صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 45
 
  1. #31
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. وكذلك قول ابن عباس في الذمي يرمي امهات المؤمنين انه لا توبة له نص في هذا المعنى وهذه القضايا قد اشتهرت ولم يبلغنا ان احدا انكر شيئا من ذلك كما انكر عمر رضي الله عنه قتل المرتد الذي لم يستتب وكما انكر ابن عباس رضي الله عنه تحريق الزنادقة واخبر ان حدهم القتل فعلم انه كان مستفيضا بينهم ان حد الساب ان يقتل الا ما روي عن ابن عباس من سب نبيا من الانبياء فقد كذب برسول الله وهي ردة يستتاب فإن تاب والا قتل وهذا في سب يتضمن جحد نبوة نبي من الانبياء فإنه يتضمن تكذيب رسول الله ولا ريب ان من قال عن بعض الانبياء انه ليس بنبي وسبه بناء على انه ليس بنبي فهذه ردة محضة ويتعين حمل حديث ابن عباس على هذا او نحوه ان كان محفوظا عنه لانه اخبر ان قاذف امهات المؤمنين لاتوبة له فكيف تكون حرمتهن لاجل سب النبي أعظم من حرمه نبي معروف مذكور في القران


    1. الطريقة السادسة عشرة ان الله سبحانه وتعالى اوجب لنبينا على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائدة على مجرد التصديق بنبوته كما اوجب سبحانه على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح امورا زائدة على مجرد التصديق به سبحانه وحرم سبحانه لحرمة رسوله مما يباح ان يفعل مع غيره امورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته # فمن ذلك انه امر بالصلاة عليه والتسليم بعد ان اخبر ان الله وملائكته يصلون عليه والصلاة عليه تتضمن ثناء الله عليه ودعاء الخير له وقربته منه ورحمته له والسلام عليه يتضمن سلامته من كل افة فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات ثم انه يصلي سبحانه عشرا على من يصلي عليه مرة حضا للناس على الصلاة عليه ليسعدوا بذلك وليرحمهم الله بها


    1. ومن ذلك انه اخبر انه اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن حقه انه يجب ان يؤثره العطشان بالماء والجائع بالطعام وانه يجب ان يوقى بالانفس والاموال كما قال سبحانه وتعالى ^ ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ^ # فعلم ان رغبة الانسان بنفسه ان يصيبه ما يصيب النبي من المشقة معه حرام # و مخاطبا للمؤمنين فيما اصابهم من مشقات الحصر والجهاد ^ لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا ^ # ومن حقه ان يكون احب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دل على ذلك قوله سبحانه ^ قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم ^ إلى قوله ^ احب اليكم من الله ورسوله ^ الاية مع الاحاديث الصحيحة المشهورة كما في الصحيح من قول عمر

    رضي الله عنه يارسول الله لانت احب الي من كل شئ الامن نفسي فقال لا ياعمر حتى اكون احب اليك من نفسك قال فانت والله يارسول الله احب الي من نفسي قال الان ياعمر وقال لايؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولد ووالده والناس اجمعين متفق عليه # ومن ذلك ان الله امر بتعزيره وتوقيره فقال ^ وتعزروه وتوقروه ^ والتعزير اسم جامع لنصره وتاييده ومنعه من كل ما يؤذيه والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمانينة من الاجلال والاكرام وان يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار # ومن ذلك انه خصه في المخاطبة بما يليق به فقال ^ لاتجعلوا
    دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ^ فنهى ان يقولوا يا محمد او يا احمد او يا أبا القاسم ولكن يقولون يا رسول الله يا نبي الله وكيف لا يخاطبونه بذلك والله سبحانه وتعالى اكرمه في مخاطبته اياه بما لم يكرم به احدا من الانبياء فلم يدعه باسمه في القران قط ببل يقول ^ يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ^ ^ يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين ^ ^ يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك ^ ^ يا ايها النبي اتق الله ^ ^ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ^ ^ يا ايها النبي اذا طلقتم النساء ^ ^ يا ايها النبي لم
    تحرم ما احل الله لك ^ ^ يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ^ ^ يا ايها المزمل قم الليل ^ ^ يا ايها المدثر قم فانذر ^ ^ يا ايها النبي حسبك الله ^ مع انه سبحانه قد قال ^ وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك ^ الاية ^ يا ادم انبئهم باسمائهم ^ ^ يا نوح انه ليس من اهلك ^ ^ يا إبراهيم اعرض عن هذا ^ ^ يا موسى اني اصطفيتك على الناس ^ ^ يا داود انا جعلناك خليفة في الارض ^ ^ يا يحيى خذ الكتاب بقوة ^
    ^ يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس ^ ^ يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ^ # ومن ذلك انه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى ياذن وحرم رفع الصوت فوق صوته وان يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل واخبر ان ذلك سبب حبوط العمل فهذا يدل على انه قد يقتضي الكفر لان العمل لا يحبط الا به واخبر ان الذين يغضون اصواتهم عنده هم الذين خلصت قلوبهم للتقوى وان الله يغفر لهم ويرحمهم واخبر ان الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون لكونهم رفعوا اصواتهم عليه ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج ولكن ازعجوه إلى الخروج

    1. ومن ذلك انه حرم على الامة ان يؤذوه بما هو مباح ان يعامل به بعضهم بعضا تمييزا له مثل نكاح ازواجه من بعده ف ^ وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا ان ذلكم كان عند الله عظيما ^ # واوجب على الامة لاجله احترام ازواجه وجعلهن امهات في التحريم والاحترام فقال سبحانه ^ النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم ^ # واما ما اوجبه من طاعته والانقياد لامره والتاسي بفعله فهذا باب واسع لكن ذاك قد يقال هو من لوازم الرسالة وانما الغرض هنا ان ننبه على بعض ما اوجبه الله من الحقوق الواجبة والمحرمة على الأمة مما يزيد على لوازم الرسالة بحيث يجوز ان يبعث الله رسولا ولا يوجب له هذه الحقوق # ومن كرامته المتعلقة بالقول انه فرق بين اذاه واذى المؤمنين ف ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا ^ # وقد تقدم في هذه الاية ما يدل على ان حد من سبه القتل كما ان حد من سب غيره الجلد


    1. ومن ذلك ان الله رفع له ذكره فلا يذكر الله سبحانه الا ذكر معه ولا تصح للامة خطبة ولا تشهد حتى يشهدوا انه عبده ورسوله واوجب ذكره في كل خطبة وفي الشهادتين اللتين هما اساس الإسلام وفي الاذان الذي هو شعار الإسلام وفي الصلاة التي هي عماد الدين إلى غير ذلك من المواضع # هذا إلى خصائص له اخر يطول تعدادها # واذا كان كذلك فمعلوم ان سابه ومنتقصه قد ناقض الايمان به وناقض تعزيره وتوقيره وناقض رفع ذكره وناقض الصلاة عليه والتسليم وناقض تشريفه في الدعاء والخطاب بل قابل أفضل الخلق بما لا يقابل به الا شر الخلق # يوضح ذلك ان مجرد اعراضه عن الايمان به يبيح الدم مع عدم العهد واعراضه عن هذه الحقوق الواجبة يبيح العقوبة فهذا بمجرد

    سكوته عن تشريفه وتكريمه فإذا اتى بضد ذلك من الذم والسب والانتقاص والاستخفاف فلابد ان يوجب ذلك زيادة على الذم والعقاب فان مقادير العقوبات على مقادير الجرائم الاترى ان الرجل لو قتل رجلا اعتباطا لكن عقوبته القود وهو التسليم إلى ولي المقتول فان انضم إلى ذلك قتله لاخذ المال مجاهرة صارت العقوبة تحتم القتل فان انضم إلى ذلك اخذ المال عوقب مع ذلك بالصلب وعوقب عند بعض العلماء ايضا بقطع اليد والرجل حتما مع ان اخذ المال سرقة لا يوجب الا قطع اليد فقط وكذلك لو قذف عبدا او ذميا او فاجرا لم يجب عليه الا التعزير فلو قذف حرا مسلما عفيفا لوجب عليه الحد التام فلو قيل انه لايجب عليه مع ذلك الا ما يجب على من ترك الايمان به او ترك العهد الذي بيننا وبينه لسوى بين الساكت عن ذمه وسبه والمبالغ في ذلك وهذا غير جائز كما انه غير جائز التسوية بين الساكت
    عن مدحه والصلاة عليه والمبالغ في ذلك ولزم من ذلك ان لا يكون لخصوص سبه وذمه واذاه عقوبة مع انه من أعظم الجرائم وهذا باطل قطعا # ومعلوم ان لا عقوبة فوق القتل لم تبق الزيادة على ذلك الا تعين قتله وتحتمه تاب او لم يتب كحد قاطع الطريق اذ لا نعلم احدا اوجب ان يجلد لخصوص السبب ثم يقتل للكفر اذا كانت العقوبة لخصوص السب كانت حدا من الحدود وهذه مناسبة ظاهرة قد دل على صحتها دلالات النصوص السالفة من كون السب موجبا للقتل والعلة اذا ثبت بالنص او بالايماء لم تحتج إلى اصل يقاس عليه الفرع وبهذا يظهر انا لم نجعل خصوص السب موجبا للقتل الا بما دل عليه من الكتاب والسنة والاثر لا لمجرد الاستحسان والاستصلاح كما زعمه من لم يحظ بماخذ الاحكام على ان الاصل الذي يقاس به هذا الفرع ثابت وهو # الطريقة السابعة عشرة وذلك انا وجدنا الاصول التي دل عليها الكتاب او السنة او إجماع الأمة حكمت في المرتد وناقض العهد حكمين فمن لم يصدر منه الا مجرد الردة او مجرد نقض العهد ثم عاد إلى الإسلام عصم دمه كما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله وقد تقدم ذكر بعض ما يدل على ذلك في المرتد وهو في ناقض العهد ايضا موجود
    بقوله في بعض من نقض العهد ^ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ^ وبان النبي قبل إسلام من اسلم من بني بكر وكانوا قد نقضوا العهد وعدوا على خزاعة فقتلوهم وقبل إسلام قريش الذين اعانوهم على قتال المسلمين حتى انتقض عهدهم بذلك ودلت سنته على ان مجرد إسلامهم كان عاصما لدمائهم وكذلك في حصره لقريظة والنضير مذكر انهم لو اسلموا لكف عنهم وقد جاء نفر منهم مسلمين فعصموا دماءهم واموالهم منهم ثعلبة بن سعية واسد بن سعية واسد ابن عبيد اسلموا في الليلة التي نزل فيها بنو قريضة على حكم رسول الله وخبرهم مشهور ومن تغلظت ردته او نقضه بما يضر
    المسلمين اذا عاد إلى الإسلام لم تسقط عنه العقوبة مطلقا بل يقتل اذا كان جنس ما فعله موجبا للقتل او يعاقب بما دونه ان لم يكن كذلك كما دل عليه قوله تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ الاية وكما دلت عليه سنته في قصة ابن أبي سرح وابن زنيم وفي قصة ابن خطل وقصة مقيص بن صبابة وقصة العرنيين وغيرهم وكما دلت عليه الاصول المقررة فان الرجل اذا اقترن بردته قطع طريق او قتل مسلم او زنى او غير ذلك ثم رجع إلى الإسلام اخذت منه الحدود وكذلك لو اقترن بنقض عهده الاضرار بالمسلمين من قطع طريق او قتل مسلم او زنى بمسلمة فان الحدود تستوفى منه بعد الإسلام اما الحد الذي يجب على المسلم لو فعل ذلك او الحد الذي كان واجبا قبل الإسلام وهذا
    الرجل الساب قد وجد منه قدر زائد على مجرد نقض العهد كما قدمنا من الاضرار الذي صار به اغلظ جرما من مجرد نقض العهد او فعل ما هو أعظم من أكثر الامور المضرة كما تقدم فصار بمنزلة من قرن بنقض عهده اذى المسلمين في دم او مال او عرض واشد واذا كان كذلك فإسلامه لا يزيل عنه عقوبة هذا الاضرار كما دلت عليه الاصول في مثله وعقوبة هذا الاضرار قد ثبت انه القتل بالنص والإسلام الطارئ لا يمنع ابتداء هذه العقوبة فان المسلم لو ابتدا بمثل هذا قتل قتلا لا يسقط بالتوبة كما تقدم # واذا لم يمنع الإسلام ابتداءها فان لا يمنع بقاءها ودوامها اولى واحرى لان الدوام والبقاء اقوى من الابتداء والحدوث في الحسيات والعقليات والحكميات # الا ترى ان العدة والاحرام والردة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع دوامه والإسلام يمنع ابتداء الرق ولا يمنع دوامه ويمنع ابتداء وجوب القود وحد القذف على المسلم اذا قتل او قذف ذميا ولا يمنع دوامه عليه اذا اسلم بعد القتل والقذف # ولو فرض ان إسلام يمنع ابتداء قتل هذا فلا يجب ان يسقط القتل بإسلامه لان الدوام اقوى من الابتداء وجاز ان يكون في بمنزلة القود وحد القذف فان الإسلام يمنع ابتداءه دون دوامه لاسيما
    والسب فيه حق لادمي ميت وفيه جناية متعلقة بعموم المسلمين فهو مثل القتل في المحاربة ليس حقا لمعين واذا كان كذلك وجب استيفاؤه كغيره من المحاربين المفسدين # يحقق ذلك ان الذمي اذا قطع الطريق وقتل مسلما فهو يعتقد في دينه جواز قتل المسلم واخذ ماله وانما حرمه عليه العهد الذي بيننا وبينه كما انه يعتقد جواز السب في دينه وانما حرمه عليه العهد وقطع الطريق قد يفعل استحلالا وقد يفعل استخفافا بالحرمة لغرض كما ان سب الرسول قد يفعل استحلالا وقد يفعل استخفافا بالحرمة لغرض فهو مثله من كل وجه الا ان مفسدة ذلك في الدنيا ومفسدة هذا في الدين ومفسدة الدين أعظم من مفسدة الدنيا عند المؤمنين بالله العالمين به وبامره فاذا اسلم قاطع الطريق فقد تجدد منه اظهارا اعتقاد تحريم دم المسلم وماله مع جواز ان لايفي بموجب هذا الاعتقاد وكذلك اذا اسلم الساب فقد تجدد اظهار اعتقاد تحريم عرض الرسول مع جواز ان لايفي بموجب هذا الاعتقاد فاذا كان هناك يجب قتله بعد إسلامه فكذلك يجب قتله هنا بعد إسلامه ويجب ان يقال اذا كان ذلك لايسقط حده بالتوبة بعد القدرة فكذلك هذا لا يسقط حده بالتوبة بعد القدرة # ومن انعم النظر لم يسترب في ان هذا محارب مفسد كما ان قاطع الطريق محارب مفسد

    1. ولا يرد على هذا سب الله تعالى لان احدا من البشر لا يسبه اعتقادا الا بما يراه تعظيما واجلالا كزعم اهل التثليث ان له صاحبة وولدا فانهم يعتقدون ان هذا من تعظيمه والتقرب اليه ومن سبه لا على هذا الوجه فالقول فيه كالقول فيمن سب الرسول على أحد القولين وهو المختار كما سنقرره ومن فرق قال انه تعالى لا تلحقه غضاضة ولا انتقاص بذلك ولا يكاد أحد يفعل ذلك اصلا الا ان يكون وقت غضب ونحو ذلك بخلاف سب الرسول فانه يسبه انتقاصا له واستخفافا به سبا يصدر عن اعتقاد وقصد اهانة وهو من جنس تلحقه الغضاضة ويقصد بذلك وقد يسب تشفيا وغيظا وربما حل منه في النفوس حبائل ونفر عنه بذلك خلائق ولاتزول نفرتهم عنه باظهار التوبة كما لا تزول مفسدة الزنى وقطع الطريق ونحو ذلك باظهار التوبة وكما لا يزول العار الذي يلحق بالمقذوف باظهار القاذف التوبة فكانت عقوبة الكفر يندرج فيها ما يتبعه من سب الله سبحانه بخلاف سب الرسول


    1. فان قيل قد تكون زيادة العقوبة على عقوبة مجرد الناقض للعهد تحتم قتله ما دام كافرا بخلاف غيره من الكافرين فان عقد الامان والهدنة والذمة واسترقاقهم والمن عليهم والمفاداة بهم جائز في الجملة فاذا اتى مع حل دمه لنقض العهد او لعدمه بالسب تعين قتله كما قررتموه وهكذا الجواب عن المواضع التي قتل النبي فيها من سبه او امر بقتله او امر اصحابه بذلك فانها تدل على ان الساب يقتل وان لم يقتل من هو مثله من الكافرين # وكذلك قال النبي ليهود في قصة ابن الاشرف انه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رايه ما اغتيل ولكنه نال منا وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا احدا منكم الا كان السيف # واذا كان كذلك فيكون القتل وجب لامرين للكفر ولتغلظه بالسب كما يجب قتل المرتد للكفر ولتغلظه بترك الدين الحق والخروج منه فمتى زال الكفر زال الموجب للدم فلم يستقل بقاء اثر السب باحلال الدم وتبع الكفر في الزوال كما تبعه في الحصول فانه فرع للكفر ونوع منه فاذا زال الاصل زالت جميع فروعه وانواعه


    1. وهذا السؤال قد يمكن تقريره في سب من يدعي الإسلام بناء على ان السب فرع للردة ونوع منها وقد لايمكن لانه لم يتجدد من هذا بعد السب ما لم يكن موجودا حال السب بخلاف الكافر # قلنا وهذا ايضا دليل على ان قتل الساب حد من الحدود فانه قد تقدم انه يجب قتله ان كان معاهدا ولا يجوز استبقاؤه بعد السب بامان ولا استرقاق ولو كان انما يقتل لكونه كافرا محاربا لجاز امانه واسترقاقه والمفاداة به فلما كان جزاؤه القتل عينا علم ان قتله حد من الحدود ليس بمنزلة قتل سائر الكفار # ومن تامل الادلة الشرعية نصوصها ومقاييسها مما ذكرناه ومما لم نذكره ثم ظن بعد هذا ان قتل الساب لمجرد كونه كافرا غير معاهد كقتل الاسير فليس على بصيرة من امره ولا ثقة من رايه # وليس هذا من المسالك المحتملة بل من مسالك القطع فان من تامل دلالات الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الامة وما توجبه الاصول الشرعية علم قطعا ان للسب تاثيرا في سفح الدم زائدا على تاثير مجرد الكفر الخالي عن عهد # نعم قد يقال هو مقتول بمجموع الامرين بناء على ان كفر الساب نوع مغلظ لايحتمل الاستبقاء ككفر المرتد فيكون مقتولا لكفره وسبه ويكون القتل حدا بمعنى انه يجب اقامته ثم يزول موجبه

    بالتوبة كقتل المرتد فهذا له مساغ فيما تقدم ما يضعف هذا الوجه ومع هذا فانه لايقدح في كون قتل الساب حدا من الحدود وجب لما فيه خصوص ظهور سب الرسول من المفسدة # وانما يبقى ان يقال هذا الحد هل يسقط بالإسلام أم لا # فنقول جميع ما ذكرناه من الدلالات وان دلت على وجوب قتله بعد اظهار التوبة فهي دالة على ان قتله حد من الحدود وليس لمجرد الكفر وهي دالة على هذا بطريق القطع لما ذكرناه من تفريق الكتاب والسنة والاجماع بين من اقتصر على الكفر الأصلي أو الطارىء أو نقض العهد وبين من سب الرسول من هؤلاء واذا لم يكن القتل لمجرد الكفر لم يبق الا ان يكون حدا واذا ثبت انه يقتل لخصوص السب لكونه حدا من الحدود لا لعموم كونه كافرا غير ذي عهد او لعموم كونه مرتدا فيجب ان لا يسقط بالتوبة والإسلام لان الإسلام والتوبة لا يسقط شيئا من الحدود الواجبة قبل ذلك اذا كانت التوبة بعد الثبوت والرفع إلى الإمام بالاتفاق # وقد دل القران ان حد قاطع الطريق والزاني
    والسارق والقاذف لا يسقط بالتوبة بعد التمكن من اقامة الحد # ودلت السنة على مثل ذلك في الزاني وغيره ولم يختلف المسلمون فيما علمناه ان المسلم اذا زنى او سرق او قطع الطريق او شرب الخمر فرفع إلى السلطان وثبت عليه الحد ببينة ثم تاب من ذلك انه تجب اقامة الحد عليه الا ان يظن أحد في ذلك خلافا شاذا لا يعتد به فهذه حدود الله
    تعالى وكذلك لو وجب عليه قصاص او حد قذف او عقوبة سب لمسلم او معاهد ثم تاب من ذلك لم تسقط عنه العقوبة وكذلك ايضا لم يختلفوا فيما علمناه ان الذمي لو وجب عليه حد قطع الطريق او حد السرقة او قصاص او حد قذف او تعزير ثم اسلم وتاب من ذلك لم تسقط عنه عقوبة ذلك وكذلك ايضا لو زنى فانه اذا وجب عليه حد الزنى ثم اسلم لم يسقط عنه بل يقام عليه حد الزنى عند من يقول بوجوبه قبل الإسلام ويقتل حتما عند الإمام احمد ان كان زنى انتقض به عهده




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  2. #32
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. هذا مع ان الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها فيغفر للتائب ذنبه مع اقامة الحد عليه تطهيرا له وتنكيلا للناس عن مثل تلك الجريمة فتحصل باقامة الحد المصلحة العامة وهي زجر الملتزمين للإسلام او الصغار عن فعل مثل ذلك الفساد فانه لو لم يقم الحد عند اظهار التوبة لم يتات اقامة حد في الغالب فانه لا يشاء المفسد في الارض اذا اخذ ان يظهر التوبة الا اظهرها ويوشك كل من هم بعظيمة من العظائم من الاقوال والافعال ان يرتكبها ثم اذا احيط به قال اني تائب # ومعلوم أن ذلك لو درا الحد الواجب لتعطلت الحدود وظهر الفساد في البر والبحر ولم يكن في شرع العقوبات والحدود كبير مصلحة وهذا ظاهر لاخفاء به # ثم الجاني ان تاب توبة نصوحا فذلك نافعه فيما بينه وبين الله يغفر له ما اسلف ويكون الحد تطهيرا له وتكفيرا لسيئته وهو من تمام التوبة كما قال ماعز بن مالك للنبي طهرني وقد جاء

    تائبا و لما ذكر كفارة قتل الخطا ^ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ^ و في كفارة الظهار ^ ذلكم توعظون به ^ # فيشتمل الحد مع التوبة على مصلحتين عظيمتين # مصلحة زجر النفوس عن مثل تلك الجريمة وهي أهم المصلحتين فان الدنيا في الحقيقة ليست دار كمال الجزاء وانما كمال الجزاء في الاخرة وانما الغالب في العقوبات الشرعية الزجر والنكال وان كان فيها مقاصد اخر كما ان غالب مقصود العدة براءة الرحم وان كان فيها مقاصد اخر ولهذا كانت هذه المصلحة مقصودة في كل عقوبة مشروعة # والمصلحة الثانية تطهير الجاني وتكفير خطيئته ان كان له عند الله خير او عقوبته والانتقام منه ان لم يكن كذلك وقد يكون زيادة في ثوابه ورفعه في درجاته # ونظير ذلك المصائب المقدرة في النفس والاهل والمال فانها تارة تكون كفارة وطهورا وتارة تكون زيادة في الثواب وعلوا في الدرجات
    وتارة تكون عقابا وانتقاما # لكن اذا اساء الانسان سرا فان الله يقبل توبته سرا ويغفر له من غير احواج له إلى ان يظهر ذنبه حتى يقام حده عليه اما اذا اعلن الفساد بحيث يراه الناس ويسمعونه حتى شهدوا به عند السلطان او اعترف هو به عند السلطان فانه لا يطهره مع التوبة بعد القدرة الا اقامته عليه الا ان في التوبة اذا كان الحد لله وثبت بإقراره خلافا سنذكره ان شاء الله تعالى ولهذا قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وقال لما شفع اليه في
    السارقة تطهر خيرا لها وقال من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في امره وقال من ابتلى من هذه القاذورات بشيء فاليستتر بستر الله فانه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله

    1. اذا تبين ذلك فنقول هذا الذي اظهر سب رسول الله من مسلم او معاهد قد اتى بهذه المفسدة التي تضمنت مع الكفر ونقض العهد اذى الله ورسوله وانتهاك تلك الحرمة التي هي أفضل حرمة المخلوقين والوقيعة في عرض لا يساوي غيره من الاعراض والطعن في صفات الله وافعاله وفي دين الله وكتابه وجميع انبيائه والمؤمنين من عباده فان الطعن في واحد من الانبياء طعن في جميع الانبياء كما قال سبحانه وتعالى ^ اولئك هم الكافرون حقا ^ وطعن في كل من امن بنبينا من الانبياء والمؤمنين المتقدمين والمتاخرين وقد تقدم تقرير هذا # ثم هذه العظيمة صدرت ممن التزم بعقد ايمانه او امانه انه لا يفعل ذلك ولا ياتيه كما صدر الزنى والسرقة وقطع الطريق عمن التزم بعقد ايمانه او امانه لا يفعل ذلك فاذا وجبت عقوبته على تلك الجريمة لخصوصها كما تقدم امتنع ان يسقط بما يظهره من التوبة كما تقدم ايضا


    1. ثم هنا مسلكان # احدهما وهو مسلك طائفة من اصحابنا وغيرهم ان يقتل حدا لله كما يقتل لقطع الطريق وللردة وللكفر لان السب للرسول قد تعلق به حق الله وحق كل مؤمن فان اذاه ليس مقصورا على رسول الله فقط كمن سب واحدا من عرض الناس بل هو اذى لكل مؤمن كان ويكون بل هو عندهم من ابلغ انواع الاذى ويود كل منهم ان يفتدي هذا العرض بنفسه واهله وماله وعرضه كما تقدم ذكره عن الصحابة من انهم كانوا يبذلون دماءهم في صون عرضه وكان النبي يمدح من فعل ذلك سواء قتل او غلب ويسميه ناصر الله ورسوله ولو لم يكن السب أعظم من قتل بعض المسلمين لما جاز بذل الدم في درئه

    كما لا يجوز بذل الدم في صون عرض واحد من الناس وقد قال حسان ابن ثابت يخاطب اباسفيان بن الحارث # % هجوت محمدا فاجبت عنه % وعند الله في ذاك الجزاء % فان ابى ووالده وعرضي % لعرض محمد منكم وقاء %

    1. وذلك انه انتهاك للحرمة التي نالوا بها سعادة الدنيا والاخرة وبها ينالها كل واحد سواهم وبها يقام دين الله ويرضى الله عن عباده ويحصل ما يحبه وينتفي ما يبغضه كما ان قاطع الطريق وان قتل واحدا فان مفسدة قطع الطريق تعم جميع الناس فلم يفوض الامر فيه إلى ولي المقتول


    1. نعم كان الامر في حياة رسول الله مفوضا اليه فيمن سبه ان احب عفا عنه وان احب عاقبه وان كان في سبه حق الله ولجميع المؤمنين لان الله سبحانه يجعل حقه في العقوبة تبعا لحق العبد كما ذكرناه في القصاص وحقوق الادميين تابعة لحق الرسول فانه اولى بهم من انفسهم ولان في ذلك تمكينه من اخذ العفو والامر بالعرف والاعراض عن الجاهلين الذي امره الله تعالى به في كتابه وتمكينه من العفو والاصلاح الذي يستحق به ان يكون أجره على الله وتمكينه من ان يدفع بالتي هي احسن السيئة كما امر الله وتمكينه من استعطاف النفوس وتاليف القلوب على الايمان واجتماع الخلق عليه وتمكينه من ترك التنفير عن الايمان وما يحصل بذلك من المصلحة يغمر ما يحصل باستبقاء ساب من المفسدة كما دل عليه قوله تعالى ^ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ^


    1. وقد بين النبي نفس هذه الحكمة حيث قال اكره ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وقال فيما عامل به ابن أبي من الكرامة رجوت ان يؤمن بذلك الف من قومه فحقق الله رجاءه ولو عاقب كل من اذاه بالقتل لخامر القلوب عقدا او وسوسة ان ذلك لما في النفس من حب الشرف وانه من باب غضب الملوك وقتلهم على ذلك ولو لم يبح له عقوبته لانتهك العرض واستبيحت الحرمة وانحل رباط الدين وضعفت العقيدة في حرمة النبوة فجعل الله له الامرين فلما انقلب إلى رضوان الله وكرامته لم يبق واحدا مخصوص من الخلق اليه استيفاء هذه العقوبة والعفو عنها والحق فيها ثابت لله سبحانه ولرسول الله ولعباده المؤمنين وعلم كل ذي عقل ان المسلمين انما يقتلونه لحفظ الدين وحفظ حمى الرسول ووقاية عرضه فقط كما يقتلون قاطع الطريق في لأمن الطرقات من المفسدين وكما يقطعون السارق لحفظ الاموال وكما يقتلون المرتد صونا للداخلين في الدين عن الخروج عنه ولم يبق هنا توهم مقصود جزوي كما قد كان يتوهم في زمانه ان قتل الساب كذلك وتقرير ذلك بالساب له من المسلمين فانه قد كان له ان يعفوا عنه مع انه لايحل للامة الا اراقة دمه فحاصله انه في حياته قد غلب في هذه الجناية حقه ليتمكن من الاستيفاء والعفو وبعد موته فهي جناية على الدين مطلقا ليس لها من يمكنه العفو عنها فوجب استيفاؤها وهذا مسلك جيد لمن تدبر غوره


    1. ثم هنا تقريران # احدهما ان يكون الساب من جنس المحارب المفسد وقد تقدم في ذلك زيادة بيان ومما يؤيده انه قال سبحانه وتعالى ^ من قتل نفس بغير نفس او فسادا في الارض فكانما قتل الناس جميعا ^ فعلم ان كل ما اوجب القتل حقا لله كان فسادا في الارض والا لم يبح # وهذا السب قد اباح الدم فهو فساد في الارض وهو ايضا محاربة لله ورسوله على ما لا يخفى لان المحاربة هنا والله اعلم انما عني بها المحاربة بعد المسالمة لان المحاربة الاصليه لم يدخل حكمها في هذه الاية وسبب نزولها انما كان فعل مرتد وناقض عهد فعلم انهما جميعا دخلا فيها وهذا قد حارب بعد المسالمة وافسد في الارض فيتعين اقامة الحد عليه # الثاني ان يكون السب جناية من الجنايات الموجبه للقتل كالزنى وان لم يكن حرابا كحراب قاطع الطريق فان من الفساد ما يوجب القتل

    وان لم يكن حرابا وهذا فساد قد اوجب القتل فلا يسقط بالتوبة كغيره من انواع الفساد اذ لايستثنى من ذلك الا القتل للكفر الاصلي او الطاريء وقد قدمنا ان هذا القتل ليس هو كقتل سائر الكفار # فان قيل فاذا كان السب حد لله فيجب ان يسقط بالإسلام كمايسقط حد المرتد بالإسلام وكما يسقط قتل الكافر بالإسلام وذلك ان مجرد تسميته حدا لايمنع سقوطه بالتوبة او بالإسلام فان قتل المرتد حد فان الفقهاء يقولون باب حد المرتد ثم انه يسقط بالإسلام ثم ان هذا امر لفظي لاتناط به الاحكام وانما تناط بالمعاني وكل عقوبة لمجرم فهي حد من حيث تزجره وتمنعه عن تلك الجريمة وان لم تسم حدا لكن لاريب انه انما يقتل للكفر والسب والسب لايمكن تجريده عن الكفر والمحاربة حتى يفرض ساب قد وجب قتله وهو مؤمن او معاهد باق على عهده كما يفرض مثل ذلك في الزاني والسارق والقاذف فان اولئك وجبت عقوباتهم لتلك الجرائم وهي قبل الإسلام وبعده سواء وهذا انما وجبت عقوبته بجرم هو من فروع الكفر وانواعه فاذا زال الاصل تبعته فروعه فيكون الموجب للقتل انه كافرمحارب وانه مؤذ لله ولرسوله كما قال لعقبة بن أبي معيط لما قال مالي اقتل من بينكم صبرا فقال له النبي بكفرك وافترائك على رسول الله والعلة اذا كانت ذات وصفين زال الحكم بزوال احدهما

    1. ونحن قد نسلم انه يتحتم قتله اذا كان ذميا كما يتحتم قتل المرتد لتغلظ كفره باذى الله ورسوله كتغلظ كفر المرتد بترك الدين لكن الإسلام يسقط كل حد تعلق بالكفر كما يسقط حد المرتد فلم الحقتم هذا الحد بقاطع الطريق والزاني والسارق ولم تلحقوه بحد المرتد فهذا نكتة هذا الموضع # فنقول لا يسقط شيء من الحدود بالإسلام ولا فرق بين المرتد وغيره في المعنى بل كل عقوبة وجبت لسبب ماض او حاضر فانها تجب لوجود سببها وتعدم لعدمه فالكافر الاصلي والمرتد لم يقتل لاجل ما مضى من كفره فقط وانما يقتل للكفر الذي هو الان حاصل فاذا علمنا انه كان كافرا ولم نعلم انتقاله استصحبنا تلك الحال فيقتل للكفر الذي الان موجود اذ الاصل بقاؤه على ما كان عليه فاذا تاب زال الكفر فزال المبيح للدم لان الدم لايباح بالكفر الا حال وجود الكفر اذ المقصود بقتله ان تكون كلمة الله هي العليا وان يكون الدين كله لله فاذا انقاد لكلمة الله ودان بدين الله حصل مقصود القتال ومطلوب الجهاد وكذلك المرتد انما يقتل لانه تارك للدين مبدل له فاذا هو عاد لم يبقى مبدلا ولا تاركا وبذلك يحصل حفظ الدين فانه لا يترك مبدلا له # اما الزاني والسارق وقاطع الطريق فانه سواء كان مسلما او معاهدا لم يقتل لدوامه على الزنى والسب وقطع الطريق فان هذا غير ممكن ولم يقتل لمجرد اعتقاده حل ذلك او ارادته له فان الذمي لايباح دمه بهذا

