تابع رد القبطان :
اقتباس:
اقتباس:
فيصبح أمام الفكر الألحادي سؤالا عصيا :
كيف أوجد الكون ذاته من عدم ؟
وهنا أريد من قارئي أن يتنبه جديا لهذا السؤال ليحس بمقدار اختلال الموقف الألحادي :
أعتقد أن هذه الصعوبة التي تراها، ولا أراها.
إنما تعود إلى خطأ في فهم الانفجار العظيم، فهو لا يفترض أن ما سبق ذلك الانفجار كان "عدما" بالمعنى الفلسفي الذي لا يمكن تعريفه إلا بكونه لا يسمح بنشأة ذلك الانفجار نفسه..
اقتباس:
اقتباس:
هنا يجد الموقف اللاحادي المعاصر بعد اهتزاز النظرية الفزيائية القائلة بأزلية المادة أمام مأزق جديد ،حيث يصطدم فلسفيا بمقولة العدم . فتخيلوا عدما مطلقا ثم وجد من هذا العدم وجود هائل هو هذا الكون.
هل يعقل هذا ؟؟؟ كيف ينبثق الكون من العدم ؟؟؟؟ كيف يوجد وجود من لاوجود؟؟؟
أليس اليونانيون في أقدم القدم كانوا حكماء عندما أعلنوا "لاشيء من لاشيء"؟؟؟؟
قد يقال إن مقولة اليونانيين هذه كانت مرتكزا للقول بقدم الهيولى.
الانفجار العظيم لا يقول بوجود العدم بالمعنى الفلسفي، قبل الكون الحالي، بل لا يقول بأي شيء على الإطلاق (ضمن المتفق عليه علميا).
وبعض النظريات حاولت أن تتحدث عما قبل ذلك.
ولكنها جميعا لا تتحدث عن العدم بمعناه الفلسفي، أي انتفاء أي شيء، بما فيه انتفاء أي امكانية أو احتمال، وإنما يفترضون العدم بأنه انعدام الزمان والمكان والمادة، ولكنه بالتأكيد وجود لشيء ما يسمح للكون بالظهور.
وهذا ما يتم البحث العلمي عنه، سواء كان "الرغوة الكوانتية" التي تسمح بنشأة الأكوان (حسب نظرية هوكنج لنشأة الكون الكوانتية).
أو أغشية في أبعاد عليا تتقاطع لينشأ عنها الانفجار العظيم (كما في ما يسمى بالبرانات في الـ M-Theory).
دليل الانتظام
اقتباس:
اقتباس:
على فرض صحة مفهوم قدم الهيولى ،بل دعنا نساعد الموقف اللحادي فنقول له لنفترض أن الكون قديم ،أي انفجر ثم تكرر الأنفجار على نحو لانهائي :
إن المأزق الثاني الذي سيسقط فيه الموقف اللألحادي هو :كيف انتظم الكون مع أنه مادة غير عاقلة بذاتها؟
الانتظام نفسه لا يحتاج إلى العقل..
بل يمكن أن ينشأ عن الصدفة، في حال وجود عدد كافي من المحاولات.
أو يمكن أن يكون "ضرورة"، دون أي بديل.
ويمكن أن يكون مزيجا من الاثنين (الفكرة الداروينية).
اقتباس:
اقتباس:
ثم كيف وجدت الحياة من مادة سديمية غير حية؟
لا نعرف تماما، ولكن جميع العمليات في الخلايا الحية هي عمليات كيميائية عادية، أي نقض الفيتالية (vitalism)، التي كانت تفترض وجود "طاقة حياتية".
لا توجد مادة إضافة تفرق الحياة عن الجماد.
إنما هي تفاعلات كيميائية، متوازنة ضمن حدود، وشيئا فشيئا نرى مثل صفاتها ضمن المادة غير الحية في ما يسمى بالتنظيم الذاتي (self organization, hyper cycles) والصفات الطارئة كما درسها برغوجين وغيره.
