- وقال حدثنا عبد الرزاق اخبرنا جعفر عن حميد عن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه القران ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم ^ إلى قوله ^ غفور رحيم ^ قال فحملها اليه رجل من قومه فقراها عليه فقال الحارث والله انك ما علمت لصادق وان رسول الله لأصدق منك وان الله لأصدق الثلاثة قال فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه
- وكذلك ذكر غير واحد من اهل العلم انها نزلت في الحارث بن سويد وجماعة معه ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة كهيئة البدأ ولحقوا بمكة كفارا فأنزل الله فيهم هذه الاية فندم الحارث وارسل إلى قومه ان سلوا رسول الله هل لي توبة ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم ^ فحملها اليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث انك والله ما علمت لصدوق وان رسول الله لاصدق منك وان الله عز وجل لاصدق الثلاثة فرجع الحارث إلى المدينة واسلم وحسن إسلامه # فهذا رجل قد ارتد ولم يقتله النبي بعد عوده إلى الإسلام ولان الله سبحانه قال في اخباره عن المنافقين ^ أبا لله واياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن
طائفة منكم نعذب طائفة ^ فدل على ان الكافر بعد ايمانه قد يعفى عنه وقد يعذب وانما يعفى عنه اذا تاب فعلم ان توبته مقبولة # وذكر اهل التفسير انهم كانوا جماعة وان الذي تاب منهم رجل واحد يقال له مخشي بن حمير وقال بعضهم كان قد انكر عليهم بعض ما سمع ولم يمالئهم عليه وجعل يسير مجانبا لهم فلما نزلت هذه الايات بريء من نفاقه وقال اللهم اني لا ازال اسمع اية تقر عيني بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك وذكروا القصة
- وفي الاستدلال بهذا نظر ولان الله تعالى قال ^ ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ إلى قوله ^ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ومانقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير ^ # وذلك دليل على قبول توبة من كفر بعد إسلامه وانهم لا يعذبون في الدنيا ولا في الاخرة عذابا اليما بمفهوم الشرط ومن جهة التعليل ولسياق الكلام والقتل عذاب اليم فعلم ان من تاب منهم لم يعذب بالقتل لان الله سبحانه قال ^ من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة وان الله لايهدي القوم الكافرين اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون لاجرم انهم في الاخرة هم الخاسرون ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم ^ فتبين ان الذين هاجروا إلى دار الإسلام بعد ان فتنوا
عن دينهم بالكفر بعد الإسلام وجاهدوا وصبروا فان الله يغفر لهم ويرحمهم ومن غفر له ذنبه مطلقا لم يعاقبه عليه في الدنيا ولا في الاخرة # وقال سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار عن عكرمه خرج ناس من المسلمين يعني مهاجرين فأدركهم المشركون ففتنوهم فاعطوهم الفتنة فنزلت فيهم ^ ومن الناس من يقول امنا بالله فإذا اوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ^ الاية ونزل فيهم ^ من كفر بالله من بعد ايمانه ^ الاية ثم انهم خرجوا مرة اخرى فانقلبوا حتى اتوا المدينة فانزل الله فيهم ^ ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ^ إلى اخر الاية ولأنه سبحانه قال ^ ومن يرتدد
منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة ^ فعلم ان من لم يمت وهو كافر من المرتدين لا يكون خالدا في النار وذلك دليل على قبول التوبة وصحة الإسلام فلا يكون تاركا لدينه فلا يقتل ولعموم قوله تعالى ^ فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ^ إلى قوله ^ فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ^ فان هذا الخطاب عام في قتال كل مشرك وتخلية سبيله اذا تاب من شركه واقام الصلاة واتى الزكاة سواء كان مشركا اصليا او مشركا مرتدا # وايضا فان عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد ارتد على عهد النبي ولحق بمكة وافترى على الله ورسوله ثم انه بعد ذلك بايعه النبي وحقن دمه وكذلك الحارث بن سويد أخو الجلاس بن سويد وكذلك جماعة من اهل مكة اسلموا ثم ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام فحقنت دماؤهم وقصص هؤلاء وغيرهم مشهورة عند اهل العلم بالحديث والسيرة
