بسم و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
استدلال بعض الإخوة بفتوى القرضاوي لتبرير جواز تهنئة النصارى استدلال لا يستقيم و ذلك لما يلي :
أولاً : فتوى القرضاوي عبارة عن الاستدلال بآية عامة يقوم بزج مفهوم مغالط فيها من قبله قائم على التلبيس و التعمية و التمييع لعقيدة الولاء و البراء و من ذلك قوله كما هو موجود في موقعه (( ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]. ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمون بأعيادهم، والله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء:86).
يجب أن نراعي هنا مقاصد الشارع الحكيم، وننظر إلى النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، ونربط النصوص بعضها ببعض، وها هو القرآن يقول:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]. فهذا هو الأصل، وهو الدستور. ))
وفقاً لكلام القرضاوي هذا فهو يعترف بأن الحكم كان حرام شرعاً و لكن مراعاةً لتغير الأوضاع العالمية أصبح مباحاً جائزاً وبناءً عليه و بحسب هذا الطرح ، فمستقبلاً و بما أن الأحكام الشرعية قد تتبدل ترجع تهنئة الكفار محرمة لأنها تندرج كذلك تحت المقاصد الكلية . فبالله عليكم أين الضابط في هذا الكلام ؟؟؟
ثانياً : عن أي مصلحة كلية يتكلم القرضاوي ؟؟؟؟ و من قال من أهل العلم أن تهنئة الكفار من البر الجائز وفقاً للآية التي استدل بها وأنها تندرج تحت المصالح الكلية ؟؟؟؟ و من الذي يقدر هذه المصالح الكلية و كيف تقدر ؟؟؟؟ هل المصالح الكلية في اظهار عظمة الإسلام لا تظهر إلا بإظهار مودة أهل الكفر بالتهنئة ؟؟؟؟
البر الجائز وفقاً للآية هو ما جاء موافقاً للشرع كعيادة المريض أو اعانة المحتاج لا مخالفاً للشرع كتهنئة الكفار بأعيادهم الباطلة .
ثالثاً :البر و القسط مع الكفار شئ و مودتهم شئ أخر فلا يجوز تبرير الحرام المتفق عليه كما قال ابن القيم بادراجه تحت آية عامة لا تدل لا من قريب و لا من بعيد على ما اعتمد عليه القرضاوي في فتواه المضللة كما هي عادته في الاستدلال السقيم و لك خير شاهد على ذلك فتواه التي أجاز فيها للجندي الأمريكي المسلم المشاركة في الحرب على إخوانه المسلمين في أفغانستان بتقديم مصلحة المحافظة على اظهار الولاء للوطن و تقديمه على الولاء للعقيدة . فإن أردت المزيد فلك في ترحمه على بابا الفاتيكان خير دليل على فتاواه المضللة القائمة على تمييع عقيدة الولاء و البراء . و الله المستعان .
ثالثاً : لم يثبت أي أثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو عن صحابته الكرام بأن هذا الفعل جائز فلا أدري هل نتبع القرضاوي على فتاويه المضللة أم نتبع رسول الله و سلفنا الصالح ؟؟؟؟ فإن كان فيه الخير الجامع للمصالح الكلية كما يزعم القرضاوي فلم لم يرشدنا إليه نبينا الأكرم صلى الله عليه و سلم ؟؟؟؟؟ بل على العكس فقد ثبت خلافه عن صحابة رسول الله و ذلك كما جاء في مصنف ابن أبي الشيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (( لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ))
و كذلك ما جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى حيث قال
(( قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب، حدثنا محمد -يعني ابن سعيد بن سابق-حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن سِمَاك بن حَرْب، عن عِياض: أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان له كاتب نصراني، فرفع إليه ذلك، فعجب عمر [رضي الله عنه] وقال: إن هذا لحفيظ، هل أنت قارئ لنا كتابًا في المسجد جاء من الشام؟ فقال: إنه لا يستطيع [أن يدخل المسجد] فقال عمر: أجُنُبٌ هو؟ قال: لا بل نصراني. قال: فانتهرني وضرب فخذي، ثم قال: أخرجوه، ثم قرأ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] }
ثم قال الحسن بن محمد بن الصباح: حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا ابن عَوْن، عن محمد بن سِيرِين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهوديًا أو نصرانيًا، وهو لا يشعر. قال: فظنناه يريد هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] } الآية . ))
فإن كان استخدام كاتب نصراني أغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه و جعله ينتهر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فما بالك بتهنئة الكفار في أعيادهم الباطلة ؟؟؟؟
نصيحة عامة إلى جميع الإخوة :
اظهار محاسن الإسلام العظيم لا تكون بالتنازل عن أبجديات عقيدة الواء و البراء و إنما تكون بالتزام شرائع الإسلام قولاً و فعلاً ، يا إخوان عليكم ببغض الكفر و أهله وحب الإيمان و أهله فهذه أوثق عرى الإيمان لدينا فلا نقدم عليها وطنية جوفاء و لا قومية عمياء فلا فخر لنا إلا بإسلامنا العزيز . و الله الموفق .
رد مع اقتباس
ضوابط المشاركة
المفضلات