مواطنون فى «يوم الغضب»: بسطاء لا ينتمون إلى تيارات أو تنظيمات قرروا المشاركة «من أجل حياة أفضل»
المصرى اليوم
خليفة جاب الله
يوسف العومي
وليد مجدي
Wed, 26/01/2011 - 22:43
هناك فى ميدان التحرير، ليلة السادس والعشرين من يناير الجارى، اجتمع آلاف المواطنين المصريين، شباباً وفتياتاً، وشيوخاً، وأسراً كاملة «زوجاً وزوجة وأطفالهم»، خرجوا جميعاً للمشاركة فى «يوم الغضب»، دون أن يجمعهم الانتماء لأى تيارات سياسية أو تنظيمات. كان العامل المشترك - الوحيد - بينهم أنهم مصريون، خرجوا بشكل عفوى للاعتراض على ما يعانونه من ظروف اجتماعية واقتصادية، وقبل ذلك سياسية.. لكل منهم قصة تصلح فيلما سينمائيا تراجيديا. كانوا ينوون قضاء الليلة والاعتصام داخل الميدان «ولو استمر الاعتصام لأيام»، حتى تتحقق أهدافهم المتمثلة فى مجموعة من الإصلاحات الدستورية والاجتماعية.
«المصرى اليوم» التقت بعض النماذج من هؤلاء المواطنين، قبل أن يتدخل الأمن ويفض مظاهرتهم داخل ميدان التحرير بعد منتصف ليلة الثلاثاء .
شاهدنا عدداً من الشباب يجلسون بعيدا عن التجمع الكبير، ظننا فى البداية أنهم ضمن رجال الأمن الذين يندسون داخل المظاهرات، خاصة أن أحدهم يرتدى «بالطو» أبيض يشبه الذى يرتديه المخبرون، وقفنا بجانبهم برهة، ولكن حديثهم كان يدل على شىء آخر.. تبادلنا معهم أطراف الحديث عن سبب مشاركتهم فى المظاهرة.. عرفنا أن الشاب صاحب البالط والأبيض اسمه أحمد عبدالبصير، 35 عاما، تخرج فى المعهد العالى للخدمة الاجتماعية، ولا ينتمى لأى تيارات. وحينما سألناه عن سبب مشاركته فى المظاهرة، قال: «تخرجت منذ ما يقرب من 10 سنوات وحتى الآن لم أتمكن من الحصول على وظيفة أو عمل يوفر لى حياة كريمة، اشتغلت حلوانى، ومندوب مبيعات وأى حاجة متاحة)، إلا أننى حتى الآن لم أحصل على دخل يكفينى، فدخلى لا يتجاوز 500 جنيه فماذا أفعل بها؟.. الجزمة بـ200 جنيه، والبنطلون بـ150 جنيه يعنى أشتغل طول الشهر علشان اشترى جزمة وبنطلون وقميص؟».
ويكمل أحمد: «قدمت أوراقى فى عشرات الوظائف، لكن فى كل مرة كنت أفشل فى الحصول على وظيفة لأننى لا أملك واسطة، بالإضافة إلى ما تفعله الحكومة فينا من إذلال واحتقار، فمنذ عدة أسابيع أوقفنى أمين شرطة فى الشارع وأصر على تفتيشى ذاتيا دون أدنى سبب، وحينما سألته لماذا تفعل ذلك معى؟.. قال: هو كده، وممكن أخدك وأعتقلك ، لحد ما يبانلك صاحب.. إنت ناسى إن فيه قانون طوارئ».
ويواصل أحمد، بآسى واضح «حينها قررت السكوت والانصياع له، لأننى أعرف أنه يستطيع أن ينفذ كل تهديداته، ولن أجد من يدافع عنى ولكننى شعرت بمرارة لن أنساها يوما».
وعن انتماءاته السياسية أكد أنه لا ينتمى لأى تيار سياسى، ويبرر: «أنا غير مقتنع بأى منها، كما لا يوجد بينى وبين قيادات الدولة أى شىء، بدءا من الرئيس وابنه، وإلى أصغر مسؤول»، واستطرد: «إحنا بس عايزين يوفرولنا شغل، ومايصروش على إذلالنا».
«أحمد» كان ينظر إلى الموضوع بشكل واقعى، ولا يذهب بطموحاته من المظاهرة بعيدا، مؤكداً أنه لم يتفاءل بما حدث فى تونس، ولا يريده أن يتكرر، «لأن حجم الخسائر لدينا سيكون أضعاف أضعاف ما حدث فى تونس، إحنا بس عايزين الليلة دى تكون بداية التغيير فى مصر أو حتى خطوة صغيرة فى طريق التغيير».
بجانب أحمد، صاحب البالطو، جلس شاب آخر يتبادل معه أطراف الحديث، يرتدى زى عمال النظافة، وذو جسد نحيف جدا، وشارب صغير على وجهه الرفيع، لم تكن تجمعهم معرفة سابقة، ولكنهم يشتركون فى نفس المعاناة وتجمعهم نفس المطالب، وحينما سألناه عن اسمه قال: «أنا حسن عبدالفتاح، 26 عاماً، حاصل على الإعدادية، عامل نظافة فى إحدى الشركات».