    الاعتقاد ولا يباح دم مسلم ولا ذمي بمجرد ارادة فعلم ان ذلك واجب جزاء على ما ماضي وزجرا عما يستقبل منه ومن غيره فمن اظهر سب الرسول من اهل الذمة او سبه من المسلمين ثم ترك السب وانتهى عنه فليس هو مستديما للسب كما يستديم الكافر المرتد وغيره على كفره بل افسد في الارض كما افسد غيره من الزناة وقطاع الطريق ونحن نخاف ان يتكرر مثل هذا الفسادمنه ومن غيره نخاف مثل ذلك في الزاني وقاطع الطريق لان الداعي له إلى ما فعله من السب ممكن منه ومن غيره من الناس فوجب ان يعاقب جزاء بما كسب ونكالا من الله له ولغيره وهذا فرق ظاهر بين قتل المرتد والكافر الاصلي وبين قتل الساب والقاطع والزاني # وبيانه لان السب من جنس الجريمة الماضية لامن جنس الجريمةالدائمة لكن مبناه على ان السب يوجب الحد لخصوصه لا لكونه كافرا وقد تقدم بيان ذلك # يوضح ذلك ان قتل المرتد والكافر الاصلي الا ان يتوب يزيل مفسدة الكفر لان الهام بالردة متى علم انه لا يترك حتى يقتل او يتوب لم ياتها لانه ليس له غرض في ان يرتد ثم يعود إلى الإسلام وانما غرضه في بقائه على الكفر واستدامته # فاما الساب من المسلمين والمعاهدين فان غرضه من السب يحصل باظهاره وينكأ المسلمين بأذاه كما يحصل غرض القاطع من القتل والزاني
    من الزنى وتسقط حرمة الدين والرسول بذلك كما تسقط حرمة النفوس والاموال في قطع الطريق والسرقة ويؤذي عموم المسلمين اذى يخشى ضرره كما يؤذيهم مثل ذلك من فعل القاطع والسارق ونحوهما ثم انه اذا اخذ فقد يظهر الإسلام والتوبة مع استبطانه العود إلى مثل ذلك عند القدرة كما يظهر القاطع والسارق والزاني العود إلى مثل هذه الجرائم عند امكان الفرصة بل ربما تمكن من هذا السب بعد اظهار الإسلام عند شياطينه مالم يمكنه قبل ذلك وتنوع في انواع التنقص والطعن غيظا على ما فعل به من القهر والضغط حتى اظهر الإسلام بخلاف من لم يظهر شيئا من ذلك حتى اسلم فانه لا مفسدة ظهرت لنا منه وبخلاف المحارب الاصلي اذا قتل او فعل الافاعيل فانه لم يكن قد التزم لنا ان لا يفعل شيئا من ذلك # وهذا قد كان التزم لنا بعقد الذمة ان لا يؤذينا بشيء من ذلك ثم لم يف بعهده فلا يؤمن منه ان يلتزم بعقد الايمان ان لايؤذينا بذلك ولا يفي بعقده وذلك لانه واجب عليه في دينه ان يفي بالعهد فلا يظهر الطعن علينا في ديننا وعالم ان ذلك من أكبر الامور التي عاهدناه على ان لايؤذينا بها وهو خائف من سيف الإسلام ان خالف كما
    انه واجب عليه في دين الإسلام ان لايتعرض للرسول بسوء وهو خائف من سيف الإسلام ان هو خالف فلم يتجدد له بإظهار الإسلام جنس العاصم الزاجر بخلاف الحربي في ذلك ايضا ان قتل المرتد غلب فيه حقه فشرع قتله لئلا يستمر على الردة وليعود إلى الإسلام وان كان في ضمن ذلك زجر لغيره من الناس عن الردة الا ترى انه لا يشرع الستر عليه ولا يستحب التعريض للشهود بترك الشهادة عليه وتجب اقامة الشهادة عليه عند الحاكم ولا يستحب العفو عنه قبل الرفع إلى الحاكم وان كان قدارتد سرا لانه متى رفع إلى الحاكم استتابه فنجاه من النار وان لم يتب قتله فقصر عليه مدة الكفر فكان رفعه مصلحة له محضه بخلاف من استسر بقاذورة من القاذورات فانه لا ينبغي التعرض له لانه اذا رفع يقتل حتما وقد يتوب اذا لم يرفع فلم يكن الرفع مصلحة محضه وانما المصلحة للناس فاذا لم تظهر الفاحشة لم تضرهم # ومن سب الرسول فانما نقتله لاذاه لله ولرسوله وللمؤمنين ولطعنه في دينهم فكان بمنزلة من اظهر قطع الطريق ولزنى ونحوه المغلب فيه جانب الردع والزجر وان تضمن مصلحة الجاني وكان قتله لانه اظهر الفساد في الارض وكذلك لو سب الذمي سرا لم نتعرض له وكذلك لم ينبغ الستر عليه لان من اظهر الفساد لا يستر عليه بحال

    1. وقوله السب مستلزم للكفر والحراب بخلاف تلك الجرائم قلنا ليس لنا سب خال عن كفر حتى تجرد العقوبة له بل العقوبة على مجموع الامرين وهذه الملازمة لا توهن امر السب فان كونه مستلزما للكفر يوجب تغلظ عقوبته فاذا انفصل الكفر عنه فيما بعد لم يلزم ان لا يكون موجبا للعقوبة اذا كان هو في نفسه يتضمن من المفسدة مايستوجب العقوبة والزجر كما دل عليه الكتاب والسنة والاثر والقياس # ثم نقول اقصى ما يقال انه حد على كفر مغلظ فيه ضرر على المسلمين صدر عن مسلم او معاهد فمن اين لهم ان مثل هذا تقبل منه التوبة بعد القدرة فإنا قد قدمنا ان التوبة انما شرعت في حق من تجردت ردته او تجرد نقضه للعهد فاما من تغلظت ردته او نقضه بكونه مضرا بالمسلمين فلا بد من عقوبته بعد التوبة # وقولهم ان السب من فروع الكفر وانواعه فان عنوا أن الكفر يوجب ذلك فليس بصحيح وان عنوا ان الكفر يبيح ذلك فنقول لكن عقد الذمة حرم عليه في دينه اظهار ذلك كما حرم قتل المسلمين وسرقة اموالهم وقطع طريقهم وافتراش نسائهم وكما حرم قتالهم وان كان دينه يبيح له ذلك كله فاذا هو اذى المسلمين بما يقتضيه الكفر المجرد عن عهد فانه يعاقب على ذلك وان زال الكفر الموجب لذلك فيقتل ويقطع ويعاقب كذلك هنا يعاقب على ما اذى به الله ورسوله والمؤمنين مما يخالف عهده وان كان دينه يبيحه


    1. وقولهم ان الزاني والسارق وقاطع الطريق قبل الإسلام وبعده سواء قلنا هو مثل الساب لانه قبل الإسلام يعتقد استحلال دماء المسلمين واموالهم واعراضهم لولا العهد الذي بينهم وبينه وبعد الإسلام انما يعتقد تحريمها لاجل الدين وكذلك انتهاكه لعرض رسول الله يعتقد حله لولا العهد الذي بيننا وبينه وبعد الدين انما يمنعه منه الدين ولا فرق بين ما يضر المسلمين في دينهم او دنياهم # واما قولهم انما وجب قتله لاجل الامرين فيسقط بزوال احدهما فنقول بل اجتمع فيه سببان كل منهما يوجب نوعا من القتل يخالف النوع الاخر وان كان احدهما يستلزم الاخر فالكفر يوجب القتل للكفر الاصلي او الكفر الارتداد وله احكام معروفة والسب يوجب القتل لخصوصه حتى يندرج فيه قتل الكفر وقتل الردة وهذا القتل هو المغلب في حق مثل هذا حتى كان رسول الله له القتل والعفو وله القتل مع امتناع القتل بالكفر والردة وله القتل بعد سقوط القتل بالكفر والردة كما قدمناه من الدلائل على ذلل اثرا ونظرا وبينا ان في خصوص السب ما يقتضي القتل لو فرض تجرده عن الكفر والردة فاذا انفصل عنه في اثناءالحال فسقط موجب الكفروالردة لم يسقط موجب السب وقد قدمنا في المسألة الثانية دلائل على ذلك


    1. ثم نقول هب انه وجب لاجل الامرين فالقتل الواجب لكفر متغلظ بالاضرار اذا زال لا تسقط عقوبة فاعله فوجب ان لا تسقط عقوبة فاعل هذا والعقوبة التي استحقها هي القتل # وايضا فان الإسلام الطاريء لا يمنع ما وجب من العقوبة وان كان الإسلام يمنع وجوبها ابتداء كالقتل قودا وكحد القذف فانه انما يجب بشرط كون الفاعل ذميا ولا يسقط بإسلامه بعد ذلك اذا كان المقتول والمقذوف ذميا # وايضا فان الإسلام لا يمنع قتل الساب ابتداءفان لايمنع قتله دواما بطريق الاولى فقوله اجتمع سببان فزال احدهما ممنوع بل الموجب لقتل هذا لميزل # المسلك الثاني ان يقتل حدا للنبي كما يقتل قودا وكما يجلد القاذف والساب لغيره من المؤمنين وقد تقدمت الدلالة على ان عقوبة شاتم النبي القتل كما ان عقوبة شاتم غيره الجلد وهذا مسلك كثير من اصحابنا وغيرهم # ومن المعلوم الذي لاريب فيه ان الرجل لو سب واحدا من المؤمنين او سب واحدا من اعيان الامة وهو ميت او غائب لوجب على من حضره من المسلمين ان ينتصروا له وذا بلغ الامر إلى السلطان فانه

    يعاقب هذا الجريء بما يزعه عن اذى المؤمنين ثم ان كان حيا وعلم فله ان يعفو عن سابه واما ان تعذر علمه لموته او غيبته لم يجز للمسلمين الامساك عن عقوبة هذا واذا رفع إلى السلطان عاقبه وان اظهر التوبة لان هذا من المعاصي والذنوب المتعلقة بحق ادمي لا يمكن قيامه بطلب هذا الحد وكل ماكان كذلك لم تحتج العقوبة عليه إلى طلب أحد ولا تسقط بالتوبة اذا رفع إلى السلطان ولهذا قلنا ان من سب اصحاب رسول الله فانه يجب ان يعزر ويؤدب او يقتل وان لم يطالب بحقهم معين لأن نصر المسلم واجب على كل مسلم بيده ولسانه فكيف على ولي الامر # وعلى هذا التقدير فنقول ان سب النبي كان موجبا للقتل في حياته كما تقدم تقريره وكان اذا علم بذلك تولىهذا الحق فان احب استوفى وان احب عفا فاذا تعذر اعلامه لغيبته او موته وجب على المسلمين القيام بطلب حقه ولم يجز العفو عنه لاحد من الخلق كما لا يجوز العفو عن من سب غيره من الاموات والغائب # وقد قدمنا الدلائل على القتل بخصوص سبه وان المغلب فيه حقه حتى كان له ان يقتل من سبه او يعفو عنه كما للرجل ان يعاقب سابه وان يعفو عنه # فان قيل هذا ينبني على مقدمتين




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  3. #33
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. احداهما ان قذف الميت موجب للحد وقد ذهب أبو بكر بن جعفر صاحب الخلال إلى انه لاحد لقذف ميت لان الحي وارثه لم يقذف وانما قذف الميت وحد القذف لا يستوفى الا بعد المطالبة وقد تعذرت منه والحد لا يورث الا بمطالبة الميت وهي منتفية والاكثرون يثبتون الحد لقذف الميت لكن من الفقهاء من يقول انما يثبت اذا ضمن القدح في نسب الحي وهو قول الحنفية وبعض اصحابنا وقيل عن الحنفية لا يأخذ به الا الوالد او الولد ومن الفقهاء من يقول يثبت مطلقا ثم هل يرثه جميع الورثة او من سوى الزوجين لبقاء سبب الارث او العصبة فقط لمشاركتهم له في عمود نسبه فيه

    ثلاثة اقوال في مذهب الشافعي واحمد # الثانية ان حد قذف الميت لا يستوفي الا بطلب الورثة وذلك انهم لايختلفون انه لا يستوفي الا بمطالبة الورثة او بعضهم ومتى عفوا سقط عند الاكثرين # فعلى هذا ينبغي ان يسقط الحد لقذف النبي لانه لا يورث ويكون كقذف من لا وارث له وهذا ليس فيه حد قذف عند أكثر الفقهاء او يقال لا يستوفي حتى يطالب بعض الهاشميين او بعض القرشيين # فنقول الجواب من ثلاثة اوجه

    1. احدها انا لم نجعل سب النبي وقذفه من باب حد القذف الذي لا يستوفى حتى يطلبه المستحق فان ذاك انما هو اذا علم به وانما هو من باب السب والشتم الذي يعلم انه حرام باطل وقد تعذر علم المسبوب به كما لو رمى رجل بعض اعيان الامة بالكفر او الكذب او شهادة الزور او سبه سبا صريحا فانا لا نعلم مخالفا في ان هذا الرجل يعاقب على ذلك كما يعاقب على ما ينتهكه من المحارم انتصارا لذلك الرجل الكريم في الامة وزجرا عن معصية الله كمن يسب الصحابة او العلماء او الصالحين # الوجه الثاني ان سبه سب لجميع امته وطعن في دينهم وهو سب تلحقهم به غضاضة وعار بخلاف سب الجماعة الكثيرة بالزنى فانه يعلم كذب فاعله وهذا يوقع في بعض النفوس ريبا واذا كان قد اذى جميع المؤمنين اذى يوجب القتل وهو حق تجب عليهم المطالبة به من حيث وجب عليهم اقامة الدين فيكون شبيها بقذف الميت الذي فيه قدح في نسب الحي اذا طالب به وذاك يتعين اقامته # وبهذا يظهر الفرق بينه وبين غيره من الاموات على قول أبي بكر فان ذلك الميت لا يتعدى ضرر قذفه في الاصل إلى غيره فاذا تعذرت مطالبته امكن ان يقال لا يستوفي حد قذفه وهنا ضرر السب في الحقيقة انما يعود إلى الامة بفساد دينها وذل عصمتها واهانة مستمسكها والا فالرسول صلوات الله عليه وسلامه في نفسه لا يتضرر بذلك


    1. وبه يظهر الفرق بينه وبين غيره في ان حد قذف الغير انما يثبت لورثته او لبعضهم وذلك لان العار هناك انما يلحق الميت او ورثته وهنا العار يلحق جميع الامة لا فرق في ذلك بين الهاشميين وغيرهم بل اي الامة كان اشد حبا لله ورسوله واشد اتباعا له وتعزيرا وتوقيرا كان حظه من هذا الاذى والضرر أعظم وهذا ظاهر لا خفاء به واذا كان هذا ثابتا لجميع الامة فانه مما يجب عليهم القيام به ولا يجوز لهم العفو عنه بوجه من الوجوه لانه وجب لحق دينهم لا لحق دنياهم بخلاف حد قذف قريبهم فانه وجب لحظ نفوسهم ودنياهم فلهم ان يتركوه وهذا يتعلق بدينهم فالعفو عنه عفو عن حدود الله وعن انتهاك حرماته فظهر الجواب عن المقدمتين المذكورتين # الوجه الثالث ان النبي لايورث فلا يصح ان يقال ان حق عرضه يختص به اهل بيته دون غيرهم كما ان ماله لا يختص به اهل بيته دون غيرهم بل اولى لان تعلق حق الامة بعرضه أعظم من تعلق حقهم بماله وحينئذ فتجب المطالبة باستيفاء حقه على كل مسلم لان ذلك من تعزيره ونصره وذلك فرض على كل مسلم # ونظير ذلك ان يقتل مسلم او معاهد نبيا من الانبياء فان قتل ذلك الرجل متعين على الامة ولا يجوز ان يجعل حق دمه إلى من يكون وارثا له لو كان يورث ان احب قتل وان احب عفا على الدية او مجانا

    ولا يجوز تقاعد الامة عن قتل قاتله فان ذلك أعظم من جميع انواع الفساد ولا يجوز ان يسقط حق دمه بتوبة القاتل او إسلامه فان المسلم او المعاهد لو ارتد او نقض العهد وقتل مسلما لوجب عليه القود ولا يكون ما ضمه إلى القتل من الردة ونقض العهد مخففا لعقوبته وما اظن احدا يخالف في هذا مع ان مجرد قتل النبي ردة ونقض للعهد باتفاق العلماء وعرضه كدمه فان عقوبته القتل كما ان عقوبة دمه القتل بل الوقيعة في عرضه اشد ضررا في الدين من قتله وسبب ذلك ان دمه وعرضه ممنوع من المسلم بإسلامه ومن المعاهد بعهده فاذا انتهكا حرمته وجبت عليهما العقوبة لذلك # الطريقة الثامنة عشرة وهي طريقة القاضي أبي يعلى ان سب النبي يتعلق به حقان حق لله وحق لادمي # فاما حق الله فظاهر وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه # واما حق الادمي فظاهر ايضا فانه ادخل المعرة على النبي بهذا السب وانا له بذلك غضاضة وعار # والعقوبة اذا تعلق بها حق الله وحق الادمي لم تسقط بالتوبة كالحد في المحاربة فانه يتحتم قتله ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من
    انحتام القتل والصلب ولم يسقط حق الادمي من القود كذلك هنا # فان قيل المغلب هنا حق الله ولهذا لو عفا النبي عن ذلك لم يسقط بعفوه # قلنا قد قال القاضي أبو يعلى في هذا نظر على انه انما لم يسقط بعفوه لتعلق حق الله به فهو كالعدة إذا أسقط الزوج حقه منها لم تسقط لتعلق حق الله بها ولم يدل هذا على انه لا حق للادمي فيها كذلك هنا فقد تردد القاضي أبو يعلى في جواز عفو النبي في هذا الموضع وقطع في موضع اخر انه كان له ان يسقط حق سبه لانه حق له وذكر في قول الانصاري للنبي ان كان ابن عمتك وقد عرض للنبي بما يستحق به العقوبة ولم يعاقبه لانه حمل قول النبي للزبير اسق بانه قضى له على الانصاري للقرابة وفي الرجل الذي اغلظ لابي بكر ولم يعزره فقال القاضي التعزير هنا وجب لحق ادمي
    وهو افتراؤه على النبي وعلى أبي بكر وله ان يعفو عنه وكذلك ذكر ابن عقيل عنه ان الحق كان للنبي وله تركه وقال ابن عقيل قد عرض هذا للنبي بما يقتضي العقوبة والتهجم على النبي يوجب التعزير لحق الشرع دون ان يختصه في نفسه قال وقد عزره النبي بحبس الماء عن زرعه وهو نوع ضرر وكسر لعرضه وتاخير لحقه وعندنا ان العقوبات بالمال باقية غير منسوخة وليس يختص التعزير بالضرب في حق كل احد

    1. وقول ابن عقيل هذا يضمن ثلاثة اشياء # احدها ان هذا القول انما كان يوجب التعزير لا القتل # والثاني ان ذلك واجب لحق الشرع ليس له ان يعفو عنه # الثالث انه عزره بحبس الماء # والثلاثة ضعيفة جدا والصواب المقطوع به انه كان له العفو كما دلت عليه الاحاديث السابقة لما ذكرناه من المعنى فيه وحينئذ فيكون ذلك مؤيدا لهذه الطريقة # وقد دل على ذلك ما ذكرناه من ان النبي عاقب من سبه واذاه في الموضع الذي سقطت فيه حقوق الله نعم صار سب النبي سبا لميت وذلك لا يسقط بالتوبة البتة # وعلى هذه الطريقة فالفرق بين سب الله وسب رسوله ظاهر فان هناك الحق لله خاصة كالزنى والسرقة وشرب الخمر وهنا الحق لهما فلا يسقط حق الادمي بالتوبة كالقتل في المحاربة


    1. الطريقة التاسعة عشرة انا قد ذكرنا ان النبي اراد من المسلمين قتل ابن أبي سرح بعد ان جاء مسلما تائبا ونذر دم انس بن زنيم إلى ان عفا عنه بعد الشفاعة واعرض عن أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي امية وقد جاءا مسلمين مهاجرين واراق دماء من سبه من النساء من غير قتال وهن منقادات مستسلمات وقد كان هؤلاء حربيين لم يلتزموا ترك سبه ولا عاقدونا على ذلك فالذي عقد الايمان او الامان على ترك سبه اذا جاء يريد الإسلام ويرغب فيه اما ان يجب قبول الإسلام منه والكف عنه او لا يجب فان قيل يجب فهو خلاف سنة رسول الله وان قيل لا يجب فهو دليل على انه اذا جاء ليتوب ويسلم جاز قتله وكل من جاز قتله وقد جاء مسلما تائبا مع علمنا بانه قد جاء كذلك جاز قتله وان اظهر الإسلام والتوبة لا نعلم بينهما فرقا عند أحد من الفقهاء في جواز القتل فان اظهار ارادة الإسلام هي أول الدخول فيه كما ان التكلم بالشهادتين هو أول الالتزام له ولا يعصم الإسلام الا دم من يجب قبوله منه فاذا اظهر انه يريده فقد بذل ما يجب قبوله فيجب قبوله كما لو اذاه # وهنا نكتة حسنة وهي ان ابن أبي أمية وابا سفيان لم يزالا كافرين وليس في القصة بيان انه اراد قتلهما بعد مجيئهما وانما فيها الاعراض عنهما وذلك عقوبة من النبي


    1. واما حديث ابن أبي سرح فهو نص في اباحة دمه بعد مجيئه لطلب البيعة وذلك لان ابن أبي سرح كان مسلما فارتد وافترى على النبي انه كان يتمم له القران ويلقنه ما يكتبه من الوحي فهو ممن ارتد بسب النبي ومن ارتد بسبه قفد كان له ان يقتله من غير استتابه وكان له ان يعفو عنه وبعد موته تعين قتله # وحديث ابن زنيم فإنه اسلم قبل ان يقدم على النبي مع بقاء دمه منذورا مباحا إلى ان عفا عنه النبي بعد ان روجع في ذلك # وكذلك النسوة اللاتي امر بقتلهن انما وجهه والله اعلم انهن كن قد سببنه بعد المعاهدة فانتقض عهدهن بسبه فقتلت اثنتان والثالثة لم يعصم دمها حتى استؤمن لها بعد ايام ولو كان دمها معصوما بالإسلام لم يحتج إلى الامان وهذه الطريقة مبناها على ان من جاز قتله بعد ان اظهر انه جاء ليسلم جاز قتله بعد ان اسلم وان من لم يعصم دمه الا عفو وامان لم يكن الإسلام هو ا لعاصم لدمه وان كان قد تقدم ذكر هذا لكن ذكزناه لخصوص هذا المأحذ # الطريقة الموفية عشرين ان الاحاديث عن النبي واصحابه مطلقة بقتل سابه لم يؤمر فيها باستتابة ولم يستثن منها من تاب واسلم كما هي مطلقة عنهم في قتل الزاني المحصن ولو كان يستثني

    منها حال دون حال لوجب بيان ذلك فأن سب النبي قد وقع منه وهو الذي علق القتل عليه ولم يبلغنا حديث ولا اثر يعارض ذلك وهذا بخلاف قوله من بدل دينه فاقتلوه فان المبدل للدين هو المستمر على التبديل دون من عاد وكذلك قوله التارك لدينه المفارق للجماعة فان من عاد إلى دينه لم يجز ان يقال هو تارك لدينه ولا مفارق لللجماعة وهذا المسلم او المعاهد اذا سب الرسول ثم تاب لم يكن ان يقال ليس بساب للرسول او لم يسب الرسول فان هذا الوصف واقع عليه تاب او لم يتب كما يقع على الزاني والسارق والقاذف وغيرهم # الطريقة الحادية والعشرون انا قد قررنا ان المسلم اذا سب الرسول يقتل وان تاب بما ذكرناه من النص والنظر والذمي كذلك فان أكثر ما يفرق به اما كون المسلم يتبين بذلك انه منافق او انه مرتد قد وجب عليه حد من الحدود فيستوفى منه ونحو ذلك وهذا المعنى موجود في الذمي فان اظهاره للإسلام بمنزلة اظهاره للذمة فاذا لم يكن كان صادقا في عهده وامانه لم نعلم انه صادق في إسلامه وايمانه وهو معاهد قد وجب عليه حد من الحدود فيستوفي منه كسائر الحدود # وقول من يقول قتل المسلم اولى يعارضه قول من يقول قتل الذمي اولى وذلك ان الذمي دمه اخف حرمة والقتل اذا وجب عليه في حال الذمة لسبب لم يسقط عنه بالإسلام

    1. يبين ذلك انه لا يبيح دمه الا اظهار السب وصريحه بخلاف المسلم فان دمه محقون وقد يجوز انه غلظ بالسب فاذا حقق الإسلام والتوبة من السب ثبت العاصم مع ضعف المبيح والذمي المبيح محقق والعاصم لا يرفع ما وجب فيكون اقوى من هذا الوجه # الا ترى ان المسلم لو كان منافقا لم يقتصر على السب فقط بل لابد ان تظهر منه كلمات مكفرة غير ذلك بخلاف الذمي فانه لا يطلب على كفره دليل وانما يطلب على محاربته وافساده والسب من اظهر الادله على ذلك كما تقدم # الطريقة الثانية والعشرون انه سب لمخلوق لم يعلم عفوه فلا يسقط بالإسلام كسب سائر المؤمنين وأولى فان الذمي لو سب مسلما او معاهدا ثم اسلم لعوقب على ذلك بما كان يعاقب به قبل ان يسلم فكذلك اذا سب الرسول وأولى وكذلك يقال في المسلم اذا سبه # تحقيق ذلك ان القاذف والشاتم اذا قذف انسانا فرفعه إلى السلطان فتاب كان له ان يستوفي منه الحد وهذا الحد إنما وجب لما الحق به من العار والغضاضه فان الزنى امر يستخفى منه فقذف المرء به يوجب تصديق كثير من الناس به وهو من الكبائر التي لا يساويها غيرها في

    العار والمنقصة اذا تحقق ولا يشبهه غيره في لحوق العار اذا لم يتحقق فانه اذا قذفه بقتل كان الحق لاولياء المقتول ولا يكاد يخلو غالبا من طهور كذب الرامي به او براءة المرمي به من الحق بإبراء اهل الحق او بالصلح او بغير ذلك على وجه لا يبقي عليه عار وكذلك الرمي بالكفر فان ما يظهره من الإسلام يكذب هذا الرامي به فلا يضر الا صاحبه ورمي الرسول بالعظائم يوجب الحاق العار به والغضاضه لانه باي شئ رماه من السب كان متضمنا للطعن في النبوه وهي وصف خفي فقد يؤثر كلامه اثرا في بعض النفوس فتوبته بعد اخذه قد يقال انها صدرت عن خوف وتقية فلا يرتفع العار والغضاضة الذي الحقه به كما لا يرتفع العار الذي يلحق بالمقذوف بإظهار القاذف التوبة ولذلك كانت توبته توجب زوال الفسق عنه وفاقا وتوجب قبول شهادته عند أكثر الفقهاء ولا يسقط الحد الذي للمقذوف فكذلك شاتم الرسول
    فان قيل ما اظهره الله لنبيه من الايات والبراهين المحققة لصدقه في نبوته تزيل عار هذا السب وتبين انه مفتر كذاب بخلاف المقذوف بالزنى # قيل فيجب على هذا ان لو قذفه أحد بالزنى في حياته ان لا يجب عليه حد قذف وهذا ساقط وكان يجب على هذا ان لا يعبأ بمن يسبه ويهجوه بل يكون من يخرج عن الدين والعهد بهذا وبغيره على حد
    واحد وهو خلاف الكتاب والسنه وما كان عليه السابقون ويجب اذا قذف رجل سفيه معروف بالسفه والفرية من هو مشهور عند الخاصة والعامه بالعفة مشهود له بذلك ان لا يحد وهذا كله فاسد وذلك لان مثل هذا السب والقذف لا يخاف من تأثيره في قلوب اولي الالباب وانما يخاف تأثيره في عقول ضعيفة وقلوب مريضة ثم سمع العالم يكذبه له من غير نكير يصغر الحرمه عنده وربما طرق له شبهة وشك فان القلوب سريعة التقلب وكما ان حد القذف شرع صونا للعرض من التلطخ بهذه القاذورات وسترا للفاحشة وكتما لها فشرع ما يصون عرض الرسول من التلطيخ بما قد ثبت انه بريئ منه اولى وستر الكلمات التي اوذي بها ونيل منه فيها اولى لما في ذكرها من تسهيل الاجتراء عليه الا ان حد هذا السب والقذف والقتل لعظم موقعه وقبح تاثيره فانه لو لم يؤثر الا تحقيرا لحرمة او فساد قلب واحد او القاء شبهة في قلب كان بعض ذلك يوجب القتل بخلاف عرض الواحد من الناس فانه لا يخاف منه مثل هذا وسيجيئ الجواب عما يتوهم فرقا بين سب النبي وسب غيره في سقوط حده بالتوبة دون حد غيره # الطريقة الثالثة والعشرون ان قتل الذمي اذا سب اما ان يكون جائزا غير واجب اويكون واجبا والاول باطل بما قدمناه من الدلائل في المسألة الثانية وبينا انه قتل واجب واذا كان واجبا
    على الذمي بل كل عقوبة وجبت على الذمي لقدر زائد على الكفر فانها لا تسقط بالإسلام اصلا جامعا وقياسا جليا فانه يجب قتله بالزنى والقتل في قطع الطريق وبقتل المسلم او الذمي ولا يسقط الإسلام قتلا واجبا وبهذا يظهر الفرق بين قتله وقتل الحربي الاصلي او الناقض المحض فان القتل هناك ليس واجبا عينا وبه يظهر الفرق بين هذا وبين سقوط الجزية عنه بالإسلام عند أكثر الفقهاء غير الشافعي فان الجزية عند بعضهم عقوبة للمقام على الكفر وعند بعضهم حقن الدم وقد يقال اجرة سكنى الدار ممن لا يملك السكنى فليست عقوبة وجبت لقدر زائد على الكفر

    1. الطريقة الرابعة والعشرون انه قتل لسبب ماضي فلم يسقط بالتوبة والإسلام كالقتل للزنى وقطع الطريق وعكسه القتل لسبب حاضر وهو القتل لكفر قديم باق او محدث جديد باق اعني الكفر الاصلي والطارئ وذلك ان النبي عليه وسلم قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فأمر بقتله للاذى ماض ولم يقل فانه يؤذي الله ورسوله وكذلك ما تقدم من الاثار فيها دلالة على ان السب اوجب القتل والسب كلام لا يدوم ويبقى بل هو كالأفعال المنصرمة من القتل والزنى وما كان هكذا فالحكم فيه عقوبة فاعله مطلقا بخلاف القتل للردة او للكفر الاصلي فانه انما يقتل لانه حاضر موجود حين القتل لان الكفر اعتقاد والاعتقاد يبقى في القلب وانما يظهر انه اعتقاد بما يظهر من قول ونحوه فإذا ظهر فالاصل بقائه فيكون هذا الاعتقاد حاصلا في القلب وقت القتل وهذا وجه محقق ومبناه على ان قتل الساب ليس لمجرد الردة ونقض العهد فقط كغيره ممن جرد الردة وجرد نقض العهد بل لقدر زائد على ذلك وهو ما جاء به من الاذى والاضرار وهذا اصلا قد تمهد على وجهه لا يستريب فيه لبيب # الطريقة الخامسة والعشرون ان قتل الساب قتل تعلق بالنبي فلم يسقط بإسلام الساب كما لو قتل نبيا وذلك ان المسلم او المعاهد اذا قتل نبيا ثم اسلم بعد ذلك لم يسقط عنه القتل فانه لو قتل بعض الامة لم يسقط عنه القتل بالإسلامه فكيف يسقط عنه اذا قتل النبي ولا يجوز ان يتخير فيه خليفته بعد الإسلام بين القتل والعفو على الدية

