صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 54
 
  1. #41
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    وقد ضمنالإسلام لأعضاء الأقليات غير الإسلامية حقوقاً عديدة من أهمها:

    1
    ـ حقالعبادة: ضمن الإسلام لأهل الذمة حق العبادة ضماناً مطلقاً، فلا إكراه في الدين بنصالقرآن، ولا يُجبَر أحد ولا يُضغَط عليه لترك دينه إلى غيره. « ادع إلى سبيل ربكبالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيلهوهو أعلم بالمهتدين » (سورة النحل 125).

    وذهب القرضاوي وغيره إلى أنه لايحق للمسلم أن يُحاسب غير المسلم على معتقداته حتى ولو كان كافراً. وفضلاً عن إباحةزواج المسلم بكتابية فإن علي عبد الواحد وافي يرى أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجتهالكتابية من أداء عباداتها وشعائرها، بل إن بعض المذاهب ترى أنه ينبغي له أن يصحبهاإلى حيث تؤدي هذه العبادات في كنيستها أو بيعتها إذا رغبت في ذلك.

    ويوضحالشيخ محمد الغزالي أن الإسلام لم يفرض على الكتابيين ترك أديانهم، بل طالبهم ـماداموا يؤثرون دينهم القديم ـ أن يدعوا الإسلام وشأنه، يعتنقه من يعتنقه دونتَهجُّم مر أو جدل يسيء. بل إن الإسلام كفل في الحرية الدينية لأهل الكتاب حريةإقامة الشعائر في أماكن عبادتهم، وحقهم في تجديد ما تَهدَّم منها، وبناء الجديدمنها، ودق نواقيسهم إيذاناً بصلاتهم، بل لهم إخراج صلبانهم في يوم عيدهم.

    وبالنسـبة لبناء الكنائـس ودور العبـادة، أورد الشـيخ القرضاوي عهد عمربتأمين الكنائس القائمة وقت الفتح الإسلامي، ثم أورد عهد خالد "لهم أن يضربوانواقيسهم في أية ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلاة، وأن يُخرجواالصلبان في أيام عيدهم". وذكر بشأن بناء الكنائس الجديدة أن من فقهاء المسلمين منيجيزها في الأمصار الإسلامية، وحتى في البلاد التي فتحها المسلمون عنوة، "إذا أذنلهم إمام المسلمين بناء على مصلحة رآها"، وذلك على مـذهب الزيدية وابن قـاسم. وأوردأمثلة من مصر، وما ذكره المقريزي "وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلامبلا خوف".

    2
    ـ قدر من الاستقلال الثقافي والديني: ويستند هذا الحق إلى أمرالله سبحانه وتعالى لرسوله (عليه الصلاة والسلام) أن احكم بين الناس بالعدل « وإنجاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم » (سورة المائدة 42)، أي أنه يمكن أن يُتركواوشأنهم يطبقون قوانينهم في مجال حياتهم الخاصة. وقد كان ليهود بني قريظة بعض الحقوقفي إدارة شئونهم الخاصة (أي أن العلاقة مع الدولة كانت فيدرالية إلى حدٍّ ما، إن صحالتعبير). وبالفعل، كان من حق الأقليات أن ينظموا أمورهم الداخلية بالكيفية التيتلائمهم، فكان لهم حق تعليم أبنائهم تعاليم دينهم، وأن تسود قوانين الأسرة الخاصةبهم وأحكامهم الخاصة، وكانت لهم محاكمهم الخاصة، أي أن الإسلام ضمن قدراً كبيراً منالإدارة الذاتية للأقليات.

    3
    ـ حمايتهم ضد العدوان الخارجي والظلمالداخلي: يذكر شمس الدين الرملي الشافعي أن دفع الضرر عن أهل الذمة واجب كدفعه عنالمسـلمين:

    أ) العدوان الخارجي: من حقوق أهل الذمة حمايتهم من الاعتداءعليهم بحفظهم ومنع ما يؤذيهم وفك أسرهم ودفع من يقصدهم بأذى "ولو كانوا منفردينببلد". وينقل عن ابن حزم في مراتب الإجماع "إن من كان في ذمتنا [من أهل الكتاب]وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع [أي بالخيل]والسلاح ونموت دون ذلك، صيانةً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليهوسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". ولقد أصر شيخ الإسلام ابن تيمية فيتفاوضه مع قائد التتار على إطلاق من تم أسره من أهل الذمة مع إطلاق المسلمين حيثقال: "لا نرضى إلا بامتثال جميع الأساري من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا ولا ندعأسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملّة".

    ب) حمايتهم ضد الظلم الداخلي:من حقوق أهل الذمة أيضاً حمايتهم من الظلم الداخلي، ونُقل عن رسول الله (صلى اللهعليه وسلم) قوله "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منهشيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه [أي خصيمه] يوم القيامة". وقوله (صلى الله عليهوسلم) "من أذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة". وقوله (صلى اللهعليه وسلم) "من أذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد أذى الله". وفيما ذكره ابنعابدين أن "ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثماً". ومن كتب الفقه نجد قول القرافيالمالكي: "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا، لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا (أيحمايتنا)، وذمتنا وذمة الله تعالى وذمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودينالإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة فقد ضيَّع ذمة الله وذمة رسولهوذمة دين الإسلام". وحق الحماية المقرر لأهل الذمة يتضمن حماية دمائهم وأنفسهموأبدانهم وحماية أموالهم وأعراضهم كما أسلفنا القول، فكلها مكفولة باتفاق المسلمين.ومن قتل ذمياً غير حربي قُتل، ومن سرقه قُطعت يده. وبلغ من رعاية الإسلام لحرمةأموالهم وممتلكاتهم أنه يحترم ما يعدونه ـ حسب دينهم ـ مالاً وإن لم يكن مالاً فينظر المسلمين (كالخمر والخنزير). ومن حقوقهم تأمينهم عند العجز أو الشيخوخة أوالفقر، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يشمل المسلمين وغير المسلمين.

    قالالإمام أبو يوسف صاحب كتاب الخراج: "وحدثني عمر بن نافع عن أبي بكر قال: مرَّ عمر (رضي الله عنه) بباب قوم وعليه سائل يسأل، وكان شيخاً ضرير البصر فضرب عمر عضده،وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسألالجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسلبه إلى خازن بيت المال وقال له: انظر هذا وضرباءه. فو الله ما أنصفناه، أكلناشبيبته ثم نخذله عند الهرم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، والفقراء هم الفقراءالمسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ثم وضع عنه الجزية وعن ضربائه". قال أبوبكر: "أنا شهدت ذلك من عمر ورأيت ذلك الشيخ".

    وقد أباح الإسلام لأهل الذمةحرية العمل والكسب، ومزاولة ما يختارونه من مهن، ومباشرة ما يرتاحون إليه من نشاطاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين الذين يعيشون معهم. ولا يرى الإسلام أي حرج فيأن يشتغل مسلم عند أهل الكتاب أو يشتغل أهل الكتاب عند مسلم، أما عن تولِّي غيرالمسلمين الوظائف العامة، فذكر لأهل الذمة « الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين،إلا ما غلبت عليه الصبغة الدينية، كالإمامة ورئاسة الدولة، والقيادة في الجيشوالقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات لأن الإمامة والرئاسة العامة في الدينوالدنيا وهي خلافة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقيادة الجيش ليست عملاً مدنياًصرفاً، بل هي من أعمال العبادة لكونها جهاداً، والقضاء حكم بالشريعة الإسلامية فلايُطلَب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به. وأشار في ذلك إلى ما صرح به الماورديمن جواز تقليد الذمي وزارة التنفيذ دون وزارة التفويض. ولذا كان اشتغال اليهودوالنصـارى في الوظائـف الكبيرة والصغـيرة أمـراً شـائعاً في بلاد الإسلام. ومع هذايرى طارق البشري أنه في العصر الحديث، بعد أن أصبحت الدولة كياناً مركباً متداخلاً،وأصبح القرار السياسي نتيجة دراسة خبراء ومستشارين، فإن من الممكن لأهل الذمة أنيتقلدوا أية مناصب (إلا تلك المناصب ذات الصيغة الدينية، بطبيعة الحال).

    وفيما يتصل بعقد الذمة في الدولة (الإسلامية) الحديثة فكما يرى العوا ليسله محل من الوجود إذ أن تلك الدولة لم تقم على حق الفتح، حتى يكون هناك عهد ذمةلأهل تلك البلاد، بل قامت على حق التحرر من الاستعمار، ذلك التحرر الذي شارك فيصنعه كل من المسلمين والمسيحيين، ومن ثم أصبح الإطار القانوني الذي يحكم تلكالعلاقة هو المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات. بل يمكن القول بأن قاعدة "لهم مالنا وعليهم ما علينا" يُعاد استعمالها في أجلى صورها، ويبقى حق المسلمين فيها هو حقالأغلبية في كل بلاد الدنيا، ويظلل المجتمع بأسره فكرة النظام العام التي تسمحبتطبيق القوانين الإسلامية واحترام كل من الأغلبية والأقلية لها.

    إن موقفالإسلام من أهل الذمة لا يستند إلى حالة عاطفيـة أو عقلية وإنما إلى قاعدة قانونيةفقهية وإلى الرؤية الإسلامية للكون. ولعل الواقعة التالية التي يذكرها ميخائيلشـاروبيم في الكافي تبلور هذه الفكرة. فمن المعروف أن الوالي عباس الأول، الذيتولَّى الحكم قبل محمد سعيد، كان شديد النقمة على النصارى، وأخرج منهم كثيرين منخدمة الدولة، وأراد أن يدبر إخراجهم من وطنهم وإبعادهم إلى السودان، ولزمه لتنفيذهذا الأمر أن يستصدر من الأزهر فتوى بجوازها، فطلب إلى الشيخ الباجوري، شيخ الجامعالأزهر وقتها، الرأي في جواز إبعادهم، فرفض الشيخ إنفاذ رغبة الوالي قائلاً: « إنهإن كان يعني الذميين الذين هم أهل البلاد وأصحابها، فالحمد للّه لم يطرأ على ذمةالإسلام طارئ، ولم يستول عليها خلل، وهم في ذمته إلى اليوم الآخر». إن القاعدةالفقهية الخاصة بأهل الذمة وحقوقهم المطلقة مسألة ثابتة لا تحتمل النقاش.

    ولكن، لا يستند الدين الإسلامي في موقفه من أهل الذمة إلى القاعدةالقانونية والفقهية وحسب، وإنما هناك أيضاً التسامح كعنصر تكميلي، وهذا هو معنى «البر والقسطاس»، فهي عبارة تؤكد أن الموقف الإسلامي من أعضاء الأقليات لا يستندإلى العدل الاجتماعي (المستند إلى هيكل القانون) وحسب، وإنما إلى الإحسان (المستندإلى التسامح الشخصي) أيضاً. وبمعنى آخر لابد من القسطاس أي العدل (البراني) والبر (الجواني). ولذا يحض القرآن على البحث عن الرقعة المشتركة بين المسلمين وأهل الذمة. « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنابالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون » (سورةالعنكبوت 46).

    ويشير الشيخ القرضاوي في علاقة المسلمين بغيرهم إلى ما لايدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين، وهو الروح التي تبدو من حسن المعاشرةولطف المعاملة ورعاية الجوار وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان، ومنإكرام الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب، وزيارتهم وعيادة مرضاهم والتعاملمعهم. وقد أجاز الفقهاء للمسلم أن يوصي أو يوقف شيئاً من ماله لغير المسلمين من أهلالذمة، وتكون هذه الوصية أو الوقف أمراً نافذاً.

    وبوسعنا أن ننتقل الآن منالمعيارية الإسلامية إلى ممارسات المسلمين التاريخية، وأن نثير قضية مهمة وهي أنبعض التشريعات المنظمة للعلاقة مع الذميين كانت تحمل دلالة وظيفية وحسب. ولكن، بعدحين، نُسيت الوظيفة التي من أجلها تم التشريع وتحوَّل الحظر إلى رمز. فعلى سبيلالمثال، كان الذميون يُمنَعون من ركوب الخيل، وإن ركب الذمي الخيل فعليه أن يدلَّيبقدميه من ناحية واحدة لاعتبار أمني، أي لتأكيد أن الذمي لا يحمل السلاح. ولكن هذاطال نسيانه ولم يبق من أمر طريقة الركوب الخاصة سوى جانبه الرمزي وحده.

    ويتبدَّى تحويل الوظيفة إلى رمز في قضية الغيار (الرداء) أيضاً. والواقع أنإلزام الذميين بلبس الغيار لم يُطبَّق في أيام الرسول، أما عند الفتح الإسلامي، فقدكان غيار السكان المحليين مختلفاً عن رداء العرب المسلمين حيث مُنع المحليون منارتداء زيّ العرب كضرورة أمنية في عصور الفتح. وكان الهدف من الاختلاف في الزيتأكيد التمايز وليس التميز، بمعنى أن الزيّ شكل من أشكال التعبير، أو هو لغة خاصةيتحدث بها الإنسان ويعبِّر بها عن هويته. والواقع أن التلمود ينصح اليهود بألايرتدوا ملابس مثل ملابس الفرس (العنصر السائد في الإمبراطورية الفارسية التي كانيعيش فيها اليهود). وفي العصر الأموي، استبدل بالغيار الزنار. ولعل الهدف منه كانإدارياً بحيث يمكن التمييز بين الذميين والمسلمين بما تقتضيه ضرورة تسيير شئونالدولة، وكان الزنار يشبه في ذلك بطاقة تحقيق الشخصية، ولكن بعض الفقهاء نسوا وظيفةالغيار الإدارية أو الأمنية العملية وفرضوا عليه مدلولاً رمزياً بحيث أصبح الهدفمنه الإذلال والتمييز.

    ولا يمكن حسم هذه القضية إلا بالتمييز بين المعياريةالإسلامية (المثالية) والممارسات الإسلامية الواقعية،وهو تمييز ليس ممكناً وحسب فيإطار الإسلام وإنما حتمي وواجب لمن يؤمن بالإسلام ديناً يهديه سواء السبيل، ويتحركفي إطاره ويحتكم إلى منظومته القيمية والمعرفية.

    وما يهمنا من وجهة نظر هذهالموسوعة أن نشير إلى أن التشريعات الإسلامية الخاصة بأهل الذمة (ومنهم أعضاءالجماعة اليهودية) لم تخلق قابلية لدى الجماعات اليهودية للتحول إلى جماعات وظيفية.

    ويمكننا أن نضيف بعض العناصر الأخرى التي ساعدت على استقرار وضع الجماعاتاليهودية كأهل ذمة داخل التشكيل الحضاري الإسلامي وساهمت في عدم فرض دور وظيفي فريدأو متميِّز.

    1
    ـ لم يلعب اليهود دور «قاتل الرب» الذي يلعبونه في الرؤيةالمسيحية للكون ولذا فالرؤية الأخروية (الإسكاتولوجية، رؤية الخلاص النهائيالإسلامية) لم تفرض على اليهود دوراً مميَّزاً (كما هو الحال في المجتمعاتالمسيحية).

    2
    ـ لم ينظر إلى اليهود باعتبارهم الشعب الشاهد الذي يقف فيضعفه دليـلاً على عظمة الكنيسـة، وفي ذلته وهـزيمته دليلاً على انتصارها.

    3
    ـ لم ينظَر المجتمع الإسلامي إلى اليهودي من خلال مفهوم العودة الألفية التي ترى أنالخلاص لن يتحقق إلا بعودة اليهود إلى فلسطين وتنصيرهم.

    4
    ـ لا توجد علاقةحب وكُره بين الإسلام واليهودية كما هو الحال بين المسيحية واليهودية. فالمسيحيةتعتبر العهد القديم (كتاب اليهود المقدَّس) أحد كتبها المقدَّسة. كما أن الإسلام لايرى نفسه تحقيقاً لليهودية أو نفياً لها (كما حدث في المسيحية). فالإسلام يعترفبأنبياء اليهود وبالمسيح عليه السلام وبكتب اليهود والمسيحيين المقدَّسة. ولكنها معهذا لم تُتخذ كتباً مقدَّسة لأن الإسلام يرى أنها حُرِّفت. ويظهر الفرق بين موقفالمسيحية والإسلام من اليهود في أن الإسلام يشير إلى «شريعة اليهود» أما المسيحيةفتشير إلى «قانون اليهود» و«خرافة اليهود» بل «خيانة اليهود».

    5
    ـ ظهرالإسلام في منطقة هامشية بالنسبة لليهودية، على عكس المسيحية التي نشأت في فلسطينمركز اليهودية. وفي البداية استفاد اليهود من الحكم الروماني في قمع المسيحية (وفيصلب المسيح حسب الرؤية المسيحية). ولكن حينما قويت شوكةالمسيحية وتحولتالإمبراطورية إلى المسيحية قامت السلطة الرومانية بالقضاء على بقايا اليهودية فيفلسطين.

    6
    ـ لم يكن أعضاء الجماعات اليهودية يمثلون قوة سكانية ذات وزن فيالعالم الإسلامي.

    7
    ـ حرَّم الإسلام الربا ولكنه نظر للتجارة باعتبارهانشاطاً إنسانياً كريماً، ولذا مارسها المسلمون (واليهود والنصارى) ولم يحدث تمايزاقتصادي كبير لأعضاء الأقليات.

    لكل هذه الأسباب لم يتحول كثير من أعضاءالجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، وكان هرمهم الوظيفي والمهني لا يختلف فيمجموعه عن الهرم الوظيفي والمهني السائد في المجتمع. هذا لا يعني أنه لم تتحولقطاعات منهم إلى جماعات وظيفية، فقد حدث هذا بلا شك ولكن بدون الشكل الحاد وبدونالتبلور الذي أخذته هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية. وقد اختلف الوضع تماماً معنهاية القرن التاسع عشر ومع وقوع كثير من البلدان العربية في قبضة الاستعمار الغربيووصول كثير من اليهود الإشكناز إذ تم تحويل الغالبية الساحقة لأعضاء الجماعاتاليهودية في العالم الإسلامي إلى جماعات وظيفية تقوم على خدمة الاستعمار الغربيوترعى مصالحه ويقوم هو بحمايتها، ولذا حصل كثير من أعضاء الجماعات اليهودية منأبناء البلاد على جنسية إحدى البلاد الغربية.






  2. #42
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العالمالإسلامي منذ انتشار الإسلام حتى سقوط بغداد على يد المغول
    The Islamic World from the Spread of Islam to the Moghul Sack of Baghdad
    قبل تَناول الجوانبالإدارية والاقتصادية لوجود أعضاء الجماعة اليهودية في الدولة الإسلامية، قد يكونمن المفيد أن نقول إن الحضارة الإسلامية، شأنها شأن معظم الحضارات الشرقية القديمة،تقبل التنوع وعدم التجانس بدرجة أعلى من الحضارة الغربية. فالإمبراطوريات الشرقيةكانت تسود فيها إحدى الجماعات الإثنية، ولكنها لم تكن تستوعب الجماعات الأخرى،وإنما كانت تحدِّد حقوقها وحدودها وواجباتها وحسب. وكانت الجماعة السائدة تُعرِّفهويتها، في العادة، من المنظــورين الإثني والديني. أما الجمـاعة السـائدة فيالدولة الإسلامية، فقد عرفت نفسها (من الناحية النظرية) على أساس ديني وحسب، وهوأمر يشكل انفتاحاً كبيراً ويحقق فرصاً أكبر للحراك الاجتماعي وللانتماء. ومن المهمأن نشير إلى أن الإسلام أكد وحدة الأديان (على الأقل من الناحية النظرية والمثالية)وجعل إبراهيم أباً للموحِّدين، أباً لكل الأديان. ورغم الاصطدام الذي حدث بينالرسول (صلى الله عليه وسلم) واليهود، فإن اليهود لم يتحولوا (في الرؤية الإسلاميةللكون) إلى الآخر أو القتلة، كما حدث في المسيحية حين ارتبط اليهود بحادثة الصلبالتي يشار إليها بعبارة «قتل الرب»، بل ظلوا أهل ذمة وأهل كتاب. بل يمكن القول بأناليهود كانوا أحسن حظاً من المسيحيين إذ أن القوة المضادة للفتح الإسلامي كانتالدولة الفارسية (المجوسية) التي تم القضاء عليها بسرعة، ثم الدولة الرومانيةالشرقية (المسيحية) التي استمرت الحرب معها سجالاً عدة قرون. ومعنى هذا أنه لم تكنهناك قوة يهودية دولية مضادة.
    ويمكن القول أيضاً بأن مقدرة اليهود علىالتكيف مع الفتح الإسلامي كانت أعلى بكثير من قدرة الجماعات الأخرى. فلم يكن اليهودأغلبية، ولذا كانت عندهم المهارات المختلفة اللازمة للتعايش باعتبارهم أقلية داخلمجتمع تحكمه أغلبية منتصرة. وقد تَمكَّن فقهاء اليهود من تطويع القانون التلموديحتى يتسنى لليهود التعايش بسهولة ويسر كأقلية ليس لها مركز ديني، وطوروا مقولة إنقانون الدولة هو القانون أو الشريعة، أي أن الأمور الدنيوية لا يحكمها القانونالتلمودي وإنما قانون الدولة نفسها.

    ولم يكن اليهود (ولا المسيحيون) عنصراًوافداً جديداً على المجتمع العربي الإسلامي، فجذورهم فيه قديمة حيث يعود تاريخالجماعة اليهودية في بابل إلى أيام التهجير البابلي، كما انتقل مركز اليهود إلىبابل قبل الفتح الإسلامي بقرون.

    وفي نهاية الأمر، لم يكن اليهود الأقليةالوحيدة في العالم الإسلامي مثلما كانوا في أوربا المسيحية، وقد عرف الشرق الأدنىالقديم عشرات الأقليات الدينية والإثنية التي كان على الإمبراطوريات القديمة تنظيمالتعامل معها. وقد استمر الإسلام في تقاليد التسامح وتَقبُّل التنوع، ولم يجداليهود أنفسهم يلعبون دور الغريب أو الآخر الذي تحيط به هالات ميتافيزيقية.

    ومما يجدر ذكره أن اليهود، عند الفتح الإسلامي، لم يكونوا عنصراً واحداًمتجانساً فقد كان هناك يهود الرومانيوت الذين يتحدثون اليونانية (في الإســكندريةوفي أجـزاء أخرى من الدولة الرومانيـة الشرقية)، كما كان يوجد يهود يتحدثونالآرامية في الإمبراطورية الفارسية وفلسطين، وانضمت إليهم قبائل اليهود المستعربةالتي طُردت من الجزيرة العربية ووُطنت خارجها. ومما له دلالته أن هذه القبائل لمتطلب توطينها في فلسطين أو في القدس. ومن المفارقات أن هذه المجموعة المستعربة كانتبمنزلة النواة العربية القوية التي ساعدت بقية الجماعات اليهودية على استيعاب اللغةوالحضارة العربية. وعلى المستوى الديني، كانت اليهودية الحاخامية التلمودية قد فرضتسـيطرتها، وكانت المدرسـة البابليـة بالذات صاحبة السلطـة والشرعية. ولكن هذا لميمنع وجود بعض الفرق اليهودية المختلفة، فيهود الجزيرة العربية كانوا لا يعرفونالتلمود، ويبدو أنه كانت تُوجد بقايا للصدوقيين أو لفكرهم. كما كان هناك أيضاًاليهود السامريون (وقد شكل كل هؤلاء نواة حركة القرّائين فيما بعد). وكانت أغلبيةيهود العالم يوجدون في المناطق التي فتحها المسلمون، ويشكلون نحو 1% من السكان فيهذه المناطق، كما أن نسبتهم كانت أكبر في المدن.

    ومع هذا، فمن الضروريإضافة أن التسامح والعدل كانا يسمان فترات الاستقرار والانتصار، كما كانت تتسم بهماسياسة الحكومات في وسط العالم الإسلامي. أما في فترات التراجع، حيث كان يخشى فيهاالمسلمون من الغزو الخارجي، وفي الأطراف (المغرب، إيران... إلخ) حيث كانت مهددةدائماً بالغزو؛ أي في الأمكنة والأزمنة التي تهتز فيها ثقة الأمة بنفسها وبمقدرتها،فإن التسامح لم يكن صفة ملازمة لسلوك الدولة، كما لم يكن العدل ديدنها بالضرورة،فكانت تَصدُر تشريعات خاصة للتمييز ضد الذميين في الزي وخلافه مما يتطلبه أمنالدولة. ولكن من المعروف أيضاً أن مثل هذه التشريعات صدرت في بعض الأحيان التيازداد فيها التمازج والاندماج بين المسلمين والذميين، فكان الفقهاء الذين يخشون علىالهوية الإسلامية أو على السلطة الإسلامية يطلبون استرجاع مثل هذه التشريعات، وكانتالدولة تؤيدهم في ذلك لأنه يسهّل عملية تسيير دفة الحكم، ولأسباب أخرى.

    ويمكن القول بأن وضع اليهود السياسي والقانوني كان يشبه، من بعض الوجوه،وضعهم في الإمبراطوريات القديمة، وخصوصاً الإمبراطورية الفارسية الساسانية، فيفترات ازدهارها. وقد استمرت المؤسسات الدينية والإدارية التي ظهرت إبّان عصرالإمبراطورية الساسانية حيث كان يتولى قيادة الجماعة رئيس يُسمَّى رأس الجالوت «المنفى» يختاره أعضاء الجماعة اليهودية بأنفسهم؛ له السلطة الكاملة على أبناءجماعته ويقوم بتنظيم العلاقات فيما بين أبناء الجماعة من ناحية وبينهم وبين الدولةمن ناحية أخرى. وقد اعترف المسلمون بمنصب رأس الجالوت.

    ومن الميزاتالأساسية للجماعات اليهودية داخل المجتمعات الإسـلامية في تلك الفترة عدم وجـودتفرقة اقتصادية أو تمايز وظيفي مهم، بل كان اليهود يشاركون في معظم مجالات الحياةوفي كل المهن والحرف تقريباً. وكانت ملكية الأراضي مفتوحة أمامهم، كما أنهم تملكواالعقارات في كل أنحاء البلاد وتناقلوها عن طريق الوراثة أو عمليات البيع والشراءفيما بينهم وبين المسلمين دون أية مضايقات. وكان لهم مطلق الحرية في العمل التجاريبلا حدود. وكانت نقابات الحرفيين والمهنيين مفتوحة للجميع بغض النظر عن أي دين أومذهب أو أصل. وقد شغل اليهود أعلى الوظائف الحكومية شريطة أن تكون الوظيفة ذات طابعتنفيذي ولا تعطي صاحبها سلطات تشريعية أو سياسية، ذلك أن الدولة الإسلامية كانت ترىأن مثل هذه الوظائف لابد أن يشغلها مسلم لاعتبارات أمنية.

