كل الأمور نسبيــة
«كل الأمور نسبية» ترجمة للعبارة الإنجليزية «أول ثنجز آر ريلاتيف all things are relative» وهي عبارة أساسية في الخطاب العلماني سواء في الشرق أو في الغرب، لا يدرك كثيرون تضميناتها المعرفية والأخلاقية. وهي تعني عدم وجود مطلقات ثابتة أو متجاوزة للعالم الطبيعي المادي (فهي الحياة الدنيا ليس إلا) ومن ثم لا يمكن الوصول إلى أي يقين معرفي، فالحقيقة نسبية. ومع غياب الحقيقة لا يمكن أن يكون هناك حق ولا يمكن التوصل إلى أية قيم أخلاقية فكل القيم الأخلاقية نسبية، وهذا يعني في واقع الأمر غياب المعيارية واختفاء أية إنسانية مشتركة ومن ثم سقوط مفهوم الإنسانية نفسه، إذ كيف يمكن أن يكون هناك مفهوم للإنسان دون أية معيارية معرفية أو أخلاقية؟ وكل هذا يعني نزع القداسة عن الأشياء كافة وتَساوي الإنسان بكل الكائنات وألا تكون له أية مكانة خاصة في الكون، أي أن يصبح الإنسان شيئاً ضمن الأشياء، تسري عليه القوانين الطبيعية/المادية، وتهيمن عليه الواحدية المادية.
فى التحليل الأخير، وفى نهاية الأمر والمطاف، إن هو إلا
«في التحليل الأخير، وفي نهاية الأمر والمطاف، إن هو إلا» ترجمة للعبارة الإنجليزية «إن ذي لاست أناليسيس، إت إز ناثنج بات in the last analysis, it is nothing but» وهي عبارة تَرد في الخطاب العلماني الاشتراكي أو الرأسمالي، وإن كانت أكثر شيوعاً في الخطاب الاشتراكي. وهي تعني أن الظواهر مهما بلغت (ومنها الظواهر الإنسانية) من تركيب وتشابك فيمكن أن تُرَدَّ (في التحليل الأخير وفي نهاية الأمر والمطاف) إلى ما هو دونها. وتستمر عملية الرد حتى نصل إلى المبدأ الواحد: الطبيعة/المادة الذي يحوي داخله مصدر التماسك والحركة للنسق، فيُرَدُّ البناء الفوقي بكل ما فيه من أفكار وطموحات إنسانية وحلم بالتجاوز إلى البناء التحتي المادي أو أيٍّ من المطلقات العلمانية المادية الطبيعية (الخصائص البيولوجية ـ الصفات الوراثية ـ البيئة الاجتماعية ـ شهوة التملك ـ إرادة القوة). قد يختلف مضامين البنية الفوقية وتتنوع ولكن البنية التحتية المادية الواحدية تظل هي الأصل، ومن ثم يمكن القول بأن الإنسان وكل منتجاته الحضارية «إن هو إلا مادة»، وهذه هي نفسها عملية التفكيك.
ورغم أن الخطاب الليبرالي أكثر صقلاً على مستوى القول، إلا أنه على مستوى البنية الفعلية يدور في نفس الإطار، فالمفهوم النفعي للأخلاق ونماذج التنمية التي تصدر عن رؤية اقتصادية محضة وتأكيد الملكية الشخصية وتصوُّر أن آليات السوق (اليد الخفية) هي التي تأتي بالتناسق للمجتمع من تلقاء نفسها هي جميعاً مفاهيم تدل على أن كل ما هو إنساني يُرَدُّ في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير إلى المادة، فكل ما هو إنساني إن هو إلا مادي.
المفضلات