اقتباس:
اقتباس:
ثم كيف من مادة غير عاقلة سينبثق العقل والفكر (الأنسان)؟؟؟؟
هنا نرى التدرج أيضا في الملكات الفكرية لدى الكائنات الحية المختلفة.
والأبحاث تجري على الدماغ للبحث في الخطوات التي أدت إلى حصول الفرق بين التفكير الإنساني عنه في الكائنات الأخرى. سواء في الدراسات على الأمراض والإعاقات الفكرية المختلفة، أو نمو الأطفال الفكري.
ولكن حصول هذا الفرق لا يستدعي إدخال "عقل" غير مبرر في المعادلة.
اقتباس:
اقتباس:
أسئلة ليس للموقف الألحادي أي جواب .
لست أدري إن كان الجواب "بطريقة لا نعرفها بعد"، يفيدك.
هو جواب صادق من جهة، ويفتح مجالا للبحث العلمي وزيادة المعرفة.
وهو يختلف بعض الشيء عن جواب "لأن الله قام بذلك بطريقة لا نعرفها".
فهذا يضيف الله إلى الجواب دون أن يزيد معرفتنا..
بل يفترض ضمنا أننا لن نعرف هذه الطريقة السحرية..
اقتباس:
اقتباس:
دلالة التحولات الأبستملوجية المعاصرة:فزياء الكوانطا ونقد مفهوم الحتمية
ولكي يتخطى الزميل القبطان إشكالية السببية ، ومأزق رفض العلة الأولى ينتقل إلى الأستعانة بالتطور العلمي والتحولات الأبستمولوجية التي مست مفاهيم العلم حيث يقول :
السببية ليست إشكالية، فدليل الحدوث لا يؤدي إلى وجود الله حتى لو صحت السببية.
ولكن إذا كان هدفنا هو المعرفة، بأفضل الوسائل المتاحة في عصرنا، فعلينا بتتبع التطورات العلمية.
وأهمها بالفعل النظرية الكوانتية.
اقتباس:
اقتباس:
أولا إن الزميل القبطان في كلامه هذا يخلط بين السببية والحتمية ، وسأوضح الأمر بشيء من التفصيل مع استحضار مواقف العلماء واتجاهاتهم
الاعتراض ليس في محله.
والحتمية التي تعتبر أني أخلط بينها وبين السببية، إنما هي "المقدرة على التنبؤ" وليست حتى الحتمية الفيزيائية.
اقتباس:
اقتباس:
أولا بالنسبة لنظرية الحتمية فإن البعض يطرحها وكأنها مسألة منفية من العلم الفزيائي المعاصر ، وكأن كل من قال بالحتمية فهو ينتمي إلى الفزياء الكلاسيكية ، الفزياء الجاليلية / النيوتونية ، وهذا ليس تصورا صحيحا ، ويكفيني هنا للتنبيه فيما يخص الخلاف حول الحتمية في الفزياء المعاصرة أن أستحضر خلاف أينشتين وهوكنج.
لا شك أنك تقصد الخلاف "أينشتاين-بور"، بينما هوكنج لم يعاصر أينشتاين.
يسرني أنك تابعت هذا الخلاف، ولكن نتيجته توجت بالنصر الهائل للنظرية الكوانتية، فهي أفضل نظرية علمية تم تقديمها في التاريخ، ونجاحها الساحق منذ أكثر من ثمانين عاما، والتجارب المستحدثة كلها تؤكد على صحتها.
اقتباس:
اقتباس:
بل وللرفض الذي جوبهت به مفاهيمها من قبل علماء الفزياء أنفسهم. فأينشتين كلما سئل عن فزياء الكم إلا وأجاب " إن الله لا يلعب النرد" رافضا فكرة العشوائية رفضا شديدا. مؤكدا أننا نحن الذين " أسأنا فهم الطبيعة" .