- وايضا فالاجماع من الصحابة رضي الله عنهم ظاهر على ذلك فان النبي لما توفى ارتد أكثر العرب الا اهل مكة والمدينة والطائف واتبع قوم منهم من تنبا فيهم مثل مسيلمة والعنسي وطليحة الاسدي فقاتلهم الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم حتى رجع اكثرهم إلى الإسلام فأقروهم على ذلك ولم يقتلوا واحدا ممن رجع إلى الإسلام ومن رؤوس من كان قد ارتد ورجع طليحة الاسدي المتنبي والاشعث بن قيس وخلق كثير لا يحصون والعلم بذلك ظاهر
لاخفاء به على أحد وهذه الرواية عن الحسن فيها نظر فان مثل هذا لا يخفى عليه ولعله اراد نوعا من الردة كظهور الزندقة ونحوها او قال ذلك في المرتد الذي ولد مسلما ونحو ذلك مما قد شاع فيه الخلاف # وأما قوله من بدل دينه فاقتلوه فنقول بموجبه فانما يكون مبدلا اذا دام على ذلك واستمر عليه فاما اذا رجع إلى الدين الحق فليس بمبدل وكذلك اذا رجع إلى المسلمين فليس بتارك لدينه مفارق للجماعة بل هو متمسك لدينه ملازم للجماعة وهذا بخلاف القتل والزنى فانه فعل صدر عنه لايمكن دوامه عليه بحيث اذا تركه يقال انه ليس بزان ولا سارق ولا قاتل فمتى وجد منه ترتب حده عليه وان عزم على ان لا يعود اليه لان العزم على ترك العود لايقطع مفسدة ما مضى من الفعل # على ان قوله التارك لدينه المفارق للجماعة قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق كذلك رواه أبو داود في سننه مفسرا عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله لايحل دم امريء مسلم يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصان فانه يرجم ورجل خرج محاربا لله ورسوله فانه يقتل او يصلب او ينفى من الارض أو يقتل نفسا
فيقتل بها فهذا المستثنى هنا هو المذكور في قوله التارك لدينه المفارق للجماعة ولهذا وصفه بفراق الجماعة وانما يكون هذا بالمحاربة # يؤيد ذلك ان الحديثين تضمنا انه لايحل دم من يشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله والمرتد لم يدخل في هذا العموم فلا حاجة إلى استثنائه وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين ويفرق بين ترك الدين وتبديله او يكون المراد به من ارتد وحارب كالعرنيين ومقيس بن صبابة ممن ارتد وقتل واخذ المال فان هذا يقتل بكل حال وان تاب بعد القدرة عليه ولهذا والله اعلم استثني هؤلاء الثلاثة الذين يقتلون بكل حال وان اظهروا التوبة بعد القدرة ولو كان اريد المرتد المجرد لما احتيج إلى قوله المفارق للجماعة فان مجرد الخروج عن الدين يوجب القتل وان لم يفارق جماعة الناس فهذا وجه يحتمله الحديث وهو والله اعلم مقصود هذا الحديث
- واما قوله لا يقبل الله توبة عبد اشرك بعد إسلامه فقد رواه ابن ماجة من هذا الوجه ولفظه لايقبل الله من مشرك اشرك بعد إسلامه عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين وهذا دليل على قبول إسلامه اذا رجع إلى المسلمين وبيان ان معنى الحديث ان توبته لاتقبل ما دام مقيما بين ظهراني المشركين مكثرا لسوادهم كحال اللذين قتلوا ببدر ومعناه ان من اظهر الإسلام ثم فتن عن دينه حتى ارتد فانه لاتقبل توبته وعمله حتى يهاجر إلى المسلمين وفي مثل هؤلاء نزل قوله تعالى ^ ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم ^ الاية