    ولكن، ورغم عدموجود تمايز وظيفي، كان يجري استبعاد أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربيالإسلامي من بعض الوظائف الإستراتيجية بحكم انتمائهم إلى أقلية، فكان معظم الذميينيعملون في الدرجات الدنيا والوسطى، ولم يصل إلى الدرجات أو المراتب العليا إلا نسبةصغيرة، إذ كانت هذه الوظائف مقصورة على المسلمين أو على من اعتنق الإسلام منالذميين. وقد تَركَّز اليهود أيضاً في الوظائف والمهن التي تتطلب التعامل مع غيرالمسـلمين مثل التجـارة الدوليـة والجاسـوسـية والدبلوماسـية والترجمة. كما أنالمجتمعـات التقليدية، رغبةً منها في تسهيل عملية الإدارة ونقل الخبرة، كانت تركزبعض الوظائف والمهن في أسر وأقليات معيَّنة، بحيث تصبح هذه الأسر أو الأقلياتجماعات وظيفية. ويُلاحَظ تركز اليهود في التجارة والمال والحرف مثل: الصباغةوالدباغة ونسج الحرير، وفي بعض الحرف الوضيعة مثل: جمع القمامة وتنظيف البالوعاتوتجفيف مخلفات المجاري لاستعمالها كوقود. كما كانوا يعملون أيضاً جزارين ومنفذينلأحكام الإعدام. وكانوا يعملون في بعض الحرف المتميِّزة،مثل:الطب والترجمةوالكتابة.وتبين وثائق جنيزة القاهرة التي تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي أناليهود كانوا يعملون في أربعمائة وخمسين مهنـة وحرفـة، منها مائتان وخمسـون حرفةيدوية لم تكن بالضرورة وضيعة.

    وعند الفتح الإسلامي، كان أعضاء الجماعاتاليهودية يشتغلون بالزراعة وتربية الماشية، وكانت أكثريتهم تمتهن الحرف اليدوية.ولكن، مع نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، تغيَّر الوضع تماماً نظراً لمايسميه بعض المؤرخين "الثورة التجارية في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين". وتعودهذه الثورة التجارية إلى أن الفتح الإسلامي قد وحَّد منطقة الشرق بعد أن تقاسمتهاعدة إمبراطوريات ودويلات لمدة طويلة. وقد تم الاستيلاء على ثروات كبيرة كانت محبوسةفي الكنائس والأديرة وقصور الملوك على هيئة تماثيل ذهبية ومعدنية تحوَّلت كلها إلىرأسمال كان من السهل انتقاله. وقد واكب ذلك ظهور عمالة رخيصة بسبب توحيد السوق،وسقوط الإطار الطبقي الهرمي القديم الذي كانت تعضده الديانة المجوسية والكنيسةالأرثوذكسية الرومانية، والهجرة من القرية إلى المدينة. وساهمت حركة البناء الضخمةالتي أعقبت الفتح الإسلامي في تنشيط الحركة التجارية، وساهمت الطرق التي شُقَّت فيتسهيل انتقال رأس المال والعمالة والخبرات والسلع.

    والواقع أن كل هذهالعناصر ما كانت لتسبب ثورة تجارية لو لم تكن النخبة العربية الحاكمة ذات أصولتجارية من قريش واضطلعت بالتجارة الدولية من قبل (رحلة الشتاء والصيف)، ولم تكن هذهالنخبة تنظر إلى العمل التجاري أو المالي باعتباره عملاً وضيعاً. وقد غيَّرت الثورةالتجارية وضع اليهود تماماً فعملوا بالتجارة المحلية والدولية والصيرفة والربا. ومعحلول القرن العاشر الميلادي، كانت المؤسسات المصرفية اليهودية تقوم بإقراض الدولةسواء في بغداد أو القاهرة. ومن أشهر التجار الدوليين في ذلك الوقت (القرنين السابعوالتاسع الميلاديين) التجار الراذانية. وقد أدَّى كل ذلك إلى ظهور طبقة يهوديةوسيطة (كبيرة وذات نفوذ) تشكل جزءاً أساسياً من المجتمع لا تضطلع بوظيفة اقتصاديةمحددة مقصورة عليها كما كان الحال في أوربا، وإنما تقوم بنشاط اقتصادي مشروع ومقبولمن المجتمع ككل باعتباره نشاطاً مهماً وجوهرياً ورفيعاً. ولذا، لم يتعرض اليهودلمثل تلك المذابح أو الهجمات التي كانت تُدبَّر ضدهم في أوربا إما بإيعاز منالنبلاء الذين كانوا يرون فيهم أداة الملك أو من تجار المدن الذين كانوا يرون فيهممنافسين لهم، بل قامت شركات تجارية بين المسلمين والذميين. والواقع أن الطبقةالتجارية المحلية في العالم الإسلامي كانت قوية لا تخشى التجار الذميين بل تراهممكملين لها. كما لم يكن اليهود عرضة للاستياء الشعبي بسبب ممارستهم الربا، فهذهوظيفة كان يضطلع بها أيضاً المسيحيون من جميع الجنسيات، بل بعض المسلمين. أي أناليهود عاشوا في صلب المجتمع الإسلامي، لا في مسامه كما كان الحال مع بعض الجماعاتاليهودية في أوربا في مرحلة تاريخية معيَّنة.

    ويبدو أن المكانة الخاصة التييشغلها التجار في الحضارة الإسلامية انعكست على الجماعات اليهودية، فكانت النخبةالتجارية تشكل العمود الفقري للنخبة الدينية اليهودية وتتحكم فيها. وكثيراً ما كانيُجنَّد رؤساء الحلقات التلمودية في العراق من بين صفوف التجار حتى قبل الفتحالإسلامي. وقد ظهرت طبقة ثرية قائدة بين اليهود تشكل القيادة الحقيقية للجماعة (وهووضع يشبه وضع اليهود في الولايات المتحدة حالياً). ولعبت هذه الطبقة من التجاروالمموِّلين دوراً أساسياً في حياة الجماعة، فقد كانوا جهابذة وصيارفة بلاط أوصيارفة حكومة أو مموِّلين كباراً يتحكمون في تعيين رأس الجالوت. وبسبب نفوذهم،تمكَّن سعيد بن يوسف الفيومي (سعديا جاؤون) (882 ـ 941) من أن يبقى رئيساً لحلقةسورا لمدة عامين حتى بعد أن طرده رأس الجالوت. كما كان اليهود الراذانية مسيطرينعلى حلقة بومبديثا التلمودية. ويُلاحَظ أن طبقة التجار كانت تتحد دائماً مع الفقهاءضد رأس الجالوت الذي كان يُقال إنه من نسل داود. وهذا التحالف يمثل النخبة التيتستند إلى المال والمقدرة الفكرية مقابل النخبة التي تستند إلى الميراث. وهذا يشبهمن بعض الوجوه صعود الموالي في المجتمع الإسلامي مستندين إلى المال والمقدرةالفكرية، مقابل الأرستقراطية العربية التي تعتمد على الحسب والنسب.

    ويمكنالقول بأن الحلقات كانت في واقع الأمر شبكات تجارية أيضاً، فكانت المراسلات الدينيةوالتجارية ورأس المال والفتاوى تتنقل من خلال القنوات نفسها. وكثيراً ما كان رئيسالجماعة اليهودية (المقدَّم) يضطلع في منطقة ما بوظيفة الحاخام والوكيل التجاريلعديد من الشركات. وحتى بعد انفصال مصر ودول أخرى عن الدولة العباسية وظهور وظيفةالنجيد أو رئيس اليهود، ظلت الشبكة التجارية الدينية دون تَغيُّر كبير. ويُلاحَظ أنهذه الشبكة لم تكن مقصورة على التجار والمموِّلين وحسب، وإنما استفادت من وجود آلافالحرفيين والمهنيين اليهود كما استفادوا هم أيضاً منها. وهذا لا يعني أن الجماعةاليهودية كانت تمثل دولة داخل دولة أو أنها تمتعت بالاستقلال الاقتصادي أو كوَّنتبورجوازية يهودية مستقلة أو ما شابه من ادعاءات، فلقد كان اليهود جماعة صغيرة مدمجةتماماً في المجتمع. وتشكل أواصر القرابة والتضامن الديني في المجتمعات التقليديةعناصر أساسية تضمن الحد الأدنى من الثقة الذي ييسر عمليات الائتمان والتجارة. ولذا،كان التجار اليهود يستعينون بالمموِّلين والحرفيين اليهود، تماماً مثلما كان التجارالمسيحيون يستعينون بالمموِّلين والحرفيين المسيحيين. وكان الجميع ينتمون إلىالإطار الحضاري الإسلامي الأكبر.

    وقد أدَّى وجود الجماعات اليهودية داخلالإطار الحضاري الإسلامي الموحَّد إلى سهولة حركة اليهود برؤوس أموالهم وأفكارهموإلى تمازجهم، فاندمجت الجماعة اليهودية إلى حد كبير في المجتمع العربي الإسلامي.وتتضح درجة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي العالية في أن تركيب اليهود الطبقي لميكن يختلف عن تركيب المجتمع ككل. ويظهر الاندماج الثقافي في أن لغة أعضاء الجماعةاليهودية، سواء في الحديث اليومي أو في أدبياتهم الدينية أو الدنيوية، هي العربية.وحينما قام سعيد الفيومي بترجمة التوراة في القرن العاشر الميلادي، أشار إلىالآرامية باعتبارها لغة الآباء. بل تأثرت نظرتهم إلى العبرية نفسها بمعرفتهمبالعربية، وهو ما أدَّى إلى بعثها وتجديدها، فاهتموا بمفرداتها ونحوهـا وصرفهـاووضعوا لها المعاجم. وقد تأثر الأدب العبري، وخصوصاً الشعر، بالأدب العربي، فأخذواالأوزان والقافية من الشعر العربي. كما تأثر التراث الديني اليهودي بالتراث الدينيالإسلامي إلى درجة أعمق من تأثره بالهيلينية، فظهر أساطين الفكر العربي الإسلامياليهودي مثل سعيد بن يوسف الفيومي وطائفة القرّائين (منتصف القرن الثامن)، وجمعتالهلاخاه (الشريعة) وصُنِّفت على طريقة المصنفات الفقهية الإسلامية، وأصدر علماءاليهود الفتاوى على نمط الفتاوى الإسلامية.

    وقد يكون من المفـيد أننميِّز بين اصطلاحي «مسـلم» و«إسلامي»، فالمسلم هو من يؤمن بالعقيدة الإسلامية، أماكلمة «إسلامي» فتشير إلى الخطاب الحضاري الإسلامي الذي يشارك فيه جميع أعضاء الأمة (بالمعنى الحضاري والسياسي) من مسلمين ويهود ومسيحيين.

    ولا يمكن فَهْمالتراث الديني اليهودي في هذه المرحلة إلا بالعودة إلى التراث الإسلامي؛ الفلسفيوالديني. ويمكن القول بأن تَفاعُل أعضاء الجماعة اليهودية مع الحضارة الإسلامية أمرلا نظير له في أية حضارة أخرى. وتجب ملاحظة أن بروز اليهود في الحضارة الغربيةالحديثة، وتفاعلهم معها، لم يتم إلا بعد أن تمت علمنتهم وتخلوا عن أية هوية دينيةيهودية، على عكس النجاح الذي حققوه في إطار الحضارة العربية الإسلامية إذ حققوهباعتبارهم يهوداً ذوي هوية دينية مستقلة. ولكن ما تجدر الإشارة إليه أن يهود العالمالإسلامي لم تظهر منهم شخصيات فكرية يهودية ذات ثقل كبير، على عكس يهود الأندلسالذين ظهر منهم موسى بن ميمون (1135ـ 1204) ويهودا اللاوي (1080 ـ 1140) وغيرهما منمفكرين وشعراء. ولعل هذا يرجع إلى أن العراق كانت توجد بها تلك الحلقات التلموديةالتي كانت تدور داخل إطار تقليدي لا يزال فيها التفكير الديني لليهودي ضيقاًمحدوداً برغم تأثرهم بالتراث الديني الإسلامي. ويُلاحَظ أن الفكر القرّائي الذيعبَّر عن هذا التأثر جرت محاصرته ورفضه من قبَل أعضاء الجماعات اليهودية. وهذا علىعكس ما بدا من يهود الأندلس الذين لم يؤسسوا مدارسهم الدينية إلا بعد أن تم تعريبهموبعد أن أخذت نخبتهم تتشرب الحضارة العربية الإسلامية. وبالتالي، كانت التقاليدالفكرية داخل هذه الحلقات تسمح لهم بالانفتاح الكامل على الحضارة العربيةالإسلامية، حيث أمكنهم الإبداع من داخلها فأنتجوا أهم كلاسيكياتهم الفكرية والأدبيةالتي ظلت تحتل مكان الصدارة حتى العصر الحديث.

    وقد تدهور وضع اليهود بتدهوروضعهم في العالم الإسلامي ككل، وهو تدهور نجم عن انقسام العالم الإسلامي (في العصرالعباسي الثاني وبعده) إلى دويلات وإمارات مختلفة، الأمر الذي أدَّى إلى انقساماليهود أنفسهم. وقد تدهور حال الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي ككل بعد أن توقفتالثورة التجارية وتآكلت نتيجة ظهور الجمهوريات البحرية الإيطالية التي أخذت تتحكمفي التجارة الدولية. وقد نجم عن ذلك أن المصدر الأساسي للعوائد في الدولة أصبحمتمثلاً في الضرائب والمكوس، وهو ما جعل الجزية أمراً مهماً للغاية تسعى الدولة إلىتحصيلها بشتى السبل.

    وقد ازداد التراجع الإســلامي بعـد الهجـوم المسيحيالمتمثل في حـروب الفرنجــة ثم الهجـوم على الأندلــس وصقلية، وهـو هجـوم صاحبـهتنكيــل بالجمـاعات الإسلامية التي وقعت تحت حكم المسيحيين. ثم كان هناك الغزوالمغولي عام 1258 الذي أدَّى إلى الكارثة التي حاقت بالعالم الإسلامي وأجهضت كثيراًمن إمكاناته. وقد تحسنت أحوال اليهود والمسيحيين تحت حكم المغول الذين كانوا وثنيينيضمون عناصر مسيحية وتعاونوا مع الذميين كعادة الغزاة. لكن استمرار تدهور العالمالإسلامي وتدهور الجماعات اليهودية فيه امتد حتى الفتح العثماني. ويُلاحَظ أنه، فيالقرن الثالث عشر الميلادي، كانت أغلبية اليهود، ولأول مرة في التاريخ، تعيـش فيأوربا (وضمن ذلك إسبانيا) وليس في الشرق الأدنى.





  3. #43
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    البابالثانى: إسبانيا الإسـلامية (الأندلس)



    إسبانيــاالإسـلامية (الأندلـس)
    Moslem Spain (Al Andalus)
    حينما وصل طارق بن زيادإلى إسبانيا الكاثوليكية عام 711، كانت حالة أعضاء الجماعة اليهودية فيها متردية،بل يُقال إن معظمهم تحولوا إلى يهود متخفين. ويبدو أنهم، مع وصول أنباء الفتحالعربي، بدأوا يتحسـسون إمكانية تغيير أوضاعهم. ولذا عاونوا الفاتحين المسلمين، كماعاونهم بعض المسيحيين. فقاموا، على سبيل المثال، بثورة في طليطلة ضد القوط واستولواعلى حصن المدينة وفتحوا أبوابها للفاتحين. وحاول المسلمون الاستفادة من الجماعةاليهودية، فكانوا بعد فتح أية مدينة يوطنون اليهود فيها لحراسـتها حتى يتفرغالمسلـمون للفتح. وقد كان هذا أمراً مهماً ولا شك للفتح العربي نظراً لقلة جنودالمسلمين. ويُقال إن عملية توطين اليهـود تمت في مـدن مهمة، مثل: قرطبة وغرناطةوطليطلة وأشبيلية. وقد ثار السكان المسيحيون في أشبيلية بعد فتحها وفتكوا بأعضاءالجماعة اليهودية، ولكن المسلمين استعادوها بعد ذلك (وقد لعب أعضاء الجماعةاليهودية الدور نفسه بعد أن استعاد المسيحيون إسبانيا، فكان المسيحيون يوطنونهم فيالمدن المفتوحة أو يتركون أعضاء الجماعة اليهودية ويطردون المسلمين).

    وقداسـتفاد أعضـاء الجماعـة اليهــودية من الفتـح الإسلامي إذ استـولوا على بعض بيــوتالنبـلاء المســيحيين الذين فرُّوا وتركــوا ثرواتهــم، وكانت مثل هذه الثرواتتُعدُّ مصدراً أساسياً لرأس المال. بل يُقـال إن الثــورة التجارية التي حــدثت فيالعالم الإســلامي كانت تعتـمد إلى حدٍّ مـا على تحرير هذه الثروات المجمدة داخلالقصور والأديرة. ومع هذا، يجب عدم المبالغة في الدور الذي لعبه أعضاء الجماعةاليهودية، فقد كانوا أقلية صغيرة جداً لا يُعتَد بها، كما أن الجماعة اليهــوديةكانت لا تعـرف شـيئاً عن فنون الحرب بالإضافة إلى أن مستواها الثقافي والحضاري كانمتدنياً إلى أقصى درجة. ولعل أهم دور لهم هو ما لعبوه بوصفهم كثافة سكانية مهما تكنضآلتها النسبية، وبوصفهم مصدراً للمعلومات.

    وقد استقلت إسبانيا الإسلاميةعن الخلافة العباسية بوصول عبد الرحمن الداخل الذي أسس فيها حكم الأسرة الأموية (757 ـ 787) وخلفه ابنه هشام الأول (788 ـ 795) الذي بدأت في عصره عملية الاندماجالحضاري والاجتماعي لليهود ـ فبدأوا يدرسون في مدارس الدولة.غير أنه نشب تَمرُّدبين اليهود في عصر الحكم الأول (796 ـ 822) في مقاطعة الأندلس عام 818 وحدث تمردآخر في طليطلة عام 828 بالاشتراك مع المسيحيين المستعربين،وقد قُضيَ على هذهالتمردات.

    وشهد القرنان العاشر والحادي عشر الميلاديان تَشرُّب اليهودالحضارة العربية الإسلامية، وتَحسُّن أحوالهم المعنوية والروحية والمادية، وتعريبأسمائهم ولغتهم ورؤيتهم، وَتأثُّر آدابهم الدنيوية والدينية بالتراث العربيالإسلامي. وقد وصل اليهود في الفترة نفسها إلى مكانة عالية رفيعة، فعملوا فيالوظائف الإدارية والمالية حيث كان يعمل بعضهم في وظيفة يهود البلاط، واشتغلوابالتجارة المحلية والدولية التي كانت تصل حتى حدود الصين أو كانت تدخل إلى أوربا،واحتكروا بعض أنواع التجارة مثل تجارة العبيد (ومنهم العبيد والجواري البيض) الذينكانوا يحضرونهن من بلاد الصقالبة، واشتغلوا بالحرف مثل الصباغة كما اشتغلوابالزراعة. وقد برز اليهود في وظائف محددة مثل التجارة الدولية والترجمة بسبب وضعهموثقافتهم، فقد كانوا يجيدون العربية والعبرية وبعض اللغات الأوربية، الأمر الذيحوَّلهم إلى حلقة وصل وجماعة وظيفية وسيطة بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وخصوصاًأنهم كانوا ينتقلون بسهولة ويسر بين إسبانيا المسلمة وإسبانيا المسيحية، فكاناليهودي ينشـأ في إسـبانيا المسـيحية مثلاً ثم ينتقل إلى إسبانيا المسلمة أو العكس.

    وقـد تَركَّز اليهـود في المدن مثل قرطبة وطليطلـة وأشبيلية وسرقسطة. ووصلبعض اليهود إلى أعلى الوظائف الحكومية بما في ذلك أعلى مراتب الوزراء كما هو الحالمع حسداي بن شفروط الذي كان يعمل طبيباً ودبلوماسياً في بلاط عبد الرحمن الثالث (912 ـ 961) والحكم الثاني (961 ـ 972). وقد تحوَّلت الأندلس إلى أهم مراكزاليهودية في العالم. وتمثَّل هذا في قيام عدة حلقات دراسية دينية مستقلة عن العراق (في قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية). وقد أُسِّست هذه الحلقات التلمودية بتشجيع منالطبقات الثرية اليهودية في شبه جزيرة أيبريا التي كانت في حاجة إلى حلقات تصدرفتاوى تتفق مع أوضاعها الجديدة وتنازع العراق (المركز التقليدي للحلقات) فيالقيادة. كما أن الحلقات كانت محطة أساسية في الشبكات التجارية. وكانت الفتاوىوالسلع تعبر من خلال القنوات نفسها. ومن أهم الحلقات، تلك التي أسسها حسداي بنشفروط في قرطبة عاصمة الأمويين والتي عيَّن لها العالم اليهودي الإيطالي موسى بنحانوخ رئيساً.

    وقد اندمجت النخبة اليهودية في محيطها العربي تماماً،واستوعبت أعداد كبيرة منها الفلسفات العقلانية والدنيوية التي كانت الأندلس تربةخصبة لها. وتذهب بعض الدراسات إلى أنه، نتيجةً لهذا، فقدت الجماعة اليهودية أيةهوية دينية واضحة، وأنه لذلك لم يَعُد هناك من اليهودية (عند استرداد المسيحيينإسبانيا) سوى قشرة رقيقة كان من السهل على النظام المسيحي الجديد أن يقنع أعضاءالجماعة بطرحها جانباً، من خـلال القـسر أحياناً ومن خلال الإغراء أحياناً أخرى،فتنصرت أعداد كبيرة منهم. ولكن يمكن القول أيضاً بأن ما حدث هو أن اليهودية،باعتبارها نسقاً دينياً، اكتسبت أبعاداً حضارية إسلامية كما هو واضح في فلسفة موسىبن ميمون. ولذا، لم يمكنها الاستمرار تحت الحكم المسيحي، ولم تكن لديها فرصة للتكيفلتظهر يهودية جديدة ذات أبعاد كاثوليكية. وحينما ظهرت، أخذت شكل المارانية، أييهودية المارانو. ولا تزال الكتب الدينية اليهودية تفسر النكبة التي ألمت بالسفارد (يهود شبه جزيرة أيبريا) وطردهم من شبه الجزيرة، بأنه عقاب لهم لتخليهم عن عقيدتهم.

    ومع تفكك الخلافة الأموية والحكم المركزي في إسبانيا، انقسمت إسبانيا إلىدويلات وإمارات إسلامية صغيرة فيما يُعرَف بحكم الطوائف (1008). فاستخدم الأمراءكثيراً من اليهود مثل صمويل بن نغريلة وزير أمير غرناطة. وكان اليهود يعملونمستشارين ماليين وسياسيين، وفي البعثات الخارجية للدول، ويهود بلاط، وملتزمي ضرائب.

    وبعد استيلائهم على سدة الحكم عام 1086، قام المرابطون بتطهير جهاز الدولةمن اليهود، فتدهورت أحوالهم لبعض الوقت، ولكن الأمور عادت إلى نصابها بعد قليل. ومعصعود أسرة الموحدين عام 1146، لم يَعُد اليهود يتمتعون بذلك الوضع الممتاز، ومُنعتاليهودية في الأندلس، كما أخذ الحكم الإسلامي في الانحسار التدريجي بعد ذلكالتاريخ.

    ويُقال إن العصر الإسلامي في الأندلس كان يمثل العصر الذهبيلليهود إذ ازدهر الفكر اليهودي الديني والفلسفي نتيجة الاحتكاك بالمسلمين العرب.واكتسبت اللغة العبرية أعماقاً جديدة من خلال علاقتها بالعربية، ودخلت عناصر الحياةعلى الشعر العبري كما هو واضح في أشعار يهودا اللاوي (هاليفي) وموسى بن عزرا. وكتبالمؤلفون اليهود موشحات لم تكن تحاكي الموشحات العربية بشكل عام وحسب وإنما قلدتموشحات عربية بعينها دون تعديل أو تحوير. ونشأ فن المقامة في العبرية وتُرجمتمقامات الحريري وكليلة ودمنة، وظهر موسى بن ميمون أهم المفكرين الدينيين اليهود علىالإطلاق، الذي كان لفكره العربي الإسلامي اليهودي أعمق الأثر في الفكر اليهودي فيكل أنحاء العالم.

    ويبدو أن الجماعات اليهودية في الأندلس لم يكن يربطهاتنظيم واحد وليس لها منصب مثل رأس الجالوت (المنفى) في بغداد أو الحاخام باشي فيالأستانة الذي يشكل ما يشبه القيادة المركزية، وإنما كانت كل جماعة تشكل مجموعةمستقلة يطلق عليها اسم «الجماعة» يترأسها المقدم الذي يشكل حلقة الوصل بين الجماعةوالدولة أو الدويلة أو الإمارة. وربما كان انعدام المركزية بين الجماعات اليهوديةانعكاساً للوضع السياسي في شبه جزيرة أيبريا، فقد كانت إسبانيا من أكبر دول أورباولم تتمتع بالحكم المركزي إلا في فترات قصيرة. وكما رأينا، انحل الحكم الإسلامي إلىحكم أمراء الطوائف الذي كان يشبه الإقطاع الغربي من بعض النواحي. وقد استمرت هذهاللامركزية حتى بعد أن قام المسيحيون باستعادة إسبانيا.

    الأندلــــس
    Al Andalus
    انظر: «إسبانيا الإسلامية (الأندلس)».

    العصـــر الذهـــبي لليـــهود
    The Golden Age of the Jews
    «العصر الذهبي لليهود» عبارة تُستخدَم للإشارة إلى الوجوداليهودي في الأندلس،وخصوصاً في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين،ويُقصَد بهاالفترة التي حقق أعضاء الجماعة اليهودية في أثنائها إنجازات حضارية هائلة من خلالالتفاعل مع الحضارة العربية الإسلامية.