    او أكثر منها كما يتخير في قتل قاتل من لا وارث له لان قتل النبي أعظم انواع المحاربة والسعي في الارض فسادا فإن هذا حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا بلا ريب واذا كان من قاتل على خلاف امره محاربا له ساعيا في الارض فسادا فمن قاتله او قتله فهو أعظم محاربة واشد سعيا في الارض فسادا وهو من أكبر انواع الكفر ونقض العهد وان زعم انه لم يقتله مستحلا كما ذكره اسحاق بن راهويه من ان هذا إجماع من المسلمين وهو ظاهر واذا وجب قتله عينا وان اسلم وجب قتل سابه ايضا وان اسلم لان كلاهما اذى له يوجب القتل لا لمجرد كونه ردة او نقض عهد لا تمثيلا له بقتل غيره او سبه فان سب غيره لا يوجب القتل وقتل غيره انما فيه القود الذي يتخير فيه الوارث او السلطان بين القتل او اخذ الدية وللوارث ان يعفوا عنه مطلقا بل
    لكون هذا محاربه لله ورسوله وسعيا في الارض فسادا ولا يعلم شئ أكثر منه فان أعظم الذنوب الكفر وبعده قتل النفس وهذا اقبح الكفر وقتل أعظم النفوس قدرا ومن قال ان حد سبه يسقط بالإسلام لزمه ان يقول ان قاتله اذا اسلم يصير بمنزلة قاتل من لا وارث له من المسلمين لان القتل بالردة ونقض العهد سقط ولم يبق الا مجرد القود كما قال بعضهم ان قاذفه اذا اسلم جلد ثمانين او ان يقول يسقط عنه القود بالكلية كما اسقط حد قذفه وسبه بالكلية وقال انغمر حدا السب في موجب الكفر لا سيما على رأية ان كان السب من كافر ذمي يستحل قتله وعداوته ثم اسلم بعد ذلك وأقبح بهذا من قول ما انكره وابشعه وانه لا يقشعر منه الجلد ان تطل دماء الانبياء في موضع تثأر دماء غيرهم وقد جعل الله عامة ما اصاب بني اسرائل من الذلة
    والمسكنة والغضب حتى سفك منهم من الدماء ما شاء الله ونهبت الاموال وزال الملك عنهم وسبيت الذرية وصاروا تحت ايدي غيرهم إلى يوم القيامة انما هو بأنهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون البيين بغير الحق وكل من قتل نبيا فهذا حاله وانما هذا كقوله ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم ^ عطف خاص على عام واذا كان هذا باطلا فنظيره باطل مثله فان اذى النبي اما ان يندرج في عموم الكفر والنقض او يسوى بينه وبين اذى غيره فيما سوى ذلك او يوجب القتل لخصوصه فاذا بطل القسمان الاولان تعين الثالث ومتى اوجب القتل لخصوصه فلا ريب انه يوجبه مطلقا # واعلم ان منشأ الشبهة في هذه المسألة القياس الفاسد وهو التسوية في الجنس بين المتباينين تباينا لا يكاد يجمعهما جامع وهو التسوية بين النبي وغيره في الدم او في العرض اذا فرض عود المنتهك إلى الإسلام وهو مما يعلم بطلانه ضرورة ويقشعر الجلد من التفوه به فان من قتله للردة او للنقض فقط ولم يجعل لخصوص كونه اذى له اثرا وانما المؤثر عنده عموم وصف الكفر اما ان يهدر خصوص الاذى او يسوى فيه بينه وبين غيره زعما منه ان جعله كفرا ونقضا هو غاية التعظيم وهذا كلام من لم ير للرسول حقا يزيد على مجرد تصديقه في الرسالة وسوى بينه وبين سائر المؤمنين فيما سوى هذا الحق
    وهذا كلام خبيث يصدر عن قلة فقه ثم يجر إلى شعبة نفاق ثم يخاف ان يخرج إلى النفاق الاكبر وانه لخليق به ومن قال هذا القول من الفقهاء لا يرتضي ان يلتزم مثل هذا المحذور ولا يفوه به فان الرسول أعظم في صدورهم من ان يقولوا فيه مثل هذا لكن هذا لازم قولهم لازوما لا محيد عنه وكفى بقول فسادا ان يكون هذا حقيقته بعد تحريره والا فمن تصور ان له حقوقا كثيره عظيمة مضافة إلى الايمان به وهي زيادة في الايمان به كيف يجوز ان يهدر اذاه اذا فرض عريا عن الكفر او يسوى بينه وبين غيره ارايت لو ان رجلا سب اباه واذاه كانت عقوبته المشروعة مثل عقوبة من سب غير ابيه أم يكون اشد لما قابل الحقوق بالعقوق وقد قال سبحانه وتعالى ^ فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ^ الاية وفي مراسيل أبي دواد عن ابن المسيب ان النبي قال من ضرب اباه فاقتلوه وبالجملة فلا يخفى على لبيب ان حقوق الوالدين لما كانت أعظم كان النكال على اذاهما باللسان وغيره اشد مع انه ليس كفرا فاذا كان قد اوجب له من الحقوق ما يزيد على التصديق وحرم من انواع اذاه ما لا يستلزم التكذيب فلابد لتلك
    الخصائص من عقوبات على الفعل والترك ومما هو كالاجماع من المحققين امتناع ان يسوى بينه وبين غيره في العقوبة على خصوص اذاه وهو ظاهر لم يبق الا ان يكون القتل جزاء ما قوبل به من حقوقه بالعقوق جزاء وفاقا وانه لقليل له ولعذاب الاخرة اشد وقد لعن الله مؤذيه في الدنيا والاخرة واعد له عذابا مهينا # الطريقة السادسة والعشرون انا قد قدمنا من السنة واقوال الصحابة ما دل على قتل من اذاه بالتزوج بنسائه والتعرض بهذا الباب لحرمته في حياته او بعد موته وان قتله لم يكن حد الزنى من وطء ذوات المحارم وغيرهن بل لما في ذلك من اذاه فإما ان يجعل هذا الفعل كفرا او لا يجعل فإن لم يجعل كفرا فقد ثبت قتل من اذاه مع تجرده عن الكفر وهو المقصود فالاذى بالسب ونحوه اغلظ وان جعل كفرا فلو فرض انه تاب منه لم يجز ان يقال يسقط القتل عنه لانه يستلزم ان يكون من الافعال ما يوجب القتل ويسقط بالتوبة بعد القدرة وثبوته عند الإمام وهذا لاعهد لنا به في الشريعة ولا يجوز اثبات مالا نضير له الا بنص وهو لعمري سمج فان اظهار التوبة باللسان من فعل تشتهيه النفوس سهل على ذي الغرض اذا اخذ فيسقط مثل هذا الحد بهذا واذا لم يسقط القتل الذي اوجبه هذا الاذى عنه فكذلك القتل الذي اوجبه اذى اللسان واولى لان القران قد غلظ هذا على ذاك والتقدير ان كلاهما كفر فاذا لم يسقط قتل من اتى بالادنى فأن لا يسقط قتل من اتى بالاعلى اولى

    1. الطريقة السابعة والعشرون انه سبحانه وتعالى قال ^ ان شانئك هو الابتر ^ فاخبر سبحانه ان شانئه هو الابتر والبتر القطع يقال بتر يبتر بترا وسيف بتار اذا كان قاطعا ماضيا ومنه في الاشتقاق الاكبر تبره تتبيرا اذا اهلكه والتبار الهلاك

    والخسران وبين سبحانه انه هو الابتر بصيغة الحصر والتوكيد لانهم قالوا ان محمدا ينقطع ذكره لانه لا ولد له فبين الله ان الذي يشنأه هو الابتر لا هو والشنان منه ما هو باطن في القلب لم يظهر ومنه ما يظهر على اللسان وهو أعظم الشنان واشده وكل جرم استحق فاعله عقوبة من الله اذا اظهر ذلك الجرم عندنا وجب ان نعاقبه ونقيم عليه حد الله فيجب ان نبتر من اظهر شنانه وابدى عداوته واذا كان ذلك واجبا وجب قتله وان اظهر التوبة بعد القدرة والا لما انبتر له شانيء بايدينا في غالب الامر لانه لا يشاء شانئ ان يظهر شنانه ثم يظهر المتاب بعد رؤية السيف الا فعل فان ذلك سهل على من يخاف السيف # تحقيق ذلك انه سبحانه رتب الانبتار على شنانه والاسم المشتق المناسب اذا علق به حكم كان ذلك دليلا على ان المشتق منه علة لذلك الحكم فيجب ان يكون شنانه هو الموجب لانبتاره وذلك اخص مما تضمنه الشنان من الكفر المحض او نقض العهد والانبتار يقتضي وجوب قتله بل يقتضي انقطاع العين والاثر فلو جاز استحياؤه بعد اظهار الشنان لكان في ذلك ابقاء لعينه واثره واذا اقتضى الشنان قطع عينه واثره كان كسائر الاسباب الموجبة لقتل الشخص وليس شئ يوجب قتل الذمي الا هو موجب لقتله بعد الإسلام اذ الكفر المحض مجوز للقتل لا موجب له على الاطلاق وهذا لان اله سبحانه لما رفع
    ذكر محمد فلا يذكر الا ذكر معه ورفع ذكر من اتبعه إلى يوم القيامة حتى انه يبقى ذكر من بلغ عنه ولو حديثا وان كان غير فقيه قطع اثر من شناه من المنافقين واخوانهم من اهل الكتاب وغيرهم فلا يبقى له ذكر حميد وان بقيت اعيانهم وقتا ما اذا لم يظهروا الشنان فاذا اظهروه محقت اعيانهم واثارهم تقديرا وتشريعا فلو استبقى من اظهر شنانه بوجه ما لم يكن مبتورا اذ البتر يقتضي قطعه ومحقه من جميع الجوانب والجهات فلو كان له وجه إلى البقاء لم يكن مبتورا # يوضح ذلك ان العقوبات التي شرعها الله نكالا مثل قطع السارق ونحوه لا تسقط باظهار التوبة اذ النكال لا يحصل بذلك فما شرع لقطع صاحبه وبتره ومحقه كيف يسقط بعد الاخذ فان هذا الفظ يشعر بان المقصود اصطلام صاحبه واستئصاله واجتياحه وقطع شأفته وما كان بهذه المثابة كان عما يسقط عقوبته ابعد من كل أحد وهذا بين لمن تامله والله اعلم # والجواب عن حججهم اما قولهم هو مرتد فيستتاب كسائر المرتدين فالجواب ان هذا مرتد بمعنى انه تكلم بكلمة صار بها كافرا حلال الدم مع جواز ان يكون مصدقا للرسول معترفا بنوبته لكن موجب التصديق توقيره في الكلام فاذا انتقصه في كلامه ارتفع حكم
    التصديق وصار بمنزلة اعتراف ابليس لله بالربيوية فانه موجب للخضوع له فلما استكبر عن امره بطل حكم ذلك الاعتراف فالايمان بالله وبرسوله قول وعمل اعني بالعمل ما ينبعث عن القول والاعتقاد من التعظيم والاجلال فاذا عمل ضد ذلك من الاستكبار والاستخفاف صار كافرا وكذلك كان قتل النبي كفرا باتفاق العلماء فالمرتد كل من اتى بعد الإسلام من القول او العمل بما يناقض الإسلام بحيث لا يجتمع معه واذا كان كذلك فليس كل من وقع عليه اسم المرتد يحقن دمه بالإسلام فان ذلك لم يثبت بلفظ علم عن النبي ولا عن اصحابه وانما جاء عنه وعن اصحابه في ناس مخصوصين انهم استتابوهم او امروا باستتابتهم ثم انهم امروا بقتل الساب وقتلوه من غير استتابة # وقد ثبت عن النبي انه قتل العرنيين من غير استتابة وانه اهدر دم ابن خطل ومقيس بن صبابه وابن أبي سرح من غير استتابة فقتل منهم اثنان واراد من اصحابه ان يقتلوا الثالث بعد ان جاء تائبا # فهذه سنة رسول الله وخلفائه الراشدين وسائر الصحابة تبين لك ان من المرتدين من يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته ومنهم من يستتاب وتقبل توبته فمن لم يوجد منه الا مجرد تبديل الدين وتركه وهو مظهر
    لذلك فاذا تاب قبلت توبته كالحارث بن سويد واصحابه والذين ارتدوا في عهد الصديق رضي الله عنه ومن كان مع ردته قد اصاب ما يبيح الدم من قتل مسلم وقطع الطريق وسب الرسول والافتراء عليه ونحو ذلك وهو في دار الإسلام غير ممتنع بفئة فانه اذا اسلم يؤخذ بذلك الموجب للدم فيقتل للسب وقطع الطريق مع قبول إسلامه # هذه طريقة من يقتله لخصوص السب وكونه حدا من الحدود او حقا للرسول فانه يقول الردة نوعان ردة مجردة وردة مغلظة والتوبة انما هي مشروعة في الردة المجردة فقط دون الردة المغلظة وقد تقدم تقرير ذلك في الادلة # ثم الكلمة الوجيزة في الجواب ان يقال جعل الردة جنسا واحدا تقبل توبة اصحابه ممنوع فلابد له من دليل ولا نص في المسالة والقياس متعذر لوجود الفرق # ومن يقتله لدلالة السب على الزندقة فانه يقول هذا لم يتب اذا
    لا دليل يدل على صحة التوبة كما تقدم # وبهذا حصل الجواب عن احتجاجه بقول الصدق وتقدم الجواب عن قول ابن عباس واما استتابة الاعمى أم ولده فانه لم يكن سلطانا ولم تكن اقامة الحدود واجبة عليه وانما النظر في جواز اقامته للحد ومثل هذا لا ريب انه يجوز له ان ينهي الساب ويستتيبه فانه ليس عليه ان يقيم الحد ولا يمكنه ان يشهد به عند السلطان وحده فانه لاينفع ونظيره في ذلك من كان يسمع من المسلمين كلمات من المنافقين توجب الكفر فتارة ينقلها إلى النبي وتارة ينهي صاحبها ويخوفه ويستتيبه وهو بمثابة من ينهى من يعلم منه الزنى او السرقة او قطع الطريق عن فعله لعله يتوب قبل ان يرفع إلى السلطان ولو رفع قبل التوبة لم يسقط حده بالتوبة بعد ذلك # واما الحجة الثانية فالجواب عنها من وجوه # احدها انه مقتول بالكفر بعد الإسلام وقولهم كل من كفر بعد إسلامه فان توبته تقبل # قلنا هذا ممنوع والاية إنما دلت على قبول توبة من كفر بعد ايمانه اذا لم يزدد كفرا اما من كفر وزاد على الكفر فلم تدل الاية على قبول توبته بل قوله ^ ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادو
    كفرا ^ قد يتمسك بها في خلاف ذلك على انه انما استثنى من تاب واصلح وهذا لا يكون فيمن تاب بعد اخذه وانما استفدنا سقوط القتل عن التائب لمجرد توبته من السنة وهي انما دلت على من جرد الردة مثل الحارث بن سويد ودلت على ان من غلظها كابن أبي سرح يجوز قتله بعد التوبة والإسلام # الوجه الثاني انه مقتول لكونه كفر بعد إسلامه ولخصوص السب كما تقدم تقريره فاندرج في عموم الحديث مع كون السب مغلظا لجرمه ومؤكدا لقتله # الثالث انه عام قد خص منه تارك الصلاة وغيرها من
    الفرائض عند من يقتله ولا يكفره وخص منه قتل الباغي وقتل الصائل بالسنة والاجماع فلو قيل ان السب موجب للقتل بالادلة التي ذكرناها وهي اخص من هذا الحديث لكان كلاما صحيحا

    1. واما من يحتج بهذا الحديث في الذمي اذا سب ثم اسلم فيقال له هذا وجب قتله قبل الإسلام والنبي انما يريد اباحة الدم بعد حقنه بالإسلام ولم يتعرض لمن وجب قتله ثم اسلم اي شئ حكمه ولا يجوز ان يحمل الحديث عليه فانه اذا حمل على حل الدم بالاسباب الموجوده قبل الإسلام وبعده لزم من ذلك ان يكون الحربي اذا قتل او زنى ثم شهد شهادتي الحق ان يقتل بذلك القتل والزنى لشمول الحديث على هذا التقدير له وهو باطل قطعا ولا يجوز ان يحمل على ان كل من اسلم لا يحل دمه الا باحدى الثلاث ان صدر عنه بعد ذلك لانه يلزمه ان لايقتل الذمي لقتل او زنى صدر منه قبل الإسلام فعلم ان المراد ان المسلم الذي تكلم بالشهادتين يعصم دمه لا يبيحه بعد هذا الا احدى الثلاث ثم لو اندرج هذا في العموم لكان مخصوصا بما ذكرناه من ان قتله حد من الحدود وذلك ان كل من اسلم فان الإسلام يعصم دمه فلا يباح بعد ذلك الا باحدى الثلاث وقد يتخلف الحكم عن هذا المقتضى لمانع من ثبوت حد قصاص او زنى او نقض عهد فيه ضرر وغير ذلك ومثل هذا كثيرا في العمومات


    1. واما الاية على الوجهين الاولين فنقول انما تدل على ان من كفر بعد ايمانه ثم تاب واصلح فان الله غفور رحيم له ونحن نقول بموجب ذلك اما من ضم إلى الكفر انتهاك عرض الرسول والافتراء عليه أو قتله او قتل واحد من المسلمين او انتهك عرضه فلا تدل الاية على سقوط العقوبة عن هذا على ذلك والدليل على ذلك قوله سبحانه ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ فان التوبة عائدة إلى الذنب المذكور والذنب المذكور هو الكفر بعد الايمان وهذا اتى بزيادة على الكفر توجب عقوبة بخصوصها كما تقدم والاية لم تتعرض من للتوبة من غير الكفر ومن قال هو زنديق قال انا لااعلم ان هذا تاب ثم ان الاية انما استثنى فيها من تاب واصلح وهذا الذي يرفع إلى الإمام لم يصلح وانا لا ادخر العقوبة الواجبة عليه إلى ان يظهر صلاحه نعم الاية قد تعم من فعل ذلك ثم تاب واصلح قبل ان يرفع إلى الإمام وهنا قد يقول كثير من الفقهاء بسقوط العقوبة على ان الاية التي بعدها قد تشعر بان المرتد قسمان قسم تقبل توبته وهو من كفر فقط وقسم لا تقبل توبته وهو من كفر ثم ازداد كفرا قال سبحانه وتعالى ^ ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبته ^ وهذه

    الاية وان كان قد تاولها اقوام على من ازداد كفرا إلى ان عاين الموت فقد يستدل بعمومها على هذه المسالة فيقال من كفر بعد ايمانه وازداد كفرا بسب الرسول ونحوه لم تقبل توبته خصوصا من استمر به ازدياد الكفر إلى ان ثبت عليه الحد واراد السلطان قتله فهذا قد يقال انه ازداد كفرا إلى ان راى اسباب الموت وقد يقال فيه ^ فلما راوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده ^ إلى قوله ^ فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا باسنا ^ واما قوله سبحانه وتعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ فانه يغفر لهم ما قد سلف من الاثام اما من الحدود الواجبة على مسلم مرتد او معاهد فانه يجب استيفاؤها بلا تردد على ان سياق الكلام يدل انها في الحربي # ثم نقول الانتهاء انما هو الترك قبل القدرة كما في قوله تعالى ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ^ إلى قوله ^ اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا ^ فمن لم يتب حتى اخذ فلم ينته ويقال ايضا انما تدل الاية على انه يغفر لهم وهذا مسلم وليس كل من غفر له سقطت العقوبة عنه في الدنيا فان الزاني او السارق لو تاب توبة نصوحا غفر الله له ولابد من اقامة الحدود عليه وقوله
    الإسلام يجب ما قبله كقوقله التوبة تجب ما قبلها ومعلوم ان التوبة بعد القدرة لا تسقط الحد كما دل عليه القران وذلك ان الحديث خرج جوابا لعمرو بن العاص لما قال للنبي ابايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي فقال يا عمر اما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان التوبة تهدم ما كان قبلها وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله فعلم انه عنى بذلك انه يهدم اثام الذنوب التي سأل عمرو مغفرتها ولم يجر للحدود ذكر وهي لا تسقط بهذه الاشياء بالاتفاق وقد بين في حديث ابن أبي سرح ان ذنبه سقط بالإسلام وان القتل انما سقط عنه يعفو النبي كما تقدم ولو فرض انه عام فلا خلاف ان الحدود لا تسقط عن الذمي بإسلامه وهذا منها كما تقدم # واما قوله سبحانه وتعالى ^ ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ^ فالجواب عنها من وجوه # احدها انه ليس في الاية دليل على ان هذه الاية نزلت فيمن سب النبي وشتمه وانما فيها انها نزلت بالمنافقين وليس كل منافق
    يسبه ويشتمه فان الذي يشتمه من أعظم المنافقين واقبحهم نفاقا وقد ينافق الرجل بان لايعتقد النبوة وهو لا يشتمه كحال كثيرا من الكفار ولو ان كل منافق بمنزلة من شتمه لكان كل مرتد شاتما ولا ستحالت هذه المسالة وليس الامر كذلك فان الشتم قدر زائد على النفاق والكفر على ما لا يخفى وقد كان ممن هو كافر من يحبه ويوده ويصطنع اليه المعروف خلق كثير وكان ممن يكف عنه اذاه من الكفار خلق أكثر من اولئك وكان ممن يحاربه ولا يشتمه خلق اخرون بل الاية تدل على انها نزلت في منافقين غير الذين يؤذونه فانه سبحانه وتعالى قال ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ^ إلى قوله ^ يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرج ما تحذرون ولئن سالتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل ا بالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بانهم كانوا مجرمين ^ فليس في هذا ذكر سب وانما فيه ذكر استهزاء ومن الاستهزاء بالدين ما لا يتضمن سبا ولا شتما للرسول # وفي هذا الوجه نظر كما تقدم في سبب نزولها الا ان يقال تلك الكلمات ليست من السب المختلف فيه وهذا ليس بجيد # الوجه الثاني انهم قد ذكروا ان المعفو عنه هو الذي استمع اذاهم
    ولم يتكلم وهو مخشي بن حمير هو الذي تيب عليه واما الذين تكلموا بالاذى فلم يعف عن أحد منهم # يحقق هذا ان العفو المطلق انما هو ترك المؤاخذة بالذنب وان لم يتب صاحبه كقوله تعالى ^ ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ^ والكفر لا يعفى عنه فعلم ان الطائفة المعفو عنها كانت عاصية لا كافرة اما بسماع الكفر دون انكاره والجلوس مع الذين يخوضون في ايات الله او بكلام هو ذنب وليس هو كفرا او غير ذلك وعلى هذا فتكون الاية دالة على انه لابد من تعذيب اولئك المستهزئين وهو دليل على انه لا توبة لهم لان من اخبر الله بانه يعذب وهو معين امتنع ان يتوب توبة تمنع العذاب فيصلح ان يجعل هذا دليلا في المسالة # الوجه الثالث انه سبحانه وتعالى اخبر انه لابد ان يعذب طائفة من هؤلاء ان عفا عن طائفة وهذا يدل على ان العذاب واقع بهم لا محالة وليس فيه ما يدل على وقوع العفو لان العفو معلق بحرف
    الشرط فهو محتمل واما العذاب فهو واقع بتقدير وقوع العفو وهو بتقدير عدمه اوقع فعلم انه لابد من التعذيب اما عاما او خاصا لهم ولو كانت توبتهم كلهم مرجوة صحيحة لم يكن كذلك لانهم اذا تابوا لم يعذبوا واذا ثبت انهم لابد ان يعذبهم الله لم يجز القول بجواز قبول التوبة منهم وانه يحرم تعذيبهم اذا اظهروها وسواء اراد بالتعذيب التعذيب بعذاب من عنده او بايدي المؤمنين لانه سبحانه وتعالى امر نبيه فيما بعد بجهاد الكفار والمنافقين فكان من اظهره عذب بايدي المؤمنين ومن كتمه عذبه الله بعذاب من عنده وفي الجملة فليس في الاية دليل على ان العفو واقع وهذا كاف هنا # الوجه الرابع انه ان كان في هذه الاية دليل على قبول توبتهم فهو حق وتكون هذه التوبة اذا تابوا قبل ان يثبت النفاق عند السلطان كما بين ذلك قوله تعالى ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ^ الايتين فانها دليل على ان من لم ينته حتى اخذ فانه يقتل وعلى هذا فلعله والله اعلم عنى ^ وان نعف عن طائفة منكم ^ وهم الذين اسروا النفاق حتى تابوا منه ^ نعذب طائفة ^ وهم الذين اظهروه حتى اخذوا فتكون دالة على وجوب تعذيب من اظهره




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  4. #34
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. الوجه الخامس ان هذه الاية تضمنت ان العفو عن المنافق اذا اظهر النفاق وتاب او لم يتب فذلك منسوخ بقوله تعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ كما اسلفناه وبيناه # ويؤيده انه قال ^ ان نعف ^ ولم يقل يتب وسبب النزول يؤيد ان النفاق ثبت عليهم ولم يعاقبهم النبي وذلك كان في غزوة تبوك قبل ان تنزل براءة وفي عقبها نزلت سورة براءة فامر فيها بنبذ العهود إلى المشركين وجهاد الكفار والمنافقين ونهى فيها عن الصلاة عليهم فلم يظهر أحد بعدها نفاقا # واما قوله ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ الايتين # فالجواب عما احتج به منها من وجوه


    1. احدها انه سبحانه وتعالى انما ذكر انهم قالوا كلمة الكفر وهموا بما لم ينالوا وليس في هذا ذكر للسب والكفر اعم من السب ولا يلزم من ثبوت الاعم ثبوت الاخص لكن فيما ذكر من سبب نزولها ما يدل على انها نزلت فيمن سب فيبطل هذا # الوجه الثاني انه سبحانه وتعالى انما عرض التوبة على الذين يحلفون بالله ما قالوا وهذا حال من انكر ان يكون تكلم بكفر وحلف على انكاره فاعلم الله نبيه انه كاذب في يمينه وهذا كان شان كثير ممن يبلغ النبي عنه الكلمة من النفاق ولا تقوم عليه به بينة ومثل هذا لا يقام عليه حد اذ لم يثبت عليه في الظاهر شيء والنبي انما يحكم في الحدود ونحوها بالظاهر والذي ذكروه في سبب نزولها من الوقائع كلها انما فيه ان النبي اخبره بما قالوا مخبر واحد اما حذيفه او عامر بن قيس او زيد بن ارقم او غير هؤلاء او انه اوحي اليه

    بحالهم وفي بعض التفاسير ان المحكي عنه هذه الكلمة الجلاس بن سويد اعترف بانه قالها وتاب من ذلك من غير بينه قامت عليه فقبل رسول الله ذلك منه وهذا كله دلالة واضحة على ان التوبة من مثل هذا مقبولة وهي توبة من لم يثبت عليه نفاق وهذا لا خلاف فيه اذا تاب فيما بينه وبين الله سرا كما نافق سرا انه تقبل توبته ولو جاء مظهرا لنفاقه المتقدم ولتوبته منه من غير ان تقوم عليه بينه بالنفاق قبلت توبته ايضا على القول المختار كما تقبل توبة من جاء مظهرا للتوبة من زنى او سرقة لم يثبت عليه على الصحيح واولى من ذلك واما من ثبت نفاقه بالبينه فليس فالاية ولا فيما ذكر من سبب نزولها ما يدل على قبول توبته بل ليس في نفس الاية ما يدل على ظهور التوبة بل يجوز ان يحمل على توبته فيما بينه وبين الله فان ذلك نافعه وفاقا وان اقيم عليه الحد كما قال سبحانه ^ والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ^
    و ^ ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ^ و ^ ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا ^ و ^ الم يعلموا ان الله هويقبل التوبة عن عباده ^ و ^ غافر الذنب وقابل التوب ^ إلى غير ذلك من الايات مع ان هذا لا يوجب ان يسقط الحد الواجب بالبينة عمن اتى فاحشة موجبة للحد او ظلم نفسه بشرب او سرقة فلو قال من لم يسقط الحد عن المنافق سواء ثبت نفاقه ببينه او اقرار ليس في الاية ما يدل على سقوط الحد عنه لكان لقوله مساغ # الوجه الثالث انه قال سبحانه وتعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ إلى قوله ^ يحلفون بالله ما قالوا ^ الاية وهذا تقرير لجهادهم وبيان لحكمته واظهار لحالهم المقتضي لجهادهم فان ذكر الوصف المناسب بعد الحكم يدل على انه علة له وقوله ^ يحلفون بالله ما قالوا ^ وصف لهم وهو منا سب لجهادهم فان كونهم يكذبون في ايمانهم ويظهرون الايمان ويبطنون الكفر موجب
    للاغلاظ عليهم بحيث لايقبل منهم ولا يصدقون فيما يظهرونه من الايمان بل ينتهرون ويرد ذلك عليهم # وهذا كله دليل على انه لا يقبل ما يظهره من التوبة بعد اخذه اذ لا فرق بين كذبه فيما يخبر به عن الماضي انه لم يكفر وفيما يخبره من الحاضر انه ليس بكافر فاذا بين سبحانه وتعالى من حالهم ما يوجب ان لا يصدقوا وجب ان لا يصدق في اخباره انه ليس بكافر بعد ثبوت كفره بل يجري عليه حكم قوله تعالى ^ والله يشهد ان المنافقين لكاذبون لكن بشرط ان يظهر كذبه فيها فاما بدون ذلك فانا لم نامر ان ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم وعلى هذا فقوله تعالى ^ فان يتوبوا يك خيرا لهم ^ اي قبل ظهور النفاق وقيام البينه به عند الحاكم حتى يكون للجهاد موضع وللتوبة موضع والا فقبول التوبة الظاهرة في كل وقت يمنع الجهاد لهم بالكلية # الوجه الرابع انه سبحانه وتعالى قال بعد ذلك ^ وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة ^ وفسر ذلك في قوله تعالى ^ ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بايدينا ^ وهذا يدل على ان هذه التوبة قبل ان نتمكن من تعذيبهم بايدينا لان من تولى عن التوبة حتى اظهر النفاق وشهد عليه به واخذ فقد تولى عن التوبة التي عرضها الله عليه فيجب ان يعذبه الله عذابا اليما
    في الدنيا والقتل عذاب اليم فيصلح ان يعذب به لان المتولى ابعد احواله ان يكون ترك التوبة إلى ان يتركه الناس لانه لو كان المراد به تركها إلى الموت لم يعذب في الدنيا لان عذا ب الدنيا قد فات فلا بد ان يكون التولي ترك التوبة وبينه وبين الموت مهل يعذبه الله فيه كما ذكره سبحانه فمن تاب بعد ان اخذ ليعذب فهو ممن لم يتب قبل ذلك بل تولى فيستحق ان يعذبه الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة ومن تامل هذه الاية والتي قبلها وجدهما دالتين على ان التوبة بعد اخذه لا ترفع عذاب الله عنه # واما كون هذه التوبة مقبولة فيما بينه وبين الله وان تضمنت التوبة من عرض الرسول فنقول اولا وان كان حق هذا الجواب ان يؤخر إلى المقدمة الثانية هذا القدر لا يمنع اقامة الحد عليه اذا رفع الينا ثم اظهر التوبة بعد ذلك كما ان الزاني والشارب وقاطع الطريق اذا تاب فيما بينه وبين الله قبل ان يرفع الينا قبل الله توبته واذا اطلعنا عليه ثم تاب فلا بد من اقامة الحد عليه ويكون ذلك من تمام توبته وجميع الجرائم من هذا الباب # وقد يقال ان المنتهك لاعراض الناس اذا استغفر لهم ودعا لهم قبل ان يعلموا بذلك رجي ان يغفر الله له على ما في ذلك من الخلاف
    المشهور ولو ثبت ذلك عليه عند السلطان ثم اظهر التوبة لم تسقط عقوبته وذلك ان الله سبحانه لابد ان يجعل للمذنب طريقا إلى التوبة فاذا كان عليه تبعات للخلق فعليه ان يخرج منها جهده ويعوضهم عنها بما يمكنه ورحمة الله من وراء ذلك ثم ذلك لا يمنع ان نقيم عليه الحد اذا ظهرنا عليه ونحن انما نتكلم في التوبة المسقطة للحد والعقوبة لا في التوبة الماحية للذنب # ثم نقول ثانيا ان كان ما اتاه من السب قد صدر عن اعتقاد يوجبه فهو بمنزلة ما يصدر من سائر المرتدين وناقضي العهد من سفك دماء المسلمين واخذ اموالهم وانتهاك اعراضهم فانهم يعتقدون في المسلمين اعتقادا يوجب اباحة ذلك ثم اذا تابوا توبة نصوحا من ذلك الاعتقاد غفر لهم موجبه المتعلق بحق الله وحق العباد كما يغفر للكافر الحربي موجب اعتقاده اذا تاب منه مع ان المرتد او الناقض متى فعل شيئا من ذلك قبل الامتناع اقيم عليه حده وان عاد إلى الإسلام سواء كان لله او لادمي فيحد على الزنى والشرب وقطع الطريق وان كان في زمن الردة ونقض العهد يعتقد حل ذلك الفرج لكونه وطئه
    بملك اليمين اذا قهر مسلمة على نفسها ويعتقد حل دماء المسلمين واموالهم كما يؤخذ منه القود وحد القذف وان كان يعتقد حلهما ويضمن ما اتلفه من الاموال وان اعتقد حلها # والحربي الاصل لا يؤخذ بشيء من ذلك بعد الإسلام وكان الفرق ان ذاك كان ملتزما بايمانه وامانه ان لايفعل شيئا من ذلك فاذا فعله لم يعذر بفعله بخلاف الحربي الاصل ولان في اقامة هذه الحدود عليه زجرا له عن فعل هذه الموبقات كما فيها زجر للمسلم المقيم على إسلامه بخلاف الحربي الاصل فان ذلك لا يزجره بل هو منفر له عن الإسلام ولان الحربي الاصل ممتنع وهذان ممكنان # وكذلك قد نص الإمام احمد على ان الحربي اذا زنى بعد الاسر اقيم عليه الحد لانه صار في ايدينا كما ان الصحيح عنه وعن أكثر اهل العلم ان المرتد اذا امتنع لم تقم عليه الحدود لانه صار بمنزلة الحربي اذ
    الممتنع يفعل هذه الاشياء باعتقاد وقوة من غير زاجر له ففي اقامة الحدود عليهم بعد التوبة تنفير واغلاق لباب التوبة عليهم وهو بمنزلة تضمين اهل الحرب سواء وليس هذا موضع استقصاء هذا وانما نبهنا عليه واذا كان هذا هنا هكذا فالمرتد والناقض اذا اذيا الله ورسوله ثم تابا من ذلك بعد القدرة توبة نصوحا كانا بمنزلتهما اذا حاربا باليد في قطع الطريق او زنيا وتابا بعد اخذهما وثبوت الحد عليهما ولا فرق بينهما وذلك لان الناقض للعهد قد كان عهده يحرم عليه هذه الامور في دينه وان كان دينه المجرد عن عهد يبيحها له # وكذلك المرتد قد كان يعتقد ان هذه الامور محرمة فاعتقاده اباحتها اذا لم يتصل به قوة ومنعه ليس عذرا له في ان يفعلها لما كان ملتزما له من الدين الحق ولما هو به من الضعف ولما في سقوط الحد عنه من الفساد وان كان السب صادرا عن غير اعتقاد بل سبه مع اعتقاد نبوته او سبه باكثر مما يوجبه اعتقاده او بغير ما يوجبه اعتقاده فهذا من أعظم الناس كفرا بمنزلة ابليس وهو من نوع العناد او السفه وهو بمنزلة من شتم بعض المسلمين او قتلهم وهو يعتقد ان دمائهم واعراضهم حرام # وقد اختلف الناس في سقوط حد المشتوم بتوبة الشاتم قبل العلم به سواء كان نبيا اوغيره فمن اعتقد ان التوبة لا تسقط حق الادمي له ان يمنع هنا ان توبة الشاتم في الباطن صحيحة على الاطلاق وله ان
    يقول ان النبي ان يطالب هذا بشتمه مع علمه بأنه حرام كسائر المؤمنين لهم ان يطالبوا شاتمهم وسابهم بل ذلك اولى وهذا القول قوي في القياس وكثير من الظواهر تدل عليه # ومن قال هذا من باب السب والغيبة ونحوهما مما يتعلق باعراض الناس وقد فات الاستحلال فليأت للمشتوم من الدعاء والاستغفار بما يزن حق عرضه ليكون ما ياخذه المظلوم من حسنات هذا بقدر ما دعا له واستغفر فيسلم له سائر عمله فكذلك من صدرت منه كلمة سب
    او شتم فليكثر من الصلاة والتسليم ويقابلها بضدها فمن قال ان ذلك يوجب قبول التوبة ظاهرا وباطنا ادخله في قوله تعالى ^ ان الحسنات يذهبن السيئات ^ واتبع السيئة الحسنة تمحها ومن قال لا بد من القصاص قال قد اعد له من الحسنات ما يقوم بالقصاص وليس لنا غرض في تقرير واحد من القولين هنا وانما الغرض ان الحد لا يسقط بالتوبة لانه ان كان عن اعتقاد فالتوبة منه صحيحة مسقطة لحق الرسول في الاخرة وهي لاتسقط الحد عنه في الدنيا كما تقدم وان كانت من غير اعتقاد ففي سقوط حق الرسول بالتوبة خلاف

