الحمد لله رب العالمين
نود أولا أن نشكر الأخت أم عمار على هذا الموضوع القيم ونشكر جميع الإخوة والأخوات الذين أسهبت أقلامهم في هذا الموضوع بإضافات من شأنها أن تُشعل الهمم ولا شك أن الأمة بأكملها تحتاج إلى هذا الأمر .. وكما يقول الشيخ العفاني " صلاح الأمة في علو الهمة "
أقول أن علو الهمة يدور حول محورين وهما التثبيت والتحفيز فإن المؤمن إذا رأى ما يؤثر في موقفه أوإذا مسه الضر يحتاج إلى المواساة ويحتاج إلى تثبيت وإذا أصابه فتور يحتاج إلى تحفيز حتى تشتعل فيه الهمة مرة أخرى فيسري قدماً ولقد كانت ركيزة النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته في مكة طول مكثه فيها من بعد البعثة على تثبيت المؤمنين وتحفيزهم ومواساتهم حتى لا يصيبهم الفتور أو الجزع ونتذوق ذلك أيضاً في القرآن المكي كله ولتوضيح ذلك :
1- التثبيت :
المؤمن كما قال الله عز وجل { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت } ولقد فُتن المسلمون الأوائل أشد فتنة من عذاب ومن هجر بلادهم وأبنائهم ومسهم البأساء والضراء ونقص في الأموال والثمرات ومن شأن ذلك فتور الهمم والجزع فكان الله عز وجل يثبتهم ويدعمهم نفسياً ومعنوياً حتى لا تفتر الهمم فكان يدعمهم مادياً كما في قوله تعالى :
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) } الأنفال
فهذا دعم مادي من شأنه علو همة الصحابة رضوان الله عليهم حتى يواصلوا بالرغم من ضعف الإمكانات وقلة العدد والعُدة .
وكان يدعمهم نفسياً بقصص من سبقهم كيف كانوا يعذبون ويلاقون من العذاب والبطش أكثر مما يرون وكان يعلمهم أن الكفار الأوائل أيضاً كانت لديهم من القوة والجبروت أكثر مما يرون وهو أيضاً ما كان يحدث مع النبي صلى الله عليه وسلم لتثبيته على دعوته فكان تبارك وتعالى يقص عليه من قصص الأنبياء وكيف عاندهم قومهم وكذبوهم ليثبت به فؤاده وتعلوا به همته كما :
{ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) } يوسف
ولما فترت همة بعض الصحابة رضي الله عنهم واصابهم شيء من الجزع نرى كيف رد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفتور فيما رواه البخاري وغيره من حديث خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ :
" شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ "
فهذا نوع من أنواع التثبيت والدعم النفسي وإعلاء الهمة لأنه كما يُقال من سمع بلاء غيره هان عليه بلاءه ..
وهذا ما نحن بصدده هو الإطلاع على سير الأولين كيف كان صبرهم على المحنة وكيف كان قبولهم على الله حتى نتأسى بهم لذلك من المفيد جداً في هذا الموضوع هو هذا العرض وهذا الإقتطاف من سير سلفنا الصالح .
2- التحفيز :
كما يقول شيخنا وإمامنا علامة الوقت الحويني شفاه الله وحفظه :
" من عرف شرف ما يطلب هان عليه وا يبذل "
وهذا من أهم الأمور التي من شأنها أن يحفز المرء نفسه بنفسه في معرفته شرف ما يطلب فإن كان في طلب العلم مثلاً فعليه أن يقرأ شرف العلم وأهله وخيريتهم وفضل العلماء وفضل التفقه في الدين وإن كان في الدعوة فعليه أن يعلم أنه في أشرف مضمار على الإطلاق وهو على طريق الأنبياء والعلماء والصالحين فيهون عليه ما يلاقيه من أذى ومشقة وهكذا .
وتحفيز آخر بمعرفة أجر ما يقوم به وما أعده الله له بأن يطلع على ثواب طلب العلم وثواب الدعوة إلى الله وثواب الجهاد في سبيل الله وثواب العبادات ومنه ما رواه أبو داود وغيره عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
" كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " صححه الألباني
فهذا الحديث حين يقرأه طالب العلم الصادق تعلو همته حتى تلمس السماء ...
وقال الله عز وجل :
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) } التوبة
تبذل نفسك مقابل الجنة ياله من ثمن وياله من مكسب وإنها لمساومة تشعل الهمة وتدفعها دفعاً وهو ما حدث مع الصحابة لما علموا مثل هذا وفيه ما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ نَعَمْ قَالَ بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ "
كل ذلك من شأنه علو الهمة ولما كان أهم ما تعلو به الهمم هو قصص من سبقنا وعرض شيء من سيرهم فعلينا القيام بذلك لنكون على ضرب الإخوة والأخوات إن شاء الله .. فيما يأتي قريباً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
حد يا خذ المايك مؤقتاً أحسن هطرد من العمل :))
المفضلات