وايضا فان ترك الدين وتبديله وفراق الجماعة يدوم ويستمر لانه تابع للاعتقاد والاعتقاد دائم فمتى قطعه وتركه عاد كما كان ولم يبق لما مضى حكم اصلا ولا فيه فساد ولا يجوز ان يطلق عليه القول بانه مبدل للدين ولا انه تاركك لدينه كما يطلق على الزاني والقاتل بان هذا زان وقاتل فان الكافر بعد إسلامه لايجوز ان يسمى كافرا عند الاطلاق ولان تبديل الدين وتركه في كونه موجبا للقتل بمنزلة الكفرالاصلي والحراب في كونهما كذلك فاذا كان زوال الكفر بالإسلام او زوال المحاربة بالعهد يقطع حكم الكفر فكذلك اذا زال تبديل الدين وتركه بالعود إلى الدين واخذه انقطع حكم ذلك التبديل والترك
فصل # اذا تقرر ذلك فان الذي عليه جماهير اهل العلم ان المرتد يستتاب ومذهب مالك واحمد انه يستتاب ويؤجل بعد الاستتابه ثلاثة ايام وهل ذلك واجب او مستحب على روايتين عنهما اشهرهما عنهما ان الاستتابة واجبة وهو قول اسحاق بن راهوية # وكذلك مذهب الشافعي هل الاستتابه واجبة او مستحبة على قولين لكن عنده في أحد القولين يستتاب فان تاب في الحال والا قتل وهو قول ابن المنذر والمزني وفي القول الاخر يستتاب ثلاثا كمذهب مالك
واحمد وقال الزهري وابن القاسم في رواية يستتاب ثلاث مرات # ومذهب أبي حنيفة انه يستتاب ايضا فان لم يتب والا قتل والمشهور عندهم ان الاستتابة مستحبة وذكر الطحاوي عنهم لايقتل المرتد حتى يستتاب وعندهم يعرض عليه الإسلام فان اسلم والاقتل مكانه الا ان يطلب ان يؤجل فانه يؤجل ثلاثة ايام
- وقال الثوري يؤجل ما رجيت توبته وكذلك معنى قول النخعي # وذهب عبيد بن عمير وطاوس إلى انه يقتل ولا يستتاب لانه
امر بقتل المبدل دينه والتارك لدينه المفارق للجماعة ولم يأمر باستتابتة كما امر الله سبحانه بقتال المشركين من غير استتابة مع انهم لو تابوا لكففنا عنهم # يؤيد ذلك ان المرتد اغلظ كفرا من الكافر الاصلي فاذا جاز قتل الاسير الحربي من غير استتابة فقتل المرتد الاولى # وسر ذلك انا لانجيز قتل كافر حتى نستتيبه بان يكون قد بلغته دعوة محمد إلى الإسلام فان قتل من لم تبلغه الدعوة غير جائز والمرتد قد بلغته الدعوة فجاز قتله كالكافر الاصلي الذي بلغته وهذا هو عله من راى الاستتابة مستحبة فان الكفار يستحب ان ندعوهم إلى الإسلام عند كل حرب وان كانت الدعوة قد بلغتهم فكذلك المرتد ولايجب ذلك فيهما
- نعم لو فرض المرتد من يخفى عليه جواز الرجوع إلى الإسلام فان الاستتابة هنا لابد منها # ويدل على ذلك ايضا ان النبي اهدر يوم الفتح مكة دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ودم مقيس بن صبابه ودم عبد الله بن خطل وكانوا مرتدين ولم يستتبهم بل قتل ذانك الرجلان وتوقف عن مبايعة بن أبي سرح لعل بعض المسلمين يقتله فعلم ان قتل المرتد جائز ما لم يسلم وانه لا يستتاب # وايضا فان النبي عاقب العرنيين الذين كانوا في اللقاح ثم ارتدوا عن الإسلام بما اوجب موتهم ولم يستتبهم ولانه فعل شيئا من
الاسباب المبيحة للدم فقتل قبل استتابتة كالكافر الاصلي وكالزاني وكقاطع الطريق ونحوهم فان كل هؤلاء من قبلت توبته ومن لم تقبل يقتل قبل الاستتابة ولان المرتد لو امتنع بان يلحق بدار الحرب او بان يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام فانه يقتل قبل الاستتابة بلا تردد فكذلك اذا كان في ايدينا # وحجة من رأى الاستتابة اما واجبة او مستحبة قوله سبحانه وتعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ امر الله ورسوله ان يخبر جميع الذين كفروا انهم ان انتهوا غفر لهم ما سلف وهذا معنى الاستتابة والمرتد من الذين كفروا والامر للوجوب فعلم ان استتابة المرتد واجبة ولا يقال فقد بلغهم عموم الدعوة إلى الإسلام لان هذا الكفر اخص من ذلك الكفر فانه يوجب قتل كل من فعله ولا يجوز استبقاؤه وهو لم يستتب من هذا الكفر # وايضا فان النبي بعث بالتوبة إلى الحارث بن سويد ومن كان قد ارتد معه إلى مكة كما قدمناه بعد ان كانت قد نزلت فيهم اية التوبة فتكون استتابته مشروعة ثم ان هذا الفعل منه خرج امتثالا للأمر بالدعوة إلى الإسلام والابلاغ لدينه فيكون واجبا