    1. فان قيل لا يسقط فلا كلام وان قيل يسقط الحق ولم يسقط الحد كتوبة الاول واولى فحاصله ان الكلام في مقامين # احدهما ان هذه التوبة اذا كانت صحيجة نصوحا فيما بينه وبين الله هل يسقط معها حق المخلوق وفيه تفصيل وخلاف فان قيل لم يسقط فلا كلام وان قيل يسقط فسقوط حقه بالتوبة كسقوط حق الله بالتوبة فتكون كالتوبة من سائر انواع الفساد وتلك التوبة اذا كانت بعد القدرة لم تسقط شيئا من الحدود وان محت الاثم في الباطن # وحقيقة هذا الكلام ان قتل الساب ليس لمجرد الردة ومجرد عدم العهد حتى تقبل توبته كغيره بل لردة مغلظة ونقض مغلظ بالضرر ومثله لا يسقط موجبه بالتوبة لانه من محاربة الله ورسوله والسعي في الارض فسادا او هو من جنس الزنى والسرقة او هو من جنس القتل والقذف فهذه حقيقة الجواب وبه يتبين الخلل فيما ذكر من الحجة # ثم نبينه مفصلا فنقول اما قولهم ان ما جاء به من الايمان به ماح لما اتى به من هتك عرضه فنقول ان كان السب مجرد موجب اعتقاد فالتوبة من الاعتقاد توبة من موجبه واما من زاد على موجب الاعتقاد او اتى بضده وهم أكثر السابين فقد لا يسلم ان ما ياتي به من التوبة ماح الا بعد عفوه بل يقال له المطالبة وان سلم ذلك فهو كالقسم الاول وهذا القدر لا يسقط الحدود كما تقدم غير مرة


    1. واما قولهم حقوق الانبياء من حيث النبوة تابعة لحق الله في الوجود فتبعته في السقوط فنقول هذا مسلما ان كان السب موجب اعتقاد والا ففيه الخلاف واما حقوق الله فلا فرق في باب التوبة بين ما موجبه اعتقاد او غير اعتقاد فان التائب من اعتقاد الكفر وموجباته والتائب من الزنى سواء ومن لم يسو بينهما قال ليست أعظم من حق الله اذا لم يسقط في الباطن بسقوطه ولكن الامر إلى مستحقها ان شاء جزى وان شاء عفا ولم يعلم بعد ما يختاره الله سبحانه قد اعلمنا انه يغفر لكل من تاب # وايضا فان مستحقها من جنس تلحقهم المضرة والمعرة بهذا ويتألمون به فجعل الامر اليهم والله سبحانه وتعالى انما حقه راجع إلى مصلحة المكلف خاصة فانه لا ينتفع بالطاعة ولا يستضر بالمعصية فاذا عاود المكلف الخير فقد حصل ما اراده ربه منه فلما كان الانبياء عليهم السلام فيهم نعت البشر ولهم نعت النبوة صار حقهم له نعت حق الله ونعت حق سائر العباد وانما يكون حقهم مندرجا في حق

    الله اذا صدر عن اعتقاد فانهم لما وجب الايمان بنبوتهم صار كالايمان بوحدانية الله فاذا لم يعتقد معتقد نبوتهم كان كافرا كما اذا لم يقر بوحدانية الله وصار الكفر بذلك كفرا برسالات الله ودينه وغير ذلك فاذا كان السب موجب هذا الاعتقاد فقط مثل نفي الرسالة او النبوة ونحو ذلك وتاب منه توبة نصوحا قبلت توبته كتوبة المثلث واذا زاد على ذلك مثل قدح في نسب او وصف لمساوي الاخلاق او فاحشة او غير ذلك مما يعلم هو انه باطل او لا يعتقد صحته او كان مخالفا للاعتقاد مثل ان يحسد او يتكبر او يغضب لفوات غرض او حصول مكروه مع اعتقاد النبوة فيسب فهنا اذا تاب لم يتجدد له اعتقاد ازال موجب السب انما غير نيته وقصده وهو قد اذاه بهذا السب اذى يتالم به البشر ولم يكن معذورا بعدم اعتقاد النبوة فهو كحق الله من حيث جنى على النبوة التي هي السبب الذي بين الله وبين خلقه فوجب قتله وهو كحق البشر من حيث انه اذى ادميا يعتقد انه لا يحل اذاه فلذلك كان له ان يطالبه بحق اذاه وان ياخذ من حسناته بقدر اذاه وليست له حسنة تزن ذلك الا ما يضاد السب من الصلاة والتسليم ونحوهما وبهذا يظهر ان التوبة من سب صدر عن غير اعتقاد من الحقوق التي تجب للبشر على البشر ثم هو حق متعلق بالنبوة لا محاله فهذا قول هذا القائل وان كنا لم نرجح واحدا من القولين

    1. ثم اذا كانت حقوقهم تابعة لحق الله فمن الذي قال ان حقوق الله تسقط على المرتد وناقض العهد بالتوبة فانا قد بينا ان هؤلاء تقام عليهم حدود الله بعد التوبة وانما تسقط بالتوبة عقوبة الردة المجردة والنقض المجرد وهذا ليس كذلك # واما قوله ان الرسول يدعوا الناس إلى الايمان به ويخبرهم ان الايمان يمحو الكفر فيكون قد عفا لمن كفر عن حقه فنقول هذا جيد اذا كان السب موجب الاعتقاد فقط لانه هو الذي اقتضاه ودعاه إلى الايمان به فانه من ازال اعتقاد الكفر به باعتقاد الايمان به زال موجبه اما من زاد على ذلك وسبه بعد ان امن به او عاهده فلم يلتزم ان يعفو عنه وقد كان له ان يعفو وله أن الا يعفو والتقدير المذكور في السؤال انما يدل على سب اوجبه الاعتقاد ثم زال باعتقاد الايمان لانه هو الذي كان يدعو اليه الكفر وقد زال بالايمان واما ما سوى ذلك فلا فرق بينه وبين سب سائر الناس من هذه الجهة وذلك أن الساب ان كان حربيا فلا فرق بين سبه للرسول او لواحد من الناس من هذه الجهة وان كان مسلما او ذميا فاذا سب الرسول سبا لا يوجبه اعتقاده فهو كما لو سب غيره من الناس فان تجدد الإسلام منه كتجدد التوبة منه يزعه عن هذا الفعل وينهاه عنه وان لم يرفع موجبه فان موجب هذا السب لم يكن الكفر به اذ كلامنا في سب لا يوجبه الكفر به مثل فريه عليه يعلم انها فرية ونحو ذلك لكن اذا اسلم الساب فقد عظم في قلبه عظمة تمنعه ان يفتري عليه كما انه اذا تاب من سب المسلم عظم الذنب في قلبه عظمة تمنعه من مواقعته وجاز ان لا يكون هذا الإسلام وازعا لكون موجب السب

    كان شيئا غير الكفر وقد يضعف هذا الإسلام عن دفعه كما تضعف هذه التوبة عن موجب الاذى وفرق بين ارتفاع الامر بارتفاع سببه او بوجود ضده فان ما اوجبه الاعتقاد اذا زال الاعتقاد زال سببه فلم يخش عوده الا بعود السبب وما لم يوجبه الاعتقاد من الفرية ونحوها على النبي وغيره يرفعها الإسلام والتوبة رفع الضد للضد اذ اعتقاد قبح هذا الامر وسوء عاقبته والعزم الجازم على فعل ضده وتركه ينافي وقوعه لكن لو ضعف هذا الدافع عن مقاومة السبب المقتضي عمل عمله فهذا يبين انه لافرق في الحقيقة بين ان يتوب من سب لم يوجبه مجرد الكفر بالايمان به الموجب لعدم ذلك السب وبين ان يتوب من سب مسلم بالتوبة الموجبه لعدم ذلك السب # واعتبر هذا برجل له غرض في امر فزجر عنه وقيل له هذا قد حرمه النبي فلا سبيل اليه فحمله فرط الشهوة وقوة الغضب لفوات المطلوب على ان لعن وقبح فيما بينه وبين الله مع انه لايشك في النبوة ثم انه جدد إسلامه وتاب وصلى على النبي ولم يزل باكيا من كلمته ورجل اراد ان ياخذ مال مسلم بغير حق فمنعه منه فلعن وقبح سرا ثم انه تاب من هذا واستغفر لذلك الرجل ولم يزل خائفا من كلمته اليست توبة هذا من كلمته كتوبة هذا من كلمته وان كانت توبة هذا يجب ان تكون أعظم لعظم كلمته لكن نسبة هذه إلى هذه كنسبة هذه إلى هذه بخلاف من انما يلعن ويقبح من يعتقده كذابا ثم
    يتبين له انه كان ضالا في ذلك الاعتقاد وكان في مهواة التلف فتاب ورجع من ذلك الاعتقاد توبة مثله فانه يندرج فيه جميع ما اوجبه # ومما يقرر هذا ان النبي كان اذا بلغه سب مرتد او معاهد سئل ان يعفو عنه بعد الإسلام ودلت سيرته على جواز قتله بعد إسلامه وتوبته ولو كان مجرد التوبة يغفر لهم بها ما في ضمنها مغفرة تسقط الحد لم يجز ذلك فعلم انه كان يملك العقوبة على من سبه بعد التوبة كما يملكها غيره من المؤمنين # فهذا الكلام في توبة الساب فيما بينه وبين الله هل تسقط حق الرسول أم لا وبكل حال سواء اسقطت أم لم تسقط لا يقتضي ذلك ان اظهارها مسقط للحد الا ان يقال هو مقتول لمحض الردة او محض نقض العهد فان توبة المرتد مقبولة وإسلام من جرد نقض العهد مقبول مسقط للقتل # وقد قدمنا فيما مضى بالادلة القاطعة ان هذا مقتول لردة مغلظة ونقض مغلظ بمنزلة من حارب وسعى في الارض فسادا

    1. ثم من قال يقتل حقا لادمي قال العقوبة اذا تعلق بها حقان حق لله وحق لادمي ثم تاب سقط حق الله وبقي حق الادمي من القود وهذا التائب اذا تاب سقط حق الله وبقي حق الادمي # ومن قال يقتل حدا لله قال هو بمنزلة المحارب وقد يسوى بين من سب الله وبين من سب الرسول على ما سياتي ان شاء الله تعالى # وقولهم في المقدمة الثانية اذا اظهر التوبة وجب ان نقبلها منه قلنا هذا مبني على ان هذه التوبة مقبولة مطلقا وقد تقدم الكلام فيه # ثم الجواب هنا من وجهين # احدهما القول بموجب ذلك فانا نقبل منه هذه التوبة ونحكم بصحة إسلامه كما نقبل توبة القاذف ونحكم بعدالته ونقبل توبة السارق وغيرهم لكن الكلام في سقوط القتل عنه ومن تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شئ من الحدود الواجبة لقدر زائد على الردة او النقض ومن تاب قبلها لم تسقط عنه حقوق العباد اذا قبلنا توبته فمن تمام توبته ان يطهر باقامة الحد عليه كسائر هؤلاء وذلك انا نحن

    لاننازع في صحة توبته ومغفرة الله له مطلقا فان ذلك إلى الله وانما الكلام هل هذه التوبة مسقطة للحد عنه وليس في الحديث ما يدل على ذلك فانا قد نقبل إسلامه وتوبته ونقيم عليه الحد تطهيرا له وهذا جواب من يقتله حدا محضا مع الحكم بصحة إسلامه # الثاني ان هذا الحديث في قبول الظاهر اذا لم يثبت خلافه بطريق شرعي وهنا قد ثبت خلافه وهذا الجواب من يقتله لزندقته وقد يجيب به من يقتل الذمي ايضا بناء على انه زنديق في حال العهد فلا يوثق بإسلامه # واما إسلام الحربي والمرتد ونحوهما عند معاينة القتل فانما جاز لانا انما نقاتلهم لان يسلموا ولا طريق إلى الإسلام الاما يقولونه بالسنتهم فوجب قبول ذلك منهم وان كانوا في الباطن كاذبين والا لوجب قتل كل كافر اسلم او لم يسلم فلا تكون المقاتلة حتى يسلموا بل يكون القتال دائما وهذا باطل ثم انه قد يسلم الان كارها ثم ان الله يحبب اليه الايمان ويزينه في قلبه كذلك أكثر من يسلم لرغبته في المال ونحوه او لرهبته من السيف ونحوه ولا دليل يدل على فساد الا كونه مكرها عليه بحق وهذا لا يلتفت اليه # اما هنا فانما نقتله لما مضى من جرمه من السب كما نقتل الذمي لقتله النفس او لزناه بمسلمة وكما نقتل المرتد لقتله مسلما ولقطعه
    الطريق كما تقدم تقريره فليس مقصودنا بارادة قتله ان يسلم ولا نحن مقاتليه على ان يسلم بل نحن نقتله جزاء له على ما اذانا ونكالا لا مثاله على مثل هذه الجريمة فاذا اسلم فان صححنا إسلامه لم يمنع ذلك وجوب قتله كالمحارب المرتد او الناقض اذا اسلم بعد القدرة وقد قتل فانه يقتل وفاقا فيما علمناه وان حكم بصحة إسلامه وان لم يصحح إسلامه فالفرق بينه وبين الحربي والمرتد من وجهين # احدهما ان الحربي والمرتد لم يتقدم منه ما دل على ان باطنه بخلاف ظاهره بل اظهاره للردة لما ارتد دليل على ان ما يظهره من الإسلام صحيح وهذا مازال مظهر للإسلام وقد اظهر ما دل على فساد عقده فلم يوثق بما يظهره من الإسلام بعد ذلك وكذلك ناقض العهد قد عاهدنا على ان لا يسب وقد سب فثبتت جنايته وغدره فاذا اظهر الإسلام بعد ان اخذ ليقتل كان اولى ان يخون ويغدر فانه كان ممنوعا من اظهار السب فقط وهو لم يف بذلك فكيف اذا اصبح ممنوعا من اظهاره واسراره ولم يكن له عذر فيما فعله من السب بل كان محرما عليه في دينه فاذا لم يف به صار من المنافقين في العهد # الثاني ان الحربي او المرتد نحن نطلب منه ان يسلم فاذا اعطانا ما اردناه بحسب قدرته وجب قبوله منه والحكم بصحته والساب لايطلب منه الا القتل عينا فاذا اسلم ظهر انما اسلم ليدرا عن نفسه القتل الواجب عليه كما اذا تاب المحارب بعد القدرة عليه او اسلم او
    تاب سائر الجناة بعد اخذهم فلا يكون الظاهر صحة هذا الإسلام فلا يسقط ما وجب من الحد قبله # وحقيقة الامر ان الحربي والمرتد يقتل لكفر حاضر ويقاتل ليسلم ولا يمكن ان يظهر وهو مقاتل او ماخوذ الإسلام الا مكرها فوجب قبوله منه اذ لايمكن بذله الا هكذا وهذا الساب والناقض لم يقتل لمقامه على الكفر او كونه بمنزلة سائر الكفار غير المعاهدين لما ذكرناه من الادلة الدالة على ان السب مؤثر في قتله ويكون قد بذل التوبة التي لم تطلب منه في حال الاخذ للعقوبة فلا تقبل منه # وعلى هذين الماخذين ينبني الحكم بصحة إسلام هذا الساب في هذه الحال مع القول بوجوب قتله # احدهما لا يحكم بصحة إسلامه وهو مقتضى قول ابن القاسم وغيره من المالكية # والثاني يحكم بصحة إسلامه وعليه يدل كلام الإمام احمد واصحابه في الذمي مع وجوب اقامة الحد عليه واما المسلم اذا سب ثم قتل بعد ان اسلم فمن قال يقتل عقوبة على السب لكونه حق ادمي
    او حدا محضا لله فقط حكم بصحة هذا الإسلام وقبله وهذا قول كثير من اصحابنا وغيرهم وهو قول من قال يقتل من اصحاب الشافعي # وكذلك من قال يقتل ساب الله ومن قال يقتل لزندقته اجرى عليه اذا قتل بعد اظهار الإسلام احكام الزنادقة وهو قول كثير من المالكية وعليه يدل كلام بعض اصحابنا وعلى ذلك ينبني الجواب عما احتج به من قبول النبي ظاهر الإسلام من المنافقين فان الحجة اما ان تكون في قبول ظاهر الإسلام منهم في الجملة فهذا لا حجة فيه من اربعة اوجه قد تقدم ذكرها # احدها ان الإسلام انما قبل منهم حيث لم يثبت عنهم خلافه وكانوا ينكرون انهم تكلموا بخلافه فاما ان البينة تقوم عند رسول الله على كفر رجل بعينه فيكف عنه فهذا لم يقع قط الا ان يكون في بادئ الامر

    1. الثاني انه كان في أول الامر مامورا ان يدع اذاهم ويصبر عليهم لمصلحة التاليف وخشية التنفير إلى ان نسخ ذلك بقوله تعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ # الثالث انا نقول بموجبه فنقبل من هذا الإسلام ونقيم عليه حد السب كما لو اتى حدا غيره وهذا جواب من يصحح إسلامه ويقتله حدا لفساد السب # الرابع ان النبي لم يستتب احدا منهم ويعرضه على السيف ليتوب ممن مقالة صدرت منه مع ان هذا مجمع على وجوبه فان الرجل منهم اذا شهد عليه بالكفر والزندقة فاما ان يقتل عينا او يستتاب فان لم يتب والا قتل # واما الاكتفاء منه بمجرد الجحود فما اعلم به قائلا بل اقل ما قيل فيه انه يكتفى منهم بالنطق بالشهادتين والتبري من تلك المقاله فاذا

    لم تكن السيرة في المنافقين كانت هكذا علم ان ترك هذا الحكم لفوات شرطه وهو اما ثبوت النفاق او العجز عن اقمة الحد او مصلحة التاليف في حال الضعف حتى قوي الدين فنسخ ذلك # وان كان الاحتجاج بقبول ظاهر الإسلام ممن سب فعنه جواب خمس وهو انه كان له ان يعفو عمن شتمه في حياته وليس هذا العفو لاحد من الناس بعده # واما تسمية الصحابه الساب غادرا محاربا فهو بيان لحل دمه وليس كل من نقض العهد وحارب سقط القتل عنه بإسلامه بدليل ما لو قتل مسلما او قطع الطريق عليه او زنى بمسلمة بل تسميته محاربا مع كون السب فسادا يوجب دخوله في حكم الاية كما تقدم # واما الذين هجو رسول الله وسبوه ثم عفا عنهم فالجواب عن ذلك كله قد تقدم في المسألة الاولى لما ذكرنا قصصهم وبينا ان السب غلب فيه حق الرسول اذا علم فله ان يعفو وان ينتقم وفي قصص هؤلاء ما يدل على ان العقوبة انما سقطت عنهم مع عفوه وصفحه لمن تامل احوالهم معه والتفريق بينهم وبين لم يهجه ولم يسبه




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  5. #35
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. وايضا فهؤلاء كانوا محاربين والحربي لايؤخذ بما اصابه من المسلمين من دم او مال او عرض والمسلم والمعاهد يؤخذ بذلك # وقولهم الذمي يعتقد حل السب كما يعتقده الحربي وان لم يعتقد حل الدم والمال غلط فان عقد الذمة منعهم من الطعن في ديننا واو جب عليهم الكف عن ان يسبوا نبينا كما منعهم دماءنا واموالنا وابلغ فهو ان لم يعتقد تحريمه للدين فهو يعتقد تحريمه للعهد كاعتقادنا نحن في دمائهم واموالهم واعراضهم ونحن لم نعاهد على غان نكف عن سب دينهم الباطل واظهار معايبهم بل نعاهدهم على ان نظهر في دارنا ما شئنا وان يلتزموا جريان احكامنا عليهم والا فأين الصغار # واما قولهم الذمي اذا سب اما ان يقتل لكفره وحرابه كما يقتل الحربي الساب او يقتل حدا من الحدود قلنا هذا تقسيم منتشر بل يقتل لكفره وحرابه بعد الذمة وليس من حارب بعد الذمة بمنزلة الحربي الاصلي فان الذمي اذا قتل مسلما اجتمع عليه انه نقض العهد وانه وجب عليه القود فلو عفا ولي الدم قتل لنقض العهد بهذا الفساد وكذلك سائر الامور المضرة بالمسلمين يقتل بها الذمي اذا فعلها وليس حكمه فيها كحكم الحربي الاصلي اجماعا واذا قتل لحرابه وفساده بعد

    العهد فهو حد من الحدود فلا تنافي بين الوصفين حتى يجعل احدهما قسيما للاخر وقد بينا في بالأدلة الواضحة ان قتله ليس لمجرد كونه كافرا غير ذي عهد بل حدا وعقوبة على سب نبينا الذي اوجبت عليه الذمة تركه والامساك عنه مع ان السب مستلزم لنقض العهد العاصم لدمه وأنه يصير بالسب محاربا غادرا وليس هو كحد الزنى ونحوه مما لا مضرة علينا فيه وانما اشبه الحدود به حد المحاربة # واما قولهم ليس في السب أكثر من انتهاك العرض وهذا قدر لا يوجب الا الجلد إلى اخر الكلام عنه ثلاثة اجوبة # احدها ان هذا كلام في راس المسالة فانه اذا لم يوجب الا الجلد والامور الموجبة للجلد لا تنقض العهد لم ينتقض العهد به كسب بعض المسلمين وقد قدمنا الدلالات التي لا تحل مخالفتها على وجوب قتل الذمي اذا فعل ذلك وانه لاعهد له يعصم دمه مع ذلك وبينا ان انتهاك عرض عموم المسلمين يوجب الجلد واما انتهاك عرض الرسول فانه يوجب القتل وقد صولح على الامساك عن العرضين فمتى انتهك عرض الرسول فقد اتى بما يوجب القتل مع التزامه ان لايفعله فوجب ان يقتل كما لو قطع الطريق او زنى والتسوية بين عرض الرسول وعرض غيره في مقدار العقوبة من افسد القياس # والكلام في الفرق بينهما يعد تكلفا فانه عرض قد اوجب الله على
    جميع الخلق ان يقابلوه من الصلاة والسلام والثناء والمدحة والمحبة والتعظيم والتعزير والتوقير والتواضع في الكلام والطاعة للامر ورعاية الحرمة في اهل البيت والاصحاب بما لاخفاء به على أحد من علماء المؤمنين عرض به قام دين الله وكتابه وعباده المؤمنون به وجبت الجنة لقوم والنار لاخرين به كانت هذه الامة خير امة اخرجت للناس عرض قرن الله ذكره بذكره وجمع بينه وبينه في كتابة واحدة وجعل بيعته بيعة له وطاعته طاعة له واذاه اذى له إلى خصائص لا تحصى ولا يقدر قدرها افيليق لو لم يكن سبه كفرا ان تجعل عقوبة منتهك هذا العرض كعقوبة منتهك عرض غيره # ولو فرضنا ان لله نبينا بعثه إلى امة ولم يوجب على امة اخرى ان يؤمنوا به عموما ولا خصوصا فسبه رجل ولعنه عالما بنبوته إلى اولئك افيجوز ان يقال ان عقوبته وعقوبة من سب واحدا من المؤمنين سواء هذا افسد من قياس الذين قالوا انما البيع مثل الربا

    1. قولهم الذمي يعتقد حل ذلك قلنا لا نسلم فان العهد الذي بيننا وبينه حرم عليه في دينه السب كما حرم عليه دماءنا واموالنا واعراضنا فهو اذا اظهر السب يدري انه قد فعل عظيمة من العظائم التي لم نصالحه عليها ثم ان كان يعلم ان عقوبة ذلك عندنا القتل والا فلا يجب لان مرتكب الحدود يكفيه العلم بالتحريم كمن زنى او سرق او شرب او قذف او قطع الطريق فانه اذا علم تحريم ذلك عقوب العقوبة المشروعة وان كان يظن ان لاعقوبة على ذلك او ان عقوبته دون ما هو مشروع # وايضا فان دينهم لا يبيح لهم السب واللعنة للنبي وان كان دينن باطلا أكثر ما يعتقدون انه ليس بنبي او ليس عليهم اتباعه اما ان يعتقدوا ان لعنته وسبه جائزة فكثير منهم او اكثرهم لا يعتقدون ذلك على ان السب نوعان احدهما ما كفروا به واعتقدوه والثاني ما لم يكفروا به فهذا الثاني لا ريب انهم لا يعتقدون حله # واما قولهم صولح على ترك ذلك فاذا فعله انتقض العهد فانه اذا فعله انتقض عهده وعوقب على نفس تلك الجريمة وإلا كان يستوي حال من ترك العهد ولحق بدار الحرب من غير اذى لنا وحال من قتل وسرق وقطع الطريق وشتم الرسول مع نقض العهد وهذا لايجوز # واما قولهم كون القتل حدا حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي فصحيح وقد تقدمت الادلة الشرعية من الكتاب والسنة والاثر والنظر الدالة على ان نفس السب من حيث خصوصيته موجب للقتل

    ولم يثبت ذلك استحسانا صرفا واستصلاحا محضا بل اثبتناه بالنصوص واثار الصحابة وما دل عليه ايماء الشارع وتنبيهه وبما دل عليه الكتاب والسنة واجماع الامة من الخصوصية بهذا السب والحرمة لهذا العرض التي يوجب ان لا يصونه الا القتل لا سيما اذا قوي الداعي على انتهاكه وخفة حرمته بخفة عقابه وصغر في القلوب مقدار من هو أعظم العالمين قدرا اذا ساوى في قدر العرض زيدا وعمروا وتمضمض بذكره اعداء الدين من كافر غادر ومنافق ماكر فهل يستريب من قلب الشريعة ظهرا لبطن ان محاسنها توجب حفظ هذه الحرمة التي هي أعظم حرمات المخلوقين وحرمتها متعلقة بحرمة رب العالمين بسفك دم واحد من الناس مع قطع النظر عن الكفر والارتداد فانهما مفسدتان اتحادهما في معنى التعداد ولسنا الان للكلام في المصالح المرسلة فانا لم نحتج اليها في هذه المسالة لما فيها من الادلة الخاصة الشرعية وانما ننبه على عظم المصلحة في ذلك بيانا لحكمة الشرع لان القلوب إلى ما فهمت حكمته اسرع انقيادا والنفوس اذا ما تطلع على مصلحته اعطش اكبادا ثم لو لم يكن في المسالة نص ولا اثر لكان اجتهاد الراي يقضي بان يجعل القتل عقوبة هذا الجرم لخوصه لا لعموم كونه كفرا او ردة حتى لو فرض تجرده عن ذلك لكان موجبا للقتل اخذا له من قاعدة العقوبات في الشرع فانه يجعل اعلى العقوبات في مقابلة ارفع الجنايات واوسطها في مقابلة اوسطها وادناها في مقابلة ادناها فهذه الجناية اذا انفردت تمتنع ان تجعل في مقابلة الاذى فتقابل بالجلد او الحبس تسوية بينها وبين الجناية على
    عرض زيد وعمرو فانه لا يخفى على من له ادنى بصر باسباب الشرع ان هذا من افسد انواع الاجتهاد ومثله في الفساد خلوها من عقوبة تخصها واما جعله في الاوسط كما اعتقده المهاجر بن أبي امية حتى قطع يد الجارية السابة وقلع ثنيتها فباطل أيضا كما انكره عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لان الجناية جناية على اشرف الحرمات ولانه لا مناسبة بينها وبين أوسط العقوبات من قطع عضو من الاعضاء فتعين ان تقابل باعلى العقوبات وهو القتل # ولو نزلت بنا نازلة السب وليس معنا فيها اثر يتبع ثم استراب مستريب في ان الواجب الحقها باعلى الجنايات لما عد من بصراء الفقهاء ومثل هذه المصلحة ليست مرسلة بحيث ان لا يشهد لها الشرع بالاعتبار فاذا فرض انه ليس لها اصل خاص يلحق به ولا بد من الحكم فيها فيجب ان يحكم فيها بما هو اشبه بالاصول الكلية واذا لم يعمل بالمصلحة لزم العمل بالمفسدة والله لايحب الفساد

    1. ولا شك ان العلماء في الجملة من اصحابنا وغيرهم قد يختلفون في هذا الضرب من المصالح اذا لم يكن فيها اثر ولا قياس خاص والإمام احمد قد يتوقف في بعض افرادها مثل قتل الجاسوس المسلم

    ونحوه ان جعلت من افرادها وربما عمل بها وربما تركها اذا لم يكن معه فيها اثر او قياس خاص ومن تامل تصاريف الفقهاء علم انهم يضطرون إلى رعايتها اذا لم يخالف اصلا من الاصول ولم يخالف في اعتبارها الا طوائف من اهل الكلام والجدل من اصحابنا وغيرهم ولو انهم خاضوا مخاض الفقهاء لعلموا انه لابد من اعتبارها وذوق الفقه ممن لجج فيه شيء والكلام على حواشه من غير معرفة اعيان المسائل شيء اخر واهل الكلام والجدل انما يتكلمون في القسم الثاني فيلزمون غيرهم ما لا يقدرون على التزامه ويتكلمون في الفقه كلام من لا يعرف الا امورا كلية وعمومات احاطية وللتفاصيل خصوص نظر ودلائل يدركها من عرف اعيان المسائل

    1. واثبتناه ايضا بالقياس الخاص وهو القياس على كل من ارتد ونقض العهد على وجه يضر المسلمين مضرة فيها العقوبة بالقتل وبينا ان هذا اخص من مجرد الردة ومجرد نقض العهد وان الاصول فرقت بينهما # واثبتناه ايضا بالنافي لحقن دمه وبينا ان هذا حل دمه بما فعله والادلة العاصمة لم اسلم من مرتد وناقض لا تتناوله لفظا ولا معنى # وقولهم القياس في الاسباب لا يصح خلاف ما عليه الفقهاء وهو قول باطل قطعا لكن ليس هذا موضع الاستقصاء في ذلك # وقولهم معرفة نوع الحكمة وقدرها متعذر قلنا لا نسلم هذا على الاطلاق بل قد يمكن وقد يتعذر بل ربما علم قطعاان الفرع مشتمل على الحكمة الموجودة في الا صل وزيادة # وقولهم هو يخرج السبب عن ان يكون سببا ليس كذلك فان سبب السبب لايمنعه ان يكون سببا والاضافة إلى السبب لا تقدح في الاضافة إلى سبب السبب والعلم بها ضروري # واما قولهم ليس في الجنايات الموجبة للقتل حدا ما يجوز الحاق السب بها قلنا بل هو ملحق بالردة المقترنة بما يغلظها والنقض المقترن بما يغلظه وان الفساد الحاصل في السب ابلغ من الفساد الحاصل بتلك الامور المغلظة كما تقدم بيانه بشواهده من الاصول

    الشرعية على ان هذا الحكم مستغن عن اصل يقاس به بل هو اصل في نفسه كما تقدم ثم ان هذا الكلام يقابل بما هو أنور منه بيانا وابهر منه برهانا وذلك ان القول بوجوب الكف عن هذا الساب بعد الاتفاق على حل دمه قول لا دليل عليه الا قياس له على بعض المرتدين وناقضي العهد مع ظهور الفرق بينهما ومن قاس الشيء على ما يخالفه ويفارقه كان قياسه فاسدا فان جعل هذا سببا عاصما قياس السبب على سبب مع تباينهما في نوع الحكمة وقدرها ثم انه اخلاء للسب الذي هو أعظم الجناية على الاعراض من العقوبات ولا عهد لنا بهذا في الشرع فهو اثبات حكم خارج عن القياس وجعل لكونه موجبا للقتل موجبا لكونه اهون من اعراض الناس في باب السقوط وهذا تعليق على العلة ضد مقتضاها وخروج عن موجب الاصول فان العقوبات لا يكون تغلظها في الوجوب سببا لتخفيفها في السقوط قط لكن ان كان جنسها مما يسقط سقطت خفيفة كانت او غليظة كحقوق الله في في بعض المواضع ولم تسقط خفيفة كانت او غليظة كحقوق العباد

