أ ) اللحظة السنغافورية: نسبة إلى سنغافورة، وهي بلد صغير في آسيا يتسم بأنه بلا تاريخ ولا ذاكرة تاريخية ولا تقاليد حضارية أو منظومات قيمية راسخة، ولذا يمكن ببساطة تجاهلها كلها أو تهميشها حتى يتحول الإنسان إلى وحدة اقتصادية ذات بُعد مادي واحد قادرة على الإنتاج والاستهلاك والبيع والشراء، وتصبح البلد كلها مجموعة من المحلات والسوبر ماركتات والفنادق والمصانع، وينظر الناس إلى أنفسهم لا كبشر وإنما كوحدات إنتاجية استهلاكية. وقد أصبحت سنغافورة حلم كثير من أعضاء النخب الحاكمة في العالم الثالث التي تفهم التنمية في إطار اقتصادي محض. والرؤية السنغافورية هي الرؤية المهيمنة على المنظمات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي التي تعطي القروض في هذا الإطار الاقتصادي السنغافوري المحض. وقد اقترح أحد كبار الخبراء في البنك الدولي ذات مرة أن تتخلص الدول الغربية من نفاياتها النووية والعوادم الكيميائية وغيرها من العوادم بإلقائها في البلاد الأفريقية نظير إعطائها بعض المعونات الاقتصادية، وهذه رؤية سنغافورية كاملة ترى البلاد لا باعتبارها فنادق وأسواقاً ومصانع وإنما باعتبارها مقلب نفايات.
والسنغافورية لحظة أمسكت بتلابيب مجتمع بأسره، ولكن اللحظة السنغافورية الواحدية يمكن أن تظهر على هيئة أفراد. ففي الاتحاد السوفيتي ظهرت فكرة أبطال الإنتاج، وهم بشر (مثل ستهانوف) كانوا يكرسون حياتهم كلها لعملية الإنتاج بشكل يفوق حدود طاقة البشر (وقد انتهت حياة ستهانوف بأن أصيب بالعديد من الأمراض، كما ظهر أن كثيراً من بطولاته كانت مجرد أكاذيب إعلانية). كما أن كثيراً من نظريات الإدارة في الولايات المتحدة ذات طابع سنغافوري واحدي كامل، فهي نظريات تدعو إلى إخضاع جميع حركات العامل وسكناته للدراسة حتى يمـكن توظيـفها تماماً في خدمـة الإنتاج لكي يصـبح الجميع أبطال إنتاج. وتقوم الإعلانات التليفزيونية بتحويل الجميع أيضاً إلى أبطال استهلاك. والدعوة إلى السوق الشرق أوسطية في عالمنا العربي الإسلامي هي دعوة لتحويل الإنسان العربي الإسلامي إلى إنسان سنغافوري بحيث تتحول كل بلادنا إلى بوتيكات وسوبرماركتات.
المفضلات