  4. #44
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    البابالثالث: الدولة العثـمانية وفارس بعد انتشار الإسلام



    الدولـــة العثمانيـة
    The Ottoman State
    قام العثمانيون، وهم مجموعة من القبائل التركية، بقيادة زعميها عثمان الأول (1293 ـ 1326)، بتأسيس الدولة العثمانية. بدأ العثمانيون بتوحيد الإمارات التركيةفي آسيا الصغرى التي مدت سلطانها إلى جنوب أوربا والشرق الأدنى القديم. ومع حلولمنتصف القرن الخامس عشر الميلادي، كانت الدولة العثمانية الناشئة قد ضمت مناطقكبيرة من البلقان واليونان، وفتحت القسطنطينية عام 1453. وقد استولى العثمانيون علىسوريا وفلسطين ومصر (1516 ـ 1517) ومعظم المجر (1526) والعراق (1530). ومع منتصفالقرن السادس عشر الميلادي، حيث وصلت الإمبراطورية إلى أعلى قمة نفوذها، بسطالعثمانيون نفوذهم على شبه الجزيرة العربية وضموا معظم شمال أفريقيا وكثيراً منالجزر في البحر الأبيض المتوسط. وكانت تحكم الإمبراطورية العثمانية نخبة عسكريةتركية مسلمة. وقد بدأ مد العثمانيين في التوقف عام 1683 حينما فشلوا للمرة الثانيةفي الاستيلاء على فيينا. وبعد ثلاثة أعوام فقدوا بودا (بودابست) ووقعوا أول معاهدةيقرون فيها بهزيمتهم. وبالتدريج، أخذ النفوذ العثماني في الانحسار، إذ بدأت روسيافي الزحف من الشمال، وظهرت الدولة الصفوية (الشيعية) التي ناصبت الدولة العثمانيةالعداء، وظهرت دول أوربا البحرية ومن بينها إسبانيا والبرتغال، ثم إنجلترا وفرنسااللتان قلصتا نفوذ الدولة العثمانية واستولتا على بعض أرضها وعلى أجزاء من العالمالإسلامي إلى أن سقطت الخلافة العثمانية على يد ثورة تركيا الفتاة. وتمزقتالإمبراطورية العثمانية تماماً مع الحرب العالمية الأولى، واستقلت كل الدول التيكانت تابعة لها.

    وتاريخ يهود العالم الإسلامي (ابتداءً من القرن الخامس عشرالميلادي) هو تقريباً تاريخهم داخل الدولة العثمانية، فقد ضمت الإمبراطوريةالعثمانية المترامية الأطراف جماعات يهودية عديدة تتحدث لغات مختلفة ولها انتماءاتإثنية ودينية متنوعة.

    1
    ـ الرومانيوت: حينما فتح العثمانيون آسيا الصغرىواليونان والبلقان، وجـدوا يهود الدولة الرومانية الشـرقية (البيزنطيـة) الذينكانوا يتحدثون اليونانية، وكان يُطلَق عليهم أيضاً «الجريجوس»، أي «اليونانيون».

    2
    ـ الإشكناز: مع بداية القرن الخامس عشر الميلادي، هاجرت جماعات من اليهودالإشكناز من ألمانيا وفرنسا إلى الدولة العثمانية.

    3
    ـ السفارد: مع طرديهود شبه جزيرة أيبريا الذين كانوا يتحدثون اللادينو، هاجرت أعداد منهم إلى الدولةالعثمانية، وكانت هجرتهم تفوق في أعدادها الهجرة الإشكنازية. وقد أصبح السفارد أهمالعناصر اليهودية وطبعوا بقية الجماعات بطابعهم، حتى أن اللادينو أصبحت هي لغةاليهود الأساسية، تماماً مثل اليديشية في أوربا آنذاك.

    4
    ـ اليهودالمستعربة: وهم اليهود العرب الذين يتحدثون العربية وينتمون إثنياً إلى الأمةالعربية ويرتدون الزي العربي.

    5
    ـ اليهود الأكراد (في العراق): وكانوايتحدثون الكردية. وكان منهم أيضاً من يتحدث الآرامية في القرى الجبلية البعيدة، كماكان سكان المدن منهم يتحدثون العربية.

    6
    ـ اليهود القرّاءون: وكان من بينهممن يتحدث العربية (في مصر) ومن يتحدث التركية (في شبه جزيرة القرم) وربما كان هؤلاءبقايا دولة الخزر اليهودية.

    7
    ـ اليهود السامريون في فلسطين.

    8
    ـكانت هناك جماعات يهودية متناثرة تتحدث المجرية والرومانية وغيرها من اللغاتالأوربية في المقاطعات التي ضمها العثمانيون.

    وكانت توجد تجمعات يهودية فيآسيا الصغرى واليونان، في إستنبول وسالونيكا وأدرنة وأزمير وبورصة، وكذلك في فلسطينوالعراق ومصر واليمن وتونس والجزائر. وكان يُطلق على كل تجمُّع يهودي لفظة جماعة)بالعبرية: قهال). وكانت كل جماعة تُسمَّى حسب البلد الذي جاءت منه مثل: بروفنسالأو كورفو أو أراجون أو صقلية أو طليطلة أو قرطبة أو الأندلس. وكانت كل جماعة تنقسمعادةً إلى جماعتين، فالبروفنسال مثلاً تصير إلى بروفنسال القديمة والجديدة، وكانتكل جماعة تحتفظ باستقلالها، وعلى سبيل المثال كان يوجد في سالونيكا (في القرنالسادس عشر) ثلاث عشرة جماعة يهودية مقسمة حسب البلد الأصلي يتحدثون اليونانية أوالإيطالية أو الإيطالية باللهجة الصقلية أو البرتغالية أو اللادينو. وكان يوجد فيإستنبول ثلاثون جماعة يهودية، لكلٍّ معبدها وحاخامها ومحاكمها الخاصة التي لم تكنلها سلطة تنفيذية وجمعية الدفن المقصورة على أعضائها. ولم تكن العلاقات بين هذهالجماعات ودية بل كانت تتصارع فيما بينها. فالجماعات الكبيرة تضطهد الصغيرة،والجماعات التي تنتمي إلى أصل واحـد والمتناثرة في مدن مختلفـة تتعـاون فيما بينهاضد الجماعات الأخرى، كما كانت هذه الجماعات تشي ببعضها البعض لدى السلطات. فعلىسبيل المثال، حدث شجار في دمشق بين اليهود المستعربة والسفارد حول عمق الحمامالطقوسي، فوجَّه اليهود المستعربة بعض الاتهامات الظالمة إلى السفارد أمام السلطاتالتي قبضت على بعض منهم وألقت بهم في السجن.

    وكان السفارد يشيرون إلىالرومانيوت بأنهم «التوشافيم»، أي «السكان الأصليين» بكل ما تحمل الكلمة من إيحاءاتقدحية، كما كانوا يشيرون إليهم بلفظ «الجريجوس» وهي تسمية كانت هي الأخرى ذاتدلالات سلبية. وكان الرومانيوت يشيرون بدورهم إلى السفارد باعتبارهم «مجوراشيم» أي «المطرودين» أو «المنبوذين». ولم تكن هناك سلطة يهودية مركزية أو منصب حاخام أكبر،وهو ما يجعل تجربة يهود الدولة العثمانية تشبه من بعض الوجوه تجربة يهود الولاياتالمتحدة الذين يتكونون من جماعات مختلفة لا يربطها رباط مركزي. وحينما نشأت وحدةبين هذه الجماعات، كانت ثمة وحدة فيدرالية ضعيفة. ولكن، مع هذا، تمت عملية الامتزاجبينها بالتدريج. وهذا يعود إلى أن الأجيال الجديدة من اليهود لم تَعُد تهتم بالبلدالأصلي، وبدأت تتحرك داخل إطار تجربتها العثمانية كما هي العادة مع الجيل الثالث منأبناء المهاجرين. ومما ساعد على مزج اليهود في الدولة العثمانية صدور الشولحانعاروخ الذي قبلته الجماعات اليهودية كافة باعتباره المرجع الأساسي للشريعة. ومعحلول القرن الثاني عشر الميلادي، كانت أغلبية الجماعات اليهودية تعتبر نفسهاسفاردية وتتحدث اللادينو، وكانت هناك أقلية صغيرة إشكنازية يتحدث بعض أعضائهااليديشية، وأخرى قرّائية، وذلك بخلاف الأقليات الهامشية مثل السامريين والأكراد.وقد أخذ عدد يهود الدولة العثمانية في التزايد بسبب اتساع الدولة حيث كانت تضمجماعات يهودية جديدة كلما ازدادت توسُّعاً ، وكذلك عن طريق هجرة اليهود إليها، أوعن طريق التزايد الطبيعي.

    ويتميَّز يهود الدولة العثمانية بانتمائهم لها.فأثناء الفتح العثماني لآسيا الصغرى وبعض أنحاء أوربا تعاون يهود بورصة (1354)وأدرنة والقسطنطينية (1433) وبودا (1526) ورودسي وأذربيجان وبلجراد (1543) معالقوات العثمانية الفاتحة. رحبت الدولة العثمانية بالمهاجرين من أعضاء الجماعاتاليهودية فهاجرت أعداد كبيرة منهم وأصبحوا عثمانيين بمحض إرادتهم، أي أنهم هاجرواإليها واستوطنوا فيها وجعلوها وطنهم الوحيد واندمجوا في الحضارة الإسلامية. ولم تضمالدولة العثمانية عبر تاريخها سوى أقلية من يهود العالم إذ أن مركز اليهود السكانيكان قد انتقل إلى أوربا ابتداءً من القرن الرابع عشر الميلادي. وفي القرن التاسععشر الميلادي، بلغ عدد اليهود في الدولة العثمانية، ثلاثمائة ألف، أي أقلية صغيرةللغاية بالقياس إلى يهود العالم الغربي الذين كانوا على عتبات الانفجار السكاني (حيث زاد عددهم إلى عشرة ملايين مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي)، وهو انفجارلم يكن له ما يناظره في الدولة العثمانية.

    وقد رحب العثمانيون من جانبهمبالهجرة اليهودية من أوربا، فقد كتب الحاخام إسحق تسارفاتي عام 1479 إلى يهودألمانيا والمجر لحثهم على الهجرة إلى الدولة العثمانية. وكان العثمانيون يرون أنالعنصر اليهودي عنصر بشري مهم للإمبراطورية نظراً لخبرته المالية والعلمية ومعرفتهباللغات الأجنبية، إلى جانب أنه يشكل كثافة بشرية كانت الإمبراطورية في أمس الحاجةإليها.

    ومن الكلمات المهمة في المصطلح السياسي العثماني كلمة «سورجون»،وهـي تعني النفـي أو الترحيل أو التهـجير أو النقـل الإجباري. وكان السورجون يطبقعلى فرد أو أسرة أو جماعة بشرية كاملة باعتباره شكلاً من أشكال العقاب أحياناً،ولخدمة مصلحة الدولة العثمانية في أحيان أخرى. وقد كانت الدولة تنظر إلى أعضاءالجماعات اليهـودية باعتبارهـم عنصراً بـشرياً يمكن أن يُطبَّـق عليه قانونالسورجون، فكانوا يُوطَّنون في مكان ما لموازنة العنصر المسيحي كما حدث في قبرص، أوكان ينظر إليهم باعتبارهم عنصراً تجارياً يمكن أن يُنشِّط الحياة الاقتصادية فيتمتوطينهم في المدن مثل إستنبول وأدرنة.

    ومما شجع اليهود على الهجرة إلىالدولة العثمانية أنها منحتهم الحقوق كافة مثل الاشتغال بأية حرفة أو امتلاكالأراضي الزراعية والعقارات، ولقد وصلوا إلى أرفع المناصب. ولدراسة الوضع الاقتصاديوالاجتماعي لليهود في الدولة العثمانية، لابد أن نقرر ابتداءً أن أعضاء الأقليات فيالمجتمعات التقليدية لم يكن بإمكانهم أن يشغلوا وظائف حربية أو إدارية أساسية أوإستراتيجية معيَّنة لأسباب أمنية، وأنهم في العادة يتركزون في وظائف ونشاطاتاقتصادية مالية ومهنية وهو ما يحوِّلهم إلى جماعات وظيفية. وهذا ما حدث لأعداد منأعضاء الجماعات اليهودية في الدولة العثمانية، فكان منهم المترجمون، وكانت وظيفةترجمان البلاط يشغلها دائماً يهودي. كما اشتغل اليهود بمهنة الطب، ولربما تفوقوا فيهذا المجال لأنهم تعلموا في أوربا فنون الطب الذي كان مختلفاً عن الطب في العالمالإسلامي في القرن السادس عشر الميلادي وأكثر تطوراً. ويبدو أن اليهود أيضاً ساهموافي نقل بعض جوانب تكنولوجيا السلاح من الغرب، وهو ما سبب حنق المراقبين الغربيينعليهم لأنهم عدوهم مسئولين عن التفوق العسكري العثماني. كما أنهم نقلوا فن الطباعة،واشتغلوا بالصناعة فأسسوا كثيراً من مصانع النسيج، كما اشتغلوا بالتجارة الدوليةوشكلوا جماعة وظيفية وسيطة بين الدولة العثمانية وأوربا. وعمل اليهود في الوظائفالمالية مثل الإقراض بالربا كما أنهم، والسفارد منهم على وجه الخصوص، اضطلعوابوظيفة المديرين الماليين للولاة العثمانيين ولكثير من الباشوات العثمانيين. ومنأهم الوظائف التي اضطلعوا بها تلك الوظائف المرتبطة بالضرائب سواء أكانوا جامعي أومفتشي ضرائب أو موظفي جمارك أو ملتزمي ضرائب. وكانت أغلبية العاملين في الضرائب فيالدولة العثمانية من أعضاء الجماعات اليهودية حتى أن الإيصالات كثيراً ما كانتتُكتَب بحروف عبرية.

    ومن أهم الوظائف التي اضطلعوا بها أيضاً وظيفة أمينالإمدادات والتموين لقوات الإنكشارية، وهي وظيفة تختلف عن نظيرتها في العصر الحديثفي أن من كان يضطلع بها لم يكن موظفاً حكومياً وإنما كان مموِّلاً يقوم بنشاط تجاريحر مثل شراء التموينات والزي العسكري للإنكشارية وتدبيرها لهم. وكانت الوظيفةوراثية محصورة في عدد محدود من الأسر اليهودية. وقد نشأت هذه العلاقة بينالإنكشارية والمموِّلين اليهود أينما وُجدت قوات الإنكشارية في إستنبول وسالونيكاومعظم المدن التركية الأخرى. ونشأت حول المموِّلين شبكة تجارية صناعية مالية مناليهود، فكانت مصانع النسيج اليهودية تساهم في صناعة الأزياء العسكرية للإنكشارية.ولعل ارتباط اليهود بصناعة النسيج في كثير من البلاد، مثل الولايات المتحدة وغيرها،كان سبباً في أنهم يرتبطون بالمؤسسة العسكرية التي تحتاج إلى كميات كبيرة منالمنسوجات الخاصة بالزي العسكري. واستمرت العلاقة بين الإنكشارية وأعضاء الجماعةاليهودية حتى عام 1826 عندما حُلَّت الإنكشارية.

    وقد اتسمت العلاقة بينأعضاء الجماعة اليهودية والنخبة الحاكمة بكثير من الانسجام والتفاهم لأن العنصراليهودي كان مكمِّلاً لنشاطات أعضاء النخبة الحاكمة لا متناقضاً معها، على عكسالوضع في كثير من بلاد أوربا. فأعضاء النخبة كانوا يشغلون الوظائف العسكريةوالدينية والإدارية العليا وكانوا يديرون بعض المشاريع الاقتصادية الكبرى مثل النقلالبحري والتجارة الدولية، وهي نشاطات مهنية واقتصادية لم يكن يطمح اليهود إلىالاضطلاع بها. كما أن أغلبية اليهود استوطنوا في الدولة العثمانية بعد أن كانتالنخبة الحاكمة قد سيطرت على ناصية الأمور وعلى الهيكل الاقتصادي، وهم في هذايشبهون يهود إنجلترا وفرنسا وهولندا عند استيطانهم ابتداءً من القرن السابع عشرالميلادي. كما يُلاحَظ أنه لم يكن يُوجَد تناقض بين السلطات من جهة والنبلاء وسكانالمدن من جهة أخرى، كما كان الحال في أوربا. وهو التناقض الذي سقط اليهود ضحية لهفي أغلب الأحيان، إذ كان الملك يستخدم اليهود لصالحه كأداة لجمع الضرائب ولتقويضنفوذ المدن غير الملكية والنبلاء. أما في الدولة العثمانية، فقد كان اليهود أداة فييد جهاز الدولة ونخبتها الحاكمة ككل. ويمكن القول بأن يهود الدولة العثمانية ككل قداندمجوا في سكانها. وحينما انتشرت دعوة شبتاي تسفي (1665)، تصدَّى لها حاخاماتالإمبراطورية وساهموا في الحرب ضدها، وظهر يهود الدونمه في أعقاب إخفاق دعوة تسفيواعتناقه الإسلام. وقد أصبحت صفد مركزاً للدراسات اليهودية إذ اسـتوطن فيها جوزيفكارو، وفيها وضع مؤلفه المشهور الشولحان عاروخ، كما أصبحت صفد مركزاً للدراساتالقبَّالية وبخاصة القبَّالاه اللوريانية.

    وكما هو مُتوقَّع، كان مصير يهودالدولة العثمانية مرتبطاً بحركيات هذه الدولة وما تواجهه من مشاكل وأزمات. ويُلاحَظأن تَراجُع الدولة العثمانية ترك أثره في الجماعات اليهودية أيضاً، فقد توقفتَدفُّق المهاجرين اليهود من أوربا إذ بدأت تستوعبهم المراكز التجارية في غرب أورباووسطها بدرجات متزايدة، وبالتالي تَوقَّف تَدفُّق رأس المال والخبرة والمعارفالغربية. بل إن معرفة أعضاء الجماعات اليهودية باللغات الأوربية تناقصت حتى أنمعظمهم كان يكتب اللادينو بحروف عبرية لأنهم كانوا لا يعرفون الحروف اللاتينية.ورغم أن المؤسسة الحاخامية نجحت في أن تتصدى لدعوة شبتاي تسفي، فإن فشل هذه الدعوةنفسه وَلَّد يأساً عميقاً في قلوب أعضاء الجماعات اليهودية وزاد سيطرة المؤسسةالحاخامية عليهم. وكما أشرنا من قبل، كان ثمة ارتباط بين المموِّلين اليهودوالإنكشارية. ولذلك، حينما حاولت الدولة العثمانية تحديث المؤسسة العسكرية عن طريقالقضاء على الإنكشارية، تحالف هؤلاء المموِّلون مع الإنكشارية وقاموا بتمويلتمرُّدهم. وبعد أن تمكنت الدولة من حل الإنكشارية، تم القبض على رؤساء عائلاتالمموِّلين وتم إعدامهم، الأمر الذي ألحق ضرراً شديداً بالشبكة الاقتصادية اليهوديةالتجارية المالية الصناعية المرتبطة بهؤلاء المموِّلين.

    ويمكن القول بأنالحقيقة الأساسية في تاريخ الدولة العثمانية، منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي،هو تَزايُد النفوذ الغربي وتَدخُّله في شئون الدولة العثمانية. وقد انعكس هذا فينظام الامتيازات الذي يعود إلى معاهدة 1521 التي عقدها السلطان سليمان القانوني معقنصل البندقية وأصبحت نموذجاً لمعاهدات مشابهة وُقِّعت فيما بعد مع كل الدولالأوربية. وكان نظام الامتيازات يسمح للدولة المعنية بتعيين قناصل في الممتلكاتالعثمانية وبإعطائهم حق التشريع لرعاياهم في الأمور المدنية، وهو الأمر الذي جعل كلجالية أجنبية (ملة أو طائفة) تدير أمورها بنفسها وتتمتع بحماية قنصلها فيما يتعلقبالأمور الشخصية والمهنية.

    وقد استفادت الدول الغربية من نظام الامتيازاتالممنوح لها وحاولت أن تُوسِّع رقعة نفوذها. وبدأت كل دولة أوربية تبحث عن موطئ قدملها داخل الدولة العثمانية عن طريق فرض حمايتها على أقلية دينية أو إثنية حتى تكونلها محمية بشرية أو جيب سكاني. وبذا، يمكننا أن نرى هذه العملية باعتبارها شكلاً منأشكال الاستعمار الاستيطاني أدَّى إلى تحويل أعضاء الأقليات إلى عنصر سكاني غريب.ففرضت روسيا حمايتها على الأرثوذكس وفرنسا على الكاثوليك، وهذا ما أعطاهما حقالتدخل في أمور الدولة العثمانية كما هيأ لهما شبكة اتصالات هائلة داخل الدولة. وقداندفعت الدول تبحث عمن « تحميه » من الأقليات فاكتشفت إنجلترا وبروسيا (ألمانيا)أنهما لا تتمتعان بالميزة التي تتمتع بها فرنسا وروسيا إذ كان العنصر البروتستانتيفي الدولة العثمانية صغيراً للغاية وغير ذي أهمية، فحاولت إنجلترا في البداية فرضحمايتها على الدروز. ولكنها اكتشفت بعد قليل أن اليهود أقلية يمكن حمايتها، فأسستقنصلياتها في القدس عام 1838. وحاولت روسيا أن تحمي يهود القدس، في الوقت الذي كانتترتب فيه المذابح ضد يهود روسيا. وهذا يتفق مع النمط البلفوري الغربي الذي يرى أنتتخلص أوربا من يهودها عن طريق ترتيب وطن لهم خارجها، أي ضربهم في الداخل وحمايتهمفي الخارج. وأسس يهود العالم جمعيات لمساعدة إخوانهم اليهود، فتأسست الأليانسالفرنسية (1860) والرابطة الإنجليزية اليهودية (1871) وجمعية الإسرائيليتيش أليانس (1873)، والغوث الهيلفسفرين (1901) الألمانيتان، واللجنة اليهودية الأمريكية (1906).

    وقد كان لتعَاظُم النفوذ الغربي آثار متضاربة على الجماعاتاليهودية في الدولة العثمانية، إذ أدَّى تَدخُّل الدول العظمى في بداية الأمر إلىتَصاعُد نفوذ أعضاء الأقليات المسيحية داخل الدولة، وهو ما أدَّى إلى ظهورهموحراكهم على حساب أعضاء الجماعات اليهودية، فبرز العنصر اليوناني والأرمني. ومماساعد على هذا الاتجاه أن عدد المسيحيين كان أكبر وأنهم حصلوا على نصيب أكبر منالتعليم، وخصوصاً أنهم أرسلوا أولادهم إلى جامعات أوربا وكانت تعاضدهم كنائسهم وكلأوربا. وقد أدَّى كل هذا إلى تَراجُع نفوذ أعضاء الجماعات اليهودية وإلى تَناقُصنصيبهم من التجارة الدولية ابتداءً من القرن السابع عشر الميلادي حتى انتهى تقريباًمع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. وقد تَزامَن هذا مع تَناقُص نفوذ يهود الأرندافي بولندا وتَناقُص نفوذ يهود البلاط في وسط أوربا. ولا ندري ما إذا كانت هناكعلاقة بين الظاهرتين، ولكن المرجح أن ثمة علاقة إذ كانت هناك شبكة تربط الجماعاتالاقتصادية الثلاث. وكان آخر مموِّل يهودي كبير هو يوسف الناسي الذي مارس نشاطه فيالنصف الثاني من القرن السادس عشر. وقد ظهر آخر كبار الأطباء اليهود في البلاطالعثماني في أواخر القرن السابع عشر الميلادي.

    وبدأ المسيحيون يشغلون وظائفالجمارك والضرائب، بل إن وظيفة الدراجمون (أي الترجمان) التي كان يشغلها اليهود بدأيشغلها تركي من أصل يوناني. وتبدَّى تَزايُد النفوذ الغربي والنفوذ المسيحي في شكلآخر هو ازدياد ظاهرة توجيه تهمة الدم كما تجلَّى في حادثة دمشق حين اتهم مسيحيوسوريا (بتحريض من القنصل الفرنسي) العنصر اليهودي المرتبط بالإنجليز بأنهم ذبحواأحد الرهبان واستخدموا دمه في خبز فطير الفصح. وحين ناشد يهود فرنسا دولتهم لميجدوا آذاناً صاغية إذ كانت فرنسا تحمي كاثوليك الشام. أما في إنجلترا، فقد احتجبالمرستون وهدد محمد علي حاكم مصر الذي كانت تتبعه سوريا آنذاك بالعواقب الوخيمة إذكانت إنجلترا تفكر في حماية يهود الدولة العثمانية.

    وإذا كان نفوذ يهودالدولة العثمانية قد تراجع بسبب التدخل الغربي وتَعاظُم النفوذ الغربي، فإنالصهاينة الذين وضعوا أنفسهم تحت حماية بريطانيا استفادوا منه أيما استفادة. كما أنكثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية حصلوا على جنسيات دول أوربية حتى يكونوا تحتحمايتها ويتمتعوا بالامتيازات. ومن هنا كان العثمانيون لا يمانعـون في أن يعـيشاليهود في فلسطين إذا كانوا مواطنين عثمانيين. وحاولت الدولة العثمانية أن تمنعاليهود غير العثمانيين، أي الذين تشملهم الحماية الغربية، من حق الاستيطان فيها.

    وحاولت الدولة العثمانية، ابتداءً من حكم محمد الثاني (1808 ـ 1839)، إصلاحالإمبراطورية من الداخل. واستفاد اليهود من عمليات التحديث هذه، وصدرت القوانينالإصلاحية المعروفة باسم التنظيمات (عام 1839)، والخط الهمايوني (عام 1856)، التيضمنت حقوق كل سكان الإمبراطورية من أعضاء الأقليات، وضمنها اليهود، واحترام الملكيةوصيانة الحرية الشخصية. وأصبح لليهود الحق في ارتداء الزي التركي (الطربوش)، كماأصبح من حق الحاخامات أن يرتدوا العمامة مثل الشيوخ، فحقق هذا إعتاقاً سياسياًلليهود إن أردنا استخدام لغة العصر. وصدرت قوانين تحرِّم تهمة الدم وتجعلها تهمةخطيرة يحقق فيها حاكم المقاطعة بنفسه. وصدر فرمان خاص بإصلاح نظام الملة (مايو 1864). ويتلخص هذا الفرمان في أن الجماعة اليهودية يرأسها الحاخام باشي الذيأُسِّست وظيفته عام 1835، وهو يمثل كل اليهود في الإمبراطورية أمام الباب العالي،كما أنه مسئول عن جمع وتحديد الضرائب المفروضة على الجماعة اليهودية ويصادق علىاختيار الرؤساء المحليين الذين يُنتخَبون من قبل ممثلين من الملة المحلية. وقدحدَّد الفرمان نظم المجالس الممثلة لليهود في مجلس عام يضم ثمانين عضواً، كانواينتخبون بدورهم سبع حاخامات في لجنة تُسمَّى «مجلس روحاني» وسبع يهود من خارجالمؤسسة الدينية للأمور الدنيوية تُسمَّى «مجلس جسماني»، وكان يترأس اليهود حاخامباشي الذي كان يتم اختياره بالانتخاب.

    وقد حاول الصهاينة الاستفادة منأزمة الإمبراطورية العثمانية في آخر أيامها، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في الحصولعلى موافقة السلطان العثماني على مشروعهم الاستيطاني، واضطروا إلى الانتظار حتىتسقط فلسطين في يد الاستعمار البريطاني.