    1. ثم ان القول باستتابة الساب قول يخالف كتاب الله ويخالف صريح سنة رسول الله وسنة خلفائه واصحابه والقول بان لا حق للرسول على الساب اذا اسلم الذمي او المسلم ولا عقوبة له عليه قول يخالف المعروف من سيرة رسول الله ويخالف اصول الشريعة ويثبت حكما ليس له اصل ولا نظير الا ان يلحق بما ليس مثلا له # الجواب الثاني انا لم ندع ان مجرد السب موجب للقتل وانما بينا ان كل سب فهو محاربة ونقض للعهد بما يضر المسلمين فيقتل بمجموع الامرين السب ونقض العهد ولا يجوز ان يقال خصوص السب عديم التاثير فان فساد هذا معلوم قطعا بما ذكرناه من الادلة القاطعة على تاثيره واذا كان كذلك فلم نثبته سببا خارجا عن الاسباب المعهودة وانما هو مغلظ للسبب المعروف وهو الكفر كما ان قتل النفس موجب لحل دمه ثم ان كان قد قتله في المحاربة تغلظ بتحتم القتل والا بقي الامر فيه إلى الاولياء ومعلوم ان المقتول من قطاع الطريق لا يقال فيه قتل قودا ولا قصاصا حتى ترتب عليه احكام من يجب عليه القود وانما يضاف القتل إلى خصوص جنايته وهو القتل في المحاربة كذلك هنا الموجب هو خصوص المحاربة # وقولهم الادلة مترددة بين كون القتل لمجرد المحاربة او لخصوص السب قلنا هي نصوص في ان السب مؤثر تاثيرا زائدا على مطلق تاثير الكفر الخالي عن عهد فلا يجوز اهمال خصوصه بعد

    اعتبار الشرع له وان يقال انما المؤثر مجرد ما في ضمنه وطيه من زوال العهد ولذلك وجب قتل صاحبه عينا من غير تخيير كما قررنا دلالته فيما مضى واذا كان كذلك فليس مع المخالف ما يدل على ان القتل المباح يسقط بالإسلام وان كان هذا من فروع الكفر كما ان الذمي اذا استحل دماء المسلمين واموالهم واعراضهم فانتهكها لاعتقاده انهم كفار وان ذلك حلال له منهم ثم اسلم فانه يعاقب على ذلك اما بالقتل ان كان فيها مايوجب القتل او بغيره وكذلك لو استحل ذلك ذمي من ذمي مثل ان يقتل نصراني يهوديا او ياخذ ماله لاعتقاده ان ذلك حلال له او يقذفه او يسبه فانه يعاقب على ذلك عقوبة مثله وان اسلم وكذلك لو قطع الطريق على قافلة فيهم مسلمون ومعاهدون فقتل بعض اولئك المسلمين او المعاهدين قتل لاجل ذلك حتما وانتقض عهده وان اسلم بعد ذلك وان كان هذا من فروع الكفر فهذا رجل انتقض عهده بامر يعتقد حله قبل العهد ولو فعله مسلم لم يقتل عند كثير من الفقهاء اذا كان المقتول ذميا وكل واحد من الكفر ومن القتل مؤثر في قتله وان
    كان عهده انما زال بهذا القتل فهذا نظير السب ثم لو اسلم هذا لم يسقط عنه القتل بل يقتل اما حدا او قصاصا سواء كان ذلك القتل مما يقتل به المسلم بان يكون المقتول مسلما او لا يقتل به بان يكون المقتول ذميا وعلى التقديرين يقتل هذا الرجل بعد إسلامه كقطعه الطريق مثلا وقتله ذلك المعاهد من غير اهل دينه وان كان انما فعل هذا مستحلا له لكفره وهو قد تاب من ذلك الكفر فتكون التوبة منه توبة من فروعه وذلك لان هذا الفرع ليس من لوازم الكفر بل هو محرم عليه في دينه لاجل الذمة كما ان تلك الدماء والاموال محرمة عليه لاجل الذمة # ومنشا الغلط في هذه المسالة اعتقاد ان الذمي يستبيح هذا السب فان هذا غلط اذ لا فرق بالنسبة اليه بين اظهار الطعن في دين المسلمين وبين سفك دمائهم واخذ اموالهم اذ الجميع انما حرمه عليه العهد لا الدين المجرد فكيف لم يندرج اخذه لعرض بعض الامة او لعرض واحد من غير اهل دينه من اهل الذمة في ضمن التوبة من كفره مع انه فرعه واندرج اخذه لعرض نبينا في ضمن التوبة من كفره # الجواب الثالث هب انه انما يقتل للكفر والحراب فقوله الإسلام يسقط القتل الثابت للكفر والحراب بالاتفاق غلط وذلك ان انما
    اتفقنا على أنه يسقط القتل الثابت للكفر والحراب الاصلي فان ذلك اذا اسلم لم يؤخذ بما اصاب في الجاهلية من دم او مال او عرض للمسلمين اما الحراب الطاريء فمن الذي وافق على ان القتل الثابت بجميع انواعه يسقط بالإسلام نعم نوافق على ما اذا نقض العهد بما لا ضرر على المسلمين فيه ثم اسلم اما اذا اسلم ثم حارب وافسد بقطع طريق او زنى بمسلمة او قتل مسلم او طعن في الدين فهذا يقتل بكل حال كما دل عليه الكتاب والسنة وهو يقتل في مواضع بالاجماع كما اذا قتل في المحاربة وحيث لم يكن مجمعا عليه فهو كمحل النزاع والقران يدل على انه يقتل لانه انما استثنى من تاب قبل القدرة في الجملة فهذه المقدمة ممنوعة والتمييز بين انواع الحراب يكشف اللبس # واما ما ذكروه من ان الكافر او المسلم اذا سب فيما بينه وبين الله وقذف الانبياء ثم تاب قبل الله توبته ولم يطالبه النبي بموجب قذفه في الدنيا ولا في الاخرة وان الإسلام يجب قذف اليهود لمريم وابنها وقولهم في الانبياء والرسل فهو كما قالوا ولا ينبغي ان يستراب في مثل هذا وقد صرح به بعض اصحابنا وغيرهم وقالوا انما الخلاف في
    سقوط القتل عنه اما توبته وإسلامه فيما بينه وبين الله فمقبولة فان الله يقبل التوبة عن عباده من الذنوب كلها وعموم الحكم في توبة المسلم والذمي فاما توبة المسلم فقد تقدم القول فيها واما توبة الذي من ذلك فان كان ذلك السب ليس ناقضا للعهد بأن يقوله سرا فتوبته منه كتوبة الحربي من جميع ما يقوله ويفعله وتوبة الذمي من جميع ما يقر عليه من الكفر فان هذا لم يكن ممنوعا منه بعقد الذمة وليس كلامنا فيه وبه يخرج الجواب عما ذكروه فان السب الذي قامت الادلة على مغفرته بالإسلام ليس هو السب الذي ينتقض به عهد الذمي اذا فعله وانما فرق في الذمي بين الجهر بالسب والاسرار به بخلاف المسلم لان ما يسره من السب لا يمنعه منه ايمان ولا امان الا ترى انه لو قذف واحدا من المسلمين سرا مستحلا لذلك ثم اسلم كما لو قذفه وهو حربي ثم اسلم ومعلوم ان الكافر الذي لاعهد معه يمنعه من شئ متى اسلم سقط عنه جميع الذنوب تبعا للكفر نعم لو اتى من السب بما يعتقده حراما في دينه ثم اسلم ففي سقوط حق المسبوب هنا نظر ونظيره ان يسب الانبياء بما يعتقده محرما في دينه واما ان كان السب ناقضا للعهد فإظهاره له مستحلا له في الاصل وغير مستحل كقتله المسلم مستحلا او غير مستحل فالتوبة هنا تسقط حق الله في الباطن واما اسقاطها لحق الادمي ففيه نظر والذي يقتضيه القياس انه كتوبة المسلم ان كان قد بلغ المشتوم فلابد من استحلاله وان لم يبلغه ففيه خلاف مشهور
    وذلك لانه حق ادمي يعتقده محرما عليه وقد انتهكه فهو كما لو قتل المعاهد مسلما سرا ثم اسلم وتاب او اخذ له مالا سرا ثم اسلم فان إسلامه لم يسقط عنه حق الادمي الذي كان يعتقده محرما عليه بالعهد لا ظاهرا ولا باطنا وهذا معنى قول من قال من اصحابنا ان توبته فيما بينه وبين الله مقبولة فان الله يقبل التوبة من الذنوب كلها فان الله يقبل التوبة من حقوقه مطلقا واما حقوق العباد فإن التوبة لا تبطل حقوقهم بل اما ان يستوفيها صاحبها ممن ظلمه او يعوضه الله عنها من فضله العظيم # وجماع هذا الامر ان التوبة من كل شئ كان يستحله في كفره تسقط حقوق الله وحقوق العباد ظاهرا وباطنا لكن السب الذي نتكلم فيه هو السب الذي يظهره الذمي وليس هذا مما كان يستحله كما لم يكن يستحل دماءنا واموالنا وان كان ذلك مما يستحله لولا العهد # وقد تقدم ذكر هذا وبينا ان العهد يحرم عليه في دينه كثيرا مما كان يعتقده حلالا لولا العهد ونظير هذا توبة المرتد من السب الذي يعتقد صحته واما ما لم يكن يستحله وهو اظهار السب ففيه حقان حق الله وحق للادمي فتوبته تسقط فيما بينه وبين الله حقه لكن لا يلزم ان تسقط حق الادمي في الباطن فهذا الكلام على قبول التوبة فيما بينه وبين الله




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  6. #36
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. وحينئذ فالجواب من وجوه # احدها ان الموضع الذي ثبت فيه قبول توبته فيما بينه وبين الله من حق الله وحق عباده ليس هو الموضع الذي ينتقض فيه عهده ويقتل وان تاب فان ادعى انه يسقط حق العباد في جميع الصور فهذا محل منع لما فيه من الخلاف فلابد من اقامة الدلالة على ذلك والادلة المذكورة لم تتناول السب الظاهر الذي ينتقض به العهد # الوجه الثاني ان صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا فان من تاب من قتل او قذف او قطع طريق او غير ذلك فيما بينه وبين الله فان ذلك لا يسقط حقوق العباد من والقود وحد القذف وضمان المال وهذا السب فيه حق لادمي فان كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده فان ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة # الوجه الثالث ان من يقول بقبول التوبة من ذلك في الباطن بكل حال يقول ان توبة العبد فيما بينه وبين الله ممكنه من جميع الذنوب حتى انه لو سب سرا احادا من الناس موتى ثم تاب واستغفر لهم بدل سبهم لرجي ان يغفر الله له ولايكلف الله نفسا الا وسعها فكذلك ساب الانبياء والرسل لو لم تقبل توبته وتغفر زلته لانسد باب التوبة وقطع طريق المغفرة والرحمة وقد لما نهى عن الغيبة ^ ايحب احدكم ان يكال لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ^ فعلم ان المغتاب له سبيل إلى التوبة بكل حال وان كان

    الذي اغتيب ميتا او غائبا بل على اصح الروايتين ليس عليه ان يستحله في الدنيا اذا لم يكن علم فان فساد ذلك أكثر من صلاحه وفي الاثر كفارة الغيبة ان تستغفر لمن اغتبته وقد ^ ان الحسنات يذهبن السيئات ^ اما اذا كان الرسول حيا وقد بلغه السب فقد يقول هنا ان التوبة لاتصح حتى يستحل الرسول ويعفو الرسول عنه كما فعل انس بن زنيم وابو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي امية وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وابن الزبعرى واحدى القينتين وكعب بن زهير وغيرهم كما دلت عليه السيرة لمن تدبرها وقد قال كعب بن زهير % انبئت ان رسول الله اوعدني % والعفو عند رسول الله مامول %

    1. وانما يطلب العفو في شئ يجوز فيه العفو والانتقام وانما يقال اوعده اذا كان حكم الايعاد باقيا بعد الإسلام والا فلو كان الايعاد معلقا ببقائه على الكفر لم يبق ابعاد # اذا تقرر هذا فصحة التوبة فيما بينه وبين الله وسقوط حق الرسول بما ابدله من الايمان به الموجب لحقوقه لا يمنع ان يقيم عليه حد الرسول اذا ثبت عند السلطان وان اظهر التوبة بعد ذلك كالتوبة من جميع الكبائر الموجبة للعقوبات المشروعة سواء كانت حقا لله او حقا لادمي فان توبة العبد فيما بينه وبين الله بحسب الامكان صحيحة مع انه اذا ظهر عليه اقيم عليه الحد وقد اسلفنا ان سب الرسول فيه حق لله وحق لادمي وانه من كلا الوجهين يجب استيفاؤه اذا رفع إلى السلطان وان اظهر الجاني التوبة بعد الشهادة عليه # واما ما ذكره من كون سب الرسول ليس بأعظم من سب الله وان ما فيه من الشرف فلأجله ففي الجواب عنه طريقان # احدهما انه لافرق بين التائبين فان ساب الله ايضا يقتل ولا تسقط التوبة القتل عنه اما لكونه دليلا على الزندقة في الايمان والامان او لكونه ليس مجرد ردة ونقض وانما هو من باب الاستخفاف بالله والاستهانة ومثل هذا لا يسقط القتل عنه اذا تاب بعد الشهادة عليه

    كما لايسقط القتل عنه اذا انتهك محارمه فان انتهاك حرمته أعظم من انتهاك محارمه وسياتي ان شاء الله تعالى ذكر ذلك ومن قاله من اصحابنا وغيرهم ومن اجاب بهذا لم يورد عليه صحة إسلام النصراني ونحوه وقبول توبتهم لانه لاخلاف في قبول التوبة فيما بينه وبين الله وفي قبول التوبة مطلقا اذا لم يظهروا السب وانما الخلاف فيما اذا اظهر النصراني ما هو سب وطعن ودعاؤهم إلى التوبة لا يمنع اقامة الحدود عليهم اذا كانوا معاهدين كقوله سبحانه وتعالى ^ ان الذي فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ^ وكانت فتنتهم انهم القوهم في النار حتى كفروا ولو فعل هذا معاهد بمسلم فانه يقتل وان اسلم
    بالاتفاق وان كانت توبته فيما بينه وبين الله مقبولة # وايضا فان مقالات الكفار التي يعتقدونها ليست من السب المذكور فانهم يعتقدون هذا تعظيما لله ودينا له وانما الكلام في السب الذي هو السب عند الساب وغيره من الناس وفرق بين من يتكلم في حقه بكلام يعتقده تعظيما له وبين من يتكلم بكلام يعلم انه استهزاء به واستخفاف به ولهذا فرق في القتل والزنى والسرقة والشرب والقذف ونحوهن بين المستحل لذلك المعذور وبين من يعلم التحريم # وكذلك قول النبي لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر وقوله فيما يروي عن ربه عز وجل يؤذيني ابن ادم
    يسب الدهر وانا الدهر بيدي الامر اقلب الليل والنهار فإن من سب الدهر من الخلق لم يقصد سب الله سبحانه وانما يقصد ان يسب من فعل به ذلك الفعل مضيفا له إلى الدهر فيقع السب على الله لانه هو الفاعل في الحقيقة وسواء قلنا انه الدهر اسم من اسماء الله تعالى كما قال نعيم بن حماد او قلنا إنه ليس باسم وانما قوله انا الدهر اي انا الذي افعل ما ينسبونه إلى الدهر ويوقعون السب عليه كما قاله أبو عبيدة والاكثرون ولهذا لا يكفر من سب الدهر ولا يقتل
    لكن يؤدب ويعزر لسوء منطقه والسب المذكور في قوله تعالى ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ قد قيل ان المسلمين كانوا اذا سبوا الهة الكفار سب الكفار من يأمرهم بذلك والههم الذين يعبدونه معرضين عن كونه ربهم والههم فيقع سبهم على الله لانه الهنا ومعبودنا فيكونوا سابين لموصوف وهو الله سبحانه ولهذا قال سبحانه ^ عدوا بغير علم ^ وهو شبيه بسب الدهر من بعض
    الوجوه وقيل كانوا يصرحون بسب الله عدوا وغلوا وفي الكفر قال قتادة كان المسلمون يسبون اصنام الكفار فيسب الكفار الله بغير علم فانزل الله ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ وقال ايضا كان المسلمون يسبون اوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله تعالى ان يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله وذلك انه في اللجاجة ان يسب الجاهل من يعظمه مراغمة لعدوه اذا كان يعظمه ايضا كما قال بعض الحمقى % سبوا عليا كما سبوا عتيقكم % كفرا بكفر وايمانا بايمانا %

    1. وكما يقول بعض الجهال مقابلة الفاسد بالفاسد وكما قد تحمل بعض جهال المسلمين الحمية على ان يسب عيسى اذا جاهره المحاربون بسب رسول الله وهذا من الموجبات للقتل # الطريقة الثانية طريقة من فرق بين سب الله وسب رسوله وذلك من وجوه # احدها ان سب الله حق محض لله وذلك يسقط بالتوبة كالزنى والسرقة وشرب الخمر وسب النبي فيه حقان لله وللعبد فلا يسقط حق الادمي بالتوبة كالقتل في المحاربة هذا فرق القاضي أبي يعلى في خلافه # الثاني ان النبي تلحقه المعرة بالسب لانه مخلوق وهو من جنس الادميين الذين تلحقهم المعرة والغضاضة بالسب والشتم وكذلك يثابون على سبهم ويعطيهم الله من حسنات الشاتم او من عنده عوضا على ما اصابهم من المصيبة بالشتم فمن سبه فقد انتقص حرمته والخالق سبحانه لا تلحقه معرة ولا غضاضة بذلك فانه منزه عن لحوق المنافع والمضار كما قال سبحانه فيما يرويه عنه رسول الله يا عبادي انكم لم تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي

    فنتفعوني واذا كان سب النبي قد يؤثر انتقاصه في النفوس وتلحقه بذلك معرة وضيم وربما كان سببا للتنفير عنه وقلة هيبته وسقوط حرمته شرعت العقوبة على خصوص الفساد الحاصل بسبه فلا تسقط بالتوبه كالعقوبة على جميع الجرائم وأما ساب الله سبحانه فإنه يضر نفسه بمنزلة الكافر والمرتد فمتى تاب زال ضرر نفسه فلا يقتل # وهذا الفرق ذكره طوائف من المالكية والشافعية والحنابلة منهم القاضي عبد الوهاب بن نصر والقاضي أبو يعلي في المجرد وابو علي بن البناء وابن عقيل وغيرهم وهو يتوجه مع قولنا ان سب النبي حد لله كالزنى والسرقة # يؤيد ذلك ان القذف بالكفر أعظم من القذف بالزنى ثم لم يشرع عليه حد مقدر كما شرع على الرمي بالزنى وذلك لان المقذوف بالكفر
    لا يلحقه العار الذي يلحقه بالرمي بالزنى لانه بما يظهر من الايمان يعلم كذب القاذف وبما يظهره من التوبة تزول عنه تلك المعرة بخلاف الزنى فانه يستسر به ولا يمكنه اظهار البراءة منه ولا تزول معرته في عرف الناس عند اظهار التوبة فكذلك ساب الرسول يلحق بالدين واهله من المعرة ما لا يلحقهم اذا سب الله لكون المنافي لسب الله ظاهرا معلوما لكل أحد علما يشترك فيه كل الناس # الوجه الثالث ان النبي انما يسب على وجه الاستخفاف به والاستهانة وللنفوس الكافرة والمنافقة إلى ذلك داع من جهة الحسد على ما اتاه الله من فضله ومن جهة المخالفة في دينه ومن جهة الانقهار تحت حكم دينه وشرعه ومن جهة المراغمة لامته وكل مفسدة يكون اليها داع فلابد من شرع العقوبة عليها حدا وكل ما شرعت العقوبة عليه لم يسقط بالتوبة كسائر الجرائم واما سب الله سبحانه فانه لا يقع في الغالب استخفافا واستهانة وانما يقع تدينا واعتقادا وليس للنفوس في الغالب داع إلى ايقاع السب الا عن اعتقاد يرونه تعظيما وتمجيدا واذا كان كذلك لم يحتج خصوص السب إلى شرع زاجر بل هو نوع من الكفر فيقتل الانسان عليه لردته وكفره الا ان يتوب # وهذا الوجه من نمط الذي قبله والفرق بينهما ان ذلك بيان لان مفسدة السب لا تزول بإظهار التوبة بخلاف مفسدة سب الله تعالى والثاني بيان لأن سب الرسول اليه داع طبعي فيشرع الزجر عليه لخصوصه كشرب الخمر وسب الله تعالى ليس اليه داع طبعي فلا يحتاج خصوصه إلى حد زاجر كشرب البول واكل الميتة والدم

    1. والوجه الرابع ان سب النبي حد وجب لسب ادمي ميت لم يعلم انه عفا عنه وذلك لا يسقط بالتوبة بخلاف سب الله تعالى فانه قد علم انه قد عفا عمن سبه اذا تاب وذلك ان سب الرسول متردد في سقوطه حده بالتوبة بين سب الله وسب سائر الادميين فيجب الحاقه باشبه الاصلين به ومعلوم ان سب الادمي انما لم تسقط عقوبته بالتوبة لان حقوق الادميين لا تسقط بالتوبة لانهم ينتفعون باستيفاء حقوقهم ولا ينتفعون بتوبة التائب فاذا تاب من للادمي عليه حق قصاص او قذف فان له ان ياخذه منه لينتفع به اشتفاء ودرك ثار وصيانة عرض وحق الله قد علم سقوط بالتوبة لانه سبحانه انما اوجب الحقوق لينتفع بها العباد فاذا رجعوا إلى ما ينفعهم حصل مقصود الايجاب وحينئذ فلا ريب ان حرمة الرسول الحقت بحرمة الله من جهة التغليظ لان الطعن فيه طعن في دين الله وكتابه وكتابه وهو من الخلق الذين لا تسقط حقوقهم بالتوبة لانهم ينتفعون باستيفاء الحقوق ممن هي عليه وقد ذكرنا ما دل على ذلك من ان رسول الله كان له ان يعاقب من اذاه وان جاءه تائبا وهو كما انه بلغ الرسالة لينتفع بها العباد فاذا تابوا ورجعوا إلى ما امرهم به فقد حصل مقصوده فهو ايضا يتألم بأذاهم له فله ان يعاقب من اذاه تحصيلا لمصلحة نفسه كما له ان يأكل ويشرب فان تمكين البشر من استيفاء حقه ممن بغى عليه من جملة مصالح الانسان ولولا ذلك لماتت النفوس غما ثم اليه الخيرة في العفو والانتقام فقد

    تترجح عنده مصلحة الانتقام فيكون فاعلا لامر مباح وحظ جائز كما له ان يتزوج النساء وقد يترجح العفو والانبياء عليهم السلام منهم من كان قد يترجح عنده احيانا الانتقام ويشدد الله قلوبهم فيه حتى تكون اشد من الصخر كنوح وموسى ومنهم من كان يترجح عنده العفو فيلين الله قلوبهم فيه حتى تكون الين من اللبن كابراهيم وعيسى فاذا تعذر عفوه عن حقه تعين استيفاؤه والا لزم اهدار حقه بالكلية # قولهم اذا سقط المتبوع بالإسلام فالتابع اولى # قلنا هو تابع من حيث تغلظت عقوبته لا من حيث ان له حقا في الاستيفاء لا ينجبر بالتوبة # قولهم ساب الواحد من الناس لا يختلف حاله بين ما قبل الإسلام وبعده بخلاف ساب الرسول # عنه جوابان # احدهما المنع فان سب الذمي للمسلم جائز عنده لانه يعتقد كفره وضلاله وانما يحرمه عنده العهد الذي بيننا وبينه فلا فرق بينهما وان فرض الكلام في سب خارج عن الدين مثل الرمي بالزنى والافتراء عليه ونحو ذلك فلا فرق في ذلك بين سب الرسول وسب الواحد من الامة ولا ريب ان الكافر اذا اسلم صار أخا للمسلمين يؤذيه ما يؤذيهم وصار معتقدا لحرمة اعراضهم وزال المبيح لانتهاك اعراضهم ومع ذلك لا يسقط حق المشتوم بإسلامه وقد تقدم هذا الوجه غير مرة

    1. الثاني ان شاتم الواحد من الناس لو تاب واظهر براءة المشتوم واثنى عليه ودعا له بعد رفعه إلى السلطان كان له ان يستوفي حده مع ذلك فلا فرق بينه وبين شاتم الرسول اذا اظهر اعتقاد رسالته وعلو منزلته وسبب ذلك أن اظهار مثل هذه التوبة لا يزيل ما لحق المشتوم من الغضاضة والمعرة بل قد يحمل ذلك على خوف العقوبة وتبقى اثار السب الاول جارحه فان لم يكن المشتوم من اخذ حقه بكل حال لم يندمل جرحه # قولهم القتل حق الرسالة واما البشرية فانما لها حقوق البشرية والتوبة تقطع حق الرسالة # قلنا لا نسلم ذلك بل هو من حيث هو بشر مفضل في بشريته على الادميين تفضيلا يوجب قتل سابه ولو كان القتل انما وجب لكونه قدحا في النبوة لكان مثل غيره من انواع الكفر ولم يكن خصوص السب موجبا للقتل وقد قدمنا من الادلة ما يدل على ان خصوص السب موجب للقتل وانه ليس بمنزلة سائر انواع الكفر ومن سوى بين الساب للرسول وبين المعرض عن تصديقه فقط في العقوبة فقد خالف الكتاب والسنة الظاهره والاجماع الماضي وخالف المعقول وسوى بين الشيئين المتباينين وكون الالقاذف له لم يجب عليه مع القتل جلد ثمانين او ضح دليل على ان القتل عقوبة لخصوص السب والا كان قد اجتمع حقان حق لله وهو تكذيب رسوله فيوجب القتل وحق لرسوله وهو سبه فيوجب الجلد على هذا الراي فكان ينبغي قبل التوبة على هذا ان يجتمع عليه

    الحدان كما لو ارتد وقذف مسلما او نقض العهد وقذف مسلما وبعدالتوبة يستوفى منه حد القذف فكان انما للنبي ان يعاقب من سبه وجاء تائبا بالجلد فقط كما انه ليس للإمام ان يعاقب قاطع الطريق اذ جاء تائبا الا بالقود ونحوه مما هو خالص حق الادمي ولو سلمنا ان القتل حق الرسالة فقط فهو ردة مغلظة بما فيه ضرر او نقض مغلظ بما فيه ضرر كما لو اقترن بالنقض حراب وفسادا بالفعل من قطع طريق وزنى بمسلمة وغير ذلك فان القتل هنا حق لله ومع هذا لم يسقط بالتوبة والإسلام وهذا متحقق سواء قلنا ان ساب الله يقتل بعد التوبة او لايقتل كما تقدم تقريره # قولهم اذا اسلم سقط القتل المتعلق بالرسالة # قلنا هذا ممنوع اما اذا سوينا بينه وبين سب الله فظاهر وان فرقنا فان هذا شبه من باب فعل المحارب لله ورسوله الساعي في الارض فسادا والحاجة داعية إلى ردع امثاله كما تقدم وان سلمنا سقوط الحق المتعلق بالكفر بالرسالة لكن لم يسقط الحق المتعلق بشتم الرسول وسبه فان هذه جناية زائدة على نفس الرسول مع التزام تركها فان الذمي ملتزم لنا ان لا يظهر السب وليس ملتزما لنا ان لا يكفر به فكيف يجعل ما التزم تركه من جنس ما قد قررناه عليه وجماع الامر ان هذه
    الجناية على الرسالة نقض يتضمن حرابا وفسادا او ردة تضمنت فسادا وحرابا وسقوط القتل عن مثل هذا ممنوع كما تقدم # قولهم حق البشرية انغمر في حق الرسالة وحق الادمي انغمر في حق الله # قلنا هذه دعوة محضة ولو كان كذلك لما جاز للنبي العفو عمن سبه ولا جاز عقوبته بعد مجيئه تائبا ولا احتيج خصوص السب ان يفرد بذكر العقوبة لعلم كل أحد ان سب الرسول اغلظ من الكفر به فلما جاءت الاحاديث والاثار في خصوص سب الرسول بالقتل علم ان ذلك لخاصة في السب وان اندرج في عموم الكفر # وايضا فحق العبد لا ينغمر في حق الله قط نعم العكس موجود كما تندرج عقوبة القاتل والقاذف على عصيانه لله في القود وحد القذف اما ان يندرج حق العبد في حق الله فباطل فان من جنى جناية واحدة تعلق بها حقان لله ولادمي ثم سقط حق الله لم يسقط حق
    الادمي سواء كان من جنس او جنسين كما لو جنى جنايات متفرقة كمن قتل في قطع الطريق فإنه اذا سقط عنه تحتم القتل لم يسقط عنه القود ولو سرق سرقة ثم سقط عنه القطع لم يسقط عنه الغرم باجماع المسلمين حتى عند من قال ان القطع والغرم لا يجتمعان نعم اذا جنى جناية واحدة فيها حقان لله ولآدمي فان كان موجب الحقين من جنس واحد تداخلا وان كانا من جنسين ففي التداخل خلاف معروف
    مثال الاول قتل المحارب فانه يوجب القتل حقا لله وللادمي والقتل لا يتعدد فمتى قتل لم يبق للادمي حق في تركته من الدية وان كان له ان ياخذ الدية اذا قتل عدة مقتولين فيقتل ببعضهم عند الشافعي واحمد وغيرهما اما ان قلنا ان موجب العمد القود عينا فظاهر وان قلنا ان موجبه أحد شيئين فانما ذاك حيث يمكن العفو وهنا لا يمكن العفو فصار موجبه القود عينا وولي استيفائه الإمام لان ولايته اعم ومثال الثاني اخذ المال سرقة واتلافه فانه موجب للقطع حدا لله وموجب للغرم حقا للادمي ولهذا قال الكوفيون ان حد
    الادمي يدخل في القطع فلا يجب وقال الاكثرون بل يغرم للادمي ماله وان قطعت يده واما اذا جنى جنايات متفرقة لكل جناية حد فان كانت لله وهي من جنس واحد تداخلت بالاتفاق وان كانت من اجناس وفيها القتل تداخلت عند الجمهور ولم تتداخل عند الشافعي وان كانت للادميين لم تتداخل عند اجمهور وعند مالك تتداخل في القتل الا حد القذف فهنا هذا الشاتم الساب لا ريب انه تعلق بشتمه حق الله وحق لادمي ونحن نقول ان موجب كل منهما القتل ومن ينازعنا اما ان يقول اندرج حق الادمي في حق الله او موجبه الجلد فاذا قتل فلا كلام الا عند من يقول ان موجبه الجلد فانه يجب ان يخرج على الخلاف واما اذا سقط حق الله في بالتوبة فكيف يسقط حق العبد فانا لا نحفظ لهذا نظيرا بل النظائر تخالفه كما ذكرناه والسنة تدل على خلافه واثبات حكم بلا اصل ولا نظير غير جائز بل مخالفته للاصول دليل على بطلانه # وايضا فهب ان هذا حد محض لله لكن لم يقال انه يسقط بالتوبة وقد قدمنا ان الردة ونقض العهد نوعان مجرد ومغلظ
    فما تغلظ منه بما يضر المسلمين يجب قتل صاحبه بكل حال وان تاب وبينا ان السب من هذا النوع # وايضا فأقصى ما يقال ان يلحق هذا السب بسب الله وفيه من الخلاف ما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى # واما ما ذكر من الفرق بين سب المسلم وسب الكافر فهو وان كان له توجه كما للتسوية بينهما في السقوط توجه ايضا فانه معارض بما يدل على ان الكافر اولى بالقتل لكل حال من المسلم وذلك ان الكافر قد ثبت المبيح لدمه وهو الكفر وانما عصمه العهد واظهاره السب لا ريب انه محاربة لله ورسوله وافساد في الارض ونكاية في المسلمين فقد تحقق الفساد من جهته واظهاره التوبة بعد القدرة عليه لا يوثق بها كتوبة غيره من المحاربين لله ورسوله الساعين في الارض فسادا بخلاف من علم منه الإسلام وصدرت منه الكلمة من السب مع امكان انها لم تصدر عن اعتقاد بل خرجت سفها او غلطا فاذا عاد إلى الإسلام مع انه لم يزل يتدين به لم يعلم منه خلافه كان اولى بقبول توبته لان ذنبه اصغر وتوبته اقرب إلى الصحة # ثم انه يجاب عنه بان اظهار المسلم تجديد الإسلام بمنزلة اظهار الذمي الإسلام لان الذمي كان يزعه عن اظهار سبه ما اظهره من عقد الامان كما يزع المسلم ما اظهره من عقد الايمان فاذا كان المسلم الآن انما يظهر عقد ايمان قد ظهر ما يدل على فساده فكذلك الذمي انما يظهر عقد
    امان قد ظهر ما يدل على فساده فانه من يتهم في امانه يتهم في ايمانه ويكون منافقا في الايمان كما كان منافقا في الامان بل ربما كان حال هذا الذي تاب بعد معاينة السيف اشد على المسلمين من حاله قبل التوبة فانه كان في ذلة الكفر والان فانه يشرك المسلمين في ظاهر العز مع ما ظهر من نفاقه وخبثه الذي لم يظهر ما يدل على زواله على ان في تعليل سبه بالزندقة نظرا فان السب امر ظاهر اظهره ولم يظهر منه ما يدل على استبطانه اياه قبل ذلك ومن الجائز ان يكون قد حدث له ما اوجب الردة # نعم ان كان ممن تكررذلك منه او له دلالات على سوء العقيدة فهنا الزندقة ظاهرة لكن يقال نحن نقتله لامرين لكونه زنديقا ولكونه سابا كما نقتل الذمي لكونه كافرا غير ذي عهد ولكونه سابا فان الفرق بين المسلم والذمي في الزندقة لا يمنع اجتماعهما في علة اخرى تقضي كون السب موجبا للقتل وان احدث الساب اعتقادا صحيحا بعد ذلك بل قد يقال ان السب اذا كان موجبا للقتل قتل صاحبه وان كان صحيح الاعتقاد في الباطن حال سبه كسبه لله تعالى وكالقذف في ايجابه للجلد وكسب جميع البشر