وأجابه هايزنبرغ "توقف عن فرض نظرتك على الله" (stop telling God what to do).
كل ذلك كان في عشرينات القرن الماضي، وكما أسلفت فأينشتاين قد خسر هذا الرهان بكل المقاييس.
اقتباس:
اقتباس:
والقائلون بالحتمية يقولون إن الكينونة الطبيعية حتى داخل الذرة فيها حتمية ناظمة ،غير أننا لم نصل بعد إلى الإمساك بها نتيجة ضعف أدوات القياس العلمي.ومن بين هؤلاء نجد لوي دوبروي الذي قال مع هيزنبرغ باللاحتمية سنة 1925 سيتراجع عن قوله هذا في أخريات حياته ويقول بوجود الحتمية .
لا شك أن المفاهيم الجديدة كانت صعبة الهضم جدا على الجيل القديم من العلماء.
ولا تزال هناك أقلية اليوم تحاول العودة إلى المفاهيم القديمة، باعتبار أن ذلك يتعارض مع "حدسها".
بينما معظم العلماء يرفضون استخدام الحدس اليومي للحكم على هذه الظواهر لعدم صلاحيته.
ولكن لئلا ننسى طبيعة الخلاف هنا، فنحن نتحدث عن السببية.
وفي كل الأحوال لا أعتقد أن هناك مناص من الاعتراف بأن مبدأ السببية قد تم ضعضعته بشكل كبير.
بحيث أنه لم يعد يصلح لمثل تلك الاستنتاجات الميتافيزيقية.
أي أنه من الممكن استخدامه بحذر، كرأي شخصي، مدعوم بأقلية من العلماء، ولكن دون الزعم بأنه يقدم نتائج قاطعة.
اقتباس:
اقتباس:
عندما تنتقد الحتمية في الفزياء المعاصرة فينبغي هنا أن نفهم محدودية مجال هذا النقد ودلالته.
بالنسبة لمحدودية مجال هذا النقد فأقصد به العالم الميكروسكوبي ، والعالم الأكبر ، ومن ثم فإن فزياء الكم لا تعطينا فهما لكل مجالات الكون ، وهنا أحيل على تجربة EPR ( تجربة أينشتين وبولداسكي و رووزن ) التي جعلت إينشتين يقول بحق إن فزياء الكم لا تقدم فهما عاما وكاملا عن الوجود .
أقترح أن تراجع ترجيحات بل (Bell Inequations)، والتجارب التي أظهرت صحة النظرية الكوانتية (Aspect 1982) وخطأ حدس أينشتاين بالنسبة للسببية في مفارقة EPR.
ولا شك أن كتاب "وهم المادة" لديفيز وغريبين مناسب في هذا المجال.
اقتباس:
اقتباس:
هل عشوائية قياسنا واحتماليته في تحديد موقع الإلكترون يعني انتفاء السببية من البناء الذري ؟ هل يعني عدم معرفتنا بدقة كاملة لقوانين انتظام الحركة الثاوية في الذرة أنها ليست لها قوانين ؟
بالتأكيد لا ،فالذرة كينونة منظمة ، ونظرتنا إليها هي التي تفتقر إلى الانتظام ولو كانت غير منظمة ما انتظم ما يتكون منها وهو كل هذه البناء الفيزيائي.
إن النظرية العشوائية لا تعني انتفاء السببية من الكون .
هناك انتظام وهناك عشوائية، وهناك عشوائية منتظمة عبر طريقة توزعها الاحصائي.
والانتظام يعني مقدرتنا على وصف ما يجري، وفي الظواهر الكوانتية هناك انتظام احتمالي لاسببي.
والسببية تعني ربطنا حوادث بأخرى تحصل قبلها زمنيا، وهذه يمكن نفيها في العديد من الظواهر الكوانتية.
وعدم مقدرتنا على قياس سرعة الألكترون ومكانه، لا تعود إلى نقص الدقة في أجهزة القياس، بل إلى خاصية جوهرية من خصائص الكون.