    وثمة رأي يذهب إلى أن اليهود عامة،ويهود الدونمه على وجه الخصوص، لعبوا دوراً مهماً وخطيراً في الثورة ضد الخلافةالعثمانية، وأن الدوائر التي كان يتحرك فيها كمال أتاتورك كانت مليئة بالماسونيينوالدونمه. وقد انتشرت شائعة بين اليهود أنفسهم أن أتاتورك نفسه كان من يهودالدونمه. ولكن مثل هذه الشائعات تنتشر دائماً بين اليهود باعتبارهم أقلية مستضعفةتنغمس في الخيال كمحاولة للتعويض. وقد سبق ليهود الغرب أن تصوروا أن مارتن لوثر منيهود المارانو إلى أن بدأت حملته عليهم.

    وثمة رأي يذهب إلى أن دور اليهودكان في واقع الأمر صغيراً، فكان ضباط تركيا الفتاة من المسلمين ومعظمهم من الأتراكأو البلقان وبعضهم من العرب، كما كان بينهم أرمن ويونانيون وعرب مسيحيون ويهود.ولكن قيل إن دور اليهود قد ظهر واتضح لأنهم كانوا المتحدثين باسم الثورة في الخارج.كما أن اليهود كانوا يتمتعون بالحماية الأجنبية، ولذا لم تكن بيوتهم تخضع للتفتيش،وهو ما جعلها مكاناً ملائماً للضباط لأن يجتمعوا فيه. كما أن المحافل الماسونيةكانت أيضاً متمتعة بالحماية الأجنبية، ولذا فإنها كانت إحدى الجيوب التي استخدمهاضباط تركيا الفتاة. وكان من أهم المشتركين في الثورة ألبرت قاراصو وهو يهودي منسالونيكا لعب دوراً بارزاً في الثورة، وكذلك الاقتصادي جويد باشا وزير المالية فيحكومات تركيا الفتاة، ولكنه لم يكن يهوديا وإنما كان من الدونمه.

    ومهما يكنحجم اشتراك اليهود في الثورة، فإن من الواضح أنهم كانوا مُمثَّلين داخل كلالمعسكرات السياسية في الإمبراطورية العثمانية. وقام فريق من الأثرياء بتأييداليمين أو الإنكشارية، وفريق ثان أيد الوسط أو المؤسسة الحاكمة وكان يضم عامة الشعبوالحاخامات، وفريق ثالث من المثقفين اليهود والدونمه كان يؤيد الثورة. واليهود، فيهذا، لا يختلفون عن بقية قطاعات الشعب في الإمبراطورية العثمانية.

    ومعاستمرار عملية التحديث في تركيا، أُلغيت أشكال الإدارة الذاتية كافة وظهرتبورجوازية تركية (طبقة مالية تجارية محلية حلَّت محل الطبقات التي كانت تتكون منالأرمن واليونان والشوام واليهود والأوربيين). وهـاجرت أعـداد كبيرة من اليهود إلىالمغرب فتناقص عددهم. وتبنَّى من تبقَّى من اليهود لغة وعادات الأتراك. ومعظم يهودتركيا المتبقين من طائفة الدونمه. وقد بلغ عدد يهود تركيا ثمانين ألفاً عام 1947وتناقص إلى ستين ألفاً عام 1958 وإلى تسعة وثلاثين ألفاً عام 1969 وإلى 19.500 عام 1992. ويعود هذا التناقص إلى عدة عناصر من بينها الهجرة والاندماج وقلةالإنجاب.







  5. #45
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    العثمانيـــون
    The Ottomans
    انظر: «الدولة العثمانية».

    المســـألة الشـــرقية ورجــــلأوربـــا المريـــض
    The Eastern Question and the Sick Man of Europe
    «المسألة الشرقية» ترجمة للعبارة الإنجليزية «إيسترن كويستشن Eastern Question» وهي مصطلح غربي إمبريالي يُجسِّد وجهة النظر الغربية تجاه الدولة العثمانية (التيكان يشار إليها أيضاً باعتبارها «رجل أوربا المريض»)، والمصطلح يحدد النطاق الدلاليومحيط الرؤية بشكل مدهش:

    1
    ـ فالدولة العثمانية عبارة عن مسألة ومشكلةتستدعي الحل، وهذا هو الإجماع الغربي.

    2
    ـ والدولة العثمانية رجل مريض، وهوما يعني أن هناك تركة لابد من تقسيمها وأنه يمكن توظيف هذا الرجل المريض العاجزلصالح من يملك زمام الأمور.

    3
    ـ يخبئ المصطلح المشروع الإمبريالي الغربي أوما نسميه «رجل أوربا النهم» الذي كان قد التهم معظم أنحاء العالم بعد أن انفتحتشهيته في أعقاب اندلاع نيران الثورة الصناعية الرأسمالية (والإنتاجية الاستهلاكية).
    4
    ـ يخبئ المصطلح أيضاً احتمالات الإصلاح من الداخل كما حدث مع محمد عليالذي كان بإمكانه إجراء عملية جراحية لرجل أوربا المريض لشفائه أو لتقسيمه علىورثته الحقيقيين،أي شعوب المنطقة.

    5
    ـ لا يبين المصطلح أن رجل أوربا النهمقد اكتشف أن مصيره (أو على الأقل امتلاء معدته التي لا قرار لها) يتوقف على مدى ضعفالرجل المريض ونهايته.

    ويمكن تقسيم علاقة الرجل المريض بالرجل النهم إلىعدة مراحل، وما يهمنا هو أواخر المرحلة الأولى حينما وصلت القوات العثمانية إلىفيينا عام 1529. ثم وقعت معركة لبانتو (1571) بين الأسطول العثماني والأسطولالإسباني (تسانده الدويلات البابوية والمدن الإيطالية) وتَحطَّم الأسطول العثمانيتماماً. وقد شعرت الجماهير في أوربا بمغزى ذلك النصر وأُقيمت الاحتفالات في لندنالتي لم تكن طرفاً في الموضوع. وفقدت القوات العثمانية زخمها وقوة اندفاعها للمرةالثانية والأخيرة عام 1683 حينما حاصرت القوات العثمانية فيينا وتم صدها، ويرىالبعض أن المسألة الشرقية بدأت منذ هذا التاريخ فبعد هذا التاريخ بدأ التراجعالعثماني (والإسلامي)، وبدأ التقدم الغربي ومحاولة الاسـتيلاء على ممتلكات الدولـةالعثمانية وتقسـيم العـالم الإسلامي. وقد أخذ هذا أربعة أشكال:

    1
    ـ محاولاتالإمبراطورية الروسية والنمساوية توسيع نفوذها وسلطانها على حساب الدولة العثمانية.

    2
    ـ محاولات إنجلترا وألمانيا منع تفكك الإمبراطورية العثمانية حتى تبقىسداً أمام الأطماع الروسية التوسعية.

    3
    ـ ظهور القوميات المستقلة في شبهجزيرة البلقان وحولها ( العرب ـ اليونان ـ رومانيا ـ بلغاريا).

    4
    ـ محاولةاستغلال الدولة العثمانية والنيل من سياستها عن طريق الامتيازات الأجنبية.

    ومن منظور تَطوُّر الصهيونية، ما يهمنا في المسألة الشرقية هو مصير فلسطين.ومن ثم، فإن عام 1841 تاريخ حاسم تم فيه القضاء على محمد علي وفرض السلام الأوربيعلى الشرق!

    مع ظهور محمد علي، طُرحت الإمكانية الحقيقية لإعادة العافية إلىرجل أوربا المريض أو لأن يقوم أصحاب المنطقة بحكمها (ملء الفراغ الناجم عن موتالرجل المريض)، وهو الأمر الذي لم يكن ليقبله رجل أوربا النهم. وقد تبلور المشروعالصهيوني غير اليهودي تماماً، وخرج من دائرة الديباجات الدينية المشيحانية ودخلعالم المشاريع الاستعمارية إذ اكتشف الاستعماريون الإنجليز أن بالإمكان توظيفالمسألة الشرقية في حل المسألة اليهودية وتوظيف المسألة اليهودية في حل المسألةالشرقية. فقد اكتشف الإنسان الغربي أن من الممكن نقل المادة البشرية اليهودية (التيكانت تشكل المسألة اليهودية) إلى فلسطين لتصبح عنصراً منتجاً هناك، يشكل دولةوظيفية تابعة لإنجلترا تستوعب الفائض البشري وتساعد الدولة العثمانية على التماسكلتظل حاجزاً أمام الأطماع الروسية، فالحل الصهيوني للمسألة اليهودية هو نفسه الحلالغربي الاستعماري للمسألة الشرقية. وقد دارت المشاريع الصهيونية الغربية (غيراليهودية) في هذا الإطار.

    ومن هذا المنظور، يمكن أن نرى أن التراجع المستمرللدولة العثمانية، واضطرارها لتقديم التنازلات القانونية الكثيرة (الامتيازاتالأجنبية)، كان يعني اتساع الثغرة التي سمحت للفائض البشري اليهودي بالتسلل. ومنالمعروف أن الدولة العثمانية كانت ترحب بهجرة اليهود إليها منذ عملية طردهم منإسبانيا. ومع تَزايُد تَدخُّل الدول الأجنبية، وتَزايُد الأطماع في فلسطين، بدأتالدولة العثمانية تحاول أن تمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين (مع استمرار فتحالأبواب خارجها). بل فتحت باب الهجرة أمام اليهود إلى فلسطين شريطة أن يتجنسوابالجنسية العثمانية، أي شريطة أن يتحولوا من عنصر استيطاني (قتالي) غريب إلى عنصروطني محلي (وكانت هذه هي السياسة الرسمية حتى عام 1914). وكانت الدول الكبرى تتدخللحمل الدولة العثمانية على السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين وملكية الأراضيفيها، فاضطرت الدولة العثمانية إلى إصدار قرار عام 1867 بمنح الأجانب حق ابتياعالممتلكات في فلسطين، وهو القرار الذي استفادت منه الجمعيات التبشـيرية المسـيحيةوالجماعات الاسـتيطانية المسيحية مثل فرسان الهيكل، كما استفاد منه المستوطنونالصهاينة في مراحل لاحقة. وحينما حاولت الدولة العثمانية منع اليهود من امتلاكالعقارات في فلسطين (عام 1884)، ادَّعت الدول العظمى أن هذا خرق لنظام الامتيازات.وكان قناصل الدول الغربية يستخدمون نفوذهم لتسهيل عملية استيطان اليهود. وحين صدرتقرارات تحرِّم هجرة اليهود (غير العثمانيين) عام 1888 ثم عامي 1891 و1898، عبَّرتالدول الغربية عن استيائها وساعدت المهاجرين على التحايل على هذه القوانين.

    ويمكن أيضاً أن نفهم كثيراً من تحركات الدول الغربية وموقفها من المشروعالصهيوني في ضوء علاقتها بالدولة العثمانية وتصورها لحل المشكلة اليهودية. وعلىسبيل المثال، كانت الدولة الألمانية ترى ضرورة دعم الدولة العثمانية في مواجهةالأطماع التوسعية الروسية، ولذا فإن حماس ألمانيا للمشروع الصهيوني كان فاتراًللغاية رغم التوجه الألماني القوي للمشروع الصهيوني، ورغم أن الزعماء الصهاينةالأوائل كانوا من الناحية الثقافية ألماناً (وهو على كلٍّ لا يختلف عن فتورهم تجاهالمشروع الصهيوني الألماني غير اليهودي: مشروع فرسان الهيكل). ويمكن فهم سلوكإنجلترا في الإطار نفسه، فرغم تحمُّس إنجلترا للمشروع الصهيوني باعتباره آلية مهمةللتخلص من الفائض اليهودي، إلا أن الإمبراطورية الإنجليزية قدمت شرق أفريقياللصهاينة في البداية (لا فلسطين) لأن السياسة الإنجليزية الرسمية كانت معارضةلتقسيم الدولة العثمانية. وحينما اتُخذ قرار التقسيم أثناء الحرب، اتخذ أيضاًالقرار بتأييد تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين ومن ثم صدر وعد بلفور. وانتهتالمسألة الشرقية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية.

    ولا تزال المسألة الشرقية مرتبطة تماماً في ذهن الإنسان الغربي بالمسألةاليهودية الصهيونية، ولا يزال رجل الغرب النهم يستخدم الدولة الصهيونية الوظيفيةلحل مشاكله الشرقية. وقد قامت الدولة الوظيفية في مرحلة تَصاعُد المد القومي العربيبضرب النظم العربية التقدمية. وفي مرحلة النظام العالمي الجديد وتصاعد المد الديني،تطرح الدولة الوظيفية نفسها باعتبارها الآلية التي يمكن عن طريقها حل المسألةالشرقية (الإسلامية) الجديدة!

    الامتيازات الأجنبية
    Capitulations
    «الامتيازات الأجنبية» اصطلاح يشير إلى المعاملة القضائيةوالقانونية الخاصة التي تقررت للأجانب الموجودين في أقاليم الإمبراطورية العثمانيةبمقتضى مجموعة من المعاهدات، كانت من أوائلها المعاهدتان اللتان أبرمتا مع فرنسا (سنتي 1535 و1740) بقصد تيسير التجارة بين رعايا الدولتين وحماية الأجانب من الخضوعلأحكام الشريعة الإسلامية (التي تستند إليها قوانين الدولة العثمانية). ولم تكن هذهالمعاهدات تعاقدية تبادلية، فقد كانت في واقع الأمر تعبيراً عن بداية ضمور الدولةالعثمانية وتَحوُّلها بالتدريج إلى رجل أوربا المريض. وقد نشأت نتيجة معاهداتالامتيازات الأجنبية عدة مراكز أو مستعمرات تجارية تركزت فيها التجارة الدولية فيعدة مناطق من الدولة العثمانية. وقد أسس الفرنسيون معظم هذه المراكز في بدايةالأمر، ولكن لحق البريطانيون بهم في مرحلة لاحقة مع تَزايُد النفوذ البريطاني فيالدولة العثمانية. وكانت أهم هذه المراكز التجارية (سالونيكا والقسطنطينية وسميرناوصيدا وعكا والإسكندرية وحلب والقاهرة والرملة) وهي مدن تضم جماعات يهودية قامأعضاؤها بدور التجار الوسطاء والوكلاء بين البائعين والمشترين، وهو دور اضطلعت بهأعضاء الأقليات الإثنية والدينية كافة وتوارثـوه أباً عن جد، وإن كان يُلاحَظ بـروزدور أعضاء الجماعة اليهودية. وكان الوكلاء التجاريون يحصلون على إذن خاص من الدولةالعثمانية بممارسة هذه الوظيفة، وكانوا يُعفَون من الضرائب. ومن ثم اسـتفاد كثير منالتجـار من هذه الامتيازات وحظوا بحماية الدول الأجنبية. وقد ساهم هذا ولا شك فيعزلهم عن البيئة العربية الإسلامية المحيطة بهم حتى تحوَّلوا إلى جماعة وظيفية تدينبالولاء لقوة تجارية وعسكرية خارجية.

    وكان من أوائل التجار اليهود الذينتمتعوا بالحماية الأجنبية التجار اليهود في حلب الذين كانوا يحملون اسم «الفرانكوس» (أي الفرنجة)، وقد كانوا تجاراً يهوداً أوربيين وفدوا إلى الشام في القرن السابععشر واستقروا فيها، وكانوا جزءاً من الشبكة التجارية اليهودية الدولية الممتدة منبولندا (يهود الأرندا) إلى وسط أوربا (يهود البلاط) وغربها (كبار التجار السفارد)والتي غطت الدولة العثمانية وبعض أجزاء من أفريقيا وامتدت إلى العالم الجديد. وقدظل الفرانكوس تحت حماية الفرنسيين إلى أن أصدر السلطان سليم الثالث خطابات تعيينلهم وأعطاهم مكانة تجار أوربيين تابعين له هو شخصياً.

    ويُلاحَظ أنه ابتداءًمن القرن التاسع عشر، ومع تعَاظُم النهم الاستعماري الغربي، بدأ قناصل الدولالأجنبية يضعون أعضاء الأقليات تحت حمايتهم لأسباب عديدة ليست بالضرورة تجارية.واتسع نطاق نظام الامتيازات بين يهود العالم العربي حتى أن غالبيتهم العظمى أصبحتتتمتع بها ومن ثم كانت موضوعة تحت حماية الدول الأجنبية، كما كان كثير من اليهودالعرب يعملون قناصل للدول الغربية في بلادهم. وقد ورثت الدول العربية التي انفصلتعن الدولة العثمانية نظام الامتيازات.

    ولعــب نظــام الامتيــازات دوراًأسـاسـياً في تسـهيل عمــلية الاستيــطان الصهيــوني التســللي. فيهــود فلسطينكانوا أساساً من السفارد المندمجين في محيطهمالحضاري الإسلامي، وقد حاولت عناصر منالإشكناز الاستفادة من نظام الامتيازات فقاوم السفارد هذه المحاولة في 1822 ـ 1823،وُكلِّلت جهود الإشكناز بالنجاح في عام 1840 بعد فتح قنصلية إنجلترا في الفترة 1838ـ 1839، وبعد إعادة فتح قنصلية فرنسا عام 1843 (بعد أن أُغلقت 130 عاماً). ثم بدأتعملية تغريب اليهود المحليين وتَسلُّل اليهود الأجانب. ومما ساعد على تقوية نفوذالدول الغربية على يهود فلسطين، مؤسسة الحالوقة وهي الأموال التي كان يدفعها يهودالعـالم، الذين كانت غالبيتهم السـاحقة في الغرب، لمساعدة يهود فلسطين. وكانالمستوطنون الصهاينة الإشكناز يتسللون إلى داخل فلسطين بأن يحصلوا على تأشيرة دخولكمواطنين أجانب يتمتعون بحقوق خاصة، ثم يستوطنون في فلسطين ولا يغادرونها. وقد سهللهم القناصل الأجانب هذه العملية.

    ويمكن القول بأن نظام الامتيازاتالأجنبية هو المسئول عن تحويل يهود الدولة العثمانية والعالم الإسلامي ككل إلىجماعات وظيفية تابعة لدول أجنبية وتدين لها بالولاء وتتمتع بحمايتها. وحاولت الدولةالعثمانية التخلص من هذا النظام أو تقليل أضراره دون جدوى إذ أن نظام الامـتيازاتكان جزءاً لا يتـجزأ من الهجـمة الإمبريالية الغربيـة على الشرق، وساعد على إحكامقبضة الإمبريالية على دول العالم العربي وعلى تحويل بنيتها السياسية والاقتصاديةإلى بنية تابعة. وقد أُلغي نظام الامتيازات في مصـر بمقتضـى معاهـدة مونتريه عام 1937 التـي نظمـت فترة انتقالية (بقيت خلالها المحاكم المختلطة) حتى عام 1949.







  6. #46
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    حمـــاية اليهـــود (والأقلـــيات الأخــــرى)
    (Protecting the Jews (and other Minorities
    من أنجح الأساليب التي تتبعهاالدول الاستعمارية الكبرى في تنفيذ مخططاتها ما يُسمَّى «حماية الأقليات». إذ تقومإحدى الدول الكبرى التي لها أطماع في دولة ما بإعلان مسئوليتها عن أقلية تعيش داخلحدود الدولة المستهدفة فتضعها تحت " حمايتها "، أي تتدخل في شئون الدولة التي تعيشالأقلية في كنفها بحجة الدفاع عن مصالح هذه الأقلية. وقد تكون هذه الأقلية دينية (الكاثوليك في لبنان - الأقباط في مصر)، أو إثنية (الدروز في لبنان وسوريا) أوعرْقية دينية (الأرمن في الدولة العثمانية). وتهدف فكرة الحماية هذه إلى إقناعأعضاء أقلية ما بأن مصالحها تختلف عن مصالح محيطها وأن أفضل وسيلة لحماية هذهالمصالح هي التحالف مع الغرب الصديق، أي أن الغرب (عن طريق حماية الأقلية) يحوِّلهاإلى جماعة وظيفية تعمل لصالحه. ومفهوم حماية اليهود مفهوم راسخ في الحضارة الغربية،فاليهود باعتبارهم جماعة وظيفية كانوا قريبين من النخبة الحاكمة التي كانت تمنحهمالمواثيق والمزايا نظير أن يقوموا هم على خدمتها وتحقيق المكاسب لها. وقد بُعثالمفهوم من جديد مع ظهور الصهيونية، فالصهيونية إعادة إنتاج لعلاقة الجماعةالوظيفية بالنخبة الحاكمة وتأخذ شكل علاقة الدولة الوظيفية بالراعي الإمبريالي.

    وحماية اليهود إحدى الآليات التي تم من خلالها تحويل يهود العالم العربي (من يهود محليين ومهاجرين) إلى مادة استيطانية، وهي عملية لم تكن مقصورة على اليهودولا على فلسطين؛ وإنما كانت تضم أعضاء الأقليات الدينية الأخرى وكل الوطن العربي.ولفهم صراع الدول الغربية حول حماية الأقليات، لابد أن ندرس البُعد الديني فيالعملية الاستعمارية الغربية. فالإمبريالية الغربية، شأنها شأن كل الأنساقالعلمانية، وظفت النصوص الدينية كديباجات لتجنيد جماهيرها ولتجييش الجيوش. وبهذاالمعنى، فإننا نتحدث عن البُعد الديني للاستعمار الغربي كتوظيف علماني غير دينيللدين.

    وقد بدأ المشروع الاستعماري الغربي بالاستعمار الكاثوليكي،البرتغالي والإسباني، الذي حقَّق الاندفاعة الأولى التي تم من خلالها استعمارأمريكا الجنوبية. ولكن، بعد هذه الاندفاعة، توقف التشكيل الاستعماري الكاثوليكي إذأن إسبانيا والبرتغال دخل عليهما الجمود وكانت إيطاليا مجزأة، ولم تكن هناك قوةاستعمارية كاثوليكية سوى فرنسا. ولكن الثورة الفرنسية وهزيمة نابليون أدَّت إلىإبطاء المشروع الاستعماري الفرنسي،ولم ينشط مرة أخرى إلا في أفريقيا في ستينياتالقرن الماضي،ولكن ظهور ألمانيا أجهز عليه في السبعينيات وهو ما جعلها ترضى بدورالتابع لإنجلترا إلى حدٍّ كبير.

    ومع تَراجُع المشروع الاستعماريالكاثوليكي، ظهر المشروع الاستعماري البروتستانتي وانتقل مركز الثقل من حوض البحرالأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي. فظهرت هولندا كقوة استعمارية وتبعتها إنجلتراالتي تزايدت قوتها وأصبح لها مركز الصدارة في العالم. وقد زاحمتها ألمانيا بعضالوقت في نهاية القرن التاسع عشر. ولكن ظهور الولايات المتحدة باعتبارها القوةالرأسمالية العظمى رجح كفة التشكيل الأنجلو ساكسوني داخل التشكيل الاستعماريالبروتستانتي. وفي القرن الثامن عشر ظهرت روسيا باعتبارها القوة الاستعماريةالأرثوذكسية. ويُلاحَظ أن التقسيم الثلاثي الديني: كاثوليك ـ بروتستانت ـ أرثوذكس،يقابله تقسيم ثلاثي عرْقي: لاتين ـ أنجلو ساكسون ـ سلاف، وهذا يدل على أن الدين إنهو إلا ديباجة وقشرة رقيقة تغطي المصالح الاقتصادية والرؤى العرْقية. وقد عبَّرالصراع بين القوى الاستعمارية المختلفة بديباجاتها الدينية عن نفسه، فكانت كل دولةتحاول حماية أقلية دينية ما وتحفظ لها حقوقها، وهذا يعني في واقع الأمر وضعها داخلمجال نفوذ الدولة الحامية وتحويلها إلى مادة بشرية تابعة لها. فكانت فرنسا تدعمالكاثوليك وتحميهم، وقامت روسيا بدعم الأرثوذكس. وقد كانوا يظنون أنه، مع سقوطالدولة العثمانية، سيقوم الرعايا الكاثوليك والأرثوذكس بالمطالبة بفلسطين لدولهمالراعية (ولذا حرص الصهاينة على إقناع الإيطاليين والفرنسيين بأن النشاط الصهيونيلن يُعرِّض مصالحهم للخطر).

    لكن أنشط القوى الاستعمارية كانت هي القوةالبروتستانتية (البروسية والإنجليزية). وحيث لم يكن يوجد عرب بروتستانت، كان لابدمن البحث عن أقلية « لحمايتها »، فقام نشاط تبشيري بروتستانتي قوي بين المسيحيينالعرب (الأرثوذكس والكاثوليك) ، وهذه حقيقة ذات مغزى عميق: مجال النشاط التبشيريالغربي الأساسي ليس المسلمين وإنما المسيحيون العرب، كما أن أعضاء الجماعاتاليهودية أصبحوا مرشحين لأن يلعبوا دور الأقلية القابلة للحماية والرعاية.

    وقد نشأ تنَافُس عميق بين الدول الاستعمارية لحماية الأقلية التي تتبعها.ومن ثم زاد عدد اليهود الذين تمتعوا بالحماية الأجنبية في فلسطين مع منتصفالخمسينيات إلى خمسة آلاف، أي أن نصف يهود فلسطين أصبحوا من يهود الحماية (مقابليهود الراية العثمانيين). وقد عملت القنصليات الأجنبية على الحيلولة دون قيامالسلطات العثمانية بتطبيق القوانين التي كانت تهدف للحد من تَدفُّق اليهود علىفلسطين. كما قامت هذه القنصليات بمساعدتهم في عملية التحايل على القانون حتى يمكنهمشراء الأراضي الزراعية.

    وقد ظهر الصراع بين أشكال الاستعمار المختلفة فيعدة حوادث من أهمها حادثة دمشق، وذلك حين وقف القنصل الفرنسي بشكل واضح إلى جانبالكاثوليك السـوريين الذين وجهـوا تهـمة الدم لبعض يهود دمشق، وكان موقف الحكومةالفرنسية من الأمر كله يتسم بالفتور الشديد وعدم الاكتراث بأعضاء الجماعة اليهودية،على عكس موقف الحكومة الإنجليزية التي تحركت وبشكل حاسم لنصرتهم؛ أي نصرة أعضاءالأقلية التي تقوم بحمايتها. وشهد منتصف القرن التاسع عشر حركة لحماية الأقلياتفأنشئت عام 1842 مطرانية القدس البروسية الإنجليزية (أُلغيت الاتفاقية عام 1886 بعدأن قوي المشروع الاستعماري الألماني) وأُسِّست في العام نفسه قنصلية ألمانية كانتتحاول هي الأخرى حماية اليهود. وأُسِّست عام 1850 جمعية إغاثة اليهود البائسين، وفيعام 1852 تم تأسيس جمعية تشجيع العمل الزراعي اليهودي على الأرض المقدَّسـة. وشـهدعام 1865 تأسيس صندوق استكشاف فلسطين.