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  7. #37
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. وحينئذ فالجواب من وجوه # احدها ان الموضع الذي ثبت فيه قبول توبته فيما بينه وبين الله من حق الله وحق عباده ليس هو الموضع الذي ينتقض فيه عهده ويقتل وان تاب فان ادعى انه يسقط حق العباد في جميع الصور فهذا محل منع لما فيه من الخلاف فلابد من اقامة الدلالة على ذلك والادلة المذكورة لم تتناول السب الظاهر الذي ينتقض به العهد # الوجه الثاني ان صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا فان من تاب من قتل او قذف او قطع طريق او غير ذلك فيما بينه وبين الله فان ذلك لا يسقط حقوق العباد من والقود وحد القذف وضمان المال وهذا السب فيه حق لادمي فان كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده فان ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة # الوجه الثالث ان من يقول بقبول التوبة من ذلك في الباطن بكل حال يقول ان توبة العبد فيما بينه وبين الله ممكنه من جميع الذنوب حتى انه لو سب سرا احادا من الناس موتى ثم تاب واستغفر لهم بدل سبهم لرجي ان يغفر الله له ولايكلف الله نفسا الا وسعها فكذلك ساب الانبياء والرسل لو لم تقبل توبته وتغفر زلته لانسد باب التوبة وقطع طريق المغفرة والرحمة وقد لما نهى عن الغيبة ^ ايحب احدكم ان يكال لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ^ فعلم ان المغتاب له سبيل إلى التوبة بكل حال وان كان

    الذي اغتيب ميتا او غائبا بل على اصح الروايتين ليس عليه ان يستحله في الدنيا اذا لم يكن علم فان فساد ذلك أكثر من صلاحه وفي الاثر كفارة الغيبة ان تستغفر لمن اغتبته وقد ^ ان الحسنات يذهبن السيئات ^ اما اذا كان الرسول حيا وقد بلغه السب فقد يقول هنا ان التوبة لاتصح حتى يستحل الرسول ويعفو الرسول عنه كما فعل انس بن زنيم وابو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي امية وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وابن الزبعرى واحدى القينتين وكعب بن زهير وغيرهم كما دلت عليه السيرة لمن تدبرها وقد قال كعب بن زهير % انبئت ان رسول الله اوعدني % والعفو عند رسول الله مامول %

    1. وانما يطلب العفو في شئ يجوز فيه العفو والانتقام وانما يقال اوعده اذا كان حكم الايعاد باقيا بعد الإسلام والا فلو كان الايعاد معلقا ببقائه على الكفر لم يبق ابعاد # اذا تقرر هذا فصحة التوبة فيما بينه وبين الله وسقوط حق الرسول بما ابدله من الايمان به الموجب لحقوقه لا يمنع ان يقيم عليه حد الرسول اذا ثبت عند السلطان وان اظهر التوبة بعد ذلك كالتوبة من جميع الكبائر الموجبة للعقوبات المشروعة سواء كانت حقا لله او حقا لادمي فان توبة العبد فيما بينه وبين الله بحسب الامكان صحيحة مع انه اذا ظهر عليه اقيم عليه الحد وقد اسلفنا ان سب الرسول فيه حق لله وحق لادمي وانه من كلا الوجهين يجب استيفاؤه اذا رفع إلى السلطان وان اظهر الجاني التوبة بعد الشهادة عليه # واما ما ذكره من كون سب الرسول ليس بأعظم من سب الله وان ما فيه من الشرف فلأجله ففي الجواب عنه طريقان # احدهما انه لافرق بين التائبين فان ساب الله ايضا يقتل ولا تسقط التوبة القتل عنه اما لكونه دليلا على الزندقة في الايمان والامان او لكونه ليس مجرد ردة ونقض وانما هو من باب الاستخفاف بالله والاستهانة ومثل هذا لا يسقط القتل عنه اذا تاب بعد الشهادة عليه

    كما لايسقط القتل عنه اذا انتهك محارمه فان انتهاك حرمته أعظم من انتهاك محارمه وسياتي ان شاء الله تعالى ذكر ذلك ومن قاله من اصحابنا وغيرهم ومن اجاب بهذا لم يورد عليه صحة إسلام النصراني ونحوه وقبول توبتهم لانه لاخلاف في قبول التوبة فيما بينه وبين الله وفي قبول التوبة مطلقا اذا لم يظهروا السب وانما الخلاف فيما اذا اظهر النصراني ما هو سب وطعن ودعاؤهم إلى التوبة لا يمنع اقامة الحدود عليهم اذا كانوا معاهدين كقوله سبحانه وتعالى ^ ان الذي فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ^ وكانت فتنتهم انهم القوهم في النار حتى كفروا ولو فعل هذا معاهد بمسلم فانه يقتل وان اسلم
    بالاتفاق وان كانت توبته فيما بينه وبين الله مقبولة # وايضا فان مقالات الكفار التي يعتقدونها ليست من السب المذكور فانهم يعتقدون هذا تعظيما لله ودينا له وانما الكلام في السب الذي هو السب عند الساب وغيره من الناس وفرق بين من يتكلم في حقه بكلام يعتقده تعظيما له وبين من يتكلم بكلام يعلم انه استهزاء به واستخفاف به ولهذا فرق في القتل والزنى والسرقة والشرب والقذف ونحوهن بين المستحل لذلك المعذور وبين من يعلم التحريم # وكذلك قول النبي لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر وقوله فيما يروي عن ربه عز وجل يؤذيني ابن ادم
    يسب الدهر وانا الدهر بيدي الامر اقلب الليل والنهار فإن من سب الدهر من الخلق لم يقصد سب الله سبحانه وانما يقصد ان يسب من فعل به ذلك الفعل مضيفا له إلى الدهر فيقع السب على الله لانه هو الفاعل في الحقيقة وسواء قلنا انه الدهر اسم من اسماء الله تعالى كما قال نعيم بن حماد او قلنا إنه ليس باسم وانما قوله انا الدهر اي انا الذي افعل ما ينسبونه إلى الدهر ويوقعون السب عليه كما قاله أبو عبيدة والاكثرون ولهذا لا يكفر من سب الدهر ولا يقتل
    لكن يؤدب ويعزر لسوء منطقه والسب المذكور في قوله تعالى ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ قد قيل ان المسلمين كانوا اذا سبوا الهة الكفار سب الكفار من يأمرهم بذلك والههم الذين يعبدونه معرضين عن كونه ربهم والههم فيقع سبهم على الله لانه الهنا ومعبودنا فيكونوا سابين لموصوف وهو الله سبحانه ولهذا قال سبحانه ^ عدوا بغير علم ^ وهو شبيه بسب الدهر من بعض
    الوجوه وقيل كانوا يصرحون بسب الله عدوا وغلوا وفي الكفر قال قتادة كان المسلمون يسبون اصنام الكفار فيسب الكفار الله بغير علم فانزل الله ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ وقال ايضا كان المسلمون يسبون اوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله تعالى ان يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله وذلك انه في اللجاجة ان يسب الجاهل من يعظمه مراغمة لعدوه اذا كان يعظمه ايضا كما قال بعض الحمقى % سبوا عليا كما سبوا عتيقكم % كفرا بكفر وايمانا بايمانا %

    1. وكما يقول بعض الجهال مقابلة الفاسد بالفاسد وكما قد تحمل بعض جهال المسلمين الحمية على ان يسب عيسى اذا جاهره المحاربون بسب رسول الله وهذا من الموجبات للقتل # الطريقة الثانية طريقة من فرق بين سب الله وسب رسوله وذلك من وجوه # احدها ان سب الله حق محض لله وذلك يسقط بالتوبة كالزنى والسرقة وشرب الخمر وسب النبي فيه حقان لله وللعبد فلا يسقط حق الادمي بالتوبة كالقتل في المحاربة هذا فرق القاضي أبي يعلى في خلافه # الثاني ان النبي تلحقه المعرة بالسب لانه مخلوق وهو من جنس الادميين الذين تلحقهم المعرة والغضاضة بالسب والشتم وكذلك يثابون على سبهم ويعطيهم الله من حسنات الشاتم او من عنده عوضا على ما اصابهم من المصيبة بالشتم فمن سبه فقد انتقص حرمته والخالق سبحانه لا تلحقه معرة ولا غضاضة بذلك فانه منزه عن لحوق المنافع والمضار كما قال سبحانه فيما يرويه عنه رسول الله يا عبادي انكم لم تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي

    فنتفعوني واذا كان سب النبي قد يؤثر انتقاصه في النفوس وتلحقه بذلك معرة وضيم وربما كان سببا للتنفير عنه وقلة هيبته وسقوط حرمته شرعت العقوبة على خصوص الفساد الحاصل بسبه فلا تسقط بالتوبه كالعقوبة على جميع الجرائم وأما ساب الله سبحانه فإنه يضر نفسه بمنزلة الكافر والمرتد فمتى تاب زال ضرر نفسه فلا يقتل # وهذا الفرق ذكره طوائف من المالكية والشافعية والحنابلة منهم القاضي عبد الوهاب بن نصر والقاضي أبو يعلي في المجرد وابو علي بن البناء وابن عقيل وغيرهم وهو يتوجه مع قولنا ان سب النبي حد لله كالزنى والسرقة # يؤيد ذلك ان القذف بالكفر أعظم من القذف بالزنى ثم لم يشرع عليه حد مقدر كما شرع على الرمي بالزنى وذلك لان المقذوف بالكفر
    لا يلحقه العار الذي يلحقه بالرمي بالزنى لانه بما يظهر من الايمان يعلم كذب القاذف وبما يظهره من التوبة تزول عنه تلك المعرة بخلاف الزنى فانه يستسر به ولا يمكنه اظهار البراءة منه ولا تزول معرته في عرف الناس عند اظهار التوبة فكذلك ساب الرسول يلحق بالدين واهله من المعرة ما لا يلحقهم اذا سب الله لكون المنافي لسب الله ظاهرا معلوما لكل أحد علما يشترك فيه كل الناس # الوجه الثالث ان النبي انما يسب على وجه الاستخفاف به والاستهانة وللنفوس الكافرة والمنافقة إلى ذلك داع من جهة الحسد على ما اتاه الله من فضله ومن جهة المخالفة في دينه ومن جهة الانقهار تحت حكم دينه وشرعه ومن جهة المراغمة لامته وكل مفسدة يكون اليها داع فلابد من شرع العقوبة عليها حدا وكل ما شرعت العقوبة عليه لم يسقط بالتوبة كسائر الجرائم واما سب الله سبحانه فانه لا يقع في الغالب استخفافا واستهانة وانما يقع تدينا واعتقادا وليس للنفوس في الغالب داع إلى ايقاع السب الا عن اعتقاد يرونه تعظيما وتمجيدا واذا كان كذلك لم يحتج خصوص السب إلى شرع زاجر بل هو نوع من الكفر فيقتل الانسان عليه لردته وكفره الا ان يتوب # وهذا الوجه من نمط الذي قبله والفرق بينهما ان ذلك بيان لان مفسدة السب لا تزول بإظهار التوبة بخلاف مفسدة سب الله تعالى والثاني بيان لأن سب الرسول اليه داع طبعي فيشرع الزجر عليه لخصوصه كشرب الخمر وسب الله تعالى ليس اليه داع طبعي فلا يحتاج خصوصه إلى حد زاجر كشرب البول واكل الميتة والدم

    1. والوجه الرابع ان سب النبي حد وجب لسب ادمي ميت لم يعلم انه عفا عنه وذلك لا يسقط بالتوبة بخلاف سب الله تعالى فانه قد علم انه قد عفا عمن سبه اذا تاب وذلك ان سب الرسول متردد في سقوطه حده بالتوبة بين سب الله وسب سائر الادميين فيجب الحاقه باشبه الاصلين به ومعلوم ان سب الادمي انما لم تسقط عقوبته بالتوبة لان حقوق الادميين لا تسقط بالتوبة لانهم ينتفعون باستيفاء حقوقهم ولا ينتفعون بتوبة التائب فاذا تاب من للادمي عليه حق قصاص او قذف فان له ان ياخذه منه لينتفع به اشتفاء ودرك ثار وصيانة عرض وحق الله قد علم سقوط بالتوبة لانه سبحانه انما اوجب الحقوق لينتفع بها العباد فاذا رجعوا إلى ما ينفعهم حصل مقصود الايجاب وحينئذ فلا ريب ان حرمة الرسول الحقت بحرمة الله من جهة التغليظ لان الطعن فيه طعن في دين الله وكتابه وكتابه وهو من الخلق الذين لا تسقط حقوقهم بالتوبة لانهم ينتفعون باستيفاء الحقوق ممن هي عليه وقد ذكرنا ما دل على ذلك من ان رسول الله كان له ان يعاقب من اذاه وان جاءه تائبا وهو كما انه بلغ الرسالة لينتفع بها العباد فاذا تابوا ورجعوا إلى ما امرهم به فقد حصل مقصوده فهو ايضا يتألم بأذاهم له فله ان يعاقب من اذاه تحصيلا لمصلحة نفسه كما له ان يأكل ويشرب فان تمكين البشر من استيفاء حقه ممن بغى عليه من جملة مصالح الانسان ولولا ذلك لماتت النفوس غما ثم اليه الخيرة في العفو والانتقام فقد

    تترجح عنده مصلحة الانتقام فيكون فاعلا لامر مباح وحظ جائز كما له ان يتزوج النساء وقد يترجح العفو والانبياء عليهم السلام منهم من كان قد يترجح عنده احيانا الانتقام ويشدد الله قلوبهم فيه حتى تكون اشد من الصخر كنوح وموسى ومنهم من كان يترجح عنده العفو فيلين الله قلوبهم فيه حتى تكون الين من اللبن كابراهيم وعيسى فاذا تعذر عفوه عن حقه تعين استيفاؤه والا لزم اهدار حقه بالكلية # قولهم اذا سقط المتبوع بالإسلام فالتابع اولى # قلنا هو تابع من حيث تغلظت عقوبته لا من حيث ان له حقا في الاستيفاء لا ينجبر بالتوبة # قولهم ساب الواحد من الناس لا يختلف حاله بين ما قبل الإسلام وبعده بخلاف ساب الرسول # عنه جوابان # احدهما المنع فان سب الذمي للمسلم جائز عنده لانه يعتقد كفره وضلاله وانما يحرمه عنده العهد الذي بيننا وبينه فلا فرق بينهما وان فرض الكلام في سب خارج عن الدين مثل الرمي بالزنى والافتراء عليه ونحو ذلك فلا فرق في ذلك بين سب الرسول وسب الواحد من الامة ولا ريب ان الكافر اذا اسلم صار أخا للمسلمين يؤذيه ما يؤذيهم وصار معتقدا لحرمة اعراضهم وزال المبيح لانتهاك اعراضهم ومع ذلك لا يسقط حق المشتوم بإسلامه وقد تقدم هذا الوجه غير مرة

    1. الثاني ان شاتم الواحد من الناس لو تاب واظهر براءة المشتوم واثنى عليه ودعا له بعد رفعه إلى السلطان كان له ان يستوفي حده مع ذلك فلا فرق بينه وبين شاتم الرسول اذا اظهر اعتقاد رسالته وعلو منزلته وسبب ذلك أن اظهار مثل هذه التوبة لا يزيل ما لحق المشتوم من الغضاضة والمعرة بل قد يحمل ذلك على خوف العقوبة وتبقى اثار السب الاول جارحه فان لم يكن المشتوم من اخذ حقه بكل حال لم يندمل جرحه # قولهم القتل حق الرسالة واما البشرية فانما لها حقوق البشرية والتوبة تقطع حق الرسالة # قلنا لا نسلم ذلك بل هو من حيث هو بشر مفضل في بشريته على الادميين تفضيلا يوجب قتل سابه ولو كان القتل انما وجب لكونه قدحا في النبوة لكان مثل غيره من انواع الكفر ولم يكن خصوص السب موجبا للقتل وقد قدمنا من الادلة ما يدل على ان خصوص السب موجب للقتل وانه ليس بمنزلة سائر انواع الكفر ومن سوى بين الساب للرسول وبين المعرض عن تصديقه فقط في العقوبة فقد خالف الكتاب والسنة الظاهره والاجماع الماضي وخالف المعقول وسوى بين الشيئين المتباينين وكون الالقاذف له لم يجب عليه مع القتل جلد ثمانين او ضح دليل على ان القتل عقوبة لخصوص السب والا كان قد اجتمع حقان حق لله وهو تكذيب رسوله فيوجب القتل وحق لرسوله وهو سبه فيوجب الجلد على هذا الراي فكان ينبغي قبل التوبة على هذا ان يجتمع عليه

    الحدان كما لو ارتد وقذف مسلما او نقض العهد وقذف مسلما وبعدالتوبة يستوفى منه حد القذف فكان انما للنبي ان يعاقب من سبه وجاء تائبا بالجلد فقط كما انه ليس للإمام ان يعاقب قاطع الطريق اذ جاء تائبا الا بالقود ونحوه مما هو خالص حق الادمي ولو سلمنا ان القتل حق الرسالة فقط فهو ردة مغلظة بما فيه ضرر او نقض مغلظ بما فيه ضرر كما لو اقترن بالنقض حراب وفسادا بالفعل من قطع طريق وزنى بمسلمة وغير ذلك فان القتل هنا حق لله ومع هذا لم يسقط بالتوبة والإسلام وهذا متحقق سواء قلنا ان ساب الله يقتل بعد التوبة او لايقتل كما تقدم تقريره # قولهم اذا اسلم سقط القتل المتعلق بالرسالة # قلنا هذا ممنوع اما اذا سوينا بينه وبين سب الله فظاهر وان فرقنا فان هذا شبه من باب فعل المحارب لله ورسوله الساعي في الارض فسادا والحاجة داعية إلى ردع امثاله كما تقدم وان سلمنا سقوط الحق المتعلق بالكفر بالرسالة لكن لم يسقط الحق المتعلق بشتم الرسول وسبه فان هذه جناية زائدة على نفس الرسول مع التزام تركها فان الذمي ملتزم لنا ان لا يظهر السب وليس ملتزما لنا ان لا يكفر به فكيف يجعل ما التزم تركه من جنس ما قد قررناه عليه وجماع الامر ان هذه
    الجناية على الرسالة نقض يتضمن حرابا وفسادا او ردة تضمنت فسادا وحرابا وسقوط القتل عن مثل هذا ممنوع كما تقدم # قولهم حق البشرية انغمر في حق الرسالة وحق الادمي انغمر في حق الله # قلنا هذه دعوة محضة ولو كان كذلك لما جاز للنبي العفو عمن سبه ولا جاز عقوبته بعد مجيئه تائبا ولا احتيج خصوص السب ان يفرد بذكر العقوبة لعلم كل أحد ان سب الرسول اغلظ من الكفر به فلما جاءت الاحاديث والاثار في خصوص سب الرسول بالقتل علم ان ذلك لخاصة في السب وان اندرج في عموم الكفر # وايضا فحق العبد لا ينغمر في حق الله قط نعم العكس موجود كما تندرج عقوبة القاتل والقاذف على عصيانه لله في القود وحد القذف اما ان يندرج حق العبد في حق الله فباطل فان من جنى جناية واحدة تعلق بها حقان لله ولادمي ثم سقط حق الله لم يسقط حق
    الادمي سواء كان من جنس او جنسين كما لو جنى جنايات متفرقة كمن قتل في قطع الطريق فإنه اذا سقط عنه تحتم القتل لم يسقط عنه القود ولو سرق سرقة ثم سقط عنه القطع لم يسقط عنه الغرم باجماع المسلمين حتى عند من قال ان القطع والغرم لا يجتمعان نعم اذا جنى جناية واحدة فيها حقان لله ولآدمي فان كان موجب الحقين من جنس واحد تداخلا وان كانا من جنسين ففي التداخل خلاف معروف
    مثال الاول قتل المحارب فانه يوجب القتل حقا لله وللادمي والقتل لا يتعدد فمتى قتل لم يبق للادمي حق في تركته من الدية وان كان له ان ياخذ الدية اذا قتل عدة مقتولين فيقتل ببعضهم عند الشافعي واحمد وغيرهما اما ان قلنا ان موجب العمد القود عينا فظاهر وان قلنا ان موجبه أحد شيئين فانما ذاك حيث يمكن العفو وهنا لا يمكن العفو فصار موجبه القود عينا وولي استيفائه الإمام لان ولايته اعم ومثال الثاني اخذ المال سرقة واتلافه فانه موجب للقطع حدا لله وموجب للغرم حقا للادمي ولهذا قال الكوفيون ان حد
    الادمي يدخل في القطع فلا يجب وقال الاكثرون بل يغرم للادمي ماله وان قطعت يده واما اذا جنى جنايات متفرقة لكل جناية حد فان كانت لله وهي من جنس واحد تداخلت بالاتفاق وان كانت من اجناس وفيها القتل تداخلت عند الجمهور ولم تتداخل عند الشافعي وان كانت للادميين لم تتداخل عند اجمهور وعند مالك تتداخل في القتل الا حد القذف فهنا هذا الشاتم الساب لا ريب انه تعلق بشتمه حق الله وحق لادمي ونحن نقول ان موجب كل منهما القتل ومن ينازعنا اما ان يقول اندرج حق الادمي في حق الله او موجبه الجلد فاذا قتل فلا كلام الا عند من يقول ان موجبه الجلد فانه يجب ان يخرج على الخلاف واما اذا سقط حق الله في بالتوبة فكيف يسقط حق العبد فانا لا نحفظ لهذا نظيرا بل النظائر تخالفه كما ذكرناه والسنة تدل على خلافه واثبات حكم بلا اصل ولا نظير غير جائز بل مخالفته للاصول دليل على بطلانه # وايضا فهب ان هذا حد محض لله لكن لم يقال انه يسقط بالتوبة وقد قدمنا ان الردة ونقض العهد نوعان مجرد ومغلظ
    فما تغلظ منه بما يضر المسلمين يجب قتل صاحبه بكل حال وان تاب وبينا ان السب من هذا النوع # وايضا فأقصى ما يقال ان يلحق هذا السب بسب الله وفيه من الخلاف ما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى # واما ما ذكر من الفرق بين سب المسلم وسب الكافر فهو وان كان له توجه كما للتسوية بينهما في السقوط توجه ايضا فانه معارض بما يدل على ان الكافر اولى بالقتل لكل حال من المسلم وذلك ان الكافر قد ثبت المبيح لدمه وهو الكفر وانما عصمه العهد واظهاره السب لا ريب انه محاربة لله ورسوله وافساد في الارض ونكاية في المسلمين فقد تحقق الفساد من جهته واظهاره التوبة بعد القدرة عليه لا يوثق بها كتوبة غيره من المحاربين لله ورسوله الساعين في الارض فسادا بخلاف من علم منه الإسلام وصدرت منه الكلمة من السب مع امكان انها لم تصدر عن اعتقاد بل خرجت سفها او غلطا فاذا عاد إلى الإسلام مع انه لم يزل يتدين به لم يعلم منه خلافه كان اولى بقبول توبته لان ذنبه اصغر وتوبته اقرب إلى الصحة # ثم انه يجاب عنه بان اظهار المسلم تجديد الإسلام بمنزلة اظهار الذمي الإسلام لان الذمي كان يزعه عن اظهار سبه ما اظهره من عقد الامان كما يزع المسلم ما اظهره من عقد الايمان فاذا كان المسلم الآن انما يظهر عقد ايمان قد ظهر ما يدل على فساده فكذلك الذمي انما يظهر عقد
    امان قد ظهر ما يدل على فساده فانه من يتهم في امانه يتهم في ايمانه ويكون منافقا في الايمان كما كان منافقا في الامان بل ربما كان حال هذا الذي تاب بعد معاينة السيف اشد على المسلمين من حاله قبل التوبة فانه كان في ذلة الكفر والان فانه يشرك المسلمين في ظاهر العز مع ما ظهر من نفاقه وخبثه الذي لم يظهر ما يدل على زواله على ان في تعليل سبه بالزندقة نظرا فان السب امر ظاهر اظهره ولم يظهر منه ما يدل على استبطانه اياه قبل ذلك ومن الجائز ان يكون قد حدث له ما اوجب الردة # نعم ان كان ممن تكررذلك منه او له دلالات على سوء العقيدة فهنا الزندقة ظاهرة لكن يقال نحن نقتله لامرين لكونه زنديقا ولكونه سابا كما نقتل الذمي لكونه كافرا غير ذي عهد ولكونه سابا فان الفرق بين المسلم والذمي في الزندقة لا يمنع اجتماعهما في علة اخرى تقضي كون السب موجبا للقتل وان احدث الساب اعتقادا صحيحا بعد ذلك بل قد يقال ان السب اذا كان موجبا للقتل قتل صاحبه وان كان صحيح الاعتقاد في الباطن حال سبه كسبه لله تعالى وكالقذف في ايجابه للجلد وكسب جميع البشر




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  8. #38
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. الوجه الثالث ان العبد اذا فعل الذنب مع اعتقاد ان الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه واوجبه فهذا ليس بكافر فاما ان اعتقد ان الله لم يحرمه او انه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وابى ان يذعن لله وينقاد فهو اما جاحدا او معاند ولهذا قالوا من عصى مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند اهل السنة والجماعة وانما يكفره الخوارج فان العاصي المستكبر وان كان مصدقا بأن الله ربه فان معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق


    1. وبيان هذا ان من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق فانه ما امن بالقران من استحل محارمه وكذلك لو استحلها بغير فعل والاستحلال اعتقاد انها حلال له وذلك يكون تارة باعتقاد ان الله احلها وتارة باعتقاد ان الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد ان الله حرمها وهذا يكون لخلل في الايمان بالربوبية أو لخلل في الايمان بالرسالة ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة وتارة يعلم ان الله حرمها ويعلم ان الرسول انما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهذا اشد كفرا ممن قبله وقد يكون هذا مع علمه بان من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه ثم ان هذا الامتناع والاباء اما لخلل في اعتقاد حكمة الامر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردا او اتباعا لغرض النفس وحقيقته كفر هذا لانه يعترف لله ورسوله بكل ما اخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ويقول انا لااقر بذلك ولا التزمه وابغض هذا الحق وانفر عنه فهذا نوع غير النوع الاول وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقران مملوء من تكفير مثل هذا النوع بل عقوبته اشد وفي مثله قيل اشد الناس عذابا يوم

    القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وهو ابليس ومن سلك سبيله وبهذا يظهر الفرق بين العاصي فانه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويحب ان لا يفعله لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة فقد اتى من الايمان بالتصديق والخضوع والانقياد وذلك قول وعمل لكن لم يكمل العمل # واما اهانة الرجل من يعتقد وجوب كرامته كالوالدين ونحوهما فلانه لم يهن ما كان الانقياد له والاكرام شرطا في ايمانه وانما اهان من اكرامه شرط في بره وطاعته وتقواه وجانب الله والرسول انما كفر فيه لانه لا يكون مؤمنا حتى يصدق تصديقا يقتضي الخضوع والانقياد فحيث لم يقتضه لم يكن ذلك التصديق ايمانا بل كان وجوده شرا من عدمه فان من خلق له حياة وادراك ولم يرزق الا العذاب كان فقد تلك الحياة والادراك احب اليه من حياة ليس فيها الا الالم واذا كان التصديق ثمرته صلاح حاله وحصول النعيم له واللذة في الدنيا والاخرة فلم يحصل معه الا فساد حاله والبؤس والالم في الدنيا والاخرة كان ان لا يوجد احب اليه من ان يوجد

    1. وهنا كلام طويل في تفصيل هذه الامور ومن حكم الكعاب والسنة على نفسه قولا وفعلا ونور الله قلبه تبين له ضلال كثير من الناس ممن يتكلم برأيه في سعادة النفوس بعد الموت وشقاوتها جريا على منهاج الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسل الله به رسله ونبذا لكتاب الله وراء ظهورهم واتباعا لما تتلوه الشياطين # واما الشبهة الثانية فجوابها من ثلاثة اوجه # احدها ان موجب هذا ان من تكلم بالتكذيب والجحد وسائر انواع الكفر من غير اكراه على ذلك فانه يجوز ان يكون مع ذلك في نفس الامر مؤمنا ومن جوز هذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه


    1. الثاني ان الذي عليه الجماعة ان من لم يتكلم بالايمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة وان القول من القادر عليه شرط في صحة الايمان حتى اختلفوا في تكفير من قال ان المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح وليس هذا موضع تقرير هذا # وما ذكره القاضي رحمه الله من التأويل لكلام الإمام احمد فقد ذكر هو وغيره خلاف ذلك في غير موضع وكذلك ما دل عليه كلام القاضي عياض فان مالكا وسائر الفقهاء من التابعين ومن بعدهم الا من نسب إلى بدعة قالوا الايمان قول وعمل وبسط هذا له مكان غير هذا # الثالث ان من قال ان الايمان مجرد معرفة القلب من غير احتياج إلى المنطق باللسان يقول لا يفتقر الايمام في نفس الامر إلى القول الذي

    يوافقه باللسان لكن لا يقول ان القول الذي ينافي الايمان لايبطله فان القول قولان قول يوافق تلك المعرفة وقول يخالفها فهب ان القول الموافق لا يشترط لكن القول المخالف ينافيها فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامدا لها عالما بانها كلمة كفر فانه يكفر بذلك ظاهرا وباطنا ولايجوز ان يقال انه في الباطن يجوز ان يكون مؤمنا ومن قال ذلك ذلك فقد مرق من الإسلام قال الله سبحانه ^ من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ^ # ومعلوم انه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط لان ذلك لا يكره الرجل عليه وهو قد استثنى من اكره ولم يرد من قال واعتقد لأنه استثنى المكره وهو لا يكره على العقد والقول وانما يكره على القول فقط فعلم انه اراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله
    عذاب عظيم وانه كافر بذلك الا من اكره وهو مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فانه كافر ايضا فصار كل من تكلم بالكفر كافرا الا من اكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالايمان و في حق المستهزئين ^ لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ فبين انهم كفار بالقول مع انهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع والفقه فيه ما تقدم من ان التصديق بالقلب يمنع ارادة التكلم وارادة فعل فيه استهانة واستخفاف كما انه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته كاقتضاء ادراك الموافق للذة وادراك المخالف للألم فاذا عدم المعلول كان مستلزما لعدم العلة واذا وجد الضد كان مستلزما لعدم الضد الاخر فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرا # واعلم ان الايمان وان قيل هو التصديق فالقلب يصدق بالحق والقول يصدق ما في القلب والعمل يصدق القول والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب ورافع للتصديق الذي كان في القلب اذ اعمال الجوارح تؤثر في القلب كما ان اعمال القلب تؤثر في الجوارح فأيهما قام به كفر تعدى حكمه إلى الاخر والكلام في هذا واسع وانما نبهنا على هذه المقدمة
    فصل # ثم نعود إلى مقصود المسالة فنقول # قد ثبت ان كل سب وشتم يبيح الدم فهو كفر وان لم يكن كل كفر سبا ونحن نذكر عبارات العلماء في هذه المسألة # قال الإمام احمد كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فعليه القتل وارى ان يقتل ولا يستتاب # وقال في موضع اخر كل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينة # وقال اصحابنا التعرض بسب الله وسب رسول الله ردة وهو موجب للقتل كالتصريح ولا يختلف اصحابنا ان قذف أم رسول الله من جملة سبه الموجب للقتل واغلظ لان ذلك يفضي إلى القدح في نسبه وفي عبارة بعضهم اطلاق القول بان من سب أم النبي
    يقتل مسلما كان او كافرا وينبغي ان يكون مرادهم بالسب هنا القذف كما صرح به الجمهور لما فيه من سب النبي # وقال القاضي عياض جميع من سب النبي او عابه او الحق به نقصا في نفسه او نسبه او دينه او خصلة من خصاله او عرض به او شبهه بشئ على طريق السب له والازراء عليه او البغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا نستثن فصلا من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ولا نمتر فيه تصريحا كان او تلويحا وكذلك من لعنه او تمنى مضرة له أو دعا عليه او نسب اليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم او عيبه في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور او عيره بشئ مما يجري من البلاء والمحنة عليه او غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه قال هذا كله إجماع من العلماء وائمة الفتوى من لدن اصحابه وهلم جرا

    1. وقال ابن القاسم عن مالك من سب النبي قتل ولم يستتب قال ابن القاسم او شتمه او عابه او تنقصه فانه يقتل كالزنديق وقد فرض الله توقيره وبره # وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه من سب رسول الله او شتمه او عابه او تنقصه قتل مسلما كان او كافرا ولا يستتاب # وروى ابن وهب عن مالك من قال ان رداء النبي ويروى زره وسخ واراد به عيبه قتل


    1. وذكر بعض المالكية إجماع العلماء على ان من دعا على نبي من الانبياء بالويل او بشيء من المكروه انه يقتل بلا استتابة # وذكر القاضي عياض اجوبة جماعة من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة افتى في كل قضية بعضهم # منها رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي اذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال تريدون تعرفون صفته هي صفة هذا المار في خلقه ولحيته # ومنها رجل قال النبي كان اسود # ومنها رجل قيل له لا وحق رسول الله فقال فعل الله برسول الله كذا قيل له ما تقول يا عدوا الله فقال اشد من كلامه

    الاول ثم قال انما اردت برسول الله العقرب قالوا لان ادعاءه للتأويل في لفظ صراح لا يقبل لانه امتهان وهو غير معزر لرسول الله ولا موقر له فوجبت اباحة دمه # ومنها عشار قال اد واشك إلى النبي وقال ان سألت او جهلت فقد سأل النبي وجهل # ومنها متفقه كان يستخف بالنبي ويسميه في اثناء مناظرته اليتيم وختن حيدره ويزعم ان زهده لم يكن قصدا ولو قدر على الطيبات لأكلها واشباه هذا