«حسن»، من محافظة بنى سويف دفعته لقمة العيش للتوجه إلى القاهرة، منذ 8 سنوات، يعيش فى غرفة متواضعة فى إحدى الأحياء الفقيرة بالقرب من وسط القاهرة، وحينما وجد المتظاهرين يحتشدون وسط الميدان ويطالبون بالتغيير، قرر أن يترك عمله، ويعتصم معهم، لأنه يعانى أيضا من الفقر والحاجة واليأس.
يحكى «حسن»: «أعمل 7 ساعات فى اليوم مقابل 350 جنيها وهى لا تكفى مصاريفى الشخصية أو أن أرسل منها شيئاً لأهلى فى البلد، مما اضطرنى لأن أعمل ورديتين 18 ساعة فى اليوم مقابل 700 جنيه، وهى أيضا لا تكفى، ولذلك قررت المشاركة فى المظاهرة على أمل أن تحمل لنا التغيير الذى يرفع رواتبنا أو يخفض الأسعار»، ويكمل: «أنا مش عايز غير الستر، واللى يكفينى أنا وأهلى».
وعندما سألناه عن خوفه من إلقاء القبض عليه أو اعتقاله، أجاب بعفوية: «حتى لو حبسونى، على الأقل هاضمن آكل وأشرب مجانا، لأن السجن مش هيكون أوحش من بره».
وسط الحشود كان يلفت الانتباه، وهو يقف وحيدا، بسبب صغر سنه، وملابسه الممزقة، يرتدى شبشب مقطوعاً، ويمسك بيده خشبة أطول منه، سألناه عن سبب مجيئه إلى الميدان، فأجاب «بصوت رجولى»: «جاى آخد حقى». لفتت كلماته عدداً كبيراً من المحيطين بنا، فتجمعوا ليسمعوا ماذا يقول هذا الصغير.
اسمه مصطفى ( 11 عاما)، لم يلتحق بالمدرسة بسبب ظروف والده الاقتصادية الصعبة، ويعمل فى بعض المحال ليوفر قوت يومه، يأتى كل يوم من إمبابة حيث يسكن إلى وسط البلد حيث موقع عمله.
سألناه: «إيه حقك اللى بتتكلم عليه»، قال: «أنا عايز آخد حقى علشان ماطلعش حرامى». وعن الخشبة التى يمسكها فى يده، أوضح: «الضابط ضربنى من غير سبب، وأنا ضربته بطوبة وجريت، وماسك العصايا علشان أضرب بيها أى حد يضربنى».
أحمد خميس، متظاهر آخر، وقصته تتشابه مع أغلب المتواجدين فى الميدان، فهو حاصل على ليسانس حقوق منذ 9 سنوات، ولا يجد عملا حتى الآن. يقول «أحمد» بألم شديد: «مازالت والدتى تصرف علىّ حتى الآن، بعد أن فشلت فى الحصول على فرصة عمل، ولم أتمكن من الصمود بـ150 جنيهاً شهريا، مقابل العمل عند محام تحت التدريب».
وواصل: لا أملك شقة أو دخلاً، لأننى من معدومى الدخل، وجئت لأتظاهر اعتراضا عما أعانيه من ظروف صعبة، بدلا من أن أحرق نفسى فى الشارع، كما يفعل الكثيرون هذه الأيام، فلم يعد لنا كرامة داخل بلدنا ولا خارجه.
أما خالد كامل صاحب محل فى العمرانية فقد جاء مع زوجته للتظاهر، والاعتراض على ما سماه «الظلم والفساد»، مؤكدا أنهما لا يخافان شيئا حتى لو كان الحبس أو الموت، مرددا: «الموت أفضل من الحياة بدون كرامة».
أما زوجته فأكدت أن المرأة لها دور مثل الرجل لأنها تتعرض لنفس الظلم والظروف السيئة والصعبة، التى يعانيها الجميع، مؤكدة على إصرارها على الاستمرار فى الاعتصام حتى تتحقق مطالب الجميع، مرددة إسقاط النظام هو الحل.
فى أحد الأركان كانت تجلس فتاة وحيدة، أخبرتنا أن اسمها أمل، حاصلة على بكالوريوس تمريض، وتعمل فى أحد المستشفيات. وعن سبب حضورها إلى المظاهرة وحيدة، قالت: «طلبت من جميع صديقاتى يصطحبننى لكنهن رفضن جميعا، رغم رغبتهن فى المشاركة، لأن أسرهن رفضت مشاركتهن لأنهن فتيات».
سألناها: «ولماذا لم تمانع أسرتك؟»، قالت: «والدى ووالدتى متوفيان وأعمل لكى أصرف على أشقائى الخمسة، وأشارك فى المظاهرة من أجل إخوتى، لكى تتوافر لهم حياة كريمة ويحصلون على حقوقهم التى تضمن لهم كأيتام عدم الحرمان من أى شىء».
المفضلات