    وقد استمرت حماية الأقليات حتى بدايةالحرب العالمية الأولى. ففي عام 1914 تدخلت وزارة الخارجية الألمانية لحماية اليهودالروس في فلسطين من الطرد، وقد تُوِّجَت حماية اليهود بصدور وعد بلفور ثم قرارالانتداب وإنشاء الدولة واتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل والولاياتالمتحدة.

    فــارس بعـد انتشـــار الإســـلام
    Persia after the Spread of Islam
    بعد الفتح الإسلامي للمنطقة ودخول الفرس إلىالإسلام، تم دمج أعضاء الجماعة اليهودية في فارس في الإطار الإسلامي الأكبر، وأصبحأعضاء الجماعة تابعين لرئيس اليهود في بغداد الذي كان يُسمَّى «رأس الجالوت (أميريهود المنفى)»، وكانوا يعتمدون على الفتاوى التي تصدرها الحلقة التلمودية فيالعراق. وقد ازدهرت حياة اليهود الثقافية وتأثروا بالمحيـط الإسـلامي وظهر المذهـبالقرّائي تعبيراً عن هـذا التفاعل. وتمتع يهود فارس بحرية الحركة والانتقال التيتمتع بها أهل الذمة آنذاك نتيجة توحيد المنطقة تحت راية الإسلام ولاستتباب الأمنوالأمان.

    ولم يكن وضع اليهود الاقتصادي مختلفاً عن وضع بقية أهل الذمة،فكان منهم النساجون والصباغون وصائغو الذهب والفضة، وكان منهم التجار وتجار الخمور.وظهرت طبقة من التجار اليهود الأثرياء في أصفهان وشيراز والأهواز. وتزايدت أهميةبعض أثرياء اليهود (الصيارفة) ابتداءً من القرن العاشر الميلادي، فكان منهمالجهابذة أي صيارفة البلاط الذين كانوا يُقرضون الوزراء والخلفاء العباسيينوالسلاجقة من بعدهم. وظهر في القرن الثاني عشر الميلادي داود الرائي الماشيَّحالدجال.

    وحينما غزا المغول الدولة الإسلامية، تعاون معهم أعضاء الجماعةاليهودية، وبرز نجم سعد الدولة الذي أصبح وزير مالية الإمبراطور المغولي وظـل يشـغلهـذا المنـصب حتى اغتياله عام 1291. وقد عُيِّن بعده رشيد الدولة الذي أُعدم عام 1318. ثم ظهرت الأسرة الصفوية التي فصلت اليهود عن المحيط الحضاري السني، فدخلواالمحيط الحضاري الشيعي.

    فارس (إيران) منذ حكم الأسرةالصفوية حتى الوقت الحاضر
    Persia (Iran) from the Safavid Dynasty to the Present
    حكمت الأسرة الصفوية، وهي أسرة فارسية إسلامية، بلاد فارس في الفترة 1502 ـ 1736، وجعلت المذهب الشيعي دين الدولة، كما جعلت طبقة رجال الدين الشيعة (الملالي) عمودها الفقري. واتسم حكمها باضطهاد الأقليات، فطُبِّق على اليهودالمفهوم الشيعي الخاص بنجاسة أهل الذمة. وانقطعت العلاقة تماماً بين أعضاء الجماعةاليهودية ورأس الجالوت (المنفى) في بغداد، وأصبحت لهم قيادتهم المحلية.

    وتحت حكم أسرة القاجار (1795 ـ 1925)، زادت عملية قمع اليهود، كما كانالحال في مشهد عام 1839. وقد فُرض الإسلام قسراً على بعض أعضاء الجماعة اليهودية،فتحولوا إلى يهود متخفين، أي أبطنوا اليهودية وأظهروا الإسلام، وأُطلق عليهم مصطلح «جديد الإسلام». وأصبح من حق اليهودي الذي يعتنق الإسلام أن يرث ممتلكات كل أعضاءأسرته الذين ظلوا على دينهم.

    وتَدنَّى وضع اليهود الاقتصادي وازداد إقبالهمعلى صناعة الخمـور، الأمر الذي أدَّى إلى زيادة التـوترات بينـهم وبـين الأغلبيـةالمسلمة. وهذا على عكس وضع اليهود في الدولة العثمانية حيث كان آخذاً في التحسن،الأمر الذي نتج عنه تَزايُد اندماجهم في المجتمع، حتى أن يهود أوربا كانوا يفرون منبلادهم طلباً للسلام والأمن والعدالة في الدولة العثمانية. وفي هذه الفترة، اشتهراليهود في فارس بأنهم يعملون بأمور التسلية والترفيه في بلاط النبلاء، فكان منهمالراقصون ولاعبو السيرك والمغنون.

    وحتى هذا التاريخ، كان أعضاء الجماعةاليهودية يشكلون جزءاً من التشكيل الحضاري الشرقي في فارس. ولكن، مع منتصف القرنالتاسع عشر الميلادي وظهور الإمبريالية الغربية وما صاحب ذلك من تَزايُد نفوذ الدولالغربية في بلاد العالم الإسلامي، بدأت هذه الدول تتدخل في شئون الأقليات الدينيةبحجة حمايتها والدفاع عن هويتها، وذلك لاستخدامها كرأس حربة في مشروعها الاستعماري.وكان يهود العالم الإسلامي من أوائل العناصر التي تَوجَّه إليها الغرب، فأخذتحكومات الغرب تتدخل لصالح يهود إيران كما راحت القيادات اليهودية في الغرب التيتدور في إطار المصالح الغربية، تقابل المسئولين الإيرانيين الذين يزورون العواصمالأوربية وتطلب إليهم تحسين أحوال اليهود. ولعل من أكثر الأمثلة إثارة ما حدث عام 1873 أثناء زيارة الشاه نصر الدين لأوربا، إذ قابله وفد يهودي في برلين في 4 مايو،وآخر في أمستردام في 10 يونيه، وثالث في بروكسل في 17 يونيه، ورابع في لندن (مندوبوالرابطة الإنجليزية اليهودية) في 24 يونيه، وخامس في باريس (الأليانس) في 12 يوليه،وسادس في فيينا في 16 أغسطس، وسابع في القسطنطينية في 20 أغسطس. وحينما كان الشاهفي لندن، اجتمع على انفراد (في قصر بكنجهام) مع السياسي الإنجليزي المتنصردزرائيلي، وهو من أصل يهودي، وكذلك مع سير موسى مونتفيوري زعيم يهود إنجلترا آنذاك.كما اجتمع الشاه في باريس مع أدولف كريمييه الوزير الفرنسي اليهودي، ومع البارونإدموند دي روتشيلد أشهر يهود عصره وأكثرهم ثراءً.

    وثمة واقعة مهمة حدثتأثناء مقابلة الشاه لروتشيلد يتعين التعليق عليها، إذ اقترح الشاه على المليونيراليهودي أن يشتري قطعة أرض يجمع فيها كل اليهود المشتتين ويؤسس مملكة يهودية يصبحروتشيلد ملكاً لها. فضحك المليونير اليهودي ولم يُجب. والواقع أن اقتراح الشاهاقتراح صهيوني يسبق ظهور الحركة الصهيونية، وربما كان تعبيراً عن مُخطَّط إستراتيجيكامن تَكشَّف فيما بعد.

    وبدأ التدخل الأمريكي لصالح يهود إيران عام 1897حين قام القنصل العام الأمريكي في طهران بمحاولة الظهور بمظهر حاميهم والمدافع عنحقوقهم. ومع أوائل القرن الحالي، تظهر في الوثائق الدبلوماسية الأمريكية أول إشارةلأعضاء الجماعة اليهودية في إيران. وفي عام 1918، قامت وزارة الخارجية الأمريكيةبتحويل بعض المعونات الأمريكية اليهودية إلى يهود فارس، ثم استمر يوسف شاؤولكونفلد، وهو حاخام يهودي وممثل للولايات المتحدة في طهران، في التدخل لصالح يهودإيران (عام 1924). وواكب هذا حركة من جانب جماعة الأليانس تمثلت في فتح مدارسيهودية حيث فُتحت مدرسة عام 1898 في طهـران وأخرى في أصـفهان عام 1901 وثالثـة فيشـيراز عام 1903.وبعد الحرب العالمية الثانية، قامت الولايات المتحدة بالمساهمة فيتمويل التعليم اليهودي في إيران.

    وتغيَّر وضع اليهود تحت حكم أسرة بهلوي (1925 ـ 1979)، ومع ظهور الاتجاهات نحو إدخال القيم الغربية والعلمانية، قامتالنخبة الحاكمة الإيرانية بتأكيد أهمية القيم الإيرانية المحلية السائدة في فارسقبل دخول الإسلام لتأكيد العنصر القومي. ومن هنا تغيير اسم الدولة إلى «إيران»،تماماً كما فعل الكماليون في تركيا حينما بعثوا القومية الطورانية المرتبطةبالتاريخ التركي قبل الإسلام. وقد واكب ذلك كله تَزايُد نفوذ أعضاء الجماعةاليهودية في إيران كما يتضح في انتخاب أول يهودي للبرلمان.

    ومع هذا، أدَّىتَزايُد معدلات العلمنة وتعميق النفوذ الغربي إلى ظهور خطرين أساسيين: أولهماالتبشير وثانيهما البهائية، فيُلاحَظ أن البعثات التبشيرية المسيحية التي نشطتآنذاك في العالم الإسلامي زادت من نشاطها بين اليهود فقامت ببناء المدارس لأبناءأعضاء الجماعة ووفرت لهم الكثير من النشاطات الاجتماعية حتى تيسر تنصيرهم إلى حدٍّما وتَحقَّق شيء من النجاح في هذا المجال.

    ولكن التحدي الأكبر كان البهائيةالتي رحب أعضاء الجماعة اليهودية بظهورها باعتبارها سبيل الخلاص لهم. وقد كرس أحدأتباع بهاء الله، ميرزا أبو الفضل، كل جهوده للتبشير بالبهائية بين اليهود، وقامبتفسير بعض آيات العهد القديم، وخصوصاً سفر أشعياء (الإصحاح التاسع) ودانيال (الإصحاح السابع)، للبرهنة على صدق العقيدة البهائية. وتُرجمت بعض المقطوعاتالمختارة من النصوص البهائية إلى العبرية، الأمر الذي ساهم في ذيوع الأفكارالبهائية بين اليهود. وقد نجحت البهائية في اجتذاب أعداد كبيرة من اليهود إلىصفوفها. وربما يكون التركيب الاجتماعي للبهائيين، الذي كان مقارباً إلى حدٍّ ماللتركيب الاجتماعي لليهود، قد ساهم في هذه العملية.

    ويُلاحَظ أن معرفة يهودإيران باليهودية كانت ضعيفة إلى حدٍّ ما بسبب انفصالهم عن المراكز الرئيسيةلليهودية في العالم، وبسبب عدم وجود حاخامات مدربين التدريب الديني اللازم. فقدكانوا لا يعرفون تمائم الصلاة (تيفلين)، كما كانوا يتبعون عادات دينية لا تعرفهااليهودية الحاخامية مثل الحج إلى قبر إستير وموردخاي (في حمدان) وقبر دانيال (فيسوسة) وغيرهم من شخصيات العهد القديم التي يزعم يهود فارس أنهم مدفونون فيها.

    ويُلاحَظ كذلك أن يهود فارس يتحدثون بعدة رطانات هي عبارة عن اللغة أواللهجة السائدة في المنطقة التي عاشوا فيها، في مرحلة تاريخية سابقة، مضافاً إليهابضع كلمات عبرية. وهذه الرطانات تفيد علماء اللغة إذ تحتفظ بصيغ لغوية مندثرة. وإلىجانب الجماعة اليهودية الفارسية، وُجدت جماعة يهودية كردية في المنطقة التي يعيشفيها الأكراد داخل حدود إيران. ولكن لم تقم مؤسسات لتشرف على شئون الجماعة بسببالخلافات الدائمة بين أعضائها.

    وقد بلغ عدد يهود إيران عام 1948 نحو 95ألفاً. ومع هجرة يهود البلاد العربية إلى إسرائيل، أصبحت الجماعة اليهودية في إيرانأكبر جماعة يهودية في الشرق، وبلغ عدد أعضائها ثمانين ألفاً عام 1968 من مجموعالسكان البالغ عددهم آنذاك خمسة وعشرين مليوناً. وبعد نشوب الثورة الإيرانية في عام 1979، تناقص عددهم إلى ثلاثين ألفاً في حين زاد عدد سكان إيران إلى ما فوق الأربعينمليوناً، وبلغ عددهم ستة عشر ألفاً عام 1992. ويتركز يهود إيران في المدن، وخصوصاًفي طهران. ففي عام 1948، كان 60% منهم يعيشون في طهران وأصفهان وشيراز، ثم زادتالنسبة إلى 72% عام 1968. وقد هاجرت أعداد كبيرة من يهود إيران إلى إسرائيل حاملينمعهم ممتلكاتهم من السجاد الإيراني الذي تعتبره إيران ضمن ثروتها القومية. ولكنيُلاحَظ أن أعداداً كبيرة منهم تنزح من إسرائيل وتستقر في الولايات المتحدة،وخصوصاً في كاليفورنيا.










  7. #47
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    البابالرابع: العالم العربي منذ القرن التاسع عشر



    الجماعات اليهودية في العالم العربي منذ منتصفالقرن التاسععشر : تعداد
    The Jewish Communities in the Arab World since the Mid-Nineteenth Century: Numbers
    يُلاحَظ أنه، مع بداية العصور الوسطى فيالغرب، كان يهود العالم الإسلامي يشكلون أكثر من نصف تعداد يهود العالم. إلا أنعددهـم أخذ في التناقـص حتى أصبحوا يشكلون أقلية لا تتجاوز 10%. وهذا يرجع إلىالأسباب التالية:

    1
    ـ تحوَّل كثير من اليهـود عن اليهـودية الحاخامية إلىاليهودية القرّائية، وهي شكل من أشكال اليهودية التوحيدية تأثر بالإسلام. ويبدو أنأعداداً كبيرة من القرّائين اعتنقوا الإسلام، وهو ما أثر في وجود اليهود العددي.ولا تُوجَد دراسات إحصائية عن هذا الأمر، ولكن من الصعب تفسير اختفاء اليهودالقرّائين وتَناقُص عددهم دون اعتبار اعتناق الإسلام كسبب أساسي.

    2
    ـتَراجُع العالم الإسلامي ككل، وهو ما أدَّى إلى نزوح كثير من اليهود عنه.

    3
    ـ يُعَدُّ الريف مصدراً دائماً للزيادة السكانية. ولما كان يهود البلاد الإسلاميةمن سكان المدن، فلم تكن هناك مصادر لزيادة أعدادهم، ولهذا أخذت أعدادهم في التناقص.

    وفيما يلي عدد يهود العالم العربي قبل أن تحدث التغييرات العددية الكبرىبعد عام 1950:

    البلـــد / عـدد الســكان اليهود عام 1950


    مصر / 75.000

    العراق / 120.000 (110آلاف حسب باتاي)

    لبنان / 6.700 (6 آلاف حسب باتاي)

    سوريا / 6.000 (13 ألفًاحسبباتاي)

    البحرين / 400

    حضرموت / 2.000

    اليمن / 8.000 (غيرمؤكد ، 50 ألفاً حسب باتاي)

    عدن / 1.200

    ليبيا / 14.000 (38 ألفاًحسب باتاي)

    تونس / 100.000

    الجزائر / 120.000 (130 ألفاً حسبباتاي)

    المغرب / 225.000 (العدد الكلي حسب باتاي)

    مراكش الإسبانية / 14.700 (عام 1940)

    طنجة / 7.000

    ويُلاحَظ أن نسبة السكاناليهود إلى التعداد العام في كل بلد كانت ضئيلة جداً.أمـا في عامي 1958 و1969، فقـدكانت الأعـداد كالتالي:

    البلـــد / عام 1958 / عام 1969

    مصر / 40.000 / 1.000

    العراق / 6.000 / 2.500

    لبنان / 6.000 / 3.000

    سوريا / 5.000 / 4000

    اليمن / 3.500 / ــــــ

    ليبيا / 3.750 / 100

    تونس / 85.000 / 10.000

    الجزائر / 140.000 / 1.500

    المغرب / 200.000 / 50.000

    وبناءً على هذا الإحصاء، كانعدد الجماعات اليهودية في العالم العربي عام 1950 يتراوح بين 650 ألف و800 ألف.وهنا ينبغي أن نتوقف قليلاً عند المُصطلَح الذي نستخدمه: هل ينطبق مُصطلَح «يهودالبلاد العربية» على اليهود العرب وغير العرب المقيمين في البلاد العربية حتى لوحملوا جنسيات أجنبية، أم يجب أن نقصر استخدام المُصطلَح على اليهود حاملي الجنسياتالعربية المختلفة، والذين ينتمون إلى التشكيل الحضاري العربي الإسلامي، أي إلىاليهود المستعربة؟ الواقع أننا حين نتحدث عن مسيحيي البلاد العربية نتحدث عن عربيؤمنون بالمسيحية، ولا يرد لنا على بال أن نضع ضمن هذه المجموعة أعضاء الإرسالياتالمسيحية الغربية لمجرد أنهم يقيمون في البلاد العربية. ومن المستحسن أن نميِّز بين «يهود البلاد العربية» من جهة و«اليهود العرب» أو «العرب اليهود» من جهة أخرى.والعدد 800 ألف يشير إلى يهود البلاد العربية، أما العرب اليهود فعددهم أقل من ذلكبكثير، إذ يجب أن نستبعد من هذا الرقم الأغلبية الساحقة من يهود الجزائر ومصر الذينكانوا يحملون جنسيات أجنبية، وإذا طرحنا عددهم يكون الباقي هو 600 ألف تقريباً. أمابالنسبة إلى الباقين، فيمكننا أن نستبعد من هذا العدد نسبة 25 ـ 30% من عدد أعضـاءالجمـاعات اليهودية باعتبارهم أجانب، فنسبة اليهود الأجانب إلى اليهود المستعربةكانت كبيرة جداً في طنجة والمغرب الإسبانية وتونس، بل كانت تقترب من نسبتهم فيالجزائر ومصر، ولكنها كانت أقل في المغرب. وهذه البلاد تضم 346.500، أي أكثر من 50%من العدد الباقي. وتقل نسبة اليهود الأجانب بقدر أكبر في العراق، حيث كان يوجد 120ألفاً، وتكاد تنعدم في اليمن وعدن وهي بلاد تضم بضعة آلاف وحسب.

    ويُلاحَظتَركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في المدن بسبب اشتغالهم بالمهن وتركزهم في قطاعاتاقتصادية بعينها. فيهود العراق الذين بلغ عددهم 118.000عام 1947 تَركَّز منهم فيبغداد 77.542. كما كانت تُوجَد نسبة مرتفعة منهم في البصرة والموصل، أي أن معظميهود العراق كانوا من سكان المدن، مع العلم بأن هذا يستبعد يهود كردستان البالغعددهم 18 ألفاً. والوضع نفسه ينطبق على مصر، ففي إحصاء 1937 بلغ عدد يهود مصر 63.550 كانت تعيش أغلبيتهم (59 ألفاً) في القاهرة والإسكندرية، منهم 34.103 فيالأولى و24.290 في الثانية. وبقيتهم موزعة على مدن صغيرة مثل المنصورة وطنطاودمنهور. وفي عام 1947، كان 96% من يهود مصر في القاهرة والإسكندرية. أما فيالمغرب، فيعيش 80% من اليهود في مراكز حضرية مثل الدار البيضاء والباقون موزعون علىمدن أخرى مثل مراكش وفاس.

    وقد أخذت الجماعات اليهودية في العالم العربي فيالاختفاء بعد عام 1950 حتى لم يبق سوى بضع مئات في بلد مثل مصر والعراق وعدة آلاففي المغرب، وذلك للأسباب التالية:

    1
    ـ ظهور الاقتصـاد الوطني الذي ضـيَّقالخنـاق على العناصر الأجنبية، وكانت نسبة كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية لاتحمل جنسية عربية، وخصوصاً أن الاقتصاد الوطني الجديد تلعب الدولة فيه دوراًكبيراً.
    2
    ـ ظهور طبقة تجارية ومالية وطنية بدأت تلعب دوراً اقتصادياًنشيطاً وشكلت منافسة قوية وخطيرة للعناصر التي كانت مهيمنة من قبل، كما أن ظهورالدول القومية لعب دوراً مماثلاً.

    3
    ـ ظهور الدولة الصهيونية بما خلقته منمشاكل خاصة بولاء يهود البلاد العربية،وهجرة أعداد كبيرة منهم إلى العالم الغربيوإسرائيل.

    ويصل عدد يهود البلاد العربية حسب إحصاء عام 1986 إلى 26.900، أما عام 1992 فيصل عددهم إلى 13.200على النحو التالي:

    البلـــد / عام 1986 / عام 1992

    المغرب / 17.000 / 7.500

    سوريا / 4.000 / 1.200

    تونس / 3.700 / 2.000

    اليمن / 1.200 / 1.600

    الجزائر / 300 / 300

    لبنان / 250 / 200

    مصر / 250 / 200

    العراق / 200 / 200

    المجموع / 26.900 / 13.200

    وكما نرى، بلغ العدد الإجمالي عام 1986 نحو 27 ألفاً إن أضفنابضعة أفراد في ليبيا والسودان وغيرهما من البلاد. وقد انخفض هذا العدد إلى النصفتقريباً في غضون ستة أعوام. وكل هذا يعني أنه لن يوجد في القرن القادم يهود في أيٍمن أنحاء العالم العربي. لكن هذه ليست ظاهرة مقصورة عليه حيث يتوقع الدارسون لأسبابمختلفة أن يختفي أعضاء الجماعات اليهودية من أوربا الشرقية وإنجلترا وأمريكااللاتينية وأن تختفي البقية الباقية في الهنـد، وهــي ظاهـرة يُطلَق عليها مُصطلَح «موت الشعب اليهودي».

    الجماعـــات اليهـــودية فــيالعـــالم العـــربي: نمــــط الهجــــرة
    The Jewish Communities in the Arab World: Pattern of Migration
    تدخل هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في العالمالعربي في إطار هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في العالم في العصر الحديث، وهي هجرةمن البلاد الأقل تقدماً من الناحية الاقتصادية إلى البلاد الأكثر تقدماً، ومنالبلاد التي تلعب فيها الدولة دوراً اقتصادياً كبيراً إلى بلاد المشروع الحر حيثيمكنهم تحقيق قدر أكبر من الحراك الاجتماعي. وقد لاحظنا أن الهجرة اليهودية فيالعصر الحديث تشكل جزءاً لا يتجزأ من حركة الاستيطان الغربي (وخصوصاً الأنجلوساكسوني). ولكن يُلاحَظ أن يهود البلاد العربية كانوا يضمون بينهم أعداداً كبيرة منالسفارد المتأثرين بالثقافة اللاتينية. كما أن الأليانس، حينما قامت بعملية صبغلأعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي بصبغة تغريبية، صبغتهم أيضاً بصبغةفرنسية لاتينية. ويُلاحَظ أن معظم العناصر الثرية وأعضاء النخبة بين يهود البلادالعربية هاجروا إلى فرنسا أو الولايات المتحدة أو أمريكا اللاتينية. وهم برفضهمالهجرة إلى إسرائيل يتبعون النمط المذكور نفسه إذ أن مثل هذه الهجرة لا تحقق حراكاًلهذه الشريحة من أعضاء الجماعة بينما يمكن تحقيق هذا الحراك في البلاد الغربيةالمتقدمة. ولذا، نجد أن حركة هجرة يهود البلاد العربية تتجه أساساً إلى فرنساوأحياناً أمريكا اللاتينية. ولكن العدد الأكبر اتجه إلى إسرائيل، أي أنها هجرة إلىبلد استيطاني لتحقيق قسط أكبر من الحراك الاجتماعي، هجرة من بلاد أقل تقدماً إلىبلد أكثر تقدماً، ومن بلاد بدأ يظهر فيها اقتصاد قومي أو اشتراكي إلى بلاد فيهامجال أكبر للمشروع الحــر.

    وقد هاجر يهود الجزائر كلهم إلى فرنسا، كما هاجرإليها كثير من يهود تونس ومعظم يهود مصر، وكذلك الجزء الأكبر من يهود المغرب. ويبينباتاي أن عدد يهود المغرب كان عام 1947 نحو 280 ألفاً. فإذا أخذنا في الاعتبارالزيادة الطبيعية ونسبتها 1.8%، يمكن القول بأن بين الـ 250 ألف يهودي مغربي ممنهاجروا خلال الفترة 1947 ـ 1969 نحو 117 ألفاً ذهبوا إلى إسرائيل.

    ويرىالبعض أن أكبر دليل على انتماء يهود البلاد العربية لبلادهم هو الدور الصغير الذيلعبوه في الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين. والواقع أنَّنا لا نجد بين العدد 460ألفاً الذين دخلوا فلسطين بين عامي 1919 و1948 سوى 42 ألفاً قدموا من البلادالعربية والإسلامية، أي 9% من الهجرة العامة والتي شكَّل الإشكناز النسبة الكبرىمنها. ولكننا إذا أخذنا بالعدد الذي يقدر يهود العالم بنحو 16 ـ17 مليوناً ويهودالبلاد العربية بنحو 800 ألف، فإننا نجد أنهم كانوا يشكلون 5 ـ 6% من مجموع يهودالعالم، وبالتالي تكون نسبة 9% من حاصل الهجرة اليهودية نسبة عالية للغاية مقارنةبالهجرة من أوربا.


    هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربيوتركيا وإيران


    البلد / 1948-1951 / 1952-1954 / 1955-1957 / 1958-1960 / اجمالي48-1960

    المغرب / 30.750 / 15.903 / 70.053 / 9.236 / 125.942

    الجزائر / 1.523 / 396 / 2.483 / 529 / 4.931

    تونس / 13.139 / 5.902 / 15.267 / 2.149 / 36.475

    ليبيا / 30.482 / 1.609 / 198 / 94 / 32.383

    مصر / 16.508 / 3.203 / 14.562 / 1.051 / 35.328

    اليمن / 45.199 / 698 / 10 / 55 / 45.962

    عدن / 3.155 / 151 / 7 / 95 / 3.408

    سوريا ولبنان / 2.898 / 461 / ـــــ / ـــــ / 3.359

    تركيا / 34.213 / 861 / 2.650 / 1.316 / 39.040

    العراق / 121.512 / 1.382 / 361 / 233 / 123.488

    إيران / 24.804 / 5.750 / 2.035 / 7.230 / 40.061

    الإجمالي / 324.183 / 36.316 / 107.626 / 22.230 / 490.359

    ولكن الأرقام هنا مضللة لأنها تتعامل ليس مع العرب اليهود (أياليهود المحليين) وحسب وإنما تتعامل أيضاً مع يهود البلاد العربية ككل (أي اليهودالوافدين من الغرب). ولو أن أرقام الهجرة فرَّقت بين اليهود المحليين من حامليالجنسيات العربية واليهود من حاملي الجنسيات الغربية، لوصلنا إلى نتائج مغايرةقليلاً. وعلى كلٍّ، فإن هذه المناقشة أصبحت مجرد مناقشة أكاديمية إذ أنَّ تأسيسالدولة الصهيونية خلق حركية ضخمة ابتلعت كل يهـود العـالم العربي، المحليين منهــموالوافـدين، وأدَّت إلى اختــفائهم تماماً، باستــثناء المغـرب التي هاجـر معظــمأعضاء الجماعة اليهودية بها إلى الكيان الصهيوني وبقيت فيه أقلية يهودية آخذة فيالتناقص.