    1. قال عياض فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتاخرهم وان اختلفوا في حكم قتله # وكذلك قال أبو حنيفة واصحابه فيمن تنقصه او برئ منه او كذبه انه مرتد وكذلك قال اصحاب الشافعي كل من تعرض لرسول الله بما فيه استهانة فهو كالسب الصريح فان الاستهانة بالنبي كفر وهل يتحتم فيه قتله او يسقط بالتوبة على الوجهين وقد نص الشافعي على هذا المعنى # فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على ان التنقص به

    كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف ولا فرق في ذلك بين ان يقصد عيبه والازراء به او لا يقصد عيبه لكن المقصود شيء اخر حصل السب تبعا له او لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح او يفعل غير ذلك # فهذا كله يشترك في هذا الحكم اذا كان القول نفسه سبا فان الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب ومن قال ما هو سب وتنقص له فقد اذى الله ورسوله وهو ماخوذ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه اذى وان لم يقصد اذاهم الم تسمع إلى الذين قالوا
    انما كنا نخوض ونلعب فقال الله تعالى ^ أبا الله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ # وهذا مثل من يغضب فيذكر له حديث عن النبي او حكم من حكمه او يدعى لما سنه فيلعن ويقبح ونحو ذلك وقد ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ فأقسم سبحانه بنفسه انهم لايؤمنون حتى يحكموه ثم لايجدون في نفوسهم حرجا من حكمه فمن شاجر غيره في أمره وحرج لذكر رسول الله حتى افحش في منطقة فهو كافر بنص التنزيل ولا يعذر بان مقصوده رد الخصم فان الرجل لايؤمن حتى يكون الله ورسوله احب اليه ممن سواهما وحتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين

    1. ومن هذا الباب قول القائل ان هذه لقسمة مااريد بها وجه الله وقول الاخر اعدل فانك لم تعدل وقول ذلك الانصاري ان كان ابن عمتك فان هذا كفر محض حيث زعم ان النبي انما حكم للزبير لانه ابن عمته ولذلك انزل الله تعالى هذه الاية واقسم انهم لايؤمنون حتى لا يجدوا في انفسهم حرجا من حكمه وانما عفا عنه النبي كما عفا عن الذي قال ان هذه لقسمة ما اريد

    بها وجه الله وعن الذي قال اعدل فانك لم تعدل وقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه انه قتل رجلا لم يرض بحكم النبي فنزل القرن بموافقته فكيف بمن طعن في حكمه وقد ذكر طائفة من الفقهاء منهم ابن عقيل وبعض اصحاب الشافعي ان هذا كان عقوبته التعزير ثم منهم من قال لم يعزره النبي لان التعزير غير واجب ومنهم من قال عفا عنه لان الحق له ومنهم من قال عاقبه بان امر الزبير ان يسقي ثم يحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر وهذه كلها اقوال ردية لا يستريب من تأمل في ان هذا كان يستحق القتل بعد نص القران ان من هو بمثل حاله ليس بمؤمن # فان قيل ففي رواية صحيحة انه كان من اهل بدر وفي الصحيحين عن علي عن النبي انه قال وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولو كان هذا
    القول كفرا للزم ان يغفر الكفر والكفر لايغفر ولا يقال عن بدري انه كفر # فقيل هذه الزيادة ذكرها أبو اليمان عن شعيب ولم يذكرها أكثر الرواة فيمكن انهم وهم كما وقع في حديث كعب وهلال بن
    امية انهما من اهل بدر ولا يختلف اهل المغازي والسير انهما لم يشهدا بدرا وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري لكن الظاهر صحتها # فنقول ليس في الحديث ان هذه القصة كانت بعد بدر فلعلها كانت قبل بدر وسمي الرجل بدريا لان عبد الله بن الزبير حدث بالقصة بعد ان صار الرجل بدريا فعن عبد الله بن الزبير عن ابيه ان
    رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الانصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله فقال رسول الله للزبير اسق يازبير ثم ارسل الماء إلى جارك فغضب الانصاري ثم قال يارسول الله ان كان ابن عمتك فتلون وجه النبي ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع اللى الجدر فقال الزبير والله لاني احسب هذه الاية نزلت في ذلك ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ متفق عليه وفي رواية للبخاري من حديث عروة قال فاستوعى رسول الله حينئذ للزبير حقه وكان رسول الله قبل ذلك قد اشار على الزبير براي اراد فيه سعة له وللانصاري فلما احفظ الانصاري رسول الله استوعى رسول الله للزبير حقه في صريح الحكم وهذا يقوي ان القصة متقدمة قبل بدر لان النبي
    قضى في سيل مهزور ان الأعلى يسقى ثم يحبس حتى يبلغ الماء إلى الكعبين فلو كانت قصة الزبير بعد هذا القضاء لكان قد علم وجه الحكم فيه وهذا القضاء الظاهر انه متقدم من حين قدم النبي لان الحاجة إلى الحكم فيه من حين قدم ولعل قصة الزبير اوجبت هذا القضاء # وايضا فان هؤلاء الايات قد ذكر غير واحد ان اولها نزل لما اراد بعض المنافقين ان يحاكم يهوديا إلى ابن الاشرف وهذا انما كان قبل بدر لان ابن الاشرف ذهب عقب بدر إلى مكة فلما رجع قتل
    فلم يستقر بعد بدر بالمدينة استقرار يتحاكم اليه وان كانت القصة بعد بدر فان القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب واستغفر وقد عفا له النبي عن حقه فغفر له والمضمون لأهل بدر انما هو المغفرة اما بان يستغفروا ان كان الذنب مما لا يغفر الا بالاستغفار او لم يكن كذلك واما بدون ان يستغفروا الا ترى ان قدامة بن مظعون وكان بدريا تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى ^ ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ^ # حتى اجمع رأي عمر واهل الشورى ان يستتاب هو اصحابه فان اقروا بالتحريم جلدوا وان لم يقروا به كفروا ثم انه تاب وكاد
    يبلس لعظم ذنبه في نفسه حتى ارسل اليه عمر رضي الله عنه بأول سورة غافر فعلم ان المضمون للبدريين ان خاتمتهم حسنة وانهم يغفر لهم وان جاز ان يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى ان يصدر فان التوبة تجب ما قبلها # واذا ثبت ان كل سب تصريحا او تعريضا موجب للقتل فالذي يجب ان يعتني به الفرق بين السب الذي لا تقبل منه التوبة والكفرالذي تقبل منه التوبة فنقول # هذا الحكم قد نيط في الكتاب والسنة باسم اذى الله ورسوله وفي بعض الاحاديث ذكر الشتم والسب وكذلك جاء في الفاظ الصحابة والفقهاء ذكر السب والشتم والاسم اذا لم يكن له حد في اللغة كاسم الارض والسماء والبر والبحر والشمس والقمر ولا في الشرع كاسم الصلاة والزكاة والحج والايمان والكفر فانه يرجع في حده إلى العرف كالقبض والحرز والبيع والرهن والكرى ونحوها فيجب ان يرجع في حد
    الاذى والشتم والسب إلى العرف فما عده اهل العرف سبا او انتقاصا او عيبا او طعنا ونحو ذلك فهو من السب وما لم يكن كذلك وهو كفر به فيكون كفرا ليس بسب حكم صاحبه حكم المرتد ان كان مظهرا له والا فهو زندقة والمعتبر ان يكون سبا واذى للنبي وان لم يكن سبا واذى لغيره فعلى هذا كل ما لو قيل لغير النبي او جب تعزيرا او حدا بوجه من الوجوه فانه من باب سب النبي كالقذف واللعن وغيرهما من الصورة التي تقدم التنبيه عليها واما ما يختص بالقدح في النبوة فان لم يتضمن الا مجرد عدم التصديق بنبوته فهو كفر محض ان كان فيه استخفاف واستهانة مع عدم التصديق فهو من السب # وهنا مسائل اجتهادية يتردد الفقهاء هل هي من السب اومن الردة المحضة ثم ما ثبت انه ليس بسب فان استسر به صاحبه فهو زنديق حكمه حكم الزندقة والا فهو مرتد محض واستقصاء الانواع والفرق بينها ليس هذا موضعه
    فصل # فاما الذمي فيجب التفريق بين مجرد كفره به وبين سبه فان كفره به لا ينقض االعهد ولايبيح دم المعاهد بالاتفاق لانا صالحناهم على هذا واما سبه له فانه ينقض العهد ويوجب القتل كما تقدم # قال القاضي أبو يعلى عقد الامان يوجب اقرارهم على تكذيب النبي لا على شتمهم وسبهم له # وقد تقدم ان هذا الفرق ايضا معتبر في المسلم حيث قتلناه بخصوص السب وكونه موجبا للقتل حدا من الحدود بحيث لا يسقط بالتوبة وان صحت واما حيث قتلناه لدلالته على الزندقة او لمجرد كونه مرتدا فلا فرق حينئذ بين مجرد الكفر وبين ما تضمنه من انواع السب نقول # الاثار عن الصحابة والتابعين والفقهاء مثل مالك واحمد وسائر الفقهاء القائلين بذلك كلها مطلقة في من شتم النبي من مسلم او معاهد فانه يقتل ولم يفصلوا بين شتم وشتم ولا بين ان يكرر الشتم او لا يكرره او يظهره او لا يظهره واعني بقولي لا يظهره ان لا يتكلم به في ملأ من المسلمين والا فالحد لا يقام عليه حتى يشهد مسلمان انهما سمعاه يشتمه او حتى يقر بالشتم وكونه يشتمه بحيث
    يسمعه المسلمون اظهارا له اللهم الا ان يفرض انه شتمه في بيته خاليا فسمعه جيرانه المسلمون او من استرق السمع منهم # قال مالك واحمد كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فانه يقتل ولا يستتاب فنصا على ان الكافر يجب قتله بتنقصه له كما يقتل بشتمه وكما يقتل المسلم بذلك وكذلك اطلق سائر اصحابنا ان سب النبي من الذمي يوجب القتل # وذكر القاضي وابن عقيل وغيرهما ان ما ابطل الايمان فانه يبطل الامان اذا اظهروه فان الإسلام اكد من عقد الذمة فاذا كان من الكلام ما يبطل حق الإسلام فان يبطل حقن الذمة اولى مع الفرق بينهما من وجه اخر فان المسلم اذا سب الرسول دل على سوء اعتقاده في رسول الله فلذلك كفر والذمي قد علم ان اعتقاده ذلك واقررناه على اعتقاده وانما اخذ عليه كتمه وان لا يظهره فبقي تفاوت ما بين الاظهار والاضمار # قال ابن عقيل فكما اخذ على المسلم ان لا يعتقد ذلك اخذ على الذمي ان لايظهره فاظهار هذا كاضمار ذاك واضماره لا ضرر على الإسلام ولا ازراء فيه وفي اظهاره ضرر وإزراء على الإسلام ولهذا ما بطن من الجرائم لا نتبعها في حق المسلم ولو اظهروها اقمنا عليهم حد الله




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  9. #39
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    1. وطرد القاضي وابن عقيل هذا القياس في كل ما ينقض الايمان من الكلام مثل التثنية والتثليث كقول النصارى ان الله ثالث ثلاثة ونحو ذلك ان الذمي متى اظهر ما تعلمه من دينه من الشرك نقض العهد كما انه ان اظهر ما نعلمه بقوله في نبينا نقض العهد # قال القاضي وقد نص احمد على ذلك فقال في رواية حنبل كل من ذكر شيئا يعرض به الرب فعليه القتل مسلما كان او كافرا هذا مذهب اهل المدينة # وقال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن يهودي مر بمؤذن وهو يؤذن فقال له كذبت فقال يقتل لانه شتم فقد نص على قتل من كذب المؤذن وهو يقول الله أكبر او اشهد ان لا اله الا الله أو اشهد ان محمدا رسول الله وقد ذكرها الخلال والقاضي في

    سب الله بناء على انه كذبه فيما يتعلق بذكر الرب سبحانه والاشبه انه عام في تكذيبه فيما يتعلق بذكر الرب وذكر الرسول بل هو في هذا اولى لان اليهودي لا يكذب من قال لا اله الا الله ولا من قال الله أكبر وانما يكذب من قال ان محمدا رسول الله وهذا قول جمهور المالكيين قالوا انه يقتل لكل سب سواء كانوا يستحلونه او لا يستحلونه لانهم وان استحلوه فانا لم نعطهم العهد على اظهاره وكما لا يحصن الإسلام من سبه وكذلك لا تحصن منه الذمة وهو قول أبي مصعب وطائفة من المدنيين # قال أبو مصعب في نصراني قال والذي اصطفى عيسى على محمد اختلف علي فيه فضربته حتى قتلته او عاش يوما وامرت من جر برجله وطرح على مزبلة فاكتله الكلاب # قال أبو مصعب في نصراني قال عيسى خلق محمد قال يقتل وافتى سلف الاندلسيين بقتل نصرانية استهلت بنفي الربوبية وبنوة عيسى لله # وقال ابن القاسم فيمن سبه فقال ليس بنبي او لم يرسل أو لم ينزل عليه قران وانما هو شئ تقوله ونحو هذا فيقتل وان قال ان محمد لم يرسل الينا وانما ارسل اليكم وانما نبينا موسى او عيسى ونحو هذا لا شئ عليهم لان الله اقرهم على مثله

    1. قال ابن القاسم واذا قال النصراني ديننا خير من دينكم اانما دينكم دين الحمير ونحو ذلك من هذا القبيح او سمع المؤذن يقول اشهد ان محمدا رسول الله فقال كذلك يعظكم الله ففي هذا الادب الموجع والسجن الطويل وهذا قول محمد بن سحنون وذكره عن ابيه ولهم قول اخر فيما اذا سبه بالوجه الذي به كفروا انه لايقتل # قال سحنون عن ابن القاسم من شتم الانبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه الا ان يسلم # وقال سحنون في اليهودي يقول للمؤذن اذا تشهد كذبت يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل # وقد تقدم نص الإمام احمد في مثل هذه الصورة على القتل لانه شتم


    1. وكذلك اختلف اصحاب الشافعي في السب الذي ينتقض به عهد الذمي ويقتل به اذا قلنا بذلك على الوجهين # احدهما ينتقض بمطلق السب لنبينا والقدح في ديننا اذا اظهروه وإن كانوا يعتقدون ذلك دينا وهذا قول اكثرهم # والثاني انهم اذا اظهروه وان كانوا يعتقدون فيه دينا من انه ليس برسول والقران ليس بكلام الله فهو كاظهارهم قولهم في المسيح ومعتقدهم في التثليث قالوا وهذا لا ينقض العهد بلا تردد بل يعزرون على اظهاره واما ان ذكروه بما لايعتقدونه دينا كالطعن في نسبه فهو الذي قيل فيه ينقض العهد وهذا اختيار الصيدلاني وابي المعالي وغيرهما # وحجة من فرق بين ما يعتقدونه فيه دينا وما لا يعتقدونه كما اختاره بعض المالكية وبعض الشافعية انهم قد اقروا على دينهم الذي

    يعتقدونه لكن منعوا من اظهاره فاذا اظهروه كان كما لو اظهروا سائر المناكير التي هي من دينهم كالخمر والخنزير والصليب ورفع الصوت بكتابهم ونحو ذلك وهذا انما يستحقون عليه العقوبة والنكال بما دون القتل # يؤيد ذلك ان اظهار معتقدهم في الرسول ليس باعظم من اظهار معتقدهم في الله وقد يسلم هؤلاء ان اظهار معتقدهم لا يوجب القتل واستبعدوا ان ينتقض عهدهم باظهار معتقدهم اذا لم يكن مذكورا في الشرط وهذا بخلاف ما اذا سبوه بما لا يعتقدونه دينا فانا لن نقرهم على ذلك ظاهرا ولا باطنا وليس هو من دينهم فصار بمنزلة الزنى والسرقة وقطع الطريق وهذا القول مقارب لقول الكوفيين وقد ظن من سلكه انه خلص بذلك من سؤالهم وليس الامر كما اعتقد فان الادلة التي ذكرناها من الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار كلها تدل على السب بما يعتقده فيه دينا وما لايعتقده فيه دينا وان مطلق السب موجب
    للقتل ومن تامل كل دليل بانفراده لم يخف عليه انها جميعا تدل علىا السب المعتقد دينا كما تدل على السب الذي لا يعتقده دينا ومنها ما هو نص في السب الذي يعتقد دينا بل اكثرها كذلك فان الذين كانوا يهجونه من الكفار الذين اهدر دماءهم لم يكونوا يهجونه الا بما يعتقدونه دينا مثل نسبته إلى الكذب والسحر وذم دينه ومن اتبعه وتنفير الناس عنه إلى غير ذلك من الامور فاما الطعن في نسبه او خلقه او امانته او وفائه او صدقه في غير دعوى الرسالة فلم يكن احدا يتعرض لذلك في غالب الامر ولا يتمكن من ذلك ولا يصدقه أحد في ذلك لا مسلم ولا كافر لظهور كذبه وقد تقدم ذلك فلا حاجة إلى اعادته # ثم نقول هنا هذا الفرق متهافت من وجوه # احداها ان الذمي لو اظهر لعنة الرسول او تقبيحه او الدعاء عليه بالسخط وجهنم والعذاب او نحو ذلك فان قيل ليس من السب الذي ينتقض به العهد كان هذا قولا مردودا سمجا فانه من لعن شخصا وقبحه لم يبق من سبه غاية وفي الصحيحين عن النبي انه قال لعن المؤمن كقتله ومعلوم ان هذا اشد من الطعن في خلقه وامانته او وفائه وان قيل هو سب فقد علم ان من الكفار من
    يعتقد ذلك دينا ويرى انه من قرباته كتقريب المسلم بلعن مسيلمة والاسود العنسي # الوجه الثاني انه على القول بالفرق المذكور اذا سبه بما لايعتقده دينا مثل الطعن في نسبه او خلقه او خلقه ونحو ذلك فمن اين ينتقض عهده ويحل دمه ومعلوم انه قد اقر على ما هو أعظم من ذلك من الطعن في دينه الذي هو أعظم من الطعن في نسبه ومن الكفر بربه الذي هو أعظم الذنوب ومن سب الله بقوله ان له صاحبة وولدا وانه ثالث ثلاثة فانه لا ضرر يلحق الامة ونبيها باظهار ما لا يعتقد صحته من السب الا ويلحقهم بإظهار ما كفر به أعظم من ذلك # فاذا اقر على أعظم السببين ضررا فاقراره على ادناهما ضررا اولى نعم بينهما من الفرق انه اذا طعن في نسبه او خلقه فانه يقر لنا بانه كاذب او اهل دينه يعتقدون انه كاذب اثم بخلاف السب الذي يعتقده دينا فانه واهل دينه متفقون على انه ليس بكاذب فيه ولا اثم فيعود الامر إلى انه قال كلمة اثم بها عندهم وعندنا لكن في حق من لا حرمة له عنده بل مثاله عنده ان يقذف الرجل مسيلمة او العنسي او ينسبه إلى انه كان اسود او انه كان دعيا او كان يسرق او كان قومه يستخفون به ونحو ذلك من الوقيعة في عرضه بغير حق ومعلوم ان هذا لا يوجب القتل بل ولا يوجب الجلد ايضا فان العرض يتبع الدم فمن لم يعصم دمه لم يصن عرضه فلو لم يجب قتل الذمي اذا سب الرسول لكونه قد قدح في ديننا
    لم يجب قتله بشئ من السب ايضا فان خطب ذلك يسير # يبين ذلك ان المسلم انما قتل اذا سبه بالقذف ونحوه لان القدح في نسبه قدح في نبوته فاذا كنا بإظهار القدح في النبوة لا نقتل الذمي فان لانقتله باظهار القدح فيما يقدح في النبوة اولى اذ الوسائل اضعف من المقاصد # وهذا البحث اذا حقق اضطر المنازع إلى أحد امرين اما موافقة من قال من اهل الراي ان العهد لا ينتقض بشئ من السب واما موافقة الدهماء في ان العهد ينتقض بكل سب واما الفرق بين سب وسب في انتقاض العهد واستحلال الدم فمتهافت # ثم انه اذا فرق لم يمكنه ايجاب القتل ولا نقض العهد بذلك اصلا ومن ادعى وجوب القتل بذلك وحده لم يمكنه ان يقيم عليه دليلا # الثالث انا اذا لم نقتلهم باظهار ما يعتقدونه دينا لم يمكنا ان نقتلهم باظهار شئ من السب فانه ما من أحد منهم يظهر شيئا من ذلك الا ويمكنه ان يقول اني معتقد لذلك متدين به وان كان طعنا في النسب
    كما يتدينون بالقدح في عيسى وامه عليهما السلام ويقولون على مريم بهتانا عظيما ثم انهم فيما بينهم قد يختلفون في اشياء من انواع السب هل هي صحيحة عندهم او باطلة وهم قوم بهت ظالون فلا يشاؤون ان يأتوا ببهتان ونوع من الضلال الذي لا اوجع للقلوب منه ثم يقلون هو معتقدنا الا فعلوه فحينئذ لا يقتلون حتى يثبت انهم لا يعتقدونه دينا وهذا القدر هو محل اجتهاد واختلاف وبعضه لا يعلم الا من جهتهم وقول بعضهم في بعض غير مقبول ونحن وان كنا نعرف أكثر عقائدهم فيما تخفي صدورهم أكبر وتجدد الكفر والبدع منهم غير مستنكر فهذا الفرق مغضاة إلى حتم القتل بسب الرسول وهو لعمري قول اهل الراي ومستندهم ما ابداه هؤلاء وقد قدمنا الجواب عن ذلك وبينا انا انما اقررناهم على اخفاء دينهم لا على اظهار باطل قولهم والمجاهرة بالطعن في ديننا وان كان يستحلون ذلك فان المعاهدة على تركه صيرته حراما في دينهم كالمعاهدة على الكف عن دمائنا

    1. واموالنا وبينا ان المجاهرة بكلمة الكفر في دار الإسلام كالمجاهرة بضرب السيف بل اشد على ان الكفر اعم من السب فقد يكون الرجل كافرا ولا يسب وهذا هو سر المسالة فلابد من بسطه فنقول # التكلم في تمثيل سب رسول الله وذكر صفته ذلك مما يثقل على القلب واللسان ونحن نتعاظم ان نتفوه بذلك ذاكرين او اثرين لكن الاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك نحن نفرض الكلام في انواع السب مطلقا من غير تعيين والفقيه ياخذ حظه من ذلك فنقول السب نوعان دعاء وخبر اما الدعاء فمثل ان يقول القائل لغيره لعنه الله او قبحه الله او اخزاه الله او لا رحمه الله او لا رضي الله عنه او قطع الله دابره فهذا وامثاله سبب للانبياء ولغيرهم وكذلك لو قال عن نبي لا صلى الله عليه او لا سلم او لا رفع الله ذكره او محا الله اسمه ونحو ذلك من الدعاء عليه بما فيه ضرر عليه في الدنيا او في الدين او في الاخرة # فهذا كله اذا صدر من مسلم او معاهد فهو سب فاما المسلم فيقتل به بكل حال واما الذمي فيقتل بذلك اذا اظهره # فاما ان اظهر الدعاء للنبي وابطن الدعاء عليه ابطانا يعرف من لحن القول بحيث يفهمه بعض الناس دون البعض مثل قوله السام عليكم اذا اخرجه مخرج التحية واظهر انه يقول السلام ففيه قولان


    1. احدهما انه من السب الذي يقتل به وانما كان عفو النبي عن اليهود الذين حيوه بذلك حال ضعف الإسلام تاليفا عليه لما كان مأمورا بالعفو عنهم والصبر على اذاهم وهذا قول طائفة من المالكية والشافعية والحنبلية مثل القاضي عبد الوهاب والقاضي أبي يعلي وابي اسحاق الشيرازي وابي الوفاء بن عقيل وغيرهم وممن ذهب إلى ان هذا سب من قال لم يعلم ان هؤلاء كانوا اهل عهد وهذا قول ساقط لأنا قد بينا فيما تقدم ان اليهود الذين بالمدينة كانوا معاهدين وقال اخرون كان الحق له وله ان يعفو عنهم فاما بعده فلا عفو # والقول الثاني انه ليس من السب الذي ينتقض العهد لانهم لم يظهروا السب ولم يجهروا به وانما اظهروا التحية والسلام لفظا


    1. وحالا وحذفوا اللام حذفا خفيا يفطن له بعض السامعين وقد لا يفطن له الاكثرون ولهذا قال النبي ان اليهود اذا سلموا فانما يقول احدهم السام عليكم فقولوا وعليكم فجعل هذا شرعا باقيا في حياته وبعد موته حتى صارت السنة ان يقال للذمي اذا سلم وعليكم او عليكم وكذلك لما سلم عليهم اليهودي قال اتدرون ماقال انما قال السام عليكم ولو كان هذا من السب الذي هو سب لوجب ان يشرع عقوبة اليهودي اذا سمع منه ذلك ولو بالجلد فلما لم يشرع ذلك علم انه لا يجوز مؤاخذتهم بذلك وقد اخبر الله عنهم بقوله تعالى ^ واذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس

    المصير ^ فجعل عذاب الاخرة حسبهم فدل على انه لم يشرع على ذلك عذابا في الدنيا وهذا لانهم لو قرروا على ذلك لقالوا انما قلنا السلام وانما السمع يخطئ وانتم تتقولون علينا فكانوا في هذا مثل المنافقين الذين يظرون الإسلام ويعرفون في لحن القول ويعرفون بسيماهم فانه لا يمكن عقوبتهم باللحن والسيما فان موجبات العقوبات لابد ان تكون ظاهرة الظهور الذي يشترك فيه الناس وهذا القدر وان كان كفرا من المسلم فانما يكون نقضا للعهد اذا اظهره الذمي واتيانه به على هذا الوجه غاية ما يكون من الكتمان والاخفاء ونحن لا نعاقبهم على مايسرونه ويخفونه من السب وغيره وهذا قول جماعات من العلماء من المتقدمين ومن اصحابنا والمالكيين وغيرهم وممن اختار هذا القول من زعم ان هذا دعاء بالسام وهو الموت على اصح القولين او دعاء بالسامة وملال واما الذين قالوا ان الموت محتوم على الخليقة قالوا وهذا تعريض بالاذى لا بالسب وهذا القول ضعيف فان الدعاء على الرسول والمؤمنين بالموت وترك الدين من ابلغ السب كما ان الدعاء بالحياة والعافية والصحة واثبات على الدين من ابلغ الكرامة

    1. النوع الثاني الخبر فكل ما عهده الناس شتما او سبا او تنقصا فانه يجب به القتل كما تقدم فان الكفر ليس مستلزما للسب وقد يكون الرجل كافرا ليس بساب والناس يعلمون علما عاما ان الرجل قد يبغضىالرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبه وقد يضم إلى ذلك مسبه وان كانت المسبة مطابقة للمعتقد فليس كل ما يحتمل عقدا يحتمل قولا وما لا يحتمل ان يقال سرا يحتمل ان يقال جهرا والكلمة الواحدة تكون في حال سبا وفي حال ليست بسب فعلم ان هذا يختلف باختلاف الاقوال والاحوال واذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس فما كان في العرف سبا للنبي فهو الذي يجب ان ينزل عليه كلام الصحابة والعلماء وما لا فلا ونحن نذكر من ذلك اقساما فنقول # لا شك ان اظهار التنقص والاستهزاء به عند المسلمين سب كالتسمية باسم الحمار او الكلب او وصفه بالمسكنة والخزي والمهانة او الاخبار بانه في العذاب وان عليه اثام الخلائق ونحو ذلك وكذلك اظهار التكذيب على وجه الطعن في المكذب مثل وصفه بانه ساحر خادع محتال وانه يضر من اتبعه وان ما جاء به كله زور وباطل ونحو ذلك فان نظم ذلك شعرا كان ابلغ في الشتم فان الشعر يحفظ ويروى وهو الهجاء وربما يؤثر في نفوس كثيرة مع العلم ببطلانه أكثر من تاثير البراهين

    فان غني به بين ملأ من الناس فهو الذي قد تفاقم امره واما ان اخبر عن معتقده بغير طعن فيه مثل ان يقول انا لست متبعه او لست مصدقه او لا احبه او لا ارضى دينه ونحو ذلك فانما اخبر عن اعتقاد او ارادة لم يتضمن انتقاصا لان عدم التصديق والمحبة قد يصدر عن الجهل والعناد والحسد والكبر وتقليد الاسلاف وإلف الدين أكثر مما يصدر عن العلم بصفات النبي خلاف ما اذا قال من كان ومن هو وأي كذا وكذا هو ونحو ذلك واذا قال لم يكن رسولا ولا نبيا ولم ينزل عليه شيء ونحو ذلك فهو تكذيب صريح وكل تكذيب فقد تضمن نسبته إلى الكذب ووصفه بانه كذاب لكن بين قوله ليس بنبي وقوله هو كذاب فرق من حيث ان هذا انما تضمن التكذيب بواسطة علمنا انه كان يقول اني رسول الله وليس من نفى عن غيره بعض صفاته نفيا مجردا كمن نفاها عنه ناسبا له إلى الكذب في دعواها والمعنى الواحد قد يؤدى بعبارات بعضها يعد سبا وبعضها لايعد سبا وقد ذكرنا ان الإمام احمد نص على ان من قال للمؤذن كذبت فهو شاتم وذلك لان ابتداؤه بذلك للمؤذن معلنا بذلك بحيث يسمعه المسلمون طاعنا في دينهم مكذبا للأمة في تصديقها بالوحدانية والرسالة لاريب انه شتم

    1. فان قيل ففي الحديث الصحيح الذي يرويه الرسول عن الله تبارك وتعالى انه قال شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن ادم وما ينبغي له ذلك فاما شتمه اياي فقوله اني اتخذت ولدا واما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بداني فقد قرن بين التكذيب والشتم # فيقال قوله لن يعيدني كما بداني يفارق قول اليهودي للمؤذن كذبت من وجهين # احدهما انه لم يصرح بنسبته إلى الكذب ونحن لم نقل ان كل تكذيب شتم اذ لو قيل ذلك لكان كل كافر شاتما وانما قيل ان الاعلان بمقابلة داعي الحق بقوله كذبت سب للأمة وشتم لها في اعتقاد النبوة وهوسب للنبوة كما ان الذين هجو من اتبع النبي على اتباعهم اياه كانوا سابين للنبي مثل شعر بنت مروان وشعر كعب بن زهير وغيرهما واما قول الكافر لن يعيدني كما بدأني فانه نفي لمضمون خبر الله بمنزلة سائر انواع الكفر # الثاني ان الكافر المكذب بالبعث لايقول ان الله اخبر انه سيعيدني ولا يقول ان هذا الكلام تكذيب لله وان كان تكذيبا

