن المنـزل ، وهذا أشبه بما يفعل اليوم من دمج دعاء ختم القرآن في آخره وهذا لا يعني أنه دمج كسورة في المصحف .
وهذا الكلام غير صحيح
لأن الروايات صريحة في كونـهما سورتين ولم يعهد التعبير عن الدعاء بالسورة ، ثم إن رواياتـهم بينت محل السورتين في مصحف بعض الصحابة وكيفية وضعها فيه :
" فائدة : قال ابن أشته في كتاب المصاحف : أنبأنا محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو داود حدثنا أبو جعفر الكوفي قال : هذا تأليف مصحف أُبيّ : الحمد ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة ثم يونس ثم الأنفال -إلى أن يقول- ثم الضحى ثم ألم نشرح ثم القارعة ثم التكاثر ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم ويل لكل همزة … إلخ " ( 3 ) .
وقال النديم في الفهرست :
" باب ترتيب القرآن في مصحف أبي بن كعب : … الصف ، الضحى ، ألم نشرح لك ، القارعة ، التكاثر ، الخلع ثلاث آيات ، الحفد ست آيات اللهم إياك نعبد وآخرها بالكفار ملحق ، اللمز ، إذا زلزلت ، العاديات ، أصحاب الفيل ، التين ، الكوثر ، القدر ، الكافرون ، النصر ، أبي لهب ، قريش ، الصمد ، الفلق ، الناس ، فذلك مائة
( 1 )
الدر المنثور ج6ص421 .
( 2 ) هذه النسبة لمصحف ابن مسعود وقعت محل كلام وخلاف .
( 3 )
الإتقان في علوم القرآن ج1ص64 ط الحلبي .
-
ص 436 -
وستة عشر سورة قال إلى هاهنا أصبحت في مصحف أبي بن كعب وجميع آي القرآن في قول أبي بن كعب ستة آلاف آية ومائتان وعشر آيات وجميع عدد سور القرآن " ( 1
) .
وعليه فالسورتان المزعومتان وقعتا بين السور
، وترتيبهما بـهذا النحو في مصحف أبي بن كعب شاهد على أنـهما دمجتا كسورتين من سور المصحف لا كدعاء ألحق في آخر صفحاته ! بل إن راوي الرواية قد صرّح بكونـهما سورتين ، فجزئيتهما واضحة لا غبار عليها ، ومما يزيد الأمر وضوحا هذه الرواية :
وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال : " قرأت أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أُبيّ بن كعب هاتين السورتين : ( اللهم إنا نستعينك ) ، والأخرى ، بينهما {بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من الفصل " ( 2 ) .
وواضح من موضع السورتين في المصحف أن دمجهما كان باعتبار قرآنيتهما وإلا لو كانتا دعاءً لما صح أن توضعا بين السور بل توضعا في آخر المصحف أو في هامش الصفحات ، وهذا التقريب ليس بذاك الشيء بعد صراحة الروايات السابقة ونصها على أنـهما سورتان
.
* من عدهما سورتين من الصحابة والتابعين
يمكن أن تزودنا نظرة عابرة في رواياتـهم بقائمة كبيرة من أسماء سلفهم الصالح الذين كانوا يقولون بقرآنيتهما ، وهم : أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ، والحسن البصري ، وعطاء بن رباح ، وأبو عبد الرحمن بزعم عطاء بن السائب ، وقد قال ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن أبزى وعبيد بن عمير : أن عمر بن الخطاب كان يقرأ هاتين السورتين في الصلاة .
وسيأتي ذكر كلمات علماء أهل السنة الذين صرحوا بأن هذين المقطعين سورتان في مصاحف بعض الصحابة كبقية سور القرآن
.
( 1 )
الفهرست ج1ص40.
( 2 ) الدر المنثور ج6ص420 ، وللزيادة تراجع روايات سورتي الخلع والحفد في الدر المنثور .
-
ص 437 -
ومن الغريب أن علاّمتهم جلال الدين السيوطي
قد وضع هذه الجمل التي لا ترقى لمستوى البلاغة القرآنية في آخر تفسيره الدر المنثور بعد المعوذتين إيمانا منه بأنـهما سورتان من القرآن ! ولا أدري كيف خفي عليه وهو رجل أدب وحليف لغةٍ وبلاغة ما لأسلوبـها من اضمحلال وضعف عن رونق الإعجاز القرآني ، وليت شعري كيف نحتج باعجاز القرآن وبلاغته على غير أهل ملتنا مع تجويز دخول تلك العبارات في حريم القرآن ، أفلا ينفيها إعجازه البلاغي ؟!
* أين ذهبت ؟!
السؤال المهم الذي على أهل السنة الإجابة عنه هو أين ذهبت هاتان السورتان ؟ ، ولماذا لم تكتبا في المصحف زمن عثمان ؟ خاصة وأن الصحابة كانوا يقرؤونـها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة طويلة بعد زمن عثمان ، وكتبوهما في مصاحفهم ، بل كان الخليفة وغيره من التابعين يؤمّون الناس بـهما في الصلاة ولا من نكير أو معترض!
المفضلات