- وعن جابر رضى الله عنه ان امراة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فامر النبي ان يعرض عليها الإسلام فان رجعت والا قتلت # وعن عائشة رضى الله عنها قالت ارتدت امراة يوم أحد فامر النبي ان تستتاب فان تابت والا قتلت رواهما الدارقطني # وهذا ان صح امر بالاستتابة والامر للوجوب والعمدة فيه
إجماع الصحابة عن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الاشعري فسأله عن الناس فاخبره ثم قال هل من مغربة خبر قال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه قال عمر فهلا حبستموه ثلاثا واطعتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع امر الله اللهم اني لم احضر ولم امر ولم ارض اذ بلغني رواه
مالك والشافعي واحمد قال اذهب إلى حديث عمر وهذا يدل على ان الاستتابة واجبة والا لم يقل عمر لم ارض اذ بلغني # وعن انس بن مالك قال لما افتتحنا تستر بعثني الاشعري إلى عمر بن الخطاب فلما قدمت عليه قال ما فعل البكريون جحينة واصحابه قال فاخذت به في حديث اخر قال فقال ما فعل النفر البكريون قال فلما رايته لا يقطع قلت يا امير المؤمنين ما فعلوا انهم قتلوا ولحقوا بالمشركين ارتدوا عن الإسلام وقاتلوا مع المشركين حتى قتلوا قال فقال لان اكون اخذتهم سلما كان احب الي مما على وجه الارض من صفراء او بيضاء قال فقلت
وما كان سبيلهم لو اخذتهم سلما قال كنت اعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه فان ابوا استودعتهم السجن # وعن عبد الله بن عتبة قال اخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الإسلام من اهل العراق قال فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فكتب اليه ان اعرض عليهم دين الحق وشهادة ان لا اله الا الله فان قبلوا فخل عنهم وان لم يقبلوا فاقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم يقبلها
بعضهم فقتله رواهما الإمام احمد بسند صحيح # وعن العلاء أبي محمد ان عليا رضي الله عنه اخذ رجلا من بني بكر بن وائل قد تنصر فاستتابه شهرا فابى فقدمه ليضرب عنقه فنادى يالبكر فقال علي اما انك واجده إمامك في النار رواه الخلال وصاحبه أبو بكر # وعن أبي موسى رضى الله عنه انه اتى برجل قد ارتد عن
الإسلام فدعاه عشرين لليلة او قريبا منها فجاء معاذ فدعاه فابى فضرب عنقه رواه أبو داود # وروى من وجه اخر ان أبا موسى استتابه شهرا ذكره الإمام احمد # وعن رجل عن ابن عمر قال يستتاب المرتد ثلاثا رواه الإمام احمد # وعن أبي وائل عن ابن معين السعدي قال مررت في السحر
بمسجد بني حنيفة وهم يقولون ان مسيلمة رسول الله فاتيت عبد الله فاخبرته فبعث الشرط فجاءوا بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم وضرب عنق عبد الله بن النواحة فقالوا احدث قوم في امر فقتلت بعضهم وتركت بعضهم فقال اني سمعت رسول الله وقدم اليه هذا وابن اثال فقال اتشهدان اني رسول الله فقالا اتشهد انت ان سيلمة رسول الله فقال النبي امنت بالله ورسوله ولو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما قال فلذلك قتلته رواه عبد الله بن احمد بإسناد صحيح
- فهذه اقوال الصحابة في قضايا متعددة لم ينكرها منكر فصارت اجماعا # والفرق بين هذا وبين الكافر الاصلي من وجوه # احدها ان توبة هذا اقرب لان المطلوب منه اعادة الإسلام والمطلوب من ذاك ابتداؤه والاعادة أسهل من الابتداء فاذا اسقط عنا استتابة الكافر لصعوبتها لم يلزم سقوط استتابة المرتد # الثاني ان هذا يجب قتله عينا وان لم يكن من اهل القتال وذاك لايجوز ان يقتل الا ان يكون من اهل القتال ويجوز استبقاؤه بالامان والهدنة والذمة والارقاق والمن والفداء فاذا كان حده اغلظ فلم يقدم عليه الا بعد الاعذار اليه بالاستتابة بخلاف من يكون جزاؤه دون هذا # الثالث ان الاصلي قد بلغته الدعوة وهي استتابة عامة من كل كفر واما هذا فانما نستتيبه من التبديل وترك الدين الذي كان عليه ونحن لم نصرح له بالاستتابة من هذا ولا بالدعوة إلى الرجوع