هذا ما قاله هايزنبرغ، وهذا ما أثبتته كل التجارب التالية.
اقتباس:
اقتباس:
إن العشوائية هي حسب بعض الاجتهادات المطروحة في حقل إبستمولوجيا علم الفزياء هي نتاج لعدم معرفة مزدوجة :
فهي نتاج عدم الأحاطة بالمجال المدروس بكافة متغيراته ،و من أهم أسبابها ضعف أدوات القياس والملاحظة.
والسبب الثاني هو عدم القدرة على الأمساك بالمنطق الذي تشتغل به الطبيعة الكونية في هذا المجال. فالفزياء اليوم لا تزال تتلمس الطريق إلى منهج في التفكير والمقاربة ينسجم مع المجال الكمومي .
ونفس الازدواجية تطرح على المجال الأكبر أيضا .
بل الموضوع أعقد من ذلك، ولا يتعلق بدقة أدوات القياس، بل إن "عدم التعيين" هو مبدأ أساسي من مبادئ الطبيعة.
اقتباس:
اقتباس:
وهذا ما يدفع الفزياء المعاصرة إلى التخلي عن مفهوم الحتمية في المجال الكمومي ، والاستعاضة عنه بمنظورات منهجية بديلة تقوم على حساب الاحتمال وعلاقات الارتياب.
لكن هنا نطرح السؤال حتى يتضح لنا بجلاء الخلط الذي وقع فيه الزميل القبطان :
هل يعني غياب الحتمية انهيار مفهوم السببية ؟؟
لا أبدا.
لنأخذ التجربة المناخية نموذجا :
القفز إلى الحديث عن الطقس مغالطة كبيرة، ولا علاقة لها بما سبق..
اقتباس:
اقتباس:
من المعروف أن التنبؤ بحالة الطقس يعتمد على استحضار أسباب وتوقع حركة التيارات المناخية.
لكن لا زال علم المناخ إلى الآن لا يستطيع أن يضع تنبؤا حتمي الوقوع ،لذا فلا حتمية في علم المناخ. ولا نستطيع أن نقول بأن التنبؤ العلمي هو حتمي وذلك لكثرة المجاهيل . لكن حتى لو أحصيناها فإننا سنضطر وقتها أيضا لاصطناع لغة الاحتمال :
هنا يخلط زميلي بين الفوضى الحتمية، كما تظهر في المناخ (deterministic chaos)، حيث أن القوانين التي تحكم المناخ هي جميعها حتمية (أي سببية)، ولكنها غير خطية (non-linear)، بحيث أن تغير بسيط في الشروط البدئية يؤدي إلى تغير كبير في النتيجة النهائية.
وبين الفوضى الكوانتية (quantum chaos) التي لا تعتمد على قوانين حتمية فيزيائية، بل على قوانين احتمالية.
وبالتالي فالفوضى الناتجة غير حتمية.
لاحظ ما يلي، في مفارقة EPR:
إن كانت السببية صحيحة، فهناك متغيرات خفية لا نستطيع قياسها اليوم، وهي تعني أن نظرية الكم غير مكتملة.
ولكن التجربة أثبتت خطأ EPR، والموضوع محسوم من هذه الناحية.
ولا توجد متغيرات خفية تكون هي السبب في سلوك معين.
بذلك فنقض السببية ضمن النظرية الكوانتية هو حقيقي، وليس مجرد جهل بها.
والنظرية الكوانتية هي الأكثر نجاحا في تاريخ الفيزياء المعاصرة، وهي تقوم بذلك دون مفهوم السببية ذلك.
بينما تم تعديل مفهوم الحتمية ليصبح عبارة عن حتمية احتمالية.
أي أن هناك انتظام، ولكنه لا ينطبق إلا بشكل إحصائي، ويمكن نفي السببية المباشرة للتجربة!
يتبع...
المفضلات