    بخلاف القائل للرسول او لمن صدق الرسول كذبت فانه مقر بان هذا طعن على المكذب وعيب له وانتقاص به وهذا ظاهر وكل كلام تقدم ذكره في المسالة الاولى من نظم ونحوه عده النبي سبا حتى رتب على قائله حكم الساب فانه سب ايضا وكذلك ماكان في معناه وقد تقدم ذكر ذلك والكلام على اعيان الكلمات لا ينحصر وانما جماع ذلك ان ما يعرف الناس انه سب فهو سب وقد يختلف ذلك باختلاف الاحوال والاصطلاحات والعادات وكيفية الكلام ونحو ذلك وما اشتبه فيه الامر الحق بنظيره وشبهه والله سبحانه اعلم
    فصل # وكل ماكان من الذمي سبا ينقض عهده ويوجب قتله فان التوبة توبته منه لا تقبل على ما تقدم هذا هو الذي عليه عامة اهل العلم من اصحابنا وغيرهم # وقد تقدم عن الشيخ أبي محمد المقدسي رضي الله عنه انه قال ان الذمي اذا سب النبي ثم اسلم سقط عنه القتل وانه اذا قذفه ثم اسلم ففي سقوط القتل عنه روايتان وينبغي ان يبنى كلامه على انه ان سبه بما يعتقده فيه دينا سقط عنه القتل بإسلامه كاللعن والتقبيح ونحوه وان سبه بما لايعتقده فيه كالقذف لم يسقط عنه لان ما يعتقده فيه كفر محض سقط حده بالإسلام باطنا فيجب ان يسقط ظاهرا ايضا لان سقوط الاصل الذي هو الاعتقاد يستتبع سقوط فروعه واما ما لا يعتقده فهو فرية يعلم هو انها فرية فهي بمنزلة سائر حقوق الادميين وان حمل الكلام على ظاهره في انه يستثنى القذف فقط من بين سائر انواع السب فيمكن ان يوجه بان قذف غيره لما تغلظ بان جعل على صاحبه الحد المؤقت وهو ثمانون بخلاف غيره من انواع السب فان عقوبته التعزير
    المفوض إلى اجتهاد ذي السلطان كذلك يفرق في حقه بين القذف وغيره فيجعل على قاذفه الحد مطلقا وهو القتل وان اسلم ويدرأ عن الساب الحد اذا تاب لكن هذا الفرق ليس بمرضي فان قذفه انما اوجب القتل ونقض العهد لما قدح في نسبه وكان ذلك قدحا في نبوته وهذا معنى يستوي فيه السب بالقذف وبغيره من انواع الاكاذيب بل قد توصف من الافعال او الاقوال المنكرة بما يلحق بالموصوف شيئا وغضاضة أعظم من هذا وانما فرق في حق غيره بين القذف وغيره لانه لا يمكن تكذيب القاذف به كما يمكن تكذيب غيره فصار العار به اشد # وهنا كلمات السب القادحة في النبوة سواء في العلم ببطلانها ظهورا وخفاء فان العلم بكذب القاذف كالعلم بكذب الناسب له إلى منكر من القول وزور لا فرق بينهما # وبالجملة فالمنصوص عن الإمام احمد وعامة اصحابه وسائر اهل العلم انه لافرق في هذا الباب بين السب بالقذف وغيره بل من قال انه ينتقض عهده ويتحتم قتله لم يفرق بين القذف وغيره ومن قال يسقط عنه القتل بإسلامه لم يفرق بين القذف وغيره ومن فرق من الفقهاء بين ما يعتقده وما لا يعتقده فانما فرق في انتقاض
    العهد لا في سقوط القتل عنه بالإسلام لكن هو يصلح ان يكون معاضدا لقول الشيخ أبي محمد لانه فرق بين النوعين في الجملة واما الإمام احمد وسائر العلماء المتقدمين فانما خلافهم في السب مطلقا وليس في شئ من كلام الإمام احمد رضي الله عنه تعرض للقذف بخصوصه وانما ذكره اصحابه في القذف لانهم تكلموا في احكام القذف مطلقا فذكروا هذا النوع من القذف انه موجب للقتل وانه لا يسقط القتل بالتوبة لنص الإمام على ان السب الذي هو اعم من القذف موجب للقتل لا يستتاب صاحبه ثم منهم من ذكر المسالة بلفظ السب كما هي في لفظ احمد وغيره ومنهم من ذكرها بلفظ القذف لان الباب باب القذف فكان ذكرها بالاسم الخاص اظهر تاثيرا في الفرق بين هذا القذف وغيره ثم علل الجميع وادلتهم تعم انواع السب بل هي في غير القذف انص منها في القذف وانما تدل على القذف بطريق العموم او بطريق القياس والدليل يوافق ما ذكره الجمهور من التسوية كما تقدم ذكره نفيا واثباتا ولا حاجة إلى الاطناب هنا فان من سلم ان جميع انواع السب من القذف وغيره ينقض العهد ويوجب القتل ثم فرق بين بعضهما وبعض في السقوط بالإسلام فقد ابعد جدا لان السب لو كان بمنزلة الكفر عنده لم ينقض العهد ويوجب قتل الذمي واذا لم يكن بمنزلة الكفر فإسلامه اما ان يسقط الكفر فقط او يسقط الكفر وغيره من الجناية على عرض
    الرسول فأما اسقاطه لبعض الجنايات دون بعض مع استوائهما في مقدار العقوبة فلا يتبين له وجه محقق # والاحتجاج بان الإسلام يسقط عقوبة من سب الله فاسقاطه عقوبة من سب النبي اولى ان صح فانما يدل على ان الإسلام يسقط عقوبة الساب مطلقا قذفا كان السب او غير قذف ونحن في هذا المقام لا نتكلم الا في التسوية بين انواع السب لا في صحة هذه الحجة وفسادها اذا قد تقدم التنبيه على ضعفها وذلك لان سب النبي ان جعل بمنزلة سب الله مطلقا وقيل بالسقوط في الاصل فيجب ان يقال بالسقوط في الفرع وان جعل بمنزلة سب الخلق او جعل موجبا للقتل حدا لله او سوي بين السبين في عدم السقوط ونحو ذلك من الماخذ التي تقدم ذكرها فلا فرق في هذا الباب بين القذف وغيره في السقوط بالإسلام فان الذمي لو قذف مسلما او ذميا او شتمه بغير القذف ثم اسلم لم يسقط عنه التعزير المستحق بالسب كما لا يسقط الحد المستحق بالقذف فعلم انهما سواء في الثبوت والسقوط وانما يختلفان في مقدار العقوبة بالنسبة إلى غير النبي اما بالنسبة إلى النبي فعقوبتهما سواء فلا فرق بينهما بالنسبة اليه البته # واذ قد ذكرنا حكم الساب للرسول فنردفه بما هو من جنسه مما قد تقدم في الادلة المذكورة باصل حكمه فان ذلك من تمام الكلام في هذه المسالة على ما لا يخفى ونفصله فصولا
    فصل # في من سب الله تعالى # فان كان مسلما وجب قتله بالاجماع لانه بذلك كافر مرتد واسوأ من الكافر فان الكافر يعظم الرب ويعتقد ان ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له # ثم اختلف اصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل اذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعة إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين # احدهما انه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول هذه طريقة أبي الخطاب واكثر من احتذى حذوه من المتاخرين وهو الذي يدل عليه كلام الإمام احمد حيث قال كل من ذكر شئ يعرض بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينة فاطلق وجوب القتل عليه




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

  10. #40
    سرايا الملتقى
    د/احمد غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 3030
    تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 4,661
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 32
    معدل تقييم المستوى : 18

    افتراضي


    ولم يذكر استتابته وذكر انه قول اهل المدينة ومن وجب عليه القتل لم يسقط بالتوبة وقول اهل المدينة المشهور انه لايسقط القتل بتوبته ولو لم يرد هذا لم يخصه باهل المدينة فان الناس مجمعون على ان من سب الله تعالى من المسلمين يقتل وانما اختلفوا في توبته فلما اخذ بقول اهل المدينة في المسلم كما اخذ بقولهم في الذمي علم انه قصد محل الخلاف بين المدينين والكوفيين في المسالتين وعلى هذه الطريقة فظاهر المذهب انه لا يسقط القتل باظهار التوبة بعد القدرة عليه كما ذكرناه في ساب الرسول # وأما الرواية الثانية فان عبد الله قال سئل أبي عن رجل قال يا ابن كذا وكذا انت ومن خلقك قال أبي هذا مرتد عن الإسلام قلت لابي تضرب عنقه قال نعم نضرب عنقه فجعله من المرتدين # والرواية الاولى قول الليث بن سعد وقول مالك روى ابن القاسم عنه قال من سب الله تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب الا ان يكون افترى على الله بارتداده إلى دين دان به واظهره فيستتاب وان لم يظهره لم يستتب وهذا قول ابن القاسم ومطرف وعبد الملك وجماهير المالكية

    1. والثاني انه يستتاب وتقبل توبته بمنزلة المرتد المحض وهذا قول القاضي أبي يعلى والشريف أبي جعفر وابي علي بن البناء وابن عقيل مع قولهم ان من سب الرسول لا يستتاب وهذا قول طائفة من المدنيين منهم محمد بن مسلمة والمخزومي وابن أبي حازم قالوا لا يقتل المسلم بالسب حتى يستتاب وكذلك اليهودي والنصراني فان تابوا قبل منهم وان لم يتوبوا قتلوا ولا بد من الاستتابة وذلك كله كالردة وهو الذي ذكره العراقيون من المالكية


    1. وكذلك ذكر اصحاب الشافعي رضي الله عنه قالوا سب الله ردة فاذا تاب قبلت توبته وفرقوا بينه وبين سب الرسول على أحد الوجهين وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة # واما من استتاب الساب لله ولرسوله فماخذه ان ذلك من انواع الردة ومن فرق بين سب الله والرسول قال سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه الا مجرد الكفر الاصلي او الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالاجماع ويدل على ذلك ان النصارى يسبون الله بقولهم هو ثالث ثلاثة وبقولهم ان له ولدا كما اخبر النبي عن الله عز وجل انه قال شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن ادم وما ينبغي له ذلك فاما شتمه اياي فقوله ان ولدا وانا الاحد الصمد وقال سبحانه ^ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة ^ إلى قوله ^ افلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ^ وهو سبحانه قد علم منه انه يسقط حقه عن التائب فان الرجل لو اتى من الكفر والمعاصي بملء الارض ثم تاب الله عليه وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة وانما يعود ضرر السب على قائله وحرمته في قلوب العباد أعظم من ان يهتكها جرأة الساب وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول فان السب هناك قد تعلق به حق ادمي والعقوبة الواجبة لادمي لا تسقط بالتوبة والرسول تلحقه المعرة

    والغضاضة بالسب فلا تقوم حرمته وتثبت في القلوب مكانته الا باصطلام سابه لما ان هجوه وشتمه ينقص من حرمته عند كثير من الناس ويقدح في مكانه في قلوب كثيره فان لم يحفظ هذا الحمى بعقوبة المنتهك والا افضى الامر إلى فساد # وهذا الفرق يتوجه بالنظر إلى ان حد سب الرسول حقا لادمي كما يذكره كثير من الاصحاب وبالنظر إلى انه حق الله ايضا فان ما انتهكه من حرمة الله لا ينجبر الا باقامة الحد فاشبه الزاني والسارق والشارب اذا تابوا بعد القدرة عليهم # وايضا فان سب الله ليس له داع عقلي في الغالب واكثر ما هو سب في نفس الامر انما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب ولا يقصد الساب حقيقة الاهانة لعلمه ان ذلك لا يؤثر بخلاف سب الرسول فانه في الغالب انما يقصد به الاهانة والاستخفاف والدواعي إلى ذلك متوفرة من كل كافر ومنافق وصار من جنس الجرائم التي تدعوا اليها الطباع فإن حدودها لا تسقط بالتوبة بخلاف الجرائم التي لا داعي اليها # ونكتة هذا الفرق ان خصوص سب الله تعالى ليس اليه داع غالب الاوقات فيندرج في عموم الكفر بخلاف سب الرسول فان لخصوصه دواعي متوفرة فناسب ان يشرع لخصوصه حد والحد المشروع لخصوصه لا يسقط بالتوبة كسائر الحدود فلما اشتمل سب
    الرسول على خصائص من جهة توفر الدواعي اليه وحرص اعداء الله عليه وان الحرمة تنتهك به انتهاك الحرمات بانتهاكها وان فيه حق لمخلوق تحتمت عقوبته لا لانه اغلظ اثما من سب الله بل لان مفسدته لا تنحسم الا بتحتم القتل # الا ترى انه لاريب ان الكفر والردة أعظم اثما من الزنى والسرقة وقطع الطريق وشرب الخمر ثم الكافر والمرتد اذا تابا بعد القدرة عليهما سقطت عقوبتهما ولو تاب اولئك الفساق بعد القدرة لم تسقط عقوبتهم مع ان الكفر أعظم من الفسق ولم يدل ذلك على ان الفاسق أعظم اثما من الكافر فمن اخذ تحتم العقوبة سقوطها من كبر الذنب وصغره فقد نأى عن مسالك الفقه والحكمة # ويوضح ذلك انا نقر الكفار بالذمة على أعظم الذنوب ولا نقر واحدا منهم ولا من غيرهم على زنى ولا سرقة ولا كبير من المعاصي الموجبة للحدود وقد عاقب الله قوم لوط من العقوبة بما لم يعاقبه بشرا في زمنهم لاجل الفاحشة والارض مملوئة من المشركين وهم في عافية وقد دفن رجل قتل رجلا على عهد النبي مرات والارض تلفظه في كل
    ذلك فقال النبي ان الارض لتقبل من هو شر منه ولكن الله اراكم هذا لتعتبروا ولهذا يعاقب الفاسق الملي من الهجر والاعراض والجلد وغير ذلك بما لايعاقب به الكافر الذمي مع ان ذلك احسن حالا عند الله وعندنا من الكافر # فقد رايت العقوبات المقدورة المشروعة تتحتم حيث تؤخر عقوبة ما هو اشد منها وسبب ذلك ان الدنيا في الاصل ليست دار الجزاء وانما الجزاء يوم الدين يوم يدين الله العباد باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر لكن ينزل الله سبحانه من العقاب ويشرع من الحدود بمقدار ما يزجر النفوس عما فيه فساد عام لا يختص فاعله او ما يطهر الفاعل من خطيئته او لتغلظ الجرم او لما يشاء سبحانه فالخطيئة اذا خيف ان يتعدى ضررها فاعلها لم تنسحم مادتها الا بعقوبة فاعلها فلما كان الكفر والردة اذا قبلت التوبة منه بعد القدرة لم تترتب على ذلك مفسدة تتعدى التائب وجب قبول التوبة لان احدا ل####د ان يكفر او يرتد ثم اذا اخذ اظهر التوہة لعلمه ان ذلك لا يحصل
    مقصوده بخلاف اهل الفسوق فانه اذا اسقطت العقوبة عنهم بالتوبة كان ذلك فتحا لباب الفسوق فان الرجل يعمل ما اشتهى ثم اذا اخذ قال اني تائب وقد حصل مقصوده من الشهوة التي اقتضاها فكذلك سب الله هو أعظم من سب الرسول لكن لا يخاف ان النفوس تتسرع إلى ذلك اذا استتيب فاعله وعرض على السيف فانه لا يصدر غالبا الا عن اعتقاد وليس للخلق اعتقاد يبعثهم على اظهار السب لله تعالى واكثر ما يكون ضجرا وتبرما وسفها وروعه بالسيف والاستتابة تكف عن ذلك بخلاف اظهار سب الرسول فان هناك دواعي متعددة تبعث عليه متى علم صاحبها انه اذا اظهر التوبة كف عنه لم يزعه ذلك عن مقصوده # ومما يدل على الفرق من جهة السنة ان المشركين كانوا يسبون الله بانواع السب ثم لم يتوقف النبي في قبول إسلام أحد منهم ولا عهد بقتل واحد منهم بعينه وقد توقف في قبول توبة من سبه مثل أبي سفيان وابن أبي امية وعهد بقتل من كان يسبه من الرجال والنساء مثل الحويرث بن نقيد والقينتين وجارية لبني عبد المطلب ومثل الرجال والنساء الذين امر بقتلهم بعد الهجرة وقد تقدم الكلام على تحقيق الفرق عند من يقول به بما هو ابسط من هذا في المسالة الثالثة

    1. واما من قال لا تقبل توبة من سب الله سبحانه وتعالى كما لا تقبل توبة من سب الرسول فوجهه ما تقدم من عمر رضى الله تعالى عنه من التسوية بين سب الله وسب الانبياء في ايجاب القتل ولم يامر بالاستتابة مع شهرة مذهبه في استتابة المرتد لكن قد ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما انه يستتاب لانه كذب النبي فيحمل ذلك على السب الذي يتدين به # وايضا فان السب ذنب منفرد عن الكفر الذي يطابق الاعتقاد فان الكافر يتدين بكفره ويقول انه حق ويدعوا اليه وله عليه موافقون وليس من الكفار من يتدين بما يعتقده استخفافا واستهزاء وسبا لله وان كان في الحقيقة سبا كما انهم لا يقولون انهم ضلال جهال معذبون اعداء الله وان كانوا كذلك واما الساب فانه مظهر للتنقص والاستخفاف والاستهانة بالله منتهك لحرمته انتهاكا يعلم من نفسه انه منتهك مستخف مستهزىء ويعلم من نفسه انه قد قال عظيما وان السموات والارض تكاد تنفطر من مقالته وتخر الجبال وان ذلك أعظم من كل كفر وهو يعلم ان ذلك كذلك ولو قال بلسانه اني كنت لا اعتقد وجود الصانع ولا عظمته والان فقد رجعت عن ذلك علمنا انه كاذب فان فطر الخلائق كلها مجبولة على الاعتراف بوجود الصانع وتعظيمه فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك بل

    هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب او من سفيه لا وقار لله عنده كصدور قطع الطريق والزنى عن الغضب والشهوة واذا كان كذلك وجب ان يكون للسب عقوبة تخصه حدا من الحدود وحينئذ فلا تسقط تلك العقوبة باظهار التوبة كسائر الحدود # ومما يبين ان السب قدر زائد على الكفر قوله تعالى ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ # ومن المعلوم انهم كانوا مشركين مكذبين معادين لرسوله ثم نهى المسلمون ان يفعلوا ما يكون ذريعة إلى سبهم الله فعلم ان سب الله أعظم عنده من ان يشرك به ويكذب رسوله ويعادني فلابد له من عقوبة تختصه لما انتهكه من حرمة الله كسائر اللحرمات التي تنتهكها بالفعل واولى ولا يجوز ان يعاقب على ذلك بدون القتل لان ذلك أعظم الجرائم فلا يقابل الا بابلغ العقوبات # ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا ^ فانها تدل على قتل من يؤذي الله كما تدل على قتل من يؤذي رسوله والاذى المطلق انما هو باللسان وقد تقدم تقرير هذا

    1. وايضا فانا اسقاط القتل عنه باظهار التوبة لا يرفع مفسدة السب لله سبحانه فانه لا يشاء شاء ان يفعل ذلك ثم اذا اخذ أظهر التوبة الا فعل كما في سائر الجرائم الفعلية # وايضا فانه لم ينتقل إلى دين يريد المقام عليه حتى يكون الانتقال عنه تركا له وانما فعل جريمة لا تستدام بل هي مثل الافعال الموجبة للعقوبات فتكون العقوبة على نفس تلك الجريمة الماضية ومثل هذا لا يستتاب وانما يستتاب من يعاقب على ذنب مستمر من كفر او ردة # وايضا فإن استتابة مثل هذا توجب ان لايقام حد على ساب لله فانا نعلم ان ليس أحد من الناس مصرا على السب لله الذي يرى انه سب فان ذلك لا يدعو اليه عقل ولا طبع وكل ما افضى إلى تعطيل الحدودبالكلية كان باطلا ولما كان استتابة الفساق بالافعال يفضي إلى تعطيل الحدود لم يشرع مع ان احدهم قد لا يتوب من ذلك لما يدعوه اليه طبعه وكذلك المستتاب من سب الرسول فلا يتوب لما يستحله من سبه فاستتابة الساب لله الذي يسارع إلى اظهار التوبة منه كل أحد اولى ان لا يشرع اذا تضمن تعطيل الحد واوجب ان تمضمض الافواه بهتك حرمة اسم الله والاستهزاء به # وهذا كلام فقيه لكن يعارضه ان ما كان بهذه المثابة لايحتاج إلى تحقيق اقامة الحد ويكفي تعريض قائله للقتل حتى يتوب


    1. ولمن ينصر الاول ان يقول تحقيق اقامة الحد على الساب لله ليس لمجرد زجر الطباع عما تهوى بل تعظيما لله واجلالا لذكره واعلاء لكلمته وضبطا للنفوس ان تتسرع إلى الاستهانة بجنابه وتقييدا للالسن ان تتفوه بالانتقاص لحقه # وايضا فان حد سب المخلوق وقذفه لا يسقط باظهار التوبة فحد سب الخالق اولى # وايضا فحد الافعال الموجبة للعقوبة لا تسقط باظهار التوبة فكذلك حد الاقوال بل شأن الاقوال وتاثيرها أعظم # وجماع الامر ان كل عقوبة وجبت جزاء ونكالا على فعل او قول ماض فانها لاتسقط اذا اظهرت التوبة بعد الرفع إلى السلطان فسب الله اولى بذلك ولا ينتقض هذا بتوبة الكافر والمرتد لان العقوبة هناك انما هي على الاعتقاد الحاضر في الحال المستصحب من الماضي فلا يصلح نقضا لوجهين # احدهما ان عقوبة الساب لله ليست لذنب استصحبه واستدامه فانه بعد انقضاء السب لم يستصحبه ولم يستدمه وعقوبة الكافر والمرتد انما هي الكفر الذي هو مصر عليه مقيم على اعتقاده


    1. الثاني ان الكافر انما يعاقب على اعتقاد هو الان في قلبه وقوله وعمله دليل على ذلك الاعتقاد حتى لو فرض ان علمنا ان كلمة الكفر التي قالها خرجت من غير اعتقاد لموجبها لم نكفره بان يكون جاهلا بمعناها او مخطئا قد غلط وسبق لسانه اليها مع قصد خلافها ونحو ذلك والساب انما يعاقب على انتهاكه لحرمة الله واستخفافه بحقه فيقتل وان علمنا انه لا يستحسن السب لله ولا يعتقده دينا اذ ليس أحد من البشر يدين بذلك ولا ينتقض هذا ايضا بترك الصلاة والزكاة ونحوهما فانهم انما يعاقبون على دوام الترك لهذه الفرائض فاذا فعلوها زال الترك وان شئت ان تقول الكافر والمرتد وتاركوا الفرائض يعاقبون على عدم فعل الايمان والفرائض اعني على دوام هذا العدم فاذا وجد الايمان والفرائض امتنعت العقوبة لانقطاع العدم وهؤلاء يعاقبون على وجود الاقوال والافعال الكبيرة لاعلى دوام وجودها فاذا وجدت مرة لم يرتقع ذلك بالترك بعد ذلك # وبالجملة فهذا القول له توجه وقوة وقد تقدم ان الردة نوعان مجردة ومغلظة وبسطنا هذا القول فيما تقدم في المسالة الثالثة ولا خلاف في قبول التوبة فيما بينه وبين الله سبحانه وسقوط الاثم بالتوبة النصوح # ومن الناس من سلك في ساب الله تعالى مسلكا اخر وهو انه جعله من باب الزنديق كاحد المسلكين اللذين ذكرناهما في ساب

    الرسول لان وجود السب منه مع اظهاره للإسلام دليل على خبث سريرته لكن هذا ضعيف فان الكلام هنا انما هو في سب لا يتدين به فان السب الذي يتدين به كالتثليث ودعوى الصاحبة والولد فحكمه حكم انواع الكفر وكذلك المقالات المكفرة مثل مقالة الجهمية والقدرية وغيرهم من صنوف البدع # واذا قبلنا توبة من سب الله سبحانه فانه يؤدب ادبا وجيعا حتى يردعه عن العود إلى مثل ذلك هكذا ذكره بعض اصحابنا وهو قول اصحاب مالك في كل مرتد
    فصل # وان كان الساب لله ذميا فهو كما لو سب الرسول وقد تقدم نص الإمام أحمد على أن من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب سبحانه فانه يقتل سواء كان مسلما أو كافرا وكذلك اصحابنا قالوا من ذكر الله أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء فجعلوا الحكم فيه واحدا وقالوا الخلاف في ذكر الله وفي ذكر النبي سواء وكذلك مذهب مالك واصحابه وكذلك اصحاب الشافعي ذكروا لمن سب الله أو رسوله أو كتابه من أهل الذمة حكما واحدا لكن هنا مسألتان # أحداهما ان سب الله تعالى على قسمين # أحدهما أن يسبه بما لا يتدين به مما هو استهانة به عند المتكلم وغيره مثل اللعن والتقبيح ونحوه فهذا هو السب الذي لا يرب فيه # والثاني أن يكون مما يتدين به ويعتقده تعظيما ولا يراه سبا ولا انتقاصا مثل قول النصراني ان له ولدا وصاحبة ونحوه فهذا مما اختلف فيه اذا اظهره الذمي فقال القاضي وابن عقيل من اصحابنا ينتقض به العهد كما ينتقض اذا اظهروا اعتقادهم في النبي وهو
    مقتضى ما ذكره الشريف أبو جعفر وابو الخطاب وغيرهما فانهم ذكروا ان ما ينقض الايمان ينقض الذمة ويحكى ذلك عن طائفة من المالكية ووجه ذلك انا عاهدناهم على ان لايظهروا شيئا من الكفر وان كانوا يعتقدونه فمتى اظهروا مثل ذلك فقد اذوا الله ورسوله والمؤمنين بذلك وخالفوا العهد فينتقض العهد بذلك كسب النبي وقد تقدم عن عمر رضي الله عنه انه قال للنصراني الذي كذب بالقدرلئن عدت إلى مثل ذلك لاضربن عنقك وقد تقدم ما يقرر ذلك # والمنصوص عن مالك ان من شتم الله من اليهودوالنصارى بغير
    الوجه الذي كفروا به قتل ولم يستتب قال ابن القاسم الا ان يسلم تطوعا فلم يجعل ما يتدين به الذمي سبا وهذا قول عامة المالكية وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه ذكره اصحابه وهو منصوصه قال في الام في تحديد الإمام ما ياخذه من اهل الذمة وعلى ان لايذكر وا رسول الله الا بما هو اهله ولا يطعنوا في دين الإسلام ولا يعيبوا من حكمة شيئا فان فعلوه فلا ذمة لهم وياخذ عليهم ان لايسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى فان وجودهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى اليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا يبلغ بها حدا لانهم قد اذن لهم بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون وهذا ظاهر كلام الإمام احمد لانه سئل عن يهودي مر بمؤذن فقال له كذبت فقال يقتل لانه شتم فعلل قتله بانه شتم فعلم ان ما يظهر به من دينه الذي ليس بشتم ليس كذلك وقال رضي الله عنه من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تعالى فعليه القتل مسلما كان او كان كافرا وهذا مذهب اهل المدينة وانما مذهب اهل المدينة فيما هو سب عند القائل وذلك ان هذا القسم ليس من باب السب والشتم الذي يلحق بسب الله وسب النبي لان الكافر لايقول هذا طعنا ولا عيبا وانما يعتقده تعظيما واجلالا وليس هو ولا أحد من الخلق يتدين
    بسب الله تعالى بخلاف ما يقال في حق النبي من السوء فانه لايقال الا طعنا وعيبا وذلك ان الكافر يتدين بكثير من تعظيم الله وليس يتدين بشيء من تعظيم الرسول الا ترى انه اذ قال في محمد هو ساحر او شاعر فهو يقول ان هذا نقص وعيب واذا قال ان المسيح او عزيرا ابن الله فليس يقول ان هذا نقص وعيب وان كان هذا عيبا ونقصا في الحقيقة وفرق بين قول يقصد به قائله العيب والنقص وقول لا يقصد به ذلك ولا يجوز ان يجعل قولهم في الله تقولهم في الرسول بحيث يجعل الجميع نقضا للعهد اذ يفرق في الجميع بين ما يعتقدونه وما لا يعتقدونه لان قولهم في الرسول كله طعن في الدين وغضاضة على الإسلام واضهار لعداوة المسلمين يقصدون به عيب الرسول ونقصه وليس مجرد قولهم الذي يعتقدونه في الله مما يقصدون به عيب الله ونقصه الا ترى ان قريشا كانت تقار النبي على ما كان يقوله من التوحيد وعبادة الله وحده ولا يقارونه على عيب الهتهم والطعن في دينهم وذم ابائهم وقد نهى الله المسلمين ان يسبوا الاوثان لئلا يسب المشركون الله سبحانه مع كونهم لم يزالوا على الشرك فعلم ان محذور سب الله اغلظ من محذور الكفربه فلايجعل حكمهما واحدا
    المسالة الثانية # في استتابة الذمي من هذا وقبل توبته # اما القاضي وجمهور اصحابه مثل الشريف وابن والبناء وابن عقيل ومن تبعهم فانهم يقبلون توبته ويسقطون عنه القتل بها وهذا ظاهر على اصلهم فانهم يقبلون توبة المسلم اذا سب الله فتوبة الذمي اولى وهذا هو المعروف من مذهب الشافعي وعليه يدل عموم كلامه حيث قال في شروط اهل الذمة وعلى ان احدا منكم ان ذكر محمدا او كتاب الله ودينه بما لاينبغي فقد برئت منه ذمة الله ثم قال وايهم قال او فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد واسلم لم يقتل اذا كان قولا الا انه لم يصرح بالسب لله فقد يكون عنى اذا ذكروا ما يعتقدونه وكذلك قال ابن القاسم وغيره من المالكية انه يقتل الا ان
    يسلم وقال ابن مسلمة وابن أبي حازم والمخزومي انه لا يقتل حتى يستتاب فان تاب والا قتل والمنصوص عن مالك انه يقتل ولا يستتاب كما تقدم وهذا معنى قول احمد رضي الله عنه في احدى الروايتين # قال في رواية حنبل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينة وظاهر هذه العبارة ان القتل لا يسقط عنه بالتوبة كما لا يسقط القتل عن المسلم بالتوبة فانه قال مثل هذه العبارة في شتم النبي في رواية حنبل ايضا قال كل من شتم النبي مسلما كان او كافرا فعليه القتل وكان حنبل يعرض عليه مسائل المدنيين ويساله عنها # ثم ان اصحابنا فسروا قوله في شاتم النبي بانه لايسقط عنه
    القتل بالتوبة مطلقا وقد تقدم توجيه ذلك وهذا مثله وهذا ظاهر اذا قلنا ان المسلم الذي يسب الله لا يسقط عنه القتل بالتوبة لان المأخذ عندنا ليس هو الزندقة فانه لو اظهر كفرا غير السب استتبناه وانما المأخذ ان يقتل عقوبة على ذلك وحدا عليه مع كونه كافرا كما يقتل لسائر الافعال # ويظهر الحكم في المسألة بان يرتب هذا السب ثلاث مراتب # المرتبة الاولى أن من شان الرب بما يتدين به وليس فيه سب لدين الإسلام الا انه سب عند الله تعالى مثل قول النصارى في عيسى ونحو ذلك فقد قال الله تعالى فيما يرويه عنه رسوله شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك ثم قال واما شتمه اياي فقوله اني اتخذت ولدا وانا الاحد الصمد الذي لم الد ولم اولد فهذا القسم حكمة حكم سائر أنواع الكفر سميت شتما أو لم تسم وقد ذكرنا الخلاف في انتقاض العهد باظهار مثل هذا واذا قيل بانتقاض العهد به فسقوط القتل عنه بالإسلام متوجه وهو في الجملة قول الجمهور # المرتبة الثانية ان يذكر ما يتدين به وهو سب لدين المسلمين وطعن عليهم كقول اليهودي للمؤذن كذبت وكرد النصراني على عمر رضي الله عنه وكما لو عاب شيئا من احكام
    الله او كتابه ونحو ذلك فهذا حكمه حكم سب الرسول في انتقاض العهد به وهذا القسم هو الذي عناه الفقهاء في نواقض العهد حيث قالوا اذا ذكر الله او كتابه او رسوله او دينه بسوء ولذلك اقتصر كثير منهم على قوله او ذكر كتاب الله او دينه او رسوله بسوء واما سقوط القتل عنه بالإسلام فهو كسب الرسول الا ان في ذلك حقا لادمي فمن سلك ذلك المسلك في سب اللرسول فرق بينه وبين هذا وهي طريقة القاضي واكثر اصحابه ومن قتله لما في ذلك من الجناية على الإسلام وانه محارب لله ورسوله فانه يقتل بكل حال وهو مقتضى أكثر الادلة التي تقدم ذكرها # المرتبة الثالثة ان يسبه بما لايتدين به بل هو محرم في دينه كما هو محرم في دين الله تعالى كاللعن والتقبيح ونحو ذلك فهذا النوع لا يظهر بينه وبين سب المسلم فرق بل ربما كان فيه اشد لانه يعتقد تحريم مثل هذا الكلام في دينه كما يعتقد المسلمون تحريمه وقد عاهدناه على ان نقيم عليه الحد فيما يعتقد تحريمه فإسلامه لم يجدد له اعتقادا لتحريمه بل هو فيه كالذمي اذا زنى او قتل او سرق ثم اسلم سواء ثم هو مع ذلك مما يؤذي المسلمين كسب الرسول بل اشد فاذا قلنا لا تقبل توبة المسلم من سب الله فان نقول لا تقبل توبة الذمي اولى بخلاف سب الرسول فانه يتدين بتقبيح من يعتقد كذبه ولا يتدين
    بتقبيح خالقه الذي يقر انه خالقه وقد يكون من هذا الوجه اولى بان لايسقط عنه القتل ممن سب الرسول ولهذا لم يذكر عن مالك نفسه واحمد استثناء فيمن سب الله تعالى كما ذكر عنهما الاستثناء فيمن سب الرسول وان كان كثير من اصحابهما يرون الامر بالعكس وانما قصدا هذا الضرب من السب ولهذا قرنا بين المسلم والكافر فلابد ان يكون سبا منهما واشبه شئ بهذا الضرب من الافعال زناه بمسلمة فانه محرم في دينه مضر بالمسلمين فاذا اسلم لم يسقط عنه بل اما ان يقتل او يحد حد الزنى كذلك سب الله تعالى حتى لو فرض ان هذا الكلام لا ينقض العهد لوجب ان يقام عليه حده لان كل امر يعتقده محرما فانا نقيم عليه فيه حد الله الذي شرعه في دين الإسلام وان لم يعلم ما حده في كتابه مع ان الاغلب على القلب ان اهل الملل كلهم يقتلون على مثل هذا الكلام كما ان حده في دين الله القتل الا ترى ان النبي لما اقام على الزاني منهم حد الزنى قال اللهم اني أول من احيا امرك اذ اماتوه ومعلوم ان ذلك الزاني منهم لم يكن يسقط الحد عنه لو اسلم فإقامة الحد على من سب الرب تبارك وتعالى سبا هو سب في دين الله ودينهم عظيم عند الله وعندهم اولى ان يحيا فيه امر الله ويقام عليه حده




    لما تماسكت الدموعُ وتنبه القلبُ الصديعُ
    قالوا الخضوع سياسةٌ فليبدُ منك لهم خضوعُ

    وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيعُ
    إن يسلبِ القومُ العدا ملكي، وتسلمني الجموعُ
    فالقلب بين ضلوعِهِ لم تسلمِ القلبَ الضلوعُ
    لم أُستلبْ شرف الطباعِ! أيسلب الشرف الرفيعُ

    قد رمتُ يوم نزالهمْ ألا تحصنني الدروعُ
    وبرزتُ ليس سوى القميصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

    وبذلت نفسي كي تسيلَ إذا يسيلُ بها النجيعُ
    أجلي تأخر لم يكنْ بهواي ذلي والخضوعُ

    ما سرت قطّ إلى القتالِ وكان من أملي الرجوعُ
    شيم الأولى، أنا منهمُ والأصلُ تتبعه الفروع

 

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. عمر المناصير تحت مجهر الصارم الصقيل.
    بواسطة الصارم الصقيل في المنتدى الأعلانات والإقتراحات والشكاوي
    مشاركات: 40
    آخر مشاركة: 2010-10-04, 10:48 PM
  2. سلسلة ( الصارم المسلول على من آذى الرسول )
    بواسطة من دار الارقم في المنتدى السيرة النبوية الشريفة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2010-02-28, 11:52 AM
  3. السيف المسلول لنسف سلسلة كذب نظافة الرسول
    بواسطة سيف الحتف في المنتدى الرد على الإفتراءات حول السنة النبوية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 2010-01-05, 01:50 PM
  4. تعليق الشيخ سعيد عبدالعظيم على كتاب " الصارم المسلول " مهم جداً
    بواسطة إسلام علي في المنتدى نصرة الإسلام و الرد على الافتراءات العامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2009-10-18, 08:21 PM
  5. الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب
    بواسطة أبوحمزة السيوطي في المنتدى المخطوطات الإسلامية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 2009-07-21, 09:02 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML