(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) – وقال جل وعلا أيضا(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُوَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)
لماذا قدم الغفران على العذاب في الأية الأولى أما في الأية الثانية قدم العذاب على الغفران؟
رب العالمين قال (سبقت رحمتي غضبي) هذا شيء معروف، وفي كل القرآن عندما تأتي على المغفرة والعذاب يقول يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴿284﴾ البقرة)يقدّم المغفرة على العذاب ..
موضع واحد فقط خالف هذا النسق العظيم من تقديم المغفرة في سورة المائدة فقال (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿40﴾ المائدة)
لماذا هذه فقط التعذيب فيها مقدّم؟
رب العالمين أرحم لعباده من آبائهم وأمهاتهم .. تكلّم رب العالمين هنا عن جرائم خطيرة بشعة إذا استشرت في أي مجتمع تُنهيه، تُلقي الخوف والرعب وعدم الاستقرار ، الأولى قطع الطريق(إِنَّمَاجَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿33﴾ المائدة)
فرب العالمين شن الحرب عليهم فسموها آية الحرابة ، الثاني وراءها مباشرة السارق(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴿38﴾ المائدة)
ففي سورة المائدة موجودة الآية التي قدّم فيها الله العذاب على المغفرة، فالله عز و جل جعل الرجاء أولى وأقرب إلى العبدالتائب إلا في هاتين الجريمتين العذاب أرجى وأكثر احتمالاً. فلا يوجد شيء أكبر من ترويع المسلم (من روّع مسلماً روعه الله يوم القيامة)
وفي نفس السورة:
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿117﴾ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْلَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿118﴾المائدة)
قال العزيز الحكيم وليس الغفور الرحيم على عادة القرآن. وبالتالي كان نسق القرآن أن يقول غفور رحيم لكن هنا ذكر العزيز ، لماذا؟
لأن هذا موضوع الشرك .. والله قال لا تشركوا ، وهم قالوا الله ثلاثة إنتهى الأمر فليس هناك رحمة.
والشفاعة : ليس سيدنا عيسى الذي يشفع بل شفاعة سيدنا محمد. إذاً سيدنا عيسى عليه السلام قدّم العذاب لأنها قضية شِرك بالله ، فالله يغفر للمسيئين ولكن الله لا يغفر أن يشرك به فقدّم العذاب.
إذاً هناك حالتان وحيدتان وكلاهما في سورة المائدة تقديم العذاب على المغفرة وما عدا هذا في كل القرآن تحت أي ظروف الله سبحانه وتعالى يقدّم المغفرة ولهذا (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) كما قال عليه الصلاةوالسلام.
المفضلات