    ومن المفارقات التي لها أعمق الدلالة أن يهود البلاد العربيةكانوا يُشكّلون أقلية صغيرة جداً لا أهمية لها بالنسبة ليهود العالم، وأصبحوا الآنيشكّلون أغلبية سكان إسرائيل. وأكبر المجموعات التي هاجرت هي يهود المغرب، إذ يوجدفي الدولة الصهيونية 480 ألف يهودي من المغرب أو من أصل مغربي و125 ألف يهودي منتونس والجزائر و78 ألفاً من ليبيا، أي أن هناك 682 ألف يهودي من المغرب العربي، وهميشكلون 20% من يهود المستوطَن الصهيوني. ومن أهم الشخصيات اليهودية من أصل مغربي فيالمؤسسة الحاكمة أهرون أبو حصيرة الوزير السابق ورئيس حزب تامي، والحاخام عوفيديايوسف، وديفيد ليفي أحد أقطاب حزب الليكود.أما اليهود من أصل عراقي فإن عددهم يبلغ 129.499، ومن أشهرهم شلومو هليل. ويوجد 245 ألف يهودي يمني أو من أصل يمني: (49.500من مواليد اليمن و161.100 ولدوا لآباء يمنيين و35 ألفاً كانوا في فلسطين عام 1948).ويهود اليمن هم الوحيدون الذين كانت تُوجَد منهم أعداد كبيرة نسبياً في المستوطَنالصهيوني قبل عام 1948، فلقد أراد المستوطنون الصهاينة أن يحلوا معضلة العمل العبريباستخدام يهود في الاقتصاد الصهيوني الاستيطاني، ولكنهم لم يجدوا العمالة الكافيةبين يهود أوربا، فاستوردوا يهود اليمن. ويُوجَد إلى جانب ذلك بضعة آلاف من سوريا،وانضم إليهم 130 ألف يهودي من إيران و100 ألف يهودي كردي.

    وقد سمحت المغرب،كما سمح العراق، لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بالعودة، فعادت أعداد لا يُعتَدبها إحصائياً رغم دلالتها. وتكمن أهمية القرّار في أنه ضربة في الصميم لأسطورةالشرعية الصهيونية التي تطرح فكرة اليهودي الخالص الذي لا ينتمي إلا لوطنه اليهودي،إذ أنَّ القرّار العربي يؤكد عروبة هؤلاء اليهود وانتماءهم وانتماء كل أعضاءالأقليات العربية إلى وطنهم العربي.






  8. #48
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    الجماعات اليهودية فيالعالم العربي: الانقسامات الدينية والعرْقية
    The Jewish Communities in The Arab World: Religious and Ethnic Divisions

    مع منتصف القرن التاسع عشر، ومع
    بداية تفكك الدولة العثمانية ودخول الدول العربية في الدائرة الاستعمارية، لم يكنأعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي يُشكِّلون وحدة دينية أو ثقافية أولغوية. ويمكن تقسيم الجماعات اليهودية على النحو التالي:

    1
    ـ اليهودالمستعربة الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى التشكيل الحضاري العربي الإسلامي.ويمكن أن نصنف يهود اليمن ضمن هؤلاء رغم خصوصيتهم التي تميِّزهم عن بقية اليهودالمستعربة.

    2
    ـ يهود السفارد الذين يتحدثون اللادينو.

    3
    ـ يهودالإشكناز الذين يتحدثون اليديشية.

    4
    ـ يهود الغرب الذين يتحدثون لغاتبلادهم المختلفة: فرنسية وإنجليزية وألمانية.

    5
    ـ يهود البربر في جبالالأطلس ويتحدثون اللغات البربرية المختلفة.

    6
    ـ يهود كردسـتان في العـراقوإيران الذين يتحـدثون الكردية والآراميـة. وكان بعضهم يتحدث العربية، ولذا كانوايُعدُّون من اليهود المستعربة.

    وقد عبَّر عدم التجانس هذا عن نفسه في شكلصراع بين الجماعات اليهودية المختلفة. وفي المغرب، كان اليهود السفارد الوافدون إلىالمغرب يشيرون إلى اليهود الأصليين على أنهم «توشافيم»، أي سكان أصليون أو محليون،وهي عبارة تحمل بعض الإيحاءات القدحية. وكان اليهود الأصليون يشيرون بدورهم إلىالوافدين باعتبارهم «مجوراشيم»، أي المنفيين أو المنبوذين! وكان يهود صنعاء فياليمن ينظرون بعين الاحتقار إلى يهود الجبال ويعتبرونهم أدنى مرتبة منهم. كما لميكن الفريقان يتزاوجون فيما بينهم. وفي مصر، كان السفارد والإشكناز ينظرون إلى يهودمصر المستعربة بشيء من التعالي. كما كان السفارد يشيرون إلى الوافدين الجدد منالإشكناز على أنهم «شاخت»، أي الأشرار، بسبب تَورُّط عدد كبير منهم في الأنشطةالمشبوهة، وخصوصاً الدعارة، وقد كانوا ينظرون إليهم بقدرٍّ كبير من التعالي. وهذهالمواقف كانت في معظم الأحوال انعكاساً لمواقف مشابهة في المجتمع وسائدة بين أعضاءالأغلبية. وقد نشب الصراع الحاد بعد ذلك بين دعاة الصهيونية وأعدائها. والواقع أنَّانقسام يهود البلاد العربية كان بارزاً في الإطار التنظيمي حيث لم يكن يتسم بأيةمركزية أو وحدة إلا إذا قامت الدولة بفرضه كما حدث في مصر.

    وكان أعضاءالجماعات اليهودية المستعربة مندمجين حضارياً في المحيط الثقافي العربي الإسلاميلكل جماعة. فكان يهود المغرب مغاربةً أو بربراً لهم نفس فلكلور المغاربة أو البربرونفس المستوى الثقافي والحضاري، فكانوا يزورون أولياء اليهود، بل هناك حالات كثيرةكان فيها المسلمون واليهود يتبركون بوليّ واحد ويقومون بزيارته. وقد طلبت حكومةفيشي الموالية للنازي من الحكومة المغربية تسليم أعضاء الجماعات اليهودية للنازيلإبادتهم كما حدث مع أعداد كبيرة من يهود فرنسا. ولكن العاهل المغربي محمد الخامستصدَّى لهم، وهو ما أدَّى إلى نجاة الجماعة اليهودية من خطر الإبادة. والشيء نفسهينطبق على يهود ليبيا والجزائر ومصر وغيرها من البلاد العربية، فكان يهود مصريزورون مقام سيدي أبو حصيرة الذي كان يزوره معهم المصريون من المسلمين والمسيحيين.وكان يهود متماته في جبال الأطلس بتونس يعيشون في الكهوف مثل المسلمين. ولكن كانهناك بالطبع العناصر اليهودية غير العربية التي كانت مرتبطة أساساً بالتشكيلالحضاري الغربي ثم الاستعماري. وكان السفارد ضمن هذه العناصر. وكذلك، بطبيعة الحال،الإشكناز الذين استوطنوا في العالم العربي مع تَزايُد النفوذ الغربي ومع تَعثُّرالتحديث في روسيا ابتداءً من عام 1882.

    وقد ترك وصول يهود الغرب (الإشكنازوالسفارد) آثاراً متنوعة من منطقة إلى أخرى. ففي المغرب، اندمج يهود المدن الساحليةمع السفارد، واصطبغوا بالصبغة السفاردية. أما في المدن الداخلية، فقد احتفظ اليهودبصبغتهم العربية أو البربرية، بحيث كانوا 36.8% من السفارد و30.5% من العرب و6.95%من البربر (في نهاية القرن التاسع عشر). أما في الجزائر، فقد حدث العكس إذ تماستيعاب السفارد ضمن السكان الأصليين، وأصبح الجميع يهوداً مستعربة. ثم انضم إليهمفي القرن السابع عشر الميلادي نخبة سفاردية من ليجورن (وقد سميت «جورينيم») قامتبدور الجماعة الوسيطة. وفي تونس، انقسمت الجماعة اليهودية إلى التوانسة وهم اليهودالمستعربة، والجرانا أو الغرانا وهم السفارد من غرناطة، والجورينيم من ليجورنأيضاً.

    ومن الناحية الدينية، ينقسم اليهود إلى:

    1
    ـ يهود حاخاميينيؤمنون بالتوراة والتلمود، وهؤلاء كانوا هم الأغلبية. ومعظم هؤلاء كان يتبع النهجالسفاردي، وكان بعضهم يتبع النهج الإشكنازي، وكان لكل فريق معابده المستقلة.

    2
    ـ يهود قرّائين، وكانوا يوجدون أساساً في مصر حيث بلغ عددهم عام 1947 نحو 3.486 (مقابل 62.153 يهودي حاخامي).

    3
    ـ يهود سامريين.

    4
    ـ يهودلادينيين وعلمانيين.

    ويبدو أن التيارات اليهودية الدينية الجديدة (وهيأساساً تيارات إشكنازية)، مثلها مثل اليهودية الإصلاحية والمحافظة وغيرها، لم تجدطريقها إلى العالم العربي.

    وكان اليهود يختلفون في درجة تَمسُّكهم بتعاليمدينهم حسب معدلات العلمنة الموجودة في مجتمعهم. فكان مدى تَمسُّك يهود مصرباليهودية يختلف عن مدى تمسك يهود اليمن الذين كانوا معزولين عن العالم ومشهورينبتمسكهم بتعاليم دينهم كما يتضح في طريقة قصهم شعر رأسهم وتركهم السوالف وإطلاقهماللحى. وقد نشبت صراعات دينية بين أعضاء هذه الفرق، وخصوصاً بين الحاخاميينوالقرّائين والسامريين، بحيث كان لكل فرقة دينية معبدها وحاخامها وتنظيماتها.

    لقد ضمنت دساتير العراق ومصر والمغرب وغيرها من الدول العربية لليهودالمساواة في الحقوق الدينية والسياسية والاقتصادية. وكان لكل جماعة يهودية مدارسهاوصحفها، العربية والإنجليزية والفرنسية، ومحاكمها (إلى أن أُلغيت المحاكم الشرعيةفي بعض الدول #########. وكان تنظيم الجماعة اليهودية (الذي كان يترأسه شخص يُقال لهالناسي أو الحاخام الأكبر) يشبه منصب بطريرك الأقباط في مصر يساعده مجلس أو لجانمعيَّنة أو منتخبة تشرف على كل الشئون الاجتماعية للجماعـة التي لا تندرج تحـتنفـوذ أو سـلطان الدولة. وفي معظم الأحيان، كانت كل جماعة يهودية سفاردية أوإشكنازية أو مستعربة... إلخ تحتفظ باستقلالها عن الجماعات الأخرى، ولكن كان يتمالتنسيق بين هذه الجماعات أحياناً بحيث تعترف كلها بسلطة مركزية واحدة كما حدث فيمصر.

    ويُلاحَظ أن ظاهرة الجيتو الغربية ليس لها نظير في العالم العربي إلافي المغرب حيث كان اليهود يعيشون في حي خاص بهم يُسمَّى «الملاح»، والكلمة مشتقة منكلمة «ملح» ولا يُعرَف السبب هذه التسمية على وجه التحديد، وإن كان يُقال إنه سُميكذلك لأنه بعد تنفيذ حكم الإعدام في أعداء السلطان كان رأس المعدوم يُفصَل عن جسدهثم يتم تمليحه حتى لا يصاب بالتلف عند عرضه على الجمهـور، كما وردت تفسـيرات أخـرىلا تقل طرافة عن هذا التفسير. أما حارة اليهود، فلم تكن جيتو بأي معنى، وإنما كانتمجرد مكان يتركز فيه أعضاء الجماعة نفسها كما يحدث في الولايات المتحدة على سبيلالمثال.

    الجماعات اليهودية في العالم العربي: تحولهاإلى عنصر استيطاني
    The Jewish Communities in the Arab World: Their Trans- formation into a Colonial Settler Element
    بعد أن نجحت الدول الغربية فيالقضاء على تجربة محمد علي في النهضة القومية في مصر والعالم العربي، وفي إصلاحالدولة العثمانية ككل، تعاظم النفوذ الغربي في العالم العربي وتراجعت الدولةالعثمانية التي أخذت تتنازل للقوى الغربية بالتدريج. وقد أخذ هذا شكل قوانينالامتيازات وحماية الأجانب. وانتهى الأمر إلى القضاء على الدولة العثمانية واقتساممعظم أجزاء العالم العربي بين الدول الغربية، فأصبحت العراق ومصر والسودان وفلسطينوعدن وبعض دول الخليج تابعة للإنجليز، وتونس والجزائر والمغرب وسوريا ولبنانلفرنسا، وليبيا لإيطاليا، وأجزاء من المغرب لإسبانيا. وقد تَكرَّس هذا الوضعبانتهاء الحرب العالمية الأولى. وحاول الاستعمار الغربي في العالم العربي الإسلاميأن يوسع رقعة نفوذه بين السكان عن طريق فرض الحماية على أعضاء الأقليات وإعطائهمحقوقاً ومزايا لم تكن متاحة لأعضاء الأغلبية بحيث تتحول الأقلية إلى جيب سكانيترتبط مصالحه وتطلعاته بالقوى الاستعمارية الحامية وتتحول هي إلى جماعة وظيفيةوسيطة بين القوة الاستعمارية والسكان المحليين، وكانت هذه العملية تسمى عملية «حماية» الأقليات، وهذا هو النمط الذي يسم علاقة إسرائيل بالعالم الغربي ويسم موقفالحضارة الغربية من اليهود عبر تاريخها. ويبدو أن عملية حماية الأقليات أول شكل منأشكال الاستعمار الاستيطاني عن طريق تحويل أقلية محلية مندمجة إلى عنصر غريب يدينبالولاء لقوة غربية غريبة! ولعبت المؤسسات اليهودية الغربية، وخصوصاً الأليانس ذاتالاتجاه الصهيوني، دوراً أساسياً في ذلك. فأسست الأليانس سلسلة من المدارس في كلأنحاء العالم العربي والإسلامي دخلها أبناء اليهود من الجماعات كافة سواء المحليةأو الوافدة. ولم يتعلَّموا في هذه البلاد لغة بلادهم (######### وإنما تعلَّمواالفرنسية أساساً ولغات أوربية أخرى، وهو ما أدَّى إلى صبغ معظم أعضاء الجماعةاليهودية بصبغة غربية فرنسية فاقعة وإلى عزلهم عن بني أوطانهم وتهميشهم من الناحيةالثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ويُلاحَظ الانجذاب الشديد ليهود البلاد العربيةإلى فرنسا والثقافة الفرنسية، بما في ذلك يهود مصر التي كانت مستعمرة إنجليزية،ويهود ليبيا وكانت مستعمرة إيطالية. ولهذا، اتجه أغلبهم بعد الهجرة من البلادالعربية إلى فرنسا أو إلى القسـم الفرنسـي في كنـدا، أو إلى أمريكا الجنوبيـة ذاتالثقافـة اللاتينية.

    ومما عمق هذا الاتجاه نحو التهميش الاقتصادي والثقافي،وجود عناصر يهودية وافدة من الغرب كان يفوق عددها أحياناً عدد اليهود المحليين.فعدد يهود مصر، على سبيل المثال، في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كان بين ستةآلاف وسبعة آلاف. وفي عام 1897، بلغ عددهم خمسة وعشرين ألفاً نصفهم من الأجانبالوافدين. وفي عام 1917، بلغ عددهم 60 ألفاً 58% منهم من الأجانب. ومع حلول عام 1947، أي عشية إنشاء الدولة الصهيونية، كانت نسبة المصريين بين أعضاء الجماعةاليهودية لا تتجاوز 20%. وفي دمشق وحلب، كان نصف اليهود «سنيوريس فرانكوس»، وهيعبارة أسبانية تعني «الأسياد الفرنجة»، وهو ما كان يعني أنهم وافدون يتمتعونبالامتيازات.

    وكان العنصر الوافد يشكل، بطبيعة الحال، عامل جذب قوياًللعناصر المحلية إذ كان لدى الوافدين من الكفاءات ما يؤهلهم للتعامل مع القوةالاستعمارية المهيمنة ومع الاقتصاد الحديث الآخذ في التشكل. ولذا، نجد أن العنصرالمحلي سرعان ما اكتسب الصبغة الغربية حتى أصبح من الصعب، في كثير من الأحوال،تمييز اليهود المستعربة المحلية عن اليهود الوافدين. ولقد كان يهود العراق استثناءمن هذه القاعدة، إذ لم تنضم أعداد كبيرة منهم إلى يهود العالم الغربي واحتفظوابهويتهم العربية. وكانت هناك شريحة اكتسبت الثقافة الغربية في مدارس الأليانسواعتمدت عليها سلطات الاحتلال البريطانية للخدمة في إدارتها الجديدة في أعقاب الحربالعالمية الأولى. ويبدو أن أعضاء الجماعة اليهودية لا يختلفون كثيراً في سلوكهم هذاعن بعض أعضاء النخبة الحاكمة في البلاد العربية ولا عن بعض أعضاء طبقات المجتمعالهامشية الأخرى الذين يتركون ثقافتهم الوطنية وهويتهم ويكتسبون ثقافة الغازيويتعلمون لغته. وهم في الواقع يهدفون إلى أن يحققوا حراكاً اجتماعياً، وينتهي بهمالأمر إلى التوحد الكامل مع هذا الغازي ثم الرحيل معه حينما تحين الساعة (كما حدثلبعض أعضاء الطبقات الحاكمة في العالم العربي).

    وتجب إضافة أن أعضاءالأقليات أكثر تعرضاً لهذه العملية من أعضاء الأغلبية بسبب هامشيتهم فيما يتعلقبالرموز الأساسية للمجتمع. ومن المفارقات التي تستحق التسجيل أن عملية إعتاق يهودالعالم العربي وتحديثهم تمت خارج نطاق المجتمع العربي نفسه وبمعدلات مختلفة عنمعدلات التحديث فيه، كما أنها تمت من خلال القوى الغازية. ولذلك، فبينما أدَّىالإعتاق والتحديث في الغرب إلى اندماج اليهود في مجتمعاتهم أدَّت العملية السياسيةوالاجتماعية نفسها إلى نتيجة عكسية تماماً في المجتمع العربي.

    وقرر كثير منالمواطنين اليهود الاستفادة من قوانين الامتيازات، فتجنسوا بإحدى الجنسيات الأوربيةحيث كانت بعض الدول الغربية تشجع هذا الاتجاه لخلق رأس جسر لها. وفي الجزائربالذات، أعطيت الجنسية الفرنسية لكل يهود الجزائر في محاولة لزيادة الكثافة البشريةالفرنسية داخل الجزائر، وكان هذا جزءاً من المخطط الاستعماري الاستيطاني. ومعاندلاع الثورة الجزائرية، كانت أغلبية يهود الجزائر العظمى مواطنين فرنسيين. وقدكان العدد أقل في تونس والمغرب نظراً لأن الحكومة الفرنسية لم تشجع هذا الاتجاههناك.

    وبعد احتلال بريطانيا للعراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى، سعىأعضاء الجماعة اليهودية في العراق للحصول على الجنسية البريطانية، فقدموا طلباتبهذا المعنى إلى المندوب السامي البريطاني عام 1921 ولكن بريطانيا لم تستجب لطلبهم.

    ومن العناصر الأخرى التي سـاهمت في تعمـيق الاتجـاه نحو التغريب، تركيبأعضاء الجماعات اليهودية الوظيفي والاقتصادي، وخصوصاً بين الوافدين. فقد تركزوا فيمهن تجارية معينة (تجارة دولية) ومالية (الربا والسمسرة وأعمال البورصة) وحرفية (صناعة الخمور)، وهي مهن حولتهم إلى جماعات وظيفية وسيطة مرتبطة أساساً بالقطاعالاقتصادي الغربي وبالقوة المهيمنة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن معظم قرّاراتالتعريب أو التأميم كانت دائماً تضر بمصالح أعضاء الجماعة اليهودية والجماعات شبهالأوربية الأخرى، مثل اليونانيين والإيطاليين والمالطيين، من الوافدين أو الذين تمتهميشهم ثقافياً واقتصادياً.

    لكل هذا، نجد أن مصير أعضاء الجماعات اليهوديةارتبط بمصير الاستعمار في المنطقة، فتحسنت أحوالهم المادية وازدادت هامشيتهمالبنيوية مع تَزايُد الهيمنة الاستعمارية والتغلغل الأجنبي. وأثناء فترة النضال ضدالفرنسيين في الجزائر، أيَّد 90% من يهود الجزائر بقـاء الجزائر فرنسـية، ووقفـواإلى جانب منظمة الجيـش السري، وأخيراً رحلوا مع المستوطنين الفرنسين، رغم أن هؤلاءالمستوطنين كانوا معروفين بكرههم العميق لليهود وعدائهم لهم، كما أنهم عارضوا منحهمالجنسية الفرنسية في بادئ الأمر. أما في تونس والمغرب، فتقول بعض المراجع الصهيونيةإن أعضاء الجماعات اليهودية قد وقفوا موقف الحياد من حركة التحرر الوطني، وهي عبارةغير مفهومة وتفترض هامشية اليهود وعدم انتمائهم.

    وقد ازدادت عملية التهميشهذه مع تَزايُد نشاط الحركة الصهيونية التي حاولت أن تعرِّف اليهود لا باعتبارهمعرباً أو حتى غربيين وإنما باعتبارهم يهوداً يدينون بالولاء للشعب اليهودي ثمللدولة الصهيونية.وفي العشرينيات، قامت الوكالة اليهودية بتكوين شبكة جاسوسية فيالعالم العربي استخدمت المؤسسات والمنظمات اليهودية الشرعية (مثل نوادي المكابي)واجهات تخفي نشاطها المعادي وغير الشرعي. وفي الثلاثينيات، أسست الوكالة اليهوديةجهاز مخابرات يتبعه قسم عربي يترأسه موشيه شاريت. وقد قام الموساد عام 1937 بتأسيسمركز لتدريب بعض اليهود العرب على أعمال الجاسوسية ضد بلادهم أطلقت عليه اسم «الأولاد العرب». وبعد قيام الدولة، تم تجنيد بعض العناصر العربية اليهودية للقيامبأعمال تخريبية تخدم مصالحها، كما حدث في حادثة لافون حينما جنَّد بعض اليهودالمصريين للإساءة إلى العلاقات بين حكومة مصر الثورية الجديدة عام 1952 وحكوماتالدول الغربية. ولقد أدَّى تأسيس الدولة الصهيونية التي تدَّعي أنها دولة يهوديةتُمثِّل كل يهود العالم، ومنهم يهود العالم العربي، إلى الوصول بعملية التهميش إلىذروتها.

    ومع هذا، ظلت أغلبية يهود العراق بمنأى عن عملية التهميش آنفةالذكر لبعض الوقت، ولذلك فقد تمتعوا بقدر كبير من الاستقرّار والرخاء الاقتصاديواستفادوا من الازدهار الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال سنوات الحرب العالميةالثانية، ولم يتعرض اليهود إلا لبعض الأحداث المتفرقة التي جاءت كرد فعل إماللتطورات الجارية في فلسطين أو لتصاعد المشاعر المعادية لبريطانيا. وقد كانت أخطرهذه الأحداث الاضطرابات التي جرت عام 1941، والتي جاءت في أعقاب هزيمة قوات رشيدعالي الكيلاني أمام القوات البريطانية وسقوط نظامه. وقد راح ضحية هذه الاضطراباتالتي عُرفت باسم «فرهود» ما بين 170 و180 يهودياً (وعدد أكبر من غير اليهود). وبعدهذه الأحداث، عادت الأمور إلى نصابها. ولذلك، فقد وجدت الحركة الصهيونية صعوبةبالغة في تشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، واضطرت في نهاية الأمر إلى اللجوء للإرهابضدهم حين دفعت بعملائها ليضعوا متفجرات في المعابد اليهودية وفي أماكن تَجمُّعأعضاء الجماعة حتى يبدو الأمر وكأن المجتمع بدأ يتحرك ضد اليهود.

    ولكن هذالا يعني أن كل أعضاء الجماعات اليهودية كانوا ممالئىن للاستعمار الغربي وتحولوا إلىوسطاء له، كما كان يهدف المخطَّط الاستعماري. ذلك أن أعداداً كبيرة من يهود سورياانضمت إلى حركة التحرر الوطني ودعمت المطالب القومية. ومن المعروف أن يعقوب صنوع (أبو نظارة)، وهو كاتب مصري يهودي، هاجم الاستعمار الإنجليزي ونُفي بسبب ذلك. كماأن المصري اليهودي ليون كاسترو كان، وهو رئيـس تحرير جريـدة يومية فرنسـية، من كبارمؤيدي حزب الوفد المصري، ورافق سعد زغلول أثناء مفاوضاته في لندن (لكنه أسس بعد ذلكتنظيماً صهيونياً في مصر، ولعل تأييده للوفد كان يهدف إلى تعميق التيار الوطنيالمصري لعزل مصر عن العالم العربي وبالتالي فلسطين). ويوجد، غير هؤلاء، كثيرون منأثرياء اليهود الذين كانوا جزءاً لا يتجزأ مما يُطلق عليه مُصطلَح «الرأسماليةالوطنية» والذين ارتبطت مصالحهم ورؤيتهم وتطلعاتهم بالوطن الذي يعيشون فيه. ففي مصرمثلاً، ساهمت عائلتا قطاوي وشيكوريل في تأسيس بنك مصر عام 1920، وهو مشروع كان يهدفإلى تقليص اعتماد مصر على رأس المال الأجنبي وإلى إرساء حجر أساس لصناعة وطنيةمستقلة.

