بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وبعد ،
فقد كان هذا السؤال :
هل يحدث شيء في هذا الكون دون إرادة الله ومشيئته ؟
نعم أو لا
وكان هذا الجواب :
ولا أعلم جواباً أبلغ وأنفذ في نسبة النقص إلى الله من هذا !
ولا أعلم كيف لا يشاء الله حدوث شيء في كونه ونراه حادثاً برغم عدم مشيئته !
وأنا أعلم أنه ما أوقعك في هذا يا زميل إلا أنك لم تحط بجوابي الأول علماً .. وكان أولى بك أن تسألني وتستوضحني عن معناه فآتيك بمزيد بيان له .
ووالله ما تدل كلمة مثل كلمتك تلك :
" كل شر وضلال في العالم هو مخالف لمشيئة لله " سوى على أن الله يُعصى حين يُعصى قهراً ، وأن الشر الموجود في هذا العالم وُجد رغماً عنه وقهراً له - وحاشاه سبحانه وتعالى !!
فما من شيء في كون الله إلا بمشيئة الله ، فالخير والشر وكل حادث وكائن في هذا الكون مندرج تحت مشيئة الله عز وجل فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
على أن هناك فرقاً بين أن أقول لك : أراد الله إضلال بعض البشر ، وقولي : أحب الله إضلال بعض البشر ، ومكمن إدراك الفرق هو معرفة أن الإرادة تنقسم إلى إرادة كونية وإرادة شرعية .
فالإرادة الكونية القدرية لا بد أن يحصل فيها المراد سواء كان محبوباً لله أو غير محبوب وهي هي المشيئة .
أما الإرادة الشرعية الدينية فلا يحصل فيها إلا المحبوب لله عز وجل .
ولهذا قلت لك : أراد الله إضلال بعض البشر كوناً لا شرعاً .
فليس معنى أن الله أراد ذلك كوناً أنه يحبه - حاشاه - فالله
﴿ لا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ لا شرعاً ولا ديناً .. لكن يشاءه كوناً فيخلقه في العبد دون إجباره عليه ، والعبد يفعله باختياره ، وهكذا فالعبد وصفاته من مخلوقات الله ، لكن الفعل يأتي من العبد ، وباختياره ، ومشيئته التي شاء الله أن يضعها فيه ليحاسبه بعد ذلك على ما اختار .. ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ﴾ .
وقس على ذلك كل المغالطات التي وقعت فيها زميلي ، وحاولت أن توقعني فيها عنوة !
نعم ان من تعبد حضرتك..يسيّر البشر على الشر
وأود منك أن تشير لي على الموضع الذي قلتُ أنا فيه بهذا !
فها هنا مغالطتان منك للأسف :
الأولى : أني قيدت الضلال بـ (
بعض البشر ) وأطلقته أنت على البشر جميعاً !
الثانية : أني قيدته بـ (
كوناً ) وأطلقته أنت !
وكما قلت ، ليس معنى أن الله شاءه كوناً أنه أحبه أو رضيه من العبد شرعاً وديناً ، ولا أنه شاءه أنه أجبره على فعله ، لأن الله أعطاه عقلاً وبين له الهدى كما حذره من الضلال فقال :
﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ وهما الخير والشر ، وقال :
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ ، وأرسل رسله ليقيموا له الحجة على البشر مع أن الحجة قائمة، والعذر منقطع، والحق واضح جلي، بدليل الفطرة ودليل العقل لكن
﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ .
التسيير خلاف التخيير..اي ان ليس للكافر هذا أي امل بالخلاص والايمان..لان الله اضله..ومن اضله الله ليس له من هاد
﴿ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ !
هذا جواب القرآن على من هم قبلك بأربعة عشر قرناً ويزيدون !
وما أدراك أن الله راضٍ عن هذا أو يحبه ؟!
نقول ونعيد ونزيد : لا تلازم بين مشيئة الله ومحبته ورضاه ، وإلا فلم أرسل الله الرسل إذاً ؟! لم أرسلهم وهم يهدون إلى الخير والحق وينهون عن الشر وإلى ما يأمر الله به ويحبه ويرضاه وينهون عما لا يحبه ولا يرضاه !
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
فدل كل ذلك على أن للعبد مشيئة يحاسب عليها ، فهو من يأتي الفعل باختياره وهو فاعله حقيقة ولو شاء فعله ولو لم يشأ لم يفعله وكون مشيئته تابعة لمشيئة الله لا تعني تبعية إكراه أو إجبار لكن ما من شيء يحدث إلا بإذن الله ومشيئته النافذة .
فالله عندي لا يحب الشر ولا يشاءه...ولكنه يسمح به
تناقض عجيب !!!
كيف يا هداك الله يسمح الله بحدوث شيء لم يشأ حدوثه ؟!
وهل قال أحد إن الله يحب الشر - معاذ الله ؟!
ها هنا مغالطة ثالثة منك .
ويعطينا حرية اختيار الطريق الذي نريد..لانه يريدنا ان نختار عبادته وتباعه بمشيئتنا
قلت : نعم ، ولا شيء في هذا ، وهذه هي الإرادة الشرعية .
لكن قل لي : هل يلزم من هذا أن البشر كلهم اختاروا عبادته واتباعه ؟!
وانما الشر والمعصية انا من اخترت ان اتبعها
جميل ! لكن هل شاء الله هذا منك أم لم يشأه ؟!
إن قلت شاءه فلا مشكلة ، وإن قلت لم يشأه فكيف حدث هذا وكيف سمح الله به ؟! فهو عودٌ منك على التناقض ونسبة النقص إلى الله من جديد .
انا ارى ان القول بان الله يسيّر..هو تعدٍّ على عدله..وتجديف به..وارى ان القول بان الله يحب الشر ويُسيّر عليه (وفاقد الشيء لا يعطيه)..هو ضربٌ بقداسة الله
وأنا أرى أنك عدت إلى المغالطة من جديد .
وعدت تقوّلني ما لم أقل ، وتطلق ما قيدته ، وتدعي أني قلت إن مشيئة الله حدوثَ الشر تعني حبه له ، وما قلت ذلك .. بل إني ما فتئت أعيد وأكرر : مشيئة الله وحبه لا يتلازمان ، وقضاء الله كوناً بشيء لا يعني بحال أنه يحبه شرعاً .. وهذا مكمن الخلط لديك .
والسلام ،،
المفضلات