- واما ابن أبي سرح وابن خطل ومقيس بن صبابه فانه كانت لهم جرائم زائدة على الردة وكذلك العرنيون فان أكثر هؤلاء قتلوا مع الردة واخذوا الاموال فصاروا قطاع طريق ومحاربين لله ورسوله وفيهم من كان يؤذي بلسانه اذى صار به من جنس المحاربين فلذلك لم يستتابوا على ان الممتنع لا يستتاب وانما يستتاب المقدور عليه ولعل بعض هؤلاء قد استتيب قبل ذلك
فصل # ذكرنا حكم المرتد استطرادا لان الكلام في الساب متعلق به تعلقا شديدا فمن قال ان ساب النبي من المسلمين يستتاب قال انه نوع من الكفر فان من سب الرسول او جحد نبوته او كذب بآية من كتاب الله او تهود او تنصر ونحو ذلك كل هؤلاء قد بدلوا دينهم وتركوه وفارقوا الجماعة فيستتابون وتقبل توبتهم كغيرهم # يؤيد ذلك ان كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى المهاجر في المراة السابة ان حد الانياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك منها مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر # وعن ابن عباس رضي الله عنهما ايما مسلم سب الله او سب احدا من الانبياء فقد كذب برسول الله وهي ردة يستتاب فان رجع والا قتل
- والاعمى الذي كانت له أم ولد تسب النبي كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فقتلها بعد ذلك فان كانت مسلمة فلم يقتلها حتى استتابها وان كانت ذمية وقد استتابها فاستتابة المسلم اولى # وايضا فاما ان يقتل الساب لكونه كفر بعد إسلامه او لخصوص السب والثاني لا يجوز لان النبي قال لا يحل دم امريء مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث كفر بعد إسلام او زني بعد احصان او قتل نفس فيقتل بها # وقد صح ذلك عنه من وجوه متعددة وهذا الرجل لم يزن ولم يقتل فان لم يكن قتله لاجل الكفر بعد الإسلام امتنع قتله فثبت انه انما يقتل لانه كفر بعد إسلامه وكل من كفر بعد إسلامه فان توبته تقبل
لقوله تعالى ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم ^ إلى قوله ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ الاية ولما تقدم من الادلة الدالة على قبول توبة المرتد # وايضا فعموم قوله تعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ وقوله الإسلام يجب ما قبله والإسلام يهدم ماكان قبله رواه مسلم يوجب ان من اسلم غفر له كل ما مضى # وايضا فان المنافقين الذين نزل فيهم قوله تعالى ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم ^ إلى قوله ^ لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ وقد قيل فيهم ^ ان نعف
عن طائفة منكم نعذب طائفة ^ مع ان هؤلاء قد اذوه بالسنتهم وايديهم ايضا ثم العفو مرجو لهم وانما يرجى العفو مع التوبة فعلم ان توبتهم مقبولة ومن عفى عنه لم يعذب في الدنيا ولا في الاخرة # وايضا فقوله سبحانه وتعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ إلى قوله ^ فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما ^ الاية فانها تدل على أن المنافق اذا كفر بعد إسلامه ثم تاب
لم يعذب عذابا اليما في الدنيا ولا في الاخرة والقتل عذاب اليم فعلم انه لا يقتل # وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه انها نزلت في رجال من المنافقين اطلع احدهم على النبي فقال علام تشتمني انت واصحابك فانطلق الرجل فجاء باصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فانزل الله هذه الاية # وعن الضحاك قال خرج المنافقون مع رسول الله إلى تبوك فكانوا اذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله واصحابه وطعنوا في الدين فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله فقال النبي يا اهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا لرسول الله ما قالوا شيئا من ذلك فانزل الله هذه الاية اكذابا لهم
المفضلات