    ومن المعروف كذلك أن يهود العالم العربي لعبوا دوراً ملحوظاً فيتأسيس الحركات الشيوعية في العالم العربي. وقد كانت هذه الحركات نشاطات، أياً كانتقييم المرء لها، معادية للاستعمار. فقام هنري كورييل بتأسيس الحركة الشيوعيةالمصرية (وثمة دراسات تشير إلى دور كورييل المشبوه). وقد كان هناك وجود يهودي ملحوظفي الحركة الشيوعية في العراق (الصحفي اليهودي نعيم قطان ومراد العماري وغيرهما ممنتبنوا موقفاً معادياً للصهيونية وأسسوا منظمة باسم «عصبة مكافحة الصهيونية»).والواقع أنَّ وجود اليهود في هذه النشاطات بأعداد تفوق نسبتهم العددية أمر ليسمقصوراً عليهم، ففي الكثير من الأحيان يوجد أعضاء الأقليات بنسب كبيرة في الحركاتالثورية والفوضوية. وعلى كلٍّ، فحينما قررت الحركة الشيوعية العراقية أن تلعب دوراًأكثر فاعلية في محيطها العربي، طلبت إلى أعضاء القيادة من اليهود الاستقالة، وقدفعلوا ذلك مؤثرين مصلحة الحزب على مصلحتهم الشخصية.
    ولكن الصورة العامةللجماعات اليهودية في العالم العربي هي أنَّ الاستعمار الغربي قد نجح في عزلهاثقافياً عن الثقافة العربية الإسلامية وربطها بمصالحه الاقتصادية ورؤيته الثقافيةومن ثم تحوَّل أعضاء الجماعات اليهودية إلى مادة بشرية استيطانية لها قابلية عاليةللهجرة. وهذا ما حدث بعد تأسيس إسرائيل إذ اختفى يهود البلاد العربيةتقريباً.





  9. #49
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    عائلـــة قورقـــوس
    The Corcos Family
    عائلة يهودية يعود أصلها إلى بلدة قرقوس في كاستيل (قشطالة) بإسبانيا. استقرأغلب أعضائها بعد عام 1492 في إيطاليا ومدينة فاس المغربية. ومن أهم أعضائها:إبراهيم قورقوس (حوالي عام 1275) وهو عالم عاش في كاستيل، أما يهودا بن إبراهيمقورقوس (تُوفي بعد عام 1493) فكان مالياً ثرياً استقر في البرتغال عام 1492.

    وبعد طرد كثير من يهود إسبانيا إلى المغرب، كان أعضاء عائلة قورقوس من بينالمطرودين. ودافع جوشوا (توفي بعد 1552) عن حقوق منفى قشطالة بالنسبة لمسألة تقاليدالذبح الشرعي، كما شارك في وضع القواعد التكميلية (تاكانوت) الخاصة بتنظيم حياتهمالاجتماعية والدينية في المغرب. أما موسى بن إبراهيم قورقوس (توفي حوالي 1575) وهومن فاس، فقد عُرف بالتقوى وبالمعرفة الواسعة واختير قاضياً شرعياً في تونس وتحولتمقبرته بعد وفاته إلى مزار للحجاج. كما كان يوسف قورقوس (توفي حوالي عام 1710)حاخاماً له وزن واحترام، وكان له كثير من التلاميذ. أما يوسف بن جوشوا قورقوس (تُوفي بعد عام 1800)، فعاش لفترة في جبل طارق وألَّف بعض الأعمال الدينية. كما تركعالم التلمود إبراهيم بن موسى قورقوس (توفي حوالي 1778) عدداً من المؤلفات والفتاوىالدينية. وكان يوسف قورقوس (تُوفي بعد 1575) عالم تلمود وُلد في إسبانيا وسافر إلىمصر حيث ترأس مدرسة تلمودية عليا (يشيفا) ثم استقر في فلسطين. وكانت له بعضالمؤلفات والتعليقات أو الشروح الدينية. أما شقيقه إسحق قورقوس (تُوفي قبل عام 1540)، فكان حاخاماً في مصر ثم عُيّن قاضياً شرعياً في القدس. أما ميمون بن إسحققورقوس (تُوفي عام 1799)، فكان تاجراً ذا نفوذ وأحد دعائم السياسة البريطانية فيالمغرب. أما سولومون بن أبراهام قورقوس (تُوفي عام 1854)، فقد كان مصرفياًومستشاراً للسلطان كما اختارته بريطانيا وكيلاً قنصلياً لها عام 1822. أما ولداه،يعقوب (تُوفي عام 1878) وإبراهيم (توفي عام 1883)، فكانا مقربين للسلطان وقامابأعمال مهمة له. وقد عُيِّن إبراهيم عام 1862 قنصلاً للولايات المتحدة في إحدى مدنالمغرب حيث نجح بفضل علاقته بالسلطان في تسهيل مهمة موسى مونتفيوري أثناء زيارتهللمغرب. واختير أيضاً مائير إبراهيم قورقوس (تُوفي 1929)، قنصلاً للولايات المتحدةعام 1884. أما جوشوا بن حاييم قورقوس (تُوفي 1929)، فكان مستشاراً ومصرفياًللسـلاطين ولعب دوراً أسـاسياً هاماً في الفترة ما بين عامي 1885 و1912. أمافرديناند قورقوس (1857 ـ 1956)، فكان صهيونياً نشيطاً وصدر له بين عامي 1923 و1925مؤلفات عن الصهيونية. أما ستيلا قورقوس (1857 ـ 1948)، فوُلدت في نيويورك وتزوجتموسى قورقوس (تُوفي عام 1903)، ثم استقرت في المغرب حيث أسست مدرسة يهودية حرةوعارضت نشاط البعثات التبشيرية البروتستانتية بين فقرّاء يهود المغرب، وأصبحت ستيلاممثلة للرابطة الإنجليزية اليهودية. أما مونتفيوري قورقوس (تُوفي عام 1958)، فكانطياراً في القـوات الجـوية الملكية البريطانية وخـدم خلال الحربين العالميتين.

    وتاريخ عائلة قورقوس وانتقالهم من النشاط الديني إلى النشاط التجاري، ومنالانتماء للحضارة العربية إلى الانتماء التدريجي للحضارة الغربية، وكذلك تحوُّلكثير من أعضائها إلى قناصل للبلاد الغربية، يعكس تاريخ يهود البلاد العربية وتحولهمبالتدريج إلى جماعة وظيفية تابعة للاستعمار الغربي.

    عائلـــــة قـــــدوري
    The Kadoori Family
    عائلةتجارية ومالية يهودية من أصل عراقي استوطنت في الشرق الأقصى حيث حققت ثروة طائلة منخلال العمل في مجال الأعمال المصرفية والنقل والبناء والتشييد، وساهمت في تطويرشانغهاي وهونج كونج. ومؤسس العائلة هو صالح قدوري الذي كان من أغنياء بغداد. وقدوُلد ابنه سير إليس قدوري (1865 - 1922) في بغداد حيث تلقى تعليمه في مدرسةالأليانس إسرائيليت يونيفرسل. وفي عام 1880، انتقل إلى بومباي بالهند حيث عملإدارياً في مكاتب عائلة ساسون، ثم بدأ في تأسيس وتطوير تجارته وأعماله الخاصة فيهونج كونج والصين وحقق ثروة كبيرة. ومُنح إليس لقب «سير» عام 1917 تقديراً للخدماتالتي قدمها للمستعمر البريطاني في الشرق الأقصى. وكانت له مساهمات مالية مهمة لعديدمن المؤسسات اليهودية وغير اليهودية، فدعم الأليانس إسرائيليت يونيفرسل والرابطةالإنجليزية اليهودية، وأسس مدرستين زراعيتين لليهود والعرب في بغداد كما ساهم فيتأسيس مدارس أخرى في كلٍّ من بغداد وبومباي. وبعد وفاته، أوصى إليس بتخصيـص جـزء منثروته لبناء مـدارس تحمل اسـمه في فلسطين والعراق، فتأسست على ضوء ذلك كلية قدوريالزراعية في فلسطين عام 1931.

    أما شقيقه سير إللي (إليعازر سيلاس) قدوري (1867 ـ 1944)، فقد وُلد في بغداد وانتقل مع شقيقه إلى الشرق الأقصى وأسس مؤسسة آي.اس قدوري وشركاه في هونج كونج وشنغهاي، كما كان شريكاً في مؤسسة آي. اس. قدوريوأبنائه. وقد مُنح لقب سير عام 1926. واشترك سير إللي مع شقيقه في دعم وتأسيسالعديد من المؤسسات التربوية والمستشفيات في الشرق الأقصى والعراق. ولكنه أعطىاهتماماً خاصاً للمشروع الصهيوني في فلسطين، وبخاصة منذ عام 1900، فترأس صندوقمؤسسة فلسطين في شنغهاي، وساهم في تأسيس عدد من المدارس الزراعية في فلسطين، كماساهم بمبلغ كبير لبناء الجامعة العبرية في القدس. وتولـى ولـداه من بعـده؛ لورانس (1899 ـ ؟ )، وهوراس (1902 ـ ؟ )، إدارة أعمال الأسرة في هونج كونج ودعم الجماعةاليهودية الصغيرة بها.

    ومثل غيرها من العائلات اليهودية الثرية في الشرقالأقصى والهند وبعض دول الشرق الأوسط، كانت عائلة قدوري تقوم بدور الجماعة الوظيفيةالوسيطة التي ارتبطت مصالحها بوجودها في هذه المناطق، وارتبط ذلك بمصالح الاستعمارالمترجمة في شكل أنشطة مالية وتجارية وعقارية ونقل وغير ذلك من نشاطات في إطارالمشروع الرأسمالي الإمبريالي الغربي الذي كان يسعى إلى استنزاف موارد هذه البلادوشعوبها والذي وجد في كثير من الأقليات الدينية والإثنية ومن بينها الجماعاتاليهودية خير معين لتحقيق أغراضه.

    الجماعــاتاليهــودية في العــالم العــربي: الانقسام الطبقي والتمايز الوظيفي
    The Jewish Communities in The Arab World: Class Divisions and Professional Differentiation
    لم تكن الجماعات اليهودية داخل كل بلد عربي تتسم بالتماسك والوحدة، فقد كانتخاضعة للصراعات الطبقية والثقافية التي تسم أي مجتمع إنساني، إذ كان منهم الأغنياءوالفقرّاء، ومنهم من استفاد اقتصادياً بدخول الاستعمار وظهور القطاع الاقتصاديالغربي الجديد، ومنهم من سقط ضحيته، ومنهم من استوعب الثقافة الغربية الدخيلةواندمج فيها، ومنهم من أخفق في ذلك وإن كان الفريق الأول أكبر بكثير من الثاني.ويمكن أن نضرب مثلاً بمصر حيث كانت الجماعة اليهودية فيها تشمل ثلاث طبقات. في أعلىالسلم الطبقي نجد عدداً من العائلات الأرستقرّاطية الغنية المعروفة بثرائها ومركزهاومكانتها وعلاقتها القوية مع النخبة الحاكمة، ومن بينهم قطاوي باشا وموصيري ورولووسوارس وهراري ووهبة ومنَسَّى ودي بيتشيوتو وشيكوريل وصيدناوي وعدس وغيرهم من أصحابالبنوك والأعمال التجارية وكبار ملاك الأراضي والبارزين في الحياة العامة. وكانهؤلاء يشكِّلون ما بين 5 و10% من تعداد الجماعة اليهودية في مصر.

    وتلي هذهالطبقة التي شملت كبار الأثرياء والمموِّلين طبقة متوسطة على رأسها رجال التصديروالاستيراد وأصحاب المحال التجارية والمهن الحرة في الإسكندرية والقاهرةوالإسماعيلية وبورسعيد. وينتمي إلى هذه الشريحة أيضاً عدد ضخم من الموظفين اليهودفي مكاتب بعض المؤسسات التي كانت تضم نسبة مرتفعة من اليهود. وكانت هذه الشريحةتتنافس مع طبقة كبار الأثرياء، ولكن أعضاء كل من هاتين الطبقتين كانوا متفرنسينتماماً، لغةً وثقافة. وعلى أية حال، كانت أعداد كبيرة منهم من أصل أجنبي إسباني أوإيطالي أو غير ذلك. وكانوا يقطنون الأحياء الثرية، كما كانوا أحياناً يحتلون قطاعاًخاصاً بهم في أحد الأحياء،كما كان حال حي السكاكيني.

    ثم يأتي أخيراً فقرّاءاليهود، وكانوا من الباعة المتجولين وصغار الحرفيين ومعظمهم من اليهود المستعربة.ويسكن معظم هؤلاء الفقرّاء في القاهرة؛ في حارة اليهود في الموسكي أو في حي الظاهر،وكانوا يشكِّلون حوالي 25% من تعداد الجماعة. وقد حققت بعض عائلات اليهود المستعربةقدراً من الثراء والبروز (مثل عائلة باروخ مسعودة، وعائلتي شماس وعبد الواحد، وكانتمن الصياغ). ولم يكن اليهود المتفرنسون يتزاوجون مع اليهود المستعربين، فلكل عالمهالخاص. ومع هذا، كان أبناء اليهود المستعربين يذهبون إلى مدارس الأليانس ويحصلونعلى الثقافة الأوربية اللازمة لدخول القطاع الاقتصادي الغربي. ويمكن أن نضيف هناأنه رغم وجود فقرّاء بين أعضاء الجماعة اليهودية، فلو تمت مقارنة متوسط دخل أعضاءالجماعة اليهودية بمتوسط الدخل في مصر لتبيَّن أن متوسط دخل المصري اليهودي كانأعلى من متوسط دخل غيره من المصريين، ولاتضح أن اليهود لم يعرفوا الفقر المدقع إلابأعداد صغيرة للغاية. وهذا التقسيم الثلاثي كان نمطاً سائداً في المغرب والعراق أيضاً.
    أما فيما يتصل بالوضع الوظيفي أو المهني أو الاقتصادي، فإن الصورة كانت مركبة. فيالمغرب واليمن وفي المناطق ذات الكثافة الكردية من العراق، عمل اليهود رعاةًومزارعين. ولكن، بشكل عام، يُلاحَظ عدم وجود أعضاء الجماعات اليهودية كعمال أوفلاحين، أي أنهم كانوا بعيدين عن قاعدة الهرم الإنتاجي. وكان منهم الحرفيون الذينعملوا ببعـض الحرف اليدوية مثل الصاغة والصبـاغة والصناعات اليدوية للزجاج، كمااشتغلوا بصناعة الخمور. وكانت هناك أعداد كبيرة منهم، في مهن الطبقة الوسطى، يعملونبالطب والصيدلة والصحافة، وكان منهم أساتذة الجامعات. وقد عملوا موظفين في الحكومة،ووصل أفراد منهم في العراق ومصر والمغرب إلى مناصب الوزراء، وانتُخبوا وعُيِّنواأعضاء في البرلمان مثل يوسف قطاوي عضو البرلمان ووزير المالية، وأصلان قطاوي عضومجلس الشيوخ، وساسون هيسكيل عضو البرلمان ووزير المالية في العراق، ومناحم دانييلعضو مجلس الشيوخ في العراق أيضاً.

    ولكن، ورغم عدم التمايز الواضح بينهموبين أعضاء المجتمع ككل، نجد أن المجتمع، بحكم تركيبه، يضع قيوداً على أعضاءالأقليات مقارنةً بأعضاء الأغلبية، كما أنه يتيح أمامهم فرصاً ليست متاحة لأعضاءالأغلبية. ومن هنا تركُّز اليهود بنسبة تفوق نسبة عددهم إلى عدد السكان في الأعمالالتجارية والمالية، فكان منهم صغار التجار والباعة الجائلون والمرابون. كما كانمنهم أيضاً كبار التجار وتجار الجملة وأصحاب شركات العقارات والمشتغلون بالتجارةالدولية (التصدير والاستيراد) ووكلاء الشركات التجارية الأجنبية وشركات التأمينوقطاع الخدمات. كما أن سوق الأوراق المالية كانت تضم عدداً كبيراً من السماسرةاليهود. وتَركَّز أعضاء الجماعات اليهودية في صناعات قريبة من المستهلك (الصناعاتالزراعية والقطاع المصرفي) أي أنهم لم يكونوا جزءاً من القطاع الأول في الاقتصاد (الصناعات الثقيلة والزراعة) فيما يُسمَّى «قاعدة الهرم الإنتاجي». وهذا يعني أنهمكانوا جماعة وظيفية. ولعبت مدارس الأليانس دوراً أساسياً في تزويد أعضاء الجماعةاليهودية بالكفاءات اللازمة للتعامل مع الشركات الأجنبية والاقتصاد الاستعماريالجديد وفي صبغهم بالصبغة الغربية (الفرنسية)، أي أنها عمقت هويتهم كجماعة وظيفية.

    وإذا نظرنا إلى مصر لوجدنا أن عدة عائلات يهودية مصرية كانت تساهم في إدارةوتوجيه 103 من الشركات من مجموع 308 في عام 1942، فكانوا يسيطرون على جانب كبير منرؤوس أموالها. كما أنهم احتكروا تجارة القطن وتجارة الصادرات والواردات، وأنشأواالعديد من البنوك (مثل البنك العقاري المصري، والبنك الأهلي المصري)، والشركاتالائتمانية (مثل شركة الشرق للتأمين، وشركة التأمين الأهلية المصرية)، وشركاتالأراضي الزراعية (مثل شركة البحيرة المساهمة، وشركة وادي كوم أمبو، وشركة سموحة).كما أداروا عدة شركات لتقسيم الأراضي وبيعها وشراء المباني واستغلالها (مثل الشركةالعقارية المالية بالقاهرة، والشركة المساهمة المصرية المالية والعقارية). وساهموافي ميدان النقل البري والبحري وشركات السكك الحديدية (مثل شركة حلوان، وشركةالدلتا، وشركة قنا ـ أسوان للسكك الحديدية، وشركة الأمنيبوس العمومية المصرية،وشركة ترام الإسكندرية، وشركة بواخر البوستة الخديوية). وساهموا أيضاً في الصناعاتالزراعية وصناعة الزيوت والسكر، وأسسوا الشركات في هذا المجال (مثل: شركة المطاحن،وشركة الملح والصودا). كما أسسوا المحلات التجارية الكبرى (مثل محلات شيكوريلوبنزايون وشملا وعمر أفندي وهانو)، كما نشطوا في مجال تجارة الذهب والسجائر وفيأعمال الفنادق والمنسوجات وإقرّاض المال. وكانت لهم نشاطات اقتصادية فردية أخرى،ففي ميدان المضاربات المالية كان 98% من العاملين في البورصة في القاهرةوالإسكندرية يهوداً. وكان التـركيب الوظيفــي لليهود في مصر (عــام 1947) عـلىالنحو التالي: 59% تجار، 18% في الصناعات، 11% خدمات عامة.

    ولكن، حيث إنمعظم هؤلاء كانوا من الأجانب وبينهم 20% فقط من المصريين، فإن قانون الشركات الصادرعام 1947، والذي نص على ضرورة أن يكون 75% من الموظفين و90% من العمال اليدويين فيجميع المؤسسات في مصر سواء كانت وطنية أم أجنبية من حاملي الجنسية المصرية، تَسبَّبفي خروج أعداد كبيرة منهم، وهو الاتجاه الذي تَزايُد بعد ثورة 1952. كما تَسبَّب فيذلك، العدوان الثلاثي عام 1956 وموجتا التمصير ثم التأميم.

    أما في العراق،فقد ساهم اليهود في النشاط الاقتصادي التجاري المحلي والدولي وفي النشاط الماليسواء على مستوى صغير ربوي أو على مستوى حديث مصرفي. حيث كانت ثمة بنوك مثل بنك زلخاوبنك كريديه. وقد ظهرت، مع بداية القرن التاسع عشر، بعض الشخصيات المالية والتجاريةالمهمة في بغداد (مثل الشيخ ساسون بن صالح عميد عائلة ساسون التي استوطنت الهندفيما بعد، وإسحق المصرفي، ومناحم عيني)، كما ازدهرت الأوضاع الاقتصادية لأعضاءالجماعة اليهودية بعد افتتاح قناة السويس حيث أصبح خط التجارة الواصل بين إنجلتراوالهند يمر عبر البصرة. وكان من أهم الشخصيات المالية في البصرة خلال النصف الثانيمن القرن التاسع عشر خوجا يعقوب، وأدون عبد الله. وسيطر اليهود تقريباً على تجارةالصادرات والواردات وعلى نسبة عالية من تجارة التجزئة، كما احتكروا تجارة أهمالبضائع في أسواق العراق (مثل صناعة الأبسطة والحصر والأثاث والأحذية والأخشابوالأدوية والأسلحة والأقمشة والتبغ والأرز والحلويات). كما كانوا من كبار تجارالأحجار الكريمة والمجوهرات ومن كبار الصاغة. وكان أصحاب أكبر الشركات في بغداد (شركة خضوري وعزرا ميدلاوي) الوكلاء الوحيدين لاستيراد دهون وشحوم شركة موبل أويلالأمريكية للبترول بفروعها في البصرة والموصل وكركوك. وكان يهود البصرة يحتكرون 95%من الأعمال التجارية في البلاد عام 1914. ورغم تَراجُع النسبة قليلاً، ظلت 85 ـ 90%عام 1933، و65 - 75% في عام 1946. وكان 95% من واردات العراق قبل الحرب العالميةالثـانية (ولكـن 10% فقـط من صـادراتها) في يد اليهـود. وكان أغلبها، وهو ما كانيُسمَّى «بضائع مانشستر»، وكان يتم استيرادها من مانشستر بإنجلترا. وحقق أعضاءالجماعة اليهودية ثروات كبيرة من خلال إعادة تصدير هذه البضائع إلى إيران.

    وقد استفاد يهود العراق بشبكة علاقاتهم التجارية والمالية في الخارج،وخصوصاً مع اليهود العراقيين الذين استوطنوا في الهند والشرق الأقصى وإنجلترا (مثلعائلة ساسون وعائلة عزرا). أما بعد عام 1948، فقد انخفضت النسبة إلى 20% من وارداتالعراق و2% من صادراتها. ويُلاحَظ الشيء نفسه تقريباً في المغرب وتونس، إذ تَركَّزاليهود في الأعمال التجارية والمالية. وفي إحصاء عام 1947، يتبين أن 46.5% منهميعملون بالتجارة و36.1% يمارسون المهن الصناعية المتنوعة و7.6% في المهن الحرةو4.1% يعملون بالزراعة.





  10. #50
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    الجزء الثالث: تواريخ الجماعات اليهودية في بلدان العالم الغربي ( خصوصا فى العصر الحديث)



    البابالأول: الإقطاع الغربي وجذور المسألة اليهودية



    جـــذورالمســألة اليهوديـــة
    Roots of the Jewish Question
    يمكن القول بأن جذورالمسألة اليهودية تضرب بجذورها في المسألة العبرانية (التجمُّع العبراني تجمُّعصغير فقير ضعيف سواء من ناحية الموارد البشرية أو الموارد المادية، يُوجَد في منطقةإستراتيجية مهمة ولذا لم يمكنه أن يدافع عن استقلاله ضد هجمات القوى الكبرى المحيطةبه، وكان دائماً عرضة للغزو والتهجير. ولذا تحوَّلت أعداد كبيرة من العبرانيين إلىجماعات وظيفية مرتزقة واستيطانية ومالية وتحوَّلت الدويلات العبرانية إلى دويلاتتابعة).

    ولكن يمكن القول بأن ثمة انقطاعاً حدث في العالم بعد سقوطالإمبراطورية الرومانية وظهور المسيحية في الغرب والإسلام في الشرق. ففي داخلالتشكيل الحضاري والسياسي الغربي المسيحي في العصور الوسطى تحدَّد وضع اليهود بشكلمعيَّن (شعب شاهد ـ أقنان بلاط ـ جماعة وظيفية) وهذا الوضع هو الذي أدَّى إلى ظهورالمسألة اليهودية فيما بعد، حين بدأت عمليات التحديث والعلمنة. وظهرت الدولةالقومية المركزية. ولكي نفهم طبيعة المسألة اليهودية وأبعادها الحقيقية لابد منالوصول إلى جذورها، أي لابد من دراسة العصور الوسطى في الغرب، وما تبعها من فتراتتاريخية (عصر النهضة والإصلاح الديني) اهتز فيها وضع اليهود، ثم أُعيد تعريفهابتداءً من القرن الثامن عشر.

    الإقطـــاع الغـــربي
    Western Feudalism
    الإقطاع الغربي هو النظام الاقتصادي والاجتماعي المبنيعلى ملكية الأرض الزراعية والذي ساد أوربا في العصور الوسطى. وتعود بدايات هذاالنظام إلى مملكة شارلمان الفرنجية (في فرنسا) في القرنين الثامن والتاسعالميلاديين، وانتشر منها عن طريق الغزو إلى إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، ونقلهالغزاة النورمان إلى كلٍّ من إنجلترا وفلسطين إبان حروب الفرنجة. وكان الأميرالإقطاعي يمنح (يُقطع) تابعيه من مجموعة النبلاء قطعة من الأرض ليزرعوها ويزودهمبالحماية نظير أن يدينوا له بالولاء ويزودوه بعدد من المحاربين. وكان النبلاءبدورهم يُقسِّمون أرضهم، فأصبح لهم تابعون لكل منهم ضيعته. وكان هؤلاء بدورهميُقسِّمون ضياعهم على أتباعهم، وهكذا إلى أن نصل إلى قاعدة الهرم حيث يُوجَدالأقنان في القاعدة الاقتصادية للنظام فيقومون بزراعة الأرض ويحصلون على ما يعيشونبه عند حد الكفاف. والمجتمع الإقطاعي مُقسَّم تقسيماً هرمياً صارماً يعرف كل شخصفيه مكانه ومكانته حيث يصل إليهما عادةً عن طريق الميراث والنسب، وليس عن طريق الجدوالعمل. وقد حُدِّدت حقوق وواجبات كل أعضاء الطبقات تحديداً واضحاً، فالنبيل كانيعرف ما ينبغي عليه القيام به (حماية إقطاعيته وفلاحيه، وجباية الضرائب منهم،وتزويد الملك بالمحاربين)، وكذلك كان الفلاحون ورقيق الأرض يعرفون واجباتهموحقوقهم. وفي الأطراف، كان يُوجَد التجار والصناع والقطاعات الهامشية كافة. وقد بلغالنظام الإقطاعي ذروته في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم أخذ في الضعف ابتداءً منالقرن الثالث عشر، ويُقال إنه اختفى كنظام اقتصادي مع نهاية القرن الرابع عشر وإناستمرت كثير من مؤسساته. وأخذت الثورة التجارية تقوض دعائم الطبقات الإقطاعيةالزراعية الحاكمة، فظهرت الملكيات المطلقة ثم الطبقات الوسطى بعد ذلك. وتزايد نفوذالمدن حتى نصل إلى الثورتين الفرنسية والصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،حيث يتفق المؤرخون على أن المؤسسات الإقطاعية تلقت الضربة القاضية فيهما.

    ويشغل أعضاء الجماعات اليهودية وضعاً خاصاً في المجتمع الإقطاعي الغربي،فقد حصلوا على مواثيق خاصة تضمن لهم الحماية وتحقق لهم المزايا. وتحولوا إلى أقنانبلاط وإلى أداة في يد الطبقة الحاكمــة. وقد كان وضـع أعضـاء الجماعـات اليهوديةداخل الإقطاع الغربي متـميِّزاً وممـتازاً بشـكل عام حتى حروب الفرنجة ثم تدهور بعدذلك. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يعملون بالتجارة الدولية والتجارة المحلية، لكننفوذهم التجاري تراجع بظهور الجماعات التجارية المحلية، فبدأوا يعملون بالرباوالرهونات وكان منهم تجار صغار وباعة جائلون. وقد كان وضع اليهود داخل النظامالإقطاعي غير متجانس لأنه هو نفسه كان نظاماً غير متجانس. لقد كان وضع يهود إنجلتراوفرنسا، أي يهود غرب أوربا الذين طُردوا في القرن الثالث عشر الميلادي، يختلف عنوضع يهود وسط أوربا، وكلاهما كان يختلف تماماً عن وضع يهود شرق أوربا حيث لم يعتنقسكانها المسيحية إلا في القرن العاشر الميلادي، كما أن اليهود لم يستوطنوا بولنداإلا في القرن الثالث عشر الميلادي. وبالإضافة إلى ذلك، كان اليهود ممنوعين من دخولروسيا حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

    العصورالوسطى (في الغرب)
    The Middle Ages
    العصور الوسطى في الغرب فترة تمتد منالقرن الخامس الميلادي حتى القرن الخامس عشر، وقد وصلت العصور الوسطى ذروتها فيالفترة من القرن الحادي عشر حتى الرابع عشر الميلادي. وتبدأ العصور الوسطى بانهيارالإمبراطورية الرومانية الغربية وانهيار أطرها الاقتصادية والقانونية والثقافيةأيضاً. وكانت الإمبراطورية الرومانية تعامل اليهود باعتبارهم «كوليجيوم Collegium» أي «رابطة»، وهي جماعة من حق أعضائها أن يجتمعوا للقيام بشعائرهم الدينية وأنيمارسوا شريعة أسلافهم. وفي عام 212م أصدر الإمبراطور كاراكالا مرسوماً بمنح كلالأحرار في الإمبراطورية الرومانية حق المواطنة الرومانية، الأمر الذي كان يعني أنأغلبية أعضاء الجماعة اليهودية أصبحوا مواطنين، إلا أن هذا جرى نسيانه تماماً،وصُنِّف اليهود حسب القانون أو العرف الألماني باعتبارهم «غرباء». وقد تسـاقـطالنظام الضريبي الذي فرضته الدولة الرومانية ولم تَعُد هناك عملة أوربية يمكن لكلدول أوربا التعامل بها فيما بينها، وأُهملت الطرق وأصبحت غير آمنة.

    وشهدتالعصور الوسطى في الغرب محاولة للنهوض من هذا التردي ولخلق مؤسسات قانونيةواقتصادية تحل محل المؤسسات التي تساقطت. وبطبيعة الحال، تأثرت الجماعة اليهوديةبكل ذلك.

    أولاً: من بداية العصور الوسطى حتى القرن الحادي عشر الميلادي:

    يعتبر القرن الخامس الميلادي، وخصوصاً عام 476، التاريخ الذي بدأت فيهالعصور الوسطى بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية تحت هجمات القبائلالبربرية. وما يهمنا فيما يتعلق بالجماعات اليهودية أن الإمبراطورية الرومانية كانتقد تبنت المسيحية عام 340 باعتبارها ديناً رسمياً للدولة تكتسب منه شرعيتها. وفيذلك الوقت تقريباً، أصبحت الزرادشتية عقيدة الدولة الإمبراطورية الفارسية، وظلالأمر على ذلك حتى القرن السابع الميلادي حيث حلَّ الإسلام محلها وأصبح العقيدةالأساسية في الشرق العربي وفي كثير من بلاد آسيا وأفريقيا. وتتميَّز هذه المرحلةبأن أعضاء الجماعة اليهودية وجدوا أنفسهم أقلية في دولة لها إطار عقائدي متماسكسواء في الشرق حيث الزرادشتية ثم الإسلام أو في الغرب حيث المسيحية، كما وجدوا أنالدين السائد دين توحيدي وليس عبادة وثنية. وكان هذا أمراً جديداً كل الجدة علىاليهودية التي كانت موجودة دائماً في محيط وثني تحارب ضده وتكتسب هويتها الدينية منصراعها معه. وقد ازدادت العلاقات سوءاً وتوتراً بين أعضاء الجماعات اليهوديةوالعالم المسيحي، وخصوصاً بعد أن أعلن السنهدرين أن المسيح ليس الماشيَّح الحقيقيوإنمـا هو المسـيح الدجـال في حـين آمن المسيحيون بأن هـدم الهيكـل إنما هـو تحقيـقلنبـوءة المسـيح. وقد حققت المسيـحية انتصارات هائلــة، وخصوصـاً بعد أن تبنتـهاالإمبراطورية الرومانية، فتوقف النشاط اليهودي التبشيري وانطوى اليهود على أنفسـهموانصـرف علماؤهم لتدوين وجمع التلمود بما يحويه من كره عميق للمسيحية ولشخص المسيح،وبما يتضمنه من سب للمسيح.

    وحدد وضع الجماعات اليهودية في المجتمع الغربيالوسيط عنصران، أحدهما دنيوي والآخر ديني، فقد أصدر قسطنطين (312 ـ 337م) تشريعاتلتنظيم العلاقة مع اليهود، ولم تَعُد اليهودية بمقتضى هذه التشريعات «كوليجيوم» أوديناً مشروعاً أو مباحاً (باللاتينية: ريليجيو ليكيتا religio licita) كما كانتأيام الرومان وإنما أصبحت «المذهب الشائن أو الشنيع». وأصبح محظوراً على اليهودالزواج من المسـيحيين، كما مُنع أي يهودي من التنـصر أو التبشـير بالدين اليهودي.وحظرت تشريعات لاحقة على اليهود امتلاك عبيد مسيحيين أو حتى أي عبيد على الإطلاقوهو ما كان يعني استبعادهم من الزراعة، كما استُبعد اليهود من الخدمة العسكرية ومنالاشتغال بالطب. وفي عام 438م، منع ثيودوس الثاني اليهود من شغل وظائف عامة. ورغمأن هذه التشريعات لم تؤخذ مأخذ الجد فإنها شكلت مع هذا الإطار القانوني الذي تحكَّمفي علاقة اليهود بالمجتمعات المسيحية الوسيطة.

    وينبع موقف الكنيسة من أعضاءالجماعات اليهودية من فكرتين أساسيتين مختلفتين ومتكاملتين عن اليهود:

    1
    ـاليهود قتلة المسيح الذين أنكروه، ولذا لابد من عقابهم على ذلك.

    2
    ـ اليهودهم أيضاً الشعب الشاهد الذي عاصر أعضاؤه ظهور المسيح وبداية الكنيسة، وهمبتَمسُّكهم بشعائر دينهم التي ترمز إلى الشعائر المسيحية منذ القدم وبتدني وضعهميقفون شاهداً حياً على صدق الكتاب المقدَّس وعلى عظمة الكنيسة. وقد تَمثَّل هذاالموقف المزدوج في سياسة الكنيسة التي وضعها البابا جريجوري الأول (الأعظم) (590 ـ 604) وآخرون من بعده، والتي ترى ضرورة الإبقاء على اليهودية وعلى الشعب اليهوديباعتباره شعباً شاهداً سيؤمن في نهاية الأمر بالمسيحية، ولذا ينبغي حماية اليهود منالدمار والإبادة، ولكن ينبغي في الوقت نفسه وضعهم في مكانة أدنى.

    وقد أصـدرجريجـوري الأول مرسـوماً بابوياً يتضمن هـذه العبـارة: "كما أن اليهود لا يحق لهمأن يفعلوا ما لا يُسمَح لهم به حسب القانون، فإنه يتعيَّن ألا يُحرَموا من المزاياالتي منحت لهم". ومن ثم مُنع قتل اليهود أو الهجوم عليهم أو حرق معابدهم أومضايقتهم أثناء تعبُّدهم أو استخدام القوة في تنصيرهم. وأصبح هذا المرسوم أساساًلكل المراسيم البابوية اللاحقة حتى القرن الخامس عشر الميلادي.

    ولهذا،حاربت الكنيسـة الطرق غير الشـرعية لتنصـير اليهود قسراً، معتبرة أن ثمرة هذهالعملية لا تشكل أي نصر حقيقي للكنيسة ولا تزيد عظمتها. ولكنها شجعت في الوقت نفسهإلقاء المواعظ عليهم والإقناع بالأشكال المشروعة الأخرى (وهذا الموقف المزدوج هو ماتَحوَّل على يد المفكرين البروتستانت إلى العقيدة الاسترجاعية أو الألفية في القرنالسابع عشر الميلادي، ثم تمت علمنته تماماً في أواخر القرن الثامن عشر الميلاديليصبح فكرة الشعب العضوي المنبوذ التي تعني أن اليهود كتلة بشرية متماسكة متميزةمنعزلة عن المجتمع ومنبوذة منه).

    ويُلاحَظ أن العصور الوسطى في الغرب شهدتغياب التجانس بين أعضاء الجماعات اليهودية أكثر فأكثر، وهي العملية التي كانت قدبدأت بعد أن أسَّس الإسكندر إمبراطوريته. فبدأ اليهود يتحركون داخل فلك حضارتينأساسيتين هما: الفارسية واليونانية (ثم الرومانية). وانتشر أعضاء الجماعات اليهوديةعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في اليونان وإيطاليا وإسبانيا وشمال أفريقياوالإسكندرية وفلسطين وآسيا الصغرى. وكان معظم أعضاء الجماعات اليهودية، مع بدايةالعصور الوسطى في الغرب، يتركزون في الإمبراطورية البيزنطية. ولكن مركز اليهودية فيالعالم الغربي انتقل من بيزنطة إلى داخل أوربا ابتداءً من القرن التاسع الميلادي:جنوب فرنسا (الغال) ثم شمالها، وإنجلترا ثم ألمانيا. ومما زاد من عدم التجانس، عدموجود سلطة مركزية موحَّدة في الإقطاع الأوربي. فبعد موت شارلمان (814) بفترة قصيرة،تفسخت الإمبراطورية التي بناها وتفتتت سياسياً إثر هجمات الفايكنج من الشمال،وقبائل الدانوب شبه البدوية من الشرق، ومسلمي شمال أفريقيا من الجنوب. وقد استمرتالهجمات مدة قرنين، فأصبح الإقطاع واللامركزية هما الصفة الأساسية في المجتمعاتالغربية، وهو ما أضعف الملكية وزاد نفوذ الأمراء الإقطاعيين. وأصبحت الجماعاتاليهودية في العصور الوسطى نفسها تتسم بتنوع لغاتها وطقوسهاالدينية.

    وأهم هذه الجماعات الجماعة اليهودية في إسبانيا (السفارد) وفيجنوب فرنسا (يهود البروفنسال)، وفي إيطاليا (الإيطالياني)، وفي الإمبراطوريةالبيزنطية أي إمبراطورية الروم (الرومانيوت)، والجماعات اليهودية في ألمانيا ثمبولندا فيما بعد (الإشكناز). وكان أعضاء كل جماعة لا يختلطون بالضرورة بأعضاءالجماعات الأخرى (هذا على عكس وضع اليهود في العالم الإسلامي حيث كانوا أساساً مناليهود المستعربة الذين كانوا يتحدثون العربية. ومع هذا، كانت هناك جماعة يهوديةصغيرة في إيران اكتسبت كثيراً من خصائص المجتمع الذي كانت تعيش فيه. كما كان هناكيهود الخزر الأتراك في القوقاز ويهود كايفنج في الصين). وقد ازداد تَفتُّت الجماعاتاليهودية في الغرب بظهور الملكيات القوية فيما بعد، والتي كانت حريصة على الدفاع عناستقلالها القومي، ومن هنا يكون من المستحيل الحديث عن اليهود بشكل عام بعد سقوطالدولة الرومانية، ومن الأفضل الحديث عن الجماعات اليهودية.

    ولم يكنالمجتمع الغربي الوسيط مقسَّماً إلى دول وإمارات مستقلة تفتقد إلى سلطة مركزية قويةوحسب، وإنما كانت كل دولة وكل إمارة مكوَّنة من جماعات متماسكة منفصلة لكل منهاقوانينها؛ فكان النبلاء والأقنان الذين يعيشون في صميم النظام الإقطاعي يشتغلونبالقتال والزراعة، وكان التجار وأعضاء النقابات الحرفية أعضاء في البلديات، وكانالقساوسة وممثلو البيروقراطية الدينية تابعين للكنيسة. وقد تمتعت كل جماعة بدرجة منالاستقلال عن الجماعات الأخرى. أما أعضاء الجماعات اليهودية، فلم يكونوا مواطنين فيالمدينة ولا فلاحين في الضياع الإقطاعية، ولم يكونوا من الفرسان المحاربين، كماأنهم لم يكونوا بطبيعة الحال منتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية. وعلى كلٍّ، كانالانتماء للمجتمع الإقطاعي المسيحي يتطلب يمين الولاء المسيحي، الأمر الذي لم يكنمتاحاً لليهود إلا إذا تنصروا. وقد حُلَّت هذه المشكلة القانونية بالعودة إلىالقانون أو العرف الألماني، وتم تصنيف اليهود «غرباء».

    والغريب في العرفالألماني كان يُعدُّ تابعاً للملك تبعية مباشرة، ومن ثم أصبح أعضاء الجماعة مسئولينمسئولية مباشرة أمام الملك أو الإمبراطور، يتبعونه ويوضعون تحت حمايته، بل كانوايُعَدُّون ملكية خاصة له بالمعنى الحرفي (أقنان بلاط)، الأمر الذي حولهم إلى مايشبه أدوات الانتاج. وكان الملك يفرض عليهم ضرائب كانت تصب في خزانته كما أنه كانيبيعهم المواثيق والمزايا ويحقق من ذلك أرباحاً.

    ومع أن مفهوم أقنان البلاطكان كامناً في كثير من المواثيق والمراسيم منذ أيام شارلمان (742 ـ 814)، فإنهاستُخدم لأول مرة في مرسوم الملك فريدريك الأول عام 1157، ثم أكده فريدريك الثانيعام 1236 حين أصدر مرسوماً يشير إلى كل يهود ألمانيا باعتبارهم أقنان بلاط.

    وبوضعهم تحت حماية الإمبراطور مباشرة، أصبح اليهود جماعة وظيفية ماليةتابعة للطبقة الحاكمة أساساً، يتمتع أعضاؤها بحقوق تفوق في كثير من الأحيان حقوقعامة الشعب ولا تختلف أحياناً عن حقوق النبلاء ورجال الدين. فقد سُمح لهم، حتىالقرن الثالث عشر الميلادي، بحمل السلاح في كثير من البلاد الأوربية، وبامتلاكالأراضي الزراعية والعبيد غير المسيحيين، كما أعفوا من عقوبة الضرب ومن التعذيبأثناء المحاكمة، وأُعفوا أيضاً من غير ذلك من الممارسات التي كان الأقنان يخضعونلها. بل إن الزي الخاص الذي كان يرتديه أعضاء الجماعات اليهودية، والشارة التي كانعليهم تثبيتها على ملابسهم، كانا يُعَدّان مزايا يطالبون بها ويصرون عليها. والقبعةاليهودية حق آخر حصلوا عليه بمبادرة منهم. أما حق بناء سور حول منطقة سكنهم، فهيميزة سعوا إليها سعياً حثيثاً وحصلوا عليها كتابةً في المواثيق التي كانت تُمنَحلهم، وهي المناطق التي سُمِّيت فيما بعد «الجيتو». وقد حقق أعضاء الجماعات اليهوديةمستوى معيشياً مرتفعاً. ولذا، حينما حدث ما يشبه المجاعة في القرنين العاشر والحاديعشر الميلاديين، لا نجد لها أي صدى في المصادر اليهودية، وهو أمر متوقَّع بالنسبةلجماعة تتمتع بشيء من الثراء.

    ومع هذا، كان عضو الجماعة اليهودية الوظيفيةلا حول له ولا قوة إذ أنه، رغم تبعيته للملك والنخبة الحاكمة، كان يعيش بين قوىًشعبيــة لا تضـمر له حـباً ولا تشعـر نحـوه بأي عطـف، ويحيا في عزلة وغـربة عنهـا،الأمـر الذي زاد التصـاقه بالملك وبالنخبـة وزاد اعتمـاده عليهـم. وبذلك أصبـحتالجمـاعة اليهــودية فــي المجتمع الوسيط جماعة وظيفية وسيطة تضطلع بوظائف تتطلبالموضوعية والحياد، وأصبح وجودهم مرتبطاً بمدى نفعهم كأداة (على عكس وضع اليهود فيالمجتمعات الإسلامية حيث تحددت مكانة اليهود، شأنهم شأن أعضاء الجماعات والطوائفالأخرى، باعتبارهم من أهل الذمة، وهو مفهوم لا علاقة له بمسألة مدى نفع الإنسان).

    ولعل المزية الكبرى التي حصل عليها أعضاء الجماعات اليهودية هي حريةالحركة، إذ أصبحوا العنصر البشري الوحيد المتحرك في المجتمع. ذلك أن الأقنانوالفلاحين كانوا مرتبطين بالأرض رغم أنفهم، وكان النبلاء لا كيان لهم خارجإقطاعيتهم، ورجال الكنيسة يرتبط كل واحد منهم بكنيسته أو ديره، وكان التجارالمسيحيون تقف في طريقهم حواجز كثيرة تعوق حركتهم مثل ضرائب المرور التي كان اليهودمُعْفَيْنَ منها. ولكل هذا، تحوَّل أعضاء الجماعات اليهودية إلى عنصر متحركاستيطاني تجاري وتَرسَّخ المفهوم تماماً في الوجدان الغربي. وعلى سبيل المثال، قامشارلمان بتوطين بعض اليهود في ماركا هسبانيكا (في جنوب فرنسا) ليكونوا بمنزلة حاجزعلى حدود العالم المسيحي لوقف التوسع الإسلامي. وإذا كان أعضاء الجماعات اليهوديةقد عملوا بالزراعة في هذه التجربة، فإنهم عادةً ما كانوا يدعون إلى الاستيطانللاضطلاع بوظيفة التجارة باعتبارهم عنصراً بشرياً قادراً على تنشيط التجارة بسببخبراته ورأسماله وشبكة اتصالاته التجارية الواسعة وحركيته. وفي القرن الثامنالميلادي، على سبيل المثال، استوطن في فرنسـا عـدد من التجار اليهود بدعـوة منشـارلمان، بهدف تنشيط التجارة، فوضعهم تحت حمايته. ويُلاحَظ ارتباط اليهودبشارلمان، فهو أول من حاول أن يخلق إطاراً اقتصادياً جديداً يحل محل الإطارالروماني، كما كان أول من سك عملة فضية للتداول في أوربا، وبذلك جعل شارلمانالتبادل النقدي ممكناً بدلاً من المقايضة. وقد اتبع خلفاؤه السياسة نفسها في العصرالكارولنجي، فاشتغل اليهود بالتجارة والاستيراد والتصدير في وادي الرون ومقاطعةشامبين. ومن المعروف أن جنوب فرنسا كان المركز الأساسي للتجار اليهود الدوليينالذين أُطلق عليهم اسـم الراذانية (نسـبة إلى نهر الرون كما يُقال). وكان شمالفرنسا، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، يضم أهم تجمُّع يهودي فيفرنسا، كما كان مركزاً للدراسات التلمودية حيث كان راشي يقيم ويعمل بتجارة الخمورويكتب تعليقاته عن التلمود.

    ويُلاحَظ أن النمط نفسه تكرَّر حين تم تشجيعاستيطان اليهود في ألمانيا خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين بهدف تشجيعالتجارة. وبدأت تظهر جماعات يهودية في المراكز التجارية الأساسية مثل: مينزوأوجسبرج في القرن التاسع الميلادي، وورمز ومينز في القرن العاشر، وهي التي ازدهرتفيها مراكز الدراسات التلمودية. وكان أكثر مناطق الكثافة السكانية اليهودية هو واديالراين (مينز وسبير وورمز وكولونيا) حيث ظهرت هناك أيضاً حياة فكرية في القرنالحادي عشر الميلادي تحت تأثير يهود فرنسا. أما في إنجلترا، فمن المعروف أن بعضالمموّلين اليهود تمركزوا بعد الغزو النورماندي حيث أسسوا جماعات يهودية (في لندنويورك وبرستول وكانتربري) كانت تشتغل أساساً بالتجارة والإقراض ووُضعت تحت حمايةالتاج الإنجليزي. ولم يختلف الوضع كثيراً في إسبانيا المسيحية، فقد استخدم الأمراءالمسيحيون في بادئ الأمر أعضاء الجماعات اليهودية بعد خروج المسلمين، وظهرت فئةيهود البلاط هناك حيث استفاد الأمراء الأسبان من خبرات أعضاء الجماعات اليهودية فيأعمال التجارة والمال والإدارة. وفي القرن الثاني الميلادي استوطن اليهود في روما،وتركزوا في الموانئ الجنوبية ثم على طرق التجارة. وتدهورت أحوالهم قليلاً معتَحوُّل الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية، ولكنهم وُضعوا تحت حماية البابا معبداية العصر الوسيط. وظل أعضاء الجماعات اليهودية في جنوب إيطاليا يشتغلون بتجارةالجملة حتى حل تجار البندقية محلهم. وارتبط اليهود بالتجارة حيث سيطروا على التجارةالدولية والتجارة المحلية إلى أن ظهرت المدن الدول البحرية الإيطالية. ولهذا، فبعدأن كانت كلمة «يهودي» تشير في الدولة الرومانية إلى «عضو في قوم (إثنوس)»، أصبحتهذه الكلمة تدل على «التاجر».

    ولعل كل هذه السمات مجتمعة (ارتباط أعضاءالجماعات اليهودية بالنخبة الحاكمة، وحصولهم على حقوق ومزايا خاصة، واشتغالهمبالتجارة والربا) قد حددت علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالطبقات المختلفة فيالمجتمع، فعلاقتهم بالطبقات الثرية (الأمراء الإقطاعيين) لم تكن بكل وضوح علاقةصراع، ذلك لأنهم كانوا يحتاجون إلى اليهود رغم كرههم لهم وحقدهم عليهم نظراً لقربهممن الملك. أما الكنيسة، فقد ذكرنا موقفـها المزدوج من اليهـود. ويبقى بعد ذلك سكانالمدن والفلاحون، أي ما يمكن أن نطلق عليه الشعب أو الجماهير. وقد كان هؤلاء ينظرونإلى اليهودي باعتباره العدو المستغل، فكان سكان المدن الذين يعملون بالتجارة، يجدونأن اليهود فئة تعمل في المجال نفسه ولكنها ليست خاضعة لسيطرتهم أو تنظيماتهم بلخاضعة للملك مباشرة، الأمر الذي أعطى اليهود حرية في الحركة لم يكن التجارالمسيحيون أنفسهم يتمتعون بها. كما أن التجار المسيحيين كانوا خاضعين للأخلاقياتالمسيحية وما تفرضه عليهم من حدود وقيود. على عكس التاجر اليهودي، الذي كان علىاستعداد دائم لأن يتجاهل هذه الأخلاقيات متى سنحت له الفرصة. أما الفلاحونوالحرفيون، فكانوا يقعون ضحايا الربا اليهودي والنشاطات التجارية الأخرى التي اختصبها أعضاء الجماعات اليهودية. وكانت هذه الفئة من سكان المدن أعدى أعداء اليهود علىعكس كبار المموِّلين والتجار في المدينة حيث لم يكن هؤلاء يخشون سطوة اليهود نظراًلضخامة حجمهم ونفوذهم. وكثيراً ما كانت تقع اضطرابات ضد الجماعات اليهودية في المدنويقودها صغار المموِّلين والحرفيين. وقد كانت هذه الاضطرابات ذات طابع شعبي وكانتتنتشر بين جماهير لا تفهم طبيعة النظام ولا الطبيعة الملتوية وغير المباشرة لعمليةالاستغلال. ولذلك، كان الرمز المباشر والواضح للاستغلال وأداته الملموسة هو اليهوديالذي كان أداة الطبقة الحاكمة في امتصاص غضب الجماهير. وكانت النخبة الحاكمة (الإمبراطور و######### تبذل قصارى جهدها لحماية اليهود، وهو ما كان يدعم شكوكالجماهير.

    ويمكننا أن نُشبِّه أعضاء الجماعات اليهودية في العصور الوسطى (في الغرب) بالمماليك، وهم جماعة وظيفية أخرى كانت تعمل بالقتال. فأعضاء الجماعةاليهودية كانوا ملكية خاصة للإمبراطور، وهم مثل المماليك مختلفون إثنياً ووظيفياً (ومختلفون كذلك دينياً في حالة اليهود) عن بقية أفراد الشعب. وقد كانت وظيفتهم،كمحاربين أو تجار، تتطلب أن يظلوا غرباء عن المجتمع. فالتجارة كانت نشاطاً كريهاًولم تكن قط نشاطاً أساسياً في العصور الوسطى، أما القتال فقد كان وظيفة غير محببةويتطلب تَملُّك ناصيتها قدراً من التفرغ. ومع هذا، لم يكن اليهود مماليك مسلحين.وقد يكون من المناسب أن نسميهم «المماليك التجارية». وكان المماليك التجارية داخلالحضارة الغربية، مثلهم مثل المماليك، أداة استغلال ومحط كراهية الجماهير، ولكنهمكانوا عُزّلاً غير مسلحين. وقد كانت خطورة وضعهم داخل الحضارة الغربية كامنة فيالنظر إليهم باعتبارهم جماعة تكتسب طابعاً عاماً مجرداً، فكان الهجوم مثلاً علىاليهود يُنظَر إليه وكأنه اقتحام أحد المصارف أو تحطيم لآلات المصنع على نحـو ماكان يفـعل العمـال في أوربا في القرن التاسـع عشر الميلادي. ويمكن النظر إلى عمليةطردهم باعتبارها كانت تساوي عملية تأميم رأس المال الأجنبي، تماماً مثلما يحدث الآنفي بلاد العالم الثالث حينما تظهر طبقة تجارية محلية تضطلع بأعمال التجارة والمال،أو حينما تقوم الدولة نفسها بهذه الوظائف فتؤمم البنوك وتطرد العنصر الأجنبي.











 

صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  2. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الثاني
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 96
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:04 AM
  3. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML